الجمعة، 29 سبتمبر 2023

ج1/وج2.معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا ( -395)

 

شبكة مشكاة الإسلامية

ج1/معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا

( -395)

الجُزْءُ الأول

 

التعريف بابن فارس‏

‏ابن فارس الأديب‏

ابن فارس اللغوي‏

مؤلفات ابن فارس‏

كتاب المقاييس‏

تقديم‏

مقدمة ابن فارس‏

كتاب الهمزة:

ـ (باب الهمزة في الذي يقال له المضاعف)‏

ـ (باب الثلاثي الذي أوّله الهمزة)‏

ـ (باب الهمزة والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الهمزة والثاء وما يثلثهما)‏

- (باب الهمزة والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الهمزة والحاء وما معهما في الثلاثي)

ـ (باب الهمزة والخاء وما معهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والدال وما معهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والذال وما معهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والراء وما معهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والزاء وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الهمزة والشين وما بعدهما في الثلاثي)

ـ (باب الهمزة والصاد وما بعدهما في الثلاثي)

ـ (باب الهمزة والضاد وما بعدهما في الثلاثي)

ـ (باب الهمزة والطاء وما بعدهما في الثلاثي)

ـ (باب الهمزة والعين وما بعدهما في الثلاثي) ـ مهمل‏

ـ (باب الهمزة والصاد وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والفاء وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والقاف وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الهمزة واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الهمزة والميم وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والنون وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والهاء وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والواو وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الهمزة والياء وما يثلثهما في الثلاثي)‏

كتاب الباء:

ـ (باب الباء وما بعدها في الذي يقال له المضاعف)‏

ـ (باب الباء والتاء وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والثاء مع الذي بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والجيم وما بعدهما)‏

ـ (باب الباء والحاء وما معهما في الثلاثي)‏

ـ ( باب الباء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والدال وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والذال وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والراء وما معهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والضاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والقاف وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء واللام وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والنون وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والهاء وما بعدهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والواو وما معهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الباء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الباء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله باء)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله باء)

ـ (باب من الرباعي آخر)‏

ـ (الباب الثالث من الرباعي الذي وضع وضعاً)‏

كتاب التاء:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب مُضاعَفاً أو مطابقاً)‏

ـ (باب التاء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والشين وما يثلثهما) ـ مهمل

ـ (باب التاء والغين وما يثلثهما) ـ مهمل‏

ـ (باب التاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والهاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب التاء والياء وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب التاء والهمزة وما يثلثهما(1))‏

ـ (باب التاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله تاء)‏

- (ماجاء على أكثر من ثلاثة أولـه تاء‏)

 

كتاب الثاء:

ـ (باب الكلام الذي أوله ثاء في المضاعف والمطابق والأصم)‏

ـ (باب الثاء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الثاء والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على ثلاثة أحرف أولـه ثاء)‏

كتاب الجيم:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق والترخيم)‏

ـ (باب الجيم والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والفاء وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الجيم واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الجيم والباء وما يثلهما)‏

ـ (باب الجيم والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله جيم)‏

مراجع التحقيق والضبط (1)‏

 

 

التعريف بابن فارس

بسم الله الرحمن الرحيم

عبد السَّلام محمد هَارُون - رئيس قسم الدراسات النحوية بكلية دار العلوم سابقاً وعضو المجمع اللغوي

لم تعين كتب التراجم تاريخاً لولادة أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا بن حبيب الرازي، على حين نجد الرواة يختلفون في نسبه وموطنه.

أما اختلافهم في اسمه فقد زعم ابن الجوزي- على ما رواه ياقوت، وهو ما رأيته في كتابه المنتظم نسخة دار الكتب المصرية- أن اسمه أحمد بن زكريا بن فارس([1]).

ولكنَّ ياقوتاً لا يعبأ بهذا القول الشاذ، ويذهب إلى أنه قول "لا يعاج به".

وأما موطنه فندع القفطي([2]) يقول فيه: "واختلفوا في وطنه، فقيل كان من قزوين. ولا يصح ذلك، وإنما قالوه لأنه كان يتكلم بكلام القزاونة([3]). وقيل: كان من رستاق الزهراء، من القرية المدعوة كرسف جياناباذ".

وقال ياقوت: "وجدت على نسخة قديمة لكتاب المجمل من تصنيف ابن فارس ما صورته: تأليف الشيخ أبي الحسين أحمد بن فارس بن زكريا الزهراوي الأستاذ خرزي. واختلفوا في وطنه، فقيل كان من رستاق الزهراء من القرية المعروفة بكرسفة وجياناباذ. وقد حضرت القريتين مراراً، ولا خلاف في أنه قروي. حدثني والدي محمد بن أحمد، وكان من جملة حاضري مجالسه، وقال: أتاه آت فسأله عن وطنه، فقال: كرسف. قال: فتمثل الشيخ: [الطويل].

بلاد بها شُدَّت عليَّ تمائمي *** وأولُ أرض مس جلدي ترابها([4])

وكتبه مجمع بن محمد بن أحمد بخطه، في شهر ربيع الأول سنة ست وأربعين وأربعمائة". قال ياقوت: "وكان في آخر هذا الكتاب ما صورته أيضاً: قضى الشيخ أبو الحسين أحمد بن فارس رحمه الله في صفر سنة خمس وتسعين وثلاثمائة بالري، ودفن بها مقابل مشهد قاضي القضاة أبي الحسن علي بن عبد العزيز. يعني الجرجاني".

فهذا النص الذي أورده ياقوت يكسب أبا الحسين بن فارس نسبتين أخريين: هما "الزهراوي" و"الأستاذ خرزي"، غير نسبته المشهورة "الرازي" إلى مدينة "الريّ" قصبة بلاد الجبل.

ولعل في كثرة اضطراب أبي الحسين في بلاد شتى، ما يدعو إلى هذا الخلاف في معرفة وطنه الأول.

ويروي القفطي أيضاً أن "أصله من همذان، ورحل إلى قزوين إلى أبي الحسين إبراهيم بن علي بن إبراهيم بن سلمة بن فخر،… فأقام هناك مدة، ورحل إلى زنجان إلى أبي بكر أحمد بن الحسن بن الخطيب راوية ثعلب، ورحل إلى ميانج".

ويروي ياقوت عن يحيى بن مَنْدَه الأصبهاني، قال: "سمعت عمي عبد الرحمن بن محمد العبدي يقول: سمعت أبا الحسين أحمد بن زكريا بن فارس النحوي يقول: دخلت بغداد([5]) طالباً للحديث؛ فحضرت مجلس بعض أصحاب الحديث وليست معي قارورة، فرأيت شابّاً عليه سِمَة من جمال فاستأذنته في كَتْب الحديث من قارورته فقال: من انبسط إلى الإخوان بالاستئذان، فقد استحق الحرمان".

فهو كما ترى قد تنقل في جملة من البلاد ساعياً للعلم، شأنَ طلاب العلم في ذلك الزمان، فاكتسب بذلك جماعة من الأنساب.

إقامته بهمذان:

ولكن المقام استقر به في معظم الأمر بمدينة همذان. قال ابن خلكان: "وكان مقيماً بهمذان". ويقول الثعالبي([6]) في ترجمته: "أبو الحسين أحمد بن فارس بن زكريا، المقيم كان بهمذان. من أعيان العلم وأفذاذ الدَّهر، يجمع إتقان العلماء، وظرف الكتاب والشعراء. وهو بالجبل كابن لنكك بالعراق، وابن خالويه بالشام، وابن العلاف بفارس، وأبي بكر الخوارزمي بخراسان".

وقد تَلْمَذ لـه في أثناء إقامته الطويلة بهمذان أديبها المعروف "بديع الزمان الهمذاني" الذي يرجع الفضل كل الفضل في تكوينه وتأديبه إلى أبي الحسين أحمد بن فارس. قال الثعالبي في ترجمته بديعَ الزمان: "وقد درس على أبي الحسين بن فارس، وأخذ عنه جميع ما عنده، واستنفد علمه، واستنزف بحره".

انتقاله إلى الرّيّ:

ولما اشتهر أمره بهمذان وذاع صوته، استدعي منها إلى بلاط آل بويه بمدينة الري، ليقرأ عليه أبو طالب بن فخر الدَّولة علي بن ركن الدَّولة الحسن بن بويه الدَّيلمي. وهناك التقى برجل خطير كان يبغي من قبل أن يعقد صلة بينه وبينه، حتى لقد أنفذ إليه من همذان كتاباً من تأليفه، هو "كتاب الحجر([7])". ذلك الرجل الخطير هو الصاحب إسماعيل بن عباد([8]). وفي هذه الآونة زال ما كان بين أبي الحسين وبين الصاحب من انحراف، كانت علته انتساب ابن فارس إلى خدمة آل العميد([9]) وتعصبه لهم. واصطفاه الصاحب حينئذ، وأخذ عنه الأدب،

واعترف له بالأستاذية والفضل، وكان يقول فيه: "شيخنا أبو الحسين ممن رزق حسن التصنيف، وأمن فيه من التصحيف([10])".

شيوخ ابن فارس وتلاميذه:

كان والد أبي الحسين فقيهاً شافعياً لغوياً، وقد أخذ عنه أبو الحسين فقه الشافعي، وروى عنه في كتبه([11]). قال ابن فارس: "سمعت أبي يقول: سمعت محمد بن عبد الواحد يقول: إذا نُتِج ولدُ الناقة في الربيع ومضت عليه أيام فهو رُبَع، فإذا نُتج في الصيف فهو هُبَع، فإذا نتج بين الصيفِ والربيع فهو بُعَّة([12])".

وأنت تجد في مقدمة ابن فارس لكتاب المقاييس نصاً على أنه روى كتاب المنطق لابن السكيت عن أبيه فارس بن زكريا.

وكان أبوه أيضاً رجلاً أديباً راوية للشعر. قال ياقوت: "وحدث ابن فارس: سمعت أبي يقول: حججت فلقيت ناساً من هذيل، فجاريتهم ذكر شعرائهم فما عرفوا أحداً منهم، ولكني رأيت أمثل الجماعة رجلاً فصيحاً، وأنشدني:

إذا لم تَحظَ في أرضٍ فدعْها *** وحُثَّ اليَعمَلاتِ على وَجاها

ولا يَغْرُرْكَ حَظُّ أخيك فيها *** إذا صَفِرَتْ يمينُك مِن حَداها

ونفسَك فُزْ بها إن خفت ضيماً *** وخَلِّ الدَّارَ تنعَى مَن بكاها

فإنك واجدٌ أرضاً بأرض *** ولستَ بواجدٍ نفساً سواها

ومن شيوخه أيضاً أبو بكر أحمد بن الحسن الخطيب راوية ثعلب، وهذه الأستاذية تفسر لنا السر في أن ابن فارس كان نحوياً على طريقة الكوفيين.

ومن شيوخه كذلك أبو الحسن علي بن إبراهيم بن سلمة القطان. وقد أكثر ابن فارس من الرواية عنه في كتابه "الصاحبي" ونص في مقدمة المقاييس أنه قرأ عليه كتاب العين المنسوب إلى الخليل.

وفي عداد شيوخه أبو الحسن علي بن عبد العزيز صاحب أبي عبيد القاسم ابن سلام، وقد روى عنه ابن فارس كتابَيْ أبي عبيد: غريب الحديث، ومصنف الغريب، كما نص في المقدّمة.

ومنهم أبو بكر محمد بن أحمد الأصفهاني، وعلي بن أحمد الساوي، وأبو القاسم سلمان بن أحمد الطبراني.

والشيخ الذي كان يسترعي انتباه ابن فارس وإعجابه الشديد، هو أبو عبد الله أحمد بن طاهر المنجم. وفيه يقول ابن فارس([13]): "ما رأيت مثل أبي عبد الله ابن طاهر، ولا رأى هو مثل نفسه".

وأما تلاميذ ابن فارس فكثيرون، وكان من أشهرهم بديع الزمان الهمذاني، وأبو طالب بن فخر الدَّولة البويهي، والصاحب إسماعيل بن عباد، كما أسلفنا القول.

وقال ابن الأنباري: "وكان له صاحب يقال له أبو العباس أحمد بن محمد الرازي المعروف بالغضبان، وسبب تسميته بذلك أنه كان يخدمه ويتصرف في بعض أموره. قال: فكنت ربما دخلت فأجد فرش البيت أو بعضه قد وهبه، فأعاتبه على ذلك وأضجر منه، فيضحك من ذلك ولا يزول عن عادته. فكنت متى دخلت عليه ووجدت شيئاً من البيت قد ذهب علمت أنه قد وهبه، فأعبس وتظهر الكآبة في وجهي، فيبسطني ويقول: ما شأن الغضبان! حتى لحق بي هذا اللقب منه، وإنما كان يمازحني به".

ومن تلاميذه أيضاً علي بن القاسم المقري، وقد قرأ عليه كتابه (أوجز السير لخير البشر) المطبوع في الجزائر وبمباي، ويفهم من هذا الكتاب أن ابن فارس أقام في مدينة الموصل زماناً وقرأ عليه المقري فيها هذا الكتاب.

وفاته:

لم يختلف المؤرخون في أن ابن فارس قد قضى نحبه في مدينة الري، أو المحمدية([14])، وأنه دُفن بها مقابل مشهد قاضي القضاة أبي الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني.

ولكنهم يختلفون في تاريخ وفاته على أقوال خمسة:

فقيل توفي سنة (360) كما نقل ياقوت عن الحميدي، وعقب على ذلك بأنه قول لا اعتبار به. وقيل كانت وفاته سنة (369) ذكر ذلك ابن الجوزي في المنتظم، ونقله عنه ياقوت. وعَدَّه ابن الأثير أيضاً في وفيات سنة 369.

وذكر ابن خلِّكان أنه توفي سنة (375) بالمحمدية.

وقيل إنه توفي سنة (390) ذكر ذلك ابن خلكان أيضاً، وابن كثير في أحد قوليه في كتابه البداية والنهاية، وكذا اليافعي في مرآة الجنان، وصاحب شذرات الذهب.

وأصح الأقوال وأولاها بالصواب أن وفاته كانت سنة (395) كما ذكر القفطي في إنباه الرواة، وكما نقل السيوطي عن الذهبي في بغية الوعاة، قال: "وهو أصح ما قيل في وفاته". وذكره أيضاً في هذه السنة ابن تَغْرِي بِرْدِي في النجوم الزاهرة، وابن كثير في البداية والنهاية. وهو الذي استظهره ياقوت، إذ وجد هذا التاريخ على نسخة قديمة من كتاب المجمل([15]).

وذكر في معجم البلدان (7: 339) أنه وجد كتاب تمام الفصيح بخط ابن فارس، كتبه سنة 390.

وفي إرشاد الأريب أنه وجد خطه على كتاب [تمام] الفصيح تصنيفه وقد كتبه سنة 391.

فهذا كله يؤيد القول أنه توفي سنة 395.

وروى أكثر من ترجم له أنه قال قبل وفاته بيومين:

يا ربّ إنَّ ذنوبي قد أحطتَ بها *** علماً وبي وبإعلاني وإسراري

أنا الموحِّد لكني المقرُّ بها *** فهب ذنوبي لتوحيدي وإقراري

________________________

([1])  تجد هذه التسمية أيضاً فيما سيأتي من نقل عن ياقوت في ص5 عن يحيى بن منده الأصبهاني. لكن ابن فارس نفسه يسمي والده في مقدمة المقاييس ص5 وكذلك في خاتمة الصاحبي 232: "فارس بن زكريا". وهو نص قاطع.

([2]) إنباه الرواة (1: 94).مصورة دار الكتب المصرية.

([3]) ممن ذكره بنسبته "القزويني" أيضاً، السيوطي في بغية الوعاة. وقال ياقوت: "وذكره الحافظ السلفي في شرح مقدمة معالم السنن للخطابي، فقال: أصله من قزوين".

([4]) انظر زهر الآداب (3: 100).

([5]) من العجب أن الخطيب البغدادي لم يترجم له في كتابه تاريخ بغداد، مع أنه من شرط كتابه.

([6]) يتيمة الدهر (3: 214).

([7]) في إرشاد الأريب: "كان الصاحب منحرفاً عن أبي الحسين بن فارس، لانتسابه إلى خدمة آل العميد وتعصبه لهم، فأنفذ إليه من همذان كتاب الحجر من تأليفه، فقال الصاحب: ردّ الحجر من حيث جاءك. ثم لم تطب نفسه بتركه فنظر فيه وأمر له بصلة".

([8]) هو أبو القاسم إسماعيل بن عباد بن العباس بن عباد. وهو أول من لقب بالصاحب من الوزراء، لأنه كان يصحب أبا الفضل بن العميد، فقيل له "صاحب ابن العميد" ثم أطلق عليه هذا اللقب لما تولى الوزارة، وبقي علماً عليه. وقيل إنما سمي الصاحب لأنه صحب مؤيد الدولة أبا منصور بويه بن ركن الدولة بن بويه الديلمي، وتولى وزارته بعد أبي الفتح علي بن أبي الفضل بن العميد، فلما توفي مؤيد الدولة في سنة 373 بجرجان استولى على مملكته أخوه فخر الدين أبو الحسن علي، فأقر الصاحب على وزارته. توفي سنة 385 بالري.

([9]) كان من أشهر آل العميد أبو الفضل محمد بن الحسين. والعميد لقب والده الحسين، لقبوه بذلك على عادة أهل خراسان في إجرائه مجرى التعظيم. وكان أبو الفضل عماد آل بويه، وصدر وزرائهم، وهو الذي قيل فيه: "بدئت الكتابة بعبد الحميد، وختمت بابن العميد". قال الثعالبي في اليتيمة

(3: 8) في ترجمته ابن العميد: "وكان كل من أبي العلاء السروي، وأبي الحسن العلوي العباسي، وابن خلاد القاضي، وابن سمكة القمي، وأبي الحسين بن فارس، وأبي محمد مندو يختص به ويداخله وينادمه حاضراً، ويكاتبه ويجاوبه ويهاديه نثراً ونظماً" وكان أبو الفضل وزير ركن الدولة أبي الحسن علي بن بويه، والد عضد الدولة، تولى وزارته عقب موت وزيره أبي علي بن القمي سنة 328. وللصاحب فيه مدائح كثيرة. ولما توفي أبو الفضل ولي الوزارة بعده لركن الدولة ولده أبو الفتح علي. ولما توفي ركن الدولة وولي بعده ولده "مؤيد الدولة" استوزره أيضاً. وكان بين أبي الفتح والصاحب منافرة، ويقال إن الصاحب أوغر قلب مؤيد الدولة عليه، فقبض عليه واعتقله وسامه سوء العذاب، وولّى مكانه الصاحب بن عباد. وقد روى ابن فارس في هذا الجزء من المقاييس ص206 عن أبي الفضل بن العميد.

([10]) ابن الأنباري، وياقوت، والسيوطي في البغية.

([11]) مما هو جدير بالذكر أن ابن فارس ظل دهراً شافعي المذهب، ولكنه في آخر أمره حين استقر به المقام في مدينة الري، تحول إلى مذهب المالكية، ولما سئل في ذلك قال: "أخذتني الحمية لهذا الإمام أن يخلو مثل هذا البلد عن مذهبه، فعمرت مشهد الانتساب إليه حتى يكمل لهذا البلد فخره، فإن الري أجمع البلاد للمقالات والاختلافات في المذاهب، على تضادها وكثرتها".

انظر نزهة الألباء 393.

([12]) نزهة الألباء 393-394.

([13]) نزهة الألباء، وإرشاد الأريب.

([14]) المحمدية هذه محلة بالري، كما حقق ياقوت في معجم البلدان.

([15]) انظر ص4 من هذه المقدمة. وكذا ما سيأتي من الكلام على "تمام فصيح الكلام" في مؤلفات ابن فارس، إذ تجد نسخة منه قد كتبت في سنة 393.

 

ابن فارس الأديب

لم يكن ابن فارس من العلماء الذين ينْزَوُون على أنفسهم ويكتفون بمجالس العلم والتعليم، بل كان متصلاً بالحياة أكمل اتصال، مادّاً بسببه إلى نواحٍ شتى منها.

شعره:

فهو شاعر يقول الشعر ويرقّ فيه، حتى لَينمّ شعره عن ظَرفه وحسن تأتِّيهِ في الصنعة على طريقة شعراء دهره. وهو ملحٌّ في التهكم والسخرية، لا ينسى السخرية في الغزل فيقول([1]):

مرت بنا هيفاءُ مقدودةٌ *** تُركيَّةٌ تُنمَى لتركيِّ

ترنو بطرف فاتنٍ فاتر *** كأنه حُجّة نحويِّ

فيجعل من حجة النحوي في ضعفها على ما يراه، شبهاً لطرف صاحبته الفاتن الفاتر. وهو يستعملها في تصوير حظوظ العلماء والأدباء إذ يقول:

وصاحب لي أتاني يستشير وقد *** أرادَ في جَنَبات الأرض مُضطرَبَا([2])

قلتُ اطَّلِبْ أيَّ شيء شئتَ واسْعَ ورِدْ *** منه المَواردَ إلاَّ العلمَ والأدبا

وهو يتبرم بهمذان والعيشِ فيها فيرسم حياته فيها على هذا النحو الساخر البديع:

سقى همذانَ الغيثُ لستُ بقائلٍ *** سوى ذا وفي الحشاء نار تَضرَّمُ([3])

وما ليَ لا أُصْفِي الدُّعاءَ لبلدةٍ *** أفدتُ بها نسيانَ ما كنتُ أعلم

نَسِيت الذي أحسنتُه غيرَ أنني *** مَدِينٌ وما في جوف بيتيَ درهم

وهو صاحب حملة ماجنة على من يزهدون في الدّينار والدّرهم، ويطلبون المجد في العلم والعقل، أنشد البِيروني له([4]):

قد قال فيما مضى حكيم *** ما المرء إلا بأصغريه

فقلت قول امرئ لبيبٍ *** ما المرء إلا بدرهميه

من لم يكن مَعْهُ درهماه *** لم تلتفت عِرسُه إليه

وكان من ذُلّهِ حقيرا *** تبول سِنَّورُه عليه

ولابن فارس التفات عجيب إلى السنور، وقد سجل في غير هذا الموضع من شعره أنه كان يصطفي لنفسه هرة تلازمه، وتنفي عنه هموم قلبه ووساوس النفس:

وقالوا كيف أنت فقلت خيرٌ *** تُقَضَّى حاجةٌ وتفوت حاجُ

إذا ازدحمت همومُ القلب قلنا *** عَسى يوماً يكون لها انفراجُ

نديمي هِرّتي وسرور قلبي *** دفاترُ لي ومعشوقي السراج([5])

وهو بصير ذو خبرة بطبائع الناس، واستئسارهم للمال، وخضوعهم له:

إذا كنت في حاجة مرسِلا *** وأنت بها كَلِفٌ مغرمُ

فأَرسِلْ حكيماً ولا توصِهِ *** وذاك الحكيم هو الدرهم([6])

ويقول:

عتبتُ عليه حين ساء صنيعه *** وآليت لا أمسيتُ طَوع يديهِ

فلما خَبَرت الناس خُبر مجرِّب *** ولم أر خيراً منه عدت إليه([7])

ويقول أيضاً:

يا ليت لي ألف دينارٍ موجَّهةً *** وأن حظيَ منها حظُّ فَلاّسِ([8])

قالوا فما لَكَ منها، قلت تخدمُني *** لها ومنَ اجلها الحمقى من الناس([9])

ويستعمل التهكم في أمور أخرى إذ يقول لمن يتكاسل في طِلابِ العلم:

إذا كان يؤذيك حر المصيف *** ويُبْس الخريف وبردُ الشتا

ويلهيك حُسنُ زمان الربيع *** فأخذك للعلم قل لي متى([10])

ولمن يقدّر لأمر الدُّنيا، ويَجْري القضاءُ بخلاف ما قدَّر:

تَلَبَّسْ لباسَ الرضا بالقضا *** وخلِّ الأمورَ لمن يَملِكُ

تقدِّرُ أنت وجارِي القضا *** ءِ مما تقدِّرُه يَضحكُ([11])

وروى له الثعالبي في خاص الخاص ص153:

اسمع مقالة ناصح *** جَمَعَ النصيحة والمقهْ

إياك واحذر أن تكو *** ن من الثقات على ثقهْ

استعمال الشعر في تقييد مسائل اللغة:

ولعلّ ابن فارس من أقدم من استعمل أسلوب الشعر في تقييد مسائل اللغة والعربية. قال ياقوت: "قرأت بخط الشيخ أبي الحسن عليّ بن عبد الرحيم السُّلَمي: وجدت بخط ابن فارس على وجه المجمل، والأبياتُ لـه. ثم قرأتها على سعد الخير الأنصاري، وأخبرني أنه سمعها من ابن شيخه أبي زكريا، عن سليمان ابن أيوب، عن ابن فارِس:

يا دارَ سُعدى بذات الضال من إضَمٍ *** سقاكِ صوبُ حياً من واكف العَيْنِ

العين: سحاب ينشأ من قَبِل القِبْلَة.

تُدْنى معَشَّقةٌ مِنّا معتَّقةٌ *** في كل إصباح يومٍ قرةَُ العَيْنِ

العين هاهنا: عين الإنسان وغيره.

إذا تمزَّزَها شيخٌ به طَرَقٌ *** سَرَتْ بقوَّتها في الساق والعينِ

العين هاهنا: عين الركبة. والطرق: ضعف الركبتين.

والزقُّ ملآنُ من ماء السرور فلا *** تخشى تولُّهَ ما فيه من العين

العين هاهنا: ثقب يكون في المزادة. وتوله الماء: أن يتسرب.

وغاب عُذَّالُنا عنَّا فلا كدرٌ *** في عيشنا من رقيب السَّوْءِ والعينِ

العين هاهنا: الرقيب.

يقسِّم الودَّ فيما بيننا قِسَما *** ميزانُ صدقٍ بلا بَخْسٍ ولا عينِ

العين هاهنا: العين في الميزان([12]).

وفائض المال يغنينا بحاضره *** فنكتفي من ثقيل الدَّين بالعَيْن([13])

العين ها هنا: المال الناضّ.

رأيه في النقد:

وابن فارس يلم أيضاً بالحياة الأدبية في عصره، ولا يتزمّت كما يتزّمت كثير من اللغويين الذين ينصرفون عن إنتاج معاصريهم ولا يقيمون له وزناً فهو يصغي إلى نشيدهم، ويروي لكثير منهم، وينتصر للمحسن وينتصف لـه من المتعصبين الجامدين، الذين يزيفون شعر المحدثين ويستسقطونه.

وإليك فصلاً من رسالة لـه كتبها لأبي عمرو محمد بن سعيد الكاتب([14])، لتستبينَ مذهبه ذلك، وتلمس أسلوبه الفني الأدبي:

"ألهمك الله الرشاد، وأصحبك السداد، وجنّبك الخلاف، وحبب إليك الإنصاف. وسبب دعائي بهذا لك إنكارك على أبي الحسن محمد بن علي العجلي تأليفه كتاباً في الحماسة وإعظامك ذلك. ولعله لو فعل حتى يُصيبَ الغرض الذي يريده، ويرد المنهل الذي يؤمُّه، لاستدركَ من جيّد الشعر ونقيِّه، ومختاره ورضيّه، كثيراً مما فات المؤلّف الأول. فماذا الإنكار، ولمَه هذا الاعتراضُ، ومن ذا حَظَر على المتأخّر مضادَّة المتقدِّم، ولمَه تأخذ بقوله من قال: ما ترك الأول للآخر شيئا، وتدع قول الآخر([15]):

* كم ترك الأوّل للآخِر *

وهل الدّنيا إلا أزمان، ولكل زمان منها رجال. وهل العلوم بعد الأصول المحفوظة إلا خطرات الأوهام ونتائج العقول. ومن قصر الآداب على زمانٍ معلوم، ووقفها على وقت محدود؟! ولمَه لا ينظر الآخر مثلما نظر الأوّل حتى يؤلف مثل تأليفه، ويجمع مثل جمعه، ويرى في كل مثل رأيه. وما تقول لفقهاء زماننا إذا نزلت بهم من نوادر الأحكام نازلة لم تخطر على بال من كان قبلهم. أوما علمت أن لكل قلب خاطراً، ولكل خاطر نتيجة. ولمه جاز أن يقال بعد أبي تمام مثل شعره ولم يجز أن يؤلف مثلُ تأليفه. ولمه حجرت واسعاً وحظرت مباحاً، وحرّمت حلالاً وسددتَ طريقا مسلوكاً. وهل حبيبٌ إلا واحد من المسلمين له ما لهم وعليه ما عليهم. ولمه جاز أن يُعارض الفقهاءُ في مؤلفاتهم، وأهل النحو في مصنفاتهم، والنظّار في موضوعاتهم، وأرباب الصناعات في جميع صناعاتهم، ولم يجز معارضة أبي تمام في كتاب شذ عنه في الأبواب التي شرعها فيه أمرٌ لا يدرك ولا يدرى قدره.

ولو اقتصر الناس على كتب القدماء لضاع علم كثير، ولذهب أدب غزير، ولضلت أفهام ثاقبة، ولكلَّت ألسن لسِنة، ولما توشّى أحد بالخطابة، ولا سلك شعباً من شعاب البلاغة، ولمجت الأسماع كل مردود مكرر، وللفظت القلوب كل مرجّع ممضَّغ، وحَتَّامَ لا يسأم:

* لو كنتُ من مازن لم تستبح إبلي *

وإلى متى                   * صَفحْنا عن بني ذهل *

ولمه أنكرت على العجليّ معروفاً، واعترفت لحمزة بن الحسين ما أنكره على أبي تمام، في زعمه أن في كتابه تكريراً وتصحيفاً، وإيطاءً وإقواءً، ونقلاً لأبياتٍ عن أبوابها إلى أبوابٍ لا تليق بها ولاتصلح لها، إلى ما سوى ذلك من روايات مدخولة، وأمور عليلة. ولمه رضيت لنا بغير الرضى، وهلا حثثت على إثارة ما غيبته الدهور، وتجديد ما أخلقته الأيام، وتدوين ما نُتِجته خواطر هذا الدّهر، وأفكار هذا العصر. على أن ذلك لو رامه رائم لأتعبه، ولو فعله لقرأتَ ما لم ينحط عن درجة من قبله، مِن جدٍّ يروعك، وهزل يروقك، واستنباط يعجبك، ومزاح يلهيك.

وكان بقزوين رجل معروف بأبي حامد الضرير القزويني، حضر طعاماً وإلى جنبه رجل أكول، فأحسَّ أبو حامد بجودة أكله فقال:

وصاحب لي بطنه كالهاويه *** كأن في أمعائه معاويه([16])

فانظر إلى وجازة هذا اللفظ، وجودة وقوع الأمعاء إلى جنبِ معاوية. وهل ضر ذلك أن لم يقله حماد عجرد وأبو الشمقمق. وهل في إثبات ذلك عار على مثبته، أو في تدوينه وصمة على مدوِّنه.

وبقزوين رجل يعرف بابن الرياشي القزويني، نظر إلى حاكم من حكامها من أهل طبرستان مقبلاً، عليه عمامة سوداء وطيلسان أزرق، وقميص شديد البياض، وخُفٌّ أحمر، وهو مع ذلك كله قصير، على برذون أبلقَ هزيل الخلق، طويل الحلق، فقال حين نظر إليه:

وحاكمٍ جاء على أبلقِ *** كعَقْعَقٍ جاء على لقلقِ

فلو شهدت هذا الحاكم على فرسه لشهدت للشاعر بصحّة التشبيه وجودة التمثيل، ولعلمت أنه لم يقصر عن قول بشار:

كأن مثار النقع فوق رؤوسهم  *** وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه

فما تقول لهذا. وهل يَحسن ظلمه، في إنكار إحسانه، وجحود تجويده. وأنشدني الأستاذ أبو علي محمد بن أحمد بن الفضل، لرجل بشيراز يعرف بالهمذاني وهو اليوم حي يرزق، وقد عاتبَ([17]) بعض كتابها على حضوره طعاماً مرض منه:

وُقيتَ الردى وصروفَ العلل *** ولا عَرَفت قدماك العللْ

شكا المرضَ المجدُ لما مرضـ  *** ـتَ فلما نهضت سليماً أبلّ

لك الذنب لا عتب إلا عليك *** لماذا أكلت طعام السِّفَلْ

وأنشدني لـه في شاعر هو اليوم هناك يعرف بابن عمرو الأسدي، وقد رأيته فرأيت صفة وافقت الموصوف:

وأصفر اللون أزرق الحدقه *** في كل ما يدعيه غير ثقه

كأنه مالك الحزين إذا *** همّ بزَرْقٍ وقد لوى عنقَه

إن قمتُ في هجوه بقافيةٍ *** فكل شعرٍ أقولـه صدقَه

وأنشدني عبد الله بن شاذان القاري، ليوسف بن حمويه من أهل قزوين؛ ويعرفُ بابن المنادي:

إذا ما جئتَ أحمد مستميحاً *** فلا يغرركَ منظرُه الأنيقُ

له لطف وليس لديه عرفُ *** كبارقةٍ تروق ولا تريق

فما يخشى العدو لـه وعيداً *** كما بالوعد لا يثق الصديق

وليوسفَ محاسن كثيرة، وهو القائل – ولعلك سمعت به-:

حجُّ مثلي زيارةُ الخمارِ  *** واقتنائي العَقارَ شُربُ العُقارِ

ووقاري إذا توقر ذو الشَّيْـ *** بةِ وَسْطَ النديِّ تركُ الوقارِ

مـا أبالي إذا المدامةُ دامتْ *** عَذْلَ ناهٍ ولا شناعةَ جارِ

رُبّ ليلٍ كأنه فرعُ ليلى *** ما به كوكبٌ يلوح لساري

قد طويناه فوق خِشفٍ كحيلٍ *** أحورِ الطرفِ فاترٍ سَحّارِ

وعكفنا على المُدامة فيه *** فرأينا النهار في الظهر جاري

وهي مليحةٌ كما ترى. وفي ذكرها كلها تطويل، والإيجاز أمثل. وما أحسبك ترى بتدوين هذا وما أشبهه بأساً.

ومدح رجلٌ بعض أمراء البصرة، ثم قال بعد ذلك وقد رأى توانياً في أمره، قصيدةً يقول فيها كأنه يجيب سائلاً:

جوّدتَ شعرَك في الأميـ  *** رِ فكيف أمرُك قلتُ فاترْ

فكيف تقول لهذا، ومن أي وجه تأتي فتظلمه، وبأي شيء تعانده فتدفعه عن الإيجاز، والدلالة على المراد بأقصر لفظٍ وأوجز كلام. وأنت الذي أنشدتني:

سَدَّ الطريقَ على الزما *** نِ وقام في وجه القطوب

كما أنشدتَني لبعض شعراء الموصل:

فدَيتك ما شبت عن كُبرةٍ *** وهذي سِنِيَّ وهذا الحسابُ

ولكن هُجِرتُ فحَلَّ المشيبُ *** ولو قد وُصِلتُ لعاد الشبابُ

فلِمَ لم تخاصم هذين الرجلين في مزاحمتها فحولة الشعراء وشياطين الإنس، ومَرَدة العالَم في الشعر. وأنشدني أبو عبد الله المغلسي المراغي لنفسه:

غداةَ تولت عِيسُهم فترحلوا *** بكيت على ترحالهم فعميتُ

فلا مقلتي أدّت حقوقَ وِدادهم *** ولا أنا عن عيني بذاك رضيتُ

وأنشدني أحمد بن بندار لهذا الذي قدمت ذكره، وهو اليوم حي يرزق:

زارني في الدُّجى فنمَّ عليه *** طيبُ أردانِه لدى الرقباءِ

والثريا كأنها كفُّ خَودٍ *** أُبرِزَت من غِلالةٍ زرقاءِ

وسمعت أبا الحسين السروجي يقول: كان عندنا طبيب يسمى النعمان، ويكنى أبا المنذر، فقال فيه صديقٌ لي:

أقول لنعمانٍ وقد ساق طبُّه *** نفوساً نفيساتٍ إلى باطن الأرضِ

أبا منذر أفنيتَ فاستبقِ بعضَنا *** حنانيك بعضُ الشرِّ أهون من بعض([18])

وهذا الفصل الذي أورده الثعالبي من رسالة ابن فارس، إلى ما رواه ياقوت في إرشاد الأريب([19]) من مساجلة أدبية بين ابن فارس وعبد الصمد بن بابك الشاعر المعروف، يظهرنا على مدى اتصال أبي الحسين بالحركة الأدبية في عصره.

ـــــــــــــــــ

([1]) ياقوت، والثعالبي، وابن خلكان، واليافعي، وابن العماد في شذرات الذهب.

([2]) ياقوت والثعالبي.

([3]) ياقوت، والثعالبي، وابن خلكان،وابن العماد

([4]) الآثار الباقية ص338 وياقوت

([5]) يتيمة الدهر، ودمية القصر، ونزعة الألباء، والمنتظم، وياقوت، وابن خلكان، واليافعي، وابن العماد.

([6]) الثعالبي، وياقوت، وابن خلكان، واليافعي، وابن العماد

([7]) الثعالبي، وياقوت.

([8]) الفلاس: بائع الفلوس.

([9]) الثعالبي، وياقوت.

([10]) الثعالبي، وياقوت، والقفطي.

([11]) الثعالبي، وياقوت.

([12]) هوالميل فيه.

([13]) كتاب العين هو المنسوب إلى الخليل، كما أن كتاب الجيم لأبي عمرو الشيباني، رووا أنه أودعه تفسير القرآن وغريب الحديث، وكان ضنيناً به لم ينسخ في حياته ففقد بعد موته. وقال أبو الطيب اللغوي: "وقفت على نسخة منه فلم نجده بدأ من الجيم". انظر كشف الظنون. وروى السيوطي في المزهر (1: 91) عن ابن مكتوم القيسي قوله: "وقفنا على نسخة من كتاب الجيم فلم نجده مبدوءاً بالجيم". وانظر قصيدة تشبه هذه، في معنى "الحال" رواها صاحب اللسان (13: 246-247).

([14]) يتيمة الدهر (2: 214-218).

([15]) هو أبو تمام. ديوانه 143 وصدره: "يقول من تفرع أسماعه".

([16]) المعاوية: الكلبة التي تعاوي الكلاب وتنابحها، وبها سمي الرجل.

([17]) في الأصل: (عاب).

([18]) البيت لطرفة في ديوانه 48.

([19]) انظر نهاية ترجمة ابن فارس في إرشاد الأريب.

ابن فارس اللغوي

عرف ابن فارس بمعرفته الواسعة باللغة، وكتابه "المجمل" في اللغة لا يقل كثيراً في الشهرة عن كتاب العين، والجمهرة، والصِّحاح.‏

توثيقه:‏

وقد عرف ابن فارس بالتزامه إيراد الصحيح من اللغات. قال السيوطي بعد أن سرد طائفة من كتب اللغة المشهورة(1): "وغالب هذه الكتب لم يلتزم فيها مؤلفوها الصحيح، بل جمعوا فيها ما صح وغَيْرَه، وينبهون على ما لم يثبت غالباً. وأول من التزم الصحيحَ مقتصراً عليه، الإمامُ أبو نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، ولهذا سمى كتابه "بالصِّحاح". ثم قال: "وكان في عصر صاحب الصحاح ابنُ فارس، فالتزم أن يذكر في مجمله الصَّحيح، قال في أوله: قد ذكرنا الواضح من كلام العرب والصَّحيحَ منه، دون الوحشي والمستنكر… وقال في آخر المجمل: قد توخيت فيه الاختصار، وآثرت فيه الإيجاز، واقتصرت على ما صح عندي سماعاً، ومن كتاب صحيح النسب مشهور، ولولا تَوَخِّي ما لم أشكُك فيه من كلام العرب لوجدْت مقالاً".‏

والناظر في كتاب المقاييس، يلمس من ابن فارس حرصَه على إيراد الصَّحيح من اللغات، ويَرَى أيضاً صدق تحرّيه، وتحرُّجَه من إثبات ما لم يصحّ. وهو مع كثرة اعتماده على ابن دريد، ينقد بعض ما أورده في كتابه "الجمهرة" من اللغات، ويضعه على محكّ امتحانه وتوثيقه، فإذا فيه الزيف والرَّيب(2).‏

ولوعه باللغة:‏

وقد بلغ من حبه للغة وعشقه لها، أن ألَّف فيها ضروباً من التأليف، وكان يستحث عزيمة معاصريه من الفقهاء أن ينهضوا بتعرُّف اللغة والتبحر فيها، وألف لهم فناً من الإلغاز سماه "فتيا فقيه العرب"، يضع لهم مسائل الفقه ونحوَها في معرض اللغة. ولعل الإمام الشافعي أول من عرف بهذا الضرب من المعاياة اللغوية الفقهية(3).‏

قال السيوطي، عند الكلام على فتيا فقيه العرب: "وقد ألف فيه ابن فارس تأليفاً لطيفاً في كراسة، سماه بهذا الاسم. رأيته قديماً وليس هو عندي الآن". وقد أجمع المترجمون لابن فارس على أن الحريري في المقامة الثانية والثلاثين (الطَّيْبيَّة) قد اقتبس من ابن فارس ذلك الأسلوب، في وضع المسائل الفقهية بمعرض اللغة.‏

ويصوِّر لنا القفطي في إنباه الرواة صدق دعوته للغة بقوله: "وإذا وجد فقيهاً، أو متكلماً، أو نحوياً، كان يأمر أصحابه بسؤالهم إياه، ويناظره في مسائل من جنس العلم الذي يتعاطاه، فإن وجده بارعاً جَدِلاً جَرَّه في المجادلة إلى اللغة فيغلبه بها. وكان يحثُّ الفقهاء دائماً على معرفة اللغة، ويلقي عليهم مسائل ذكرها في كتاب سماه فتيا فقيه العرب، ويخجلهم بذلك، ليكون خجلهم داعياً إلى حفظ اللغة. ويقول: من قصر علمه في اللغة وغولط غلط".‏

حذقه باللغة وتأليفه كتاب المقاييس:‏

على أن ابن فارس في كتابه هذا "المقاييس"، قد بلغ الغاية في الحذق باللغة، وتكنُّه أسرارها، وفهم أصولها؛ إذ يردُّ مفرداتِ كل مادة من مواد اللغة إلى أصولها المعنوية المشتركة فلا يكاد يخطئه التوفيق. وقد انفرد من بين اللغويين بهذا التأليف، لم يسبقه أحدٌ ولم يخلُفْه أحد. وأرى أن صاحبَ الفضل في الإيحاء إليه بهذه الفكرة العبقرية هو الإمام الجليل أبو بكر محمد بن الحسن بن دريد(4)؛ إذ حاول في كتاب "الاشتقاق" أن يرد أسماء قبائل العرب وعمائرها، وأفخاذها وبطونها، وأسماء ساداتها وثُنيانها، وشعرائها وفرسانها وحكامها، إلى أصول لغوية اشتُقَّت منها هذه الأسماء. ويقول ابن دريد في مقدّمة الاشتقاق: "ولم نَتعدَّ ذلك إلى اشتقاق أسماء صنوف النامي من نبات الأرض نجمِها وشجرِها وأعشابها ولا إلى الجماد من صخرها ومَدَرها وحَزْنها وسهلها؛ لأنا إن رُمْنا ذلك احتجنا إلى اشتقاق الأصول التي تشتق منها، وهذا ما لا نهاية له".‏

ومما هو بالذكر جدير، أن ابن فارس كان يتأسّى بابن دريد في حياته العلمية والأدبية والتأليفية، وهو بلا ريب قد اطَّلع على هذه الإشارة من ابن دريد، فحاول أن يقوم بما عجز عنه ابن دريد أو نكص عنه، فألَّف كتابه هذا المقاييسَ، يطْرُد فيه قاعدة الاشتقاق فيما صحَّ لديه من كلام العرب.‏

الاشتقاق:‏

والكلام في الاشتقاق قديم، يرجع العهد به إلى زمان الأصمعي وقطرب وأبي الحسن الأخفش، وكلهم قد ألَّف في هذا الفن(5). ولكن ابن دريد بدأ النجاح الكبير لهذه الفكرة بتأليف كتاب الاشتقاق، وثنَّاه ابن فارس بتأليف المقاييس، وحاول معاصراه أبو علي الفارسي(6)، وتلميذه أبو الفتح بن جِنِّيّ(7) أن يصعدا درجةً فوق هذا، بإذاعة قاعدة الاشتقاق الأكبر، التي تجعل للمادة الواحدة وجميع تقاليبها أصلاً أو أصولاً ترجع إليها(8)، فأخفقا في ذلك، ولم يستطيعا أن يشيعا هذا المذهب في سائر مواد اللغة.‏

ــــــــــــــــ

(1) المزهر (1: 97).‏

(2) انظر المقاييس (جعم 461 س10-11، 462 س1-2) و(جفز س 1-2) وص 464 س5-6.‏

(3) انظر نماذج شتى من فتياه في نهاية الجزء الأول من مزهر السيوطي، على أن من أقدم من ألف في فن الإلغاز اللغوي، ابن دريد، وكتابه "الملاحن" قد طبع في القاهرة 1347 بالمطبعة السلفية.‏

(4) ولد ابن دريد بالبصرة سنة 223 وتوفي بعمان سنة 321.‏

(5) المزهر 1: 351.‏

(6) كانت وفاته سنة 377.‏

(7) وفاة ابن جني سنة 392.‏

(8) مثال ذلك ما أورده ابن جني في صدر الخصائص، من أن معنى (ق و ل) أين وجدت وكيف وقعت من تقدم بعض حروفها على بعض وتأخره عنه، إنما هو للخفوف والحركة. يعني (ق و ل) و(ق ل و) و(و ق ل) و(و ل ق) و(ل ق و) و(ل و ق).

مؤلفات ابن فارس

وابن فارس يعدُّ في طليعة العلماء الذين أخذوا من كل فن بسهم وافر، ولم يقف بنفسه عند حدِّ المعرفة والتعليم، بل اقتحم بها ميدان التأليف الموفق، فهو يذهب فيه إلى مدى متطاول. ويحتفظ التاريخ له بهذه المؤلفات العديدة القيمة:

1 ـ الإتباع والمزاوجة

وهو ضرب من التأليف اللغوي. قال السيوطي في المزهر([1]): "وقد ألَّف ابن فارس المذكور تأليفاً مستقلاًّ  في هذا النوع، وقد رأيته مرتباً على حروف المعجم، وفاته أكثر مما ذكره. وقد اختصرت تأليفه وزدت عليه ما فاته، في تأليف لطيف سمَّيتهُ: الإلماع في الإتباع".

ذكر هذا الكتاب السيوطي في بغية الوعاة والمزهر. ومنه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 55 ش لغة، وهي نسخة قديمة جيدة كتبت سنة 711 بخط عمر بن أحمد بن الأزرق الشاذلي، وقد نشره المستشرق رودلف برونو، بمدينة غيسن 1906، ويقع في 24 صفحة.

2 ـ اختلاف النحويين

ذكره السيوطي في البغية وحاجي خليفة في كشف الظنون باسم "اختلاف النحاة"، وقد ذكره ياقوت باسم "كفاية المتعلمين، في اختلاف النحويين".

3 ـ أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم

ذكره ياقوت في إرشاد الأريب.

4 ـ أصول الفقه

ذكره ياقوت في إرشاد الأريب.

