حمل المصحف بكل صيغه

//

الثانوية العامة ٣ثانوي. /عقوبة من قتل نفسه؟/ وصف الجنة والحور العين /المدونة التعليمبة الثانية أسماء صلاح ٣.ثانوي عام/ الفتن ونهاية العالم /المقحمات ا.قانون الحق الإلهي اا /القرانيون الفئة الضالة اوه /قواعد وثوابت قرانية / مسائل صحيح مسلم وشروح النووي الخاطئة عليها اوهو /المسائل الفقهية في النكاح والطلاق والمتعة والرجعة /مدونة الصفحات المقتوحة /الخوف من الله الواحد؟ /قانون ثبات سنة الله في الخلق /اللهم ارحم أبي وأمي والصالحين /السيرة النبوية /مدونة {استكمال} مدونة قانون الحق الإلهي /مدونة الحائرين /الجنة ومتاعها والنار وسوء جحيمها عياذا بالله الواحد. /لابثين فيها أحقابا /المدونة المفتوحة /نفحات من سورة الزمر /أُمَّاهُ عافاكِ الله ووالدي ورضي عنكما ورحمكما/ ترجمة معان القران /مصنفات اللغة العربية /كتاب الفتن علامات القيامة لابن كثير /قانون العدل الإلهي /الفهرست /جامعة المصاحف /قانون الحق الإلهي /تخريجات أحاديث الطلاق متنا وسندا /تعلم للتفوق بالثانوية العامة /مدونات لاشين /الرافضة /قانون الحق الألهي ٣ /قانون الحق الإلهي٤. /حدود التعاملات العقائدية بين المسلمين /المقحمات اا. /منصة الصلاة اا /مدونة تخفيف//

 حمل المصحف القرآن الكريم وورد word doc icon تحميل المصحف الشريف بصيغة pdf تحميل القرآن الكريم مكتوب بصيغة وورد تحميل سورة العاديات مكتوبة pdf 

تفسير المرسلات* جواهر القران لأبي حامد الغزالي *كتاب جواهر القرآن أبو حامد الغزالي

Translate

الثلاثاء، 22 ديسمبر 2020

مقدمة ابن الصلاح

 

اعداد الدكتور عبد الغفار سليمان البنداري

 

يعد هذا الكتاب أشهر كتاب في علم مصطلح الحديث على الإطلاق ذكر فيه ابن الصلاح (65) نوعًا من علوم الحديث ، وقد قال عنه ابن حجر فاجتمع في كتابه ما تفرق في غيره فلهذا عكف الناس عليه وساروا بسيره ، فلا يحصى كم ناظم له ومختصر ، ومستدرك عليه ومقتصر ، ومعارض له ومنتصر

  النوع الأول ‏:‏ معرفة الصحيح

  النوع الثاني : معرفة الحسن

  النوع الثالث‏:‏ معرفة الضعيف

  النوع الرابع‏:‏ معرفة المسند

  النوع الخامس‏:‏ معرفة المتصل

  النوع السادس‏:‏ معرفة المرفوع

  النوع السابع‏:‏ معرفة الموقوف

  النوع الثامن‏:‏ معرفة المقطوع

  النوع التاسع‏:‏ معرفة المرسل

  النوع العاشر‏:‏ معرفة المنقطع

  النوع الحادي عشر‏:‏ معرفة المعضل

  النوع الثاني عشر‏:‏ معرفة التدليس وحكم المدلس

  النوع الثالث عشر‏:‏ معرفة الشاذ

  النوع الرابع عشر‏:‏ معرفة المنكر

  النوع الخامس عشر‏:‏ معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

  النوع السادس عشر‏:‏ معرفة زيادات الثقات وحكمها

  النوع السابع عشر‏:‏ معرفة الأفراد

  النوع الثامن عشر‏:‏ معرفة الحديث المعلل

  النوع التاسع عشر‏:‏ معرفة المضطرب

  النوع العشرون‏:‏ معرفة المدرج

  النوع الحادي والعشرون‏:‏ معرفة الموضوع

  النوع الثاني والعشرون‏:‏ معرفة المقلوب

  النوع الثالث والعشرون‏:‏ معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد

  النوع الرابع والعشرون‏:‏ معرفة كيفية سماع الحديث وتحمله

  النوع السادس والعشرون‏:‏ في صفة رواية الحديث وشرط أدائه

  النوع السابع والعشرون‏:‏ معرفة آداب المحدث

  النوع الثامن والعشرون‏:‏ معرفة آداب طالب الحديث

  النوع التاسع والعشرون‏:‏ معرفة الإسناد العالي والنازل

  النوع الموفي ثلاثين‏:‏ معرفة المشهور من الحديث

  النوع الحادي والثلاثون‏:‏ معرفة الغريب والعزيز

  النوع الثاني والثلاثين‏:‏ معرفة غريب الحديث

  النوع الثالث والثلاثون‏: ‏معرفة المسلسل من الحديث

  النوع الرابع والثلاثون‏:‏ معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه

  النوع الخامس والثلاثون‏:‏ معرفة المصحَّف

  النوع السادس والثلاثون‏:‏ معرفة مختلف الحديث

  النوع السابع والثلاثون‏:‏ معرفة المزيد في متصل الأسانيد

  النوع الثامن والثلاثون‏:‏ معرفة المراسيل الخفي إرسالها

  النوع التاسع والثلاثون‏:‏ معرفة الصحابة

  النوع الموفي أربعين‏:‏ معرفة التابعين

  النوع الحادي والأربعون‏:‏ معرفة الأكابر الرواة عن الأصاغر

  النوع الثاني والأربعون‏:‏ معرفة المدبج

  النوع الثالث والأربعون‏:‏ معرفة الإخوة والأخوات

  النوع الرابع والأربعون‏:‏ معرفة رواية الآباء عن الأبناء

  النوع الخامس والأربعون‏:‏ معرفة رواية الأبناء عن الآباء

  النوع السادس والأربعون‏:‏ معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان

  النوع السابع والأربعون‏:‏ معرفة من لم يرو عنه إلا راو واحد

  النوع الثامن والأربعون‏:‏ معرفة من ذكر بأسماء مختلفة

  النوع التاسع و الأربعون‏:‏ معرفة المفردات الآحاد

  النوع الموفي خمسين‏:‏ معرفة الأسماء والكنى

  النوع الحادي والخمسون‏:‏ معرفة كني المعروفين بالأسماء دون الكنى

  النوع الثاني والخمسون‏:‏ معرفة ألقاب المحدثين

  النوع الثالث والخمسون‏:‏ معرفة المؤتلف والمختلف

  النوع الرابع والخمسون‏:‏ معرفة المتفق والمفترق

  النوع الخامس والخمسون‏:‏ نوع يتركب من النوعين اللذين قبله

  النوع السادس والخمسون‏:‏ معرفة الرواة المتشابهين

  النوع السابع والخمسون‏:‏ معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم

  النوع الثامن والخمسون‏:‏ معرفة النسب التي باطنها على خلاف ظاهرها

  النوع التاسع والخمسون‏:‏ معرفة المبهمات

  النوع الموفي ستين‏:‏ معرفة تواريخ الرواة

  النوع الحادي والستون‏:‏ معرفة الثقات والضعفاء

  النوع الثاني والستون‏:‏ معرفة من خلط في آخر عمره

  النوع الثالث والستون‏:‏ معرفة طبقات الرواة والعلماء

  النوع الرابع والستون‏:‏ معرفة الموالي

  النوع الخامس والستون‏:‏ معرفة أوطان الرواة وبلدانهم

 

 

1.بسم الله الرحمن الرحيم

 

‏(‏3‏)‏ قال الشيخ الإمام الحافظ، مفتي الشام، تقي الدين، أبو عمر، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان بن موسى بن أبي نصر، النصري الشهرزوري الشافعي، المعروف ‏(‏بابن الصلاح‏)‏، عليه الرحمة‏:‏ ‏(‏‏(‏ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيّئ لنا من أمرنا رشداً‏)‏‏)‏‏.‏

الحمد لله الهادي من استهداه، الواقي من اتقاه، الكافي من تحرَّى رضاه، حمداً بالغاً أمد التمام ومنتهاه‏.‏

والصلاة والسلام الأتمان الأكملان على نبينا والنبيين، وآل كل، ما رجا راجٍ مغفرته ورحماه، آمين‏.‏

هذا‏:‏ وإن علم الحديث من أفضل العلوم الفاضلة، وأنفع الفنون النافعة، يحبه ذكور الرجال وفحولتهم، ويُعنى به محققو العلماء وكملتهم، ولا يكرهه من الناس إلا رُذالتهم وسفلتهم‏.‏ وهو من أكثر العلوم تولجاً في فنونها، لا سيما الفقه الذي هو إنسان عيونها‏.‏ ولذلك كثر غلط العاطلين منه من مصنفي الفقهاء، وظهر الخلل في كلام المخلين به من العلماء‏.‏

‏(‏4‏)‏ ولقد كان شأن الحديث فيما مضى عظيماً، عظيمة جموع طلبته، رفيعة مقادير حفاظه وحملته‏.‏ وكانت علومه بحياتهم حية، وأفنان فنونه ببقائهم غضة، ومغانيه بأهله آهلة فلم يزالوا في انقراض، ولم يزل في اندراس، حتى آضت به الحال إلى أن صار أهله إنما هم شرذمة قليلة العدد، ضعيفة العُدد‏.‏

لا تغني على الأغلب في تحمله بأكثر من سماعه غفلاً، ولا تعنى في تقييده بأكثر من كتابته عطلاً، مُطَّرِحين علومه التي بها جل قدره، مباعدين معارفه التي بها فخم أمره‏.‏

فحين كاد الباحث عن مشكله لا يلفي له كاشفاً، والسائل عن علمه لا يلقى به عارفاً، منَّ الله الكريم تبارك وتعالى عليَّ - وله الحمد - أن أجمع بكتاب ‏(‏معرفة أنواع علوم الحديث‏)‏، هذا الذي باح بأسراره الخفية، وكشف عن مشكلاته الأبية، وأحكم معاقده، وأقعد قواعده، وأنار معالمه، وبـَّين أحكامه، وفصل أقسامه، وأوضح أصوله، وشرح فروعه وفصوله، وجمع شتات علومه وفوائده، وقنص ‏(‏5‏)‏ شوارد نكته وفرائده‏.‏ فالله العظيم - الذي بيده الضر والنفع، والإعطاء والمنع - أسأل، وإليه أضرع وأبتهل، متوسلاً إليه بكل وسيلة، متشفعاً، إليه بكل شفيع، أن يجعله ملياً بذلك وأملى، وفيِّاً بكل ذلك وأوفى‏.‏ وأن يعظم الأجر والنفع به في الدارين، إنه قريب مجيب‏.‏ ‏(‏‏(‏وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب‏)‏‏)‏‏.‏

وهذه فهرسة أنواعه‏:‏

فالأول منها‏:‏ معرفة الصحيح من الحديث‏.‏

الثاني‏:‏ معرفة الحسن من الحديث‏.‏

الثالث‏:‏ معرفة الضعيف من الحديث‏.‏

الرابع‏:‏ معرفة المسند‏.‏

الخامس‏:‏ معرفة المتصل‏.‏

السادس‏:‏ معرفة المرفوع‏.‏

السابع‏:‏ معرفة الموقوف‏.‏

الثامن‏:‏ معرفة المقطوع، وهو غير المنقطع‏.‏

التاسع‏:‏ معرفة المرسل‏.‏

العاشر‏:‏ معرفة المنقطع‏.‏

‏(‏6‏)‏ الحادي عشر‏:‏ معرفة المعضل، ويليه تفريعات، منها في الإسناد المعنعن، ومنها في التعليق‏.‏

الثاني عشر‏:‏ معرفة التدليس وحكم المدلّس‏.‏

الثالث عشر‏:‏ معرفة الشاذ‏.‏

الرابع عشر‏:‏ معرفة المنكر‏.‏

الخامس عشر‏:‏ معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

السادس عشر‏:‏ معرفة زيادات الثقات وحكمها

السابع عشر‏:‏ معرفة الأفراد‏.‏

الثامن عشر‏:‏ معرفة الحديث المعلل‏.‏

التاسع عشر‏:‏ معرفة المضطرب من الحديث‏.‏

العشرون‏:‏ معرفة المدرج في الحديث‏.‏

الحادي والعشرون‏:‏ معرفة الحديث الموضوع‏.‏

الثاني والعشرون‏:‏ معرفة المقلوب‏.‏

الثالث والعشرون‏:‏ معرفة صفة من تُقبل روايته ومن تُرد روايته‏.‏

الرابع والعشرون‏:‏ معرفة كيفية سماع الحديث وتحمّله، وفيه بيان أنواع الإجازة وأحكامها وسائر وجوه الأخذ والتحمل، وفيه علم جم‏.‏

الخامس والعشرون‏:‏ معرفة كتابة الحديث وكيفية ضبط الكتاب وتقييده، وفيه معارف مهمة رائقة‏.‏

السادس والعشرون‏:‏ معرفة كيفية رواية الحديث وشرط أدائه وما يتعلق بذلك، وفيه كثير من نفائس هذا العلم‏.‏

السابع والعشرون‏:‏ معرفة آداب المحدِّث‏.‏

الثامن والعشرون‏:‏ معرفة آداب طالب الحديث‏.‏

‏(‏7‏)‏ التاسع والعشرون‏:‏ معرفة الإسناد العالي والنازل‏.‏

الموفي ثلاثين‏:‏ معرفة المشهور من الحديث‏.‏

الحادي والثلاثون‏:‏ معرفة الغريب والعزيز من الحديث‏.‏

الثاني والثلاثون‏:‏ معرفة غريب الحديث‏.‏

الثالث والثلاثون‏:‏ معرفة المسلسل‏.‏

الرابع والثلاثون‏:‏ معرفة ناسخ الحديث ومنسوخه‏.‏

الخامس والثلاثون‏:‏ معرفة المصحَّف من أسانيد الأحاديث ومتونها‏.‏

السادس والثلاثون‏:‏ معرفة مختلِف الحديث‏.‏

السابع والثلاثون‏:‏ معرفة المزيد في متصل الأسانيد‏.‏

الثامن والثلاثون‏:‏ معرفة المراسيل الخفي إرسالها‏.‏

التاسع والثلاثون‏:‏ معرفة الصحابة رضي الله عنهم‏.‏

الموفي أربعين‏:‏ معرفة التابعين رضي الله عنهم‏.‏

الحادي والأربعون‏:‏ معرفة أكابر الرواة عن الأصاغر‏.‏

الثاني والأربعون‏:‏ معرفة المدبج وما سواه من رواية الأقران بعضهم عن بعض‏.‏

الثالث والأربعون‏:‏ معرفة الإخوة والأخوات من العلماء والرواة‏.‏

الرابع والأربعون‏:‏ معرفة رواية الآباء عن الأبناء‏.‏

الخامس والأربعون‏:‏ عكس ذلك‏:‏ معرفة رواية الأبناء عن الآباء‏.‏

السادس والأربعون‏:‏ معرفة من اشترك في الرواية عنه راويان متقدم ومتأخر، تباعد ما بين وفاتيهما‏.‏

السابع والأربعون‏:‏ معرفة من لم يروِ عنه إلا راوٍ واحد‏.‏

‏(‏8‏)‏ الثامن والأربعون‏:‏ معرفة من ذكر بأسماء مختلفة أو نعوت متعددة‏.‏

التاسع والأربعون‏:‏ معرفة المفردات من أسماء الصحابة والرواة والعلماء‏.‏

الموفي خمسين‏:‏ معرفة الأسماء والكنى‏.‏

الحادي والخمسون‏:‏ معرفة كنى المعروفين بالأسماء دون الكنى‏.‏

الثاني والخمسون‏:‏ معرفة ألقاب المحدثين‏.‏

الثالث والخمسون‏:‏ معرفة المؤتلف والمختلف‏.‏

الرابع والخمسون‏:‏ معرفة المتفق والمفترق‏.‏

الخامس والخمسون‏:‏ نوع يتركب من هذين النوعين‏.‏

السادس والخمسون‏:‏ معرفة الرواة المتشابهين في الاسم و النسب، المتمايزين بالتقديم والتأخير في الابن والأب‏.‏

السابع والخمسون‏:‏ معرفة المنسوبين إلى غير آبائهم‏.‏

الثامن والخمسون‏:‏ معرفة الأنساب التي باطنها على خلاف ظاهرها‏.‏

التاسع والخمسون‏:‏ معرفة المبهمات‏.‏

الموفي ستين‏:‏ معرفة تواريخ الرواة في الوفيات وغيرها‏.‏

الحادي والستون‏:‏ معرفة الثقات والضعفاء من الرواة‏.‏

الثاني والستون‏:‏ معرفة من خلَّط في آخر عمره من الثقات‏.‏

الثالث والستون‏:‏ معرفة طبقات الرواة والعلماء‏.‏

الرابع والستون‏:‏ معرفة الموالي من الرواة والعلماء‏.‏

الخامس والستون‏:‏ معرفة أوطان الرواة وبلدانهم‏.‏

وذلك - أي النوع الخامس و الستون - آخرها، وليس بآخر الممكن في ذلك، فإنه قابل للتنويع إلى ما لا يحصى، إذ لا تحصى أحوال رواة الحديث وصفاتهم، ولا أحوال متون الحديث وصفاتها، وما من حالة منها ولا صفة إلا وهي بصدد أن تفرد بالذكر وأهلها، فإذا هي نوع على حياله، ولكنه نصب من غير أرب، وحسبنا الله ونعم الوكيل‏.‏

النوع الأول : معرفة الصحيح

  فوائد مهمة

  الفائدة الأولى

  الفائدة الثانية‏

  الفائدة الثالثة

  الفائدة الرابعة

  الفائدة الخامسة

  الفائدة السادسة

  الفائدة السابعة‏

  أقسام الصحيح

  الثاني‏:‏ صحيح انفرد به البخاري

  الثالث‏:‏ صحيح انفرد به مسلم

  الرابع‏:‏ صحيح على شرط البخاري ومسلم

  الخامس‏:‏ صحيح على شرط البخاري

  السادس‏:‏ صحيح على شرط مسلم

  السابع‏:‏ صحيح عند غير البخاري ومسلم

  الفائدة الثامنة

*1* النوع الأول من أنواع علوم الحديث‏:‏ معرفة الصحيح من الحديث‏(‏9‏)‏

اعلم- علمك الله وإياي - أن الحديث عند أهله ينقسم إلى صحيح وحسن وضعيف‏:‏

أما الحديث الصحيح‏:‏ فهو الحديث المسند، الذي يتصل إسناده بنقل العدل الضابط عن العدل الضابط إلى منتهاه، ولا يكون شاذاً، ولا معللاً‏.‏