5 ـ الإفراد

ذكره السيوطي في الإتقان 1: 143.

6 ـ الأمالي

ذكره ياقوت في معجم البلدان (أوطاس) ونقل عنه.

7 ـ أمثلة الأسجاع

وجدته يذكر هذا الكتاب في نهاية كتاب "الإتباع والمزاوجة". قال: "وسترى ما جاء من كلامهم في الأمثال وما أشبه الأمثال من حكمهم على السجع، في كتاب أمثلة الأسجاع إن شاء الله تعالى".

8 ـ الانتصار لثعلب

أورده السيوطي في بغية الوعاة، وحاجي خليفة. وقد سرد حاجي خليفة طائفة من الكتب التي تحمل عنوان "الانتصار" ينتصر فيها عالم لآخر. وثعلب من أئمة الكوفيين، وكان ابن فارس يميل إلى الجانب الكوفي ويتأثر مذاهبه.

… ـ أوجز السير

انظر سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

9 ـ التاج

ذكره ابن خير الأندلسي في فِهْرِسْتِه ص 374 طبع سرقسطة.

10 ـ تفسير أسماء النبي عليه الصلاة والسلام

وهو ضرب من التأليف الاشتقاقي. عدَّه ابن الأنباري في نزهة الألباء، وياقوت في إرشاد الأريب، والسيوطي في بغية الوعاة.

11 ـ تمام فصيح الكلام

منه نسخة بالمكتبة التيمورية برقم 523 لغة. ويقع هذا الكتاب في 27 صفحة صغيرة. قرأت في أواخره: "قال أحمد بن فارس: هذا آخر ما أردت إثباته في هذا الباب. ولم أعنِ أن أبا العباس([2]) قصَّر عنه، لكن المشيخة آثروا الاختصار. وحقَّاً أقول إن ما ذكرته من علم أبي العباس جزاه الله عنا خيراً". فهو قد جعل هذا الكتاب ذيلاً لفصيح ثعلب. وجاء في نهاية تمام الفصيح: "وكتب أحمد بن فارس بن زكريا بخطه في شهر رمضان سنة ثلاث وتسعين وثلاثمائة بالمحمدية. وفرغ من نسخ هذه النسخة عن خط مؤلفها، ياقوت بكرة الأحد سنة 616 بِمَرْوِ الشاهجان. وكتب عن هذه النسخة غرة ربيع الثاني سنة 1345".

وذكره بروكلمان في ملحق الجزء الأول ص 198 وذكر أن منه نسخة بالنجف كتبها ياقوت في مرو الروذ في 7 ربيع الثاني سنة 616 عن نسخة المؤلف التي يرجع تاريخها إلى سنة 393. قلت: ذكر ياقوت في معجم البلدان (رسم المحمدية) أنه وجد بمرو نسخة من هذا الكتاب بخط ابن فارس كتبها في شهر رمضان سنة 390 بالمحمدية. وهذا التاريخ يغاير التاريخ الذي سبق. ويبدو أن ابن فارس قد كتب هذا الكتاب عدة مرات([3]).

12 ـ الثلاثة

ذكره بروكلمان في الجزء الأول ص 130، وأن منه نسخة بمكتبة الإسكوريال (فهرس ديرنبورج 363).

13 ـ جامع التأويل

في تفسير القرآن، أربع مجلدات، كما يذكر ياقوت في إرشاد الأريب.

14 ـ الحجر

وقد سبقت الإشارة إلى هذا الكتاب في ص 6 من هذه المقدمة. وهو من الكتب التي سردها ياقوت، وقد أشار ابن فارس إلى هذا الكتاب في الصاحبي 15-16.

15 ـ حلية الفقهاء

جاء في سرد ياقوت، وابن خلكان، والسيوطي في بغية الوعاة، واليافعي في مرآة الجنان وابن العماد في شذرات الذهب (في وفيات 390) وحاجي خليفة.

16 ـ الحماسة المحدَثة

هو في عداد الكتب التي ذكرها ياقوت لـه([4])، وذكره ابن النديم في الفهرست 119.

17 ـ خُضارة([5])

ذكره ابن فارس نفسه في نهاية كتابه "فقه اللغة" المعروف بالصاحبي

ص 232؛ قال: "وما سوى هذا مما ذكرت الرواةُ أن الشعراء غلطوا فيه فقد ذكرتهُ في كتاب خُضارة، وهو كتاب نعت الشعر([6])".

18 ـ خَلق الإنسان

في أسماء أعضائه وصفاته. وقد ألَّف في هذا الضرب كثير من اللغويين، ومنهم ابن فارس، كما في كشف الظنون، وذكر هذا الكتاب أيضاً ياقوت في إرشاد الأريب، والسيوطي في بغية الوعاة. وقد أثبته بروكلمان في ملحق الجزء الأول ص198 باسم "مقالة في أسماء أعضاء الإنسان"، وهو في مخطوطات الموصل ص 33 بالمجموعة 152 رقم5. ونشره داود الجلبي في مجلة المشرق السنة التاسعة 110-116.

19 ـ دارات العرب

ذكره ابن الأنباري في نزهة الألباء، وياقوت في إرشاد الأريب. وذكره مرة أخرى في معجم البلدان (4: 14)، قال: "ولم أر أحداً من الأئمة القدماء زاد على العشرين دارة، إلا ما كان من أبي الحسين بن فارس؛ فإنه أفرد لـه كتاباً فذكر نحو الأربعين، فزدت أنا عليه بحول الله وقوته نحوها([7])".

20 ـ ذخائر الكلمات

عدَّه ياقوت في إرشاد الأريب.

21 ـ ذم الخطأ في الشعر

ذكره السيوطي في بغية الوعاة، وحاجي خليفة في كشف الظنون. وقد طبع هذا الكتاب مع "الكشف عن مساوئ شعر المتنبي للصاحب بن عباد" بمطبعة المعاهد بالقاهرة 1349، نشره القدسي. وهذا الكتاب لا يتجاوز أربع صفحات، يبتدئ من صفحة 29 وينتهي إلى ص 32. ومنه نسخة مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 181 صرف، وبمكتبة برلين رقم 7181. واستظهر بروكلمان في ملحق  الجزء الأول أنه الذي يسمى نقد الشعر، وليس كذلك.

22 ـ ذم الغيبة

قال حاجي خليفة: "ذم الغيبة لأبي الحسين أحمد بن فارس المار ذكره، ذكره ابن حجر في المجمع([8])".

… ـ رائع الدرر، ورائق الزهر، في أخبار خير البشر.

انظر: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

23 ـ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

وصفه ياقوت بأنه كتاب صغير الحجم. وقد نبه بروكلمان على كتاب "مختصر سير رسول الله"، منه نسخة بالإسكوريال (ديرنبورج 1615) ونسختان بالقاهرة إحداهما برقم 460 تاريخ والثانية برقم 494 مجاميع. وعنوانها "سيرة ابن فارس اللغوي المختصرة". وقال بروكلمان: لعله الموجود ببرلين برقم 9570 باسم "مختصر في نسب النبي ومولده ومنشئه ومبعثه"، ولعله الموجود في الفاتيكان (فهرس بورج ص 144)، باسم "رائع الدرر، ورائق الزهر، في أخبار خير البشر([9])"، ولعله أيضاً كتاب "أخلاق النبي"، الذي كَتب فيه "كاسان" في مجلة (إسلام) 17: 194.

وأقول: هذا الاحتمال الأخير ضعيف، فإن ياقوتاً ذكرهما كتابين، كما أن العنوانين يحملان معنيين متغايرين عند مؤلفي الإسلام؛ وقد اطلعتُ على كتاب السيرة، فإذا هو موضوعٌ وضعَ السير لا وضع كتاب الشمائل النبوية. ويقع في ثماني صفحات، أوله: "هذا ذكر ما يحق على المرء المسلم حفظه، ويجب على ذي الدين معرفته، من نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولده ومنشئه ومبعثه وذكر أحواله في مغازيه، ومعرفة أسماء ولده وعمومته وأزواجه".

وأقول أيضاً: قد طبع الكتاب مرتين باسم "أوجز السير لخير البشر"، إحداهما في الجزائر سنة 1301 والأخرى في بمباي سنة 1311.

24 ـ شرح رسالة الزهري إلى عبد الملك بن مروان

ذكره ياقوت. والزهري هذا هو أبو بكر محمد بن مسلم بن عبيد الله بن عبد الله بن شهاب الزهري، أحد أعلام التابعين، وكان الزهري مع عبد الملك، ثم هشام بن عبد الملك، وكان يزيد بن عبد الملك قد استقضاه([10]).

25 ـ الشِّيات والحِلَى

وقد جاء محرفاً في الطبعة الحديثة من إرشاد الأريب باسم "الثياب والحلي".

26 ـ الصاحبي

وهو الاسم الذي شهر به كتابه "فقه اللغة". وقد عرف هذا الكتاب ابن الأنباري والسيوطي باسم "فقه اللغة"، وأما ياقوت فقد أخطأ في السرد، إذ جعل "الصاحبي" كتاباً آخر غير "فقه اللغة"، وإنما الكتاب "فقه اللغة" صنفه للصاحب بن عباد فسمي بالصاحبي. وأنت تجد أول كتاب "فقه اللغة": "هذا الكتاب الصاحبي في فقه اللغة العربية وسنن العرب في كلامها، وإنما عنونته بهذا الاسم لأني لما ألفته  أودعته خزانة الصاحب".

وقد عنيَ بنشر هذا الكتاب في القاهرة الأخ الجليل الأستاذ السيد محب الدين الخطيب، نشره بمطبعة المؤيد سنة 1328 عن نسخة الشنقيطي المودعة بدار الكتب المصرية تحت رقم 7 ش لغة، وهي بخط الشنقيطي. وذكر بروكلمان من مخطوطاته نسخة بمكتبة أيا صوفيا برقم 4715، وأخرى بمكتبة بايزيد برقم 3129.

وقد اقتبس الثعالبي اسم هذا الكتاب "فقه اللغة"، كما اقتبس كثيراً من فصوله الأخيرة في "سر العربية" وإن كان الثعالبي قد أربى على ابن فارس، وكما ألَّف ابن فارس كتابه للصاحب، ألَّف الثعالبي كتابه للأمير أبي الفضل الميكالي.

… ـ العرق

ذكره، ياقوت، ويبدو أنه تصحيف "الفرق" الذي سيأتي.

27 ـ العم والخال

ذكره ياقوت.

28 ـ غريب إعراب القرآن

ذكره ابن الأنباري وياقوت.

29 ـ فتيا فقيه العرب([11])

ذكره ابن الأنباري، والقفطي في إنباه الرواة. وقال السيوطي في المزهر، عند الكلام على (فتيا فقيه العرب): "وذلك أيضاً ضرب من الإلغاز. وقد ألَّفَ فيه ابن فارس تأليفاً لطيفاً في كراسة، سماه بهذا الاسم. رأيته قديماً وليس هو عندي الآن. فنذكر ما وقع من ذلك في مقامات الحريري، ثم إن ظفرت بكتاب ابن فارس ألحقت ما فيه". ولكن السيوطي لم يلحق بالمزهر شيئاً من كتاب ابن فارس. وقد ذكَر هذا الكتاب في البغية باسم "فتاوى فقيه العرب". وذكر ابن خلكان هذا الكتاب باسم: "مسائل في اللغة وتعانى بها الفقهاء". والسيوطي في بغية الوعاة بلفظ: "مسائل في اللغة يغالي بها الفقهاء"، واليافعي في مرآة الجنان برسم:"مسائل في اللغة يتعانى الفقهاء"، وصواب هذا كله: "مسائل في اللغة يُعايا بها الفقهاء". والمعاياة: أن تأتي بكلامٍ لا يُهتدَى إليه. وقد نبه بروكلمان أنه في مكتبة مشهد بفهرسها (15: 29، 84).

30 ـ الفَرْق

ذكره ابن فارس في نهاية تمام الفصيح، قال: "فأما الفرق فقد كنت ألفت على اختصاري له كتاباً جامعاً، وقد شهر، وبالله التّوفيق".

31 ـ الفريدة والخرِيدة

ذكره في طبقات الشافعية 4: 2.

… ـ الفصيح

ذكره ياقوت، قال: "وجدت خط كفه على كتاب الفصيح تصنيفه، وقد كتبه سنة إحدى وتسعين وثلاثمائة. قلت: صوابه "تمام الفصيح" وقد سبق.

... ـ  فقه اللغة

سبق الكلام عليه في رسم "الصاحبي".

32 ـ قصص النهار وسمر الليل

أورده بروكلمان في ملحق الجزء الأول. ومنه نسخة في مكتبة ليبسك برقم 870.

33 ـ كفاية المتعلمين في اختلاف النحويين

ذكره ياقوت. وأراه كتاب "اختلاف النحويين". وقد مضى.

34 ـ اللامات

نبه بروكلمان أن منه نسخة بالمكتبة الظاهرية. وقد نشره برجستراسر في مجلة (Islamica) الألمانية ص (77-99). ووجدت العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي في مقدّمة "مقالة كلا" يقول: "وبين يدي نسخةٌ مسخها ناسخها". وأقول : قد عقد ابن فارس في الصَّاحبي (83-87) باباً كبيراً لِلاّمات. وقد أورد حاجي خليفة "كتاب اللامات" لابن الأنباري.

35 ـ الليل والنهار

ذكره ياقوت والسيوطي في بغية الوعاة، وحاجي خليفة. ولعله "قصَص النهار وسمر الليل".

36 ـ مأخذ العلم

ذكره ابن حجر في المجمع المؤسس ص 208 من مخطوطة دار الكتب المصرية، وذكره أيضاً حاجي خليفة في كشف الظنون.

37 ـ مُتَخَيَّر الألفاظ

ذكره ابن الأنباري وياقوت، وذكره الجرجاني في الكنايات 145 باسم "مختار الألفاظ".

38 ـ المُجْمَل

وهو أشهر كُتب ابن فارس، وقد سبق الكلام عليه في ص21 من هذه المقدمة. ومنه ثلاث نسخ مخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 238، 382، 18 ش. وقد طبع الجزء الأول منه بالقاهرة في مطبعة السعادة سنة 1331 عن نسخة بخط مصرف بن شبيب بن الحسين سنة 591، قرأها الإمام الشنقيطي. وقد سرد بروكلمان منه نحو عشرين مخطوطة في مكتبات برلين، وجوته، وليدن، وباريس، والمتحف البريطاني، والمكتب الهندي، وبودليان، وامبروزيانا، ويني جامع، وكوبريلي، ودمشق، ونور عثمانية، ولالالي، والموصل، ومشهد.

… ـ مختصر سير رسول الله

انظر: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

39 ـ مختصر في المؤنث والمذكر

منه نسخة بالمكتبة التيمورية بالقاهرة برقم 265 لغة، تقع في 15 صفحة. قرأت في أوله: "هذا مختصر في معرفة المذكر والمؤنث لا غنى بأهل العلم عنه، لأن تأنيث المذكر وتذكير المؤنث قبيح جداً".

… ـ مختصر في نسب النبي ومولده ومنشئه ومبعثه

انظر: سيرة النبي صلى الله عليه وسلم.

… ـ مسائل في اللغة

انظر: فتيا فقيه العرب.

… ـ مقالة في أسماء أعضاء الإنسان

انظر: خلق الإنسان.

40 ـ مقالة كَلاّ وما جاء منها في كتاب الله

نشرها العلامة عبد العزيز الميمني الراجكوتي في القاهرة سنة 1344 بالمطبعة السلفية، عن نسخة في مجموعة بمكتبة المرحوم عبد الحي اللكنوي، وتقع في نحو 12 صفحة. وهي مطبوعة في أول مجموعة تشمل أيضاً كتابَ ما تلحن فيه العوام للكسائي، ورسالة محيي الدين بن عربي إلى الإمام الفخر الرازي. وقد ذكرها ابن فارس في الصاحبي ص 134، وقال: "وقد ذكرنا وجوه كلا، في كتاب أفردناه".

41 ـ المقاييس

وسأفرد له قولاً خاصاً.

42 ـ مقدمة الفرائض

ذكره ياقوت في إرشاد الأريب.

43 .مقدمة في النحو

ذكره ابن الأنباري، والسيوطي في بغية الوعاة، وحاجي خليفة في كشف الظنون.

… .نعت الشعر، أو نقد الشعر

انظر: خضارة.

44 .النيروز

منه نسخة بمكتبة تيمور باشا برقم 402 لغة، تقع في ثماني صفحات. وهذه النسخة مستنسخة من المكتبة الظاهرية بدمشق، كتبت في سنة 1339.

45 .اليشكريات

منها جزء بالمكتبة الظاهرية (فهرسها 29 : 11) كما ذكر بروكلمان.

(صورة لقطعة من الصفحة الأخيرة للكتاب)

ــــــــــــــــــ

([1]) المزهر (1: 414) وجاء في (1: 420): "كتاب إلماع الإتباع لابن فارس". وهو تحريف، صوابه "الإتباع" فقط.

([2]) يعني أبا العباس أحمد بن يحيى ثعلب.

([3]) انظر ما سبق في المقدمة ص10.

([4]) إن الرسالة التي رواها الثعالبي – وتجد نصها في ص15-20 من هذه المقدمة – توضح نظرة ابن فارس إلى الحماسات المحدثة.

([5]) خضارة، بضم الخاء: علم جنس للبحر. يقال للبحر خضارة، وخضير كزبير، والأخضر.

([6]) نقل هذا النص السيوطي في المزهر (2: 498) بلفظ "نقد الشعر".

([7]) هذه مبالغة منه، وإلا فإن مجموع ما ذكره هو سبعون دارة.

([8]) المجمع المؤسس، للمعجم المفهرس، للحافظ ابن حجر العسقلاني، منه نسخة بدار الكتب برقم 75 مصطلح.

([9]) منه نسخة مصورة بالمكتبة التيمورية 354 مجاميع.

([10]) انظر وفيات الأعيان.

([11]) انظر ما سبق في هذه المقدمة ص22. وقد طبع بتحقيق حسين محفوظ في دمشق سنة 1377.

 

كتاب المقاييس

يبدو من قول ياقوت في أثناء سرده لكتب ابن فارس: "كتاب مقاييس اللغة، وهو كتاب جليل لم يصنف مثله"، أنه اطلع على هذا الكتاب ونظر فيه. ولم أجدْ أحداً غير ياقوت يذكر هذا الكتاب لابن فارس، ولعله من أواخر الكتب التي ألَّفها، فلذلك لم يظفر بالشهرة التي ظفر بها غيره.

معنى المقاييس:

وهو يعني بكلمة المقاييس ما يسميه بعض اللغويين "الاشتقاق الكبير"، الذي يرجع مفردات كل مادة إلى معنى أو معانٍ تشترك فيها هذه المفردات. قال في الصاحبي ص 33: "أجمع أهل اللغة إلا من شذ منهم، أن للغة العرب قياساً، وأن العرب تشتق بعض الكلام من بعض، وأن اسم الجن مشتق من الاجتنان". وابن فارس لا يعتمد اطراد القياس في جميع مواد اللغة، بل هو ينبه على كثير من المواد التي لا يطرد فيها القياس([1])، كما أنّه يذهب إلى أن الكلمات الدالة على الأصوات وكثيراً من أسماء البلدَان ليس مما يجري عليه القياس. ويفطن إلى الإبدال فطنة عجيبة، فلا يجعل للمواد ذات الإبدال معنى قياساً جديداً، بل يردها إلى ما أبدلت منه([2]).

نسخ المقاييس:

وهذا الكتاب لم يسترعِ انتباه العُلماء إلا منذ عهد قريب، وكانت وزارة المعارف المصرية قد اعَتَزَمتْ نشره منذُ بضع سنوات، ولكن لم يحقق ما اعتزمته حينئذٍ. وقد أشار بروكلمان إلى أن كتاب المقاييس قد وضع في البرنامج الذي وَضَعَته دائرة معارف حيدر أباد الدكن سنة 1354 للكتب الّتي انتَوت نشرها، وهذا العَزم لم يحقق أيضاً.

ولقدَ دَفَعتُ بنفسي إلى تحرِيرِ هذا الكتاب دَفْعَاً، بَعد ما آذنَتْ بارتِداد، فإني لم أجِد أمامي منه إلا نُسخة واحِدة مودعة بِدار الكتب المصرية.

وهذا الكتاب لم ينل حظوة المجمل في كثرة نُسخه وتعَدُّد أصوله، فإن منه نُسخة بالمدرسةِ المَرْويةِ بالبلاد الفارسية، وعن هذه النسخة أخذت صورتان لدار الكُتب المِصرية، وصورة للمكَتَبةِ التَّيمورية، وأخرَى لمكتَبَةِ  مجمع فؤاد الأول للغةِ العربية، ورابعَة لأنِستاس ماري الكرملي، فيما أخبرني عن النسخة الأخيرة بعض الثقات.

وصورتا دار الكتب المصرية إحداهما مُوجبَة والأخرَى سالبَة، كما اصطلح أصحاب التَّصوير: فالموجبَة برقم 652 لغة والسالبة برقم 651 لغة. وقد نشَرْت  إزاء صدر هذَا الفَصْلِ مِنَ المقدَّمة صورة لبَعْضِ المواضع مِنَ النسخة الموجبَة. والنسخةُ في 779 صفحة، يضاف إليها صفحتان كُرر الترقيم فيهما سهواً، وهما صفحتا 497، 498 وكل صفحتَين منها في لوحٍ واحد مِنْ ألواح التَّصوير الشمسي، عدد أسطُره سبعة وعشرون، وحجم الصفحة (12×24).

وهذه النسخة يشيع  فيها التحريف والاضطراب، كما أن بها بعْضاً مِنَ الفجواتِ والأسقاطِ، وبعضاً مِنَ الإقحامِ والتزيُّد.

وقد أشارَ بروكلمان إلى نسخةٍ بالنجف، وزعم أن أصل نسخة القاهرة في "مَرَاكُش"، وهو سهو منه.

المجمل والمقاييس:

لا يساورني الريب أن "المقاييس" مِنْ أواخِر مؤلفاتِ ابن فارس، فإن هذَا النضج اللغوي الذي يَتَجلّى فيه، مِنْ دلائل ذلك،  كما أن خمول ذكْرِ هذَا الكتَاب بين العُلماء والمؤلفين، مِنْ أدلةِ ذلك. ولو أنه أتيح له أن يحيا طويلاً في زمان مُؤلفهِ لاستَولى على بعْضِ الشهرة الَّتي نالها صنوهُ "المجمل".

وأستطيع أن أذهب أيضاً إلى أنه ألَّف "المقاييس" بعدَ تأليفه "المجمل"، فإنَّ الناظرَ في الكِتابين يلمس القوة في الأول، ويجِد  أن ابن فارس في المجمل إذا حاول الكلام في الاشتِقاق فإنما يحاوله في ضعف والتواء، فهو في مادة (جن) مِنَ المجمل يقول: "وسميت الجن لأنها تتَّقى ولا تُرَى. وهذا حَسَنٌ". فهو يعجبه أن يهتدي إلى اشتقاق كلمة واحدة من مادة واحدة، وليس يكون هذا شأنَ رجلٍ يكون قد وضع من قبلُ كتاباً فيه آلاف من ضروب الاشتقاق، بل هو كلام رجل لم يكن قد أوغل في هذا الفن.

وهو في المجمل يترك بعض مسائل اللغة على علاتها، على حين ينقدها في المقاييس نقداً شديداً. ففي المجمل: ويقال: الأترور الغلام الصغير، في قوله:

* مِنْ عامِلِ الشُّرْطَةِ والأُترورِ *

وفي المقاييس: "وكذلك قولهم إن الأترور الغلام الصغير. ولولا وجداننا ذلك في كتبهم لكان الإعراض عنه أصوب. وكيف يصح شيء يكون شاهده مثل هذا الشعر:

أعوذ باللهِ وبالأمير  *** من عامل الشرطة والأترورِ"

على أنه لو أمعنت في الموازنة بين المجمل والمقاييس لأعضد هذا الرأي، لاقتضاني ذلك أن أكتب كثيراً. ولكن يستطيع القارئ بالنظر في الكتابين أن يذهب معي هذا المذهب.

نظام المعجم والمقاييس:

جرى ابن فارس على طريقة فاذَّةٍ بين مؤلفي المعجم، في وضع معجميه: المجمل والمقاييس. فهو لم يرتّب موادهما على أوائل الحروف وتقليباتها كما صنع ابن دريد في الجمهرة، ولم يطردها على أبواب أواخر الكلمات كما ابتدع الجوهري في الصحاح، وكما فعل ابن منظور والفيروز اباديّ في معجميهما، ولم يَنْسُقْها على أوائل الحروف فقط كما صنع الزمخشري في أساس البلاغة، والفيومي في المصباح المنير. ولكنه سلك طريقاً خاصَّاً به، لم يفطن إليه أحد من العلماء ولا نَبَّه عليه. وكنت قد ظننت أنه لم يلتزم نظاماً في إيراد المواد على أوائل الحروفِ، وأنه ساقها في أبوابها هملاً على غير نظام. ولكنه بتتبُّع المجمل والمقاييس ألفَيْته يلتزم النظام الدقيق التالي:

1 ـ فهو قد قسم مواد اللغة أوَّلاً إلى كتب، تبدأ بكتاب الهمزة وتنتهي  بكتاب الياء.

2 ـ ثم قسم كل كتاب إلى أبواب ثلاثة أولها  باب الثنائي المضاعف والمطابق، وثانيها أبواب الثلاثي الأصول من المواد، وثالثها بابُ ما جاء على أكثر من ثلاثة أحرفٍ أصلية.

3 ـ والأمر الدقيق في هذا التقسيم أن كل قسم من القسمين الأوَّلين قد التُزم فيه ترتيب خاص، هو ألا يبدأ بعد الحرفِ الأوَّل إلا بالذي يليه، ولذا جاء بابُ المضاعف في كتاب الهمزة، وباب الثلاثي مما أوله همزة وباء مرتباً ترتيباً طبيعياً على نسق  حروفِ الهجاءِ.

ولكن في "باب الهمزة والتاء مايثلثهما"، يتوقع القارئ أن يأتي المؤلف بالمواد على هذا الترتيب: (أتب، أتل، أتم، أتن، أته، أتو، أتي)، ولكن الباء في (أتب) لا تلي التاء بل تسبقها، ولذلك أخرها في الترتيب إلى آخر الباب فجعلها بعد مادة (أتي).

وفي باب التاء من المضاعف يذكر أوَّلاً  (تخ) ثم (تر) إلى أن تنتهي الحروف، ثم يرجع إلى التاء والباء (تب)، لأن أقرب ما يلي التاء من الحروفِ في المواد المستعملة هو الخاء.

وفي أبواب الثلاثي من التاء لا يذكر أولاً  التاء والهمزة وما يثلثهما، بل يؤخر هذا إلى أواخر الأبواب، ويبدأ بباب التاء والجيم وما يثلثهما، ثم باب التاء والحاء وما يثلثهما، وهكذا إلى أن ينتهي من الحروف، ثم يرجع أدراجه ويستأنف الترتيب من باب التاء والهمزة وما يثلثهما؛ وذلك لأن أقرب ما يلي التاء من الحروفِ في المواد المستعملة هو الجيم. وتجد أيضاً أن الحرفَ الثالث يراعى فيه هذا الترتيب، ففي باب التاء والواو وما يثلثهما يبدأ بـ(توي) ثم (توب) ثم (توت) إلى آخره، وذلك لأن أقرب الحروفِ التي تلي الواو هو الياء.

وفي باب الثاء من المضاعف لا يبدأ بالثَّاء والهمزة ثم بالثَّاء والباء، بل يُرْجئ ذلك إلى أواخر الأبواب، ويبدأ بالثَّاء والجيم (ثج) ثم بالثَّاء والراء (ثر) إلى أن تنتهي الحروف، ثم يستَأنف الترتيب بالثَّاء الهمزة (ثأ) ثم بالثَّاء والبَاء (ثب).

وفي أبواب الثلاثي من الثَّاء لا يبدأ بالثَّاء والهمزة وما يثلثهما ثم يعقّب بالثَّاء والباء وما يثلثهما، بل يدع ذلك إلى أواخر الأبواب؛ فيبدأ بالثَّاء والجيم وما يثلثهما إلى أن تنتهي الحروف، ثم يرجع إلى الأبواب التي تركها. وتجد أيضاً أن الحرف الثَّالث يراعى فيه الترتيب، ففي باب الثَّاء واللام وما يثلثهما يكون هذا الترتيب (ثلم، ثلب، ثلث، ثلج)… الخ.

وفي باب الجيم من المضاعف يبدأ بالجيم والحاء (جح) إلى أن تنتهي الحروف (جو) ثم ينسقُ بعد ذلك؛ (جأ، جب).

وفي أبوب الثلاثي من الجيم يبدأ بباب الجيم والحاء وما يثلثهما إلى أن تنتهي الحروف، ثم يذكر باب الجيم والهمزة وما يثلثهما، ثم باب الجيم والباء، ثم الجيم والثاء، مع مراعاة الترتيب في الحرف الثالث، ففي الجيم والنون وما يثلثهما يبدأ أوّلاً بـ (جنه) ثم (جني) ويعود بعد ذلك إلى (جنأ، جنب، جنث) الخ.

هذا هو الترتيب الذي التزمه ابن فارس في كتابيه "المجمل" و"المقاييس". وهو بِدْع كما ترى.

تحقيق المقاييس:

حينما طلب إليّ متفضلاً السيد /مدير دار إحياء الكتب العربية، في أواخر العام الماضي، أن أتولى تحقيق هذا الكتاب لم أكن درسته بعد أو أحطت به خُبراً، فلما نظرت فيه ألفيتُني إزاء مجدٍ لا ينبغي أن يضاع، أعني هذا المجد الثقافي العربي، فإن كتابنا هذا لا يختلف اثنان بعد النظر فيه، أنّه فذ في بابه، وأنه مفخرة من مفاخر التأليف العربي، ولا إخال لغةً في العالم ظفرت بمثل هذا الضرب من التأليف. ولقد أضفى ابن فارس عليه من جمال العبارة وحسن الذوق، ورُوحِ الأديب، ما يبعد به عن جفوة المؤلفات اللغوية وعنف ممارستها. فأنت تستطيع أن تتخذ من هذا الكتاب متاعاً لك إذ تبغي المتاع، وسنداً حين تطلب التحقّق والوثوق. والكتاب بعد كل أولئك، يضم في أعطافه وثناياه ما يَهَبُ القارئَ ملكة التفهم لهذه اللغة الكريمة، والظهور على أسرارها.

وأذِن الله فشرعت في تحقيقه مستمدّاً العون منه، وجعلت من الكتب التي اعتمد عليها ابن فارس في صدر كتابه، ومن كتب أخرى يتطلبها التحقيق والضبط مرجعاً لي في تحرير هذا الكتاب.

وعنيت بضبط الكتاب معتمداً على نصوص اللغويين الثقات. وقد أضبط الكلمة الواحدة بضبطين أو ثلاثة حسب ما تنص المعاجمُ عليه. وعُنيت أيضاً بنسبة الأشعار والأرجاز المهملة إلى قائليها وبنصّ الأشعار والأرجاز المنسوبة، إلى دواوينها المخطوطة والمطبوعة، مع التزام معارضة النصوص والنّسب بنظيراتها في المجمل وجمهرة ابن دريد ولسان العرب وغيرها من الكتب.

وأحياناً يعوز النسخة بعض كلمات تتطلبها العبارات، فأزيدها من هذه المصادر مع التنبيه عليها، أو أتمها بدون تنبيه إلا بوضعها بين معكفي الزيادة إن لم أجد لها سنداً إلا ضرورة الكلام.

وكنت ارتأيت أن ألتزم تفسير غوامض هذا الكتاب وتأويل شواهده ونصوصه، ولكني وجدت أدب النشر يردُّني عن ذلك، ولو قد فعلت لاستطال الكتاب واقتضى بعثه دهراً طويلاً، على ما يكون في ذلك من عنت وإرهاق. لذلك اكتفيت بهذا القدر الضئيل من التفسير الذي يتطلبه التحقيق.

فهارس الكتاب:

وسيخرج هذا الكتاب بعون الله في ستة مجلدات، يلحق بها سابع يتضمن الفهارس التالية:

1- فهرس ترتيب المواد.

2- فهرس الألفاظ التي وردت في غير موردها

3- فهرس الأشعار.

4- فهرس الأرجاز.

5- فهرس الأمثال.

6- فهرس الأعلام.

7- فهرس البلدان.

8- فهرس الكتب.

هذا عدا ما قد يستدعيه الكتاب من ضروب أُخَر.

وأما بعد فإني إذ أقدم هذا الجهد، وأرجو أن أكون قد أصبت من النجح في خدمة لغة الكتاب ما يرضي الله، ومن البر بهذه اللغة ما ينفع أبناء العروبة، ومن التوفيق ولِزام الصواب ما تَرَاحُ له النفسُ ويغتبط الضمير.

الإسكندرية في 10 شعبان سنة 1366

مقدمة الطبعة الثانية

هذه هي الطبعة الثانية من "مقاييس اللغة" أقدمها لجمهرة الباحثين بعد أن مضى على نفاذ نسخ الطبعة الأولى نحو ست سنوات حالت بعض الظروف دون المبادرة بإعادة طبعه في حينه المناسب.

وقد لقي الكتاب منذ ظهوره اهتماماً خاصاً من أئمة العلماء  والباحثين والهيئات العلمية، التي حرصت على أن يكون في مكتباتها أكثر من نسخة منه، وعملت على الإفادة منه في أكثر من مجال علمي.

وقد اقتضى نفاد الأعداد الضخمة التي طبعت منه أن يعاد طبعه في ثوب آخر، فاستخرت الله في ذلك، وأردت بعونه سبحانه أن تمتاز هذه الطبعة من سابقتها بزيادة في التحقيق والتعليق، وإضافات في تخريج الشواهد واستكمال نسبة ما كان مجهول النسب منها، مع الإفادة من تحقيقاتي فيما أصدرته بعد الطبعة الأولى من مختلف كتب التراث العربي. فكان حظ هذه الطبعة الثانية أسعد من سابقتها.

ولست أنسى هنا أن أنوه بفضل إخواني الفضلاء أصحاب (مكتبة ومطبعة مصطفى البابي الحلبي وأولاده) الذين لم يألوا جهداً في العمل على تبني طبع هذه الموسوعة اللغوية الممتازة، وإخراجها في المعرض اللائق بها، متابعة لما قام به أسلافهم الكرام من تفانٍ في نشر التراث العربي وتوسيع نطاق إذاعته. فلهم من الله ومن العلم خير الجزاء.

ومن الله أستمد العون، وهو ولي التوفيق.

ـــــــــــــــــ

([1]) انظر للمثال مادة (تبن) و(جعل) من هذا الجزء.

([2]) انظر للمثال مادة (شجر، حجم، جر، جمخ، جهف).

تقديم

حرص اتحاد الكتاب العرب على تقديم هذه الطبعة الجديدة من كتاب "مقاييس اللغة" لـ"أحمد بن فارس بن زكريا" المتوفى (عام 395هـ) نظراً لأهمية هذا الكتاب، ودقته، وكفايته في بابه، وبغية وضع حواشيه ولبابه بين يدي الأدباء والكتاب على الخصوص والقراء بصورة عامة، استنهاضاً للهمم، وخدمة للعربية فصاحة وبلاغة وبياناً، وتصدياً بالعلم لجهات خارجية تلمّح إلى أن العربية بين اللغات المرشحة للانقراض، مما يدخل في باب حملات الاستعمار على الأمة العربية ولغتها وثقافتها ومكانتها التاريخية، تلك الحملات التي تتجدد منذ القرن التاسع عشر بأشكال وصيغ متعددة، مما يوجب التصدي لها بالمعرفة والعلم والعمل.‏

وقد اعتمدنا في هذه الطبعة تحقيق وشرح الأستاذ عبد السلام هارون مع تنقيح، وتصحيح، وإضافة فهرس إلى الفهارس. ونأمل أن تساهم في خدمة الكتاب، وأن يجد فيها المتخصص والمهتم والقارئ ما يسوّغ تقديمها.‏

وسوف يتابع اتحاد الكتاب العرب إصدار كتب من التراث العربي منشورة سابقاً، أو تحقيق ونشر مخطوطات عربية تنفيذاً منه لخطة معتمدة في هذا المجال ترمي إلى تعزيز مكانة التراث في الثقافة العربية المعاصرة، وتسهيل مهمة الراغبين في التواصل البنّاء معه والإفادة منه.‏

والله من وراء القصد‏

رئيس اتحاد الكتاب العرب‏

د.علي عقلة عرسان.‏

 


مقدمة ابن فارس

بسم الله الرحمن الرحيم‏

هذا كتاب المقاييس في اللغة‏

الحمد لله وبه نستعين، وصلّى الله على سيدنا محمد وآله أجمعين‏

قال أحمد: أقول وبالله التوفيق: إنَّ لِلُغةِ العرب مقاييسَ صحيحةً، وأصولاً تتفرّع منها فروع. وقد ألَّف النَّاسُ في جوامع اللغة ما ألَّفوا، ولم يُعربوا في شيءٍ من ذلك عن مقياس من تلك المقاييس، ولا أصل من الأصول. والذي أوْمَأْنا إليه بابٌ من العلم جليلٌ، وله خطرٌ عظيمٌ. وقد صدَّرْنا كلَّ فصل بأصله الذي يتفرّع منه مسائلُه، حتى تكونَ الجملةُ الموجَزةُ شاملةً للتَّفصيل، ويكونَ المجيبُ عما يُسألُ عنه مجيباً عن الباب المبسوطِ بأوجزِ لفظٍ وأقربِه.‏

وبناءُ الأمرِ في سائر ما ذكرناه على كتبٍ مشتهرة عالية، تحوي أكثرَ اللُّغة.‏

فأعلاها وأشرفُها كتابُ أبي عبد الرحمن الخليل بن أحمد، المسمَّى (كتابَ العين) أخبرَنا به عليُّ بن إبراهيم القَطَّان(1)، فيما قرأت عليه، أخبرنا أبو العبّاس أحمد بن إبراهيم المَعْدَانيّ (2)، عن أبيه إبراهيم بن إسحاق(3)عن بُنْدَار بن لِزَّة الأصفهاني(4)، ومعروف بن حسان(5) عن الليثِ، عن الخليل.‏

ومنها كتابا أبي عُبيدٍ(6) في (غريب الحديث)، و(مصنَّف الغريب)(7) حدَّثنا بهما علي بن عبد العزيز(8) عن أبي عُبيدٍ.‏

ومنها (كتاب المنطق) وأخبرني به فارس بن زكريا(9) عن أبي نصر ابن أختِ الليثِ بن إدريس(10)، عن الليثِ(11)، عن ابن السكِّيتِ.‏

ومنها كتاب أبي بكر بن دريد المسمّى (الجمهرة)؛ وأخبرنا به أبو بكر محمد بن أحمد الأصفهاني(12)، وعلي بن أحمد الساويّ عن أبي بكر.‏

فهذه الكتبُ الخمسةُ معتمَدُنا فيما استنبَطناه من مقاييس اللغة، وما بعدَ هذِه الكتبِ فمحمولٌ عليها، وراجعٌ إليها؛ حتى إذا وقع الشيءُ النادر نَصَصْناه إلى قائله إن شاء الله. فأوَّلُ ذلك:‏

ــــــــــــــــ

(1) هو علي بن إبراهيم بن سلمة القطان. ذكره ياقوت في معجم الأدباء (4 : 82) وكذا السيوطي في بغية الوعاة 153 في شيوخ أحمد بن فارس. وقد أكثر ابن فارس من الرواية عنه في كتابه "الصاحبي".‏

(2) لم أجد لـه ولا لأبيه ترجمة فيما لدي من المصادر، لكن يؤيد صحة هذا السند ما ورد في كتاب الصاحبي ص30 من قول ابن فارس: "حدثنا علي بن إبراهيم المعداني، عن أبيه، عن معروف بن حسان، عن الليث، عن الخليل".‏

(3) انظر التنبيه السابق.‏

(4) هو بندار بن عبد الحميد الكرخي الأصبهاني، ويعرف بابن لزة، ذكره ابن النديم في الفهرست 123 وقال: أخذ عن أبي عبيد القاسم بن سلام، وأخذ عنه ابن كيسان، وكان له كل أسبوع دخلة على المتوكل يجمع فيها بينه وبين النحويين. وبندار، بضم الباء. ولزة بلام بعدها زاي، وفي الأصل: "لوة" محرفة. انظر معجم الأدباء (7: 128-134) وبغية الوعاة 208.‏

(5) معروف بن حسان، ممن أخذ عن الليث، انظر الحاشية رقم 3 ص5.‏

(6) هو أبو عبيد القاسم بن سلام، كان أبوه عبداً رومياً لرجل من أهل هراة. وكان أبو عبيد قد أقام ببغداد مدة، ثم ولي القضاء بطرسوس وخرج بعد ذلك إلى مكة فسكنها حتى مات بها. ومن شيوخه إسماعيل بن جعفر. وسفيان بن عيينة، وأبو معاوية الضرير، وأبو بكر بن عياش. وسمع منه أبو بكر بن أبي الدنيا، ومحمد بن يحيى المروزي، وعلي بن عبد العزيز البغوي، وكان من العلماء المحدثين النحويين على مذهب الكوفيين، وكان إذا ألف كتاباً أهداه إلى عبد الله بن طاهر فيحمل إليه مالاً خطيراً. ومات سنة 224. انظر تاريخ بغداد (12: 403-416) وإرشاد الأريب (16: 254-261)‏

(7) ويقال له أيضا "الغريب المصنف" كما في فهرست ابن خير 327. ومنه مخطوطتان بهذا العنوان في دار الكتب المصرية برقم 121 لغة و2 ش لغة.‏

(8) هو أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن المرزبان بن سابور البغوي نزيل مكة، صاحب أبي عبيد القاسم بن سلام، روى عنه غريب الحديث، وكتاب الحيض، وكتاب الطهور وغير ذلك. وحدث عن أبي نعيم، وحجاج بن المنهال، ومحمد بن كبير العبدي، وروى عنه ابن أخيه عبد الله ابن أخيه عبد الله ابن محمد البغوي، وسليمان بن أحمد الطبري. توفي سنة 287. انظر إرشاد الأريب (14: 11-14) وتذكرة الحفاظ (20: 178).‏

(9) هو فارس بن زكريا بن محمد بن حبيب، والد المصنف. وقد أخذ عنه كما ورد في أثناء ترجمة أحمد بن فارس في بغية الوعاة 153. وقد أورد ياقوت في ترجمة ابن فارس نصوصاً كثيرة من سماع ابن فارس من والده.‏

(10) الليث هذا، غير الليث بن المظفر اللغوي المشهور. ولم أجد له ترجمة فيما لدي من المراجع.‏

(11) هو الليث بن المظفر، وقيل الليث بن رافع بن نصر بن سيار. كان بارعاً في الأدب بصيراً بالشعر والغريب والنحو. وكان كاتباً للبرامكة، وقيل إنه الذي صنع كتاب العين ونحله الخليل لينفق كتابه باسمه ويرغب فيه. انظر معجم الأدباء (17: 43-52) وبغية الوعاة 383.‏

(12) في تاريخ بغداد: (1: 310) محمد بن أحمد بن طالب، يحدث فيمن يحدث عن محمد بن الحسن بن دريد. وقال توفي سنة 370. فلعله هو.‏

كتاب الهمزة:

ـ (باب الهمزة في الذي يقال له المضاعف)

(أبّ) اعلم أن للهمزة والباء في المضاعف أصلين: أحدهما المرعَى، والآخر القَصْدَ والتهيُّؤ. أما الأول فقول الله عزّ وجلّ: {وفَاكِهَةً وَأَبّاً} [عبس 31]، قال أبو زيد الأنصاريّ: لم أسمع للأبِّ ذكراً إلاّ في القرآن. قال الخليل وأبو زيد: الأبُّ: المرعى، بوزن فَعْل. وأنشدَ ابنُ دريد:

جِذْمُنا قيسٌ ونجدٌ دارُنا *** ولنا الأبُّ به والمَكْرَعُ

وأنشدَ شُبيل بن عَزْرَة لأبي دُواد:

يَرعى بروْضِ الحَزْنِ من أبِّهِ *** قُريانه في عانةٍ تصحبُ([1])

أي تحفظ. يقال: صَحِبَكَ الله أي حفِظك. قال أبو إسحاق الزجَّاج: الأبّ جميع الكلأ الذي تعتلفه الماشية، كذا رُوِيَ عن ابن عبّاس رضي الله عنه. فهذا أصلٌ وأما الثاني فقال الخليل وابن دُريد: الأبّ مصدر أبَّ فلانٌ إلى سيفه إذا ردَّ يدَه إليه ليستلّه. الأبّ في قول ابن دريد: النزاع إلى الوطن، والأبّ في روايتهما التهيّؤ للمسير. وقال الخليل وحدَه: أبّ هذا الشيءُ، إذا تهيّأ واستقامت طريقته إبابةً([2]). وأنشد للأعشى:

صَرَمْتُ ولم أصرمْكُمُ وكصارمٍ *** أخٌ قَدْ طوى كشحاً وأبّ ليذْهَبا([3])

وقال هشام بن عقُبة([4])* في الإبابة:

وأبّ ذُو المحضَرِ البَادِي إبابَتَهُ *** وقوّضَتْ نِيّةٌ أطنَابَ تَخْييمِ

وذكر ناسٌ أنّ الظِّبَاء لا ترِدُ ولا يُعرَف لها وِرد. قالوا: ولذلك قالت العَرَب في الظِّبَاء: "إن وَجَدَتْ فلا عَبَاب، وإن عَدِمت فلا أَباب"، معناه إنْ وجدَتْ ماءً لم تعُبَّ فيه، وإن لم تجِدْه لم تأبُبْ لطلبهِ([5]). والله أعلم بصحّة ذلك. والأبّ: القصدُ، يقال أببت أبّه، وأممت أمَّهُ، وحَمَمت حمَّهُ، وحرَدْتُ حردهُ، وصمَدتُ صَمْده. قال الراجز يصفُ ذئباً:

مَرَّ مُدِلٍّ كرِشاء الغَرْبِ  *** فأبَّ أَبَّ غنَمِي وأبِّي

أي قصدَ قصْدَها وقصدِي.

(أتّ) قال ابن دريد: أتّه يؤتُّه، إذا غلبه بالكلام، أو بكته بالحجة، ولم يأت في الباب غيرُ هذا، وأحسب الهمزة منقلبة عن عين.

(أثّ) هذا بابٌ يتفرع من الاجتماع واللين، وهو أصلٌ واحد. قال ابن دريد: أثّ النبتُ أثّاً إذا كثُر. ونبتٌ أثيث، وكلُّ شيء موطّأٍ أثيثٌ، وقد أُثِّثَ تأثيثاً. وأثاث البيت من هذا، يقال إنّ واحده أثاثة، ويقال لا واحدَ له من لفظه. وقال الرّاجز في الأثيث:

يَخْبِطنَ منه نبتَه الأثيثا *** حَتّى ترى قائِمَه جثيثا

أي مجثوثاً مقلوعاً. ويقال نساءٌ أثائث، وثيرات اللحم. وأنشد:

ومِنْ هَوَايَ الرُّجُحُ الأثائثُ *** تُمِيلُهَا أعجازُها الأواعِثُ([6])

وفي الأثاث يقول الثقفي:

أشاقَتْكَ الظَّعائنُ يومَ بانُوا *** بذي الزّيِّ الجميلِ من الأثاثِ([7])

(أجّ) وأما الهمزة والجيم فلها أصلان: الحَفيف، والشدّة إمّا حرّاً وإمّا ملوحة. وبيان ذلك قولهم أجَّ الظليمُ إذا عدا أجيجاً وأجّاً، وذلك إذا سمعت حَفيفه في عَدْوه. والأجيج: أجيج الكير من حفيف النّار. قال الشاعرُ يصف ناقة:

فراحتْ وأطرافُ الصُّوَى مُحزئلّةٌ *** تئجُّ كما أجّ الظّليمُ المفَزَّعُ([8])

وقال آخر يصف فرساً:

كأنَّ تردُّدَ أنفاسِه *** أجيجُ ضِرامٍ زَفَتْهُ الشَّمالُ

وأجَّةُ القومِ: حفيفُ مشيِهم واختلاطُ كلامِهم، كلُّ ذلك عن ابن دريد. والماء الأُجاج : الملح. وقال قومٌ: الأجاج: الحارّ المشتعل المتوَهِّج، وهو من تأجّجَت النار. والأجَّة: شدّة الحرّ، يقال منه ائتج النّهار ائتجاجاً. قال حُميد:

* ولهَبُ الفِتنةِ ذو ائتجاجِ *

وقال ذو الرُّمّة في الأجّة:

حتَّى إذا مَعْمعانُ الصَّيف هبَّ لـه *** بأجَّةٍ نشَّ عنها الماءُ والرُّطُبُ([9])

وقال عُبيد بن أيوب العنبريّ يرثي ابنَ عمٍّ له:

وغبتُ فلم أشْهَدْ ولو كنتُ شاهداً *** لخفّفَ عَنّي من أجيجِ فؤادِيَا

(أَحّ) وللهمزة والحاء أصلٌ واحد، وهو حكاية السُّعال وما أشبهه من عطَشٍ وغيظٍ، وكلُّه قريبٌ بعضه من بعض. قال الكسائيّ: في قلبي عليه أُحاح أي إحنةٌ وعَداوة. قال الفرّاء: الأُحاح العطش. قال ابن دريد: سمعتُ لفلان أُحاحا وأحيحاً، إذا توجَّعَ من غيظٍ أو حُزن. وأنشد:

* يطوي الحيازيمَ على أُحاحِ *

وأحيحة اسم رجلٍ، مشتقٌّ من ذلك. ويقال في حكاية السُّعال أحّ أحّاً. قال:

يَكادُ مِنْ تنحنُحٍ وأَحِّ *** يَحكي سُعالَ الشَّرِق الأبَحِّ([10])

وذكر بعضهم أنّه ممدودٌ: آح. وأنشد:

كأنّ صوتَ شَخْبِها المُمتاحِ  *** سُعالُ شيخٍ من بني الجُلاحِ

يقولُ مِن بَعْدِ السُّعالِ آحِ

(أخّ) وأما الهمزة والخاء فأصلان: [أحدهما] تأوُّه أو تكرُّه، والأصل الآخَر طعامٌ بعينه. قال ابن دُريد: أَخِّ([11]) كلمة تقال عند التأوُّه، وأحسبُها مُحدَثة. ويقال إنّ أخِّ كلمة تقال عند التكرُّه للشيء. وأنشد:

* وكانَ وصْلُ الغانيات أخَّا([12]) *

وكانت دَخْتَنُوس بنتُ لَقيطٍ، عند عمرو بن عمرو بن عُدُس، وهو شيخٌ كبير، فوضع رأسَه في حجرها فنفخ كما ينفخ النائم، فقال أخِّ! فقالت أخِّ واللهِ منك! وذلك بسَمْعه، ففتح عينيه وطلّقها، فتزوّجها عمرو بن معبد بن زُرارة، وأغارت عليهم خيلٌ لبكر بن وائل فأخذوها* فيمن أُخذ، فركب الحيُّ ولحق عمرُو بنُ عمروٍ فطاعَنَ دونَها حتى أخَذَها، وقال وهو راجعٌ بها:

أيَّ زَوْجَيكِ رأيتِ خَيْراً  *** أألعظيمُ فَيْشةً وأيرَا

أم الذي يأتِي الكُماةَ سَيْرَا

 

فقالت: ذاك في ذاك، وهذا في هذا. والأَخيخة: دقيقٌ يصبُّ عليه ماء فيُبرَق بزيتٍ أو سمن ويُشْرَب([13]). قال:

* تجَشُّؤ الشيخِ عن الأخِيخهْ *

(أدّ) وأمّا الهمزة والدال في المضاعف فأصلان: أحدهما عِظَم الشيء وشدّته وتكرُّره، والآخر النُّدود. فأمّا الأوّل فالإِدُّ، وهو الأمر العظيم. قال الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئاً إدّاً} [مريم 89]،  أي عظيماً من الكفر. وأنشد ابنُ دريد:

يا أُمّتَا رَكبتُ أمراً إدّا *** رأيتُ مَشْبوحَ اليدينِ نَهْدَا

أبيض وضاحَ الجَبين نَجْدَا *** فَنِلتُ منه رشَفاً وبَرْدَا([14])

وأنشد الخليل:

ونتّقِي الفحشاءَ والنَّآطِلا *** والإدَدَ الإداد والعَضائلا([15])

ويقال أدّتِ الناقة، إذا رجّعت حَنينَها. والأَدُّ: القُوّة، قاله ابن دريد

وأنشد:

من بَعدِ ما كنتُ صُمُلاًّ نَهْدَا *** نَضَوْنَ عَنّى شِرَّةً وأَدَّا([16])

فهذا الأصل الأوَّل. وأمَّا الثاني فقال ابن دريد: أدَّتِ الإبل، إذا نَدّت. وأما أُدُّ بن طابخة بن إلياس بن مضر فقال ابن دريد: الهمزة في أدّ واوٌ، لأنه من الوُدّ وقد ذكر في بابه.

(أذّ) وأما الهمزة والذال فليس بأصلٍ، وذلك أنّ الهمزة فيه محوَّلة من هاء، وقد ذكر في الهاء. قال ابن دريد: أذَّ يَؤُذُّ أذّا: قطع، مثل هَذَّ. وشَفْرةٌ أذُوذٌ: قَطّاعة. أنشد المفضّل:

يَؤُذُّ بالشَّفْرَةِ أيَّ أذِّ *** مِنْ قَمَعٍ ومَأْنَةٍ وفَلْذِ

(أرّ) أصلُ هذا البابِ واحد، وهو هَيْج الشيء بتَذكيةٍ وحَمْيٍ، فالأرُّ: الجِماع ، يقال أرَّها يؤُرُّها أرّاً، والمِئَرُّ: الكثير الجماع. قال الأغلب:

ضَخْمَ الكراديس وَأَىً زِبرَّا  *** بَلَّتْ به عُلابِطاً مِئَرَّا([17])

 

والأرُّ: إيقاد النار، يقال أرَّ الرجلُ النَّارَ إذا أوقدها. أنشدنا أبو الحسن علي ابن إبراهيم القطّان، قال أملى علينا ثعلبٌ:

قد هاج سار لسارِي ليلةٍ طربا *** وقد تصَرَّم أو قد كاد أو ذَهباً

كأنَّ حِيريّةً غَيْرَى مُلاَحِيَةً  *** باتَتْ تَؤُرُّ به من تَحتِه لَهَبَا([18])

والأرُّ أن تُعالج الناقة إذا انقطع وِلادها، وهو أنْ يُؤخذَ غصنٌ من شوك قَتَادٍ فيُبلَّ ثم يذرَّ عليه مِلح فيُؤَرّ به حياؤُها حتّى يَدْمى، يقال ناقة مأرورة، وذلك الذي تعالج به هو الإرَار.

(أزّ) والهمزة والزاء يدلّ على التحرّك والتحريك والإزعاج. قال الخليل: الأزُّ: حمل الإنسانِ الإنسانَ على الأمرِ برفقٍ واحتيال. الشيطان يؤزّ الإنسانَ على المعصية أزّاً. قال الله تعالى : {أَلَمْ تَرَ أنَّا أرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الكافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم 83]. قال أهل التفسير: تُزعجهم إزعاجاً. وأنشد ابن دريد:

لا يأخُذُ التَّأفِيكُ والتّحَزّي *** فينا ولا طَيْخُ العِدَى ذو الأزِّ([19])

قال ابنُ الأعرابيّ: الأزّ حلْب النّاقة بشدة. وأنشد:

شديدة أزِّ الآخِرَينِ كأنّهَا *** إذا ابتَدَّها العِلجانِ زجْلَةُ قافِلِ([20])

قال أبو عبيد: الأزّ ضم الشّيء إلى الشيء. قال الخليل: الأزّ غلَيان القِدر، وهو الأزيز أيضاً، وفي الحديث: "كان يصلّي ولِجَوفه أزيزٌ كأزيز المِرجَل من البكاء". قال أبو زيد: الأزّ صوتُ الرعد، يقال أزّ يئزُّ أزَّاً وأزيزاً. قال أبو حاتم: والأزيز القُرّ الشّديد، يقال ليلةٌ ذات أزيزٍ ولا يقال يومٌ ذو أزيز. قال: والأزيز شدّة السير، يقال أزَّتْنا الرِّيح أي ساقتنا. قال ابن دريد: بيت أَزَزٌ، إذا امتلأ ناساً.

(أسّ) الهمزة والسين يدلّ على الأصل والشيء الوطيد الثابت، فالأُسّ أصل البناء، وجمعه آساس، ويقال للواحد أساس بقصر الألف، والجمع أُسُسٌ. قالوا: الأُسُّ أصل الرجل، والأسُّ وجْه الدهر، ويقولون كان ذلك على أُسّ الدّهر. قال الكذّاب الحِرْمازيّ([21]):

وأسُّ مَجْدٍ ثابتٌ وطيدُ *** *نال السماءَ فرعُه المديدُ

فأمّا الآس فليس هذا بابه، وقد ذكر في موضعه.

(أشّ) الهمزة والشين يدل على الحركةِ للِّقاء. قال ابن دريد: أشَّ القوم يَؤشُّون أشَّاً، إذا قام بعضهم إلى بعضٍ للشرّ لا للخير. وقال غيره: الأشاش مثل الهَشَاش([22]). وفي الحديث: "كان إذا رأى من أصحابه بعضَ الأشاش وعَظَهُم".

(أصّ) وأما الهمزة والصاد فله معنيان، أحدهما أصل الشيء ومجتمعه، والأصل الآخر الرِّعدة. قال أهل اللغة: الإصّ([23]) الأصل. ويقال للناقة المجتمعة الخلق أَصُوصٌ. وجمع الإصِّ الذي هو الأصل آصاص. قال:

قِلالُ مَجْدٍ فَرّعَت آصاصا *** وعزةٌ قعساءُ لا تُناصى([24])

والأصيص: أصل الدنّ يجعل فيه شراب. قال عديّ:

* مَتَى أرى شَرْباً حَوَالَيْ أصيصْ ([25]) *

فهذا أصل. وأما الآخر فقالوا: أفْلَتَ فلان وله أصِيص، أي رِعدةٌ.

(أضّ) وللهمزة والضاد معنيان: الاضطرار والكسر، وهما متقاربان. قال ابن دريد: أضَّني إلى كذا [وكذا] يؤُضُّني أضّاً، إذا اضطرّني إليه. قال رؤبة:

* وهي تَرَى ذا حاجةٍ مؤْتَضّا *

أي مضطرّا. قال: والأضّ أيضاً الكسر، يقال أضه مثل هَضّه سواء. وحكى أبو زيد الأَضاضة: الاضطرار. قال:

زمانَ لم أخالِفِ الأضاضَهْ *** أكحلُ ما في عينهِ بيَاضَهْ

(أطّ) وللهمزة والطاء معنىً واحد، وهو صوت الشيء إذا حنّ وأَنْقَض، يقال أطَّ الرَّحْل يئط أطيطا، وذلك إذا كان جديداً فسمعتَ له صريراً. وكلُّ صوتٍ أشبَهَ ذلك فهو أطيط. قال الرّاجز:

يَطحَِرْنَ([26]) ساعاتِ إنَى الغَبُوقِ *** من كِظَّةِ الأَطَّاطة السَّنُوقِ([27])

يصف إبلاً امتلأَتْ بطونُها. يَطحَرْن: يتنفَّسْنَ تنفُّساً شديداً كالأنين. والإنَى: وقت الشُّرب عشيّاً. والأطّاطة: التي تسمع لها صوتاً. وفي الحديث: "حتى يُسمعَ أطيطُه من الزِّحام"، يعني باب الجّنة ويقال أطّتِ الشجرة: إذا حنَّت. قال الراجز([28]):

قد عَرَفَتْني سِدرتي وأطَّتِ([29]) *** وَقد شَمِطْتُ بَعدَها واشمَطَّتِ

 

(أفّ) وأما الهمزة والفاء في المضاعف فمعنيان، أحدهما تكرُّهُ الشيء، والآخَر الوقت الحاضر. قال ابن دريد: أفَّ يؤفُّ أفّاً، إذا تأفَّف من كرب أو ضَجَر، وَرجلٌ أفّافٌ كثير التأفّف. قال الفراء: أُفِّ خفضاً بغير نون، وأُفٍّ خفضاً مع النون، وذلك أنه صوت، كما تخفض الأصوات فيقال طاقِ طاقِ. ومن العرب من يقول أفُّ له ([30]). قال: وقد قال بعضُ العرب: لا تقولن له أُفّاً ولا تُفّاً، يجعله كالاسم. قال: والعرب تقول: جعل يتأفّف من ريحٍ وجَدَها ويتأفّف من الشدّة تُلِمّ به. وقال متمّم بن نُويرة، حين سأله عُمرُ عن أخيه مالكٍ، فقال: "كان يركَبُ الجَمَل الثَّفَال([31])، ويقتاد الفرسَ البطيء، ويكتفل الرُّمْح الخطِل، ويلبس الشَّملة الفَلوت، بين سَطِيحتين نَضُوحين([32])، في الليل البليل، ويُصَبِّحُ الحيَّ ضاحكاً لا يتأنَّنُ ولا يتأفَّف". قال الخليل: الأُفُّ والتُّفُّ، أحدهما وسخ الأظفار، والآخر وسخ الأُذن. قال:

* عليهم اللّعنةُ والتأفيفُ *

قال ابنُ الأعرابي: يقال أفّاً له وتُفّاً وأُفّةً لَهُ وتُفَّةً. قال ابن الأعرابيّ:

الأفَف الضّجر. ومن هذا القياس اليأفوف : الحديدُ القلب([33]).

والمعنى الآخر قولهم: جاء على تَئِفّة ذاك وأفَفِه وإفّانِهِ، أي حينه. قال:

* على إفِّ هِجرانٍ وساعةِ خَلْوةٍ([34]) *

(أكّ) وأمّا الهمزة والكاف فمعنى الشدَّة من حرٍّ وغيره. قال ابن السِّكّيت:  الأَكّة الحرّ المحتدم، يقال أصابتنا أكّةٌ من حرٍّ، وهذا يومٌ أكٌّ ويوم ذو أكٍّ. قال ابن الأعرابيّ: الأَكّة سوء خُلُق وضِيق نَفْس. وأنشدَ:

إذا الشَّريبُ أخذتْه أكّهْ([35]) *** فَخَلِّهِ حَتّى يَبكّ بَكَّهْ

 

قال ابنُ الأعرابيّ: ائتكّ الرجل، إذا اصطكّتْ رجلاه. قال:

* في رِجْلِه من نَعْظِهِ ائتكاكُ *

قال الخليل: الأكّة الشديدة من شدَائدِ الدهر، وقد ائتكّ فلانٌ من أمرٍ أرمَضَه ائتكاكا. قال ابن دريد: يومٌ عكٌّ أكٌّ، وعكيكٌ أكيكٌ، وذلك من شدّة الحر.

(ألّ) والهمزة واللام في المضاعف ثلاثة أصول: اللّمعان في اهتزاز، والصّوت، والسّبَب يحافَظ عليه. قال الخليل وابن دريد: ألّ* الشيءُ، إذا لمع. قال ابن دريد: وسمِّيت الحربة ألّة للمعانها. وألَّ الفرسُ يئل ألاّ، إذا اضطرب في مشيه. وألّت فرائصُه إذَا لمَعتْ في عَدْوه. قال:

حتّى رَمَيتُ بها يئِلُّ فريصُها  *** وكأنَّ صَهْوَتَهَا مَدَاكُ رُخامِ([36])

وألّ الرّجلُ في مِشْيته اهتزّ. قال الخليل: الأَلّة الحربة، والجمع إلالٌ.

قال:

يُضيءُ رَبابُه في المُزْن حُبْشاً *** قياماً بالحِراب وبالإلالِ

ويقال للحربة الأليلة أيضاً والأَليل. قال:

يُحامِي عن ذِمار بني أبيكم  *** ويطعن بالأَليلة والأليلِ

قال: وسمّيت الألّةَ لأنها دقيقة الرأس. وألّ الرجل بالألّة أي طعن. وقيل لامرأةٍ من العرب قد أُهْترَت([37]): إنّ فلاناً أرسل يخطُبك. فقالت: أَمُعْجِلي أَنْ أَدَّرِيَ وأَدَّهِن([38])، ما لَـه غُلَّ وأُلَّ! قال: والتأليل تحريفك الشيء، كرأس القلم. والمؤلَّل أيضاً المُحدَّد. يقال أذُنٌ مؤلّلة أي محدّدة، قال طرفة:

مؤلّلتان تَعْرِفُ العِتْق فيهما  *** كسامعتَيْ شاةٍ بحومَلَ مُفْرَدِ

وأذن مألولةٌ وفرَسٌ مألول. قال:

* مألولة الأُذْنَين كَحْلاَء العَيْن *

ويقال يومٌ أليلٌ لليومِ الشديد. قال الأفوهُ:

بكلِّ فتىً رَحيبِ الباعِ يسمُو *** إلى الغاراتِ في اليوم الأليلِ

قال الخليل: والأَلَلُ والألَلاَنِ: وجها السكين ووجها كلِّ عريض. قال الفرّاء: ومنه يقال لِلَّحمتين المطابقتين بينهما فجوة يكونان في الكتف إذا قشرت إحداهما عن الأخرى سال من بينهما ماء: ألَلاَنِ. وقالت امرأةٌ لجارتها: لا تُهْدِي لضَرّتِكِ الكَتِفَ، فإن الماءَ يجري بين أَلَليْها. أي أَهْدِي شرّاً منها.

وأمّا الصوت فقالوا في قوله:

وطعَن تُكثِر الألَلَيْنِ مِنهُ *** فَتاةُ الحيّ تُتْبِعُهُ الرّنينا([39])

إنّه حكاية صوت المولول. قال: والأليل الأنين في قوله:

* إمَّا ترَيْني تُكثِري الأَليلا([40]) *

وقال ابن ميّادة:

وقُولا لها ما تأمُرِينَ بوامقٍ *** لَهُ بعدَ نَوْمات العُيونِ أَلِيلُ([41])

قال ابن الأعرابيّ: في جوفِه أليلٌ وصليل. وسمعت أليل الماء أي صوته. وقيل الأليلةُ الثُّكْل. وأنشد:

وليَ الأَليلةُ إن قتلت خُؤُولتي  *** ولِيَ الأليلةُ إن همُ لم يُقْتَلوا

قالوا: ورجل مِئَلّ، أي كَثير الكلام وَقّاعٌ في الناس. قال الفرَّاءُ: الألُّ رفع الصوت بالدُّعاء والبكاء، يقال منه ألّ يئِلُّ أليلا. وفي الحديث: "عجِبَ ربُّكم من أَلِّكم وقُنوطكم وسرعةِ إجابته إيّاكم". وأنشدوا للكميت:

وأنتَ ما أنتَ في غبراءَ مُظلمَةٍ *** إذا دَعَت ألَلَيْهَا الكاعبُ الفُضُلُ

والمعنى الثالث الإلُّ الرُّبوبية. وقال أبو بكرٍ لمّا ذُكِرَ له كلامُ مسيلمة:

"ما خرج هذا من إلٍّ" وقال الله تعالى: {لا يَرْقُبُونَ في مُؤْمِنٍ إلاًّ ولاَ ذِمَّةً} [التوبة 10]. قال المفسرون: الإلُّ الله جلّ ثناؤه. وقال قوم: هي قُرْبى الرّحِم. قال:

هم قطَعُوا منْ إلِّ ما كانَ بيننا *** عُقوقاً ولم يُوفُوا بعهدٍ ولا ذِمَمْ

قال ابنُ الأعرابيّ: الإلُّ كلُّ سبب بين اثنين. وأنشد:

لعمرك إنّ إِلّكَ في قرَيش *** كإلِّ السَّقبِ مِنْ رَألِ النَّعامِ([42])

والإلّ: العهد. ومما شذَّ عن هذه الأصول قولهم ألِلَ السّقاءُ تغيّرت رائحته. ويمكن أن يكون من أحد الثلاثة؛ لأنّ ابْنَ الأعرابيّ ذكرَ أنه الذي فَسَدَ ألَلاَهُ، وهو أن يدخل الماءُ بين الأديم والبشَرة، قال ابن دريد: قد خفّفت العَرَبُ الإلَّ. قال الأعشى:

أبيض لا يرهبُ الهُزَالَ ولا  *** يَقْطَعُ رِحْماً وَلا يخُونُ إلاَ([43])

(أمّ) وأمّا الهمزة والميم فأصلٌ واحدٌ، يتفرّع منه أربع أبواب، وهي الأصل، والمرجِع، والجماعة، والدِّين، وهذه الأربعة متقاربة، وبعد ذلك أصولٌ ثلاثة، وهي القامة، والحين، والقَصْد، قال الخليل: الأُمّ الواحدُ والجمع أمّهات، وربما قالوا أمٌّ وأمَّات. قال شاعرٌ وجَمَع بين اللّغَتين:

إذا الأُمَّهات قَبَحْنَ الوجوهُ *** فرَجْتَ الظّلامَ بأُمّاتِكا

وقال الرَّاعي:

* أمّاتهُنّ وطَرْقُهُنّ فَحِيلا([44]) *

وتقول العَرَب: "لا أمَّ له" في المدح والذمّ جميعاً. قال أبو عبيدة: ما كنتِ أمّاً ولقد أمَمْتِ أُمُومةً. وفلانةُ تؤمُّ فلاناً أي تغذوه، أي تكون لـهُ أمّاً*  تغذوه وتربيّه. قال:

نؤمُّهُمُ ونأْبُوهُمْ جميعاً *** كما قُدَّ السُّيورُ من الأديمِ

أي نكون لهم أمهاتٍ وآباءٍ. وأنشد:

اطلُبْ أبا نَخْلةَ من يأبوكا *** فكلهم ينْفِيك عن أبيكا([45])

وتقول أمٌّ وأمّةٌ بالهاء. قال:

تَقَبّلتَها من أُمَّةٍ لَكَ طالما *** تُنُوزِعَ في الأسواقِ عنها خِمارُها([46])

قال الخليل: كلُّ شيءٍ يُضّمُّ إليه ما سواه مما يليه فإنّ العربَ تسمّي ذلك الشيءَ أُمّاً. ومن ذلك أُمُّ الرأس وهو الدّماغ. تقول أممْت فلاناً بالسيّف والعَصا أمّاً، إذا ضربته ضربةً تصل إلى الدماغ. والأميم: المأموم، وهي أيضاً الحجارة التي تُشْدَخ بها الرؤوس؛ قال:

* بالمنْجَنيقاتِ وبالأمائِمِ([47]) *

والشّجةُ الآمّة: التي تبلغ أُمَّ الدماغ، وهي المأمومة أيضاً. قال:

يحُجُّ مأمُومةً في قَعْرِها لَجَفٌ *** فاستُ الطّبِيبِ قَذَاها كالمغَاريدِ([48])

قال أبو حاتم: بعيرٌ مأموم، إذا أُخرِجت من ظهره عظامٌ فذهبَت قَمعَتُه. قال:

* ليس بمأمومٍ ولا أَجَبِّ([49]) *

قال الخليل: أمّ التّنائف أشدُّها وأبعدها. وأُمُّ القرى: مكّة؛ وكلُّ مدينةٍ هي أمُّ ما حولها من القُرى، وكذلك أمُّ رُحْمٍ([50]). وأمُّ القُرآن: فاتحة الكتاب. وأمُّ الكتاب: ما في اللّوح المحفوظ. وأمّ الرّمح: لواؤه وما لُفَّ عليه. قال:

وسلبنَ الرُّمْحَ فيه أُمُّهُ *** مِنْ يدِ العاصي وما طال الطِّوَلْ([51])

وتقول العَرَبُ للمَرأَة التي يُنْزَل عليها: أمُّ مَثْوىً، وللرّجُل أبو مَثْوىً. قال ابن الأعرابيّ: أمَّ مِرزَم الشَّمال، قال:

إذا هو أمسى بالحَِلاءَة شاتياً *** تُقَشِّرُ أَعْلى أَنفِهِ أُمُّ مِرزَمِ([52])

وأم كلْبَةٍ الحمَّى. ففيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لزيد الخليل: "أَبْرَحَ فتىً إنْ نجا مِنْ أُمِّ كَلْبة". وكذلك أمُّ مِلْدَم([53]). وأمُّ النُّجوم: السّماء. قال تأبّط شرّاً:

يرى الوَحْشَةَ الأُنس الأَنيسَ ويهتدي *** بحيث اهتدت أُمُّ النُّجومِ الشّوَابِكِ

أخبرنا أبو بكرٍ بن السُّنِّى([54])، أخبرنا الحسين بن مسبّح، عن أبي حنيفة قال: أُمُّ النجوم المجرّة، لأنّه ليس مِنْ السماء بقعَةٌ أكثرَ عددَ كواكبَ منها، قال تأبَّطَ شرّاً، وقد ذكرنا البيت. وقال ذو الرُّمّة:

بشعثٍ يَشُجُّون الفَلا في رؤوسهِ *** إذا حَوَّلَت أُمُّ النُّجومِ الشَّوابِكِ

حوَّلت يريدُ أنّها تنحرِف. وأمُّ كفاتٍ: الأرض. وأمُّ القُراد، في مؤخّر الرُّسغ فوق الخُفِّ، وهي التي تجتمع فيها القِرْدان كالسّكُرُّجة. قال أبو النجم:

* للأرض مِنْ أُمِّ القُرادِ الأَطحلِ([55]) *

وأمُّ الصّدى هي أُمُّ الدِّماغ. وأم عُوَيفٍ: دويْـبّةٌ منَقّطة إذا رأت الإنسان قامت على ذنَبها ونشرت أجنحتها، يُضرَبُ بها المثلُ في الجبن. قال:

يا أُمَّ عَوفٍ نَشِّري بُردَيْكْ *** إنّ الأميرَ واقفٌ عليكْ

ويقال هي الجرَادة([56]). وأمُّ حُمارِسٍ([57]) دويْـبّة سوداء كثيرة القوائم. وأم صَبُّور: الأمرُ الملتبِس، ويقال هي الهضَبَة التي ليس لها منفذ([58]). وأمّ غيْلان: شجرةٌ كثيرة الشوك([59]). وَأُمُّ اللُّهيم: المنِيّة. وأمُّ حُبَيْنٍ: دابّة. وأمُّ الطّريق: مُعظَمه. وأمُّ وَحْشٍ: المفازة، وكذلك أُمُّ الظِّباء. قال:

وهانت على أمِّ الظباء بحاجتي  *** إذا أرسلت ترباً عليه سَحُوق([60])

وأُمُّ صَبَّار: الحَرَّة([61]) قال النّابغة:

تُدافِعُ النّاسَ عَنَّا حينَ نَرْكَبُها  *** من المَظالم تُدعَى أُمَّ صَبّارِ

وأمُّ عامرٍ، وأم الطريق: الضَّبع. قال يعقوب: أمُّ أوعالٍ: هضبة بعينها. قال:

* وأمَّ أوعالٍ كَهَا أَو أَقْرَبا([62]) *

وأُمُّ الكفّ: اليدِ. قال:

* ليس له في أُمِّ كفٍّ إصبَعُ *

وأمُّ البَيض: النّعامة. قال أبو دُؤاد:

وأتانَا يَسْعَى تفرُّشَ أمِّ الـ ***  بيض… ([63])

وأمُّ عامرٍ: المفازة([64]). وأمّ كليبٍ([65]): شجيرة لها نَوْر أصفر. وأمُّ عِرْيَط: العقربُ. وأمُّ النّدامة: العَجَلة. وأمّ قَشْعَمٍ، وأمُّ خَشّاف، وأمّ الرَّقوبِ، وأمُّ الرَّقِم([66])، وأمُّ أرَيق، وأمّ رُبَيْق، وأمُّ جُنْدَبٍ، وأمّ البَليل، وأمَ الرُّبيس([67])، وأم حَبَوْكرَى، وأمّ أدرصٍ، وأمّ نآدٍ، كلها كُنَى الدّاهية. *وأمّ فَرْوة: النَّعجة. وأمُّ سُوَيد وأمّ عِزْم: سافلة الإنسان. وأمُّ جابر: إيادٌ([68]). وأمُّ شَمْلَة: الشَّمال الباردة. وأُمُّ غِرْس: الرَّكية([69]).

وأمُّ خُرْمانَ: طريق([70]). وأم الهشيمة: شجرةٌ عظيمة مِنْ يابس الشّجَر. قال الفرزدق يصفُ قِدْراً:

إذا أطْعِمَتْ أمَّ الهشيمة أرْزَمَتْ  *** كما أرزَمَتْ أمُّ الحُِوَارِ المجلَّدِ([71])

وأمُّ الطعّام: البَطْن. قال:

ربيَّتُه وهو مثلُ الفرخ أعْظَمُهُ  *** أمُّ الطعَامِ ترَى في جِلْدِهِ زَغَبَا([72])

قال الخليل: الأمَّة: الدِّين، قال الله تعالى: {إنّا وَجَدْنا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} [الزخرف 22]. وحكى أبو زيدٍ: لا أمَّة له، أي لا دينَ له. وقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في زيد بن عمرو بن نُفَيْل: "يُبْعَثُ أمَّةً وحْدَهُ".

وكذلك كلُّ مَنْ كان على دينٍ حقٍّ مخالفٍ لسائر الأديان فهو أمَّة. وكلُّ قوم نُسبوا إلى شيءٍ وأُضيفوا إليه فهم أمَّة، وكلُّ جيل من النّاس أمّةٌ على حِدَة. وفي الحديث: "لولا أنّ هذه الكلابَ أمّةٌ من الأمم لأمرْتُ بقتلها، ولكن اقتُلُوا منها كلّ أسوَدَ بَهيم". فأمّا قولـه تعالى: {كانَ النّاسُ أمّةً واحِدَةً} [البقرة 213]، فقيل كانوا كفّاراً فبعثَ اللهُ النبيّين مبشّرين ومنذرين. وقيل: بل كان جميعُ مَنْ مع نوحٍ عليه السلام في السفينة مؤمناً ثمّ تفرقوا. وقيل: {إنَّ إبراهيمَ كانَ أُمَّةً} [النحل 120]، أي إماماً يُهتدَى به، وهو سبب الاجتماع. وقد تكون الأمَّة جماعة العلماء، كقوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إلى الخَيرِ} [آل عمران 104]، وقال الخليل: الأمّة القامَة، تقول العَرَب إنّ فلاناً لَطويل الأُمّة، وهم طِوال الأمَم، قال الأعشى:

وإنَّ مُعاويَة الأكرَمِينَ  *** حِسانُ الوُجوهِ طِوالُ الأمَمْ

قال الكسائيّ: أمَّة الرجل بَدَنه ووجْهه. قال ابن الأعرابيّ: الأمّة الطاعة، والرّجلُ العالم. قال أبو زيد: يقال إنّه لحسَنُ أمّة الوجْه، يغْزُون السّنّة([73]). ولا أمّة لبني فلانٍ، أي ليس لهم وجه يقصِدون إليه لكنهم يخبِطُون خَبْط عَشْواءَ. قال اللِّحيانيّ: ما أحسن أمّته أي خَلْقه. قال أبو عُبيد: الأمّيّ في اللغة المنسوبُ إلى ما عليه جبلة الناس لا يكتُب، فهو [في] أنّه لا يكتُبُ على ما وُلِدَ عليه. قال: وأمّا قول النّابغة:

* وهلْ يأْثَمَنْ ذو أمَّةٍ وهو طائِعُ([74]) *

فمن رفَعه أراد سنّة ملكه، ومن جعَله مكسوراً جعَله دِيناً من الائتمام، كقولك ائتم بفلان إمّةً. والأمة في قوله تعالى: {وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ} [يوسف 45]، أي بعد حين. والإمام: كلُّ من اقتُدِي به وقُدِّم في الأمور. والنبيُّ صلى الله عليه وسلم إمام الأئمة، والخليفة إمام الرّعية، والقرآن إمام المسلمين. قال الخليل: الإمّة النّعمة. قال الأعشى:

* وأصاب غزوُكَ إمّةً فأزالها([75]) *

قال ويقال للخَيطِ الذي يقوّمُ عليه البِناءُ إمام. قال الخليل: الأمامُ القدّام، يقول صدرُك أمامُك، رَفَعَ لأنّه جعَله اسماً، ويقول أَخوك أمامَك نصب لأنه في حال الصفة، يعني به ما بين يديه، وأمّا قول لبيد:

فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَيْنِ تَحْسَبُ أَنّه *** مَوْلَى المخافةِ خَلْفُها وَأَمامُها

فإنه ردَّ الخلف والأمام على الفرجين، كقولك كلا جانبيك مولى المخافة يمينك وشِمالُك، أي صاحبها ووليّها، قال أبو زيد: امض يَمامِي في معنى امض أمامي. ويقال: يمامي وَيمامتي([76]). قال:

* فقُلْ جابَتي لَبيّكَ وَاسمَعْ يمامتي([77]) *

وقال الأصمعيُّ: "أمامَها لقِيتْ أَمَةٌ عَملَهَا" أي حيثما توجّهَتْ وجدَتْ عملاً. ويقولون: "أمامك ترى أثَرَك" أي ترى ما قدّمْت. قال أبو عبيدة: ومن أمثالهم:

* رُوَيْدَ تَبَيَّنْ مَا أمَامَةُ مِنْ هندِ([78]) *

يقول: تثبّتْ في الأمر ولا تَعْجَل يتبيَّنْ لك. قال الخليل: الأَمَم الشيء اليسير الحقير، تقول: فعلت شيئاً ما هو بأمَمٍ ولا دُونٍ. والأمم: الشيء القريب المتناوَل. قال:

كوفِيّةٌ نازحٌ مَحَلَّتُهَا *** لا أَمَمٌ دارُها ولا صَقَبُ([79])

قال أبو حاتم: قال أبو زيد: يقال أمَمٌ أي [صغيرٌ، و([80])] عظيم، من الأضداد. وقال ابن قميئة في الصغير:

يا لَهْفَ نفسِي على الشّباب ولم  *** أَفقِدْ به إذْ فَقَدْتُه أمَمَا([81])

قال الخليل: الأمَم: القصد. قال يونس: هذا أمْرٌ مأمُومٌ يأخذ* به الناس. قال أبو عمرو: رجل مِئَمٌّ أي يؤمُّ البلادَ بغير دليل. قال:

* احذَرْنَ جوّاب الفلا مِئمَّا *

وقال الله تعالى: {ولاَ آمِّينَ البَيْتَ الحَرَامَ} [المائدة 2]، جمع آمٍّ يؤمُّون بيتَ الله أي يقصدونه. قال الخليل: التيمُّم يجري مجرى التوخّي، يقال له تيمّمْ أمراً حسَناً وتيمّموا أطيب ما عندكم تَصدّقُوا به([82]). والتيمُّم بالصَّعيد من هذا المعنى، أي توخَّوْا أَطيبَه وأَنظَفَه وتعمّدوه. فصار التيمُّم في أفواه العامة فعلاً للتمسُّح بالصعيد، حتى يقولوا قد تَيمَّم فلان بالتُّراب. وقال الله تعالى: {فَتيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً} [النساء 43، المائدة 6]، أي تعمَّدوا. قال:

إن تكُ خيلي قد أُصيب صميمُها *** فعمداً على عَيْنٍ تيمّمْتُ مالِكا([83])

وتقول: يمّمتُ فلاناً بسهمي ورُمحي، أي توخّيته دونَ مَن سِواه، قال:

يمّمتُه الرُّمحَ شزْراً ثم قلتُ لـه *** هذه المرُوَّةُ لا لِعْبُ الزَّحاليقِ([84])

ومن قال في هذا المعنى أمّمته فقد أخطأ لأنه قال "شزْراً" ولا يكون الشّزر إلاّ من ناحية، وهو لم يقصد به أمامه. قال الكسائي: الأمامة الثمانون من الإبل([85]). قال:

فمَنَّ وأعطانِي الجزيلَ وزادَني *** أُمَامَةَ يحدُوها إليَّ حداتُها([86])

والأمّ: الرئيس، يقال هو أُمُّهم. قال الشّنْفَرى:

وأمّ عِيالٍ قد شَهدتُ تَقُوتُهم *** إذا أطعمَتْهم أَحْترَتْ وأقلَّتِ([87])

أراد بأمّ العيال رئيسَهم الذي كان يقوم بأمرهم، ويقال إنّه كان تأبّط شراً.

(أنّ) وأما الهمزة والنون مضاعفة فأصلٌ واحد، وهو صوتٌ بتوجّع. قال الخليل: تقول: أنّ الرجل يئِنّ أنيناً وأنّةً وأنّاً، وذلك صوتُه بتوجُّع. قال ذو الرّمّة:

تشكو الخِشاشَ ومَجْرَى النِّسْعَتَيْنِ كما *** أنَّ المريضُ إلى عوّادِهِ الوَصِبُ

ويقال رجل أنّانٌ، أي كثير الأنين. اللِّحيانيّ: يقال القوس تئنّ أنيناً، إذا لأن صوتها وامتدّ، قال الشّاعر:

تَئنُّ حين تجذب المخْطُوما([88]) *** أنينَ عَبْرَى أَسلَمَتْ حَميما

قال يعقوب: الأنّانة من النّساء: التي يموت عنها زوجُها وتتزوج ثانياً([89])، فكلما رَأته رَنّتْ وقالت: رحم الله فُلاناً.

وأما (الهمزة والهاء) فليس بأصلٍ واحد، لأنّ حكايات الأصوات ليست أصولاً يقاس عليها، لكنهم يقولون: أهّ أهّةً وآهة. قال مثقِّب:

إذا ما قمت أرحُلُها بِليلٍ *** تأوَّهُ آهَةَ الرَّجُلِ الحزينِ

(أو) كلمة شكٍّ وإباحة.

(أيّ) كلمة تعجُّب واستفهام، يقال تأيّيتُ، على تفعّلت، أي تمكّثت([90]). وهو قول القائل:

* وعلمت أنْ ليست بدارِ تَئِيّة *

وأمّا تأيّيت والآيَة فقد ذكر في بابه. وآء ممدود شجرٌ، وهو قوله:

أصَكَّ مُصَلَّمِ الأذُنينِ أَجْنَى *** له بالسِّيِّ تَنُّومٌ وآءُ([91])

قال الخليل: يقال لحكاية الأصوات في العساكر ونحوها: آء. قال:

في جحفَلٍ لَجِبٍ جَمٍّ صَوَاهِلُه  *** بالليل تُسمَعُ في حافاتِهِ آءُ([92])

وقد قلنا إنّ الأصوات في الحكايات ليست أصولاً يقاس عليها.

ـــــــــــــــــ

([1]) في اللسان (صحب): "قربانه في عابه يصحب"، ونسب البيت إلى أحد الهذليين.

([2]) إبابة، بالفتح والكسر. وفي اللسان: "والمعروف عن ابن دريد الكسر".

([3]) فسره في اللسان بقوله: "أي صرمتكم في تهيئ لمفارقتكم". وفي الجمهرة: يذكر قوما ًنزل فيهم فخانوه". وسيرد البيت في (كشح).

([4]) هو أخو ذي الرمة غيلان بن عقبة. انظر الأغاني (16: 107).

([5]) يقال أب يؤب ويئب، إذا تهيأ وتجهز. وفي اللسان (أبب، عبب): "لم تأتب لطلبه"، والوجهان صحيحان.

([6]) الرجز لرؤبة، انظر ديوانه 29 واللسان (أثث، وعث، رجح) والأواعث: اللينات، جمع وعثة على غير قياس، أو يكون قد جمع وعثاء على أوعث ثم جمع أوعثا على أواعث.

([7]) ذي، زائدة، ومعناه بالزي. والثقفي هو محمد بن عبد الله بن نمير، كما في الجمهرة (1: 14). وانظر الأبيات في الكامل 376-377 وزهر الآداب (1: 158) وانظر للبيت أيضاً اللسان (رأى) ومعجم البلدان (نقب). وكذا جاءت رواية البيت في معجم البلدان (8: 307) لكن في اللسان

(8:19): "بذي الرئي. والرئي: ما رأته العين من حال حسنة وكسوة ظاهرة". وقد نبه المبرد في الكامل 377 أن "بذي الرئي" هي الرواية الصحيحة.

([8]) في الأصل: "فأجت" صوابه في الجمهرة (1: 14) واللسان (3: 28)، وفي (13: 159): "فمرت".

([9]) سيأتي في (مع).

([10]) نسب إلى رؤبة في اللسان، والصحاح (أحح).

([11]) ضبطت في اللسان بضم الخاء، وفي الجمهرة بفتحها، وفي القاموس بالسكون.

([12]) في اللسان:

وانثنت الرجل فصارت فخا *** وصار وصل الغانيات أخا

([13]) برق الأدم بالزيت والدسم يبرقه برقاً وبروقاً، جعل فيه شيئاً يسيراً.

([14]) في الأصل: "قتلت" مع إسقاط الكلمة بعدها، والتصحيح والتكملة من الجمهرة واللسان. والرشف بالتحريك وبالفتح: تناول الماء بالشفتين.

([15]) الرجز لرؤبة كما في ديوانه 123 واللسان. وفي الأصل: "والأد والأداد"

([16]) الشرة: النشاط. وفي اللسان: "شدة"

([17]) العلابط: الضخم العظيم، وفي الأصل: "علائطا" تحريف. ونسب الرجز في اللسان والجمهرة إلى بنت الحمارس أيضاً.

([18]) ملاحية من الملاحاة، والشعر ليزيد بن الطثرية، كما في اللسان (7: 172)، وقد رواه: "تؤز" بالزاي، بمعنى تؤر.

([19]) الرجز لرؤبة كما في الجمهرة واللسان. وفي الأصل: "ولا طيخ والعدى والأز". وانظر ديوانه ص64.

([20]) في اللسان: "قال الآخرين ولم يقل القادمين لأن بعض الحيوان يختار آخري أمه على قادميها.. والزجلة صوت الناس. شبه حفيف شخبها بحفيف الزجلة".

([21]) في الجمهرة: "قال الراجز في أس البناء، وأحسبه كذاب بني الحرماز".

([22]) الهشاش، بالفتح: النشاط والارتياح والطلاقة.

([23])ضبطت في الأصل بكسر الهمزة، وفي الجمهرة بكسرها وفتحها، وفي اللسان بالتثليث.

([24]) وكذا ضبط في الجمهرة وأمالي القالي (2: 16)، لكن في اللسان: "وعزة" بالرفع.

([25]) صدره كما في اللسان: * يا ليت شعري وأنا ذو غنى *

([26]) السنوق، وصف من السنق، وهو البشم والكظة. وفي اللسان والجمهرة: "السبوق" ووجهه ما هنا.

([27]) ضبطت "يطحرن" في اللسان (أطط) بكسر الحاء، وهو تقييد الجوهري كما في مادة (طحر) وضبطت في الأصل والجمهرة بفتح الحاء.

([28]) هو الأغلب، أو الراهب واسمه زهرة بن سرحان، كان يأتي عكاظ فيقوم إلى سدرة فيرجز عندها ببني سليم قائماً، فلا يزال ذلك دأبه حتى يصدر الناس عن عكاظ.

([29]) بهذه الرواية روى للأغلب، وروى للراهب: "سرحتي".

([30]) انظر لغاته العشر في اللسان.

([31]) بعير ثفال، بفتح الثاء المثلثة والفاء: بطيء.

([32]) السطيحة: المزادة تكون من جلدين.

([33]) وفي اللسان: الخفيف السريع، وقيل الضعيف الأحمق. وأنشد:

* هوجا يآفيف صغارا زعرا *

([34]) أنشد في كتاب ما اختلفت ألفاظه واتفقت معانيه للأصمعي، لابن الطثرية:

بإفان هجران وساعة خلوة  *** من الناس تخشى أعينا أن تطلعا

([35]) الرجز لعامان بن كعب التميمي. والشريب: الذي يسقي إبله مع إبلك. وفي الأصل: "الشرير" صوابه في الجمهرة واللسان ونوادر أبي زيد 128. وترجمة (عامان) في نوادر أبي زيد 16.

([36]) الفريص: جمع فريصة، وهي اللحمة التي بين الجنب والكتف التي لا تزال ترعد من الدابة. وفي الأصل: "صريفها"، صوابه في الجمرة واللسان.

([37]) أهترت، بالبناء للمفعول وللفاعل: فقدت عقلها من الكبر. وفي الأصل: "اهتزت". والمرأة هي أم خارجة كما في أمثال الميداني (1: 317).

([38]) تدري: تسرح شعرها بالمدرى.

([39]) البيت للكميت كما في اللسان. والرواية فيه:

بضرب يتبع الأللي منه *** فتاة الحي وسطهم الرنينا

وهو تحريف. وانظر للأللين ما سيأتي في بيت الكميت: "وأنت ما أنت".

([40]) في الأصل: "تكثر" وفي اللسان: "إما تراني أشتكي".

([41]) انظر أمالي القالي (1: 98/3: 58).

([42]) البيت لحسان بن ثابت يهجو أبا سفيان بن الحارث. انظر اللسان وحواشي الحيوان (4: 360).

([43]) في الأصل: "الأخت"، تحريف. وأنشده في اللسان وقال: "قال أبو سعيد السيرافي: في هذا البيت وجه آخر وهو أن يكون إلا في معنى نعمة، وهو واحد آلاء الله".

([44]) صدره كما في اللسان (فحل) وجمهرة أشعار العرب 173:

* كانت نجائب منذر ومحرق *

([45]) الرجز لشريك بن حيان العنبري يهجو أبا نخيلة. انظر اللسان (18: 8)

([46]) في اللسان: "تقبلها من أمة ولطالما".

([47]) قبله كما في اللسان:               * ويوم جلينا عن الأهاتم *

([48]) البيت لعذار بن درة الطائي" كما في اللسان (11: 225): وانظر منه مادة (غرد) وحواشي الحيوان

(3: 425) والمخصص (13: 182).

([49]) انظر إنشاده في اللسان (14: 299).

([50]) أم رحم، بضم الراء، من أسماء مكة، كما في معجم البلدان. وانظر للأمهات والأبناء كنايات الجرجاني 85-95.

([51]) في اللسان: "وسلبنا".

([52]) الحلاءة، بالفتح والكسر: موضع شديد البرد، كما في معجم البلدان. والبيت لصخر الغي الهذلي يهجو أبا المثلم. انظر المعجم واللسان (16: 132) وسيأتي في (رزم).