وفي هذه الأوصاف احتراز عن المرسل، والمنقطع، والمعضل، والشاذ، وما فيه علة قادحة، وما في راويه نوع جرح‏.‏ وهذه أنواع يأتي ذكرها إن شاء الله تبارك وتعالى‏.‏

فهذا هو الحديث الذي يحكم له بالصحة بلا خلاف بين أهل الحديث‏.‏ وقد يختلفون في صحة بعض الأحاديث لاختلافهم في وجود هذه الأوصاف فيه، أو‏:‏ لاختلافهم في اشتراط بعض هذه الأوصاف، كما في المرسل‏.‏

ومتى قالوا‏:‏ هذا حديث صحيح، فمعناه‏:‏ أنه اتصل سنده مع سائر الأوصاف المذكورة‏.‏ وليس من شرطه أن يكون مقطوعاً به في نفس الأمر، إذ منه ما ينفرد بروايته عدل واحد، وليس من الأخبار التي أجمعت الأمة على تلقيها بالقبول‏.‏

وكذلك إذا قالوا في حديث‏:‏ إنه غير صحيح، فليس ذلك قطعاً بأنه كذب في نفس الأمر، إذ قد يكون صدقاً في نفس الأمر، وإنما المراد به‏:‏ أنه لم يصح إسناده على الشرط المذكور، والله أعلم‏.‏

*2* فوائد مهمة ‏(‏10‏)‏‏:‏

 إحداها‏:‏ الصحيح يتنوع إلى متفق عليه، ومختلف فيه، كما سبق ذكره‏.‏ ويتنوع إلى مشهور، وغريب، وبين ذلك‏.‏

ثم إن درجات الصحيح تتفاوت في القوة بحسب تمكن الحديث من الصفات المذكورة التي تبتنى الصحة عليها‏.‏ وتنقسم باعتبار ذلك إلى أقسام يستعصي إحصاؤها على العاد الحاصر‏.‏ ولهذا نرى الإمساك عن الحكم لإسناد أو حديث بأنه الأصح على الإطلاق‏.‏ على أن جماعة من أئمة الحديث خاضوا غمرة ذلك، فاضطربت أقوالهم‏.‏

فروينا عن‏(‏إسحاق بن راهويه‏)‏ أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها‏:‏ الزهري، عن سالم، عن أبيه‏.‏ وروينا نحوه عن‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏‏.‏

وروينا عن ‏(‏عمرو بن علي الفلاس‏)‏ أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد‏:‏ محمد بن سيرين، عن عَبيِدة، عن علي‏.‏ وروينا نحوه عن ‏(‏علي بن المديني‏)‏‏.‏ روي ذلك عن غيرهما‏.‏

ثم منهم من عـَّين الراوي عن محمد، وجعله أيوب السختياني‏.‏ ومنهم من جعله ابن عون‏.‏

وفيما نرويه عن ‏(‏يحيى بن معين‏)‏ أنه قال‏:‏ أجودها‏:‏ الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد الله‏.‏

وروينا عن أبي بكر بن أبي شيبة قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها‏:‏ الزهري، عن علي بن الحسين، عن أبيه، عن علي‏.‏

وروينا عن ‏(‏أبي عبد الله البخاري‏)‏ - صاحب الصحيح - أنه قال‏:‏ أصح الأسانيد كلها‏:‏ مالك، عن نافع، عن ابن عمر‏.‏ وبنى الإمام ‏(‏أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي‏)‏ على ذلك‏:‏ أن أجلّ الأسانيد الشافعي، عن مالك، عن نافع،‏(‏11‏)‏ عن ابن عمر، واحتج بإجماع أصحاب الحديث على أنه‏:‏ لم يكن في الرواة عن مالك أجلُّ من الشافعي، رضي الله عنهم أجمعين، والله أعلم‏.‏

 الثانية‏:‏ إذا وجدنا فيما نروي من أجزاء الحديث وغيرها حديثاً صحيح الإسناد، ولم نجده في أحد الصحيحين، ولا منصوصاً على صحته في شيء من مصنفات أئمة الحديث المعتمدة المشهورة، فإنا لا نتجاسر على جزم الحكم بصحته، فقد تعذر في هذه الأعصار الاستقلال بإدراك الصحيح بمجرد اعتبار الأسانيد، لأنه ما من إسناد من ذلك إلا ونجد في رجاله من اعتمد في روايته على ما في كتابه، عريِّاً عما يشترط في الصحيح من الحفظ والضبط والإتقان‏.‏ فآل الأمر إذاً - في معرفة الصحيح والحسن - إلى الاعتماد على ما نص عليه أئمة الحديث في تصانيفهم المعتدة المشهورة، التي يؤمن فيها لشهرتها من التغيير والتحريف، وصار معظم المقصود - بما يتداول من الأسانيد خارجاً عن ذلك - إبقاء سلسلة الإسناد التي خصت بها هذه الأمة، زادها الله تعالى شرفاً، آمين‏.‏

 الثالثة‏:‏ أول من صنف الصحيح ‏(‏البخاري أبو عبد الله محمد بن إسماعيل الجعفي‏)‏، مولاهم‏.‏ وتلاه ‏(‏أبو الحسين مسلم بن الحجاج النيسابوري القشيري‏)‏، من أنفسهم‏.‏ و‏(‏مسلم‏)‏ - مع أنه أخذ عن‏(‏البخاري‏)‏ واستفاد منه - يشاركه في أكثر شيوخه‏.‏

وكتاباهما أصح الكتب بعد كتاب الله العزيز‏.‏ وأما ما روينا عن ‏(‏الشافعي‏)‏ رضي الله عنه من أنه قال‏:‏ ما أعلم في الأرض كتاباً في العلم أكثر صواباً من كتاب ‏(‏مالك‏)‏ - ومنهم من رواه بغير هذا اللفظ - فإنما قال ذلك قبل وجود كتابي ‏(‏البخاري ومسلم‏)‏‏.‏

ثم إن ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ أصح الكتابين صحيحاً، وأكثرهما فوائد‏.‏ وأما ما رويناه عن ‏(‏أبي علي الحافظ النيسابوري‏)‏ - أستاذ ‏(‏الحاكم أبي عبد الله الحافظ‏)‏ - من أنه ‏(‏12‏)‏ قال‏:‏ ما تحت أديم السماء كتاب أصح من كتاب ‏(‏مسلم بن الحجاج‏)‏‏.‏ فهذا - وقول من فضل من شيوخ المغرب ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ - إن كان المراد به‏:‏ أن ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ يترجح بأنه لم يمازجه غير الصحيح، فإنه ليس فيه بعد خطبته إلا الحديث الصحيح مسروداً، غير ممزوج بمثل ما في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ في تراجم أبوابه من الأشياء التي لم يسندها على الوصف المشروط في الصحيح، فهذا لا بأس به‏.‏ وليس يلزم منه أن ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ أرجح فيما يرجع إلى نفس الصحيح على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏‏.‏ وإن كان المراد به‏:‏ أن ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ أصح صحيحاً، فهذا مردود على من يقوله‏.‏ والله أعلم‏.‏

 الرابعة‏:‏ لم يستوعبا الصحيح في صحيحيهما، ولا التزما ذلك‏.‏

فقد روينا عن ‏(‏البخاري‏)‏ أنه قال‏:‏ ما أدخلت في كتابي الجامع إلا ما صحَّ، وتركت من الصحاح لملال الطول‏.‏

وروينا عن ‏(‏مسلم‏)‏ أنه قال‏:‏ ليس كل شيء عندي صحيح وضعته ههنا - يعني في كتابه الصحيح - إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه‏.‏

قلت‏:‏ أراد - والله أعلم - أنه لم يضع في كتابه إلا الأحاديث التي وجد عنده فيها شرائط الصحيح المجمع عليه، وإن لم يظهر اجتماعها في بعضها عند بعضهم‏.‏

ثم إن ‏(‏أبا عبد الله بن الأخرم الحافظ‏)‏ قال‏:‏ قلَّ ما يفوت ‏(‏البخاري ومسلماً‏)‏ مما يثبت من الحديث‏.‏ يعني في كتابيهما‏.‏ ولقائل أن يقول‏:‏ ليس ذلك بالقليل، فإن ‏(‏المستدرك على الصحيحين‏)‏ ‏(‏للحاكم أبي عبد الله‏)‏ كتاب كبير، يشتمل مما فاتهما على شيء كثير وإن يكن عليه في بعضه مقال فإنه يصفو له منه صحيح كثير‏.‏ وقد ‏(‏13‏)‏ قال ‏(‏البخاري‏)‏‏:‏ أحفظ مائة ألف حديث صحيح، ومائتي ألف حديث غير صحيح‏.‏ وجملة ما في كتابه الصحيح سبعة آلاف ومائتان وخمسة وسبعون حديثاً بالأحاديث المتكررة‏.‏ وقد قيل‏:‏ إنها بإسقاط المكررة أربعة آلاف حديث‏.‏ إلا أن هذه العبارة قد يندرج تحتها عندهم آثار الصحابة والتابعين‏.‏ وربما عدَّ الحديث الواحد المروي بإسنادين حديثين‏.‏

ثم إن الزيادة في الصحيح على ما في الكتابين يتلقاها طالبها مما اشتمل عليه أحد المصنفات المعتمدة المشهورة لأئمة الحديث‏:‏ ‏(‏كأبي داود السجستاني‏)‏، و‏(‏أبي عيسى الترمذي‏)‏، و‏(‏أبي عبد الرحمن النسائي‏)‏، و‏(‏أبي بكر بن خزيمة‏)‏، و‏(‏أبي الحسن الدارقطني‏)‏، وغيرهم‏.‏ منصوصاً على صحته فيها‏.‏

ولا يكفي في ذلك مجرد كونه موجوداً في ‏(‏كتاب أبي داود‏)‏، و‏(‏كتاب الترمذي‏)‏، و‏(‏كتاب النسائي‏)‏، وسائر من جمع في كتابه بين الصحيح وغيره‏.‏

ويكفي مجرد كونه موجوداً في كتب من اشترط منهم الصحيح فيما جمعه، ‏(‏ككتاب ابن خزيمة‏)‏‏.‏ وكذلك ما يوجد في الكتب المخرجة على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ و‏(‏كتاب مسلم‏)‏، ‏(‏ككتاب أبي عوانة الإسفرائيني‏)‏، و‏(‏كتاب أبي بكر الإسماعيلي‏)‏، و‏(‏كتاب أبي بكر البرقاني‏)‏، وغيرها، من تتمة لمحذوف، أو زيادة شرح في كثير من أحاديث الصحيحين‏.‏ وكثير من هذا موجود في ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ ‏(‏لأبي عبد الله الحميدي‏)‏‏.‏

واعتنى ‏(‏الحاكم أبو عبد الله الحافظ‏)‏ بالزيادة في عدد الحديث الصحيح على ما في الصحيحين، وجمع ذلك في كتاب سماه ‏(‏المستدرك‏)‏ أودعه ما ليس في واحد من الصحيحين‏:‏ مما رآه على شرط الشيخين قد أخرجا عن رواته في كتابيهما، أو على شرط البخاري وحده، أو على شرط مسلم وحده، وما أدى اجتهاده إلى تصحيحه وإن لم يكن على شرط واحد منهما‏.‏

‏(‏14‏)‏ وهو واسع الخطو في شرط الصحيح، متساهل في القضاء به‏.‏ فالأولى أن نتوسط في أمره فنقول‏:‏ ما حكم بصحته، ولم نجد ذلك فيه لغيره من الأئمة، إن لم يكن من قبيل الصحيح فهو من قبيل الحسن، يحُتج به ويُعمل به، إلاَّ أن تظهر فيه علَّة توجب ضعفه‏.‏

ويقاربه في حكمه ‏(‏صحيح أبي حاتم بن حبان البستي‏)‏، رحمهم الله أجمعين‏.‏ والله أعلم‏.‏

 الخامسة‏:‏ الكتب المخرجة على ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ أو ‏(‏كتاب مسلم‏)‏، رضي الله عنهما، لم يلتزم مصنفوها فيها موافقتهما في ألفاظ الأحاديث بعينها من غير زيادة ونقصان، لكونهم رووا تلك الأحاديث من غير جهة البخاري ومسلم، طلباً لعلوِّ الإسناد فحصل فيها بعض التفاوت في الألفاظ‏.‏

وهكذا ما أخرجه المؤلفون في تصانيفهم المستقلة‏:‏ ‏(‏كالسنن الكبير للبيهقي‏)‏، و‏(‏شرح السنة لأبي محمد البغوي‏)‏، وغيرهما، مما قالوا فيه‏:‏ أخرجه البخاري أو مسلم، فلا يستفاد بذلك أكثر من أن ‏(‏البخاري أو مسلماً‏)‏ أخرج أصل ذلك الحديث، مع احتمال أن يكون بينهما تفاوت في اللفظ، وربما كان تفاوتاً في بعض المعنى، فقد وجدت في ذلك ما فيه بعض التفاوت من حيث المعنى‏.‏

وإذا كان الأمر في ذلك على هذا فليس لك أن تنقل حديثاً منها وتقول‏:‏ هو على هذا الوجه في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ أو ‏(‏كتاب مسلم‏)‏، إلا أن تقابل لفظه، أو يكون الذي خرجه قد قال أخرجه ‏(‏البخاري‏)‏ بهذا اللفظ‏.‏

بخلاف الكتب المختصرة من الصحيحين، فإن مصنفيها نقلوا فيها ألفاظ الصحيحين أو أحدهما‏.‏ غير أن ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ ‏(‏للحُميدي الأندلسي‏)‏ منها يشتمل على زيادة تتمات لبعض الأحاديث، كما قدمنا ذكره، فربما نقل من لا يميز بعض ما يجده فيه عن الصحيحين أو أحدهما وهو مخطئ، لكونه من تلك الزيادات التي لا وجود لها في واحد من الصحيحين‏.‏

‏(‏15‏)‏ ثم إن التخاريج المذكورة على الكتابين يستفاد منها فائدتان‏:‏ إحداهما‏:‏ علو الإسناد‏.‏ والثانية‏:‏ الزيادة في قدر الصحيح، لما يقع فيها من ألفاظ زائدة وتتمات في بعض الأحاديث، يثبت صحتها بهذه التخاريج، لأنها واردة بالأسانيد الثابتة في الصحيحين أو أحدهما، وخارجة من ذلك المخرج الثابت، والله أعلم‏.‏

 السادسة‏:‏ ما أسنده ‏(‏البخاري ومسلم‏)‏ - رحمهما الله - في كتابيهما بالإسناد المتصل فذلك الذي حكما بصحته بلا إشكال‏.‏ وأما المعلق - وهو الذي حُذف من مبتدأ إسناده واحد أو أكثر - وأغلب ما وقع ذلك في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏، وهو في ‏(‏كتاب مسلم‏)‏ قليل جداً، ففي بعضه نظر‏.‏

وينبغي أن تقول‏:‏ ما كان من ذلك ونحوه بلفظ فيه جزم، وحكم به على من علقه عنه، فقد حكم بصحته عنه‏.‏

مثاله‏:‏ قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ كذا وكذا، قال‏:‏ ابن عباس كذا، قال مجاهد‏:‏ كذا، قال عفان‏:‏ كذا‏.‏ قال القعنبي‏:‏ كذا، روى أبو هريرة كذا وكذا، وما أشبه ذلك من العبارات‏.‏

فكل ذلك حكم منه على من ذكره عنه بأنه قد قال ذلك ورواه، فلن يستجيز إطلاق ذلك إلا إذا صح عنده ذلك عنه‏.‏

ثم إذا كان الذي علق الحديث عنه دون الصحابة‏:‏ فالحكم بصحته يتوقف على اتصال الإسناد بينه وبين الصحابي‏.‏

وأما ما لم يكن في لفظه جزم وحكم، مثل‏:‏ رُوي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، أو روي عن فلان كذا، أو في الباب عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كذا وكذا، فهذا وما أشبهه من الألفاظ ليس في شيء منه حكم منه بصحة ذلك عمن ذكره عنه، لأن مثل هذه العبارات تستعمل في الحديث الضعيف أيضاً‏.‏ ومع ذلك فإيراده له في أثناء الصحيح مشعر بصحة أصله إشعاراً يؤنس به ويركن إليه، والله أعلم‏.‏

‏(‏16‏)‏ ثم إن ما يتقاعد من ذلك عن شرط الصحيح قليل، يوجد في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ في مواضع من تراجم الأبواب دون مقاصد الكتاب وموضوعه، الذي يشعر به اسمه الذي سماه به، وهو‏:‏ ‏(‏الجامع المسند الصحيح، المختصر من أمور رسول الله صلى الله عليه وسلم وسننه وأيامه‏)‏‏.‏

وإلى الخصوص الذي بيناه يرجع مطلق قوله‏:‏ ما أدخلت في كتاب الجامع إلا ما صح‏.‏

وكذلك مطلق قول ‏(‏الحافظ أبي نصر الوايلي السجزي‏)‏‏:‏ أجمع أهل العلم - الفقهاء وغيرهم - على أن رجلاً لو حلف بالطلاق‏:‏ أن جميع ما في ‏(‏كتاب البخاري‏)‏ مما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد صح عنه، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم- قاله لا شك فيه، أنه لا يحنث والمرأة بحالها في حبالته‏.‏

وكذلك ما ذكره ‏(‏أبو عبد الله الحميدي‏)‏ في كتابه ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ من قوله‏:‏ لم نجد من الأئمة الماضين - رضي الله عنهم - أجمعين من أفصح لنا في جميع ما جمعه بالصحة إلا هذين الإمامين‏.‏

فإنما المراد بكل ذلك‏:‏ مقاصد الكتاب وموضوعه، ومتون الأبواب، دون التراجم ونحوها، لأن في بعضها ما ليس من ذلك قطعاً‏.‏

مثل قول‏:‏ ‏(‏البخاري‏)‏ باب ما يذكر في الفخذ، ويروى عن ابن عباس وجَرهَد ومحمد بن جحش عن النبي - صلى الله عليه وسلم -‏:‏ ‏(‏‏(‏الفخذ عورة‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏17‏)‏ وقوله في أول باب من أبواب الغسل‏:‏ وقال بهز بن حكيم، عن أبيه، عن جده، عن النبي - صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏الله أحق أن يستحي منه‏)‏‏)‏‏.‏

فهذا قطعاً ليس من شرطه، ولذلك لم يورده ‏(‏الحميدي‏)‏ في جمعه بين الصحيحين، فاعلم ذلك فإنه مهم خافٍ، والله أعلم‏.‏

 السابعة‏:‏ وإذا انتهى الأمر في معرفة الصحيح إلى ما خرجه الأئمة في تصانيفهم الكافلة ببيان ذلك - كما سبق ذكره - فالحاجة ماسة إلى  التنبيه على أقسامه باعتبار ذلك‏.‏

فأولهما‏:‏ صحيح أخرجه البخاري ومسلم جميعاً‏.‏

 الثاني‏:‏ صحيح انفرد به البخاري، أي عن مسلم‏.‏

 الثالث‏:‏ صحيح انفرد به مسلم، أي عن البخاري‏.‏

 الرابع‏:‏ صحيح على شرطهما، لم يخرجاه‏.‏

 الخامس‏:‏ صحيح على شرط البخاري، لم يخرجه‏.‏

 السادس‏:‏ صحيح على شرط مسلم، لم يخرجه‏.‏

 السابع‏:‏ صحيح عند غيرهما، وليس على شرط واحد منهما‏.‏

هذه أمهات أقسامه، وأعلاها الأول، وهو الذي يقول فيه أهل الحديث كثيراً‏:‏ صحيح متفق عليه‏.‏ يطلقون ذلك ويعنون به اتفاق البخاري ومسلم، لا اتفاق الأمة ‏(‏18‏)‏ عليه‏.‏ لكن اتفاق الأئمة عليه لازم من ذلك وحاصل معه، لاتفاق الأمة على تلقي ما اتفقا عليه بالقبول‏.‏

وهذا القسم جميعه مقطوع بصحته والعلم اليقيني النظري واقع به‏.‏ خلافاً لقول من نفى ذلك، محتجاً بأنه لا يفيد في أصله إلا الظن، وإنما تلقته الأمة بالقبول لأنه يجب عليهم العمل بالظن، والظن قد يخطئ‏.‏

وقد كنت أميل إلى هذا وأحسبه قوياً، ثم بان لي أن المذهب الذي اخترناه أولا هو الصحيح، لأن ظن من هو معصوم من الخطأ لا يخطئ‏.‏ والأمة في إجماعها معصومة من الخطأ، ولهذا كان الإجماع المبتني على الاجتهاد حجة مقطوعاً بها، وأكثر إجماعات العلماء كذلك‏.‏

وهذه نكتة نفيسة نافعة، ومن فوائدها‏:‏ القول بأن ما انفرد به ‏(‏البخاري‏)‏ أو ‏(‏مسلم‏)‏ مندرج في قبيل ما يقطع بصحته، لتلقي الأمة كل واحد من كتابيهما بالقبول على الوجه الذي فصلناه من حالهما فيما سبق، سوى أحرف يسيرة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، ‏(‏كالدارقطني‏)‏ وغيره، وهي معروفة عند أهل هذا الشأن، والله أعلم‏.‏

 الثامنة‏:‏ إذا ظهر بما قدمناه انحصار طريق معرفة الصحيح والحسن الآن في مراجعة الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة، فسبيل من أراد العمل أو الاحتجاج بذلك - إذا كان ممن يسوغ له العمل بالحديث، أو الاحتجاج به لدى مذهب - أن يرجع إلى أصل قد قابله هو أو ثقة غيره بأصول صحيحة متعددة، مروية بروايات متنوعة، ليحصل له بذلك- مع اشتهار هذه الكتب وبعدها عن أن تقصد بالتبديل والتحريف - الثقة بصحة ما اتفقت عليه تلك الأصول، والله أعلم‏.

النوع الثاني‏‏:‏ معرفة الحسن من الحديث

  أقسام الحديث الحسن

  القسم الأول:‏ الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور

  القسم الثاني‏:‏ أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة

  تنبيهات وتفريعات

  الأول‏:‏ الحسن يتقاصر عن الصحيح

  الثاني‏:‏ الأحاديث المحكوم بضعفها

  الثالث‏:‏ تأخر راوي الحديث

  الرابع‏:‏ كتاب أبي عيسى الترمذي‏

  الخامس‏:‏ تقسيم صاحب المصابيح

  السادس‏:‏ كتب المسانيد

  السابع‏:‏ قولهم‏:‏ هذا حديث صحيح الإسناد أو حسن الإسناد‏

  الثامن‏:‏ قول هذا حديث حسن صحيح‏

  التاسع‏:‏ إدراج الحسن مع الصحيح

 

*1*  النوع الثاني ‏(‏19‏)‏‏:‏ معرفة الحسن من الحديث

روينا عن‏(‏أبي سليمان الخطابي‏)‏ - رحمه الله - أنه قال بعد حكايته أن الحديث عند أهله ينقسم إلى الأقسام الثلاثة التي قدمنا ذكرها‏:‏ الحسن‏:‏ ما عرف مخرجه واشتهر رجاله‏.‏ قال‏:‏ وعليه مدار أكثر الحديث، وهو الذي يقبله أكثر العلماء، ويستعمله عامة الفقهاء‏.‏

وروينا عن ‏(‏أبي عيسى الترمذي‏)‏ رضي الله عنه أنه يريد بالحسن‏:‏ أن لا يكون في إسناده من يتهم بالكذب، ولا يكون حديثاً شاذاً، ويروى من غير وجه نحو ذلك‏.‏

وقال بعض المتأخرين‏:‏ الحديث الذي فيه ضعف قريب محتمل هو الحديث الحسن، ويصلح للعمل به‏.‏

قلت‏:‏ كل هذا مستبهم لا يشفي الغليل، وليس فيما ذكره ‏(‏الترمذي‏)‏ و‏(‏الخطابي‏)‏ ما يفصل الحسن من الصحيح‏.‏ وقد أمعنت النظر في ذلك والبحث، جامعاً بين أطراف كلامهم، ملاحظاً مواقع استعمالهم، فتنقَّح لي واتضح أن  الحديث الحسن قسمان‏:‏

  أحدهما‏:‏ الحديث الذي لا يخلو رجال إسناده من مستور لم تتحقق أهليته، غير أنه ليس مغفلاً كثير الخطأ فيما يرويه، ولا هو متهم بالكذب في الحديث - أي لم يظهر منه تعمد الكذب في الحديث ولا سبب آخر مفسق - ويكون متن الحديث مع ذلك قد عرف، بأن روي مثله أو نحوه من وجه آخر أو أكثر، حتى اعتضد بمتابعة من تابع راويه على مثله، أو بما له من شاهد، وهو ورود حديث آخر بنحوه، فيخرج بذلك عن أن يكون شاذاً ومنكراً، وكلام الترمذي على هذا القسم يتنزل‏.‏

‏(‏20‏)‏ القسم الثاني‏:‏ أن يكون راويه من المشهورين بالصدق والأمانة، غير أنه لم يبلغ درجة رجال الصحيح، لكونه يقصر عنهم في الحفظ والإتقان، وهو مع ذلك يرتفع عن حال من يعد ما ينفرد به من حديثه منكرا، ويعتبر في كل هذا _ مع سلامة الحديث من أن يكون شاذاً ومنكرا _ سلامته من أن يكون معللاً‏.‏

وعلى القسم الثاني يتنزل كلام الخطابي‏.‏

فهذا الذي ذكرناه جامع لما تفرق في كلام من بلغنا كلامه في ذلك، وكأن الترمذي ذكر أحد نوعي الحسن، وذكر الخطابي النوع الآخر، مقتصراً كل واحد منهما على ما رأى أنه يُشكل، معرضاً عما رأى أنه لا يشكل‏.‏ أو أنه غفل عن البعض وذهل، والله أعلم، هذا تأصيل ذلك وتوضيحه‏.‏

*2*  تنبيهات وتفريعات

 أحدها‏:‏ الحسن يتقاصر عن الصحيح، في أن الصحيح من شرطه‏:‏ أن يكون جميع رواته قد ثبتت عدالتهم وضبطهم وإتقانهم، إما بالنقل الصريح، أو بطريق الاستفاضة،‏.‏ على ما سنبينه إن شاء الله تعالى‏.‏

وذلك غير مشترط في الحسن، فإنه يُكتفى فيه بما سبق ذكره، من مجيء الحديث من وجوه، وغير ذلك مما تقدم شرحه‏.‏

وإذا استبعد ذلك من الفقهاء الشافعية مُستبعد، ذكرنا له نص الشافعي، رضي الله عنه في مراسيل التابعين‏:‏ أنه يقبل منها المُرسل الذي جاء نحوه مسندا، وكذلك لو وافقه مرسل آخر، أرسله من أخذ العلم عن غير رجال التابعي الأول، في كلام له ذكر فيه وجوهاً من الاستدلال على صحة مخرج المرسل، لمجيئه من وجه آخر‏.‏

وذكرنا له أيضا ما حكاه ‏(‏الإمام أبو المظفر السمعاني‏)‏ وغيره، عن بعض أصحاب الشافعي من أنه‏:‏ تُقبل رواية المستور، وإن لم تقبل شهادة المستور، ولذلك وجه متجه، كيف وإنا لم نكتف في الحديث الحسن بمجرد رواية المستور، على ما سبق آنفاً‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏(‏21‏)‏  الثاني‏:‏ لعل الباحث الفهم يقول‏:‏ إنا نجد أحاديث محكوماً بضعفها، مع كونها قد رويت بأسانيد كثيرة من وجوه عديدة، مثل حديث‏:‏ ‏(‏‏(‏الأذنان من الرأس‏)‏‏)‏ ونحوه، فهلا جعلتم ذلك وأمثاله من نوع الحسن، لأن بعض ذلك عضد بعضاً، كما قلتم في نوع الحسن على ما سبق آنفاً‏.‏

وجواب ذلك‏:‏ أنه ليس كل ضعف في الحديث يزول بمجيئه من وجوه، بل ذلك يتفاوت‏:‏

فمنه ضعف يزيله ذلك، بأن يكون ضعفه ناشئاً من ضعف حفظ راويه، مع كونه من أهل الصدق والديانة‏.‏ فإذا رأينا ما رواه قد جاء من وجه آخر عرفنا أنه مما قد حفظه، ولم يختل فيه ضبطه له‏.‏ وكذلك إذا كان ضعفه من حيث الإرسال زال بنحو ذلك، كما في المرسل الذي يرسله إمام حافظ، إذ فيه ضعف قليل، يزول بروايته من وجه آخر‏.‏

ومن ذلك ضعف لا يزول بنحو ذلك، لقوة الضعف وتقاعد هذا الجابر عن جبره ومقاومته‏.‏ وذلك كالضعف الذي ينشأ من كون الراوي متهماً بالكذب، أو كون الحديث شاذاً‏.‏

وهذه جملة تفاصيلها تدرك بالمباشرة والبحث، فاعلم ذلك، فإنه من النفائس العزيزة‏.‏ والله أعلم‏.‏

  الثالث‏:‏ إذا كان راوي الحديث متأخراً عن درجة أهل الحفظ والإتقان، غير أنه من المشهورين بالصدق والستر، وروي مع ذلك حديثه من غير وجه، فقد اجتمعت له القوة من الجهتين، وذلك يرقي حديثه من درجة الحسن إلى درجة الصحيح‏.‏ مثاله‏:‏حديث محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة‏)‏‏)‏‏.‏

‏(‏22‏)‏ فمحمد بن عمرو بن علقمة‏:‏ من المشهورين بالصدق والصيانة، لكنه لم يكن من أهل الإتقان، حتى ضعفه بعضهم من جهة سوء حفظه، ووثقه بعضهم لصدقه وجلالته، فحديثه من هذه الجهة حسن‏.‏ فلما انضم إلى ذلك كونه روي من أوجه أخر، زال بذلك ما كنا نخشاه عليه من جهة سوء حفظه، وانجبر به ذلك النقص اليسير، فصح هذا الإسناد والتحق بدرجة الصحيح، والله أعلم‏.‏

  الرابع‏:‏ ‏(‏كتاب أبي عيسى الترمذي‏)‏ رحمه الله أصل في معرفة الحديث الحسن وهوالذى نوَّه باسمه، وأكثر من ذكره في جامعه‏.‏

ويوجد في متفرقات من كلام بعض مشايخه والطبقة التي قبله،‏(‏كأحمد بن حنبل‏)‏، و‏(‏البخاري‏)‏، وغيرها‏.‏

وتختلف النسخ من ‏(‏كتاب الترمذي‏)‏ في قول‏:‏ هذا حديث حسن‏.‏ أو‏:‏ هذا حديث حسن صحيح، ونحو ذلك‏.‏ فينبغي أن تصحح أصلك به بجماعة أصول، وتعتمد على ما اتفقت عليه‏.‏

ونص ‏(‏الدارقطني‏)‏ في ‏(‏سننه‏)‏ على كثير من ذلك‏.‏

ومن مظانه ‏(‏سنن أبى داود السجستاني‏)‏ رحمه الله‏.‏ روينا عنه انه قال‏:‏ ذكرت فيه الصحيح ومايشبه ويقاربه‏.‏ وروينا عنه أيضاً ما معناه‏:‏ أنه يذكر في كل باب أصح ما عرفه في ذلك الباب‏.‏ وقال‏:‏ ما كان في كتابي من حديث فيه وهن شديد فقد بيَّنته، ومالم أذكر فيه شيئاً فهو صالح، وبعضها أصح من بعض‏.‏

قلت‏:‏ فعلى هذا ما وجدناه في كتابه مذكوراً مطلقاً، وليس في واحد من الصحيحين، ولا نص على صحته أحد ممن يميز بين الصحيح والحسن، عرفناه بأنه من الحسن عند أبى داود‏.‏

‏(‏23‏)‏ وقد يكون في ذلك ما ليس بحسن عند ه، ولا مندرج فيما حققنا ضبط الحسن به على ما سبق، إذ حكى أبو عبد الله بن منده الحافظ‏:‏ أنه سمع محمد بن سعد الباوردي بمصر يقول‏:‏ كان من مذهب أبى عبد الرحمن النسائي أن يخرج عن كل من لم يجمع على تركه‏.‏ وقال ابن منده‏:‏ وكذلك أبو داود السجستاني يأخذ مأخذه، ويخرج الإسناد الضعيف إذا لم يجد في الباب غيره، لأنه أقوى عنده من رأى الرجال، والله اعلم‏.‏

  الخامس‏:‏ ما صار إليه صاحب المصابيح رحمه الله من تقسيم أحاديثه إلى نوعين‏:‏ الصحاح والحسان، مريداً بالصحاح ما ورد في أحد الصحيحين أو فيهما، وبالحسان ما أورده ‏(‏أبو داود‏)‏ و‏(‏الترمذي‏)‏ وأشباههما في تصانيفهم‏.‏ فهذا اصطلاح لا يعرف، وليس الحسن عند أهل الحديث عبارة عن ذلك‏.‏ وهذه الكتب تشتمل على حسن وغير حسن كما سبق بيانه، والله أعلم‏.‏

  السادس‏:‏ كتب المسانيد غير ملتحقة بالكتب الخمسة التي هي‏:‏ ‏(‏الصحيحان‏)‏، ‏(‏وسنن أبي داود‏)‏، و‏(‏سنن النسائي‏)‏، و‏(‏جامع الترمذي‏)‏، وما جرى مجراها في الاحتجاج بها والركون إلى ما يورد فيها مطلقاً، ‏(‏كمسند أبي داود الطيالسي‏)‏، و‏(‏مسند عبيد الله بن موسى‏)‏، و‏(‏مسند أحمد بن حنبل‏)‏، و‏(‏مسند إسحاق بن راهويه‏)‏، و‏(‏مسند عبد بن حميد‏)‏، و‏(‏مسند الدارمي‏)‏، و‏(‏مسند أبي يعلى الموصلي‏)‏، و‏(‏مسند الحسن بن سفيان‏)‏، و‏(‏مسند البزار أبي بكر‏)‏ وأشباهها، فهذه عادتهم فيها‏:‏ أن يخرجوا في مسند كل صحابي ما رووه من حديثه، غير متقيدين بأن يكون حديثاً محتجاً به‏.‏ فلهذا تأخرت مرتبتها - وإن جلَّت لجلالة مؤلفيها - عن مرتبة الكتب الخمسة وما التحق بها من الكتب المصنفة على الأبواب، والله أعلم‏.‏

 السابع‏:‏ قولهم‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح الإسناد، أو حسن الإسناد‏)‏ دون قولهم‏:‏ ‏(‏هذا حديث صحيح أو حديث حسن‏)‏ لأنه قد يقال‏:‏ هذا حديث صحيح الإسناد، ولا يصح، لكونه شاذاً أو معللاً‏.‏

‏(‏24‏)‏ غير أن المصنف المعتمد منهم إذا اقتصر على قوله‏:‏ إنه صحيح الإسناد، ولم يذكر له علَّة، ولم يقدح فيه، فالظاهر منه الحكم له بأنه صحيح في نفسه، لأن عدم العلَّة والقادح هو الأصل والظاهر، والله أعلم‏.‏

 الثامن‏:‏ في قول الترمذي وغيره‏:‏ ‏(‏هذا حديث حسن صحيح‏)‏ إشكال، لأن الحسن قاصر عن الصحيح، كما سبق إيضاحه‏.‏ ففي الجمع بينهما في حديث واحد جمع بين نفي ذلك القصور وإثباته‏.‏

وجوابه‏:‏ أن ذلك راجع إلى الإسناد، فإذا روي الحديث الواحد بإسنادين‏:‏ أحدهما إسناد حسن والآخر إسناد صحيح، استقام أن يقال فيه‏:‏ إنه حديث حسن صحيح، أي إنه حسن بالنسبة إلى إسناد، صحيح بالنسبة إلى إسناد آخر‏.‏

على أنه غير مستنكر أن يكون بعض من قال ذلك أراد بالحسن معناه اللغوي، وهو‏:‏ ما تميل إليه النفس ولا يأباه القلب، دون المعنى الاصطلاحي الذي نحن بصدده، فاعلم ذلك، والله أعلم‏.‏