([53]) في الأصل: "أم مدرم" تحريف. وفي اللسان: "أم ملدم كنية الحمى. والعرب تقول: قالت الحمى: أنا أم ملدم، آكل اللحم، وأمص الدم". وفي ثمار القلوب 206: "قال أصحاب الاشتقاق: هي مأخوذة من الدم، وهو ضرب الوجه حتى يحمر" ويقال أيضاً "أم ملذم" بالذال المعجمة. انظر المزهر (1: 515-516) والمخصص (13: 188).

([54]) هو أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن أسباط السني الحافظ الدينوري يروي عن ابن أبي عروبة والنسائي، وروى عنه أبو بكر بن شاذان، انظر أنساب السمعاني 315. وحفيده روح بن محمد بن أحمد يروي عن ابن فارس، كما في الأنساب.

([55]) انظر الحيوان (5: 444) حيث أنشد البيت؛ وفسر أم القراد بأنه يقال للواحدة الكبيرة من

القردان.

([56]) انظر الحيوان (5: 556-558)

([57]) وقعت في المخصص (13: 189) بالشين المعجمة. وانظر المزهر.

([58]) في المخصص: "هي هضبة لا منفذ فيها".

([59]) في اللسان (14: 27): "شجر السمر".

([60]) في المخصص (13: 185): "وهان .. يوماً عليك سحوق".

([61]) في الأصل: "الحسرة" تحريف. وانظر المخصص (13: 185).

([62]) انظر الخزانة (4: 277) والمخصص (13: 185) واللسان (14: 285) وهو من أرجوزة للعجاج في ديوانه 74. وقبله : * خلى الذنابات شمالاً كثبا *

([63]) البيت لأبي دواد الإيادي كما في اللسان (7: 221) والحيوان (4: 365). وتمامه: "شداً وقد تعالى النهار". والتفرش: أن يفتح الطائر جناحيه حين العدو.

([64]) الذي في اللسان (14: 298) أن أم عامر "المقبرة".

([65]) في اللسان (2: 220) والمخصص (13: 191): "أم كلب".

([66]) بفتح فكسر كما في اللسان (رقم)، وضبطت في المخصص بالتحريك، وبفتح فكسر وبالفتح ضبط قلم فيهما.

([67]) كذا في اللسان بضبط القلم. وفي المخصص (13: 187) بفتح الراء وكسر الباء.

([68]) في المخصص (13: 189) : "أم جابر إياد، وقيل بنو أسد. وقيل إنما سموا بذلك لأنهم زراعون". وفي اللسان (14: 298) أن أم جابر كنية للخبز وللسنبلة أيضاً.

([69]) في المزهر (1: 517): "وأم غرس ركية". وفي المرصع لابن الأثير أنها ركية لعبد الله بن قرة.

([70]) في المخصص: "ملتقى طريق حاج البصرة وحاج الكوفة".

([71]) انظر ديوانه ص167.

([72]) البيت لامرأة من بني هزان يقال لها أم ثواب: انظر الحماسة (1: 316) والكامل 136-137 ليبسك.

([73]) يغزون، أي يقصدون. وسنة الوجه: صورته.

([74]) صدره كما في خمسة دواوين العرب 53:

* حلفت ولم أترك لنفسك ريبة *

([75]) صدره كما في الديوان 27 واللسان (14: 289):

* ولقد جررت إلى الغنى ذا فاقة *

([76]) في الأصل: "في معنى امض أمامتي وأمامي ويمامتي"، ووجهته بناء على ما في اللسان (يمم).

([77]) الجابة: الجواب. وفي الأصل: "جانبي" صوابه في اللسان. وعجزه:

* وألين فراشي إن كبرت ومطعمي *

([78]) هو عجز لبيت لعارق الطائي كما في الحماسة (2: 198) واللسان (14: 30) ومعجم البلدان

(1: 105) وصدره:            * أيوعدني والرمل بيني وبينه *

وقد فسرت الأمامة بأنها الثلاثمائة من الإبل، والهند بأنها المائة.

([79]) البيت لابن قيس الرقيات في ديوانه 76.

([80]) تكملة يقتضيها السياق.

([81]) أي لم أفقد به شيئاً صغيراً، انظر الأضداد لابن الأنباري 106.

([82]) في الأصل: "وتيمم أطيب ما عندكم فصدقوا به"، تحريف.

([83]) على عين، أي بجد ويقين. والبيت لخفاف بن ندبة، كما في اللسان (عين) والأغاني (16: 134).

([84]) البيت لعامر بن مالك ملاعب الأسنة، كما في اللسان (12: 3/14: 288).

([85]) الذي في اللسان (14: 300) أن الأمامة الثلاثمائة من الإبل.

([86]) يشبه هذا البيت ما ورد في المخصص (7: 131):

أنار لـه من جانب البرك غدوة *** هنيدة يحدوها إليه حداتها

([87]) انظر المفضليات (المفضلية 20: 19).

([88]) الرجز لرؤبة، كما في اللسان  (16: 169). وفي الأصل: "تئن حتى".

([89]) في الأصل "ثانية".

([90]) في الأصل وكذا في الغريب المصنف 276: "تمكنت" صوابه بالثاء.

([91]) البيت لزهير. انظر ديوانه 68 والحيوان (4: 395 ، 398) والمجمل (1: 10).

([92]) قبله كما في اللسان (1: 16):

إن تلق عمراً فقد لاقيت مدرعاً *** وليس من همه إبل ولا شاء

 

ـ (باب الثلاثي الذي أوّله الهمزة)

(أبت) الهمزة والباء والتاء أصلٌ واحد، وهو الحرّ وشدّته. قال ابنُ السكّيت وغيره: أبَتَ يومنا يأبُِتُ([1]) إذا اشتد حرُّه، فهو أَبِتٌ. وأنشد:

بَرْك هجُود بفَلاةٍ قَفْرِ([2]) *** أحْمَى عليها الشمسَُ أبْتَُ الحَرِّ

ويقال يومٌ أبْتٌ وليلة أبْتَةٌ. ورجل مأبُوتٌ أصابه الحرّ. قال أبو علي الأصفهانيّ: الأَبْتة كالوَغْرة من القَيظ.

(أبث) وهذا الباب مهملٌ عند الخليل. قال الشّيبانيّ: الأبِثُ الأشِرُ النّشيط. قال:

أصبَحَ عمَّارٌ نشيطاً أبِثا *** يأكُلُ لحماً بائتا قد كَبِثَا([3])

وهذا الباب مهمل عند الخليل، وليست الكلمة عند ابن دريد([4]).

والكَبِث: المتغيِّر المُرْوِح. وليس الكَبِث عند الخليل ولا ابن دريد. ويقال للذي لا يَقَِرّ من المرَح إنه لأبِثٌ. قال الشّيباني: أصبت إبلاً أبَاثَى([5]) يعني بُروكاً شَباعَى. وناقة أبِثَة.

(أبد) الهمزة والباء والدال يدلّ بناؤها على طول المدّة، وعلى التوحّش. قالوا: الأبد الدهر، وجمعه آباد*. والعرب تقول: أبدٌ أبيدٌ، كما يقولون دهرٌ دَهير. والأَبْدَةٌ الفَعْلة تبقى على الأبَد. وتأبّد البعير توحّشَ. وفي الحديث: "إنّ هذه البهائم لها أوابدُ كأوابد الوحْشِ". وتأبّد المنزلُ خَلا. قال لبيد:

عفَتِ الدِّيارُ مَحلُّها فمُقامها  *** بمنىً تأبّدَ غَوْلُها فرِجامُها([6])

وقال ابنُ الأعرابي: الإبِد ذات النتاج من المال، كالأمَة والفرس والأتان، لأنهن يَضْنأن في كلّ عامٍ، أي يلدْن ويقال تأبّد وجهُه كَلِفَ.

(أبر) الهمزة والباء والراء يدلُّ بناؤها على نخس الشيء بشيءٍ محدَّد. قال الخليل: الإبرة معروفة، وبائعها أبّار. والأَبْرُ ضرب العقرب بإبرتها، وهي تأبُِرُ، والأَبْرُ إلقاح النخل، يقال أبَرَهُ أبْراً، وأبَّرَه تأبيرا. قال الخليل: والأَبْر علاج الزرع بما يُصلحه من السّقي والتعهُّد. قال طَرَفة:

ولِيَ الأصلُ الذي في مثله *** يُصلح الآبرُ زرعَ المُؤتَبِرْ([7])

المؤتبر الذي يَطلُبُ أن يقام بزرعه. قال الخليل: المآبر النّمائم، واحدها مِئبر. [قال النابغة]([8]):

وذلك من قولٍ أتاك أقولُه *** ومِنْ دَسِّ أعداءٍ إليك المآبرا([9])

ويقال إنه لذو مِئبر، إذا كان نَمَّاما. قال:

ومَن يكُ ذا مِئْبرٍ باللسا *** ن يَسْنَحْ به القولُ أو يَبْرَحِ

قال الخليل: الإبرة عُظَيْمٌ مستوٍ مع طرف الزَّند من الذراع إلى طرف الإصبع. قال:

* حيث تلاقي الإبرةُ القبيحا([10]) *

ويقال إن إبرة اللسان طرفه.

(أبز) الهمزة والباء والزاء يدلّ على القلق والسرعة وقلّة الاستقرار. قال الخليل: الإنسان يَأبِزُ في عَدْوه ويستريح ساعةً ويمضي أحياناً([11]).

قال الفرّاء: الأبَزَى والقَفَزَى اسمان من أبز الفرسُ وقَفَزَ. والأبْزُ الوثْب. قال أبو عمرو: نجِيبَة أبُوز، أي تصبر صبراً عجيباً، وقد أبَزَت تَأْبِز أبْزاً. قال:

لقد صَبَحْتُ حَملَ بنَ كُوزِ *** عُلالةً مِنْ وَكَرَى أَبُوزِ([12])

قال الشيباني: الآبز الذي يأبِز بصاحبه، أي يبغي عليه ويعرِّض به. يقال: أراك تأبِز به.

(أبس) الهمزة والباء والسين تدلّ على القهر، يقال منه أبَسَ الرجُلُ الرجُلَ، إذا قَهَره. قال:

* أُسُود هيْجا لَمْ تُرَمْ بأَبْسِ([13]) *

والأبس: كلّ مكانٍ خشنٍ. ويقال أبَسْت بمعنى حَبَسْت([14]) وتأبّس الشيءُ تغيّر. قال المتلمس:

ألم تر أنَّ الجَونَ أَصْبَحَ راسياً  *** تُطيف به الأيام لا يتأبَّسُ

ويقال هي بالياء: "لا يتأيّس"، وقد ذكر في بابه.

(أبش) الهمزة والباء والشين ليس بأصل، لأنّ الهمزة فيه مبدلة من هاء. قال ابن دريد: أبَشْتُ الشيء وهَبَشْتُه إذا جمعته.

(أبض) الهمزة والباء والضاد تدلّ على الدهر، وعلى شيء من أرفاغ البطن. الأُبْضُ([15]) الدهر وجمعه آباضٌ. قال رؤبة:

* في حِقْبةٍ عِشْنا بذاك أُبْضا *

والإباض حبلٌ يُشدّ به رسغ البعير إلى عضده، تقول أبَضْته. ويقال لباطن ركبة البعير المأبِض. وتصغير الإباض أُبَيِّض. قال:

أقول لصاحِبي والليلُ داجٍ *** أُبَيِّضَك الأسَيِّدَ لا يَضيعُ

يقول: احفظ إباضك الأسود كي لا يضيع. وقال لبيد:

كأنّ هجانَها متأبِّضاتٍ *** وفي الأقران، أصورةُ الرَّغامِ([16])

متأبِّضات: معتقَلات([17]) بالأُبُض. يقول كأنّها في هذه الحال وفي الحبال أصورة الرَّغام.

(أبط) الهمزة والباء والطاء أصل واحد، وهو إبط الإنسان أو استعارة في غيره. الإبط معروف. وتأبّطْت الشيء تحت إبطي.

قال ابن دريد: تأبّط سيفه إذا تقلّده، لأنه يصير تحت إبطه. وكلُّ شيء تقلّدته في موضع السيف فقد تأبّطته. قال الهذلي([18]):

شرِبتُ بجَمِّه وصدَرْتُ عنه *** وأبيض صارم ذَكَرٌ إباطي

قال قوم: قوله إباطي، أي هو ناحيةَ إبطي. وقال آخرون: هو إباطيٌّ نسَبَهُ إلى إبطه ثم خفّفه. والإستعارة: الإبط من الرمل، وهو أن ينقطع معظمُه ويبقى منه شيءٌ رقيقٌ منبسط متصل بالجَدَد، فمنقطع معظمه الإبط، والجمع الآباط. قال ذو الرمّة:

وحَوْمانةٍ ورقاءَ يجري سَرابُها *** بمنسحَّةِ الآباط حُدْبٍ ظهورُها([19])

(أبق) الهمزة والباء والقاف يدلُّ على إباق العبد، والتشدُّد في الأمر. أبق العبد يأبِق أَبْقاً وأَبَقاً([20]) قال الرّاجز:

أَمسِكْ بنيكَ عمرُو إنّي آبقُ *** بَرقٌ على أرضِ السّعالي آلقُ([21])

ويقال عبدٌ أبُوقٌ وأَبَّاق. قال أبو زيد: تأبّقَ الرجل استتر. قال الأعشى:

* ولكن أتاه الموتُ لا يتأبَّقُ([22]) *

وقال آخر:

ألاَ قالتْ بَهَانِ ولم تأَبّق *** نَعِمْت ولا يليقُ بك النّعيمُ([23])

قال بعضهم: يقال للرّجل إنّ فيك كذا، فيقول: "أمَا والله ما أتأبّق"، أي ما أنكِر. ويقال له يا ابنَ فلانة، فيقول: "ما أتأبّقُ منها" أي ما أنكِرُها. قال الخليل: الأبَق قِشْر القِنَّب. قال أبو زياد: الأبَق نبات تُدَقُّ سوقُه حتى يَخلُص لحاؤه، فيكون قِنَّبا. قال رؤبة:

* قُودٌ ثمانٍ مثلُ أمْراسِ الأَبَقْ([24]) *

وقال زهير:

* قد أحكِمتْ حَكَمَاتِ القِدِّ والأبَقا([25]) *

(أبك) الهمزة والباء والكاف أصل واحد، وهو السِّمَن، يقال أبِكَ الرجل، إذا سَمِنَ.

(أبل) الهمزة والباء واللام بناء على أصول ثلاثة: [على] الإبل، وعلى الاجتزاء، وعلى الثِّقل، و[على] الغلبة. قال الخليل: الإبل معروفة.

وإبل مؤبّلة جُعلت قطيعاً قطيعا، وذلك نعتٌ في الإبل خاصّة. ويقال للرجل ذي الإبل: آبل. قال أبو حاتم: الإبل يقال لمَسانِّها وصغارها، وليس لها واحدٌ من اللفظ، والجمع آبال. قال:

قد شَرِبت آبالهم بالنّارِ *** والنّار قد تَشْفِي من الأُوارِ([26])

قال ابنُ الأعرابي: رجل آبلٌ، إذا كان صاحب إبل، وأَبِلٌ بوزن فَعِل إذا كان حاذقاً برعيها، وقد أَبِل يأْبَل. وهو من آبَلِ النّاس، أي أحذقِهم بالإبل، ويقولون: "هو آبَلُ من حُنَيفِ الحَنَاتِم([27])". والإبِلات الإبل. وأَبَّل الرّجلُ كثرت إبله فهو مؤبَّل، ومالٌ مؤبَّل في الإبل خاصّة، وهو كثرتها وركوبُ بعضِها بعضاً. وفلان لا يأتَبل، أي لا يثبت على الإبل. وروى أبو عليٍّ الأصفهاني عن العامري قال: الأَبَلة([28]) كالتَّكرِمة للإبل، وهو أن تُحسِن القيام عليها، وكان أبو نخيلة يقول: "إنّ أَحقَّ الأموالِ بالأَبَلة والكِنِّ، أموالٌ تَرْقَأ الدِّماء([29])، ويُمْهَر منها النّساء، ويُعبد عليها الإله في السماء، ألبانُها شفاء، وأبوالها دواء، ومَلَكتها سناء"، قال أبو حاتم: يُقال لفلانٍ إبل، أي لـه مائة من الإبل، جُعل ذلك اسماً للإبل المائة، كهُنَيدة، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "النّاس كإبلٍ مائةٍ ليست فيها راحلة". قال الفرّاء: يقال فلان يُؤبِّل على فلان، إذا كان يُكثِّر عليه. وتأويله التفخيم والتعظيم. قال:

جَزى الله خيراً صاحباً كلما أتى  *** أقرّ ولم ينظُرْ لقول المؤبِّلِ

قال: ومن ذلك سمّيت الإبل لعظم خَلْقها. قال الخليل: بعير آبِلٌ في موضع لا يبرح يجتزئ عن الماء. وتأبّل الرجل عن المرأة كما يجتزئ الوحش عن الماء، ومنه الحديث: "تأَبَّل آدمُ عليه السلام على ابنه المقتول أيّاماً لا يُصيب حَوّاء". قال لبيد:

وإذا حرّكتُ غَرزِي أجْمَرَتْ *** أو قِرابي عَدْوَ جَوْنٍ قد أَبَلْ([30])

يعني حماراً اجتزأ عن الماء. ويقال منه أبَلَ يأْبِل ويَأْبلُ أبُولا. قال العجاج

* كأنّ جَلْداتِ المَخاض الأُبّالْ([31]) *

قال ابن الأعرابيّ: أبَلَت تأبِلُ أَبْلاً، إذا رعَتْ في الكلأ- والكلأ [الرُّطْب و([32])] اليابسُ – فإذا أكَلت الرُّطْب فهو الجَزْء. وقال أبو عبيد: إبِلٌ أوابِلُ، وأُبَّلٌ، وأبَّال، أي جوازئ. قال:

* به أَبَلَتْ شهرَيْ ربيعٍ كِلَيْهما([33]) *

قال الأصمعي: إبلٌ مُؤَبَّلةٌ كثيرة، كقولهم غنم مُغَنَّمة، وبَقَرٌ مُبَقَّرَة. ويقال هي المقْتناة. قال ابنُ الأعرابيّ: ناقة أَبِلَة، أي شديدة. ويقولون "ما له هابِلٌ ولا آبلٌ"، الهابل: المحتال المُغنى عنه، والآبل: الراعي([34]). قال الخليل في قول الله تعالى: {طَيْراً أَبابِيلَ} [الفيل 3]: أي يتبع بعضُها بعضاً، واحِدها إبّالَةٌ وإبَّوْل. قال الخليل: الأبِيل من رؤوس النصارى، وهو الأَبِيليّ. قال الأعشى:

وما أيْبُلِيٌّ على هيكلٍ *** بَنَاهُ وصَلَّبَ فيه وصارا([35])

قال: يريد أَبِيليّ، فلمّا اضطُرّ قدَّم* الياء، كما يقال أينق والأصل أَنْوُق.

قال عديّ:

إنّني واللهِ فاقْبَلْ حَلْفَتِي *** بأَبِيلٍ كلما صَلّى جَأَرْ

وقال بعضهم: تأبّل على الميت حَزِن عليه. وأبّلت الميت مثل أَبَّنْت. فأمّا قول القائل:

قَبِيلانِ، منهم خاذلٌ ما يُجيبُني *** ومُستأبَلٌ منهم يُعَقُّ ويُظْلَمُ

فيقال إنه أراد بالمستأبَل الرجل المظلوم. قال الفرّاء: الأَبَلات الأحقاد، الواحدة أَبَلة. قال العامريّ: قضى أبَلَته من كذا أي حاجته. قال: وهي خصلةُ شرٍّ ليست بخير. قال أبو زيد: يقال ما لي إليك أَبِلة بفتح الألف وكسر الباء، أي حاجة. ويقال أنا أطلبه بأَبِلة أي تِرَة. قال يعقوب: أُبْلَى موضع. قال الشماخ:

فبانَتْ بأُبْلَى ليلةً ثم ليلةً  *** بحاذَةَ واجتابتْ نوىً عَنْ نواهُما([36])

ويقال أبَل الرجل يَأبِل أَبْلاً إذا غَلَب وامتنع. والأبَلَة: الثّقل. وفي الحديث: "كلُّ مالٍ أدِّيت زكاتُه فقد ذهبت أبَلتُه". والإبَّالة: الحُزْمة من الحطب([37]).

(أبن) الهمزة والباء والنون يدلّ على الذِّكْرِ، وعلى العُقَد، وقَفْوِ الشّيء. الأُبَن: العُقَد في الخشبة. قال:

* قضيبَ سَراءٍ قليلَ الأُبَنْ([38]) *

والأُبَنُ: العَدَاوات. وفلان يُؤْبَن بكذا أي يُذَمّ. وجاء في ذكر مجلس رسول الله صلى الله عليه وآله: "لا تُؤْبَن فيه الحُرَمُ" أي لا تُذْكَرُ([39]). والتأبين: مَدْحُ الرجل بعد موته. قال:

لعمري وما دَهري بتأبينِ هالكٍ *** ولا جَزِعاً مِمّا أصابَ فأوجَعا([40])

وهذا إبّانُ ذلك أي حِينُه. وتقول: أَبّنْتُ أثَرَه، إذا قفوتَه، وأبّنْت الشيءَ رقَبْته. قال أوس([41]):

يقولُ له الراؤون هَذاكَ راكبٌ *** يُؤبِّنُ شخصاً فوقَ علياءَ واقفُ

(أبه) الهمزة والباء والهاء يدلّ على النباهة والسموّ. ما أَبَهْتُ به أي لم أعلم مكانه ولا أَنِسْت به والأُبَّهَة: الجلال.

(أبو) الهمزة والباء والواو يدلّ على التربية والغَذْو. أبَوْتُ الشيء آبُوه أَبْواً إذا غذوته. وبذلك سمّي الأب أباً. ويقال في النسبة إلى أبٍ أبَوِيّ. وعنزٌ أبواءُ، إذا أصابها وجعٌ عن شمِّ أبوال الأرْوَى. قال الخليل: الأبُ معروف، والجمع آباء وأبُوّةٌ. قال:

أحاشِي نزارَ الشّامِ إنّ نِزَارَها  *** أبُوَّةُ آبائي وَمِنِّى عميدُها

قال: وتقول: تأبّيْتُ أباً، كما تقول تَبَنَّيْتُ ابْناً وتَأَمّهْتُ أمّاً. قال:

ويجوز في الشِّعر "هذان أباك" وأنت تريد أبَوَاك، و"رأيت أبيك" يريد أبويك. قال:

* وهْوَ يُفَدَّى بالأبِينَ والخالْ([42]) *

ويجوز في الجمع أبُونَ. وهؤلاء أبوكم أي آباؤكم. أبو عبيد: ما كنتَ أباً ولقد أَبَيْتَ أبوّة. وأَبَوْتُ القوم أي كنتُ لهم أباً. قال:

نؤمُّهمُ ونأْبُوهُمْ جميعاً *** كما قُدَّ السُّيُورُ من الأديمِ

قال الخليل: فلانٌ يَأْبُو اليتيمَ، أي يغذو كما يغذو الوالد ولده.

(أبي) الهمزة والباء والياء يدلّ على الامتناع. أبيت الشيء آباهُ، وقوم أَبيُّونَ وأباةٌ. قال:

* أبيّ الضّيْمِ من نَفَرٍ أباة *

والإباء: أن تعرض على الرجل الشيءَ فيأبَى قبولَه، فتقول ما هذا الإباءُ، بالضم والكسر. العرب ما كان من نحو فَعَل يَفْعَل([43]). والأبِيّة من الإبل: الصّعبة. قال اللِّحيانيُّ: رجلٌ أبَيَانٌ إذا كان يأبَى الأشياء([44])، وماءٌ مأباةٌ على مثال مَعْباةٍ، أي تأباه الإبل. قال ابنُ السكِّيت: أَخذَهُ أباءٌ إذا كأن يأبى الطّعامَ. قال أبو عمرو: الأوابي من الإبل الحِقاق والجِذَاع والثُِّناء([45]) إذا ضربها الفحل فلم تلقح، فهي تسمّى الأوابي حتّى تلقح مرّة، ولا تسمّى بعد ذلك أوابي، واحدتها آبيَةٌ. ولا يبعد أن يكون الأُباء من هذا القياس، وهو وجعٌ يأخذ المِعْزَى عن شمّ أبوَال الأرْوَى. قال:

فقلتُ لكَـنّازٍ تركَّلْ فإنَّهُ *** أُباً لا إخالُ الضَّأْنَ منه نواجِيا([46])

الأَباء: أطراف القصب، الواحدة أَباءَة، ثم قيل للأَجَمَة أبَاءَةٌ، كما قالوا للغَيضَة أَرَاكةٌ. قال:

وأَخُو الإباءةِ إذْ رأى خُلاّنَهُ  *** تَلَّى شِفاعاً حولَه كالإذْخِرِ([47])

ويجوز أن يكون أراد بالأباءَة الرِّماح، شبَّهها بالقَصب كثرةً([48]). قال :

مَنْ سَرَّهُ ضَرْبٌ يُرعْبِلُ بَعْضُه *** بعضاً كمعمعةِ* الأَباءِ المُحْرَقِ([49])

ــــــــــــــــــ

([1]) يقال أبت يأبت، كيضرب ويدخل، وأبت بكسر الباء.

([2]) البرك: الإبل الكثيرة. وفي الأصل: "بزل"، وأراه تحريفاً. قال طرفة:

وبرك هجود قد أثارت مخافتي  *** نواديها أمشي بغضب مجرد

([3]) الرجز لأبي زرارة النصري كما في اللسان (2: 415).

([4]) وذكر في الجمهرة (3: 199) من هذه المادة "أبث الرجل بالرجل، إذا سبه عنه السلطان خاصة".

([5]) في الأصل: "أباي"

([6]) الغول والرجام: موضعان. والبيت مطلع معلقة لبيد.

([7]) في الأصل: "في الذي مثله"، صوابه في الديوان 67.

([8]) التكملة من اللسان (5: 59).

([9]) في اللسان والديوان 40: "ومن دس أعدائي".

([10]) لأبي النجم كما في اللسان (3: 387). والقبيح: طرف عظم المرفق.

([11]) في الأصل "إحسانا".

([12]) لجران العود، كما في اللسان (أبز) وديوان جران العود 52.

([13]) للعجاج. وأنشده في الجمهرة (3: 205). وفي اللسان: * وليث غاب لم يرم بأبس *

([14]) هذا المعنى لم يرد في اللسان.

([15]) ضبط في الأصل ضبط قلم بالفتح. وقيده في اللسان "بالضم".

([16]) الأصورة: جمع صوار، وهو القطيع من بقر الوحش. والرغام، بالفتح: رملة بعينها.

([17]) في الأصل: "متعقلات" تحريف. وفي اللسان "معقولات".

([18]) هو المتنخل الهذلي، كما في الجمهرة (3: 207) واللسان (9: 121/ 11: 29) والقسم الثاني من مجموع أشعار الهذليين ص89.

([19]) الورقاء: الغبراء تضرب إلى السواد، كما في شرح ديوان ذي الرمة ص309. وفي الأصل: "زرقاء" تحريف. والمنسحة: التي تنسح آباطها وتعرق.

([20]) في اللسان: "أبقا وإباقا" وضبط ضبط قلم بضم الباء وكسرها مع فتح باء الماضي. وفي الجمهرة والمجمل: أبق يأبق، وأبق يأبق من بابي ضرب وتعب.

([21]) ينسب إلى "السعلاة" الخرافية زوج عمرو بن يربوع. انظر نوادر أبي زيد 147 والفصول والغايات 210 والحيوان (6: 197).

([22]) صدره كما في الديوان ص146 واللسان (11: 283):

* فذاك ولم يعجز من الموت ربه *

([23]) البيت في نوادر أبي زيد 16 منسوباً إلى غامان بن كعب. ورواية اللسان (11: 283) "كبرت ولا يليق". وبهان: اسم امرأة مثل حذام. وسيأتي في (بهن).

([24]) قود: جمع أقود وقوداء. والبيت في ديوان رؤبة 104.

([25]) صدره كما في الديوان ص49:

* القائد الخيل منكوباً دوابرها *

([26]) في اللسان (7: 102) "أي سقوا إبلهم بالسمة، إذا نظروا في سمة صاحبه عرف صاحبه فسقى وقدم على غيره لشرف أرباب تلك السمة، وخلوا لها الماء".

([27]) حنيف الحناتم. رجل من بني تيم اللات بن ثعلبة. انظر الميداني.

([28]) كذا ضبطت في اللسان. وفي الأصل "الآبلة" في هذا الموضع فقط.

([29]) ترقأ الدماء: أي تحقنها وتسكنها. وهو نظير الحديث: "لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة"، أي إنها تعطى في الديات بدلاً من القود. وفي الأصل "ترقاء للدماء".

([30]) أجمرت، بالراء المهملة: أسرعت وعدت. وفي الأصل "أجمزت" وهو خطأ. وقد أنشد البيت في اللسان (5: 218) وقال: "ولا تقل أجمز بالزاي".

([31]) أنشده في اللسان (جلد) وقال: "وناقة جلدة لا تبالي البرد" وبعده كما في ملحق ديوان العجاج 86: * ينضحن من حمأته بالأبوال *

([32]) تكملة بها يستقيم الكلام. وفي اللسان: "والكلأ مهموز مقصور: ما يرعى. وقيل الكلأ العشب رطبه ويابسه".

([33]) البيت لأبي ذؤيب في ديوان الهذليين (1: 23) واللسان (13: 23). وتمامه :

* فقد مار فيها نسؤها واقترارها *

([34]) انظر اللسان (هبل) ص211.

([35]) الديوان واللسان (صلب، صور، أبل). صلب: اتخذ صليباً. وصار: صور، عن أبي علي الفارسي. قال ابن سيده: "ولم أرها لغيره". وفي شرح ديوان الأعشى ص40: "وصارا: سكن".

([36]) ديوان الشماخ 89. وحاذة: موضع.

([37])وقد تبدل الباء الأولى ياء فيقال في المثل:" ضغث على إيبالة" أي بلية على أخرى كانت قبلها.

([38]) السراء: شجر تتخذ منه القسي، والبيت للأعشى. وصدره كما في الديوان ص21 واللسان (16: 140):

* سلاجم كالنخل أنحى لها *

([39]) في اللسان: "أي لا ترمى بسوء ولا تعاب ولا يذكر منها القبيح وما لا ينبغي مما يستحى منه".

([40]) من قصيدة لمتمم بن نويرة في المفضليات (2: 65).

([41]) يصف حماراً كما في اللسان (16: 141) والديوان ص16.

([42]) صدره كما في اللسان (18: 7) :

* أقبل يهوي من دوين الطربال *

([43]) كذا وردت العبارة. وفي اللسان: "قال الفراء: لم يجئ عن العرب حرف على فعل يفعل مفتوح العين في الماضي والغابر إلا وثانيه أو ثالثه أحد حروف الحلق، غير أبى يأبى فإنه جاء نادراً".

([44]) أبيان، بالتحريك. قال المجشر الباهلي:

وقبلك ما هاب الرجل ظلامتي *** وفقأت عين الأشوس الأبيان

([45]) تقرأ بضم الثاء وكسرها مع المد. ورسمت في الأصل: "الثنى".

([46]) البيت لابن أحمر كما في اللسان (دكل، أبي) وتركل، بالراء. وفي الأصل: "توكل" تحريف. ويروى: "تدكل" بالدال، وهما بمعنى.

([47]) البيت لأبي كبير الهذلي، كما في اللسان (10: 49) وديوان الهذليين 63 نسخة الشنقيطي. قال في اللسان: "شبههم بالإذخر لأنه لا يكاد ينبت إلا زوجاً زوجا".

([48]) في الأصل "كره".

([49]) البيت لكعب بن مالك الأنصاري، كما في اللسان (18: 5).

 

ـ (باب الهمزة والتاء وما يثلثهما)

(أتل) الهمزة والتاء واللام يدلّ على أصل واحد، وهو البطءُ والتّثاقل. قال أبو عبيد: الأَتَلانُ تقارب الخَطْو في غَضَبٍ، يقال: أَتَلَ يَأْتِلُ، وأَتَنَ يَأْتِنُ: وأنشد:

أرانِيَ لا آتيكَ إلاّ كأنّما *** أَسَأْتُ وإلاّ أنتَ غضبانُ تَأتِلُ([1])

وهو أيضاً مشيٌ بتثاقل. وأنشد:

مَالكِ يا ناقة تَأْتِلِينا  *** عليَّ بالدَّهناءِ تَأْرَخِينا([2])

قال أبو علي الأصفهانيّ: أَتَلَ الرجل يَأتِل أُتُولاً، إذا تأخر وتخلّفَ. قال:

* وقد ملأت بطنَه حَتى أَتَلْ([3]) *

(أتم) الهمزة والتاء والميم يدلُّ على انضمام الشيء بعضِه إلى بعض، الأتَم في الخُرَزِ أن تتفتق خُرْزتان فتصيرا واحدةً. ومنه المرأَة الأَتُوم وهي المُفْضاةُ التي صار مَسْلكاها واحداً، قال أبو عمرو: الأُتُم لغة في العُتُم، وهو شجر الزّيتون. ويقال: أَتَم بالمكان، إذا ثوى، ويقال الأتَم الثواءُ([4])، والمأْتَم: النِّساءُ يجتمعن في الخير والشرّ، كذا قال القُتَبيّ، وأنشد:

رَمَتْهُ أَنَاةٌ مِنْ رَبيعةِ عَامِرٍ *** نَؤُومُ الضُّحَى في مأتَم أيِّ مَأْتَمِ([5])

يريد في نساءٍ أيّ نساءٍ. وقال رؤبةُ:

إذا تَدَاعَى في الصِّمادِ مأتمُهْ *** أَحَنَّ غِيراناً تنادى زُجَّمُه([6])

شبّه البُوم بنساءٍ يَنُحْنَ. وقوله: أحنَّ غيراناً، يريدُ أن البُوم إذا صوّتَتْ أحنّتْ الغِيرانَ بمجاوَبَة الصدى، وهو الصَّوت الذي تسمعه من الجبل أو الغارِ بَعْدَ صوتِك.

(أتن) الهمزة والتاء والنون أصل واحد، وهو الأنثى من الحُمُر، أو شيءٌ استعير لـه هذا الاسم. قال الخليل: الأتان معروفة، والجمع الأتُن. قال ابن السكّيت: هذه أتانٌ وثلاثُ آتُنٍ، والجمع أُتُن وأُتْن بالتخفيف ولا يجوز أتانة، لأنّه اسم خصّ به المؤنّث. قال أبو عبيد: استأتن فلانٌ أتاناً أي اتّخذها. واستأتن الحمارُ: صار أتاناً بعد أن كان حماراً. والمأتُوناء: الأُتُن. وأَتَانُ الضَّحْلِ: صخرةٌ كبيرةٌ تكون في الماء القليلِ يَركبُها الطُّحْلُبُ. قال أوس:

بِجَسْرَةٍ كَأَتانِ الضَّحْلِ صَلَّبَها  *** أكْلُ السّوَادِيِّ رَضُّوهُ بـمِرْضاحِ([7])

قال يونس: الأتان مَقامُ المستَقِي على فم الرّكيّة. قال النَّضْر: الأتان: قاعدة الهودج([8])، والجمع الأتُن، قال أبو عُبيد: الأَتَنَانُ تقارُب الخطو في غَضَب، يقال أَتَنَ يَأْتِن. وهذا ليس من الباب، لأنّ النون مبدلةٌ من اللام، والأصل الأتَلان. وقد مضى ذِكره([9]).

(أته) الهمزة والتاء والهاء، يقال إنّ التأتُّه الكِبْر والخيَلاء.

(أتو) الهمزة والتاء والواو والألف والياء يدلُّ على مجيء الشيء وإصحابِه وطاعَتِه. الأَتْو الاستقامة في السّير، يقال أتَا البعيرُ يأْتُو. قال:

توكَّلْنَ واستَدْبَرْنَه كيف أَتْوُه *** بها رَبِذاً سَهْوَ الأراجيح مِرْجَما([10])

ويقال ما أحسن أَتْوَ يدَيْها في السير. وقال مزاحم:

فلا سَدْوَ إلا سَدْوُهُ وهو مدبرٌ *** ولا أَتْوَ إلا أَتْوُهُ وهو مقبلُ

وتقول العرب: أتَوْتُ فلانا بمعنى أتيته. قال([11]):

يا قَوم مَالِي وأبَا ذُؤيبِ *** كُنْتُ إذَا أتَوْتُهُ مِنْ غَيْبِ

قال الضّبيّ: يقال للسِّقاء إذا تمخّض قد جاء أتْوُهُ. الخليل: الإتاوة الخَراج، والرِّشوة، والجَعالة، وكلُّ قسمةٍ تقسم على قوم فُتجْبَى كذلك. قال:

* يُؤَدُّون الإتاوةَ صاغرينا *

وأنشد:

وفي كلِّ أسْواقِ العِراقِ إتاوَةٌ  *** وفي كل ما باع امرؤٌ مَكْسُ درْهَمِ([12])

 قال الأصمعيّ: يقال أتوْته أتْواً: أعطيتُه الإتاوة.

(أتي) تقول: أتاني فلانٌ إتْياناً وأَتْياً وأَتْيَةً وأَتْوَةً واحدة، ولا يقال إتيانةً واحدة إلا في اضطرارِ شاعر، وهو قبيح لأنّ المصادر كلها إذا جعلت واحدةً رُدّت إلى بناءِ فعلِها، وذلك إذا كان الفِعْل على فعل، فإذا دخلت في الفعل زياداتٌ فوقَ ذلك أُدخِلت فيها زياداتُها في الواحدة، كقولنا إقبالةً واحدة. قال شاعرٌ في الأتْيِ:

إنّي وأَتْيَ ابنِ غَلاَّقٍ ليَقْريَنِي *** كغابِطِ الكَلْبِ يَرْجُو الطِّرْقَ في الذَّنَبِ([13])

وحكى اللِّحيانيّ إتْيَانَة. قال أبو زيد: يقال تِني بفلان: أئتني، وللاثنين تِياني به، وللجمع تُوني به، وللمرأة تيني به، وللجمع تِينَني. وأتيت الأمرَ منْ مأتاهُ ومأْتاتهِ. قال:

وحاجةٍ بتُّ على صِماتِها([14]) *** أتيتُها وَحْدِيَ مِنْ مأتاتها([15])

قال الخليل: آتَيت فلاناً* على أمره مؤاتاةً، وهو حُسْن المطاوعة. ولا يقال واتَيْتَهُ إلا في لغة قبيحةٍ في اليمن. وما جاء من نحو آسيت وآكلت وآمرت وآخيت، إنما يجعلونها واواً على تخفيف الهمزة في يُوَاكل ويُوَامر ونحو ذلك. قال اللِّحيانيّ: ما أتيتَنا حَتّى استأتيناك، أي استبْطَأناك وسألناكَ الإتيان. ويقال تأتَّ لهذا الأمر، أي ترفَّقْ له. والإيتاء الإعطاء، تقول آتى يؤتي إيتاء. وتقول هاتِ بمعنى آتِ أي فاعِلْ، فدخلت الهاء على الألف. وتقول تأتىّ لفلانٍ أمرُه، وقد أتّاه الله تأْتيةً. ومنه قوله:

* وتأتى له الدَّهْرُ حَتّى جَبَرْ *

وهو مخفف من تأتّى. قال لَبيد:

* بمؤتَّرٍ تَأْتَى لَهُ إبهامُها([16]) *

قال الخليل: الأتيّ ما وقع في النّهر من خشبٍ أوْ وَرَق ممّا يَحبِس الماء. تقول أَتِّ لهذا الماء أي سهّل جَرْيَهُ. والأتِيّ عند العامة: النهر الذي يجري فيه الماء إلى الحوض، والجمع الأُتِيُّ والآتاءُ. والأَتِيُّ أيضاً: السَّيل الذي يأتي من بلدٍ غيرِ بلدك. قال النابغة:

خَلَّتْ سَبيلَ أتِيٍّ كانَ يحبِسُه  *** وَرَفّعَته إلى السَّجْفَينِ فالنَّضَدِ

قال بعضهم: أراد أتِيّ النُّؤى، وهو مَجراهُ، ويقال عَنَى به ما يحبِس المجرى من ورقٍ أو حشيش. وأتْيت للماء تأتيةً إذا وجَّهت له مَجْرىً. اللِّحيانيّ: رجل أَتِيٌّ إذا كان نافذاً. قال الخليل: رجلٌ أتيٌّ، أي غريبٌ في قومٍ ليس منهم. وأَتاوِيٌّ كذلك. وأنشد الأصمعي:

لا تَعدِلَنَّ أتاويِّينَ تضرِبُهُمْ *** نكْباءُ صِرٌّ بأصحَاب المُحِلاّتِ([17])

وفي حديث ثابت بن الدّحْدَاح([18]): "إنما هو أتِيٌّ فينا". والإتاء: نَماء الزّرع والنخل. يقال نخلٌ ذو إتاءٍ أي نماء. قال الفرّاء: أتَتِ الأرضُ والنخلُ أتْواً، وأتى الماءُ إتاءً، أي كثُر. قال:

وبعضُ القول ليس لـه عِناجٌ *** كسَيْل الماء ليس لـه إتاءُ([19])

وقال آخر:

هنالك لا أبالي نَخْلَ سَقْيٍ *** ولا بَعْلٍ وإنْ عظُمَ الإتاءُ([20])

(أتب) الهمزة والتاء والباء أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يشتمل به الإبط، قميصٌ غير مَخِيط الجانبين. قال امرؤ القيس:

مِنَ القاصِرات الطّرف لو دَبَّ مُحْوِلٌ *** من الذَّرِّ فوقَ الإتْبِ منها لأَثّرَا

قال الأصمعيّ: هو البقيرة، وهو أنْ يُؤخَذ بُردٌ فيشقّ، ثم تُلقيه المرأةُ في عُنُقها من غير كُمَّينِ ولا جَيْب. قال أبو زيد: أتَّبْت المرأةُ أُؤَتِّبُها إذا ألبستَها الإتْب. قال الشيبانيّ: التأتُّبُ أن يجعل الرّجلُ حِمالةَ القَوس في صدره ويُخرِجَ مَنكِبيه منها فتصيرَ القوسُ على كَتفيه. قال النُّميريّ: المِئْتَبُ المِشْمَل وقد تأتّبَه إذا ألقاه تحت إبطه ثم اشتمل. ورجل مُؤَتَّب الظهر، ويقال مُؤْتَبٌ، أي أجنَؤُهُ. قال:

* على حَجَليٍّ راضعٍ مُؤْتَبِ الظَّهْرِ *

ــــــــــــــــ

([1]) البيث لثروان العكلي، كما في اللسان (أتل).

([2]) أرخ إلى مكانة يأرخ أروخا: حن إليه، وفي الأصل: "تادخينا" محرف.

([3]) الرجز في نوادر أبي زيد 49 واللسان (أتل).

([4]) في الأصل "التوى" بالتاء المثناة.

([5]) انظر أدب الكاتب 22. والبيت لأبي حية النميري كما في الاقتضاب 293 واللسان (أتم).

([6]) الصماد: جمع صمد، وهو ما غلظ من الأرض. والغيران: جمع غار. وزجم: جمع زاجم، وهو الذي يصوت صوتاً لا تفهمه. وفي الأصل: "تنازجمه" صوابه من الديوان ص151.

([7]) البيت مع نظائره في اللسان (16: 144).

([8]) الذي في اللسان: "قاعدة الفودج" بالفاء. والفودج: الهودج، وقيل أصغر من الهودج.

([9]) انظر ما مضى  ص47 س3.

([10]) السهو: اللين. والأراجيح: اهتزاز الإبل في رتكانها. وفي الأصل: "المراجيح" صوابه في اللسان

(3: 271). ورواية عجزه فيه:

* على ربذ سهو الأراجيح مرجم *

([11]) هو خالد بن زهير الهذلي، كما في اللسان (18: 18) يقوله لأبي ذؤيب الهذلي، كما في ديوان الهذليين ص(1: 165) من القسم الأول طبع دار الكتب.

([12]) هو البيت 17 من المفضلية 42.

([13]) البيت لرجل من بني عمرو بن عامر يهجو قوماً من بني سليم، كما في اللسان (غبط) وانظر الحيوان (2: 169) والميداني (2: 20)

([14]) في الأصل: "مؤتاتها" صوابه ما أثبت من اللسان (18: 15).

([15]) على صماتها، بالكسر: أي على شرف قضائها. والبيت في اللسان (2: 361/18: 15).

([16]) ويروى: "تأتاله" من قولك ألت الأمر أصلحته. وصدره في المعلقة:

* بصبوح صافية وجذب كرينة *

([17]) روايات البيت وتخريجاته في حواشي الحيوان (5: 97) وسيأتي في (نكب).

([18]) في اللسان: "وروي أن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عاصم بن عدي عن ثابت بن الدحداح وتُوُفِّي: هل تعلمون له نسباً فيكم؟ فقال: لا، إنما هو أتيّ فينا. قال: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بميراثه لابن أخته".

([19]) رواية اللسان: (عنج، أني) "كمخض الماء".

([20]) السقي: ما شرب بماء الأنهار والعيون الجارية. والبعل، ما رسخت عروقه في الماء فاستغنى عن أن يسقي. والبيت لعبد الله بن رواحة الأنصاري كما في اللسان (بعل، أتى، سقى). قال ابن منظور: "عنى بهنالك موضع الجهاد. أي أستشهد فأرزق عند الله فلا أبالي نخلاً ولا زرعا".

 

ـ (باب الهمزة والثاء وما يثلثهما)

(أثر) الهمزة والثاء والراء، لـه ثلاثة أصول: تقديم الشيء، وذكر الشيء، ورسم الشيء الباقي. قال الخليل: لقد أثِرْتُ بأن أفعل كذا، وهو همٌّ في عَزْم. وتقولُ افعل يا فلان هذا آثِراً ما، وآثِرَ [ذي] أثير، أي إنْ اخترتَ([1]) ذلك الفعل فافعلْ هذا إمّا لا. قال ابنُ الأعرابيّ: معناه افعلْه أوّلَ كلِّ شيء. قال عُروة بن الورد:

وقالوا ما تَشاءُ فقلتُ ألهُو *** إلى الإصباح آثِرَ ذي أثيرِ

والآثِر بوزن فاعل. وأمّا حديث عمر: "ما حَلَفتُ بعدها آثِراً ولا ذاكراً" فإنه يعني بقوله آثِراً مُخْبِراً عن غيري أنه حَلَف به. يقول لم أقل إنّ فلاناً قال وأبي لأفعلنّ. من قولك أثَرْتُ الحديثَ، وحديثٌ مأثور. وقوله: "ولا ذاكرا" أي لم أذكُرْ ذلك عن نفسي. قال الخليل: والآثِر الذي يؤثِّرُ خُفّ البعير([2]). والأثير من الدوابّ: العظيم الأثر في الأرض بخُفّهِ أو حافِرِه.