 التاسع‏:‏ من أهل الحديث من لا يفرد نوع الحسن، ويجعله مندرجاً في أنواع الصحيح، لاندراجه في أنواع ما يحتج به‏.‏ وهو الظاهر من كلام ‏(‏الحاكم أبي عبد الله الحافظ‏)‏ في تصرفاته، وإليه يومىء في تسميته كتاب الترمذي ‏(‏بالجامع الصحيح‏)‏‏.‏ وأطلق ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏ أيضاً عليه اسم الصحيح، وعلى كتاب النسائي‏.‏ وذكر الحافظ ‏(‏أبو الطاهر السلفي‏)‏ الكتب الخمسة وقال‏:‏ اتفق على صحتها علماء الشرق والغرب‏.‏

وهذا تساهل، لأن فيها ما صرحوا بكونه ضعيفاً أو منكراً أو نحو ذلك من أوصاف الضعيف‏.‏ وصرَّح ‏(‏أبو داود‏)‏ فيما قدمنا روايته عنه بانقسام ما في كتابه إلى صحيح وغيره، و‏(‏الترمذي‏)‏ مصرِّح فيما في كتابه بالتمييز بين الصحيح والحسن‏.‏

ثم إن من سمَّى الحسن صحيحاً لا ينكر أنه دون الصحيح المقدم المبين أولاً، فهذا إذا اختلاف في العبارة دون المعنى، والله أعلم‏.‏

النوع الثالث‏:‏ معرفة الضعيف من الحديث

*1* النوع الثالث‏:‏ معرفة الضعيف من الحديث ‏(‏25‏)‏

كل حديث لم يجتمع فيه صفات الحديث الصحيح، ولا صفات الحديث الحسن، المذكورات فيما تقدم، فهو حديث ضعيف‏.‏ وأطنب ‏(‏أبو حاتم بن حبان البستي‏)‏ في تقسيمه، فبلغ به خمسين قسماً إلا واحدا ً، وما ذكرته ضابط جامع لجميع ذلك‏.‏

وسبيل من أراد البسط‏:‏ أن يعمد إلى صفة معينة منها، فيجعل ما عدمت فيه - من غير أن يخلفها جابر على حسب ما تقرر في نوع الحسن - قسماً واحداً‏.‏ ثم ما عدمت فيه تلك الصفة مع صفة أخرى معينة قسماً ثانياً‏.‏ ثم ما عدمت فيه مع صفيتين معينتين قسماً ثالثاً‏.‏ وهكذا إلى أن يستوفي الصفات المذكورات جمعاء‏.‏ ثم يعود ويعين من الابتداء صفة غير التي عينها أولاً، ويجعل ما عدمت فيه وحدها قسماً، ثم القسم الآخر ما عدلت فيه مع عدم صفة أخرى، ولتكن الصفة الأخرى غير الصفة الأولى المبدوء بها، لكون ذلك سبق في أقسام عدم الصفة الأولى، وهكذا هلمَّ جرا إلى آخر الصفات‏.‏

ثم ما عدم فيه جميع الصفات هو القسم الأخر الأرذل‏.‏ وما كان من الصفات له شروط فاعمل في شروطه نحو ذلك، فتتضاعف بذلك الأقسام‏.‏

والذي له لقب خاص معروف من أقسام ذلك‏:‏ الموضوع، والمقلوب، والشاذ، والمعلل، والمضطرب، والمرسل، والمنقطع، والمعضل، في أنواع سيأتي عليها الشرح إن شاء الله تعالى‏.‏

والملحوظ فيما نورده من الأنواع عموم أنواع علوم الحديث، لا خصوص أنواع التقسيم الذي فرغنا الآن من أقسامه‏.‏ ونسأل الله تبارك وتعالى تعميم النفع به في الدارين، آمين‏.‏

النوع الرابع‏:‏ معرفة المسند

*1* النوع الرابع‏:‏ معرفة المسند ‏(‏26‏)‏

ذكر ‏(‏أبو بكر الخطيب الحافظ‏)‏ رحمه الله‏:‏ أن المسند عند أهل الحديث هو الذي اتصل إسناده من راويه إلى منتهاه، وأكثر ما يستعمل ذلك فيما جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - دون ما جاء عن الصحابة وغيرهم‏.‏

وذكر ‏(‏أبو عمر بن عبد البر الحافظ‏)‏‏:‏ أن المسند ما رفع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - خاصة‏.‏ وقد يكون متصلاً، مثل‏:‏ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏ وقد يكون منقطعاً، مثل‏:‏ مالك، عن الزهري، عن ابن عباس، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏ فهذا مسند، لأنه قد أسند إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو منقطع، لأن الزهري لم يسمع من ابن عباس، رضي الله عنهم‏.‏

وحكى ‏(‏أبو عمر‏)‏ عن قوم‏:‏ أن المسند لا يقع إلا على ما اتصل مرفوعاً إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -‏.‏

قلت‏:‏ وبهذا قطع ‏(‏الحاكم أبو عبد الله الحافظ‏)‏، ولم يذكر في كتابه غيره‏.‏

فهذه أقوال ثلاثة مختلفة، والله أعلم‏.‏

النوع الخامس‏:‏ معرفة المتصل

*1*  النوع الخامس‏:‏ معرفة المتصل

ويقال فيه أيضاً‏:‏ الموصول، ومطلقه يقع على المرفوع والموقوف‏.‏

وهو الذي اتصل إسناده، فكان كل واحد من رواته قد سمعه ممن فوقه، حتى ينتهي إلى منتهاه‏.‏

مثال المتصل المرفوع من الموطأ‏:‏ مالك، عن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله، عن أبيه، عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏

ومثال المتصل الموقوف‏:‏ مالك، عن نافع، عن ابن عمر، عن عمر قوله‏.‏ والله أعلم‏.‏

النوع السادس‏:‏ معرفة المرفوع

*1* النوع السادس‏:‏ معرفة المرفوع ‏(‏27‏)‏

وهو‏:‏ ما أضيف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خاصةً‏.‏ ولا يقع مطلقه على غير ذلك، نحو الموقوف على الصحابة وغيرهم‏.‏

، ويدخل في المرفوع المتصل، والمنقطع، والمرسل، ونحوها، فهو والمسند عند قوم سواء، والانقطاع والاتصال يدخلان عليهما جميعاً‏.‏ وعند قوم يفترقان في‏:‏ أن الانقطاع والاتصال يدخلان على المرفوع، ولا يقع المسند إلا على المتصل المضاف إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏

وقال ‏(‏الحافظ أبو بكر بن ثابت‏)‏‏:‏ المرفوع ما أخبر فيه الصحابي عن قول الرسول - صلى الله عليه وسلم - أو فعله‏.‏ فخصصه بالصحابة، فيخرج عنه مرسل التابعي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏

قلت‏:‏ ومن جعل من أهل الحديث المرفوع في مقابلة المرسل فقد عنى بالمرفوع المتصل، والله أعلم‏.‏

النوع السابع‏:‏ معرفة الموقوف

*1*  النوع السابع‏:‏ معرفة الموقوف

وهو‏:‏ ما يروي عن الصحابة رضي الله عنهم من أقوالهم أو أفعالهم ونحوها، فيوقف عليهم، ولا يتجاوز به إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -‏.‏

ثم إلى منه ما يتصل الإسناد فيه إلى الصحابي، فيكون من الموقوف الموصول‏.‏ ومنه ما لا يتصل إسناده، فيكون من الموقوف غير الموصول، على حسب ما عرف مثله في المرفوع إلى الرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، والله أعلم‏.‏

وما ذكرناه من تخصيصه بالصحابي فذلك إذا ذكر الموقوف مطلقاً، وقد يستعمل مقيداً في غير الصحابي، فيقال‏:‏ حديث كذا وكذا، وقفه فلان على‏(‏عطاء‏)‏، أو على ‏(‏طاووس‏)‏، أو نحو هذا‏.‏

وموجود في اصطلاح الفقهاء الخراسانيين تعريف الموقوف باسم الأثر‏.‏ قال ‏(‏أبو القاسم الفوراني‏)‏ منهم فيما بلغنا عنه‏:‏ الفقهاء يقولون‏:‏ الخبر ما يروى عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، والأثر ما يروى عن الصحابة، رضي الله عنهم‏.‏

النوع الثامن‏:‏ معرفة المقطوع

  تفريعات‏:‏

  الأول :‏ قول الصحابي‏:‏ ‏كنا نفعل كذا

  الثاني‏:‏ قول الصحابي ‏(‏أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا‏)‏

  الثالث‏:‏ ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند

  الرابع‏:‏ من قبيل المرفوع

*1* النوع الثامن‏:‏ معرفة المقطوع ‏(‏28‏)‏

وهو غير المنقطع الذي يأتي ذكره إن شاء الله تعالى‏.‏ ويقال في جمعه‏:‏ المقاطع والمقاطيع‏.‏

وهو‏:‏ ما جاء عن التابعين موقوفاً عليهم من أقوالهم أو أفعالهم‏.‏

قال ‏(‏الخطيب أبو بكر الحافظ‏)‏ في ‏(‏جامعه‏)‏‏:‏ من الحديث المقطوع‏.‏ وقال‏:‏ المقاطع هي الموقوفات على التابعين‏.‏ والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وقد وجدت التعبير بالمقطوع عن المنقطع غير الموصول في كلام ‏(‏الإمام الشافعي‏)‏، و‏(‏أبي القاسم الطبراني‏)‏، وغيرهما، والله أعلم‏.‏

*2* تفريعات‏:‏

 أحدها‏:‏ قول الصحابي‏:‏ ‏(‏كنا نفعل كذا، أو كنا نقول كذا‏)‏ إن لم يضفه إلى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فهو من قبيل الموقوف‏.‏ وإن أضافه إلى زمان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فالذي قطع به ‏(‏أبو عبد الله بن البيِّع الحافظ‏)‏ وغيره من أهل الحديث وغيرهم‏:‏ أن ذلك من قبيل المرفوع‏.‏

وبلغني عن ‏(‏أبي بكر البرقاني‏)‏‏:‏ أنه سأل ‏(‏أبا بكر الإسماعيلي الإمام‏)‏ عن ذلك، فأنكر كونه من المرفوع‏.‏

والأول هو الذي عليه الاعتماد، لأن ظاهر ذلك مشعر بأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اطلع على ذلك أقررهم عليه‏.‏ وتقريره أحد وجوه السنن المرفوعة، فإنها أنواع‏:‏ منها أقواله صلى الله عليه وسلم، ومنها أفعاله‏.‏ ومنها تقريره وسكوته عن الإنكار بعد اطلاعه‏.‏

ومن هذا القبيل قول الصحابي ‏(‏كنا لا نرى بأساً بكذا ورسول الله صلى الله عليه وسلم فينا، أو‏:‏ كان يقال كذا وكذا على عهده‏.‏ أو‏:‏ كانوا يفعلون كذا وكذا في حياته صلى الله عليه وسلم‏)‏

فكل ذلك وشبهه مرفوع مسند، مخرج في كتب المسانيد‏.‏

‏(‏29‏)‏ وذكر الحاكم أبو عبد الله -فيما رويناه عن المغيرة بن شعبة قال‏:‏ كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم يقرعون بابه بالأظافير - أن هذا يتوهمه من ليس من أهل الصنعة مسنداً، يعني مرفوعاً، لذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، وليس بمسند، بل هو موقوف‏.‏

وذكر ‏(‏الخطيب‏)‏ أيضاً نحو ذلك في ‏(‏جامعه‏)‏‏.‏

قلت‏:‏ بل هو مرفوع كما سبق ذكره‏.‏ وهو بأن يكون مرفوعاً أحرى، لكونه أحرى باطّلاعه صلى الله عليه وسلم عليه‏.‏ والحاكم معترف بكون ذلك من قبيل المرفوع، وقد كنا عددنا هذا فيما أخذناه عليه‏.‏ ثم تأوَّلناه له على أنه أراد أنه ليس بمسند لفظاً، بل هو موقوف لفظاً، وكذلك سائر ما سبق موقوف لفظاً، وإنما جعلناه مرفوعاً من حيث المعنى‏.‏ والله أعلم‏.‏

 الثاني‏:‏ قول الصحابي ‏(‏أمرنا بكذا، أو نهينا عن كذا‏)‏ من نوع المرفوع والمسند عند أصحاب الحديث، وهو قول أكثر أهل العلم‏.‏ وخالف في ذلك فريق منهم ‏(‏أبو بكر الإسماعيلي‏)‏‏.‏ والأول هو الصحيح، لأن مطلق ذلك ينصرف بظاهره إلى من إليه الأمر والنهي، وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وهكذا قول الصحابي‏:‏ ‏(‏من السنة كذا‏)‏ فالأصح أنه مسند مرفوع، لأن الظاهر أنه لا يريد به إلا سنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم وما يجب اتباعه‏.‏

وكذلك قول أنس رضي الله عنه‏:‏ أمر بلال أن يشفع الأذان ويوتر الإقامة‏.‏ وسائر ما جانس ذلك‏.‏ فلا فرق بين أن يقول ذلك في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وبعده صلى الله عليه وسلم‏.‏

 الثالث‏:‏ ما قيل من أن تفسير الصحابي حديث مسند فإنما ذلك في تفسير يتعلق بسبب نزول آية يخبر به الصحابي أو نحو ذلك، كقول جابر رضي الله عنه‏:‏ كانت اليهود تقول‏:‏ من أتى امرأته من دبرها في قبلها جاء الولد أحول، فأنزل الله ‏(‏30‏)‏ عز وجل ‏(‏‏(‏نساؤكم حرث لكم‏)‏‏)‏‏.‏ الآية‏.‏ فأما سائر تفاسير الصحابة التي لا تشتمل على إضافة شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فمعدودة في الموقوفات‏.‏ والله أعلم‏.‏

 الرابع‏:‏ من قبيل المرفوع الأحاديث التي قيل في أسانيدها عند ذكر الصحابي‏:‏ يرفع الحديث، أو‏:‏ يبلغ به، أو‏:‏ ينميه، أو‏:‏ رواية‏.‏

مثال ذلك‏:‏ سفيان بن عيينة، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة، رواية‏:‏ ‏(‏تقاتلون قوماً صغار الأعين‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

وبه عن أبي هريرة، يبلغ به، قال‏:‏ ‏(‏الناس تبع لقريش‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏

‏(‏31‏)‏ فكل ذلك وأمثاله كناية عن رفع الصحابي الحديث إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ وحكم ذلك عند أهل العلم حكم المرفوع صريحاً‏.‏

قلت‏:‏ وإذا قال الراوي عن التابعي‏:‏ يرفع الحديث، أو‏:‏ يبلغ به، فذلك أيضاً مرفوع، ولكنه مرفوع مرسل‏.‏ والله أعلم‏.‏

النوع التاسع‏:‏ معرفة المرسل

  صور اختلف فيها

  الأولى:إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي

  الثانية‏:‏ قول أصاغر التابعين‏:‏ قال رسول الله

  الثالثة‏:‏ إذا قيل في الإسناد‏:‏ فلان

النوع التاسع‏:‏ معرفة المرسل

وصورته التي لا خلاف فيها‏:‏ حديث التابعي الكبير، الذي لقي جماعة من الصحابة وجالسهم، ‏(‏كعبيد الله بن عدي بن الخيار‏)‏، ثم ‏(‏سعيد بن المسيب‏)‏، وأمثالهما، إذا قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

والمشهور‏:‏ التسوية بين التابعين أجمعين في ذلك، رضي الله عنهم‏.‏

وله  صور اختلف فيها‏:‏ أهي من المرسل أم لا ‏؟‏

 إحداها‏:‏ إذا انقطع الإسناد قبل الوصول إلى التابعي، فكان فيه رواية راوٍ لم يسمع من المذكور فوقه‏:‏ فالذي قطع به ‏(‏الحاكم الحافظ أبو عبد الله‏)‏ وغيره من أهل الحديث‏:‏ أن ذلك لا يسمى مرسلاً، وأن الإرسال مخصوص بالتابعين‏.‏

بل إن كان من سقط ذكره قبل الوصول إلى التابعي شخصاً واحداً سمي منقطعاً فحسب، وإن كان أكثر من واحد سمي معضلاً، ويسمى أيضاً منقطعاً‏.‏ وسيأتي مثلا ذلك إن شاء الله تعالى‏.‏

والمعروف في الفقه وأصوله‏:‏ أن كل ذلك يسمى مرسلاً، وإليه ذهب من أهل الحديث ‏(‏أبو بكر الخطيب‏)‏ وقطع به، وقال‏:‏ إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، وأما ما رواه تابع التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم، فيسمونه المعضل، والله أعلم‏.‏

 الثانية‏:‏ قول الزهري، وأبي حازم، ويحيى بن سعيد الأنصاري، وأشباههم من أصاغر التابعين‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، حكى ‏(‏ابن عبد البر‏)‏‏:‏ أن قوماً لا يسمونه ‏(‏32‏)‏ مرسلاً، بل منقطعاً، لكونهم لم يلقوا من الصحابة إلا الواحد والاثنين، وأكثر روايتهم عن التابعين‏.‏

قلت‏:‏ وهذا المذهب فرع لمذهب من لا يسمي المنقطع قبل الوصول إلى التابعي مرسلاً‏.‏

والمشهور التسوية بين التابعين في اسم الإرسال كما تقدم، والله أعلم‏.‏

 الثالثة‏:‏ إذا قيل في الإسناد‏:‏ فلان، عن رجل - أو‏:‏ عن شيخ - عن فلان‏.