قال الخليل: والأثَر بقيّة ما يُرَى من كلّ شيء وما لا يرى بعد أن تبقى فيه علقة . والأَثَار الأثَر، كالفلاح والفَلَح، والسَّداد والسَّدَد. قال الخليل: أثَر السَّيف ضَرْبته. وتقول: "من يشتري سَيْفي وهذا أَثَرُه" يضرب للمُجرَّب المخْتَبَر. قال الخليل: المئثرة مهموز: سكين يؤثَّر بها في باطن فِرْسِنِ البَعير([3])، فحيثما ذهَب عُرِف بها* أثَرُه، والجمع المآثر. قال الخليل: والأثَر الاستقفاء والاتّباع، وفيه لغتان أثَر وإثْر. ولا يشتقّ من حروفه فعلٌ في هذا المعنى، ولكن يقال ذهبت في إثرِه. ويقولون: "تَدَعُ العَيْنَ وتَطْلُبُ الأثَر" يضرب لمن يترك السُّهولة إلى الصُّعوبة. والأثير: الكريم عليك الذي تُؤْثِره بفَضْلك وصِلَتك. والمرأة الأثيرة، والمصدر الأثَرَة، تقول عندنا أَثَرَةٌ. قال أبو زَيد: رجل أثيرٌ على فَعيل، وجماعة أَثِيرُونَ، وهو بيّن الأثَرة، وجمع الأثير

أُثَراءُ([4]). قال الخليل: استأثر الله بفلانٍ، إذا مات وهو يُرجى لـه الجنّة([5]) وفي الحديث : "إذا استأثر اللهُ بشيءٍ فَالْهَ عنه" أي إذا نهى عن شيءٍ فاتركْه. أبو عمرو بن العلاء: أخذت ذلك بلا أثَرَهٍ عليك، أي لم أستأثِر عليك. ورجلٌ أثُرٌ على فَعُلٍ([6])، يستأثر على أصحابه. قال اللِّحيانيّ: أخذتُه بِلاَ أُثْرَى عليك. وأنشد:

فقلت له يا ذئبُ هل لَكَ في أخٍ *** يُواسي بلا أُثْرَى عَليك ولا بُخْلِ([7])

وفي الحديث: "سترون بعدي أَثَرَةً" أي [مَنْ] يستأثرون بالفَيء. قال ابنُ الأعرابيّ: آثرتُه بالشيء إيثاراً، وهي الأَثَرَة والإثْرَة، والجمع الإثَر. قال:

لم يُؤْثروكَ بها إذ قدَّمُوكَ لها *** لا بَلْ لأنفُسهم كانت بك الإثَرُ([8])

والأَثَارة: البقية من الشيء، والجمع أثارات، ومنه قوله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف 4]. قال الأصمعيّ: الإِبلُ على أَثارةٍ، أي على شحمٍ قديم. قال:

وذاتِ أَثَارةٍ أكلَتْ عليها  *** نَباتاً في أَكِمَّتِهِ تُؤَامَا([9])

قال الخليل: الأَثْرُ في السيف شبه الذي يقال لـه الفِرنْد، ويسمّى السيفُ مأثوراً لذلك. يقال منه أَثَرْتُ السيف آثُرُهُ أَثْراً إذا جلَوْتَه حتى يبدُوَ فِرِنْدُه. الفرّاء: الأثر مقصور([10]) بالفتح أيضاً. وأنشد:

جلاها الصّيْقلونَ فأبْرَزُوها *** فجاءت كلُّها يَتَقِي بأَثْرِ([11])

قال: وكان الفرّاء يقول: أَثَرُ السيف محرّكة، وينشد:

كأنّهُمْ أسْيُفٌ بِيضٌ يمانِيَةٌ *** صَافٍ مضاربُها باقٍ بها الأَثَرُ([12])

قال النَّضر: المأثورة من الآبار التي اخْتُفِيت قَبلَك([13]) ثم اندفَنتْ ثم سَقَطْتَ أنت عليها، فرأيْتَ آثار الأرْشيةِ والحِبال، فتلك المأثورةُ. حكى الكلبيّ أثِرْت بهذا المكان أي ثبتُّ فيه. وأنشد:

فإنْ شئتَ كانَتْ ذِمَّةُ الله بيننا *** وأعْظَمُ مِيثاقٍ وعَهْدُ جِوارِ

مُوادعةً ثم انصرفْتُ ولم أدَعْ *** قَلُوصِي ولم تَأْثَرْ بسُوءِ قَرَارِ

قال أبو عمرو: طريق مأثورٌ، أي حديث الأثَر. قال أبو عُبيد:

إذا تخلَّص اللبَن من الزُّبد([14]) وخَلَص فهو الأُثْر. قال الأصمعيّ: هو الأُثْر بالضم. وكسَرَها يعقوبُ. والجمع الأُثُور. قال:

وتصدُرُ وهي راضيةٌ جميعاً *** عَنَ امري حين آمُرُ أو أُشِيرُ

وأنت مؤخَّرٌ في كلِّ أمرٍ *** تُوَارِبُكَ الجَوازِمُ والأُثُورُ

تواربك أي تَهُمُّك، من الأَرَب وهي الحاجة. والجوازم: وِطابُ اللبن المملوّة.

(أثف) الهمزة والثاء والفاء يدلّ على التجمُّع والثَّبات. قال الخليل: تقول تأَثَّفت بالمكان تأثُّفاً، أي أقمتُ به، وأَثَفَ القومُ يَأْثِفون أَثْفاً، إذا استأخروا وتخلَّفوا. وتأثَّف القوم اجتمعوا. قال النابغة:

* ولو تأثَّفَكَ الأعداءُ بالرِّفَدِ([15]) *

أي تكنَّفُوك فصاروا كالأثافيّ. والأثفيّة هي الحجارة تُنصَب عليها القِدْر، وهي أفْعُولة من ثَفّيت، يقال قِدْرٌ مُثَفّاة. ويقولون مؤثَّفة، والمُثَفّاة أعرف وَأعمّ. ومَن العرب من يقول مُؤَثْفَاةٌ بوزن مُفَعْلاة في اللفظ، وَإنما هي مُؤَفْعَلة، لأنّ أَثْفَى يُثْفَى على تقدير أفعل يُفعَل، ولكنّهم ربما تركوا ألف أفعل يُؤَفْعَل، لأنّ أفعل أخرِجت من حدّ الثلاثي بوزن الرباعي.

وقد جاء: كِساءٌ مُؤَرْنَبٌ، أثبتوا الألفَ التي كانت في أرنب، وهي أفعل، فتركوا في مُؤفعل همزة. ورجل مُؤَنْمَل للغليظ الأنامل. قال:

* وصالياتٍ كَكَما يُؤَثْفيْن([16]) *

قال أبو عبيد: يقال الإثفيّة أيضاً بالكسرة. قال أبو حاتم: الأثافيّ كواكبُ بحيال رأس القِدْر([17])، كأثافي القِدْر. والقِدْر أيضاً كواكبُ مستديرة. قال الفرّاء: المثفّاة سِمَةٌ على هيئة الأثافيّ*. ويقال الأثافيّ أيضاً. قال: ويقال امرأةٌ مُثَفّاة أي مات عنها ثلاثة أزواج، ورجل مثَفّىً تزوج ثلاثَ نسوة. أبو عمرو: أثَفَه يأثِفُه طلَبَه. قال:والأثِف الذي يتبع القوم، يقال مرّ يَأثِفُهم ويُثَفِّيهم، أي يتبعهم. قال أبو زيد: أثَفَه يأثِفُهُ طردَه. قال ابنُ الأعرابي: بَقِيَتْ من بني فُلانٍ أُثْفِيّةٌ خَشْناء، إذا بقي منهم عددٌ كثير وجماعة عزيزة. قال أبو عمرو: المؤثَّفُ من الرِّجال القصير العريض الكثير اللحم. وأنشد:

ليس من القُرّ بمُسْتَكِينِ *** مؤَثَّفٍ بلَحْمه سَمِينِ

(أثل) الهمزة والثاء واللام يدلُّ على أصْلِ الشيءِ وتجَمُّعِه.قال الخليل: الأَثْل شجرٌ يُشبه الطَّرْفاء إلا أنه أعظمُ منه وأجود عُوداً منه، تُصنَع منه الأقداحُ الجِياد. قال أبو زياد: الأثْل من العِضاهِ طُوَالٌ في السماء، لـه هدَب طُوالٌ دُقَاقٌ لا شوكَ له. والعرب تقول: "هو مُولَعٌ بنحْتِ أَثْلَتِه" أي مُولَعٌ بثَلْبِهِ وشَتْمه. قال الأعشى:

ألَسْتَ مَنْتَهِياً عن نحتِ أثلتِنا *** وَلَسْتَ ضائِرَها ما أطَّتِ الإبلُ([18])

قال الخليل: تقول أَثَّلَ فلانٌ تأثيلاً، إذا كثر مالُه وحسُنَتْ حالُه. والمتأثِّل: الذي يجمع مالاً إلى مال. وتقول أثَّل الله مُلْكَك أي عظَّمه وكثّره. قال:

* أثَّلَ مُلْكاً خِنْدِفيّاً فَدْغَما([19]) *

قال أبو عمرو: الأثال المَجْد أو المال. وحكاها الأصمعيّ بكسر الهمزة وضمّها وأثَلَة كلِّ شيءٍ أصلُه. وتأثّلَ فلانٌ اتخّذ أصلَ مالٍ. والمتأثِّل من فروع الشجر الأثيث. وأنشد:

والأصلُ ينبُتُ فَرْعُهُ متأثِّلاً *** والكفُّ ليسَ بَنَانُها بسَواءِ

قال الأصمعيّ: أثّلْتُ عليه الدُّيونَ تأثيلاً أي جمعتها عليه، وأثّلتْهُ برجال أي كثَّرْتُه بهم. قال الأخطل:

أَتَشْتُمُ قوماً أثّلوكَ بنَهْشَلٍ *** ولولا همُ كنتمْ كعُكْلٍ مَوالِيَا([20])

ويقال تأثَّلْتُ للشّتاء أي تأهَّبت له. قال أبو عبيدة: أُثال اسم جبل. قال ابنُ الأعرابيّ في قوله:

تُؤَثِّلُ كَعبٌ عليّ القضاءَ *** فرَبّي يُغَيِّرُ أعمالَها([21])

قال: تؤثِّلُ، أي تلزمنيه. قال ابنُ الأعرابيّ والأصمعيّ: تأثلت البئر حفرتها. قال أبو ذؤيب:

وقد أرْسَلُوا فُرَّاطَهُمْ فتأثَّلُوا *** قَلِيباً سَفَاهَا كالإماءِ القَواعِدِ([22])

وهذا قياسُ الباب، لأنّ ذلك إخراج ما قد كان فيها مؤثَّلا.

(أثم) الهمزة والثاء والميم تدلُّ على أصلٍ واحد، وهو البطء والتأخُّر. يقال ناقة آثِمةٌ أي متأخِّرة. قال الأعشى:

* إذا كَذَبَ الآثِماتُ الهَجِيرا([23]) *

والإثم مشتقٌّ من ذلك، لأنَّ ذا الإثمِ بطيءٌ عن الخير متأخّر عنه. قال الخليل: أثِمَ فلانٌ وقع في الإثم، فإذا تَحَرَّج وكَفّ قيل تأثّم كما يقال، حَرِجَ([24]) وقع في الحَرج، وتحرّج تباعد عن الحَرَج. وقال أبو زيد: رجل أثيمٌ أثُومٌ. وذكر ناسٌ عن الأخفش- ولا أعلم كيف صحّتُه- أنّ الإثم الخمر، وعلى ذلك فسّر قولـه تعالى: {قُلْ إنّما حَرَّمَ رَبِّيَ الفَوَاحِشَ ما ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ والإثْمَ} [الأعراف 33]. وأنشد:

شَرِبْتُ الإثْمَ حتّى ضَلَّ عَقْلِي  *** كذاك الإثْمُ تفْعَلُ بالعُقولِ([25])

فإنْ كان هذا صحيحاً فهو القياس لأنّها تُوقِع صاحبها في الإثم.

(أثن) الهمزة والثاء والنون ليس بأصلٍ، وإنما جاءت فيه كلمةٌ من الإبدال، يقولون الأُثُن لغة في الوُثُن([26]). ويقولون الأُثْنَة حَرَجة الطَّلْح. وقد شَرَطْنا في أوّلِ كتابنا هذا ألاّ نقيس إلاّ الكلامَ الصحيح.

(أثو/ي) الهمزة والثاء والواو والياء أصلٌ واحدٌ، تختلط الواو فيه بالياء، ويقولون أثَى عليه يَأثي إثَاوَةً وإثَايَةً وأثْوًا وأثْياً، إذا نَمَّ عليه. وينشدون:

* ولا أكون لكم ذا نَيْرَبٍ آثِ *

والنيرب: النميمة. وقال:

وإنّ امرأً يأثُو بسادةِ قَومِهِ  *** حَرِيٌّ لَعَمرِي أن يُذَمَّ ويُشتَما

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "أخرت" صوابه من اللسان.

([2]) في اللسان: "وأثر خف البعير يأثر أثراً وأثره: حزه" يجعلون له في باطن خفه سمة ليعرف أثره في الأرض إذا مشى.

([3]) فرسن البعير: خفه. وفي الأصل: "فرس"، تحريف.

([4]) في الأصل: "رجل أثر على فعل وجماعة أثرون… وجمع الأثر أثراء"، والوجه ما أثبت. انظر اللسان (5: 62 س14-15).

([5]) في الحيوان (1: 335): "وجاء عن عمر ومجاهد وغيرهما النهي عن قول القائل: استأثر الله بفلان".

([6]) كذا ضبط بالأصل. ويقال أيضاً "أثر" بكسر الثاء وإسكانها، كما في اللسان.

([7]) البيت في اللسان (5: 63).

([8]) البيت للحطيئة من شعر يمدح به عمر، انظر ديوانه 81 واللسان (5: 62) ونوادر أبي زيد 87.

([9]) روي البيت في اللسان (أثر 62) للشماخ وقافيته فيه "ففارا" والبيت بروايته ليس في ديوان الشماخ.

([10]) أي مقصور الهمزة لا ممدودها.

([11]) البيت لخفاف بن ندبة كما في اللسان. يتقي، مخفف يتّقي.

([12]) ويروى : "غضب مضاربها" و"بيض مضاربها" كما في اللسان.

([13]) اختفيت بالبناء للمفعول: استخرجت وأظهرت.

([14]) في الغريب المصنف 87: "من الثفل". وفي اللسان (5: 64): "وقيل هو اللبن إذا فارقه السمن".

([15]) الرفد: جمع رفدة. وصدر البيت:

* لا تقذفني بركن لا كفاء له *

([16]) من رجز للخطام المجاشعي. انظر الخزانة (1: 367/ 2: 353/ 4: 173) واللسان (ثفى).

([17]) انظر الأزمنة والأمكنة (1: 189س 1-2 و 316) وهي التي تسمى الهقعة.

([18]) في الأصل: "أثلته" صوابه في اللسان. وانظر ديوانه 46 والمعلقات 248.

([19]) خندفي: منسوب إلى خندف. والفدغم: الضخم.

([20]) ديوان الأخطل 66 يخاطب بالشعر جريراً.

([21]) اللسان (13: 9).

([22]) عني بالقليب ها هنا القبر. سقاها: ترابها. وفي الأصل: "أسقاها" صوابه في الديوان 122 واللسان  (13: 9).

([23]) أنشده في اللسان (أثم) وكذا في (كذب) وقال: "وكذب البعير في سيره، إذا ساء سيره". وصدره كما في اللسان والديوان ص70:

* جمالية تغتلي بالرداف *

([24]) في الأصل: "تحرج"، صوابه من المجمل لابن فارس.

([25]) رواية اللسان (أثل): "تذهب بالعقول"

([26]) في اللسان (وثن): "وقد قرئ: إن يدعون من دونه إلا أثنا، حكاه سيبويه" قلت: هي قراءة ابن المسيب، ومسلم بن جندب، ورويت عن ابن عباس، وابن عمر، وعطاء. انظر تفسير أبي حيان  (3: 352) وفيه باقي القراءات الثماني في الآية.

 

- (باب الهمزة والجيم وما يثلثهما)

(أجح) الهمزة والجيم والحاء فرعٌ ليس بأصل، وذلك أنّ الهمزة فيه مبدلةٌ من واو، فالأَُِجاح: *السّتر، وأصله وَُِجَاح. وقد ذُكر في الواو.

(أجد) الهمزة والجيم والدال أصل واحد، وهو الشيء المعقود، وذلك أن الإجَاد الطّاقُ الذي يُعقَد في البِناء، ولذلك قيل ناقةٌ أُجُدٌ. قال النابغة:

فَعَدِّ عَمّا تَرَى إذْ لا ارتِجاعَ لـه *** وانْمِ القُتُودَ على عَيرانةٍ أُجُدِ

ويقال هي مُؤْجَدة القَرَى. قال طَرَفة:

صُهَابِيَّةُ العُثْنُونِ مُؤْجَدَةُ القَرَى *** بَعِيدةُ وَخْدِ الرِّجْلِ مَوّارَةُ اليَدِ

وقيل هي التي تكون فَقارُها عظماً واحداً بلا مَفْصِل، وهذا ممّا أجمع عليه أهل اللغة، أعني القياسَ الذي ذكرتُه.

(أجر) الهمزة والجيم والراء أصلان يمكن الجمعُ بينهما بالمعنى، فالأول الكِراء على العمل، والثاني جَبْر العظم الكَسِير. فأمّا الكِراء فالأجر والأُجْرة. وكان الخليل يقول: الأجْر جزاء العمل، والفعل أجَرَ يَأجُرُ أَجْرا، والمفعول مأجور. والأجير: المستأجَر. والأَُِجَارة ما أعطيتَ مِنْ أجرٍ في عمل وقال غيره: ومن ذلك مَهر المرأة، قال الله تعالى: {فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [النساء 24، الطلاق 6]. وأمَّا جَبْر العظم فيقال منه أُجِرَتْ يدُه. وناسٌ يقولون أَجَرَتْ يَدُه([1]). فهذان الأصلان والمعنى الجامع بينهما أنّ أُجْرَة العامِل كأنَّها شيءٌ يُجْبر به حالُه فيما لحِقه من كَدٍّ فيما عمله. فأمّا الإجّار فلغةٌ شاميّة، وربّما تكلّم بها الحجازيُّون. فيروى أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: "مَن باتَ على إجّارٍ ليس عليه ما يردُّ قدمَيْهِ فقد برِئَتْ منه الذِّمَّة". وإنّما لم نذكُرْها في قياسِ الباب لِمَا قلْناه أنّها ليست من كلام البادية. وناسٌ يقولون إنجْار([2])، وذلك مما يُضعِف أمْرَها. فإنْ قال قائلٌ: فكيف هذا، وقد تكلّم بها رسول الله صلى الله عليه وآله؟ قيل له ذلك كقوله صلى الله عليه وآله وسلم: "قومُوا فقد صَنَع جابرٌ لكم سُوراً" وسُورٌ فارسيّة، وهو العُرْس([3]). فإن رأيتَها في شِعرٍ فسبيلُها ما قد ذكرناه. وقد أنشد أبو بكر بن دريد:

* كالحبَشِ الصَّفِّ على الإجّارِ([4]) *

شبّه أعناق الخيلِ بحبَشٍ صَفٍّ على إجّارٍ يُشْرِفُون.

(أجص) الهمزة والجيم والصاد ليست أصلاً، لأنَّه لم يجئْ عليها إلاّ الإجّاص. ويقال إنّه ليس عربيّاً، وذلك أن الجيم تقلّ مع الصاد.

(أجل) اعلم أنّ الهمزة والجيم واللام يدلُّ على خمس كلماتٍ متباينة، لا يكادُ يمكنُ حْملُ واحدةٍ على واحدة من جهة القياس، فكلُّ واحدةٍ أصلٌ في نفسها. ورَبُّكَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ. فالأَجَل غاية الوقت في مَحَلِّ الدَّين وغيره. وقد صرّفه الخليلُ فقال أَجِل هذا الشّيءُ وهو يَأْجَلُ، والاسم الآجِل نقيض العاجل والأجيل المُرْجأ، أي المؤخَّر إلى وقتٍ. قال:

* وغايةُ الأَجِيلِ مَهْوَاةُ الرّدَى([5]) *

وقولهم "أجَلْ" في الجواب، هو من هذا الباب، كأنّه يريد انتهى وبلغ الغاية. والإجْلُ: القطيع من بقر الوحش، والجمع آجال. وقد تأجّل الصُِّوار: صار قَطِيعاً. والأجْلُ مصدر أجَلَ عليهم شَرّاً، أي جناه وبَحَثَه([6]). قال خوّات بن جُبَير([7]):

وأهلِ خِباءٍ صَالحٍ ذاتُ بَيْنِهم *** قد احتَرَبُوا في عَاجلٍ أنا آجلُه

أي جانيه. والإجْل: وَجَع في العنق، وحكي عن أبي الجرَّاح: "بي إجْلٌ فأجِّلُوني" أي داووني منه. والمأْجَلُ: شبه حوضٍ واسع يؤجَّل فيه ماءُ البئر أو القناة أيّاماً ثم يُفَجَّر في الزّرع، والجمع مآجلِ. ويقولون: أجِّلْ لنخلتك، أي اجعل لها مثلَ الحوض. فهذه هي الأصول. وبقيت كلمتان إحداهما من باب الإبدال، وهو قولهم: أجَلُوا مالَهُم يأجِلونه أجْلاً أي حبَسوه، والأصل في ذلك الزاء "أزَلُوه". ويمكن أن يكون اشتقاقُ هذا ومأجَِل الماء واحداً، لأن الماء يُحبَس فيه. والأُخرى قولهم: من أجْلِ ذلك فعلتُ كذا، وهو محمول على أجَلْت الشيء أي جنيته، فمعناه [من] أَنْ أُجِلَ كذا فَعلتُ، أي من أن جُني. فأما أَجَلَى على فَعَلَى فمكان. والأماكن أكثرها موضوعة الأسماء، غير مَقِيسة. قال:

حَلَّتْ سُليمى جانبَ الجَريبِ([8]) *** بِأَجَلَى مَحَلَّةِ الغَرِيبِ

 

(أجم) الهمزة والجيم والميم لا يخلو من التجمُّع والشدَّة. فأما التجمُّع فالأَجَمَة، وهي مَنْبِت الشجر المتجمِّع كالغيضة([9])، والجمع الآجام. وكذلك الأُجُم وهو الحِصْن. ومثلهُ أُطُم وآطام. وفي الحديث: "حتى توارَتْ بآجامِ المدينة". وقال امرؤ القيس:

وتَيْماءَ لم يَتْرُكْ بها جِذْعَ نخلةٍ *** ولا أُجُماً إلا مَشِيداً بجَنْدَلِ([10])

وذلك متجمّع البُنيان والأهل.

وأما الشدّة فقولهم: تأجّم الحَرُّ، اشتدّ. ومنه أجَمْت الطعام مَلِلْته. ذلك أمرٌ يشتدُّ على الإنسان.

(أجن) الهمزة والجيم والنون كلمةٌ واحدة. وأجَنَ الماءُ يَأْجُنُ ويَأجِنُ إذا تغيّر، وهي الفصيحة. وربما قالوا أجِنَ يَأْجَنُ، وهو أَجُونٌ([11]). قال:

* كضِفْدِعِ ماءٍ أَجونٍ يَنِقّ *

فأما المِئجنة خشبة القَصَّار فقد ذكرت في الواو. والإجّانُ كلامٌ لا يكاد أهل اللّغة يحقُّونه([12]).

(أجأ) جبل لِطَيّ. وقد قلنا إنّ الأماكنَ لا تكاد تنقاس أسماؤُها([13]). وقال شاعرٌ في أجأ:

ومن أَجَأٍ حَوْلي رِعانٌ كأنَّها   *** قنابِلُ خيلٍ من كُميتٍ ومن وَرْدِ([14])

ـ (باب الهمزة والحاء وما معهما في الثلاثي)

(أحد) الهمزة والحاء والدال فرع والأصل الواو وَحَد، وقد ذكر في الواو. وقال الدريديّ: ما استأحدت بهذا الأمر أي ما انفردت به.

(أحن) الهمزة والحاء والنون كلمةٌ واحدة. قال الخليل: الإحنَة الحِقْد في الصّدر. وأنشد غيرُه:

مَتَى تكُ في صدرِ ابنِ عَمِّكَ إحْنَةٌ *** فلا تَسْتَثِرْها سوف يبدُو دفِينُها([15])

وقال آخر في جمع إحْنة:

ما كنتم غيرَ قوم بينكم إحَنٌ *** تُطالبونَ بها لو يَنتهي الطَّلَبُ

ويقال أحِنَ عليه يأْحَنُ إحْنة. قال أبو زيد: آحَنْتُهُ مُؤَاحَنَةً، أي عاديته. وربما قالوا: أحِنَ إذا غَضِب.

واعلم أن الهمزة لا تُجامِعُ الحاء إلا فيما ذكرناه، وذلك لقرب هذه من تلك.

ـــــــــــــــ

([1]) الجوهري : "أجر العظم يأجر ويأجر أجرا وأجوراً: بَرِئ على عثم".

([2]) إنجار، بالنون.

([3]) العرس، بضم العين، وبضمتين: طعام الإملاك والبناء. وفي الأصل: "الفرس" تحريف وانظر اللسان (سور) والمعرب 192.

([4]) أراد كصف الحبش. وقبله كما في الجمهرة (3: 222):

* بدو هواديها من الغبار *

([5]) في الأصل، "يهواه الردى"، صوابه من اللسان (13: 10).

([6]) في اللسان: "جناه وهيجه".

([7]) وفي اللسان أنه يروى أيضاً للخنوت، ولزهير من قصيدته التي مطلعها:

صحا القلب عن ليلى وأقصر باطله *** وعرى أفراس الصبا ورواحله

([8]) في الأصل: "الحريب" صوابه بالجيم، كما في الصحاح ومعجم البلدان (أجلى).

([9]) في الأصل: "كالفضة"، صوابه من اللسان.

([10]) الرواية السائرة: "ولا أطما". ورواية (المجمل) كالمقاييس، وقبلها: "وقد يروى".

([11]) ضبطت في الأصل بضم الهمزة هنا وفي الشاهد.

([12]) إذ يذهب بعضهم إلى أنه معرب "إكانه" كما في اللسان.

([13]) انظر ص65 س7.

([14]) البيت لعارق الطائي كما في معجم البلدان (1: 105). وفي الأصل: "قبائل" تحريف.

([15]) البيت للأقيبل القيني، كما في اللسان (16: 146).

 

ـ (باب الهمزة والخاء وما معهما في الثلاثي)

(أخذ) الهمزة والخاء والذال أصل واحد تتفرّع منه فروعٌ متقاربة في المعنى. [أمّا] أخذ فالأصل حَوْز الشيء وجبْيُه([1]) وجمعه. تقول أخذت الشيء آخُذه أخذاً. قال الخليل: هو خلاف العطاء، وهو التناول. قال: والأُخْذَةُ رُقْيَةٌ تَأْخُذُ العينَ ونحوَها. والمؤَخَّذ: الرجل الذي تؤخِّذه المرأة عن رأْيه وتُؤَخّذُه عن النّساء، كأنه حُبِس عنهن. والإخَاذة – وأبو عبيد يقول الإخاذ بغير هاء -: مجمع الماء شبيه بالغدير. قال الخليل: لأنّ الإنسان يأخذه لنفسه. وجائزٌ أن يسمّى إخاذاً، لأخْذِه من ماء. وأنشد أبو عُبيدٍ وغيره لعديّ بن زيد يصف مطراً:

فآضَ فيه مثلُ العُهُون من  *** الرَّوضِ وما ضَنَّ بالإخَاذِ غُدُرْ([2])

وجمع الإخاذ أُخُذ. قال الأخطل:

فظل مرتبِئاً والأُخْذ قد حَمِيَتْ *** وظَنَّ أنَََّ سَبِِيلَ الأُخْذِ مَثْمُودُ([3])

وقال مسروق بن الأجدع: "ما شبَّهت بأصحاب محمدٍ صلى الله عليه وآله وسلم إلا الإخاذَ، تكفي الإخاذةُ الرّاكبَ وتكفي الإخاذةُ الراكبَينِ وتكفي الإخاذة الفِئَامَ من الناس". ويستعمل هذا القياس في أدواءٍ تأخذ في الأشياء، وفي غير الأدواء، إلا أنّ قياسها واحد. قال الخليل: الآخِذُ من الإبل الذي أخَذَ فيه السمن، وهُنّ الأواخذ. قال: وأخِذَ البعيرُ يَأخَذُ أخَذاً فهو أَخِذٌ، خفيف، وهو كهيئة الجنون يأخذه، ويكون ذلك في الشّاءِ([4]) أيضاً. فإنْ قال قائل: فقد مضى القياسُ في هذا النقاء صحيحاً إلى هذا المكان فما قولك في الرَّمَد، فقد قيل: إنّ الأُخُذَ الرَّمدُ والأَخِذُ الرَّمِدُ؟ قيل لـه: قد قُلْنَا إنّ الأدواء تسمَّى بهذا لأخْذها الإنسان وفيه. وقد قال مفسِّرُو شعرِ هذيلٍ في قول أبي ذؤيب:

يَرْمي الغُيوب بعينَيهِ ومَطْرِفُه  *** مُغْضٍ كما كَسَفَ المستأخَذُ الرَّمِدُ([5])

يريد أنّ الحمار يرمي بعينيه كلَّ ما غاب عنه ولم يره، وطرفُه مُغْضٍ،

*كما كَسف المستأخَذ الذي قد اشتدّ رمدُه أي اشتدّ أَخْذُه لـه، واستأخذ الرَّمد فيه فكسَفَ نكّس رأسه، ويقال غَمّض. فقد صحّ بهذا ما قلناه أنه سمّي أُخُذاً لأنه يستأخِذ فيه. وهذه لفظةٌ معروفة، أعني استأخذ، قال ابن أبي ربيعة:

إليْهم متى يَسْتأخِذُ النَّوْمُ فيهمُ *** ولي مجلسٌ لولا اللُّبَانَةُ أَوْعَرُ

فأمّا نجوم الأخْذ فهي منازل القمر، وقياسها ما قد ذكرناه، لأنّ القمر يأخُذ كلَّ ليلةٍ في منزلٍ منها. قال شاعر:

وأَخْوَتْ نُجومُ الأَخْذِ إلا أَنِضَّةً *** أَنِضَّةَ مَحْلٍ ليس قاطرها يُثْرِي([6])

(أخر) الهمزة والخاء والراءُ أصل واحدٌ إليه ترجع فروعُه، وهو خلاف التقدُّم. وهذا قياسٌ أخذْناه عن الخليل فإنّه قال: الآخِر نقيض المتقدّم. والأُخُر نقيض القُدُم، تقول مضى قُدُما وتأخَّرَ أُخُراً. وقال: وآخِرَة الرحل وقادمته ومُؤَخّر الرّحْل ومقَدّمه. قال: ولم يجئْ مُؤْخِر مخفّفة في شيء من كلامهم إلا في مُؤْخِر العين ومُقْدم العين فقط. ومن هذا القياس بِعتُك بيعاً بِأَخِرَةٍ أي نَظِرَة، وما عرفته إلا بأَخَرَة. قال الخليل: فعل الله بالأَخِرِ أي بالأَبْعد. وجئت في أُخْرَياتهم وأُخْرَى القوم. قال:

* أنا الذي وُلِدْتُ في أُخرَى الإبِلْ([7]) *

وابن دريد يقول: الآخِر تَالٍ للأوَّل. وهو قريبٌ ممّا مضى ذكره، إلاّ أنّ قولنا قال آخِر الرّجُلين وقال الآخِر، هو لقول ابن دريد أشد مُلاءمةً وأحسَنُ مطابقة. وأُخَرُ: جماعة أُخْرَى.

(أخو) الهمزة والخاء والواو ليس بأصلٍ، لأنّ الهمزة عندنا مبدلة من واو، وقد ذكرت في كتاب الواو بشرحها، وكذلك الآخِيَّة.

ــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "وحيه" والجبي هو أصل قولهم "الإخاذ" التالية.

([2]) أنشده في اللسان (5:5)

([3]) حميت، من الشمس. والمثمود: الذي فيه بقية من ماء. والبيت محرف في اللسان (5: 5) صوابه ما هنا، وما هنا يطابق الديوان ص149.

([4]) في الأصل: "الشتاء" صوابه في اللسان (5: 6).

([5]) ديوان أبي ذؤيب 125 واللسان (أخذ، كسف). وفي الجمهرة (3: 237): "ويروى المستأخذ الرمد. وهو الجيد"، يعني بفتح الخاء.

([6]) اللسان(أخذ، نضض، خوى) والأزمنة والأمكنة للمرزوقي (1: 185). ويثرى: يبل الثرى. وفي الأصل: "نترى" تحريف. وسيأتي في (خوي) .

([7]) اللسان (5: 69).

 

ـ (باب الهمزة والدال وما معهما في الثلاثي)

(أدر) الهمزة والدال والراء كلمةٌ واحدة، فهي الأَدْرَةُ والأَدَرَةُ، يقال أَدِرَ يَأْدَرُ، وهو آدَرُ. قال:

نُبِّئتُ عتْبةَ خَضّافَاً تَوَعَّدَنِي *** يا رُبَّ آدَرَ من مَيْثاءَ مَأْفُونِ

(أدل) الهمزة والدال واللام أصلٌ واحدٌ يتفرّع منه كلمتان متقاربتان في المعنى، متباعدتان في الظَّاهر. فالإدْلُ اللّبَنُ الحامض. والعرب تقول: جاء بِإدْلَةٍ ما تُطاقُ [حَمَضاً ([1])]، أي من حموضتها. قال ابن السكّيت: قال الفرّاء: الإدْلُ وجَع العنق. فالمعنى في الكراهة واحد، وفيه على رواية أبي عبيد قياسٌ أجود ممّا ذكرناه، بل هو الأصل. قال أبو عبيد: إذا تلبّد اللبن بعضُه على بعضٍ فلم ينقطع فهو إدْلٌ([2]). وهذا أشبهُ بما قاله الفرّاء، لأنّ الوجع في العنق قد يكون من تضامِّ العروق وتلَوِّيها.

(أدم) الهمزة والدال والميم أصلٌ واحد، وهو الموافقة والملاءمة، وذلك قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم للمُغيرةِ بن شُعْبة- وخَطَب المَرْأَةَ-: "لو نظَرْتَ إليها، فإنّه أحْرَى أن يُؤْدَمَ بينكما". قال الكسائيّ: يُؤدَم يعني أن يكون بينهما المحبّة والاتفاق، يقال أَدَمَ يَأدِمُ أَدْماً. وقال أبو الجرّاح العُقَيليّ مِثْلَه. قال أبو عُبيد: ولا أرى هذا إلاّ من أَدْمِ الطّعام، لأنّ صلاحَه وطِيبه إنّما يكون بالإدام، وكذلك([3]) يقال طعام مَأْدوم. وقال ابن سيرِينَ في طعام كفّارة اليمين: "أَكْلَةٌ مأْدُومَةٌ حَتّى يَصُدُّوا". قال: وحدّثني بعضُ أهل العلم أنّ دُريدَ بنَ الصِّمّة أراد أن يطلق امرأته فقالت: "أبا فلان، أتُطَلِّقُني، فوالله لقد أطعمتك مأدُومي وأبْثَثْتُك مكتومي، وأتيتُك بَاهِلاً غيرَ ذاتِ صرار([4])". قال أبو عبيد: ويقال آدَم اللهُ بينهما يُؤْدِم إيداماً فهو مُؤْدَمٌ بينهما. قال الشاعر:

* والبيضُ لا يُؤْدِمْنَ إلاّ مُؤْدَمَا([5]) *

أي لا يُحبِبْنَ إلا مُحَبَّباً موضعاً لذلك. ومن هذا الباب قولهم جعلت فلاناً أدمَةَ أهلي أي أُسْوتهم، وهو صحيح لأنُه إذا فعل ذلك فقد وفّق بينهم. والأدَمَةُ الوسيلة إلى الشيء، وذلك أنّ المخالِف لا يُتوسَّل به. فإن قال قائلٌ: فعلى أيِّ شيء تحمل الأدَمة وهي باطن الجلد؟ قيل لـه: الأدَمة أحسن ملاءمة للَّحْم من البشرة، ولذلك سُمّي آدم عليه السلام؛ لأنّه أخذ من أدَمة الأرض.

ويقال هي الطبقة الرابعة. والعرب تقول مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ، أي قد جمع لِينَ الأدَمة وخشونة البشَرة. فأما اللّون الآدَم فلأنّه الأغلبُ على بني آدم. وناس تقول: أديم الأرض وأَدَمَتُها وجهها.

(أدو) الهمزة والدال والواو كلمةٌ واحدة. الأدْوُ كالخَتْل والمراوَغَة. يقال أدا يأدُوا أدْواً. وقال:

أدَوْتُ لـه لآخذه *** فهيهات الفتى حَذِرا([6])

وهذا شيءٌ مشتقٌّ من الأداة، لأنّها تعمل أعمالاً حتّى يُوصَل بها إلى ما يراد. وكذلك الخَتْل والخَدْع يَعْملانِ أعمالاً. قال الخليل: الألف التي في الأداة لا شك أنّها واو، لأنّ الجِماع أدواتٌ. ويقال رجلٌ مُؤْدٍ عَامِلٌ. وأداةُ [الحرب([7])]: السِّلاحُ. وقال:

أمُرُّ مُشِيحاً مَعِي فِتْيَةٌ *** فمِن بينِ مُؤْدٍ و[مِنْ] حاسرِ

ومن هذا الباب: استأديت على فلانٍ بمعنى استعديت، كأنّك طلبت به أداةً تمكِّنُك من خَصْمك. وآدَيْتُ فلاناً أي أعَنْتُه. قال:

* إنِّي سأُوديك بسَيْرٍ وكْزِ([8]) *

(أدي) الهمزة والدّال والياء أصلٌ واحد، وهو إيصال الشيء إلى الشيء أو وصوله إليه من تلقاء نفسه. قال أبو عبيد: تقول العرب للَّبَن إذا وصل إلى حال الرُّؤوبِ، وذلك إذا خَثُر: قد أدى يَأْدي أُدِيّاً. قال الخليل: أدّى فلان يؤدّي ما عليه أداءً وتَأْدِيَةً. وتقول فلانٌ آدَى للأمانة منك([9]). وأنشد غيره:

أدّى إلى هِنْدٍ تَحيَّاتِها *** وقال هذا من وَدَاعي بِكِرْ([10])

(أدب) الهمزة والدال والباء أصل واحد تتفرع مسائله وترجع إليه: فالأدْب أن تجمع النّاس إلى طعامك. وهي المَأْدَبَة والمأدُبَة. والآدِب الداعي. قال طرفة:

نحنُ في المَشْتاةِ ندْعُو الجَفَلَى *** لا تَرَى الآدبَ فينا ينتقِرْ

والمآدِب: جمع المأدَُبَة، قال شاعر:

كأنَّ قُلوبَ الطَّيرِ في قعر عُشِّها *** نَوَى القَسْبِ مُلْقىً عند بَعْضِ المآدبِ([11])

ومن هذا القياس الأدَبُ أيضاً، لأنّه مُجمَعٌ على استحسانه. فأمَّا حديث عبد الله ابن مسعود: "إنَّ هذا القرآنَ مَأْدُبَةُ الله تعالى فتعلموا([12]) مِن مأدُبته" فقال أبو عبيد: من قال مأدبة فإنّه أراد الصّنيع يصنعه الإنسان يدعو إليه النّاس. يقال منه أَدَبْتُ على القوم آدِبُ أَدْباً، وذكر بيت طرفة، ثمّ ذكر بيت عدي:

زجِلٌ وَبْلُه يُجَاوِبُهُ دُ *** فٌّ لِخُونٍ مَأْدُوبةٍ وزَميرُ([13])

قال: ومن قال مَأْدَبَة فإنّه يذهب إلى الأدَب. يجعله مَفْعَلة من ذلك. ويقال إن الإدْبَ العَجَبُ([14]). فإنْ كان كذا فلتجمُّع الناس له.

ــــــــــــــــ

([1]) التكملة من اللسان (أول) والغريب المصنف 84.

([2]) النص في الغريب المصنف 84.

([3]) في اللسان (14: 273): "ولذلك".

([4]) القصة في اللسان (14: 274)، وستأتي في (بهل).

([5]) البيت وتفسيره في اللسان (14: 273).

([6]) في اللسان (17: 25): "حذراً" وقال: "نصب حذراً بفعل مضمر، أي لا يزال حذراً". وورد البيت في الأصل: "لتأخذه فهيهات الفتى حذر"، وصواب روايته من اللسان والجمهرة (3: 276).

([7]) تكملة بها يلتئم الكلام. وفي اللسان: "وأداة الحرب سلاحها".

([8]) البيت في اللسان (17: 345/ 18: 26) برواية: "بسير وكن". وفسره في (وكن) بأنه سير شديد. لكن رواية الأصل والمجمل أيضاً: "وكز" بالزاي. وهو من قولهم وكر وكزا في عدوه من فزع أو نحوه. ويقال أيضاً وكز يوكز توكيزاً. روى الأخيرة ابن دريد في الجمهرة (3: 17) وقال: "وليس بثبت". ورواية اللسان عن الجمهرة محرفة.

([9]) في اللسان: "قال أبو منصور: وما علمت أحداً من النحويين أجاز آدى"

([10]) البيت من أبيات لابن أحمر، رواها ابن منظور في اللسان (19: 57) والرواية فيه: "من دواعي دبر"، محرفة. وبكر، أراد بكر، بالكسر، فأتبع الكاف الباء في الكسر.

([11]) البيت لصخر الغي، يصف عقاباً. اللسان (1: 200).

([12]) في الأصل: "فقلموا"، صوابه في اللسان (1: 201).

([13]) البيت محرف في اللسان (أدب) وعجزه في (16: 304). وأنشده الجواليقي في المعرب 130 برواية "زجل عجزه" وقال: "يعني أنه يجاوبه صوت رعد آخر من بعض نواحيه كأنه قرع دف يقرعه أهل عرس دعوا الناس إليها". وانظر شعراء النصرانية 454-456.

([14]) في اللسان: "الأصمعي: جاء فلان بأمر أدب، مجزوم الدال، أي بأمر عجيب".

 

ـ (باب الهمزة والذال وما معهما في الثلاثي)

(أذن) الهمزة والذال والنون أصلان متقارِبان في المعنى، متباعدان في اللفظ، أحدهما أُذُنُ كلِّ ذي أُذُن، والآخَر العِلْم؛ وعنهما يتفرّع البابُ كلُّه. فأمّا التقارب فبالأُذُن يقع علم كلِّ مسموعٍ. وأمّا تفرُّع الباب فالأذُن معروفة مؤنثة. ويقال لذي الأُذُنِ([1]) آذَنُ، ولذات الأُذُن أَذْنَاء. أنشد سلمة عن الفرّاء:

مثل النّعامة كانت وهي سالمةٌ *** أذْنَاءَ حتّى زهاها الحَيْنُ والجُنُنُ([2])

أراد الجنون:

جاءت لتَشرِيَ قَرْناً أو تعوِّضَه *** والدَّهرُ فيه رَبَاحُ البيع والغَبنُ([3])

فقيل أُذْناكِ ظُلْمٌ ثمت اصْطُلمت *** إلى الصِّماخِ فلا قَرْنٌ ولا أُذُنُ

ويقال للرجل السامع من كلِّ أحدٍ أذُنٌ. قال الله تعالى: {وَمِنْهُمُ الّذِينَ يُؤْذُونَ النّبيَّ ويَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ} [التوبة 61]. والأذُن عُروة الكوز، وهذا مستعار. والأَذَنُ الاستماع، وقيل أَذَنٌ لأنه بالأُذُن يكون. وممّا جاء مجازاً واستعارةً الحديث: "ما أذِنَ الله تعالى لشيءٍ كأَذَنِهِ لنبيٍّ يتغنَّى بالقُرآن" وقال عديُّ بنُ زيدٍ:

أيُّها القَلْبُ تَعَلَّلْ بِدَدَنْ *** إنَّ هَمِّي في سمَاع و*أَذَنْ

وقال أيضاً:

وسماعٍ يأذَنُ الشَّيخُ لـهُ *** وحديثٍ مِثْلِ مَاذِيٍّ مُشارِ([4])

والأصل الآخر العِلْم والإعلام. تقول العرب قد أذِنْتُ بهذا الأمر أي عَلِمْت. وآذَنَني فُلانٌ أعلَمَني. والمصدر الأَذْن والإيذان. وفَعَلَه بإذْني أي بِعِلمي، ويجوز بأمري، وهو قريبٌ من ذلك. قال الخليل: ومن ذلك أذِن لي في كذا. وفي الباب الأذان، وهو اسم التّأذين، كما أنّ العذاب اسمُ التعذيب، وربما حوّلوه إلى فَعِيل فقالوا أذِينٌ. قال:

*حتّى إذا نُودِيَ بالأَذينِ*

والوجه في هذا أنّ الأذين [الأذان([5])]، وحجته ما قد ذكرناه. والأذين أيضاً: المكان يأتيه الأذانُ من كلِّ ناحيةٍ. وقال:

طَهُور الحصى كانَتْ أذيناً ولم تكن *** بها رِيبةٌ مما يُخافُ تَرِيبُ

والأذين أيضاً: المؤذِّن. قال الراجز:

فانكشحَتْ لـه عليها زَمْجَرَهْ *** سَحْقاً وما نادَى أَذِينُ المدَرَهْ([6])

أراد مؤذِّن البيوت التي تبنَى بالطِّين واللّبِن والحجارة. فأما قوله تعالى:

{وَإذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ} [إبراهيم 7]،  فقال الخليل: التّأذُّن من قولك لأفعلنَّ كذا، تريد به إيجاب الفعل، أي سأفعله لا محالة. وهذا قولٌ. وأوضَحُ منه قولُ الفرّاء تأَذَّن رَبُّكم: أَعلَمَ رَبُّكم. وربما قالت العرب في معنى أفعَلْتُ: تفَعَّلْتُ. ومثله أَوْعَدَني وتَوَعَّدني؛ وهو كثير. وآذِنُ الرّجُلِ حاجبُه، وهو من الباب.

(أذي) الهمزة والذال والياء أصل واحد، وهو الشيء تتكرّهُه ولا تَقَِرُّ عليه. تقول: آذَيْتُ فلاناً أُوذِيهِ. ويقال بعير أَذٍ وناقةٌ أَذِيَةٌ إذا كان لا يَقَِرّ في مكانٍ من غير وجع، وكأنه يَأْذَى بمكانه.

ــــــــــــــــــ

([1]) أي الأذن الطويلة العظيمة.

([2]) الأبيات الثلاثة في اللسان (16: 249).

([3]) في الأصل: "رباح العين" صوابه من اللسان.

([4]) الماذي: العسل الأبيض. والمشار: المجتنى. والبيت في اللسان (6: 103/ 16: 148) برواية: "في سماع". وقبله:

وملاه قد تلهيت بها *** وقصرت اليوم في بيت عذاري

([5]) تكملة يلتئم بها الكلام.