أو نحو ذلك، فالذي ذكره ‏(‏الحاكم‏)‏ في معرفة علوم الحديث‏:‏ أنه لا يسمى مرسلاً، بل منقطعاً‏.‏ وهو في بعض المصنفات المعتبرة في أصول الفقه معدود من أنواع المرسل، والله أعلم‏.‏

ثم اعلم‏:‏ أن حكم المرسل حكم الحديث الضعيف، إلا أن يصح مخرجه بمجيئه من وجه آخر، كما سبق بيانه في نوع الحسن‏.‏ ولهذا احتج ‏(‏الشافعي‏)‏ رضي الله عنه بمرسلات ‏(‏سعيد بن المسيب‏)‏ رضي الله عنهما، فإنها وجدت مسانيد من وجوه أخر، ولا يختص ذلك عنده بإرسال ‏(‏ابن المسيب‏)‏، كما سبق‏.‏

ومن أنكر ذلك، زاعماً أن الاعتماد حينئذ يقع على المسند دون المرسل، فيقع لغواً لا حاجة إليه، فجوابه‏:‏ أنه بالمسند تتبين صحة الإسناد الذي فيه الإرسال، حتى يحكم له مع إرساله بأنه إسناد صحيح تقوم به الحجة، على ما مهدنا سبيله في النوع الثاني‏.‏ وإنما ينكر هذا من لا مذاق له في هذا الشأن‏.‏

وما ذكرناه من سقوط الاحتجاج بالمرسل والحكم بضعفه هو المذهب الذي استقر عليه آراء جماهير حفاظ الحديث ونقاد الأثر، وقد تداولوه في تصانيفهم‏.‏

وفي صدر ‏(‏صحيح مسلم‏)‏‏:‏ المرسل في أصل قولنا وقول أهل العلم بالأخبار ليس بحجة‏.‏

و‏(‏ابن عبد البر‏)‏ - حافظ المغرب - ممن حكى ذلك عن جماعة أصحاب الحديث‏.‏

‏(‏33‏)‏ والاحتجاج به مذهب ‏(‏مالك‏)‏ و‏(‏أبي حنيفة‏)‏ وأصحابهما -رحمهم الله - في طائفة، والله أعلم‏.‏

ثم إنا لم نعد في أنواع المرسل ونحوه ما يسمى في أصول الفقه‏:‏ مرسل الصحابي، مثل ما يرويه ‏(‏ابن عباس‏)‏ وغيره من أحداث الصحابة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يسمعوه منه، لأن ذلك في حكم الموصول المسند، لأن روايتهم عن الصحابة، والجهالة بالصحابي غير قادحة، لأن الصحابة كلهم عدول، والله أعلم‏.‏

النوع العاشر‏:‏ معرفة المنقطع

*1*  النوع العاشر‏:‏ معرفة المنقطع

وفيه وفي الفرق بينه وبين المرسل مذاهب لأهل الحديث وغيرهم‏.‏

فمنها ما سبق في نوع المرسل عن ‏(‏الحاكم‏)‏، صاحب كتاب ‏(‏معرفة أنواع علوم الحديث‏)‏ من أن المرسل مخصوص بالتابعي‏.‏ وأن المنقطع‏:‏ منه‏:‏ الإسناد فيه قبل الوصول إلى التابعي راوٍ لم يسمع من الذي فوقه، والساقط بينهما غير مذكور، لا معينّاً ولا مبهماً‏.‏ومنه‏:‏ الإسناد الذي ذكر فيه بعض رواته بلفظ مبهم، نحو‏:‏ رجل، أو‏:‏ شيخ أو، غيرهما‏.‏

مثال الأول‏:‏ ما رويناه عن عبد الرازق، عن سفيان الثوري، عن أبى إسحاق، عن زيد بن يُثَيع عن حذيفة قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إن وليتموها أبا بكر فقوي أمين‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏ فهذا إسناد إذا تأمله الحديثي وجد صورته صورة المتصل، وهو منقطع في موضعين‏:‏ لأن عبد الرزاق لم يسمعه من الثوري، وإنما سمعه من النعمان بن أبى شيبه الجندي عن الثوري‏.‏ ولم يسمعه الثوري أيضاً من أبى إسحاق، إنما سمعه من شريك عن أبى إسحاق‏.‏

‏(‏34‏)‏ ومثال الثاني‏:‏ الحديث الذي رويناه عن أبى العلاء بن عبد الله بن الشخير، عن رجلين، عن شداد بن أوس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدعاء في الصلاة ‏(‏‏(‏اللهم إني أسالك الثبات في الأمر‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏ والله اعلم‏.‏

ومنها‏:‏ ما ذكره ‏(‏ابن عبد البر‏)‏ رحمه الله، وهو‏:‏ أن المرسل مخصوص بالتابعين، والمنقطع شامل له ولغيره، وهو عنده‏:‏ كل ما لا يتصل إسناده، سواء كان يعزى إلى النبي صلى الله عليه وسلم أو إلى غيره‏.‏

ومنها أن المنقطع مثل المرسل، وكلاهما شاملان لكل ما لا يتصل إسناده، وهذا المذهب أقرب‏.‏ صار إليه طوائف من الفقهاء وغيرهم‏.‏ وهو الذي ذكره ‏(‏الحافظ أبو بكر الخطيب‏)‏ في كفايته‏.‏ إلا أن أكثر ما يوصف بالإرسال من حيث الاستعمال‏:‏ ما رواه التابعي عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ وأكثر ما يوصف بالانقطاع‏:‏ ما رواه من دون التابعين عن الصحابة، مثل مالك عن ابن عمر، ونحو ذلك‏.‏ والله أعلم‏.‏

ومنها‏:‏ ما حكاه ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏ عن بعض أهل العلم بالحديث‏:‏ أن المنقطع ما روي عن التابعي أو من دونه موقوفاً عليه، من قوله أو فعله‏.‏ وهذا غريب بعيد، والله أعلم‏.‏

النوع الحادي عشر‏:‏ معرفة المعضل

  تفريعات‏

  الأول‏:‏ الإسناد المعنعن

  الثاني الاختلاف في قول الراوي إنَّ فلاناً قال كذا وكذا‏

  الثالث‏:‏ تعميم الحكم بالاتصال

  الرابع‏:‏ تعليقات البخاري

*1*  النوع الحادي عشر‏:‏ معرفة المعضل

وهو لقب لنوع خاص من المنقطع‏.‏ فكل معضل منقطع، وليس كل منقطع معضلاً‏.‏

وقوم يسمونه مرسلاً كما سبق‏.‏

وهو عبارة عما سقط من إسناده اثنان فصاعداً‏.‏

وأصحاب الحديث يقولون‏:‏ أعضله فهو معضَل، بفتح الضاد‏.‏ وهو اصطلاح مشكل المأخذ من حيث اللغة، وبحثت فوجدت له قولهم‏:‏ أمر عضيل، أي مستغلق ‏(‏35‏)‏ شديد‏.‏ ولا التفات في ذلك إلى معضِل- بكسر الضاد - وإن كان مثل عضيل في المعنى‏.‏

ومثاله‏:‏ ما يرويه تابعي التابعي قائلاً فيه‏:‏ قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكذلك ما يرويه من دون تابعي التابعي، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو عن أبي بكر وعمر وغيرهما، غير ذاكر للوسائط بينه وبينهم‏.‏

وذكر ‏(‏أبو نصر السجزي الحافظ‏)‏ قول الراوي ‏(‏بلغني‏)‏ نحو قول مالك، بلغني عن أبي هريرة‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏للمملوك طعامه وكسوته‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ الحديث وقال - أي السجزي - أصحاب الحديث يسمونه المعضل‏.‏

قلت‏:‏ وقول المصنفين من الفقهاء وغيرهم‏:‏ قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، ونحو ذلك، كله من قبيل المعضل، لما تقدم‏.‏ وسماه ‏(‏الخطيب أبو بكر الحافظ‏)‏ في بعض كلامه مرسلاً، وذلك على مذهب من يسمى كل مالا يتصل مرسلاً، كما سبق‏.‏

وإذا روى تابع التابع عن التابع حديثاً موقوفاً عليه، وهو حديث متصل مسند إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ فقد جعله ‏(‏الحاكم أبو عبد الله‏)‏ نوعاً من المعضل‏.‏

مثاله‏:‏ ما رويناه عن الأعمش، عن الشعبي قال‏:‏ ‏(‏يُقال للرجل يوم القيامة‏:‏ عملت كذا وكذا ‏؟‏ فيقول‏:‏ ما عملته، فيختم على فيه‏.‏‏.‏‏)‏ الحديث‏.‏ فقد أعضله الأعمش، وهو عند الشعبي‏:‏ عن أنس، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، متصل مسند‏.‏

قلت‏:‏ هذا جيد حسن، لأن هذا الانقطاع بواحد مضموماً إلى الوقف يشتمل على الانقطاع باثنين‏:‏ الصحابي ورسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك باستحقاق اسم الإعضال أولى، والله أعلم‏.‏

*2* تفريعات‏:‏ ‏(‏36‏)‏‏.‏

 

أحدها‏:‏ الإسناد المعنعن، وهو الذي يقال فيه ‏(‏فلان عن فلان‏)‏عده بعض الناس من قبيل المرسل والمنقطع، حتى يتبين اتصاله بغيره‏.‏

والصحيح - والذي عليه العمل - أنه من قبيل الإسناد المتصل‏.‏ وإلى هذا ذهب الجماهير من أئمة الحديث وغيرهم‏.‏ وأودعه المشترطون للصحيح في تصانيفهم فيه وقبلوه، وكاد ‏(‏أبو عمر بن عبد البر الحافظ‏)‏ يدعي إجماع أئمة الحديث على ذلك‏.‏ وادعى ‏(‏أبو عمرو الداني‏)‏ - المُقرئ الحافظ - إجماع أهل النقل على ذلك‏.‏

وهذا بشرط أن يكون الذين أضيفت العنعنة إليهم قد ثبتت ملاقاة بعضهم بعضاً، مع براءتهم من وصمة التدليس‏.‏ فحينئذ يحمل على ظاهر الاتصال، إلا أن يظهر فيه خلاف ذلك‏.‏ وكثُر في عصرنا وما قاربه بين المنتسبين إلى الحديث استعمال ‏(‏عن‏)‏ في الإجازة، فإذا قال أحدهم‏:‏ قرأت على فلان عن فلان، أو نحو ذلك، فظن به أنه رواه عنه بالإجازة‏.‏ ولا يخرجه ذلك من قبيل الاتصال على مالا يخفى، والله أعلم‏.‏

 

الثاني اختلفوا في قول الراوي ‏(‏أنَّ فلاناً قال كذا وكذا‏)‏ هل هو بمنزلة ‏(‏عن‏)‏ في الحمل على الاتصال، إذا ثبت التلاقي بينهما، حتى يتبين فيه الانقطاع‏.‏

مثاله‏:‏ مالك، عن الزهري‏:‏ أن سعيد بن المسيب قال كذا‏.‏

فروينا عن مالك رضي الله عنه أنه كان يرى ‏(‏عن فلان‏)‏ و ‏(‏أن فلاناً‏)‏سواء‏.‏

وعن ‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏ رضي الله عنه‏:‏ أنهما ليسا سواء‏.‏

وحكى ‏(‏ابن عبد البر‏)‏ عن جمهور أهل العلم‏:‏ أن ‏(‏عن‏)‏ و ‏(‏أنَّ‏)‏ سواء، وأنه لا اعتبار بالحروف والألفاظ، وإنما هو باللقاء والمجالسة، والسماع والمشاهدة، يعني مع السلامة من التدليس، فإذا كان سماع بعضهم من بعض صحيحاً كان حديث بعضهم عن بعض - بأي لفظ ورد - محمولاً على الاتصال، حتى يتبين فيه الانقطاع‏.‏

‏(‏37‏)‏ وحكى ابن عبد البر عن أبي بكر البرديجي‏:‏ أن حرف ‏(‏أن‏)‏ محمول على الانقطاع، حتى يتبين السماع في ذلك الخبر بعينه من جهة أخرى‏.‏ وقال‏:‏ عندي لا معنى لهذا، لإجماعهم على أنَّ الإسناد المتصل بالصحابي سواء فيه قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال، أو‏:‏ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال، أو سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ ووجدت مثل ما حكاه عن البرديجي أبي بكر الحافظ للحافظ الفحل يعقوب بن شيبة في مسنده الفحل، فإنه ذكر ما رواه أبو الزبير عن ابن الحنفية عن عمار قال‏:‏ أتيتُ النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي فسلمت عليه، فرد علي السلام‏.‏ وجعله مسنداً موصولاً‏.‏ وذكر رواية قيس بن سعد لذلك، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن الحنفية‏:‏ أن عماراً مرَّ بالنبي صلى الله عليه وسلم وهو يصلي‏.‏‏.‏ فجعله مرسلاً، من حيث كونه قال‏:‏ إن عماراً فعل ولم يقل عن عمار، والله أعلم‏.‏

ثم إن ‏(‏الخطيب‏)‏ مثَّل هذه المسألة بحديث نافع، عن ابن عمر، عن عمر‏:‏ أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم‏:‏ أينام أحدنا وهو جنب ‏؟‏‏.‏ الحديث‏.‏ وفي رواية أخرى‏:‏ عن نافع عن ابن عمر أن عمر‏:‏قال يا رسول الله‏.‏‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏ ثم قال‏:‏ ظاهر الرواية الأولى يُوجب أن يكون من مسند عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏ والثانية ظاهرها يُوجب أن يكون من مسند ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

قلت‏:‏ ليس هذا المثال مماثلاً لما نحن بصدده، لأنَّ الاعتماد فيه في الحكم بالاتصال على مذهب الجمهور إنما هو على اللقي والإدراك، وذلك في هذا الحديث مشترك متردد، لتعلقه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبعمر رضي الله عنه، وصحبة الراوي ابن عمر لهما، فاقتضى ذلك من جهة‏:‏ كونَه رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومن جهة أخرى‏:‏ كونَه رواه عن عمر، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله اعلم‏.‏

‏(‏38‏)‏  الثالث‏:‏ قد ذكرنا ما حكاه ‏(‏ابن عبد البر‏)‏ من تعميم الحكم بالاتصال فيما يذكره الراوي عمن لقيه بأيِّ لفظ كان‏.‏ وهكذا أطلق ‏(‏أبو بكر الشافعي الصيرفي‏)‏ ذلك فقال‏:‏ كل من عَلِمَ له سماع من إنسان، فحدث عنه، فهو على السماع، حتى يعلم أنه لم يسمع منه ما حكاه‏.‏ وكل من علم له لقاء إنسان، فحدَّث عنه، فحكمه هذا الحكم‏.‏

وإنما قال هذا فيمن لم يظهر تدليسه‏.‏

ومن الحُجة في ذلك وفي سائر الباب‏:‏ أنه لو لم يكن قد سمعه منه لكان بإطلاقه الرواية عنه - من غير ذكر الواسطة بينه وبينه - مدلساً، والظاهر السلامة من وصمة التدليس، والكلام فيمن لم يُعرف بالتدليس‏.‏

ومن أمثلة ذلك‏:‏ قوله ‏(‏قال فلان كذا وكذا‏)‏ مثل أن يقول نافع‏:‏ قال ابن عمر‏.‏ وكذلك لو قال عنه ‏(‏ذكر، أو‏:‏ فعل، أو‏:‏ حدَّث، أو‏:‏ كان يقول كذا وكذا‏)‏ وما جانس ذلك، فكل ذلك محمول ظاهراً على الاتصال، وأنه تلقى ذلك منه من غير واسطة بينهما، مهما ثبت لقاؤه له على الجملة‏.‏

ثم منهم من اقتصر في هذا الشرط المشترط في ذلك ونحوه على مطلق اللقاء، أو السماع، كما حكيناه آنفاً‏.‏ وقال فيه ‏(‏أبو عمرو المقري‏)‏‏:‏ إذا كان معروفاً بالرواية عنه‏.‏ وقال فيه ‏(‏أبو الحسن القابسي‏)‏‏:‏ إذا أدرك المنقول عنه إدراكاً بيِّناً‏.‏

وذكر ‏(‏أبو المظفر السمعاني‏)‏ في العنعنة‏:‏ أنه يشترط طول الصحبة بينهم‏.‏

وأنكر ‏(‏مسلم بن الحجاج‏)‏ في خطبة صحيحه على بعض أهل عصره، حيث اشترط في العنعنة ثبوت اللقاء والاجتماع، وادعى أنه قول مخترع لم يسبق قائله إليه، وأن القول الشائع المتفق عليه بين أهل العلم بالأخبار قديماً وحديثاً‏:‏ أنه يكفي في ذلك أن يثبت كونهما في عصرٍ واحدٍ، وإن لم يأت في خبر قط أنهما اجتمعا أو تشافها‏.‏

‏(‏39‏)‏ وفيما قاله ‏(‏مسلم‏)‏ نظر، وقد قيل‏:‏ إن القول الذي رده ‏(‏مسلم‏)‏ هو الذي عليه أئمة هذا العلم‏:‏ ‏(‏علي بن المديني‏)‏، و‏(‏البخاري‏)‏، وغيرهما، والله أعلم‏.‏

قلت‏:‏ وهذا الحكم لا أراه يستمر بعد المتقدمين، فيما وجد من المصنفين في تصانيفهم، مما ذكروه عن مشايخهم قائلين فيه ‏(‏ذكر فلان‏)‏ ونحو ذلك، فافهم كل ذلك، فإنه مهم عزيز، والله أعلم‏.‏

 

الرابع‏:‏ التعليق الذي يذكره ‏(‏أبو عبد الله الحميدي‏)‏، صاحب ‏(‏الجمع بين الصحيحين‏)‏ وغيرُه من المغاربة، في أحاديث من ‏(‏صحيح البخاري‏)‏ قطع إسنادها - وقد استعمله ‏(‏الدارقطني‏)‏ من قبل - صورته صورة الانقطاع، وليس حكمه حكمه، ولا خارجاً ما وجد ذلك فيه منه من قبيل الصحيح إلى قبيل الضعيف، وذلك لما عرف من شرطه وحكمه، على ما نبهنا عليه في الفائدة السادسة من النوع الأول‏.‏

ولا التفات إلى ‏(‏أبي محمد بن حزم الظاهري الحافظ‏)‏ في رده ما أخرجه ‏(‏البخاري‏)‏، من حديث أبي عامر - أو‏:‏ أبي مالك -الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ليكونن في أمتي أقوام، يستحلون الحرير والخمر والمعازف‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏ من جهة أن ‏(‏البخاري‏)‏ أورده قائلاً فيه‏:‏ قال ‏(‏هشام بن عمار‏)‏‏.‏‏.‏ وساقه بإسناده، فزعم ‏(‏ابن حزم‏)‏ أنه منقطع فيما بين ‏(‏البخاري‏)‏ و‏(‏هشام‏)‏، وجعله جواباً عن الاحتجاج به على تحريم المعازف‏.‏ وأخطأ في ذلك من وجوه، والحديث صحيح معروف الاتصال بشرط الصحيح‏.‏

و‏(‏البخاري‏)‏ رحمه الله قد يفعل ذلك، لكون ذلك الحديث معروفاً من جهة الثِّقات عن ذلك الشخص الذي علقه عنه‏.‏ وقد يفعل ذلك لكونه قد ذكر ذلك ‏(‏40‏)‏ الحديث في موضع آخر من كتابه مسنداً متصلاً وقد يفعل ذلك ليغير ذلك من الأسباب التي لا يصحبها خلل الانقطاع، والله أعلم‏.‏

وما ذكرناه من الحكم في التعليق المذكور فذلك فيما أورده منه أصلاً ومقصوداً لا فيما أوردهُ في معرض الاستشهاد، فإن الشواهد يحتمل فيها ما ليس من شرط الصحيح، معلقاً كان أو موصولاً‏.‏

ثم إن لفظ التعليق وجدته مستعملاً فيما حُذف من مبتدأ إسناده واحد فأكثر‏.‏ حتى إن بعضهم استعمله في حذف كل الإسناد‏.‏

مثال ذلك‏:‏ قوله‏:‏ قال‏:‏ رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا‏.‏ قال ابن عباس كذا وكذا‏.‏ روى أبو هريرة كذا وكذا‏.‏ قال سعيد بن المسيِّب، عن أبي هريرة كذا وكذا‏.‏ قال الزهري، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم كذا وكذا‏.‏ وهكذا إلى شيوخ شيوخه‏.‏

وأما ما أورده كذلك عن شيوخه فهو من قبيل ما ذكرناه قريباً في الثالث من هذه التفريعات‏.‏

وبلغني عن بعض المتأخرين من أهل المغرب أنه جعله قسماً من التعليق ثانياً، وأضاف إليه قول ‏(‏البخاري‏)‏ في غير موضع من كتابه ‏(‏وقال لي فلان، وزادنا فلان‏)‏ فوسم ذلك بالتعليق المتصل من حيث الظاهر، المنفصل من حيث المعنى، وقال‏:‏ متى رأيت البخاري يقول ‏(‏وقال لي، وقال لنا‏)‏ فاعلم أنه إسناد لم يذكره للاحتجاج به، وإنما ذكره للاستشهاد به‏.‏ وكثيراً ما يُعِّبر المحِدثُون بهذا اللفظ عما جرى بينهم في المذاكرات والمناظرات، وأحاديث المذاكرة قلَّما يحتجون بها‏.‏

قلت‏:‏ وما ادعاه على ‏(‏البخاري‏)‏ مخالف لما قاله من هو أقدم منه وأعرف ‏(‏41‏)‏ بالبخاري، وهو العبد الصالح ‏(‏أبو جعفر بن حمدان النيسابوري‏)‏، فقد روينا عنه أنه قال‏:‏ كل ما قال البخاري ‏(‏قال لي فلان‏)‏ فهو عرضُُ ومناولة‏.‏

قلت‏:‏ ولم أجد لفظ التعليق مستعملاً فيما سقط فيه بعض رجال الإسناد من وسطه أو من آخره، ولا في مثل قوله ‏(‏يروى عن فلان، ويذكر عن فلان‏)‏ وما أشبهه مما ليس فيه جزم على من ذكر ذلك بأنه قاله وذكره‏.‏ وكأن هذا التعليق مأخوذ من تعليق الجدار، وتعليق الطلاق ونحوه، لما يشترك الجميع فيه من قطع الاتصال، والله أعلم‏.‏

الخامس‏:‏ الحديث الذي رواه بعض الثِّقات مرسلاً وبعضهم متصلاً‏:‏ اختلف أهل الحديث في أنه ملحق بقبيل الموصول أو بقبيل المرسل‏.‏

مثاله‏:‏ حديث ‏(‏‏(‏لا نكاح إلا بولي‏)‏‏)‏ رواه إسرائيل بن يونس في آخرين عن جده أبي إسحاق السبيعي، عن أبي بردة، عن أبيه، أبي موسى الأشعري، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مسنداً هكذا متصلاً‏.‏

ورواه سفيان الثوري، وشعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي بردة، عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلاً هكذا‏.‏

فحكى ‏(‏الخطيب الحافظ‏)‏‏:‏ أن أكثر أصحاب الحديث يرون الحكم في هذا وأشباهه للمرسل‏.‏

وعن بعضهم‏:‏ أن الحكم للأكثر‏.‏

وعن بعضهم‏:‏ أن الحكم للأحفظ، فإذا كان من أرسله أحفظ ممن وصله فالحكم لمن أرسله، ثم لا يقدح ذلك في عدالة من وصله وأهليته‏.‏

‏(‏42‏)‏ ومنهم من قال‏:‏ الحكم لمن أسنده إذا كان عدلاً ضابطاً، فيقبل خبره وإن خالفه غيره، سواء كان المخالف له واحداً أو جماعة‏.‏

قال الخطيب‏:‏ هذا القول هو الصحيح‏.‏

قلت‏:‏ وما صححه هو الصحيح في الفقه وأصوله‏.‏ وسُئل البخاري عن حديث‏:‏ ‏(‏‏(‏لا نكاح إلا بولي‏)‏‏)‏ المذكور، فحكم لمن وصله، وقال‏:‏ الزيادة من الثقة مقبوله، فقال البخاري‏:‏ هذا مع أن من أرسله شعبة وسفيان، وهما جبلان، لهما من الحفظ والإتقان الدرجة العالية‏.‏

ويلتحق بهذا ما إذا كان الذي وصلهُ هو الذي أرسله، وصله في وقت وأرسله في وقت‏.‏ وهكذا إذا رفع بعضهم الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ووقفه بعضهم على الصحابي‏.‏ أو رفعه واحدٍ في وقتٍ ووقفهُ هو أيضاً في وقتٍ آخر‏.‏ فالحكم على الأصح في كل ذلك لما زاده الثقة من الوصل والرفع، لأنه مثبت وغيره ساكت، ولو كان نافياً فالمثبت مقدم عليه، لأنه علم ما خفي عليه‏.‏ ولهذا الفصل تعلق بفصل ‏(‏زيادة الثقة في الحديث‏)‏ وسيأتي إن شاء الله تعالى، وهو أعلم‏

النوع الثاني عشر‏:‏ معرفة التدليس وحكم المدلس

  أقسام التدليس

  القسم الأول:‏ تدليس الإسناد

  القسم الثاني‏:‏ تدليس الشيوخ

1*  النوع الثاني عشر‏:‏ معرفة التدليس وحكم المدلس

*2* التدليس قسمان‏:‏

 أحدهما‏:‏ تدليس الإسناد، وهو أن يروي عمن لقيه ما لم يسمع منه، موهماً أنه سمعه منه‏.‏ أو‏:‏ عمن عاصره ولم يلقه، موهماً أنه قد لقيه وسمعه منه‏.‏ ثم قد يكون بينهما واحد وقد يكون أكثر‏.‏

ومن شأنه أن لا يقول في ذلك ‏(‏أخبرنا فلان‏)‏ ولا ‏(‏حدثنا‏)‏ وما أشبههما‏.‏ وإنما يقول ‏(‏قال فلان، أو‏:‏ عن فلان‏)‏ ونحو ذلك‏.‏

‏(‏43‏)‏مثال ذلك‏:‏ ما روينا عن علي بن خشرم قال‏:‏ كنا عند بن عيينة، فقال‏:‏ قال الزهري، فقيل له‏:‏ حدثكم الزهري ‏؟‏ فسكت، ثم قال‏:‏ قال الزهري، فقيل له‏:‏ سمعته من الزهري ‏؟‏ فقال‏:‏ لا، لم أسمعه من الزهري، ولا ممن سمعه من الزهري، حدثني عبد الرزاق، عن معمر عن الزهري‏.‏

 القسم الثاني‏:‏ تدليس الشيوخ، وهو‏:‏ أن يروي عن شيخ حديثاً سمعه منه، فيسميه، أو يكنِّيه، أو ينسبهُ، أو يصفهُ بما لا يَعرف به، كي لا يُعرف‏.‏

مثاله‏:‏ ما روي لنا عن أبي بكر بن مجاهد، الإمام المقري‏:‏ أنه روى عن أبي بكر عبد الله بن أبي داود السجستاني فقال‏:‏ حدَّثنا عبد الله بن أبي عبد الله‏.‏ وروى عن أبي بكر محمد بن الحسن النقَّاش المفسر المقري، فقال‏:‏ حدثنا محمد بن سند، نسبه إلى جدٍ له، والله أعلم‏.‏

أما القسم الأول‏:‏ فمكروه جداً، ذمَّه أكثر العلماء، وكان شعبة من أشدهم ذماً له‏.‏ فروينا عن الشافعي الإمام، رضي الله عنه أنه قال‏:‏ التدليس أخو الكذب‏.‏ وروينا عنه أنه قال‏:‏ لأن أزني أَحبُ إليِّ من أن أُدلَّس‏.‏ وهذا من شعبة إفراط محمول على المبالغة في الزجر عنه والتنفير‏.‏

ثم اختلفوا في قبول رواية من عرف بهذا التدليس‏:‏ فجعله فريق من أهل الحديث والفقهاء مجروحاً بذلك، وقالوا‏:‏ لا تُقبل روايته بحال، بَّين السماع أو لم يبِّين‏.‏

والصحيح التفصيل‏:‏ وأن ما رواه المدلس بلفظ محتمل لم يبِّين فيه السماع والاتصال حكمه حكم المرسل وأنواعه‏.‏ وما رواه بلفظ مبين للاتصال، نحو ‏(‏سمعت، وحدثنا، وأخبرنا‏)‏ وأشباهها فهو مقبول مُحتج به‏.‏

وفي الصحيحين وغيرهما من الكتب المعتمدة من حديث هذا الضرب كثير جداً‏:‏ كقتادة، والأعمش، والسفيانين، وهشام بن بشير، وغيرهم‏.‏

‏(‏44‏)‏ وهذا لأن التدليس ليس كذباً، وإنما هو ضربُُ من الإيهام بلفظ محتمل‏.‏

والحكم بأنه لا يقبل من المدلس حتى يبِّين قد أجراه ‏(‏الشافعي‏)‏ رضي الله عنه فيمن عرفناه دلَّس مرة، والله أعلم‏.‏

وأما القسم الثاني‏:‏ فأمره أخف، وفيه تضييع للمروي عنه، وتوعير لطريق معرفته على من يطلب الوقوف على حاله وأهليته‏.‏

ويختلف الحال في كراهة ذلك بحسب الغرض الحامل عليه، فقد يحمله على ذلك كون شيخه الذي غَّير سمته غير ثقة، أو كونه متأخر الوفاة قد شاركه في السماع منه جماعة دونه، أو كونه أصغر سناً من الراوي عنه، أو كونه كثير الرواية عنه فلا يحب الإكثار من ذكر شخصٍ واحدٍ على صورةٍ واحدةٍ‏.‏

وتسمح بذلك جماعة من الرواة المصنفين، منهم ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏، فقد كان لهَجِاً به في تصانيفه، والله أعلم‏.‏

النوع الثالث عشر‏:‏ معرفة الشاذ

*1*  النوع الثالث عشر‏:‏ معرفة الشاذ

روينا عن يونس بن عبد الأعلى قال‏:‏ قال الشافعي رحمه الله‏:‏ ليس الشاذ من الحديث أن يروي الثقة ما لا يروي غيره، إنما الشاذ أن يروي الثقة حديثاً يخالف ما روى الناس‏.‏

وحكى ‏(‏الحافظ أبو يَعلى الخليلي القزويني‏)‏ نحو هذا عن ‏(‏الشافعي‏)‏ وجماعة من أهل الحجاز‏.‏ ثم قال‏:‏ الذي عليه حفاظ الحديث أن الشاذ ما ليس له إلا إسناد واحد، يشذ بذلك شيخ، ثقة كان أو غير ثقة‏.‏ فما كان، عن غير ثقة فمتروك لا يُقبل، وما كان عن ثقة يتوقف فيه ولا يحُتج به‏.‏

‏(‏45‏)‏ وذكر‏(‏الحاكم أبو عبد الله الحافظ‏)‏‏:‏ أن الشاذ هو الحديث الذي يتَّفرد به ثقة من الثقات، وليس له أصل بمتابع لذلك الثقة‏.‏ وذكر‏:‏ أنه يغاير المعلَّل من حيث أن المعلِّل وقف على علته الدالة على جهة الوهم فيه، والشاذ لم يوقف فيه على علته كذلك‏.‏

قلت‏:‏ أما ما حكم ‏(‏الشافعي‏)‏ عليه بالشذوذ فلا إشكال في أنه شاذ غير مقبول‏.‏

وأما ما حكيناه عن غيره فيشكل بما ينفرد به العدل الحافظ الضابط، كحديث‏:‏ ‏(‏‏(‏إنما الأعمال بالنيات‏)‏‏)‏ فإنه حديث فرد تفرد به عمر رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏ ثم تَّفرد به عن عمر علقمة بن وقاص، ثم عن علقمة محمد بن إبراهيم، ثم عنه يحيى بن سعيد، على ما هو الصحيح عند أهل الحديث‏.‏

وأوضح من ذلك في ذلك‏:‏ حديث عبد الله بن دينار، عن ابن عمر‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الولاء وهبته‏.‏ تَّفرد به عبد الله بن دينار‏.‏

وحديث مالك، عن الزهري، عن أنس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل مكة وعلى رأسه مغفر‏.‏ تَّفرد به مالك عن الزهري‏.‏

فكل هذه مخرجة في ‏(‏الصحيحين‏)‏، مع أنه ليس لها إلا إسناد واحد تَّفرد به ثقة‏.‏ وفي غرائب الصحيح أشباه لذلك غير قليلة‏.‏ وقد قال ‏(‏مسلم بن الحجاج‏)‏‏:‏ للزهري نحو تسعين حرفاً، يرويه عن النبي صلى الله عليه وسلم، لا يشاركه فيها أحد، بأسانيد جياد‏.‏ والله أعلم‏.‏

‏(‏46‏)‏ فهذا الذي ذكرناه وغيره من مذاهب أئمة الحديث يبين لك أنه ليس الأمر في ذلك على الإطلاق الذي أتى به ‏(‏الخليلي‏)‏ و‏(‏الحاكم‏)‏، بل الأمر في ذلك على تفصيل نبيه فنقول‏:‏

إذا انفرد الراوي بشيء نظر فيه‏:‏ فإن كان ما انفرد به مخالفاً لما رواه من هو أولى منه بالحفظ لذلك وأضبط كان ما انفرد به شاذاً مردوداً، وإن لم تكن فيه مخالفة لما رواه غيره، وإنما هو أمر رواه هو ولم يروه غيره، فينظر في هذا الراوي المُنفرد‏:‏ فإن كان عدلاً حافظاً موثوقاً بإتقانه وضبطه قبل ما انفرد به، ولم يقدح الانفراد فيه، كما فيما سبق من الأمثلة‏.‏وإن لم يكن ممن يوثق بحفظه وإتقانه لذلك الذي انفرد به كان انفراده خارماً له، مزحزحاً له عن حيز الصحيح‏.‏

ثم هو بعد ذلك دائر بين مراتب متفاوتة بحسب الحال‏:‏ فيه فإن كان المنفرد به غير بعيد من درجة الحافظ الضابط المقبول تَّفرده استحسنَّا حديثه ذلك، ولم نحطه إلى قبيل الحديث الضعيف‏.‏ وإن كان بعيداً من ذلك رددنا ما انفرد به، وكان من قبيل الشاذ المنكر‏.‏

فخرج من ذلك أن الشاذ المردود قسمان‏:‏ أحدهما‏:‏ الحديث الفرد المخالف‏.‏ والثاني‏:‏ الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والضبط ما يقع جابراً لما يوجبه التفرد والشذوذ من النكارة والضعف، والله أعلم‏.‏

النوع الرابع عشر‏:‏ معرفة المنكر من الحديث

*1*  النوع الرابع عشر‏:‏ معرفة المنكر من الحديث

بلغنا عن ‏(‏أبي بكر أحمد بن هارون الَبرديجي الحافظ‏)‏‏:‏ أنه الحديث الذي ينفرد به الرجل، ولا يعرف متنه من غير روايته، لا من الوجه الذي رواه منه ولا من وجه آخر‏.‏ فأطلق ‏(‏البرديجي‏)‏ ذلك ولم يفصل‏.‏

و إطلاق الحكم على الَّتفرد بالرد أو النكارة أو الشذوذ موجود في كلام كثير من أهل الحديث، والصواب فيه التفصيل الذي بيناه آنفاً في شرح الشاذ‏.‏

وعند هذا نقول‏:‏ المنكر ينقسم قسمين، على ما ذكرناه في الشاذ، فإنه بمعناه‏.‏

‏(‏47‏)‏ مثال الأول، وهو المنفرد المخالف لما رواه الثقات‏:‏ رواية مالك، عن الزهري، عن علي بن حسين، عن عمر بن عثمان، عن أسامة بن زيد، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم‏)‏‏)‏‏.‏

فخالف مالك غيره من الثقات في قوله‏:‏ عمر بن عثمان، بضم العين‏.‏وذكر ‏(‏مسلم‏)‏ صاحب الصحيح في ‏(‏كتاب التمييز‏)‏ أن كل من رواه من أصحاب ‏(‏الزهري‏)‏ قال فيه‏:‏ عمرو بن عثمان يعني، بفتح العين، وذكر أن مالكاً كان يشير بيده إلى دار عمر بن عثمان، كأنه علم أنهم يخالفونه، وعمرو وعمر جميعاً ولد عثمان، غير أن هذا الحديث إنما هو عن عمرو، بفتح العين، وحكم ‏(‏مسلم‏)‏ و غيره على ‏(‏مالك‏)‏ بالوهم فيه، والله أعلم‏.‏

ومثال الثاني، وهو الفرد الذي ليس في راويه من الثقة والإتقان ما يحتمل معه تفرده‏:‏ مارويناه من حديث أبي زكير يحيى بن محمد بن قيس، عن هشام بن عروة، عن أبيه، عن عائشة رضي الله عنها‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏كلوا البلح بالتمر، فإنَّ الشيطان إذا رأى ذلك غاظه، ويقول عاش بن آدم حتى أكل الجديد بالخلق‏)‏‏)‏‏.‏ تَّفرد به أبو زكير، وهو شيخ صالح، أخرج عنه ‏(‏مسلم‏)‏ في كتابه، غير أنه لم يبلغ مبلغ من يحتمل تفرده، والله أعلم‏.‏

النوع الخامس عشر‏:‏ معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد

*1* النوع الخامس عشر‏:‏ معرفة الاعتبار والمتابعات والشواهد ‏(‏48‏)‏

هذه أمور يتداولونها في نظرهم في حال الحديث، هل تَّفرد به راويهِ أو لا ‏؟‏ وهل هو معروف أو لا ‏؟‏

ذكر ‏(‏أبو حاتم محمد بن حبان التميمي الحافظ‏)‏ رحمه الله‏:‏ إن طريق الاعتبار في الأخبار مثاله‏:‏ أن يروي حماد بن سلمة حديثاً لم يتابع عليه، عن أيوب، عن ابن سيرين، عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم‏.‏