([6]) الرجز للحصين بن بكير الربعي، يصف حمار وحش. وبدل الأول في اللسان (16: 150) :

* شد على أمر الورود مئزره *


ـ (باب الهمزة والراء وما معهما في الثلاثي)

(أرز) الهمزة والراء والزاء أصل واحد لا يُخْلف قياسُه بتّةً، وهو التجمّع والتّضامّ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ الإسلام ليَأْرِزُ إلى المدينة كما تَأْرِزُ الحيّة إلى جُحرها". ويقولون: أرَزَ فلانٌ، إذا تَقَبَّض من بُخْله. وكان بعضهم([1]) يقول: "إنّ فلاناً إذا سئل أَرَزَ، وإذا دُعِي انتَهَزَ". ورجلٌ أَرُوزٌ إذا لم ينبسط للمعروف. قال شاعر([2]):

* فذاك بَخَّالٌ أرُوزُ الأَرْزِ *

يعني أنّه لا ينبسط لكنّه ينضمّ بعضُه إلى بعض. قال الخليل: يقال ما بلغ فلانٌ أعلى الجبل إلاّ آرِزاً، أي منقبضاً عن الانبساط في مَشْيه، من شدّة إعيائه. وقد أَعْيا وأرَزَ. ويقال ناقةٌ آرِزَةُ الفَقارَةِ، إذا كانت شديدةً متداخلاً بعضُها في بعض([3]). وقال زهير:

بآرِزَةِ الفَقَارَةِ لم يَخُنْها  *** قِطَافٌ في الرِّكابِ ولا خِلاء

فأمّا قولُهم لليلة الباردة آرِزَة فمن هذا، لأنّ الخَصِر يتضامّ.

(أرس) الهمزة والراء والسين ليست عربيّة. ويقال إنّ الأراريس الزرّاعون([4])، وهي شاميّة.

(أرش) الهمزة والراء والشين يمكن أن يكون أصلا، وقد جعلها بعضُ أهل العلم فرعاً، وزعَمَ أنّ الأصل الهرشُ، وأنّ الهمزة عوضٌ من الهاء. وهذا عندي متقارب، لأنّ هذين الحرفين -أعني الهمزة والهاء- متقاربان، يقولون إياك وهِيَّاك، وأرقْتُ وهَرَقت. وأيّاً كان فالكلام من باب التحريش، يقال أرَّشْت الحربَ والنارَ إذا أوقدتَهما. قال:

وما كنتُ مِمَّنْ أرَّشَ الحربَ بينهم *** ولكنَّ مَسْعوداً جناها وَجُنْدُبا([5])

وأَرْشُ الجِنايَة: دِيَتُها، وهو أيضاً ممّا يدعو إلى خلافٍ وتحريش، فالباب واحد.

(أرض) الهمزة والراء والضاد ثلاثة أصول، أصل يتفرع وتكثر مسائله، وأصلان لا ينقاسانِ بل كلُّ واحدٍ موضوعٌ حيثُ وضعَتْه العرب. فأمّا هذان الأصلان فالأرض الزُّكْمَةُ([6])، رجل مأروضٌ أي مزكوم. وهو أحدهما، وفيه يقول الهذلي([7]):

جَهِلْتَ سَعُوطَكَ حتّى تخا *** ل أَنْ قد أُرِضْتَ ولم تُؤْرَضِ

والآخر الرِّعدة، يقال بفلانٍ أرْضٌ أي رِعْدَةٌ، قال ذو الرُّمّة:

إذا توجَّسَ رِكْزاً مِن سَنابِكِها  *** أو كان صاحبَ أَرْضٍ *أو به مُومُ([8])

وأمّا الأصل الأوّل فكلُّ شيءٍ يسفُل ويقابل السّماءَ، يُقال لأعلى الفرس سماءٌ، ولقوائمه أرض. قال:

وأحمرَ كالدِّيباجِ أمّا سَماؤُه  *** فرَيّا وأما أرْضُه فَمَُحُول([9])

سماؤه: أعاليه، وأرضه: قوائمه. والأرضُ: التي نحنُ عليها، وتجمع أَرَْضين([10])، ولم تجئْ في كتاب الله مجموعةً. فهذا هو الأصل ثم يتفرع منه قولهم أرْضٌ أَرِيضَةٌ، وذلك إذا كانت ليّنة طيِّبة. قال امرؤ القيس:

بلادٌ عَرِيضَةٌ وأرْضٌ أرِيضَةٌ *** مدافعُ غَيْثٍ في فَضاءٍ عَرِيضِ([11])

ومنه رجل أرِيضٌ للخَيْر أي خليقٌ لـه، شُبِّه بالأرض الأريضة. ومنه تَأَرَّضَ النَّبْتُ إذا أمكَن أن يُجَزّ، وجَدْيٌ أريضٌ([12]) إذا أمكنه أنْ يتَأَرّضَ النَّبْت. والإراض: بِساطٌ ضخم من وبَرٍ أو صُوف. ويقال فلانٌ ابنُ أرضٍ، أي غريب. قال:

* أتانا ابْنُ أَرْضٍ يَبْتغي الزَّاد بعدما([13]) *

ويقال: تأرّض فلانٌ إذا لزِم الأرضَ. قال رجلٌ من بني سعد:

وصاحبٍ نبّهتُه ليَنْهضَا *** فقام ما التاثَ ولا تَأَرَّضَا

(أرط) الهمزة والراء والطاء كلمة واحدة لا اشتقاق لها، وهي الأَرْطَى الشجرة، الواحدة منها أرْطاة، وأرْطاتان وأرْطَيَاتٌ. وأَرْطَىً منوَّن، قال أبو عمرو: أرْطاةٌ وأرْطىً، لم تُلحَق الألف للتأنيث. قال العجّاج:

* في مَعْدِنِ الضَّالِ وأرطىً مُعْبِلِ([14]) *

وهو يُجرَى ولا يُجْرَى.ويقال هذا أرْطىً كثير وهذه أرْطَى كثيرة. ويقال أَرْطَتِ الأرض: أنبتت الأَرْطى، فهي مُرْطِئةٌ([15]). وذكر الخليل كلمةً إنْ صحّت فهي من الإبدال، أُقيمت الهمزةُ فيها مُقام الهاء. قال الخليل: الأرِيط: العاقِرُ من الرِّجال. وأنشد:

* ماذا ترجِّينَ من الأَريطِ([16]) *

والأصل فيها الهَرَط يقال نعجة هَرِطَةٌ، وهي المهزولة التي لا تُنْتَفع بلحمها غُثُوثة. والإنسان يَهْرِطُ في كلامه، إذا خلط. وقد ذكر هذا في بابه.

(أرف) الهمزة والراء والفاء أصل واحد، لا يقاس عليه ولا يتفرَّع منه. يقال أُرِّفَ على الأرضِ إذا جُعِلَتْ لها حدودٌ. وفي الحديث: "كلُّ مالٍ قُسِم وَأرِّفَ عليه فلا شُفْعَة فيه"، و"الأُرَفُ تَقْطع كلَّ شُفْعَة".

(أرق) الهمزة والراء والقاف أصلان، أحدهما نِفار النّوم ليلاً، والآخر لون من الألوان. فالأوّل قولهم أرِقْتُ أَرَقاً، وأرَّقَنِي الهَمُّ يُؤَرِّقُني. قال الأعشى:

أَرِقْتُ ومَا هذا السُّهادُ المُؤَرِّقُ *** وما بيَ مِنْ سُقْمٍ وما بي مَعْشَقُ

ويقال آرَقني أيضاً. قال تأبّط شرّاً:

يا عِيدُ مالَكَ مِنْ شوقٍ وإيراقِ *** ومَرِّ طَيفٍ على الأَهوالِ طَرّاقِ([17])

ورجل أرِقٌ وآرِق، على وزن فَعِلٍ وفاعل. قال:

* فبتُّ بليلِ الآرِقِ المتململِ([18]) *

والأصل الآخر قولُ القائل:

ويتركُ القِرْنَ مُصْفرّاً أناملُه *** كأنَّ في رَيطتَيْهِ نَضْحَ أَرْقانِ([19])

فيقال إنّ الأرْقان شجرٌ أحمر. قال أبو حنيفة: ومن هذا أيضاً الأرَقان([20]) الذي يصيب الزَّرع، وهو اصفرارٌ يعتريه، يقال زَرْعٌ مأرُوقٌ وقد أُرِق. ورواه اللّحيانيُّ الإراق والأرْق.

(أرك) الهمزة والراء والكاف أصلان عنهما يتفرّع المسائل، أحدهما شجر، والآخر الإقامة. فالأول الأراك وهو شجرٌ معروف.

*حدثنا ابن السُّنّيّ عن ابن مسبّح، عن أبي حنيفة أحمد بن داود قال: الواحد من الأرَاك أرَاكَة، وبها سمّيت المرأة أراكة. قال: ويقال ائترك الأرَاكُ إذا استحكم. قال رؤبة:

* من العِضاهِ والأراك المُؤْتَرِكْ([21]) *

قال أبو عمرو: ويقال للإبل التي تأكل الأراك أرَاكِيّةٌ وأوَارك. وفي الحديث "أن النبي صلى الله عليه  وسلم أُتِيَ بعرَفَةَ بلبَنِ إبلٍ أَوَارِكَ". وأرضٌ أرِكَةٌ كثيرة الأرك. ويقال للإبل التي ترعى الأرَاك أرِكَةٌ أيضاً، كقولك حامض من الحمْضِ. وقال أبو ذُؤيب:

تَخَيَّرُ مِنْ لبن الآركا *** ت بالصَّيفِ([22])..........

والأصل الثاني الإقامة. حدّثني ابن السُّنّيّ عن ابن مُسَبِّح عن أبي حنيفة قال: جَعَل الكسائيُّ الإبل الأَرَاكِيّةَ من الأُرُوك وهو الإقامة. قال أبو حنيفة: وليس هذا مأخوذاً من لفظ الأرَاكِ، ولا دالاًّ على أنها مُقيمةٌ في الأراك خاصّة، بل هذا لكلِّ شيءٍ، حتى في مُقام الرّجُل في بيته، يقال منه أرَكَ يأْرِكُ ويَأرُكُ أُرُوكاً. وقال كُثيِّر في وصف الظّعُن:

وفوقَ جِمال الحيِّ بِيضٌ كأنّها  *** على الرّقْم أَرْآمُ الأثيل الأواركُ

والدليل على صحَّة ما قاله أبو حنيفة تسميتهم السَّرير في الحجَلة أرِيكةً، والجمع أرائك. فإن قال قائلٌ: فإنّ أبا عُبيدٍ زعَمَ أنه يقال للجرح إذا صَلَحَ وتماثل أرك يَأرُِك أروكا؛ قيل لـه: هذا من الثاني، لأنه إذا اندمَلَ سكن بَغْيُه([23]) وارتفاعُه عن جِلْدة الجريح.

ومن هذا الباب اشتقاق اسم أَرِيك، وهو موضع. قال شاعر:

فمرَّتْ على كُشُبٍٍ غُدْوَةً *** وحاذَتْ بجَنْبِِِ أَرِيكٍٍ أَصِِِيلاً([24])

وأما (الهمزة والراء واللام)

فليس بأصل ولا فرع، على أنهم قالوا: أرُلُ جبل، وإنما هو بالكاف([25]).

(أرم) الهمزة والراء والميم أصلٌ واحد، وهو نَضْد الشيء إلى الشيء في ارتفاعٍ ثم يكون القياس في أعلاه وأسفله واحدا. ويتفرّع منه فرعٌ واحد، هو أخْذُ الشيء كلِّه، أكلاً وغيره. وتفسير ذلك أنّ الأَرْمَ([26]) ملتقى قبائل الرأس، والرأس الضخم مؤرَّم. وبيضة مُؤَرّمَةٌ واسعةُ الأعلى. والإرَم العَلَم، وهي حجارةٌ مجتمعة كأنَّها رجلٌ قائم. ويقال إرَمِيٌّ وأَرَمِيٌّ، وهذه أسنِمةٌ كالأيارِم. قال:

* عَنْدَلَة سَنَامَها كالأيرمِ *

قال أبو حاتم: الأُرُومُ حروف هامة البعير المسِنّ . والأَرُومَة أصل كلِّ شجرة. وأصل الحَسَب أَرومة، وكذلك أصلُ كلّ شيء ومجتَمَعُه. والأُرَّم الحجارة في قول الخليل، وأنشد:

* يَلُوكُ مِنْ حَرْدٍ عَلَيْنا الأُرَّما *

ويقال الأُرَّم الأضراس، يقال هو يَحْرُق عليه الأُرّمَ. فإن كان كذا فلأنها تَأْرِمُ ما عَضَّت. قال:

نُبّئْتُ أَحْمَاءَ سُلَيْمى إنّمَا([27])  *** باتُوا غِضاباً يَحْرُقُون الأُرَّما

 

وأَرَمَتْهم السّنَةُ استأصَلَتْهُم، وهي سنونَ أوَارِم. وسكّينٌ آرِمٌ قاطع. وأَرَمَ ما على الخِوان أكلَه كلَّه.وقولهم أَرَمَ حَبْلَهُ من ذلك، لأنّ القوى تُجمَع وتُحكَمُ فَتْلاً. وفلانة حَسَنَةُ الأَرْم أي حَسَنَةُ فَتْلِ اللّحْمِ. قال أبو حاتم: ما في فلان إرْمٌ، بكسر الألف وسكون الراء، لأن السِّن يأرِمُ. وأرضٌ مَأْرُومةٌ أُكِل ما فيها فلم يُوجَد بها أصلٌ ولا فرع. قال:

* ونَأْرِمُ كـلَّ نابتةٍ رِعَاءً([28]) *

(أرن) الهمزة والراء والنون أصلان، أحدهما النّشاط. والآخر مأْوىً يأوِي إليه وحْشِيٌّ أو غيرهُ. فأمّا الأول فقال الخليل: الأَرَنُ النّشاط، أرِنَ يأْرَنُ أرَناً. قال الأعشى:

تراه إذا ما غدا صَحْبُه *** به جانبَيْهِ كشَاةِ الأَرَنْ([29])

والأصل الثاني قولُ القائل:

وكم من إرَانٍٍ قد سَلَبْتُ مَقِِيلَهُ *** إذا ضَنَّ بالوَحْشِِ العِِتَاق معَاقِِلُه

أراد المَكْنَس([30])، أي كم مَكنَسٍ قد سلبْتُ أن يُقالَ فيه، من القيلولة. قال ابن الأعرابي: المئرانُ مأوى البَقَر من الشّجر. ويقال للموضع الذي يأوي إليه الحِرباء أُرْنَةٌ. قال ابنُ أحمر:

وتَعَلَّلَ الحِرْبَاء أُرْنَتَهُ  *** متشاوِساً لِوَريدهِ نَقْرُ([31])

(أرو) وأما الهمزة والراء والواو فليس إلاّ الأَرْوَى، وليس هو أصلاً يُشْتَقُّ منه ولا يُقاس عليه. قال الأصمعيّ: الأرْوِيَّة الأنثى من الوُعُول وثلاثُ أرَاوِيّ إلى العشر، فإذا كثرت فهي الأَرْوَى. قال أبو زيد: يقال للذكر والأنثى أُرْوِية.

(أري) أما الهمزة والراء والياء فأصل يدلّ على التثبُّت والملازمة. قال الخليل: أرْيُ القِدر ما التزق بجوانبها من مَرَقٍ، وكذلك العسل الملتزِق بجوانب العَسّالة. قال الهُذَلي:

أرْيُ الجَوارِسِ في ذُؤَابَةِ مُشْرِفٍ *** فيه النُّسُورُ كما تحبَّى الموكبُ([32])

يقول: نزلت النُّسور فيه لوعورته فكأنّها مَوكِبٌ. قعدوا مُحْتَبِينَ مطمئنّين([33]). وقال آخر:

* ممَّا تَأْتَرِي وتَتِيعُ([34]) *

أي مَا تُلْزِقُ وتُسِيل. والتزاقه ائتِراؤُه([35]). قال زهير:

*يَشِمْنَ بُرُوقَهُ ويُرِشُّ أرْيَ الـ  *** جَنوبِ على حَواجِبِها العَماءُ([36])

فهذا أريُ السحاب، وهو مستعارٌ من الذي تقدَّم ذكره. ومن هذا الباب التّأرِّي التوقُّع. قال:

لا يَتَأَرَّى لِما في القِدْرِ يَرْقُبُهُ *** ولا يَعَضُّ على شَرسُوفِهِ الصَّفَرُ([37])

يقول: يأكل الخبز القَفَارَ ولا ينتظر غِذاءَ القوم ولا ما في قُدورهم. ابنُ الأعرابيّ: تَأَرَّى بالمكان أقام، وتَأَرَّى عن أصحابه تخلّف. ويقال بينهم أرْيُ عداوةٍ، أي عداوةٌ لازِمة، وأرْيُ النَّدَى: ما وقع من النّدَى على الشَّجَر والصَّخر والعُشب فلم يزَلْ يلتزِقُ بعضُه ببعض. قال الخليل: آرِيُّ الدَّابّةِ معروف، وتقديره فاعول. قال:

* يعتَادُ أرْباضاً لَها آرِيُّ *

قال أبو علي الأصفهانيّ: عن العامريّ التَّأرية أن تعتَمد على خشبةٍ فيها ثِنْيُ حبلٍ شديد فتُودِعَها حُفرةً ثم تحثُوَ الترابَ فوقَها ثمّ يشدَّ البعيرُ لِيَلِينَ وتنكسر نفسه. يقال أَرِّ لبعيرِكَ وأَوْكِد لـه. والإيكاد والتأرية واحد، وقد يكون للظباء أيضاً. قال:

وكانَ الظِّباءُ العُفْرُ يَعْلَمْنَ أنَّه *** شَديدُ عُرَى الآرِيِّ في العُشَراتِ

(أرب) الهمزة والراء والباء لها أربعةُ أصولٍ إليها ترجِع الفروع: وهي الحاجة، والعقل، والنَّصيب، والعَقْد. فأمّا الحاجة فقال الخليل: الأرَب الحاجة، وما أَرَبُك إلى هذا، أي ما حاجتك. والمأْرَبة والمَأْرُبَة والإرْبة، كل ذلك الحاجة. قال الله تعالى: {غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ مِنَ الرِّجَالِ} [النور 31]. وفي المثل: "أرَبٌ لا حَفَاوَةٌ([38])" أي حاجةٌ جاءت بك ولا وُدٌّ ولا حُبّ. والإرْب: العقل. قال ابن الأعرابيّ: يقال للعقل أيضاً إربٌ وإرْبة كما يقال للحاجة إرْبَةٌ وإرْبٌ. والنعت من الإرْبِ أرِيبٌ، والفعل أَرُب بضم الراء. وقال ابن الأعرابيّ: أرُبَ الرجل يَأْرُبُ إرَباً([39]). ومن هذا الباب الفَوز والمهارة بالشّيء، يقال أرِبْتُ بالشيء أي صِرتُ به ماهراً. قال قيس:

أرِبْتُ بدَفْعِ الحَرْبِ لمّا رأيتُها *** على الدَّفْعِ لا تزدَادُ غير تقارُبِ([40])

ويقال آرَبْتُ عليهم فُزْتُ. قال لَبيد:

* ونَفْسُ الفَتَى رَهْنٌ بقَمْرةِ مُؤْرِبِ([41]) *

ومن هذا الباب المُؤَارَبة وهي المُدَاهاة، كذا قال الخليل. وكذلك الذي جاء في الحديث: "مُؤَارَبَةُ الأرِيبِ جَهْل". وأما النَّصيب فهو والعُضْو من بابٍ واحد، لأنَّهما جزء الشّيء. قال الخليل وغيرُه: الأُرْبَة نَصيب اليَسَرِ من الجَزُور. وقال ابن مُقْبِل:

لا يفرحون إذا ما فاز فائزهم  *** ولا تُرَدُّ عليهم أُرْبَةُ اليَسَرِ([42])

ومن هذا ما في الحديث: "كانَ أملَكَكُم لإرْبِه([43])" أي لعُضوه. ويقال عضو مُؤَرَّب أي موَفّر اللحم تامُّهُ. قال الكُميت:

ولاَنْتَشَلَتْ عُضْوينِ منها يُحَابِرٌ *** وكانَ لعبْدِ القَيْسِ عُضوٌ مُؤَرَّبُ([44])

أي صار لهم نصيبٌ وافر. ويقال أَرِبَ أي تساقطت آرَابُه. وقال عمر بن الخطاب لرجلٍ: "أرِبْتَ من يَدَيْك، أتسألُني عن شيء سألتُ عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم". يقال منه أَرِبَ. وأما العَقْد والتشديد فقال أبو زيد: أرِبَ الرجل يَأْرَبُ إذا تشدَّد وضَنَّ وتَحَكَّر. ومن هذا الباب التأريب، وهو التحريش، يقال أرَّبت عليهم. وتَأَرَّب فلانٌ علينا إذا التوى وتَعَسَّر وخالَف. قال الأصمعيّ: تَأَرَّبْتُ في حاجتي تشدّدت، وأَرّبْت العقدة أي شدّدتها. وهي التي لا تَنْحلُّ حتى تُحَلّ حَلاًّ. وإنما سمّيت قِلادة الفرَس والكلب أُرْبَةً لأنّها عُقِدَتْ في عُنُقهما. قال المتلمّس:

لو كنتَ كَلْبَ قنيصٍ كنت ذا جُدَدٍ *** تكون أُرْبَتُه في آخر المَرَسِ([45])

قال ابنُ الأعرابيّ: الأُرْبة خِلاف الأُنشُوطة. وأنشد:

وأُرْبَةٍ قد علا كَيدِي معاقِمَها *** ليست بفَوْرَةِ مَأْفونٍ ولا بَرَمِ([46])

قال الخليل: المستأرِب من الأوتار الشديد الجيّد. قال:

* من نَزْعِ أحْصَدَ مستأربِ([47]) *

وأما* قول ابن مُقْبلٍ:

شُمُّ العَرانينِ يُنْسِيهِمْ مَعَاطِفَهُمْ *** ضَرْبُ القِداحِ وتأريبٌ على الخَطَر([48])

فقيل يتمِّمون النَّصيب، وقيل يتشدّدون في الخطر. وقال:

لا يَفْرَحُون إذا ما فازَ فائزُهم  *** ولا تُرَدُّ عليهم أُرْبَةُ العَسِرِ([49])

أي هم سمحاء لا يَدْخُل عليهم عَسِرٌ يفسد أمورَهم. قال ابنُ الأعرابي: رجل أرِبٌ إذا كان مُحكَم الأمر. ومن هذا الباب أرِبْتُ بكذا أي استعنتُ. قال أوس:

ولقد أرِبْتُ على الهُمومِ بجَسْرة *** عَيْرَانَةٍ بالرِّدفِ غيرِ لَجُونِ([50])

واللّجون: الثقيلة. ومن هذا الباب الأُرَبَى، وهي الدّاهية المستنكَرة. وقالوا: سمّيت لتأريب عَقْدِها كأنَّه لا يُقدَر على حَلّها قال ابنُ أحمر:

فلما غَسا ليلي وأَيقنْتُ أنّها  *** هي الأُرَبَى جاءَتْ بأُمِّ حَبَوْكَرَى

فهذه أصولُ هذا البناء. ومن أحدها إرَابٌ، وهو موضع وبه سمِّي [يوم] إراب([51])، وهو اليوم الذي غَزَا فيه الهُذَيل بن حسّان التغلبي بني يربوع، فأغار عليهم. وفيه يقول الفرزدق:

وكأنَّ راياتِ الهُذَيْلِ إذا بدَتْ  *** فَوقَ الخَميسِ كَواسِرُ العِقْبانِ

ورَدُوا إرَابَ بجحفل من وائل *** لِجب العَشِيِّ ضُبَارِكِ الأَقْرانِ([52])

ثم أغار جَزْء بن سعدٍ الرِّياحيُّ ببني يربوعٍ على بكر بن وائلٍ وهم خُلوفٌ، فأصاب سَبْيَهم وأموالَهم، فالتقيا على إرَاب، فاصطلحا على أن خَلَّى جَزْءٌ ما في يديه من سَبْي يربوعٍ وأموالهم، وخلَّوْا بين الهُذيل وبين الماء يَسْقِي خيلَه وإبلهُ. وفي هذا اليومِ يقول جرير:

ونحن تداركنا ابنَ حِصْنِ وَرَهْطَهُ *** ونحن مَنَعْنَا السَّبْيَ يومَ الأَرَاقِمِ

(أرث) الهمزة والراء والثاء تدل على قدْح نارٍ أو شَبِّ عداوة. قال الخليل: أرّثْتُ النّارَ أي قدحتُها. قال عَدِيّ:

ولها ظَبْيٌ يُوَرِّثُها *** عاقدٌ في الجِيدِ تِقصارا

والاسم الأُرْثَة. وفي المثل: "النّمِيمَةُ أُرْثَةُ العَداوة". قال الشّيبانيّ: الإرَاثُ ما ثَقَبْتَ به النّارَ. قال والتّأَرُّث الالتهاب. قال شاعر:

فإنّ بِأَعْلَى ذي المجَازَةِ سَرْحَةً  *** طَويلاً على أهل المَجَازَةِ عَارُها

ولو ضربُوها بالفُؤُوس وحَرَّقُوا *** على أصلها حَتَّى تَأَرَّثَ نَارُها

ويقال أَرِّثْ نَارَكَ تَأْرِيثاً. فأما الأُرْثة فالحدُّ([53]). و[أما الإرث فـ ([54])] ليس من الباب لأنّ الألفَ مبدلةٌ عن واو، وقد ذُكر في بابه. وأما قولهم نَعْجَةٌ أَرْثَاءُ فهي التي اشتعل بياضُها في سوادِها، وهو من الباب. ويقال لذلك الأُرْثَةُ، وكَبْشٌ آرَثُ.

(أرج) الهمزة والراء والجيم كلمةٌ واحدة وهي الأَرَج، وهو والأَرِيجُ رائحة الطِّيب. قال الهُذَليّ([55]):

كَأَنَّ عليها بالَةً لَطَمِيّةً *** لها من خِلال الدّأْيَتَيْنِ أَريجُ

(أرخ) الهمزة والراء والخاء كلمةٌ واحدة عربيّة، وهي الإرَاخُ لبقر الوحش. قالت الخنساء:

وَنَوْحٍ بَعَثْتَ كَمِثْلِ الإرَاِ *** خِ آنَسَتِ العِينُ أَشْبَالَها([56])

وأما تأريخ الكتاب فقد سُمِع، وليس عربيّا ولا سُمِعَ من فَصِيحٍ([57]).

ــــــــــــــــ

([1]) هو أبو الأسود الدؤلي، كما في اللسان (أرز). يقول: إذا سئل المعروف تضام وتقبض من بخله ولم ينبسط له، وإذا دعي إلى طعام أسرع إليه.

([2]) هو رؤبة. انظر ديوانه 65 واللسان (7: 168) وما سيأتي في (بخل).

([3]) في الأصل: "إذا خلا بعضها في بعض"، تحريف.

([4]) واحدهم إريس، كسكيت.

([5]) في الأصل: "ولكن ما سعوداً".

([6]) يقال: زكمة وزكام.

([7]) هو أبو المثلم الخناعي الهذلي، يخاطب عامر بن العجلان الهذلي. انظر الشعر وقصته في شرح أشعار الهذليين للسكري 51-53.

([8]) في الأصل: "أم به"، صوابه من الديوان 587 واللسان (وجس، أرض، موم).

([9]) البيت ينسب لطفيل الغنوي. انظر الاقتضاب ص335 واللسان (19: 124). وليس في ديوان طفيل انظر الملحقات ص62.

([10]) يقال أرضون بفتح الراء وسكونها، وأرضات بفتح الراء، وأروض بالضم.

([11]) الديوان 108 واللسان (أرض).

([12]) في الأصل: "عريض"، صوابه في اللسان (8: 382).

([13]) ابن أرض هنا، الوجه فيه الوجه فيه أنه شخص معين. ففي معجم البلدان (3: 309): "قال أبو محمد الأعرابي: ونزل باللعين المنقري ابن أرض المري، فذبح له كلباً فقال:

دعاني ابن أرض يبتغي الزاد بعدما *** ترامى حلامات به وأجارد"

وأنشد بعده ستة أبيات أخرى. والذي في اللسان (18: 100) وثمار القلوب 212 أن ابن أرض: نبت معين. والبيت في المجمل كما رواه ياقوت.

([14]) روايته في الديوان 52:

* في هيكل الضال وأرطى هيكل *

([15]) كذا. وفي اللسان: "قال أبو الهيثم: أرطت لحن، وإنما هو آرطت بألفين، لأن ألف أرطى أصلية".

([16]) بعده كما في المجمل:

حزنبل يأتيك بالبطيط *** ليس بذي حزم ولا سفيط

([17]) هو أول بيت في المفضليات. وانظر اللسان (3: 314).

([18]) عجز بيت لذي الرمة في ديوانه 905. وهو في اللسان (11: 284) وبرواية "المتملل". والمتململ والمتملل سيان. وصدر البيت:

* أتاني بلا شخص وقد نام صحبتي *

([19]) البيت في اللسان (أرق).

([20]) يقال أرقان بالفتح، وبالكسر، وبالتحريك، وبكسرتين، وبفتح فضم.

([21]) ديوان رؤبة 118.

([22]) تخير: تتخير. والبيت في ديوان الهذليين ص146 طبع دار الكتب وهو بتمامه:

تخير من لبن الآركا *** ت بالصيف بادية والحضر

وقبله:

أقامت به وابتنت خيمة  *** على قصب وفرات النهر

([23]) في اللسان (18: 84) : "بغي الجرح يبغي بغيا: فسد وأمد وورم وترامى إلى فساد". وانظر المخصص (5: 93).

([24]) كشب وأريك: جبلان بالبادية بينهما نأي من الأرض، وصف سرعتها وأنها سارت في يوم ما يسار في أيام. والبيت لبشامة بن عمرو في المفضليات (1: 55).

([25]) روي باللام في قول النابغة الذبياني، وروى اللسان ومعجم البلدان:

وهبت الريح من تلقاء ذي أرل *** تزجى مع الصبح من صرادها صرما

([26]) في اللسان: "الأرام".

([27]) انظر الكلام على فتح همزة "أنما" في اللسان (14: 279) والبيت وتاليه في اللسان (حرق)، وهما مع ثالث فيه مادة (أرم).

([28]) صدر بيت للكميت في اللسان (أرم). والبيت وسابقه:

تضيق بنا الفجاج وهن فيح *** ونجهر ماءها السدم الدفينا

ونأرم كل نابتة رعاء  *** وحشاشا لهن وحاطبينا

([29]) في الديوان ص18:

تراه إذا ما عدا صحبه  *** بجانبه مثل شاة الأرن

وقال: "روى أبو عبيدة: له جانبيه كشاة الأرن". والشاة: الثور الوحشي.

([30]) الحق أن الإران هاهنا الثور الوحشي، كما في اللسان، قال: "لأنه يؤارن البقرة أي يطلبها". وأما الشاهد النص في المعنى الذي أراده فهو قول القائل:

* كأنه تيس إران منبتل *

([31]) كلمة "متشاوسا" ساقطة من الأصل. وإثباتها من المجمل 25 واللسان.

([32]) البيت لساعدة بن جؤية الهذلي من قصيدة في ديوان الهذليين 177 دار الكتب واللسان (18: 174). وفي الأصل: "تجنى المواكب"، تحريف. وقبل البيت:

خصر كأن رضابه إذ ذقته *** بعد الهدو وقد تعالى الكوكب

([33]) جعل للنسور ضمير العاقلين.

([34]) قطعة من بيت للطرماح، وهو بتمامه كما في الديوان واللسان (18: 29):

إذا ما تأرت بالخلى بنت به *** شريجين مما تأتري وتتبع

([35]) في اللسان (18: 30): "والتزاق الأري بالعسالة: ائتراؤه".

([36]) انظر ديوان زهير 57 واللسان  (18: 30).

([37]) البيت لأعشى باهلة من قصيدة له في جمهرة أشعار العرب.

([38]) المعروف في الأمثال: "مأربة لا حفاوة".

([39]) في اللسان: "مثال صغر يصغر صغراً".

([40]) ديوان قيس بن الخطيم 11 واللسان (2: 203).

([41]) أي نفس الفتى رهن بقمرة غالب يسلبها. وصدره كما في الديوان 32 برواية الطوسي واللسان (1: 206) والمجمل 26:

* قضيت لبانات وسليت حاجة *

([42]) اللسان (1: 206) والميسر والقداح 148، وسيأتي برواية أخرى في ص92.

([43]) الحديث لعائشة. تعني أنه كان صلى الله عليه وسلم أغلبهم لهواه وحاجته. اللسان (1: 202).

([44]) يحابر وعبد القيس: قبيلتان. والبيت في ديوان الكميت 45 ليدن. وفي الأصل: "كأن بعبد القيس"، تحريف.

([45]) البيت ليس في ديوان المتلمس. وقد رواه أبو الفرج في (21: 125) منسوباً إليه. وانظر أمالي ثعلب

ص200. وقد نسبه في اللسان (مرس) إلى طرفة. ولم أجده في ديوانه أيضاً. ونسب إلى المتلمس أو عبد عمرو بن عمار في شرح القصائد السبع الطوال 131.

([46]) في الأصل: "كبدي" وأراد بالمعاقم العقد، والمعاقم: فقر في مؤخر الصلب. ولم أجد للبيت مرجعاً.

([47]) شطر من بيت للنابغة الجعدي، كما في اللسان (4: 129 س18)

([48]) الرواية في الميسر والقداح 147 واللسان (1: 206): "بيض مهاضيم". ويروى: "شم مخاميص ينسيهم مراديهم" والمرادي: الأردية، واحدها مرادة.

([49]) سبق البيت في ص90 برواية أخرى.

([50]) في الأصل: "بالدف"، صوابه في الديوان 29 واللسان (1: 206).

([51]) انظر خبر اليوم في معجم البلدان والعقد (3: 362) والميداني (2: 365) والخزانة (2: 191-193).

([52]) الضبارك: الضخم الثقيل. وفي الأصل: "صبارك"، صوابه في الديوان 882 واللسان (12: 345).

([53]) أي الحد بين الأرضين، يقال أرثة وأرفة، بالضم.

([54]) تكملة يستقيم بها الكلام.

([55]) هو أبو ذؤيب: انظر ديوان الهذليين (1: 59) طبع دار الكتب، واللسان (13: 79/ 16: 18).

([56]) من مرثية لصخر. وقبل البيت كما في ديوان الخنساء 77:

وتمنح خيلك أرض العدى *** وتنبذ بالغزو أطفالها

([57]) في الجمهرة (2: 216): "ذكر عن يونس وأبي مالك أنهما سمعاه من العرب". وفي المجمل: "وتأريخ الكتاب كلمة معربة معروفة".


ـ (باب الهمزة والزاء وما بعدهما في الثلاثي)

(أزف) الهمزة والزاء والفاء يدلّ على الدّنُوّ والمقارَبة، يقال أزِفَ الرّحيلُ([1]) إذا اقترب ودنا. قال الله تعالى: {أَزِفَتِ الآزِفَةُ} [النجم 57]، يعني القيامة. فأما المتَآزِف فمن هذا القياس، يقال رجل مُتآزف أي قصير متقارب الخَلْق. قالت أمُّ يزيد بن الطَّثْرِيّة([2]):

فَتىً قُدَّ قَدَّ السَّيْفِ لا مُتَآزِفٌ *** وَلا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وبآدِلُه

قال الشّيبانيّ: الضّيّقُ الخُلُق. وأنشد:

كبير مُشَاشِ الزَّوْر لا مُتَآزِف *** أَرَحّ وَلا جَادِي اليدين مُجَذَّر

المُجَذَّر: القصير. والجاذي: اليابس. وهذا البيت لا يدلُّ على شيء في الخُلُق وإنما هو في الخَلْق وإنما أراد الشاعرُ القصيرَ. ويقال تآزَفَ القوم إذا تَدَانَى بعضُهم من بَعْض. قال الشّيبانيّ: أزَفَنِي فلانٌ أي أعجلني يُؤزِفُ إيزَافاً. والمآزِف: المواضع القذِرة، واحدتها* مأزَفَةٌ. وقال:

كأَنَّ رداءَيهِ إذا ما ارتداهما  *** على جُعَلٍ يَغْشَى المآزِفَ بالنُّخَرْ([3])

وذلك لا يكاد يكون إلا في مَضِيق.

(أزق) الهمزة والزاء والقاف قياسٌ واحد وأصلٌ واحد، وهو الضّيق. قال الخليل وغيره: الأَزْقُ الضِّيق في الحرب، وكذلك يدعى مكان الوَغَى المأزِق. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال استُؤْزِق على فلانٍ إذا ضاق عليه المكان فلم يُطِقْ أن يَبْرُز. وهو في شعر العجّاج:

* [مَلاَلةً يَمَلُّها] وَأَزْقَا([4]) *

(أزل) وأما الهمزة والزاء واللام فأصلان: الضِّيق، والكَذِب. قال الخليل: الأزْل الشدّة، تقول هم في أَزْلٍ من العَيْشِ إذا كانوا في سَنَةٍ أو بَلْوَى. قال:

ابنا نِزَارٍ فَرَّجا الزّلازِلا *** عن المُصَلِّينَ وأَزْلاً آزِلا([5])

قال الشّيبانيّ: أزَلْتُ الماشية والقومَ أَزْلاً أي ضيّقْت عليهم. وأُزِلَتِ الإبلُ: حُبِست عن المرعَى. وأنشد ابن دُرَيد:

حَلَفَ خَشَّافٌ فأَوْفَى قِيلَهْ *** ليُرْعِيَنَّ رِعْيَةً مأزُولَهْ

ويقال أُزِلَ القوم يُؤْزَلُونَ إذا أجْدَبُوا. قال:

فَلْيُؤْزَلَنَّ وتبكُؤَنَّ لقاحُهُ *** ويُعَلَّلَنَّ صَبِيُّه بِسَمارِ([6])

السَّمارُ: المَذيِق الذي يكثر ماؤُه. والآزِل: الرجل المُجْدِب. قال شاعر:

من المُرْبِعِينَ وَمِنْ آزِلٍ  *** إذا جَنَّهُ اللّيلُ كالنّاحِطِ([7])

قال الخليل: يقال أَزَلْتُ الفرسَ إذا قَصَّرْتَ حبْلَه ثم أرسلتَه في مَرْعىً. قال أبو النّجم:

* لم يَرْعَ مَأزُولاً ولَمّا يُعْقَلِ([8]) *

وأما الكَذِب فالإزْل، قال ابن دارة([9]):

يقولونَ إزْلٌ حُبُّ لَيْلَى وَوُدُّها  *** وقد كَذَبُوا ما في مَوَدَّتِها إزْلُ([10])

وأَما الأزَل الذي هو القِدَم فالأصل ليس بقياس، ولكنّه كلامٌ مُوجَزٌ مُبدَل، إنّما كان "لم يَزَلْ" فأرادوا النّسبة إليه فلم يستقم، فنسَبُوا إلى يَزَل، ثم قلبوا الياء همزة فقالوا أَزَلِيٌّ، كما قالوا في ذي يَزَن([11]) حين نسبوا الرُّمْحَ إليه: أَزَنيٌّ.

(أزم) وأما الهمزة والزاء والميم فأصلٌ واحد، وهو الضِّيق وتَداني الشيء من الشيء بشدّةٍ والتِفَافٍ. قال الخليل: أَزَمْتُ وأنا آزِمٌ. والأزْم شدّة العَضّ. والفرسُ يأزِم على فأس اللِّجام. قال طرَفَة:

هَيْكَلاَتٌ وَفُحُولٌٍ حُصُنٌٍ *** أَعْوَجِيّاتٌٍ على الشّأْوِ أُزُمْ([12])

قال العامريّ: يقأل أزَمَ عليه إذا عَضَّ ولم يفتح فَمَه. قال أبو عُبيد: أزَمَ عليه إذا قبض بفمه، وبَزَم إذا كان بمقدَّم فيه. والحِمْـيَةُ تسمّى أزْماً من هذا، كأنّ الإنسان يُمسِكُ على فمه. ويقال أزَم الرّجل على صاحبه أي لزِمه، و آزَمَني كذا أي ألزَمَنِيه. والسّنة أَزمَةٌ للشِّدَّة التي فيها. قال: 

* إذا أزَمَتْ أَوَازِمُ كلِّ عامِ *

وأنشد أبو عمرو:

أبقَى مُلِمّاتُ الزَّمانِ العارِمِ *** منها ومَرُّ الغيَرِ الأَوَازِمِ

قال الأصمعي: سنَةٌ أَزُومٌ وأَزامِ مخفوضة، قال:

أهَانَ لهَا الطَّعَامَ فلمَ تُضِعْهُ *** غَدَاةَ الرَّوْعِ إذْ أَزَمَتْ أَزَامِ([13])

والأمْر الأَزُوم المُنكَر. قال الخليل: أَزَمْت العِنَانَ والحَبْل فأنا آزِمُ وهو مأْزُومٌ، إذا أحكَمْتَ ضَفْرَهُ. والمَأْزِم: مضيق الوادي ذِي الحُزُونة. والمأْزِمان: مَضيقَان بالحَرَم.

(أزي) الهمزة والزاء وما بعدهما من المعتلّ أصلان، إليهما ترجع فروعُ الباب كلِّه بإعمالِ دقيقِ النَّظر: أحدهما انضمام الشيءِ بعضهِ إلى بعضٍ، والآخر المحاذاة. قال الخليل أزَى الشيءُ يأزِي إذا اكتنَز بعضُهُ إلى بعض وانضمّ. قال:

* فهو آزٍ لحمُه زِيَم *

قال الشّيبانيّ: أَزَتِ الشمس للمغيب أزْياً. وأَزَى الظل يَأْزِي أزْياً وأُزِيّاً إذا قلَصَ. وأنشد غيره:

بادِر بشَيْخَيْكَ أُزِيَّ الظِّلِّ([14]) *** إنَّ الشَّبابَ عنهما مُوَلِّ

وإذا نقَصَ الماء قيل أَزَى، والقياس واحد. وكذلك أزَى المالُ. قال:

* حتى أَزَى ديوانُهُ المَحْسُوبُ *

ومن الباب قول الفرّاء: أَزَأْتُ عن الشيء إذا كَعَعْت عنه، لأنه إذا كَعّ تَقَبَّضَ وانضمّ. فهذا أحد الأصلين، والآخر الإزاء وهو الحِذاء، يقال آزيت فلاناً أي حاذيتهُ. *فأما القيّم الذي يقال له الإزاء فمن هذا أيضاً، لأنّ القيِّم بالشيء يكون أبداً إزَاءَه يَرقُبُه. وكذلك إزاء الحوض، لأنه محاذٍ ما يقابلُه. قال شاعر([15]) في الإزاء الذي هو القيّم:

إزاءُ مَعاشٍ لا يزال نِطاقُها *** شديداً وفيها سَوْرةٌ وهي قاعدُ([16])

قال أبو العَميثَل: سألني الأصمعيّ عن قول الراجز في وصف حوض:

* إزاؤُه كالظَّرِبَانِ المُوفي *

فقلت، الإزاء مصَبّ الدّلو في الحوض. فقال لي: كيف يشبّه مصبّ الدّلو بالظَّرِبان؟! فقلت: ما عندك فيه؟ قال لي: إنما أراد المستَقِيَ، من قولك فلان إزاءُ مالٍ إذا قام به [ووَلِيَه([17])]. وشبَّهه بالظَّرِبان لِذَفَرِ([18]) رائحته. وإمّا إزاء الحوض

فمصبّ الماء فيه، يقال آزيتُ الحوض إيزاء. قال الهذلي([19]):

لَعَمْرُ أبي لَيْلَى لقد ساقه المَنَى *** إلى جَدَثٍ يُوزَى لـه بالأَهاضِبِ([20])

وتقول آزيتُ، إذا صَبَبْتَ على الإزاءِ. قال رؤبة:

* نَغْرِفُ من ذِي غَيِّثٍ ونُؤْزِي([21]) *

وبعضهم يقول: إنما هو من قولك أَزَيتُ على صَنيع فلانٍ أي أضْعَفْتُ فإن كان كذا فلأن الضِّعفين كلُّ واحدٍ منهما إزاءَ الآخر. ويقال ناقة أَزِيَةٌ([22]) إذا كانت لا تشرب إلا من إزاءِ الحوض.

(أزب) الهمزة والزاء والباء أصلان: القِصَر والدقّة ونحوهما، والأصل الآخر النَّشاط والصَّخَب في بَغْي. قال ابن الأعرابي: الإزْب القصير. وأنشد:

وأُبْغِضُ من هُذَيْلٍ كلَّ إزْبٍ *** قَصيرِ الشّخص تحسَِبُه ولِيدا([23])

وقال الخليل: الإزْب الدقيق المفاصل، والأصل واحد. ويقال هو البخيل. من هذا القياس الميزاب والجمع المآزيب، وسمّي لدقته وضيق مجرى الماء فيه. الأصل الثاني، قال الأصمعي: الأُزْبيّ([24]) السّرعة والنشاط. قال الراجز([25]):

* حَتى أَتى أُزْبِيُّها بالإدْبِ([26]) *

قال الكسائيّ: أُزْبيٌّ وأزابيُّ الصَّخَب. وقوسٌ ذاتُ أُزْبيّ، وهو الصوت العالي. قال([27]):

كأَنَّ أُزْبِيَّها إذا رَدَمَتْ  *** هَزْمُ بُغَاةٍ في إثْرِ ما وَجَدُوا([28])

قال أبو عمرو: الأَزَابيُّ البغي([29]). قال:

ذات أزَابيَّ وذات دَهْرَسِ([30]) *** مما عليها دحمس([31])

(أزح) الهمزة والزاء والحاء. يقال أزَح إذا تخلَّف عن الشيء يَأْزِحُ. وأزح إذا تقبّض ودنا بعضُه من بعض([32]).

(أزد) قبيلة، والأصل السين، وقد ذكر في بابه.

(أزر) الهمزة والزاء والراء أصل واحد، وهو القوّة والشدّة، يقال تأزّر النّبت، إذا قوي واشتدّ. أنشدنا عليُّ بن إبراهيم القطّان قال: أملى علينا ثعلب:

تأَزّر فيه النَّبْتُ حتّى تخَايَلَتْ *** رُبَاهُ وحتى ما تَُرى الشَّاءُ َ نُوَّما([33])

يصف كثرةَ النّبات وأنّ الشاءَ تنام فيه فلا تُرى. والأزْرُ: القوّة، قال البَعِيث:

شدَدْتُ لـه أَزْرِي بمِرَّةِ حازِمٍ *** على مَوْقِعٍ مِنْ أمْرِهِ مُتَفاقِمِ([34])

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الرجل".

([2]) نسب في الحماسة (1: 381) واللسان (أزف) إلى العجير السلولي.

([3]) البيت للهيثم بن حسان التغلبي كما في اللسان.

([4]) وردت هذه الكلمة الأخيرة فقط في الأصل. وإكمال البيت من الديوان 40. وقبله:

* أصبح مسحول يؤازي شقا *

([5]) أزل آزل: شديد. والبيتان في اللسان (أزل).

([6]) الشعر لأبي مكعت الأسدي كما في الجمهرة (3: 255) والبيت في اللسان (أزل).

([7]) البيت لأسامة بن الحارث الهذلي، كما في الجمهرة (1: 264) والجزء الثاني من مجموعة أشعار الهذليين ص103.

([8]) البيت في اللسان (13: 13).

([9]) هو عبد الرحمن بن مسافع بن دارة، شاعر إسلامي، ترجم له أبو الفرج في (21: 49-57).

([10]) وكذا جاءت رواية البيت في اللسان (13: 14)، وصواب الرواية: "حب جمل" و"جمل" اسم صاحبته، وقد تكرر ذكرها في الأغاني (21: 50) في أبيات القصيدة.