فينظر‏:‏ هل روى ذلك ثقة غير أيوب عن ابن سيرين ‏؟‏ فإن وجد علم أن للخبر أصلاً يرجع إليه، وإن لم يوجد ذلك‏:‏ فثقة غير ابن سيرين رواه عن أبي هريرة‏.‏ وإلا فصحابي غير أبي هريرة رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم، فأي ذلك وجد يعلم به أن للحديث أصلاً يرجع إليه، وإلا فلا‏.‏

قلت‏:‏ فمثال المتابعة أن يروي ذلك الحديث بعينه عن أيوب غير حماد، فهذه المتابعة التامة، فإن لم يروه أحد غيره عن أيوب لكن رواه بعضهم عن ابن سيرين أو عن أبي هريرة، أو رواه غير أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فذلك قد يطلق عليه اسم المتابعة أيضاً، لكن يقصر عن المتابعة الأولى بحسب بعدها منها، ويجوز أن يسمى ذلك بالشاهد أيضاً‏.‏

فإن لم يرو ذلك الحديث أصلاً من وجه من الوجوه المذكورة، لكن روي حديث آخر بمعناه فذلك الشاهد من غير متابعة، فإن لم يرو أيضاً، بمعناه حديث آخر فقد تحقق فيه الَّتفرد المطلق حينئذ‏.‏ وينقسم عند ذلك إلى مردود منكر وغير مردود، كما سبق‏.‏

وإذا قالوا في مثل هذا‏:‏ تَّفرد به أبو هريرة، وتَّفرد به عن أبي هريرة ابن سيرين، وتَّفرد به عن ابن سيرين أيوب، وتَّفرد به عن أيوب حماد بن سلمة، كان في ذلك إشعاراً بانتفاء وجوه المتابعات فيه‏.‏

‏(‏49‏)‏ ثم اعلم‏:‏ أنه قد يدخل في باب المتابعة والاستشهاد رواية من لا يحتج بحديثه وحده، بل يكون معدوداً في الضعفاء‏.‏ وفي كتاب ‏(‏البخاري‏)‏ و ‏(‏مسلم‏)‏ جماعة من الضعفاء ذكراهم في المتابعات والشواهد، وليس كل ضعيف يصلح لذلك، ولهذا يقول ‏(‏الدارقطني‏)‏ وغيره في الضعفاء ‏(‏فلان يُعتبر به وفلان لا يُعتبر به‏)‏ وقد تقدم التنبيه على نحو ذلك، والله أعلم‏.‏

مثال للمتابع والشاهد‏:‏ روينا من حديث سفيان وابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن عطاء بن أبي رباح، عن ابن عباس‏:‏ أن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لو أخذوا إهابها فدبغوه فانتفعوا به‏)‏‏)‏ ورواه بن جريج، عن عمرو، عن عطاء، ولم يذكر فيه الدباغ‏.‏

فذكر ‏(‏الحافظ أحمد البيهقي‏)‏ لحديث ابن عيينة متابعاً وشاهداً‏:‏

أما المتابع‏:‏ فإن أسامة بن زيد تابعه عن عطاء‏.‏وروى بإسناده، عن أسامة، عن عطاء عن ابن عباس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ألا نزعتم جلدها فدبغتموه، فاستمتعم به‏)‏‏)‏‏.‏

وأما الشاهد‏:‏ فحديث عبد الرحمن بن وعلة، عن ابن عباس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏أيما إِهاب دُبغ فقد طُهر‏)‏‏)‏‏.‏والله أعلم‏.‏

  النوع السادس عشر‏:‏ معرفة زيادات الثقات

  أقسام ما ينفرد به الثقة

  الأول‏:‏ أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات

  الثاني‏:‏ أن لا تكون فيه منافاة

  الثالث‏:‏ ما يقع بين هاتين المرتبتين

1* النوع السادس عشر‏:‏ معرفة زيادات الثقات وحكمها ‏(‏50‏)‏

وذلك فن لطيف تستحسن العناية به‏.‏وقد كان ‏(‏أبو بكر بن زياد النيسابوري‏)‏ و‏(‏أبونعيم الجرجاني‏)‏ و‏(‏أبو الوليد القرشي‏)‏ الأئمة مذكورين بمعرفة زيادات الألفاظ الفقهية في الأحاديث‏.‏

ومذهب الجمهور من الفقهاء وأصحاب الحديث فيما حكاه ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏‏:‏ أن الزيادة من الثقة مقبولة إذا تفرد بها، سواء كان ذلك من شخصٍ واحدٍ بأن رواه ناقصاً مرة ورواه مرة أخرى وفيه تلك الزيادة، أو كانت الزيادة من غير من رواه ناقصاً‏.‏

خلافاً لمن رد من أهل الحديث ذلك مطلقاً، وخلافاً لمن رد الزيادة منه وقبلها من غيره‏.‏ وقد قدَّمنا عنه حكايتهُ عن أكثر أهل الحديث فيما إذا وصل الحديث قوم وأرسله قوم‏:‏ أن الحكم لمن أرسله، مع أن وصله زيادة من الثقة‏.‏

وقد رأيت  تقسيم ما ينفرد به الثقة إلى ثلاثة أقسام‏:‏

 أحدها‏:‏ أن يقع مخالفاً منافياً لما رواه سائر الثقات، فهذا حكمه الرد كما سبق في نوع الشاذ‏.‏

 الثاني‏:‏ أن لا تكون فيه منافاة ومخالفة أصلاً لما رواه غيره‏.‏ كالحديث الذي تَّفرد برواية جملته ثقة، ولا تَّعرض فيه لما رواه الغير بمخالفة أصلاً، فهذا مقبول‏.‏ وقد ادعى ‏(‏الخطيب‏)‏ فيه اتفاق العلماء عليه، وسبق مثاله في نوع الشاذ‏.‏

 الثالث‏:‏ ما يقع بين هاتين المرتبتين، مثل زيادة لفظه في حديث لم يذكرها سائر من روى ذلك الحديث‏.‏

مثاله‏:‏ ما رواه مالك، عن نافع، عن ابن عمر‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم فرض زكاة الفطر من رمضان، على كل حر أو عبد، ذكر أو أنثى، من المسلمين‏.‏

‏(‏51‏)‏ فذكر أبو عيسى الترمذي‏:‏ أن مالكاً تفرد من بين الثقات بزيادة قوله‏:‏ من المسلمين‏.‏

وروى عبيد الله بن عمر، وأيوب، وغيرهما هذا الحديث‏:‏ عن نافع عن ابن عمر دون هذه الزيادة، فأخذ بها غير واحد من الأئمة واحتجوا بها، منهم ‏(‏الشافعي‏)‏ و ‏(‏أحمد‏)‏، رضي الله عنهم، والله أعلم‏.‏

ومن أمثلة ذلك حديث‏:‏ ‏(‏‏(‏جُعلت لنا الأرض مسجداً، وجُعلت تربتها لنا طهوراً‏)‏‏)‏‏.‏ فهذه الزيادة تفرد بها أبو مالك سعد بن طارق الأشجعي، وسائر الروايات لفظها‏:‏ ‏(‏‏(‏وجعلت لنا الأرض مسجداً وطهوراً‏)‏‏)‏‏.‏

فهذا وما أشبهه يشبه القسم الأول من حيث‏:‏ إن ما رواه الجماعة عام، وما رواه المنفرد بالزيادة مخصوص، وفي ذلك مغايرة في الصفة ونوع من المخالفة يختلف به الحكم‏.‏

ويشبه أيضا القسم الثاني من حيث‏:‏ إنه لا منافاة بينهما‏.‏

وأما زيادة الوصل مع الإرسال‏:‏ فإن بين الوصل والإرسال من المخالفة نحو ما ذكرناه، ويزداد ذلك بأن الإرسال نوع قدح في الحديث، فترجيحه وتقديمه من قبيل تقديم الجرح على التعديل‏.‏ ويجاب عنه‏:‏ بأن الجرح قدم لما فيه من زيادة العلم، والزيادة ههنا مع من وصل، والله أعلم‏.‏

النوع السابع عشر‏:‏ معرفة الأفراد

1*  النوع السابع عشر‏:‏ معرفة الأفراد

وقد سبق بيان المهم من هذا النوع في الأنواع التي تليه قبله، لكن أفردته بترجمة كما أفرده الحاكم أبو عبد الله‏.‏ولما بقي منه فنقول‏:‏

الأفراد منقسمة إلى ما هو فرد مطلقاً، وإلى ما هو فرد بالنسبة إلى جهة خاصة‏.‏

‏(‏52‏)‏ أما الأول فهو ما ينفرد به واحد عن كل أحد، وقد سبقت أقسامه وأحكامه قريباً‏.‏

وأما الثاني‏:‏ وهو ما هو فرد بالنسبة، فمثل ما ينفرد به ثقة عن كل ثقة‏.‏وحكمه قريب من حكم القسم الأول‏.‏

ومثل ما يقال فيه‏:‏ هذا حديث تفرد به أهل مكة، أو‏:‏ تفرد به أهل الشام، أو‏:‏ أهل الكوفة، أو‏:‏ أهل خراسان، عن غيرهم‏.‏ أو‏:‏ لم يروه عن فلان غير فلان، وإن كان مروياً من وجوه عن غير فلان، أو‏:‏ تفرد به البصريون عن المدنيين، أو‏:‏ الخراسانيون عن المكيين، وما أشبه ذلك، ولسنا نطول بأمثلة ذلك فإنه مفهوم دونها‏.‏ وليس في شيء من هذا ما يقتضي الحكم بضعف الحديث، إلا أن يطلق قائل قوله‏:‏ تفرد به أهل مكة، أو‏:‏ تفرد به البصريون عن المدنيين، أو‏:‏ نحو ذلك، على ما لم يروه إلا واحد من أهل مكة، أو واحد من البصريين ونحوه، ويضيفه إليهم كما يضاف فعل الواحد من القبيلة إليها مجازاً‏.‏ وقد فعل الحاكم أبو عبد الله هذا فيما نحن فيه، فيكون الحكم فيه على ما سبق في القسم الأول، والله أعلم‏.‏

النوع الثامن عشر‏:‏ معرفة الحديث المعلل

  تعريف الحديث المعلل

*1*  النوع الثامن عشر‏:‏ معرفة الحديث المعلل

ويسميه أهل الحديث ‏(‏المعلول‏)‏ وذلك منهم - ومن الفقهاء في قولهم في باب القياس‏:‏ العلة والمعلول - مرذول عند أهل العربية واللغة‏.‏

اعلم‏:‏ أن معرفة علل الحديث من أجل علوم الحديث وأدقها وأشرفها، وإنما يضطلع بذلك أهل الحفظ والخبرة والفهم الثاقب، وهي عبارة عن أسباب خفية غامضة قادحة فيه‏.‏

‏(‏53‏)‏  فالحديث المعلل هو‏:‏ الحديث الذي اطلع فيه على علة تقدح في صحته، مع أن ظاهرة السلامة منها‏.‏

ويتطرق ذلك إلى الإسناد الذي رجاله ثقات، الجامع شروط الصحة من حيث الظاهر‏.‏

ويستعان على إدراكها بتفرد الراوي وبمخالفة غيره له، مع قرائن تنضم إلى ذلك، تنبه العارف بهذا الشأن على إرسال في الموصول، أو وقف في المرفوع، أو دخول حديث في حديث، أو وهم واهم بغير ذلك، بحيث يغلب على ظنه ذلك، فيحكم به، أو يتردد فيتوقف فيه‏.‏ وكل ذلك مانع ممن الحكم بصحة ما وجد ذلك فيه‏.‏

وكثيراً ما يعللون الموصول بالمرسل، مثل‏:‏ أن يجيء الحديث بإسناد موصول، ويجيء أيضا بإسناد منقطع أقوى من إسناد الموصول، ولهذا اشتملت كتب علل الحديث على جمع طرقه‏.‏

قال ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏‏:‏ السبيل إلى معرفة علة الحديث أن يجمع بين طرقه، وينظر في اختلاف رواته، ويعتبر بمكانهم من الحفظ ومنزلتهم في الإتقان والضبط‏.‏

وروى عن ‏(‏علي بن المديني‏)‏ قال‏:‏ الباب إذا لم تجمع طرقه لم يتبين خطأه‏.‏

ثم قد تقع العلة في إسناد الحديث، وهو الأكثر، وقد تقع في متنه‏.‏

ثم ما يقع في الإسناد قد يقدح في صحة الإسناد والمتن جميعاً، كما في التعليل بالإرسال والوقف‏.‏ وقد يقدح في صحة الإسناد خاصة من غير قدح في صحة المتن‏.‏

فمن أمثلة ما وقعت العلة في إسناده من غير قدح في المتن‏:‏ ما رواه الثقة يَعلى بن عبيد عن سفيان الثوري عن عمرو بن دينار، عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏البيعان بالخيار‏)‏‏)‏‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏ فهذا إسناد متصل بنقل العدل عن العدل، وهو معلل غير صحيح، والمتن على كل حال صحيح، والعلة في قوله‏:‏ عن عمرو بن دينار، إنما هو عن عبد الله بن دينار، عن ابن عمر، هكذا رواه الأئمة من أصحاب سفيان ‏(‏54‏)‏ عنه‏.‏ فوهم يَعلى بن عبيد، وعدل عن عبد الله بن دينار إلى عمرو بن دينار، وكلاهما ثقة‏.‏

ومثال العلة في المتن‏:‏ ما انفرد ‏(‏مسلم‏)‏ بإخراجه في حديث أنس، من اللفظ المصرح بنفي قراءة بسم الله الرحمن الرحيم، فعلل قوم رواية اللفظ المذكور لما رأوا الأكثرين إنما قالوا فيه‏:‏ فكانوا يستفتحون القراءة بالحمد لله رب العالمين، من غير تعرض لذكر البسملة، وهو الذي اتفق ‏(‏البخاري ومسلم‏)‏ على إخراجه في ‏(‏الصحيح‏)‏، و رأوا أن من رواه باللفظ المذكور رواه بالمعنى الذي وقع له‏.‏ ففهم من قوله‏:‏ كانوا يستفتحون بالحمد لله، أنهم كانوا لا يبسملون، فرواه على ما فهم، وأخطأ، لأن معناه أن السورة التي كانوا يفتتحون بها من السور هي الفاتحة، وليس فيه تعرض لذكر التسمية‏.‏

وانضم إلى ذلك أمور، منها‏:‏ أنه ثبت عن أنس‏:‏ أنه سُئل عن الافتتاح بالتسمية، فذكر أنه لا يحفظ فيه شيئاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والله أعلم‏.‏

ثم اعلم‏:‏ أنه قد يطلق اسم العلة على غير ما ذكرناه من باقي الأسباب القادحة في الحديث، المخرجة له من حال الصحة إلى حال الضعف، المانعة من العمل به، على ما هو مقتضى لفظ العلة في الأصل‏.‏ ولذلك تجد في كتب علل الحديث الكثير من الجرح بالكذب، والغفلة، وسوء الحفظ، ونحو ذلك من أنواع الجرح‏.‏ وسمى ‏(‏الترمذي‏)‏ النسخ علة من علل الحديث‏.‏

ثم إن بعضهم أطلق اسم العلة على ما ليس بقادح من وجوه الخلاف، نحو إرسال من أرسل الحديث الذي أسنده الثقة الضابط، حتى قال‏:‏ من أقسام الصحيح ما هو صحيح معلول، كما قال بعضهم‏:‏ من الصحيح ما هو صحيح شاذ، والله أعلم‏.‏

النوع التاسع عشر‏:‏ معرفة المضطرب من الحديث

  تعريف المضطرب من الحديث

1* النوع التاسع عشر‏:‏ معرفة المضطرب من الحديث ‏(‏55‏)‏

 المضطرب من الحديث‏:‏ هو الذي تختلف الرواية فيه، فيرويه بعضهم على وجه، وبعضهم على وجه آخر مخالف له‏.‏

وإنما نسميه مضطرباً إذا تساوت الروايتان، أما إذا ترجحت إحداهما بحيث لا تقاومها الأخرى‏:‏ بأن يكون راويها أحفظ، أو أكثر صحبة للمروي عنه، أو غير ذلك من وجوه الترجيحات المعتمدة، فالحكم للراجحة، ولا يطلق عليه حينئذ وصف المضطرب، ولا له حكمه‏.‏

ثم قد يقع الاضطراب في متن الحديث، وقد يقع في الإسناد، وقد يقع ذلك من راوٍ واحدٍ، وقد يقع بين رواة له جماعة‏.‏

والاضطراب موجب ضعف الحديث، لإشعاره بأنه لم يضبط، والله أعلم‏.‏

ومن أمثلته‏:‏ ما رويناه عن إسماعيل بن أمية، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث، عن جده حريث، عن أبي هريرة، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في المصلي‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا لم يجد عصا ينصبها بين يديه فليخط خطاً‏)‏‏)‏‏.‏

فرواه بشر بن المفضل وروح بن القاسم عن إسماعيل هكذا‏.‏ ورواه سفيان الثوري عنه، عن أبي عمرو بن حريث، عن أبيه، عن أبي هريرة‏.‏ ورواه حميد بن الأسود، عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن محمد بن حريث بن سليم، عن أبيه، عن أبي هريرة‏.‏ ورواه وهيب وعبد الوارث، عن إسماعيل، عن أبي عمرو بن حريث، عن جده حريث‏.‏ وقال عبد الرزاق‏:‏ عن ابن جريج‏:‏ سمع إسماعيل، عن حريث بن عمار، عن أبي هريرة‏.‏

وفيه من الاضطراب أكثر مما ذكرناه، والله أعلم‏.‏

النوع العشرون‏:‏ معرفة المدرج في الحديث

1* النوع العشرون‏:‏ معرفة المدرج في الحديث ‏(‏56‏)‏

وهو أقسام‏:‏

منها‏:‏ ما أدرج في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم من كلام بعض رواته، بأن يذكر الصحابي - أو‏:‏ من بعده - عقيب ما يرويه من الحديث كلاماً من عند نفسه، فيرويه مَن بعده موصولاً بالحديث، غير فاصل بينهما بذكر قائله، فيلتبس الأمر فيه على من لا يعلم حقيقة الحال، ويتوهم أن الجميع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومن أمثلته المشهورة‏:‏ ما رويناه في التشهد عن أبي خيثمة زهير بن معاوية، عن الحسن بن الحر، عن القاسم بن مخيمرة، عن علقمة، عن عبد الله بن مسعود‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم علمه التشهد في الصلاة فقال‏:‏ ‏(‏‏(‏قل‏:‏ التحيات لله‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ فذكر التشهد، وفي آخره‏:‏ ‏(‏‏(‏أشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً رسول الله، فإذا قلت هذا فقد قضيت صلاتك، إن شئت أن تقوم فقم، وإن شئت أن تقعد فاقعد‏)‏‏)‏ هكذا رواه أبو خيثمة عن الحسن بن الحر، فأدرج في الحديث قوله‏:‏ فإذا قلت هذا إلى آخره، وإنما هذا من كلام ابن مسعود، لا من كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