([11]) قال ابن جني: ذو يزن غير مصروف، وأصله يزأن، بدليل قولهم رمح يزأني وأزأني. انظر اللسان (17: 348).

([12]) البيت في ديوان طرفة 59.

([13]) ويروى: "أزوم" كما في اللسان (14: 282).

([14]) في الأصل: "بشيخك"، تحريف.

([15]) هو حميد بن ثور الهلالي، كما في اللسان (18: 34).

([16]) في الأصل: "قاعدة"، وصواب الرواية ما أثبت من اللسان، وما سيأتي في (عيش) حيث نسبه إلى حميد. ورواه في المحكم:

إزاء معاش ما تحل إزارها  *** من الكيس فيها سورة وهي قاعد

([17]) التكملة من اللسان.

([18]) في اللسان: "لدفر" بالدال المهملة، وهما بمعنى.

([19]) هو صخر الغي الهذلي، كما في اللسان (20: 161). ورواه في (2: 283) بنسبة الهذلي فقط، وهو مطلع قصيدة له في شرح أشعار الهذليين ص6.

([20]) المنى، بالفتح والقصر: القدر والمنية. ورسمت في الأصل بالألف، والوجه الياء. والأهاضب، أراد الأهاضيب فحذف الياء اضطراراً. وهو جمع أهضوبة، وهي الهضبة. وروي في اللسان (2: 283): "لعمر أبي عمرو"، وهي رواية الهذليين. وأبو عمرو هو أخو صخر الغي.

([21]) في الأصل: "تغرف" و"توزي"، صوابهما من اللسان (2: 481/ 19 : 35). وفي الديوان ص 64: "أغرف من ذي حدب وأوزي". وقبل البيت كما في الديوان واللسان (19: 35):

لا توعدني حية بالنكز *** أنا ابن أنضاد إليها أرزي

([22]) يقال أزية وآزية.

([23]) البيت مع قرين له في اللسان (أزب).

([24]) الوجه فيه أن يكون في مادة (زبي) كما في اللسان (19: 72)، ووزنه أفعول.

([25]) هو منظور بن حبة، كما في اللسان (1: 201/ 19: 72) والجمهرة (3: 365-366) وقبل البيت:

بشمجى المشي عجول الوثب *** أرأمتها الأنساع قبل السقب

([26]) الإدب، بالكسر: العجب، كما نقل في اللسان عن ابن فارس.

([27]) هو صخر الغي، كما في اللسان (15: 128/19: 73).

([28]) ردمت: صوتت بالإنباض. والهزم: الصوت. والباغي: الذي يطلب الشيء الضال. ورواية اللسان: "في إثر ما فقدوا"، والمعنى يتوجه بكلا الروايتين، فهم يصيحون عند الطلب، وهم يضجون عند حصولهم على ما فقدوا.

([29]) كذا، وفي اللسان أنه ضروب مختلفة من السير.

([30]) ذات دهرس: ذات خفة ونشاط. وهذا البيت في اللسان (دهرس).

([31]) كذا ورد البيت على ما به من نقص.

([32]) لم يصرح بالأصل المعنوي للمادة وذلك لقلة مفرداتها، فاكتفى بالشرح عن النص على المعنى السائر فيها.

([33]) وكذا روايته في اللسان (5: 76) لكن في (13: 243): "حتى تخيلت" وهما صحيحتان؛ يقال وجدت أرضا متخيلة ومتخايلة، إذا بلغ نبتها المدى وخرج زهرها.

([34]) روايته في اللسان (5: 75): "من أمره ما يعاجله"؛ ولعلهما من قصيدتين له.


ـ (باب الهمزة والسين وما يثلثهما)

(أسف) الهمزة والسين والفاء أصلٌ واحد يدلّ على الفَوت والتلهُّف وما أشبه ذلك. يقال أسِفَ على الشيء يَأْسَفُ أسَفاً مثل تلهف. والأَسِفُ الغضْبان، قال الله تعالى: وَلَمَّا رَجَعَ مُوسَى إلى قَوْمِهِ غَضْبَانَ أَسِفاً[الأعراف 150]، وقال الأعشى:

أرَى رَجُلاً منهُمْ أسيفاً كأنَّما *** يضُمُّ إلى كشْحَيْهِ كَفّاً مُخَضَّبا

فيُقال هو الغَضبان. ويقال إنّ الأَُسَافة([1]) الأرض التي لا تنبت شيئاً؛ وهذا هو القياس، لأنّ النّبات([2]) قد فاتَها. وكذلك الجمل الأسيف، وهو الذي لا يكاد يَسْمَنُ. وأمّا التابع وتسميتهم إيّاه أسيفاً فليس من الباب، لأنّ الهمزة منقلبةٌ من عين، وقد ذكر في بابه.

(أسك) الهمزة والسين والكاف بناؤه في الكتابين([3]). وقال أهل اللغة: المأسوكة التي أخطأت خافِضتُها فأصابت غيرَ موضع الخَفْض.

(أسل) الهمزة والسين واللام تدلُّ على حِدّة الشيء وطولهِ في دقّة. وقال الخليل: الأسَل الرِّماح. قال: وسمّيت بذلك* تشبيهاً لها بأسَل النبات. وكلُّ نبتٍ له شوكٌ طويل فشوكه أسَلٌ. والأَسَلةُ مستدَقُّ الذِّراع. والأسَلة: مستدقُّ اللِّسان. قالوا: وكلُّ شيءٍ محدّد فهو مؤسَّل. قال مزاحم:

يُباري سدِيساها إذا تلمَّجتْ *** شَباً مثلَ إبزيم السِّلاح المؤَسَّلِ([4])

يباري: يعارض. سديساها: ضرسان في أقصى الفم، طالا حتّى صارا يعارضان النّابين، وهما الشبا الذي ذَكَر. والإبزيم: الحديدة التي تراها في المِنْطقة دقيقةً تُمسِك المِنْطقَة إذا شُدّت.

(أسم) الهمزة والسين والميم كلمة واحدة، وهو أُسامةُ، اسمٌ من أسماء الأسد.

(أسن) الهمزة والسين والنون أصلان، أحدهما تغيّر الشيء، والآخر السَّبب. فأ[مّا ا] لأوّل فيقال أسَنَ الماء يأسِنُ ويأسُنُ. إذا تغير. هذا هو المشهور، وقد يقال أَسِنَ. قال الله تعالى: {مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ} [محمد 15].  وأسِنَ الرّجُل إذا غُشِيَ عليه مِن ريح البئر. وهاهنا كلمتان مَعْلولتان ليستا بأصل، إحداهما الأُسُن وهو بقيّة الشَّحم، وهذه همزةٌ مبدلة من عَين، إنما هو عُسُنٌ، والأخرى قولهم تأسَّنَ تأسُّناً إذا اعتلّ وأبطأ. وعلّة هذه أنّ أبا زيد قال:

إنّما هي تأَسَّرَ تأسُّراً، فهذه علّتها. والأصل الآخر قولهم الآسانُ: الحبال قال([5]):

وقد كنت أهوَى النّاقِمِيَّةَ حِقْبةً *** فقد جَعَلَت آسَانُ بينٍ تَقَطَّعُ([6])

واستعير هذا في قولهم: هو على آسانٍ من أبيه، أي طرائق.

(أسو) الهمزة والسين والواو أصل واحد يدلّ على المداواة والإصلاح، يقال أسَوْت الجُرْحَ إذا داويتَه، ولذلك يسمَّى الطبيب الآسِي. قال الحطيئة:

هم الآسُونَ أُمَّ الرّأسِ لَمّا  *** تَوَاكَلَها الأطِبَّةُ والإساءُ([7])

أي المُعالجُون. كذا قال الأمويّ([8]). ويقال أسوت الجرح أسْواً وأساً، إذا داويتَه. قال الأعشى:

عندَهُ البِرُّ والتُّقى وأسا الشّـ *** ـــقّ وحَمْلٌ لمُضْلِعِ الأثْقالِ

ويقال أسَوتُ بين القوم، إذا أصلحتَ بينهم. ومن هذا الباب: لي في فُلانٍ إسْوَةٌ أي قَُِدوة، أي إنّي أقتدي به. وأسَّيتُ فلاناً إذا عَزّيتَهُ، من هذا، أي قلت لـه: ليكنْ لك بفلان أسوة فقد أصيب بمثل ما أُصِبتَ به فرضِي وسَلَّم. ومن هذا الباب: آسَيْتُهُ بنفسي.

(أسي) الهمزة والسين والياء كلمة واحدة، وهو الحزن؛ يقال أَسِيتُ على الشيء آسَى أسىً، أي حزنتُ عليه.

(أسد) الهمزة والسين والدال، يدلّ على قوّة الشَّيء، ولذلك سُمِّي الأسدُ أسداً لقوّته، ومنه اشتقاق كلِّ ما أشبهه، يقال استأسَدَ النَّبت قَوِيَ. قال الحطيئة:

بِمُستأسِدِ القُرْيانِ حُوٍّ تِلاعُهُ *** فنُوّارُهُ مِيلٌ إلى الشّمسِ زاهِرُه

ويقال استَأْسَدَ عليه اجْتَرَأ. قال ابن الأعرابي: أَسَدْتُ الرَّجُل([9]) مثل سَبَعْتُه. وأَسْدٌ بسكون السين، الذين يقال لهم الأَزْد، ولعلّه من الباب. وأمّا الإسادَةُ فليست من الباب، لأنّ الهمزة منقلبة عن واو. و[كذا([10])] الأُسْدِي في قول الحطيئة:

مستهلك الورْدِ كالأُسْدِيِّ قد جَعَلَتْ  *** أيْدِي المَطِيِّ به عَادِيَّةً رُغُبا

(أسر) الهمزة والسين والراء أصل واحد، وقياسٌ مطرّد، وهو الحبس، وهو الإمساك. من ذلك الأسير، وكانوا يشدُّونه بالقِدِّ وهو الإسار، فسمي كلُّ أخيذٍ وإنْ لم يُؤْسرْ أسيراً. قال الأعشى:

وَقيّدَني الشِّعْرُ في بيته *** كما قَيّد الآسِراتُ الحِمارَا([11])

أي أنا في بيته، يريد بذلك بلوغه النّهاية فيه. والعرب تقول أسرَ قَتَبَهُ([12])، أي شدّه. وقال الله تعالى: {وشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ} [الإنسان 28]، يقال أراد الخَلْق، ويقال بل أراد مَجرى ما يخرج من السَّبيلَين. وأُسْرَةُ الرّجُل رَهْطه، لأنّه يتقوَّى بهم. وتقول أسيرٌ وأَسْرَى في الجمع وأسارى بالفتح([13]). والأُسْرُ احتباس البَوْل.

 

ـ (باب الهمزة والشين وما بعدهما في الثلاثي)

(أشف) الهمزة* والشين والفاء كلمةٌ ليست بالأصلية فلذلك لم نذكرها. والذي سمع فيه الإشْفَى.

(أشا) الهمزة والشين والألف. والأَشاء صغار النَّخلِ، الواحدة أَشاءَةٌ.

(أشب) الهمزة والشين والباء يدلّ على اختلاطٍ والتفاف، يقال عِيصٌ أشبٌ أي ملتفّ، وجاء فلانٌ في عددٍ أشِبٍ. وتأشَّب القَومُ اختلطوا. ويقال أَشَبْتُ فلاناً آشِبُهُ([14])، إذا لُمْتَه، كأنّك لفّقْتَ عليه قبيحاً فلُمْتَه فيه([15]). قال أبو ذؤيب:

ويأشِبني فيها الذين يَلُونَها  *** ولو عَلِمُوا لَم يأشِبُوني بطَائِلِ([16])

والأُشابة الأخلاط من النّاس في قوله([17]):

وثِقْتُ لـه بالنَّصر إذ قيل قد غَزَتْ *** قبائلُ من غَسَّانَ غير أشائِبِ

(أشر) الهمزة والشين والراء، أصلٌ واحدٌ يدلّ على الحِدّة. من ذلك قولهم: هو أشِرٌ، أي بَطِرٌ مُتَسرِّعٌ ذو حِدّة. ويقال منه أَشِر يَأْشَر. ومنه قولهم ناقةٌ مِئْشِيرٌ، مِفعيل من الأَشَر. قال أوس:

حَرْفٌ أخوها أبوها من مُهَجَّنَةٍٍ *** وعَمُّها خالُها وَجْنَاءُ مِئْشِِيرُ([18])

ورجل أَشِرٌ وأَشُرٌ. والأُشُر رقّة وحِدّةٌ في أطراف الأسنان: قال طرفة:

بَدّلَتْهُ الشَّمْسُ من مَنْبِتِهِ *** برَداً أبْيَضَ مَصقُولَ الأُشُرْ([19])

وأشَرت الخشبَة بالمئشار من هذا.

ــــــــــــــــــ

([1]) تقال بفتح الهمزة وضمها.

([2]) في الأصل: "النباس"

([3]) لم يتضح ما يريد بهذه الكلمة. ولعلها: "لم يرد بناؤه في الكتابين".

([4]) تلمجت: تلمظت. وفي الأصل: "تلجمت"، صوابه من اللسان (13: 15).

([5]) نسب في اللسان (16: 71، 156) إلى سعد بن زيد مناة.

([6]) في اللسان: "الناقمية هي رقاش بنت عامر. وبنو الناقمية بطن من عبد القيس.. وناقم: حي من اليمن". والبيت في (16: 71) مطابق ما هنا. وفي (16: 156): "آسان وصل"، وهذه واضحة لا تحتاج إلى تكلف.

([7]) ديوان الحطيئة 27 واللسان (18: 36).

([8]) جعله جمعاً لآس، كما تقول راع ورعاء. والإساء بالكسر أيضاً: الدواء؛ ويقال كذلك في جمع آس أساة. قال كراع: ليس في الكلام ما يعتقب عليه فعلة وفعال إلا هذا وقولهم رعاة ورعاء في جمع راع.

([9]) لم أجد هذه الكلمة فيما لدي من المعاجم.

([10]) بمثلها يتم الكلام، وقد أنشد البيت في اللسان (4: 39). والأسدي: ضرب من الثياب. قال ابن بري: "ووهم من جعله في فصل أسد، وصوابه أن يذكر في فصل سدى. قال أبو علي: يقال أسدى وأستى، وهو جمع سدى وستى للثوب المسدى، كأمعوز جمع معز". والبيت في ديوان الحطيئة 4.

([11]) البيت في ديوان الأعشى 410 ورواه في اللسان (5: 292) وذكر أن الآسرات النساء اللواتي يؤكدن الرحائل بالقد ويوثقنها. والحمار، هاهنا: خشبة في مقدم الرحل تقبض عليها المرأة. وفي الأصل "الآسران"، صوابه من الديوان واللسان والمجمل.

([12]) القتب للجمل كالإكاف لغيره. وفي الأصل: "قبة" وانظر اللسان (5: 76).

([13]) يقال أسارى، بفتح الهمزة وضمها، ويقال أيضاً أسراء.

([14]) يقال أشبه يأشبه ويأشبه أشبا، من باب ضرب ونصر.

([15]) في الأصل: "فلمه فيه". وقد تكون: "فلففته فيه".

([16]) في الأصل: "ويأشبني فيه"، والصواب من اللسان (1: 209) والديوان ص144. ورواية الديوان: "الأولاء يلونها".

([17]) هو النابغة الذبياني، من صقيدة له في ديوانه 2-9. ويروى: "كتائب من غسان".

([18]) البيت في ديوانه ص8 طبع جاير. ونظيره بيت كعب بن زهير:

حرف أخوها أبوها من مهجنة *** وعمها خالها قوداء شمليل

انظر شرح ابن هشام لبانت سعاد 55-56. وفي الأصل : "أبوها أخوها" وصواب الرواية من الديوان. وقد عنى بذلك أن أخاها يشبه أباها في الكرم، كما عمها يشبه خالها في ذلك. وزعم بعضهم أنّه يريد التحقيق وأنها من إبل كرام، فبعضها يحمل على بعض حفظاً للنوع. ولهذا النسب صور، منها أن فحلاً ضرب بنته فأتت ببعيرين فضربها أحدهما فأتت بهذه الناقة. وقال الفارسي في تذكرته: صورة قوله أخوها أبوها أن أمها أتت بفحل فألقي عليها فأتت بهذه الناقة. وأما عمها خالها فيتجه على النكاح الشرعي، تزوج أبو أبيك بأم أمك فولد لهما غلام فهو عمك وخالك إلا أنه عم لأب وخال لأم. صورة أخرى: تزوجت أختك من أمك أخاك من أبيك فولد لهما ولد، فأنت عم هذا الغلام أخو أبيه، وخاله لأنك أخو أمه من أمها. اهـ. قال ابن هشام: "ولا ينطبق تفسير أبي علي رحمه الله على ما ذكرت في البيت؛ لأن الشاعر لم يصف الناقة بأحد النسبين، بل بهما معاً".

([19]) كان الغلام من العرب إذا سقطت له سن أخذها بين السبابة والإبهام واستقبل الشمس إذا طلعت، وقذف بها وقال: يا شمس أبدليني بسن أحسن منها ولتجر في ظلمها إياتك. انظر شرح ديوان طرفة 22، 65.


ـ (باب الهمزة والصاد وما بعدهما في الثلاثي)

(أصل) الهمزة والصاد واللام، ثلاثة أصولٍ متباعدٍ بعضُها من بعض، أحدها: أساس الشيء، والثاني: الحيّة، والثالث: ما كان من النّهار بعد العشيّ. فأما الأوّل فالأصل أصل الشيء، قال الكِسائيّ في قولهم: "لا أصْلَ له ولا فَصل له([1])": إنّ الأصل الحسب، والفَصْل اللسان. ويقال مَجْدٌ أصيلٌ. وأمّا الأصَلة فالحيّة العظيمة. وفي الحديث في ذكر الدجّال: "كأَنّ رأسَهُ أصَلَةٌ". وأمّا الزمان فالأصيل بعد العَشِيّ وجمعه أصُلٌ وآصالٌ. و[يقال] أصيلٌ وأصيلَةٌ، والجمع أصائل. قال([2]):

لعَمْري لأَنْت البيتُ أُكرِمُ أهْلَهُ *** وأقْعُدُ في أفيَائِهِ ([3]) بالأصائلِ

(أصد) الهمزة والصاد والدال، شيء يشتمل على الشيء. يقولون للحظيرة أصيدةٌ، سمّيت بذلك لاشتمالها على ما فيها. ومن ذلك الأُصْدة، وهو قميصٌ صغير يلبسه الصبايا، ويقال صَبِيّةٌ ذات مُؤَصَّد. قال:

تعلّقت ليلَى وهي ذات مؤَصَّدٍ *** ولم يَبْدُ [للأتراب] من ثديها حَجْم([4])

(أصر) الهمزة والصاد والراء، أصلٌ واحدٌ يتفرع منه أشياء متقاربة. فالأصر الحبسُ والعَطف وما في معناهما. وتفسيرُ ذلك أنَّ العهد يقال له إصْرٌ، والقرابة تسمى آصِرَةٌ، وكل عقدٍ وقرابةٍ وَعهدٍ إصرٌ. والبابُ كلُّه واحد. والعرب تقول: "ما تأصِرُني على فلان آصِرَةٌ"، أي ما تعطفني عليه قرابة. قال

الحطيئة:

أضم عفوا عليّ بغير آ *** صرَةٍ فقد عظُم الأَواصِرْ([5])

أي عطفوا عليّ بغير عهدٍ ولا قرابة. والمأْصَِرُ([6]) من هذا، لأنه شيء يُحْبَس [به]. فأما قولهم إنّ [العهد([7])] الثّقيل إصْرٌ فهو [من] هذا، لأنّ العهدَ والقرابةَ لهما إصْرٌ ينبغي أن يُتَحمَّل. ويقال أصَرْتُه إذا حبستَه. ومن هذا الباب الإصار، وهو الطُّنُب، وجمعه أُصُرٌ. ويقال هو وتد الطُّنُب. فأمّا قول الأعشى:

فهذا يُعِدُّ لَهنَّ الخلا *** ويَجْعلُ ذا بينهنَّ الإصَارا([8])

ـ (باب الهمزة والضاد وما بعدهما في الثلاثي)

(أضم) الهمزة والضاد والميم أصلٌ واحدٌ وكلمة واحدة، وهو الحقد، يقال أضِمَ عليه، إذا حقَد واغتاظ. قال الجعديّ:

وَأَزْجُرُ الكاشِحَ العَدُوَّ إذا اغْـ  *** تابَكَ زَجْراً مِنِّي على أَضَمِ([9])

(أضا) الهمزة والضاد مع اعتلال ما بعدهما كلمةٌ واحدة، وهي الأضاة، مكان يَستَنقِع فيه الماء كالغدير. قال أبو عُبيد: الأضاة الماء المستنقِع، من سيلٍ أو غيره، وجمعه أضاً، وجمع الأضا إضاءٌ ممدود، وهو نادر([10]).

 

ـ (باب الهمزة والطاء وما بعدهما في الثلاثي)

(أطل) الهمزة والطاء واللام، أصلٌ واحد وكلمة واحدة، وهو الإطِلُ والإطْلُ، وهي الخاصرة؛ وجمعه آطال. وكذلك الأَيْطَل. قال امرؤ القيس:

له أيْطَلا ظبيٍ وساقا نَعامةٍ *** وإرْخاءُ سِرْحانٍ وتقريبُ تَتْفُلِ

وذا لا يُقاس عليه.

(أطم) الهمزة والطاء والميم، يدلّ على الحبس والإحاطة بالشيء، يقال للحصْنِ الأُطُم وجمعُهُ آطامٌ، قال امرؤ القيس:

وَتيْماءَ لم يَتْركْ بِها جِذعَ نَخلةٍ *** ولا أُطُماً إلاّ مَشِيداً بجَنْدلِ

ومن هذا الباب الأُطامُ([11]): احتباسُ البطن. والأطيمة: موقد النّار والجمع الأطائم. قال الأسْعر([12]):

في موقِفٍ ذَرِبِ الشّبَا وكأنّما  *** فيه الرجال على الأطائِمِ واللّظَى

(أطر) الهمزة والطاء والراء أصل واحد، وهو عطف الشيء على الشيء أو إحاطتُه به. قال أهلُ اللُّغة: كلُّ شيءٍ أحاط بشيءٍ فهو إطارٌ. ويقال لما حول الشَّفَة من حَرْفها إطار([13]). ويقال بنو فلانٍ إطارٌ لبني فلان، إذا حَلُّوا حَولَهم. قال بشر:

وحَلَّ الحَيُّ حَيُّ بني سُبَيعٍ *** قُرَاضِبَةً ونحن لهمْ إطارُ([14])

ويقال أطَرْتُ العودَ، إذا عطفتَه، فهو مَأْطُورٌ. ومنه حديث النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "حتّى تأخذوا على يَدَيِ الظالم وتَأطِرُوه على الحقِّ أطْراً([15])، أي تعطفوه. ويقال أطَرْتُ القوسَ، إذا عطفتَها، قال طَرَفة:

كَأَنَّ كِناسَيْ ضالَةٍ يكُنفانها *** وأَطْرَ قِسِيٍّ تحتَ صُلْبٍ مؤيّدِ

ويقال للعَقَبة التي تجمع [الفُوق]([16]) أُطْرَةٌ، يقال منه أطَرْتُ السَّهم أَطْراً. وسمعت عليّ بن إبراهيم القطان يقول: سمعت ثعلباً يقول: التأطُّر التمكُّث. وقد شذّت من الباب كلمة واحدة، وهي الأَطِيرُ، وهو الذّنْب. يقال أخذني بأَطيرِ غيري، أي بذنْبه. وكذلك فسَّرُوا قول عبد الله بن سلمة:

وإنْ أكْبَرْ فلاَ بأطِيرِ إصْرٍ *** يُفَارِقُ عاتِقي ذَكَرٌ خَشِيبُ([17])

 ـــــــــــــــ

([1]) لا يزال هذا التعبير معروفاً إلى زماننا هذا، ولكن بمعنى الكذب، يقولون: هذا الكلام لا أصل له ولا فصل، وأحياناً يعبر به عن ضعة النسب فيقال: فلان لا أصل لـه ولا فصل. وفي الأصل: "ولا وصل له".

([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي. انظر ديوانه ص110 والخزانة (2: 489-497) واللسان (13: 16) والإنصاف 428.

([3]) في الأصل: "في أفنائه"، صوابه من المراجع السابقة.

([4]) التكملة من أمالي ثعلب 60 وأمالي القالي (1: 216). وصدره في أمالي القالي:

* وعلقت ليلى وهي غر صغيرة *

والبيت للمجنون. ويروى شبهه لكثير عزة في الجمهرة (3: 275) واللسان (أصد):

وعلقت ليلى وهي ذات مؤصد *** مجوب ولما تلبس الدرع ريدها

وفي الجمهرة: "صبياً ولما تلبس الإتب".

([5]) ديوان الحطيئة ص19.

([6]) ضبطه في القاموس كمجلس ومرقد، وهو المحبس. وفي اللسان أنه ما يمد على طريق أو نهر تؤصر به السفن والسابلة، لتؤخذ منهم العشور.

([7]) التكملة من اللسان (5: 80).

([8]) رواية الديوان 36:

* ويجمع ذا بينهن الخضارا *

وفي الكلام نقص بعد البيت، وقد أنشد هذا البيت في اللسان (5: 82) مستشهداً به على أن "الإصار" ما حواه المحش من الحشيش.

([9]) البيت في الكامل 326 ليبسك، وبعده:

زجر أبي عروة السباع إذا  *** أشفق أن يختلطن بالغنم

([10]) قال ابن سيده: "وهذا غير قوي، لأنه إنما يقضي على الشيء أنه جمع جمع إذا لم يوجد من ذلك بد. فأما إذا وجدنا منه بداً فلا. ونحن نجد الآن مندوحة من جمع الجمع، فإن نظير أضاة وإضاء ما قدمناه من رقبة ورقاب، ورحبة ورحاب، فلا ضرورة بنا إلى جمع الجمع".

([11]) في الأصل "أطام".

([12]) البيت روي في اللسان (14: 285) منسوباً إلى الأفوه الأودي، وليس في ديوانه كما أنه ليس في قصيدة الأسعر التي على هذا الروي في الأصمعيات ص3.

([13]) وهو ما بين مقص الشارب والشفة.

([14]) يروى "قراضبة" بالفتح، جمع قرضوب وقرضاب وهو المحتاج، موقعه حال. وبالضم: بلد. انظر المفضليات (2: 141) طبع المعارف.

([15]) في الأصل: "على بيتي الظالم" صوابه من اللسان (5: 83).

([16]) التكملة من اللسان (5: 84). والفوق من السهم : مشق رأسه حيث يقع الوتر.

([17]) بأطير إصر، قسم بعهد وميثاق يحيط به ولا يخرج عنه، وهو قسم معترض بين النافي والمنفي. انظر المفضليات (1: 101).


ـ (باب الهمزة والفاء وما بعدهما في الثلاثي)

(أفق) الهمزة والفاء والقاف أصل واحد، يدلّ على تباعُد ما بين أطراف الشيء واتساعِه، وعلى بلوغ النهاية. ومن ذلك الآفاق: النواحي والأطراف ، وآفاق البيت من بيوت الأعراب: نواحيه دون سَمْكِهِ. وأنشد يصف الخِلال:

وأقصَمَ سَيَّارٍ مع الناس لم يَدَعْ  *** تراوُحُ آفاقِ السّماء لـه صدرَا([1])

ولذلك يقال أَفَق الرَّجُل، إذا ذهب في الأرض. وأخبرني أبو بكر أحمد بن محمد بن إسحاق الدِّينوريُّ قراءةً عليه، قال: حدَّثني أبو عبد الله الحسين بن مسبِّح قال: سمعت أبا حنيفة يقول: للسّماء آفاقٌ وللأرض آفاق، فأمّا آفاق السماء فما انتهى إليه البصر منها مع وجه الأرض من جميع نواحيها، وهو الحدُّ بين ما بَطَن من الفَلَك وبين ما ظَهَر من الأرض، قال الراجز:

* قبلَ دُنُّوِّ الأُفْقِ من جَوْزائِه *

يريد: قبل طلوع الجوزاء؛ لأنّ الطلوع والغُروب هما على الأفق. وقال يصف الشمس:

* فهي على الأُفْقِ كَعْينِ الأحولِ([2]) *

وقال آخر:

حتى إذا منظر الغربيِّ حارَ دَماً *** من حُمرة الشّمسِ لمّا اغتالَها الأُفُقُ([3])

واغتيالُهُ إيّاها تغييبه لها. قال: وأما آفاق الأرض فأطرافها من حيث أحاطت بك. قال الراجز([4]):

تكفيك من بعض ازديارِ الآفاقْ([5]) *** سَمْراءُ ممّا دَرَس ابنُ مِخْرَاقْ([6])

ويقال للرّجُل إذا كان من أُفُقٍ من الآفاق أفُقِيٌّ وأَفَقِيٌّ، وكذلك الكوكب إذا كان قريباً مجراه من الأفق لا يكبِّد السماء([7])، فهو أُفُقِيٌّ وَأَفَقِيٌّ. إلى هاهنا

كلام أبي حنيفة. ويقال الرّجُل الأفق الذي بلغ النهاية* في الكرم. وامرأة آفِقَةٌ. قال الأعشى:

آفِقاً يُجْبَي إليه خَرْجُهُ  *** كلُّ ما بين عُمَانٍِ فَمَلَحْ([8])

أبو عمرو: الآفق: مثل الفائق، يقال أفَقَ يأفِق أَفْقاً إذا غَلَب، والأفق الغَلَبة. ويقال فرس أُفُقٌ على فُعُل، أي رائعة. فأمّا قول الأعشى:

ولا الملك النُّعمانُ يومَ لقيتُه  *** [بغبطته] يُعْطِي القُطُوطَ ويأفِقُ([9])

فقال الخليل: معناه أنّه يأخذ من الآفاق. قال: واحد الآفاق أُفُق، وهي الناحية من نواحي الأرض. قال ابن السّكّيت: رجل أَفَقِيٌّ من أهل الآفاق، جاء على غير قياس. وقد قيل أُفقيٌّ. قال ابنُ الأعرابيّ: أفَقُ الطّريقِ مِنهاجُه، يقال قعدت على أَفَق الطّريق ونَهْجه. ومن هذا الباب قول ابن الأعرابي: الأَفَقَةُ الخاصرة، والجماعة الأفَق. قال:

* يَشْقَى به صَفْحُ الفَريصِ والأَفَقْ([10]) *

ويقال شَرِبْت حتى مَلأت أفَقَتَيَّ([11]). وقال أبو عمرو وغيره: دلوٌ أفِيقٌ، إذا كانت فاضلة على الدِّلاء. قال:

* ليستْ بِدَلْوٍ بل هِيَ الأَفِيقُ *

ولذلك سمِّي الجِلْد بعد الدَّبغ الأَفيق، وجمعه أَفَقٌ([12])، ويجوز أُفُقٌ([13]). فهذا ما في اللغة واشتقاقها. وأمّا يوم الأُفاقة فمن أيام العرب، وهو يوم العَُظَالى، ويوم أَعْشاشٍ، ويوم مُلَيْحة- وأُفَاقَة موضع- وكان من حديثه أنّ بسطّامَ بنَ قيسٍ أقْبَل في ثلاثمائةِ فارسٍ يتوكّفُ انحدارَ بني يربوعٍ في الحَزْن، فأَوّلُ مَن طَلَع منهم بنو زُبَيْد حَتى حَلُّوا الحديقةَ بالأُفاقة، وأقبل بِسطامٌ يَرْتَبئ، فرأى السَّوادَ بحديقة الأُفاقة، ورأى منهم غلاماً فقال لـه: من هؤلاء؟ فقال: بنو زُبيد. قال: فأين بنو عُبيدٍ وبنو أَزْنَمَ؟ قال: بروضة الثَّمَد. قال بسطامٌ لقومه: أطيعُوني واقبِضوا على هذا الحيّ الحريدِ من زُبيد، فإنّ السّلامة إحدى الغنيمتين. قالوا: انتفَخَ سَحْرك، بل نَتَلَقَّطُ بني زُبيدٍ ثمّ نتلقَّط سائرَهم كما تُتَلقَّط الكَمأَة. قال: إني أخشَى أن يتلقّاكُم غداً طعْنٌ يُنسيكم الغنيمةَ! وأحسَّتْ فرسٌ لأُسيد بن حِنَّاءَة بالخيل، فبحثت بيدها، فركب أُسَيد وتوجّه نحوَ بني يربوعٍ، ونادى: يا صباحاه، يا آل يربوع! فلم يرتفع الضَّحاءُ حتّى تلاحَقُوا بالغَبِيط، وجاء الأُحَيْمِر بنُ عبد الله فرمى بِسطاماً بفرسه الشَّقراء- ويزعمون أنّ الأحيمر لم يطعن برمح قطّ إلا انكسر، فكان يقال لـه "مكسِّر الرِّماح"- فلما أَهْوَى ليطعُنَ بِسطاماً انهزم بسطامٌ ومَن معه بعد قتْل مَن قُتِل منهم، ففي ذلك يقول شاعر([14]):

فإنْ يَك في جَيش الغَبِيطِ ملامةٌ *** فجيشُ العَُظَالَى كان أخْزَى وأَلْوَما

وفَرَّ أبو الصَّهباءِ إذ حَمِسَ الوَغى *** وألقى بأبدان السّلاح وسَلّما([15])

فلو أنَّها عُصفورةٌ لحسبتَها *** مُسوَّمَةً تدعُو عُبَيْداً وأَزْنَما

وهذا اليوم هو يوم الإيادِ، الذي يقول فيه جرير:

وما شهدَتْ يوم الإيادِ مُجَاشِعٌ *** وذا نَجَبٍ يومَ الأسنّةُ تَرْعَُفُ([16])

(أفك) الهمزة والفاء والكاف أصل واحد، يدلُّ على قلب الشيء وصرْفِه عن جِهَته([17]). يقال أُفِكَ الشَّيءُ. وأَفِكَ الرّجُلُ، إذا كذَب([18]). والإفك الكذِب. وأفكتُ الرّجُلَ عن الشيء، إذا صرفتَه عنه. قال الله تعالى: {قالُوا أَجِئْتَنا لِتأْفِكَنَا عَنْ آلِهَتِنَا} [الأحقاف 22]. وقال شاعر([19]):

إن تكُ عن أفضل الخليفةِ مَأْ *** فُوكاً ففي آخَرِينَ قد أُفِكُوا([20])

والمؤتفكات: الرياح التي تختلف مَهابُّها. يقولون:"إذا كثُرت المؤتفكات زَكَتِ الأرض([21])".

(أفل) الهمزة والفاء واللام أصلان: أحدهما الغيبة، والثاني الصِّغار من الإبل. فأمّا الغَيبة فيقال أفَلت الشّمس غابت، ونجوم أُفَّلٌ. وكلُّ شيءٍ غابَ فهو آفلٌ. قال:

فدعْ عنك سُعدَى إنّما تُسعِفُ النَّوى *** قِرانَ الثرَيّا مرّةً ثم تَأْفِلُ([22])

قال الخليل: وإذا استقرّ اللِّقاح في قَرار الرّحمِ فقد أفَل.

والأصل الثاني الأفيل، وهو الفصيل، والجمع الإفَال، قال الفرزدق:

وجاء قرِيعُ الشَّولِ قبلَ إفالِها *** يَزِفُّ* وجاءتْ خَلْفَه وهي زُفَّفُ([23])

قال الأصمعي: الأفيل ابنُ المخاض وابن اللبون، الأنثى أفيلة، فإذا ارتفع عن ذلك فليس بأفيل. قال إهاب بن عمير:

ظَلَّتْ بمندَحِّ الرَّجا مُثُولُها *** ثامنةً ومُعْوِلاً أفيلُها

ثامنة، أي واردة ثمانية أيّام([24]). مُثُولها: قيامها ماثلة. وفي المثل: "إنّما القَرْمُ من الأَفيل([25])"، أي إنّ بدءَ الكبير من الصَّغير.

(أفن) الهمزة والفاء والنون يدلّ على خلوّ الشيء وتفريغه. قالوا: الأفَن قلّة العقل، ورجل مأفونٌ. قال:

نُبِّئْتُ عُتبةَ خَضَّافاً تَوَعَّدَنِي *** يا رُبَّ آدَرَ مِنْ مَيثاءَ مأفُونِ([26])

ويقال إنّ الجَوز المأفُونَ هُو الذي لا شيء في جوفه. وأصل ذلك كلّه من قولهم: أَفَنَ الفَصيلُ ما في ضرع أُمّه، إذا شربَه كلَّه. وأفَنَ الحالبُ النّاقَةَ، إذا لم يَدَع في ضَرْعِها شيئاً. قال:

إذا أُفِنَتْ أَرْوَى عِيالَكَ أَفْنُها *** وإنْ حُيِّنَتْ أَرْبَى على الوَطْبِ حِينُها([27])

وقال بعضهم: أَفَنت النّاقةُ قلّ لبنها فهي أَفِنَةٌ، مقصورة.

(أفد) الهمزة والفاء والدال تدلُّ على دنو الشيء وقُرْبه، يقال أفِدَ الرّحيل: قَرُب. والأَفِدُ المستَعْجِل: قال النّابغة:

أَفِدَ الترحُّلُ غير أنَّ رِكابَنا *** لَمّا تَزُلْ برِحَالِنا وكَأَنْ قَدِ

وبعثَت أعرابيّةٌ بنتاً لها إلى جارتها فقالت: "تقول لكِ أُمِّي: أعطِيني نَفَساً أو نَفَسين أَمْعَسُ به مَنيئَتِي فإنِّي أَفِدَةٌ([28])".

(أفر) الهمزة والفاء والراء يدلُّ على خفّةٍ واختلاط. يقال أفَرَ الرّجُل، إذا خفّ في الخدمة. والمِئْفَرُ: الخادم. والأُفْرة: الاختلاط.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت لذي الرمة في ديوانه 181 والأزمنة والأمكنة (2: 4).

([2]) البيت من أرجوزة لأبن النجم، يقال إنها أجود أرجوزة للعرب، قالها يمدح بها هشام بن عبد الملك. انظر الشعراء لابن قتيبة في ترجمة أبي النجم. وفي الأصل: "فهو" تحريف.

([3]) في الأزمنة والأمكنة (2: 8): "حتى إذا المنظر الغربي".

([4]) هو ابن ميادة، كما في اللسان (6: 42/ 7: 382). وانظر الرجز في الأزمنة والأمكنة (2: 8).

([5]) الازديار: الزيارة. ويروى بدله:        *هلا اشتريت حنطة بالرستاق *.

([6]) السمراء، يعني بها الحنطة. وقيل السمراء هنا ناقة أدماء، فتكون "درس" معها بمعنى راض. والصواب في تفسيره الوجه الأول ليلتئم مع الرواية التي أشرت إليها.

([7]) يقال كبد النجم السماء تكبيدا: توسطها.

([8]) في شرح الديوان ص160: "والملح من بلاد بني جعدة باليمامة".

([9]) القطوط: كتب الجوائز ، كما فسر بذلك البيت في اللسان (11: 286). وانظر ديوان الأعشى

ص146. والتكملة من اللسان وما سيأتي في (قط). وفي الديوان: "بإمته". وقبل البيت:

فذاك ولم يعجز من الموت ربه *** ولكن أتاه الموت لا يتأبق

([10]) البيت لرؤبة كما في ديوانه 108 واللسان (11: 287). والفريص: جمع فريصة. وفي الأصل: "الفريض" تحريف.

([11]) في الأصل: (أفقي) والوجه ما أثبت.

([12]) مثل أديم وأدم، فهو اسم جمع وليس بجمع، لأن فعيلا لا يكسر على فعل.

([13]) مثل رغيف ورغف. لكن قال اللحياني: "لا يقال في جمعه أفق البتة".

([14]) هو العوّام بن شوذب الشيباني. انظر معجم المرزباني 300 وحواشي الحيوان (5: 240).

([15]) أبو الصهباء: كنية بسطام، كما في معجم المرزباني. والأبدان: الدروع.

([16]) انظر ديوانه ص375. وانظر يوم العظالى في كامل ابن الأثير والعقد.

([17]) في الأصل: "جبهته".

([18]) يقال أفك من بابي ضرب وعلم.

([19]) هو عروة بن أذينة، كما في الصحاح وتاج العروس. وفي اللسان (12: 270): "عمرو بن أذينة"، تحريف.

([20]) في الصحاح: "عن أحسن الصنيعة"، وفي اللسان والمجمل: "عن أحسن المروءة".

([21]) زكت الأرض، أي زكا نباتها، كما في اللسان (12: 271). وفي الأصل: "ركت"، تحريف صوابه في اللسان والمجمل.

([22]) نسب في (عدد) إلى كثير عزة.

([23]) في ديوان الفرزدق 589: "وراحت خلفه".

([24]) كذا في الأصل، والوجه: "واردة ثمناً". والثمن، بالكسر: ظمء من أظماء الإبل، وهي أن ترد يوماً ثم تحبس عن الماء ستة أيام وترد في الثامن.

([25]) ومنه قول الراجز- وأنشده في الحيوان (1: 8)-:

قد يلحق الصغير بالجليل ***

وإنما القرم من الأفيل

وسحق النخل من الفسيل

([26]) سبق البيت في مادة (أدر) ص71.

([27]) البيت للمخبل، كما في اللسان (16: 158-292) وفي اللسان أن الأفن أن تحلبها أنّى شئت من غير وقت معلوم. والتحيين: أن تحلب كل يوم وليلة مرة واحدة. وسيأتي في (حين).

([28]) الخبر في اللسان (منأ، معس، نفس)، والنفس: قدر دبغة من القرظ الذي يدبغ به. وقد ضبطت في اللسان بسكون الفاء، ولكن ابن فارس ضبطها بالفتح في (نفس). والمعس: تليين الأديم في الدباغ. والمنيئة: الجلد ما كان في الدباغ. وفي الأصل: "منيتي" بالتسهيل.


ـ (باب الهمزة والقاف وما بعدهما في الثلاثي)

(أقر) أُقُر: موضِعٌ. قال النابغة:

لقد نَهَيْتُ بَنِي ذُبْيان عن أُقُرٍ *** وعن تربُّعِهِمْ في كلِّ أصْفارِ([1])

وليس هذا أصلاً.

(أقط) الهمزة والقاف والطاء تدلُّ على الخلط والاختلاط. قالوا: الأَقِطُ من اللّبن مَخِيضٌ يُطْبَخُ ثمّ يُترَك حتىّ يمْصُل، والقطعة أَقِطَةٌ. وأَقَطْتُ القومَ أَقِْطاً([2]) أي أطعمتهم ذلك. وطعام مَأقُوطٌ خُلِط بالأَقِط. قال:

أتتكُمُ الجوفاء جَوْعَى تَطَّفِحْ([3]) *** طُفَاحَةَ القِدْرِ وحيناً تَصْطَبِحْ([4])

* مأقوطة عادت ذباح المُدَّبِحْ([5]) *

والمأقِط: موضع الحرب، وهو المَضِيق، لأنهم يختلطون فيه.

(أقن) الهمزة والقاف والنون كلمة واحدة لا يقاس عليها. الأُقْنة: حفرةٌ تكون في ظهورِ القِفافِ ضيّقة الرأس، وربّما كانت مَهْوَاةً بين نِيقينِ([6]) أو شُنْخُوبَيْن. قال الطّرِمّاح:

في شَنَاظِي أُقَنٍ بينها *** عُرَّةُ الطَّيْرِ كصَوْم النَّعامْ([7])

ـــــــــــــــ

([1]) انظر خبر هذا الشعر في معجم البلدان (أقر).

([2]) في الأصل: "أقطاء"، ولا وجه له. ومما يجدر ذكره أن الأقط إنما يجمع على "أقطان" كرغفان.

([3]) تطفح، على وزن تفتعل: تأخذ الطفاحة؛ والطفاحة، بالضم: زبد القدر. والبيت مع تاليه في اللسان (طفح).

([4]) في اللسان:

* طفاحة الأثر وحينا تجتدح *

([5]) كذا ورد البيت في الأصل.

([6]) في الأصل: "مهودة بين نيفين".

([7]) ديوان الطرماح 97. وانظر (عر).


ـ (باب الهمزة والكاف وما يثلثهما)

(أكل) الهمزة والكاف واللام بابٌ تكثر فُروعه، والأصل كلمة واحدة، ومعناها التنقُّص. قال الخليل: الأكل معروف والأَكْلَة مَرّة، والأُكلة اسمٌ كاللُّقمة. ويقال رجل أكُولٌ كثير الأكل. قال أبو عُبيد: الأَكَلة جمع آكل، يقال: "ما هم إلاّ أَكَلَة رأسٍ([1])". والأكيل: الذي يُؤَاكلك. والمَأْكَل ما يُؤْكَل، كالمَطْعَم. والمُؤْكِل المُطعِم. وفي الحديث: "لعَنَ الله آكِلَ الرِّبا ومُؤْكِلَه". والمأكَلَة الطُّعمة. وما ذُقْتَ أَكالاً، أي ما يُؤْكل. والأُكْل- فيما ذكر ابن الأعرابي: -طُعمة كانت الملوك تُعطيها الأشراف كالقُرَى، والجمع آكالٌ([2]). قال:

جُندُك التالد الطَّرِيفُ من السا *** دات أهْلِ القِبابِ والآكالِ([3])

قال أبو عبيد: يقال "أَكَّلْتني ما لم آكُلْ"([4])، أي ادّعيته عليّ. والأَكولة: الشاة تُرعَى للأكل لا للبيع والنّسل، يقولون: "مَرْعىً ولا أَكُولَة"، أي مال مجتمع لا مُنْفِق له. وأكيل الذِّئب: الشاة وغيرها إذا أردتَ معنى المأكول، وسواءٌ الذّكر والأنثى، وإذا أردتَ به اسماً جعلتَها أكيلة ذئب. قال أبو زيد: الأكيلة فريسة الأسد. وأكائِل النّخل: المحبوسة للأكل. والآكِلَة على فاعلة: الراعية([5])، ويقال هي الإكْلة([6]). والأَكِلة، على فَعِلة: الناقة ينبت وبرُ ولدِها في بطنها يُؤْذيها ويأكلها. ويقال ائتكلت* النار، إذا اشتد التهابها؛ وائتكل الرّجُل، إذا اشتدّ غضَبُه. والجمرة تتأكّل، أي تتوهّج؛ والسيف يتأكّل إثْرُهُ. قال أوس:

إذا سُلّ مِنْ جفْنٍ تأكَّلَ إثْرُهُ *** على مِثْلِ مِصْحاةِ اللُّجَين تأكُّلاَ([7])

ويقال في الطِّيب إذا توهَّجَتْ رائحتُه تأَكَّلَ. ويقال أكَلَتِ النّارُ الحَطَبَ، وآكَلْتُها أطعمتُها إياه. وآكَلْت بين القوم أْفسَدت([8]). ولا تُؤْكِلْ فلاناً عرضَك، أي لا تُسابَّه فتدَعَه يأكلُ عِرْضَك. والمُؤْكِل النّمام.