ومن الدليل عليه‏:‏ أن الثقة الزاهد عبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان رواه عن رواية الحسن بن الحر كذلك‏.‏ واتفق حسين الجعفي وابن عجلان وغيرهما في روايتهم عن الحسن بن الحر على ترك ذكر هذا الكلام في آخر الحديث‏.‏ مع اتفاق كل من روى التشهد عن علقمة وعن غيره، عن ابن مسعود على ذلك، ورواه شبابة عن أبي خيثمة ففصله أيضاً‏.‏

‏(‏57‏)‏ ومن أقسام المدرج‏:‏ أن يكون متن الحديث عند الراوي له بإسناد، إلا طرفاً منه، فإنه عنده بإسناد ثان، فيدرجه من رواه عنه على الإسناد الأول، ويحذف الإسناد الثاني، ويروي جميعه بالإسناد الأول‏.‏

مثاله‏:‏ حديث بن عيينة وزائدة بن قدامة، عن عاصم بن كليب، عن أبيه، عن وائل بن حجر‏:‏ في صفة صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي آخره‏:‏ أنه جاء في الشتاء، فرآهم يرفعون أيديهم من تحت الثياب‏.‏ والصواب‏:‏ رواية من روى عن عاصم بن كليب بهذا الإسناد صفة الصلاة خاصة، وفصل ذكر رفع الأيدي عنه، فرواه عن عاصم، عن عبد الجبار بن وائل، عن بعض أهله، عن وائل بن حجر‏.‏

ومنها‏:‏ أن يدرج في متن حديث بعض متن حديث آخر، مخالف للأول في الإسناد‏.‏

مثاله‏:‏ رواية سعيد بن أبي مريم، عن مالك، عن الزهري، عن أنس‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، ولا تنافسوا‏.‏‏.‏‏)‏‏)‏ الحديث‏.‏ فقوله‏:‏ ‏(‏لا تنافسوا‏)‏ أدرجه ابن أبي مريم من متن حديث آخر، رواه مالك عن أبي الزناد، عن الأعرج عن أبي هريرة، فيه‏:‏ ‏(‏‏(‏لا تجسسوا، ولا تحسسوا، ولا تنافسوا، ولا تحاسدوا،‏)‏‏)‏‏.‏ والله أعلم‏.‏

ومنها أن يروي الراوي حديثاً عن جماعة، بينهم اختلاف في إسناده، فلا يذكر الاختلاف، بل تدرج روايتهم على الاتفاق‏.‏

مثاله‏:‏ رواية عبد الرحمن بن مهدي ومحمد بن كثير العبدي، عن الثوري، عن منصور والأعمش وواصل الأحدب، عن أبي وائل، عن عمرو بن شرحبيل، ‏(‏58‏)‏ عن ابن مسعود قلت‏:‏ يا رسول الله، أي الذنب أعظم‏.‏‏.‏ الحديث‏.‏ وواصل إنما رواه عن أبي وائل عن عبد الله، من غير ذكر عمرو بن شرحبيل بينهما، والله أعلم‏.‏

واعلم‏:‏ أنه لا يجوز تعمد شيء من الإدراج المذكور‏.‏ وهذا النوع قد صنف فيه ‏(‏الخطيب أبو بكر‏)‏ كتابه الموسوم ب ‏(‏الفصل للوصل المدرج في النقل‏)‏ فشفى وكفى، والله أعلم‏.‏

النوع الحادي والعشرون‏:‏ معرفة الموضوع

*1*  النوع الحادي والعشرون‏:‏ معرفة الموضوع

وهو المختلق المصنوع‏.‏

اعلم‏:‏ أن الحديث الموضوع شر الأحاديث الضعيفة، ولا تحل روايته لأحد علم حاله في أي معنى كان، إلا مقروناً ببيان وضعه‏.‏ بخلاف غيره من الأحاديث الضعيفة التي يحتمل صدقها في الباطن، حيث جاز روايتها في الترغيب والترهيب، على ما نبينه قريباً إن شاء الله تعالى‏.‏

‏(‏59‏)‏ وإنما يعرف كون الحديث موضوعاً بإقرار واضعه، أو ما يتنزل منزلة إقراره‏.‏ وقد يفهمون الوضع من قرينة حال الراوي أو المروي، فقد وضعت أحاديث طويلة يشهد بوضعها ركاكة ألفاظها ومعانيها‏.‏

ولقد أكثر الذي جمع في هذا العصر الموضوعات في نحو مجلدين، فأودع فيها كثيراً مما لا دليل على وضعه، وإنما حقه أن يذكر في مطلق الأحاديث الضعيفة‏.‏

والواضعون للحديث أصناف، وأعظمهم ضرراً قوم من المنسوبين إلى الزهد، وضعوا الحديث احتساباً فيما زعموا، فتقبل الناس موضوعاتهم ثقة منهم بهم وركوناً إليهم‏.‏ ثم نهضت جهابذة الحديث بكشف عوارها ومحو عارها، والحمد لله‏.‏

وفيما روينا عن الإمام أبي بكر السمعاني‏:‏ أن بعض الكرامية ذهب إلى جواز وضع الحديث في باب الترغيب والترهيب‏.‏

ثم إن الواضع‏:‏ ربما صنع كلاماً من عند نفسه فرواه، وربما أخذ كلاماً لبعض الحكماء أو غيرهم، فوضعه على رسول الله صلى الله عليه وسلم‏.‏

وربما غلط غالط، فوقع في شبه الوضع من غير تعمد، كما وقع لثابت بن موسى الزاهد في حديث‏:‏ من كثرت صلاته بالليل حسن وجهه بالنهار‏.‏

مثال‏:‏ روينا عن أبي عصمة - وهو نوح بن أبي مريم -أنه قيل له‏:‏ من أين لك عن عكرمة، عن ابن عباس في فضائل القرآن سورة سورة ‏؟‏ فقال‏:‏ إني رأيت الناس قد أعرضوا عن القرآن، واشتغلوا بفقه أبي حنيفة ومغازي محمد بن إسحاق، فوضعت هذه الأحاديث حسبة‏.‏

وهكذا حال الحديث الطويل الذي يروى عن أبي بن كعب، عن النبي صلى الله عليه وسلم في فضل القرآن سورة فسورة‏.‏ بحث باحث عن مخرجه، حتى انتهى إلى من اعترف بأنه وجماعة وضعوه، وإن أثر الوضع لبِّين عليه‏.‏ ولقد أخطأ الواحدي المفسر، ومن ذكره من المفسرين، في إيداعه تفاسيرهم، والله أعلم‏.‏

النوع الثاني والعشرون‏:‏ معرفة المقلوب

  أمور مهمة

  الأول:إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف

  الثاني‏:‏ جواز التساهل في الأسانيد

  الثالث‏:‏ رواية الحديث الضعيف بغير إسناد

*1* النوع الثاني والعشرون‏:‏ معرفة المقلوب ‏(‏60‏)‏

هو‏:‏ نحو حديث مشهور عن سالم جعل عن نافع، ليصير بذلك غريباً مرغوباً فيه‏.‏

وكذلك‏:‏ ما روينا أن ‏(‏البخاري‏)‏ رضي الله عنه قدم بغداد فاجتمع قبل مجلسه قوم من أصحاب الحديث، وعمدوا إلى مائة حديث، فقلبوا متونها وأسانيدها، وجعلوا متن هذا الإسناد لإسناد آخر، وإسناد هذا المتن لمتن آخر، ثم حضروا مجلسه وألقوها عليه، فلما فرغوا من إلقاء تلك الأحاديث المقلوبة التفت إليهم، فرد كل متن إلى إسناده، وكل إسناد إلى متنه، فأذعنوا له بالفضل‏.‏

ومن أمثلته، ويصلح مثالاً للمعلل‏:‏ ما رويناه عن إسحاق بن عيسى الطباع قال‏:‏ حدثنا جرير بن حازم، عن ثابت، عن أنس قال‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني‏)‏‏)‏‏.‏

قال إسحاق بن عيسى‏:‏ فأتيت حماد بن زيد، فسألته عن الحديث، فقال‏:‏ وهم أبو النضر، إنما كنا جميعاً في مجلس ثابت البناني وحجاج بن أبي عثمان معنا، فحدثنا حجاج الصواب‏:‏ عن يحيى بن أبي كثير، عن عبد الله بن أبي قتادة، عن أبيه‏:‏ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏(‏‏(‏إذا أقيمت الصلاة فلا تقوموا حتى تروني‏)‏‏)‏‏.‏ فظن أبو النضر أنه فيما حدثنا ثابت عن أنس‏.‏

أبو النضر هو جرير بن حازم، والله اعلم‏.‏

‏(‏61‏)‏ ‏(‏فصل‏)‏ قد وفينا بما سبق الوعد بشرحه من الأنواع الضعيفة والحمد لله، فلننبه الآن على  أمور مهمة‏:‏  أحدها‏:‏ إذا رأيت حديثاً بإسناد ضعيف، فلك أن تقول هذا ضعيف وتعني أنه بذلك الإسناد ضعيف‏.‏ وليس لك أن تقول هذا ضعيف، وتعني به ضعف متن الحديث، بناء على مجرد ضعف ذلك الإسناد، فقد يكون مروياً بإسناد آخر صحيح يثبت بمثله الحديث‏.‏ بل يتوقف جواز ذلك على حكم إمام من أئمة الحديث بأنه لم يروَ بإسناد يثبت به، أو بأنه حديث ضعيف، أو نحو، هذا مفسراً وجه القدح فيه‏.‏ فإن أطلق ولم يفسر، ففيه كلام يأتي إن شاء الله تعالى، فاعلم ذلك فإنه مما يغلط فيه، والله اعلم‏.‏

 الثاني‏:‏ يجوز عند أهل الحديث وغيرهم التساهل في الأسانيد، ورواية ما سوى الموضوع من أنواع الأحاديث الضعيفة، من غير اهتمام ببيان ضعفها، فيما سوى صفات الله تعالى وأحكام الشريعة من الحلال والحرام وغيرهما‏.‏ وذلك كالمواعظ، والقصص، وفضائل الأعمال، وسائر فنون الترغيب والترهيب، وسائر ما لا تعلق له بالأحكام والعقائد، وممن روينا عنه التنصيص على التساهل في نحو ذلك‏:‏ ‏(‏عبد الرحمن بن مهدي‏)‏، و‏(‏أحمد بن حنبل‏)‏، رضي الله عنهما‏.‏

 الثالث‏:‏ إذا أردت رواية الحديث الضعيف بغير إسناد فلا تقل فيه‏:‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، وما أشبه هذا من الألفاظ الجازمة بأنه صلى الله عليه وسلم قال ذلك‏.‏ وإنما تقول فيه‏:‏ روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم كذا وكذا، أو‏:‏ بلغنا عنه كذا وكذا، أو ورد عنه، أو‏:‏ جاء عنه، أو‏:‏ روى بعضهم، وما أشبه ذلك‏.‏ وهكذا الحكم فيما تشك في صحته وضعفه، وإنما تقول‏:‏ ‏(‏قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏)‏ فيما ظهر لك صحته بطريقه الذي أوضحناه أولاً، والله اعلم‏.‏

النوع الثالث والعشرون‏:‏ معرفة صفة من تقبل روايته

  جملة مسائل‏

  الأولى‏:‏ عدالة الراوي‏

  الثانية‏:‏ معرفة كون الراوي ضابطاً

  الثالثة‏:‏ التعديل مقبول من غير ذكر سببه

  الرابعة‏:‏ الاختلاف في إثبات الجرح والتعديل بقول واحد

  الخامسة‏:‏ اجتماع الجرح والتعديل في شخص

  السادسة‏:‏ لا يجزي التعديل على الإبهام من غير تسمية المعدل

  السابعة‏:‏ إذا روى العدل عن رجل وسماه

  الثامنة‏:‏ في رواية المجهول

  أقسام رواية المجهول

  الأول‏:‏ المجهول العدالة من حيث الظاهر والباطن جميعاً

  الثاني‏:‏ المجهول الذي جهلت عدالته الباطنة

  الثالث‏:‏ المجهول العين

  التاسعة‏:‏ الاختلاف في قبول رواية المبتدع الذي لا يكفر في بدعته‏

  العاشرة‏:‏ التائب من الكذب في حديث الناس

  الحادية عشرة‏:‏ إذا روى ثقة عن ثقة حديثاً وروجع المروي عنه فنفاه‏

  الثانية عشر‏:‏ من أخذ على التحديث أجراً

  الثالثة عشر‏:‏ رواية من عرف بالتساهل

  الرابعة عشرة‏:‏ إعراض الناس عن اعتبار مجموع ما بينا

  الخامسة عشر‏:‏ في بيان الألفاظ المستعملة بين أهل هذا الشأن في الجرح والتعديل

  مراتب ألفاظ التعديل

  الأولى‏

  الثانية‏

  الثالثة‏

  الرابعة‏

1*  النوع الثالث والعشرون‏:‏ معرفة صفة من تقبل روايته ومن ترد روايته، وما يتعلق بذلك من قدح وجرح وتوثيق وتعديل

أجمع جماهير أئمة الحديث والفقه على‏:‏ أنه يشترط فيمن يحتج بروايته‏:‏ أن يكون عدلاً، ضابطاً لما يرويه‏.‏ وتفصيله‏:‏ أن يكون مسلماً، بالغاً، عاقلاً، سالماً من أسباب الفسق وخوارم المروءة، متيقظاً غير مغفل، حافظاً إن حدَّث من حفظه، ضابطاً لكتابه إن حدَّث من كتابه‏.‏

وإن كان يحدث بالمعنى‏:‏ اشترط فيه مع ذلك أن يكون عالماً بما يحيل المعاني، والله أعلم‏.‏

ونوضح هذه  الجملة بمسائل‏:‏

 إحداها‏:‏ عدالة الراوي‏:‏ تارة تثبت بتنصيص معدِّلين على عدالته، وتارة تثبت بالاستفاضة، فمن اشتهرت عدالته بين أهل النقل أو نحوهم من أهل العلم، وشاع الثناء عليه بالثقة والأمانة، استغني فيه بذلك عن بينة شاهدة بعدالته تنصيصاً، وهذا هو الصحيح في مذهب ‏(‏الشافعي‏)‏، رضي الله عنه، وعليه الاعتماد في فن أصول الفقه‏.‏

وممن ذكر ذلك من أهل الحديث ‏(‏أبو بكر الخطيب الحافظ‏)‏، ومثل ذلك بمالك، وشعبة، والسفيانين، والأوزاعي، والليث، وابن المبارك، ووكيع، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين، وعلي بن المديني، ومن جري مجراهم في نباهة الذكر و استقامة الأمر، فلا يسأل عن عدالة هؤلاء وأمثالهم، وإنما يسأل عن عدالة من خفي أمره على الطالبين‏.‏

‏(‏63‏)‏ وتوسَّع ‏(‏ابن عبد البر الحافظ‏)‏ في هذا فقال‏:‏ كل حامل علم معروف العناية به فهو عدل، محمول في أمره أبدا على العدالة، حتى يتبين جرحه‏.‏ لقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله‏)‏‏)‏‏.‏ وفيما قاله اتساع غير مرضي، والله اعلم‏.‏

 الثانية‏:‏ يعرف كون الراوي ضابطاً بأن نعتبر روايته بروايات الثقاة المعروفين بالضبط والإتقان‏.‏ فإن وجدنا رواياته موافقة - ولو من حيث المعنى- لرواياتهم، أو موافقة لها في الأغلب والمخالفة نادرة، عرفنا حينئذ كونه ضابطاً ثبْتاً‏.‏ وإن وجدناه كثير المخالفة لهم، عرفنا اختلال ضبطه، ولم نحتج بحديثه، والله أعلم‏.‏

 الثالثة‏:‏ التعديل مقبول من غير ذكر سببه على المذهب الصحيح المشهور، لأن أسبابه كثيرة يصعب ذكرها، فإن ذلك يحوج المعدل إلى أن يقول‏:‏ لم يفعل كذا، لم يرتكب كذا، فعل كذا وكذا، فيعدد جميع ما يفسق بفعله أو بتركه، وذلك شاق جداً‏.‏

وأما الجرح فإنه لا يقبل إلا مفسراً مبين السبب، لأن الناس يختلفون فيما يجرح وما لا يجرح، فيطلق أحدهم الجرح بناء على أمر اعتقده جرحاً وليس بجرح في نفس الأمر، فلا بدَّ من بيان سببه، لينظر فيما هو جرح أم لا‏.‏

وهذا ظاهر مقرر في الفقه وأصوله‏.‏ وذكر ‏(‏الخطيب الحافظ‏)‏‏:‏ أنه مذهب الأئمة من حفاظ الحديث ونقاده، مثل‏:‏ البخاري، ومسلم، وغيرهما‏.‏

ولذلك احتج ‏(‏البخاري‏)‏ بجماعة سبق من غيره الجرح لهم، كعكرمة مولى ابن عباس رضي الله عنهما، وكإسماعيل بن أبي أويس، وعاصم بن علي، وعمرو بن مرزوق، وغيرهم‏.‏ واحتج مسلم بسويد بن سعيد، وجماعة اشتهر الطعن فيهم‏.‏ وهكذا فعل أبو داود السجستاني‏.‏ وذلك دال على أنهم ذهبوا إلى أن الجرح لا يثبت إلا إذا فسر سببه، ومذاهب النقاد للرجال غامضة مختلفة‏.‏

وعقد ‏(‏الخطيب‏)‏ باباً في بعض أخبار من استفسر في جرحه، فذكر ما لا يصلح جارحاً‏.‏

‏(‏64‏)‏ منها عن شعبة أنه قيل له‏:‏ لمَ تركت حديث فلان ‏؟‏ فقال‏:‏ رأيته يركض علي برذون، فتركت حديثه‏.‏

ومنها‏:‏ عن مسلم بن إبراهيم أنه سُئل عن حديث الصالح المري، فقال‏:‏ ما يصنع بصالح ‏؟‏ ذكروه يوماً عند حماد بن سلمة فامتخط حماد، والله