وفلان ذو أُكْلَةٍ في النّاس، إذا كان يغتابهم. والأُكْل: حظّ الرجل وما يُعطاه من الدُّنيا. وهو ذو أُكْلٍ، وقومٌ ذَوُو آكالٍ. وقال الأعشى:

حَوْلِي ذَوُو الآكالِ من وائِلٍ *** كاللّيلِ مِن بادٍ ومن حاضرِ([9])

 

ويقال ثوب ذو أُكْلٍ، أي كثير الغَزْل. ورجل ذو أُكْلٍ: ذو رأي وعقلٍ. ونخلةٌ ذاتُ أُكْلٍ. وزرعٌ ذو أُكْلٍ. والأُكَال: الحُكَاك؛ يقال أصابه في رأسه أُكالٌ. والأَكَل في الأديم: مكانٌ رقيقٌ ظاهِرُهُ تراه صحيحاً، فإذا عُمِل بدا عُوارُه. وبأَسنانه أَكَلٌ، أي متأَكِّلة، وقد أُكِلَتْ أسنانُه تَأكَلُ أكَلاً. قال الفرّاء: يقال للسكّين آكِلَةُ اللحْم، ومنه الحديث أنّ عمرَ قال: "يضرب أحدُكم أخاه بمثل آكِلة اللحم ثم يَرى أن لا أُقِيدَه([10])". قال أبو زياد: المِئْكلة قِدْرٌ دون الجِمَاع([11])، وهي القدر التي يستخف الحيّ أن يطبخوا فيها. وأُكُل الشجرة: ثمرها، قال الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِِذْنِ رَبِّهَا} [إبراهيم 25]([12]).

(أكم) الهمزة والكاف والميم أصل واحد، وهي تجمُّعُ الشيء وارتفاعُه قليلاً. قال الخليل: الأكمة تلٌّ من القُفِّ، والجمع آكام وأَكَمٌ. واستأكم المكانُ، أي صار كالأكمة. وتجمع على الآكام أيضاً، قال أبو خراش:

ولا أمْغَر السّاقَيْنِ ظَلَّ كأنّه *** على مُحْزئلاّتِ الإكام نَصِيلُ([13])

يعني صَقْراً. احزألّ: انتصَبَ. نصيل: حَجَر قدْر ذِراع. ومن هذا القياس المَأْكَمتان([14]): لحمتان وصَلَتَا بين العجز والمتْنَينِ، قال:

إذا ضربتها الرّيح في المِرْطِ أشرفَتْ *** مآكِمُها والزُّلُّ في الرِّيح تُفْضَحُ([15])

(أكن) الهمزة والكاف والنون ليست أصلاً، وذلك أنّ الهمزة فيه مبدلةٌ من واو. والأصل وُكْنة، وهو عشّ الطائر. وقد ذكر في كتاب الواو.

(أكد) الهمزة والكاف والدال ليست أصلاً، لأنّ الهمزة مبدلة من واو، يقال وَكَّدت العَقْدَ. وقد ذكر في بابه.

(أكر) الهمزة والكاف والراء أصل واحد، وهو الحَفْر، قال الخليل: الأُكْرَة حُفرة تحفر إلى جنب الغدير والحوض، ليصفوَ فيها الماء؛ يقال تأكَّرْتُ أُكْرَة. وبذلك سُمّي الأَكّارُ. قال الأخطل:

* عَبْداً لِعِلْجٍ من الحِصْنَين([16]) أَكّارِ *

قال العامريّ: وجدت ماءً في أُكْرَةٍ في الجبل، وهي نُقرةٌ في الصَّفا قدر القَصْعة.

(أكف) الهمزة والكاف والفاء ليس أصلاً، لأنّ الهمزة مبدلة من واو، يقال وِكافٌ وإكافٌ.

ــــــــــــــــ

([1]) أي هم قليل، قدر ما يشبعهم رأس واحد.

([2]) في شرح ديوان الأعشى: "الآكال قطائع وطعم كانت الملوك تطعمها الأشراف".

([3]) رواية الديوان 11 واللسان (13: 22): "جندك التالد العتيق". وفي شرح الديوان: "ويروى: الطارف التليد".

([4]) يقال فيه: أكلتني، بالتشديد، وآكلتني بالهمز. انظر اللسان (13: 19).

([5]) في الأصل: "والأكلة على فعلة الراعية" صوابه من اللسان والقاموس. يقال كثرت الآكلة في بلاد بني فلان، أي الراعية.

([6]) الإكلة بالكسر، والأكال بالضم: الحكة والجرب.

([7]) المصحاة، بالصاد المهملة: الكأس أو القدح من الفضة. وقد روي في اللسان (13: 23): "مسحاة" بالسين، صوابه ما هنا. وهو المطابق لما في الديوان 20 واللسان (19: 185).

([8]) يقال فيه آكلت بالمد وبالتضعيف كذلك.

([9]) انظر ديوان الأعشى ص107.

([10]) تمامه في اللسان (13: 22): "والله لأقيدنه منه".

([11]) قدر جماع، بكسر الجيم: جامعة عظيمة، وقيل هي التي تجمع الجزور.

([12]) قرأ بسكون الكاف نافع وابن كثير وأبو عمرو، وسائر القراء بضمها. إتحاف فضلاء البشر 272.

([13]) البيت في اللسان (14: 188) وفي الأصل: "مجزئلات" صوابه بالحاء المهملة.

([14]) يقال مأكمان ومأكمتان.

([15]) البيت بدون نسبة في اللسان (14: 286).

([16]) الحصنان: موضع بعينه، ذكره ياقوت. والبيت في تكملة شعر الأخطل من نسخة طهران الخطية ص 43 طبع بيروت سنة 1938، من أبيات تسعة يهجو بها زيد بن منذر النمري. وصدره:

* لكن إلى جرثم المقاء إذ ولدت *

وفي الأصل: "أكارا". والقصيدة مكسورة الروي.

 

 

ـ (باب الهمزة واللام وما يثلثهما)

(ألم) الهمزة واللام والميم أصل واحد، وهو الوجع. قال الخليل: الألم: الوجع، يقال وجَع ألِيمٌ، والفعل من الألم ألِمَ. وهو ألِمٌ، والمجاوز ألِيمٌ، فهو على هذا القياس فَعِيل بمعنى مُفْعِل. وكذلك وجِيعٌ بمعنى مُوجِع. قال([1]):

* أمِنْ رَيحانة الدّاعي السميعُ *

فوضع السميع موضع مُسْمِع. قال ابن الأعرابي عذاب أليم أي مؤلم ورجل ألِيمٌ ومُؤْلَمٌ أي موجَعٌ. قال أبو عبيد: يقال ألِمْتَ نَفْسَك، كما تقول سفِهْتَ نَفْسَك. والعرب تقول: "الحُرُّ يُعْطي والعبد يألم قَلْبَه".

(أله) الهمزة واللام والهاء أصل واحد، وهو التعبُّد. فالإله الله تعالى، وسمّيَ بذلك لأنّه معبود. ويقال تألّه الرجُل، إذا تعبّد. قال رؤبة:

للهِ دَرُّ الغانِياتِ المُدَّهِ([2]) *** سَبَّحْنَ واستَرْجَعْنَ مِن تَأَلُّهِي

والإلاهة: الشَّمْس([3])، سمّيت بذلك لأنّ قوما كانوا يعبدونها. قال الشاعر([4]):

* فبادَرْنا الإلاهَة أنْ تؤوبا *

فأما قولهم في التحيُّر ألِهَ يَأْلَهُ فليس من الباب، لأنّ الهمزة واو. وقد ذكر في بابه.

(ألو/ي) الهمزة واللام وما بعدهما في المعتلّ أصلان متباعدان: أحدهما الاجتهاد* والمبالغة [والآخر التقصير([5])] والثاني([6]) خلاف ذلك الأوّل. قولهم آلَى يُولِي إذا حلَف ألِيَّةً وإِلْوَةً([7])، قال شاعر:

أتاني عن النُّعمان جَوْرُ أَلِيَّةٍ *** يجُورُ بها من مُتْهِمٍ بعد مُنْجِدِ

وقال في الألْوَة:

* يُكذِّبُ أقوالي ويُحْنِثُ ألْوتي([8]) *

والأَلِيّةُ محمولة على فَعولة، وأَلْوَة على فعْلَة نحو القَدْمَة. ويقال يُؤْلي وَيَأْتَلِي، ويتأَلَّى في المبالغة. قال الفرّاء: يقال ائتلى الرّجُل إذا حلف، وفي كتاب الله تعالى: {ولا يَأْتَلِ أُوْلُوا الفَضْلِ مِنْكُمْ} [النور 22]. ورُبّما جمعوا أَلْوَةً أُلىً. وأنشد:

قليلاً كتحليل الأُلَى ثم قلّصت  *** به شِيمَةٌ رَوْعَاءُ تقليصَ طائِر([9])

قال: ويقال لليمين أَلْوَةٌ وأُلْوَةٌ وإلْوَة وأَلِيّة. قال الخليل: يقال ما أَلَوْتُ عن الجُهْدِ في حاجتك، وما ألَوْتُك نُصْحاً، قال:

* نحنُ فَضَلْنا جُهْدَنَا لَمْ نَأْتَلِه *

أي لم نَدَعْ جُهْدا. قال أبو زيد: يقال ألَوْتُ في الشيء آلو، إذا قصرت فيه. ويقول في المثل: "إلاّ حَظِيّةٌ فلا أَلِيّةٌ"، يقول: إن أَخْطأَتْك الحُظوة فلا تَتَأَلَّ أن تتودَّد إلى النّاس. الشيباني: آليت توانيت وأبطأت. قال([10]):

* فما آلى بَنِيَّ وما أساؤُوا *

وأَلّى الكلب عن صيده، إذا قصّر، وكذلك البازِي ونحوُه. قال بعض الأعراب:

وإني إذ تُسَابِقُني نَوَاها  *** مُؤَلٍّ في زيارتها مُلِيمُ([11])

فأمّا قول الهذلي([12]):

جهراءُ لا تألو إذا هي أَظْهَرَتْ  *** بَصَراً ولا من عَيْلَةٍ تُغْنيني([13])

وأما قول الأعشى:

..............................ولا *** يقطع رِحْماً ولا يَخُون إلاَ([14])

(ألب) الهمزة واللام والباء يكون من التجمُّع والعطف والرّجوع وما أشبه ذلك. قال الخليل: الإلْبُ الصَِّغْوُ([15])، يقال إلْبُه معه، وصاروا عليه إلْباً واحداً في العداوة والشرّ. قال:

والناس إلْبٌ علينا فيك ليس لنا *** إلا السيوفَ وأطرافَ القنا وزَرُ([16])

الشّيباني: تَأَلَّبُوا عليه اجتمعوا، وَأَلَبُوا يَأْلِبُونَ أَلْباً. ويقال إنَّ الأَلْبَةَ المجاعة، سمِّيت بذلك لتألُّبِ الناس فيها. وقال ابن الأعرابيّ: أَلَبَ: رجع. قال: وحدّثني رجلٌ من بني ضَبّة بحديث ثم أخذ في غيره، فسألته عن الأوّل فقال:

"السّاعةَ يَأْلِبُ إليك" أي يرجع إليك. وأنشد ابن الأعرابي:

ألم تعلمي أن الأحاديث في غَدٍ *** وبعد غَدٍ يَأْلِبْنَ أَلْبَ الطَّرائدِ([17])

أي ينضمّ بعضُها إلى بعض. ومن هذا القياس قولهم: فلان يألُِبُ إبلَه أي يطردُها. ومنه أيضاً قول ابن الأعرابي: رجل إلْبُ حَرْبٍ، إذا كان يُؤَلِّبُ فيها ويجمِّع. ومنه قولهم: ألَبَ الجُرْحُ يأْلُبُ أَلْباً، إذا بدأ [برؤه]([18]) ثم عاوَدَه في أسفله نَغَل. وأمّا قولهم لما بين الأصابع إلْبٌ([19]) فمن هذا أيضاً، لأنه مَجمع الأصابع. قال:

* حَتّى كأنّ الفرْسَخينِ إلْبُ *

والذي حكاه ابن السّكّيت من قولهم ليلة أَلُوبٌ، أي باردة، ممكنٌ أن يكون من هذا الباب، لأن واجد([20]) البرد يتجمّع ويتضامّ، وممكنٌ أن يكون هذا من باب الإبدال، ويكون الهمزة بدلاً من الهاء، وقد ذُكر في بابه. وقول الراجز:

* تَبَشّرِي بماتِحٍ أَلُوبِ([21]) *

فقيل هو الذي يُتابع الدِّلاء يستقي ببعضها في إثر بعض، كما يتألَّب القومُ بعضُهم إلى بعض.

(ألت) الهمزة واللام والتاء كلمةٌ واحدة، تدلُّ على النُّقصان، يقال ألَتَهُ يَأْلِتُهُ أي نقصه. قال الله تعالى: {لا يَأْلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً([22])} [الحجرات 14] أي لا ينقصكم.

(ألس) الهمزة واللام والسين كلمةٌ واحدة، وهي الخيانة. العرب تسمّي الخيانة ألْساً، يقولون: "لا يُدالِسُ ولا يُؤَالِس".

(ألف) الهمزة واللام والفاء أصل واحد، يدلُّ على انضمام الشيء إلى الشيء، والأشياء الكثيرة أيضاً. قال الخليل: الأَلْفُ معروفٌ، والجمع الآلاف. وقد آلَفتِ الإبلُ، ممدودة، أي صارت ألفاً. قال ابنُ الأعرابي: آلَفْتُ القومَ: صيَّرتهم أَلْفاً، وآلَفْتهم، صيَّرتهم ألفاً بغيري، وآلفوا: صارُوا ألفاً. ومثله أخْمَسُوا، وأماؤوا. وهذا قياس صحيح، لأنّ الألف اجتماع المِئين. قال الخليل: ألِفْتُ الشيءَ آلَفُه. والأُلْفَة مصدر الائتلاف . وإلْفُكَ وأليفك: الذي تألفه. [و] كلُّ شيءٍ ضممتَ* بعضَه إلى بعضٍ فقد ألّفته تأليفاً. الأصمعيّ: يقال ألِفْتُ الشيء آلَفُه إلْفاً وأنا آلِفٌ، وآلَفْتُه وأنا مُؤْلفٌ. قال ذو الرمّة:

من المؤْلِفَات الرَّمْلِ أدْماءُ حُرَّةٌ *** شُعاعُ الضُّحَى في لَوْنها يتوضَّحُ([23])

قال أبو زيد: أهل الحجاز يقولون آلَفْتُ المكانَ والقومَ. وآلَفْتُ غيري أيضاً حملته على أن يألَفَ. قال الخليل: وأوالِفُ الطّير: التي بمكة وغيرِها. قال([24]):

* أوَالِفاً مَكّة مِنْ وُرْقِ الحَمِي([25]) *

ويقال آلَفَت هذه الطَّيرُ موضعَ كذا، وهن مُؤْلِفاتٌ، لأنّها لا تبرح فأما قولـه تعالى: {لإيلاَفِ قُرَيْشٍ([26])} [قريش 1]. قال أبو زيد: المألف: الشجر المُودِق الذي يدنو إليه الصّيد لإلْفِه إيّاهُ، فيَدِقُ إليه([27]).

(ألق) الهمزة واللام والقاف أصلٌ يدلُّ على الخفّة والطيش، واللَّمعانِ بسُرعة. قال الخليل: الإلْقَة: السِّعلاة، والذِّئبة، والمرأة الجريئة، لخبثهنَّ. قال ابنُ السِّكِّيت: والجمع إلَقٌ. قال شاعر([28]):

* جَدَّ وَجَدَّتْ إلَقَةًٌ من الإلَقْ *

قال: ويقال امرأةٌ ألَقَى سريعة الوَثْب. قال بعضُهم: رجل ألاَّقٌ أي كذّاب. وقد ألَق بالكذب يَأْلِقُ أَلْقاً. قال أبو عليّ الأصفهاني، عن القريعيّ: تألَّقَت المرأة، إذا شمّرت للخصومة واستعدّت للشرّ ورفعت رأسَها. قال ابن الأعرابيّ: معناه صارت مثل الإلْقة. وذكر ابن السكّيت: امرأة إلْقَةٌ ورجل إلْقٌ. ومن هذا القياس: ائتلق البرق ائتلاقاً إذا برق، وتألَّق تأَلُّقاً. قال:

يُصِيخُ طَوْراً وطَوْراً يقْترِي دَهِساً *** كأنّه كوكَبٌ بالرَّمْلِ يأتلِقُ

(ألك) الهمزة واللام والكاف أصلٌ واحد، وهو تَحمُّلُ الرِّسالة. قال الخليل: الأَلُوكُ الرسالة، وهي المألُكَةُ على مَفْعَُلَة. قال النابغة([29]):

ألِكْني يا عُييْنَُ إليك قولاً *** ستحمِلُه الرُّواة إليكَ عَنِّي([30])

قال: وإنما سمِّيت الرسالة أَلُوكاً لأنها تؤلَكُ([31]) في الفم، مشتقٌّ من قول العرب: الفرس يَألَكُ باللّجام ويعلُكه، إذا مضغ الحديدة. قال: ويجوز للشاعر تذكير المَأْلَكَة([32]). قال عديّ:

أبْلِغِ النُّعمان عنّي مألُكاً *** أنَّه قد طال حَبْسي وانتظاري

وقول العرب: "أَلِكْني إلى فلانٍ"، المعنى تَحَمَّلْ رسالتي إليه. قال:

ألِكْني إليها عَمْرَك اللهَ يا فَتَى *** بآيةِ ما جاءت إلينا تهادِيا([33])

قال أبو زيد: أَلَكْته أُلِيكُهُ([34]) إلاكةً، إذا أرسلته. قال يونس بن حبيب: استلأك فلانٌ لِفلان([35]) أي ذهب برسالته، والقياس استألك.

ــــــــــــــــ

([1]) هو عمرو بن معد يكرب من قصيدة لـه في الأصمعيات ص43. وعجز البيت كما في الأصمعيات واللسان (10: 28):             * يؤرقني وأصحابي هجوع *

ومما يستشهد به من هذه القصيدة لفعيل بمعنى مفعل ، بكسر العين، قوله:

وخيل قد دلفت لها بخيل *** تحية بينهم ضرب وجيع

انظر الخزانة (3: 56).

([2]) المده، من المده، وهو المدح. والبيتان في اللسان (مده، أله) وديوان رؤبة ص165.

([3]) في الأصل: "الشيء" تحريف.

([4]) هي مية أم عتيبة بن الحارث، أو أم البنين بنت عتيبة بن الحارث، ترثي عتيبة، وقيل هي بنت الحارث اليربوعي. انظر اللسان (17: 360) .

([5]) ليست في الأصل، وبمثلها يتم الكلام.

([6]) في الأصل: "والأول".

([7]) الألوة، مثلثة ساكنة اللام.

([8]) في الأصل: "ألوى".

([9]) في الأصل: "شمة روعاء"، وإنما هي الشيمة بمعنى السجية والطبيعة.

([10]) هو الربيع بن ضبع الفزاري. انظر المعمرين 7 والخزانة (3: 306). وصدر البيت كما فيهما وكما في اللسان (18: 41):

* وإن كنائني لنساء صدق *

([11]) عجزه في اللسان (18: 41).

([12]) هو أبو العيال الهذلي، يصف منيحة منحه إياها بدر بن عمار الهذلي. انظر شرح أشعار الهذليين للسكري ص130 واللسان (5: 223).

([13]) في الأصل: "بطرا ولا من عليه يغنيني"، صوابه من شرح أشعار الهذليين واللسان. وأظهرت: دخلت في وقت الظهر.

([14]) البيت بتمامه، كما في ديوان الأعشى 157 والمجمل واللسان (18: 46):

أبيض لا يرهب الهزال ولا *** يقطع رحما ولا يخون إلا

وقد نفص كلام بعد البيت، وبالرجوع إلى اللسان يمكن تقدير هذا النقص. وقد جاء به في المجمل شاهداً لواحد الآلاء بمعنى النعم.

([15]) الإلب بفتح الهمزة وكسرها، وكذا الصغو، بالفتح والكسر، أي الميل. وفي الأصل: "الضعو" تحريف.

([16]) في الأصل: "ليس علينا".

([17]) البيت في اللسان (1: 209) بدون نسبة.

([18]) التكملة من اللسان (1: 210) ونصه: "والألب ابتداء برء الدمل".

([19]) في اللسان عن ابن جني: "مابين الإبهام والسبابة". وفي القاموس: "الإلب بالكسر: الفتر".

([20]) في الأصل: "واحد" بالحاء المهملة، صوابه بالجيم.

([21]) البيت في اللسان (1: 210).

([22]) هي قراءة الحسن والأعرج وأبي عمرو، كما في تفسير أبي حيان (8: 117). وفي الأصل:

{لا يَلِتْكُمْ}بقراءة جمهور القراء، وإيرادها هنا خطأ، وموضعها مادة (ليت).

([23]) البيت في ديوانه 80 واللسان (10: 352) ويروى: "من الآفات" و"من الموطنات" كما في شرح الديوان.

([24]) هوالعجاج من أرجوزة في ديوانه ص58-62. وانظر سيبويه (1: 8، 56) واللسان (15: 48).

([25]) هذه رواية سيبويه في (1: 56) واللسان (10: 354) وفي غيرهما: "قواطنا مكة" و"الحمى" أراد: الحمام، فحذف الميم وقلب الألف ياء. وقبل هذا البيت:

ورب هذا البلد المحرم  *** والقاطنات البيت غير الريم

([26]) كذا جاء الكلام هاهنا ناقصا. وفي اللسان: "يقول تعالى: أهلكت أصحاب الفيل لأولف قريشاً مكة، ولتؤلف قريش رحلة الشتاء والصيف، أي تجمع بينهما، إذا فرغوا من ذه أخذوا في ذه".

([27]) ودق الصيد يدق ودقا، إذا دنا منك.

([28]) هو الراجز رؤبة بن العجاج، انظر ديوانه 107 والحيوان (2: 285/ 6: 314).

([29]) من قصيدة له في ديوانه ص78 من خمسة دواوين العرب. قالها حين قتلت بنو عيسى نضلة الأسدي وقتلت بنو أسد منهم رجلين، فأراد عبيد بن حصن عون بني عبس، وأن يخرج بني أسد من حلف بني ذبيان.

([30]) في اللسان (12: 273). "ياعتيق" محرف. وعجزه في اللسان: "ستهديه الرواة إليك عني"، وفي الديوان: "سأهديه إليك إليك عني".

([31]) في الأصل: "توالك".

([32]) في أصل: "تنكير المألكة"، والوجه ما أثبت. على أنه قد روي في اللسان عن محمد بن يزيد أنه قال: "مألك جمع مألكة".

([33]) البيت لسحيم: كما في المجمل. وفي الأصل: "جاءت إليها" صوابه من المجمل.

([34]) في الأصل: "ألكة" صوابه من المجمل. وهو في وزن أقمته أقيمه إقامة، وأصبته أصيبه إصابة.

([35]) في الأصل: "بفلان".


ـ (باب الهمزة والميم وما بعدهما في الثلاثي)

(أمن) الهمزة والميم والنون أصلان متقاربان: أحدهما الأمانة التي هي ضدّ الخيانة، ومعناها سُكون القلب، والآخر التصديق. والمعنيان كما قلنا متدانيان. قال الخليل: الأَمَنَةُ مِن الأمْن. والأمان إعطاء الأَمَنَة. والأمانة ضدُّ الخيانة.

يقال أمِنْتُ الرّجُلَ أَمْناً وأَمَنَةً وأَماناً، وآمنني يُؤْمنني إيماناً. والعرب تقول: رجل أُمَّانٌ، إذا كان أميناً. قال الأعشى([1]):

ولقد شَهِدْتُ التّاجِر الـ  *** أُمّانَ موْرُوداً شرابُه

وما كان أميناً ولقد أَمُنَ. قال أبو حاتم: الأمين المؤتَمِن. قال النابغة:

وكنتَ أمينَهُ لو لم تخُنْه *** ولكن لا أمانَةَ لليماني([2])

وقال حسّان:

وَأمينٍ حَفَّظْتُه سِرَّ نفسي *** فوَعاهُ حِفْظَ الأمينِ الأمِينا([3])

الأوّل مفعول والثاني فاعل، كأنّه قال: حفْظ المؤتَمَن المؤتَمِن. وبيْتٌ آمِنٌ ذو أَمْن. قال الله تعالى: {رَبِّ اجْعَلْ هذا البَلَدَ آمِناً} [إبراهيم 35]. وأنشد اللِّحيانيّ:

ألم تعلَمي يا أَسْمَ وَيْحَكِ أَنَّني  *** حَلَفْتُ يميناً لا أَخُون أمِيني([4])

أي آمِني. وقال اللّحياني وغيره: رجلٌ أُمَنَة إذا كان يأمَنه الناسُ ولا يخافون غَائِلَتَهُ؛ وأَمَنَةٌ بالفتح يصدّق ما سَمِع ولا يكذِّب بشيءٍ، يثق بالناس. فأما قولهم: أعطيتُ فلاناً من آمَنِ مالي فقالوا: معناهُ مِن أعَزِّه عليّ. وهذا وإن كان كذا فالمعنى معنى الباب كلِّه، لأنّه إذا كان من أعزّه عليه فهو الذي تسكن نفسهُ. وأنشدوا قولَ القائل:

ونِقِي بآمَن مالِنا أحسابَنَا *** و*نُجِِرُّ في الهَيْجَا الرّمَاحَ ونَدّعِي([5])

وفي المثل: "مِن مَأمَنِه يُؤْتَى الحَذِر" ويقولون: "البَلَوِيُّ أخُوك ولا تأمَنْه([6])"، يُراد به التَّحذير.

وأمّا التّصديق فقول الله تعالى: {وَمَا أَنْتَ بِمُؤْمِنٍ لَنَا} [يوسف 17] أي مصدِّقٍ لنا. وقال بعض أهل العلم: إن "المؤمن" في صفات الله تعالى هو أن يَصْدُق  ما وَعَدَ عبدَه من الثّواب. وقال آخرون: هو مؤمنٌ لأوليائه يؤْمِنُهم عذابَه ولا يظلمُهم. فهذا قد عاد إلى المعنى الأوّل. ومنه قول النّابغة:

والمؤمنِ العَائِذَاتِ الطَّيرِ يمسحُها *** رُكْبانُ مَكة بين الغِيلِ والسَّعَدِ([7])

ومن الباب الثاني- والله أَعلمُ- قولنا في الدعاء: "آمين"، قالوا: تفسيره: اللهم افْعَل، ويقال هو اسمٌ من أسماء الله تعالى. قال:

تباعَدَ مِنِّي فُطْحُلٌ وابنُ أُمِّهِ *** أَمِينَ فزادَ اللهُ ما بيننا بُعْدا([8])

وربما مَدُّوا، وحُجّتُه قولُه([9])

يا رَبِّ لا تسلِبَنّي حُبَّها أبداً *** ويَرْحَمُ اللهُ عَبْداً قالَ آمِينَا

(أمه) وأما الهمزة والميم والهاء. فقد ذكروا في قول الله: {وادّكَرَ بَعْدَ أَمَهٍ} [يوسف 45] على قراءة من قرأها كذلك([10])، أنّه النّسيان، يقال أمِهْتُ إذَا نسِيتَ. وذا حرفٌ واحد لا يقاسُ عليه.

(أمو/ي) وأما الهمزة والميم [وما] بعدهما من المعتلّ فأصلٌ واحد. وهو عُبوديّة المملوكة. قال الخليل: الأمَة المرأة ذات عُبوديّة. تقول أقرّتْ بالأمُوَّة. قال:

* كما تَهْدِي إلى العُرُساتِ آمِ([11]) *

وتقول: تأمَّيْتُ فُلانةَ جعلتُها أَمَةً. وكذلك استَأْمَيْتُ. قال:

* يرضَوْنَ بالتّعْبيدِ والتّأَمّي([12]) *

ولو قيل: تَأَمّتْ، أي صارت أمةً، لكان صواباً. وقال في الأُمِيّ([13]):

إذا تبارَين معاً كالأُمِيِّ  *** في سَبْسَبٍ مطَّرِد القَتَامْ

ولقد أَمِيتِ وتَأَمّيْتِ أُمُوّةً. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال استَأْمَتْ إذا أَشْبَهَت الإماءَ، وليست بمستأميةٍ إذا لم تشبِهْهن وكذلك عبدٌ مستعبِدٌ.

(أمت) الهمزة والميم والتاء أصلٌ واحد لا يقاس عليه، وهو الأَمْتُ، قال الله تعالى: {لا تَرَى فِيهَا عِوَجاً ولاَ أَمْتاً} [طه 107]. قال الخليل: العِوَج والأمْتُ بمعنىً واحد. وقال آخرون – وهو ذلك المعنى – إنّ الأمْتَ أن يغلُظ مكانٌ ويَرِقّ مكان.

(أمد) الهمزة والميم والدال، الأمد: الغاية. كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها.

(أمر) الهمزة والميم والراء أصولٌ خمسةٌ: الأمر من الأمور، والأمر ضدّ النهي، والأَمَر النَّماء والبَرَكة بفتح الميم، والمَعْلَم، والعَجَب.

فأمّا الواحد من الأمور فقولهم هذا أمرٌ رَضِيُتُه، وأمرٌ لا أَرضاه. وفي المثل: "أمْرٌ] ما أتَى بك". ومن ذلك في المثل: "لأمْرٍ ما يُسوَّد من يَسُوُد([14])". والأمر الذي هو نقيض النَّهْي قولك افعَلْ كذا. قال الأصمعيّ: يقال: لي عليك أمْرَةٌ مطاعَةٌ، أي لي عليك أنْ آمُرَكَ مرّةً واحدةً فتُطِيعَني. قال الكسائي: فلان يُؤامِرُ نفسَيْه، أي نفسٌ تأمره بشيءٍ ونفسٌ تأمره بآخَر. وقال: إنّه لأَمُورٌ بالمعروف ونَهِيٌّ عن المنكر([15])، من قوم أُمُرٍ. ومن هذا الباب الإمْرَة والإمارة، وصاحبها أميرٌ ومؤمَّر. قال ابن الأعرابيّ: أمَّرتُ فلاناً أي جعلتُه أميراً. وأَمَرْتُه وآمرتُه كلُّهن بمعنىً واحد([16]). قال ابنُ الأعرابيّ: أمر فلانٌ على قومه، إذا صار أميراً([17]). ومن هذا الباب الإمَّرُ الذي لا يزال يستأمِر النّاسَ وينتهي إلى أمرهم. قال الأصمعي: الإمّرُ الرّجل الضعيف الرأي الأحمق. الذي يَسمعُ كلامَ هذا [وكلام هذا([18])] فلا يدري بأيِّ شيءٍ يأخُذ. قال:

ولستُ بِذِي رَثْيَةٍ إمَّرٍ *** إذا قِيدَ مُستكْرَهاً أَصْحَبَا([19])

وتقول العرب: "إذا طلعت الشِّعرَى سَحَراً، ولم تَرَ فيها مَطراً، فلا تُلْحِقَنَّ فيها إمَّرَةً ولا إمَّراً"([20])، يقول: لا تُرسِل في إبلك رجلاً لا عقل له.

وأمّا النّماء فقال الخليل: الأمَرُ النّماء والبَرَكة وامْرَأَةٌ أَمِرَةٌ أي مباركةٌ على زوجها. وقد أمِرَ الشّيء أَي كثُر. ويقول العرب: "من قَلَّ ذَلَّ، ومن أَمِر فَلّ"([21]) أَي من كثُرَ غَلَبَ. وتقول: أمِرَ بنو فلان أمَرَةً([22]) أي كثُروا وولدَتْ نَعَمُهُم. قال لبيد:

إنْ يُغْـبَطُوا يَهْبِطُوا وإنْ أَمِرُوا *** يَوْماً يصيروا للهُلْكِ والنَّفَدِ([23])

قال الأصمعيّ: يقول العرب: "خيرُ المالِ سِكّةٌ مَأْبُورَة، أو* مُهْرَةٌ مأمورة" وهي الكثيرةُ الولدِ المبارَكة. ويقال: أَمرَ الله مالـه وآمَرَه. ومنه "مُهرةٌ مأمورة" ومن الأوّل: {أَمَرْنا مُتْرَفِيها[الإسراء 16]. ومن قرأ (أَمَّرْنا) فتأويله وَلَّيْنا([24]).

وأمّا المَعْلَمُ والمَوْعِد فقال الخليل: الأَمارة المَوْعِد. قال العجاج([25]):

* إلى أمَارٍ وأمَارِ مُدَّتي([26]) *

قال الأصمعيّ: الأمارة العلامة، تقول اجْعَلْ بيني وبينك أمَارة وأمَاراً. قال:

إذا الشّمسُ ذرّتْ في البلادِ فإنّها  *** أَمَارةُ تسليمي عليكِ فسلِّمي([27])

والأمارُ أمارُ الطّريق: مَعالِمُه، الواحدة أَمارة. قال حُمَيد بن ثَور:

بِسواءِ مَجْمَعَةٍ كأنَّ أمَارةً *** فيها إذا برزَتْ فَنيقٌ يَخْطِر([28])

والأمَرُ واليَأْمُور([29]) العَلَم أَيضاً، يقال: جعلتُ بيني وبينه أمَاراً ووَقْتا ومَوْعِداً وأَجَلاً، كل ذلك أَمارٌ.

وأمّا العَجَبُ فقول الله تعالى: {لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً إمْراً} [الكهف 71].

(أمع) الهمزة والميم والعين، ليس بأصل، والذي جاء فيه رجلٌ إمَّعَةٌ، وهو الضعيف الرّأْي، القائلُ لكلِّ أحدٍ أنا معَك. قال ابنُ مسعود: "لا يكونَنَّ أَحَدُكم إمَّعَةً"، والأصل "مع" والألف زائدة.

(أمل) الهمزة والميم واللام أصلان: الأول التثبُّت والانتظار، والثاني الحَبْل من الرَّمل. فأمّا الأول فقال الخليل: الأمل الرَّجاء، فتقول أمَّلتُه أُؤَمِّله تأميلاً، وأَمَلْتُه آمُلُهُ أَمْلاً وإمْلَةً على بناء جِلْسَة. وهذا فيه بعضُ الانتظار. وقال أيضاً: التأمُّل التثبّت في النَّظر. قال([30]):

تَأَمَّلْ خَليلي هَلْ تَرَى مِن ظعائنٍ  *** تَحَمَّلْنَ بالعَلياءِ من فوق جُرْثُمِ

وقال المرار:

تَأَمَّلْ ما تَقُولُ وكُنْتَ قِدْماً *** قُطامِيَّاً تأمُّلُهُ قليلُ([31])

القُطاميَّ: الصَّقْر، وهو مُكتَفٍ بنظرةٍ واحدة.

والأصل الثاني قال الخليل: والأمِيلُ حبْلٌ من الرمل معتزِلٌ معْظَمَ الرّمل، وهو على تقدير فَعِيل، وجمْعُه أُمُل. أَنشد ابنُ الأعرابيّ:

* وقد تجشّمت أمِيلَ الأمْلِ([32]) *

تجشّمت: تعسَّفت. وأمِيل الأُمُلِ: أعظَمُها. وقال:

فانصاعَ مذْعُوراً وما تَصَدَّفاً *** كالبَرْقِ يجتازُ أَمِيلاً أَعْرَفَا([33])

قال الأصمعيّ: في المثل: "قد كان بينَ الأَميلَين مَحَلٌّ" يُراد قد كان في الأرض متّسَعٌ.

____________________

([1]) انظر ديوانه ص54 واللسان (أمن 162).

([2]) ديوان النابغة 78.

([3]) ديوان حسان 414 بلفظ: "حدثته سر نفسي فرعاه".

([4]) ويروى: "لا أخون يميني" أي الذي يأتمنني. وقيل إن الأمين في هذا البيت بمعنى المأمون. انظر اللسان (أمن 160-161).

([5]) البيت للحادرة الذبياني في المفضليات (1: 43) ويروى: "بآمن" بكسر الميم.

([6]) البلوى: منسوب إلى بلى، وهم بنو عمرو بن الحاف بن قضاعة، انظر الإنباه على قبائل الرواة ص132.

([7]) والمؤمن، بالجر على القسم، أو هو عطف على "الذي" في البيت قبله. وهو كما في الديوان 24:

فلا لعمر الذي مسحت كعبته *** وما هريق على الأنصاب من جسد

وفي الأصل"والسند"، صوابه من الديوان. والسعد: أجمة بين مكة ومنى.

([8]) أنشده في اللسان (16: 167) برواية: "فطحل إذ سألته" وعلق عليه بقوله: "أراد: زاد الله ما بيننا بعداً. أمين".

([9]) البيت لعمر بن أبي ربيعة، كما في اللسان.

([10]) هي قراءة ابن عباس، وزيد بن علي، والضحاك، وقتادة، وأبي رجاء، وشبيل بن عزرة، وربيعة بن عمرو، وكذلك قرأها ابن عمر، ومجاهد، وعكرمة، باختلاف عنهم. وقرئ أيضاً إِمّةبكسر الهمزة وتشديد الميم. وقرأها الجمهور بضم الهمزة وتشديد الميم. انظر تفسير أبي حيان (5: 314) واللسان (أمه).

([11]) تهدي: تتقدم. ورواية اللسان (18: 47): "تردي" وصدره:

* تركت الطير حاجلة عليه *

([12]) البيت لرؤبة في ديوانه 143 واللسان (18: 48). وقبله:

*ما الناس إلا كالثمام الثم *

([13]) يقال "أُمي" و"أَمي" بضم الهمزة وفتحها، كما في أمالي ثعلب 643.

([14]) لعل أقدم من استعمل هذا المثل في شعره أنس بن مدركة الخثعمي، قال:

عزمت على إقامة ذي صباح *** لأمر ما يسود من يسود

انظر الحيوان (3: 81) وسيبويه (1: 116) والخزانة (1: 476). وأمثال الميداني (2: 130).

([15]) نقل في اللسان كلام ابن بري على "نهى" فروى العبارة: "نهو عن المنكر" وقال: كان قياسه أن يقال نهيّ، لأن الواو والياء إذا اجتمعتا وسبق الأول بالسكون قلبت الواو ياء.

([16]) المعروف في هذا المعنى صيغة التشديد فقط.

([17]) يقال أَمَر وأَمُر وأَمِر، بفتح الهمزة وتثليث الميم.

([18]) زدتها مطاوعة للسياق.

([19]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 156 واللسان (أمر 92): والرثية: الضعف، والحمق. وفي الأصل واللسان: "ريثة" صواب روايته من الديوان وأمالي ثعلب 45 واللسان (2: 9).

([20]) انظر أمالي ثعلب ص558.

([21]) بالفاء، والتي قبلها بالقاف من القلة. وفي اللسان (14: 46) بالفاء في الموضعين، محرف.

([22]) في الأصل: "أمارة" صوابه من القاموس، يقال: أمر أمراً وأمرة.

([23]) البيت في ديوان لبيد ص19 طبع فينا 1880. وقد أنشده في اللسان (هبط 300) برواية: "يوماً فهم للفناء". وفي (أمر 88): "يوماً يصيروا للهلك والنكد". وهذه الأخيرة هي رواية الديوان.

([24]) انظر: أمالي ثعلب ص609.

([25]) في الأصل: "الحجاج"، تحريف. انظر ديوان العجاج ص6 واللسان (5: 93).

([26]) في الأصل: "مدى"، محرف. وقبل البيت: * إذ ردها بكيده فارتدت *

([27]) رواية اللسان (5: 93): "إذا طلعت شمس النهار".

([28]) في اللسان: "كأن أمارة منها.

([29]) لم يذكرها في اللسان. وبدلها في القاموس: "التؤمور" قال: "التآمير الأعلام في المفاوز، الواحد تؤمور".

([30]) هو زهير، في معلقته.

([31]) البيت وتفسيره في اللسان (قطم) بدون نسبه.

([32]) سكن ميم "الأمل" للشعر.

([33]) البيت في اللسان (أمل).

- (باب الهمزة والنون وما بعدهما في الثلاثي)

(أني) الهمزة والنون وما بعدهما من المعتل، لـه أصول أربعة: البُطء وما أشبهه مِن الحِلم وغيره([1])، وساعةٌ من الزمان، وإدراك الشيء، وظَرف من الظروف. فأ[مّا ا]لأوّل فقال الخليل: الأناةُ([2]) الحِلم، والفعل منه تأنَّى وتأَيَّا. وينشد قول الكُمَيت:

قِفْ بالدِّيارِ وُقُوفَ زَائِرْ *** وتَأَنَّ إنّك غَيرُ صَاغِرْ([3])

ويروى: "وتأَيَّ" ويقال للتمكُّث في الأمور التأنِّي . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للذي تَخَطَّى رقابَ النّاس يوم الجمعة: "رأيتك آذَيْتَ وآنَيْتَ" يعني أخّرتَ المجيءَ وأبطأْت([4])، وقال الحطيئة:

وآنَيْتُ العِشاء إلى سُهَيلٍ *** أو الشِّعْرَى فطال بيَ الأَنَاءُ([5])

ويقال من الأنَاة رُجُلٌ أَنِيٌّ ذو أَنَاةٍ. قال:

* واحْلُمْ فذُو الرّأْيِ الأِنيُّ الأحْلَمُ *

وقيل لابنة الخُسّ: هل يُلْقِحُ الثَّنِيّ. قالت: نعم وإلقاحُه أَنِيٌّ. أي بطيّ.

ويقال: فلان خَيْرُهُ أنِيٌّ، أي بطيّ. والأنَا، من الأناة والتُّؤَدة. قال:

* طالَ الأَنَا وزَايَلَ الحَقَّ الأَشَرْ([6]) *

وقالَ:

أَنَاةً وَحِلماً وانتظاراً بهم غداً *** فما أنا بالواني ولا الضّرَع الغُمْرِ([7])

وتقول للرّجل: إنّه لذو أناةٍ، أي لا يَعجَل في الأمور، وهو آنٍ وقورٌ. قال النابغة:

الرِّفْق يُمْنٌ والأَناةُ سَعَادَةٌ *** فاستأْنِ في رفق تلاق نجاحا([8])

واستأنيت فلاناً، أي لم أُعْجِلْه. ويقال للمرأة الحليمة المباركة أناةٌ، والجمع أنَوَاتٌ. قال أبو عُبيد: الأَناة: المرأة التي فيها فُتورٌ عند القيام.

وأما الزَّمان فالإنَى والأَنَى، ساعةٌ من ساعات الليل، والجمع آناءٌ، وكلُّ إنىً ساعةٌ. وابنُ الأعرابيّ: يقال أُنيٌّ في الجميع([9]). قال:

يا ليتَ لي مثلَ شَريبي من غَنِي([10])

وهو شَرِيبُ الصِّدْقِ ضَحّاكُ الأُنِيّ ***

إذ الدّلاء حَملتْهُنّ الدُّلِي

يقول: في أيِّ ساعةٍ جِئتَه وجدتَه يَضحك.

وأمَّا إدراك الشيء*فالإنـى، تقول: انتظرنا إنَى اللَّحم، إي إدراكَه. وتقول: ما أنَى لك ولم يَأْنِ لك، أي لم يَحِنْ. قال الله تعالى: {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} [الحديد 16] أي لم يَحِنْ. وآنَ يَئينُ. واستأنَيت الطعامَ، أي انتظرتُ إدراكه. وَ{حَمِيمٍ آنٍ} [الرحمن 44] قد انتهى حَرُّه. والفعل أنَى الماءُ المسخَّنُ يأْنِي. و"عَيْنٌ آنِيَةٌ"([11]) قال عباس:

عَلانِيَةً والخيلُ يَغْشَى مُتُونَها *** حَمِيمٌ وآنٍ من دَمِ الجوف ناقِعُ

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال آن يَئين أَيْناً وأنَى لك يأني أَنْياً، أي حان. ويقال: أَتَيْتُ فلانا آيِنَةً بعد آيِنَةٍ، أي أَحياناً بعد أحيان، ويقال تارةً بعد تَارة. وقال الله تعالى: {غَيْرَ نَاظِرِينَ إنَاهُ} [الأحزاب 53].

وأمَّا الظَّرف فالإناء ممدود، من الآنيةِ. والأواني جمع جمعٍ، يُجمَعُ فِعال على أفعِلة.

(أنب) الهمزة والنون والباء، حرفٌ واحد، أنّبْته تأنيباً أي وبَّخته ولمُته. والأُنبوب ما بين كلِّ عُقْدتين. ويزعمون أن الأنَابَ المِسْك([12])، واللهُ أعلمُ بصحّته. وينشدون قولَ الفرزدق:

كأنَّ تريكةً من ماء مُزْنٍ *** ودَارِيَّ الأنَابِ مع المُدامِ([13])

(أنت) الهمزة والنون والتاء، شذَّ عن كتاب الخليل في هذا النّسق، وكذلك عن ابن دريد([14]). وقال غيرهما: وهو يأنِت أي يَزْحَرُ([15]). وقالوا أيضاً: المأنُوتُ المعيون. هذا عن أبي حاتم. ويقال المأنوت المُقَدَّر. قال:

* هيهات منها ماؤُها المَأنُوتُ *

(أنث) وأما الهمزة والنون والثاء فقال الخليل وغيره: الأُنثى خلاف الذكر. ويقال سيف [أَنِيثُ([16])] الحديدِ، إذا كانت حديدته أُنثى([17]). والأُنثَيانِ: الخُصيتان. والأُنْثَيانِ أيضاً: الأذُنانِ. قال:

وكنَّا إذا الجَبَّار صَعَّر خــدَّه *** ضربناه تحْتَ الأنْثَيينِ على الكَرْدِ([18])

وأرضٌ أنِيثَةٌ: حسنَة النَّبات.

(أنح) الهمزة والنون والحاء أصلٌ واحدٌ، وهو صوتُ تنحنُح وزَحِير، يقال أنَحَ يأَنَحُ أَنْحاً، إذا تنحنح من مَرضٍ أو بُهْرٍ ولم يَئِنَّ. قال:

ترى الفِئامَ قياماً يأنِحونَ لها *** دَأْبَ المُعضِّلُ إذْ ضاقَتْ مَلاَقِيها

قال أبو عُبيد: وهو صوتٌ مع تنحنُحٍ ومصدره الأُنُوح. والفِئام: الجماعة يَأْنحِون لها، يريد للمنجنيق. قال أبو عمرو: الآنِح على مثل فاعل: الذي إذا سُئِل شيئاً تنحنح مِن بُخْلِه، وهو يأنَح ويأنِح مثل يزْحَِر سواء. والأَنَّاح فَعّال منه. قال:

ليسَ بأنَّاحٍ طويلٍ غُمَرُهْ *** جافٍ عن المولَى بِطِيءٍ نَظَرُه

قال النَّضر: الأَنوح من الرّجال الذي إذا حَمَل حِمْلاً قال: أح أح. قال:

لِهَمُّونَ لا يستطيعُ أَحمالَ مِثْلِهم *** أَنُوحٌ ولا جاذٍ قصيرُ القوائمِ

الجاذي: القصير.

(أنس) الهمزة والنون والسين أصلٌ واحد، وهو ظهورُ الشيء، وكلُّ شيءٍ خالَفَ طريقة التوحُّش. قالوا: الإنْس خلاف الجِنّ، وسُمُّوا لظهورهم. يقال آنسْتُ الشيء إذا رأيتَه. قال الله تعالى: {فَإنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً} [النساء 6]. ويقال: آنَسْتُ الشيءَ إذا سمعتَه. وهذا مستعارٌ من الأوّل. قال الحارث([19]):

آنََستْ نَبأةً وأفزعَها القُـ  *** ـنَّاصُ عَصْراً وقد دَنَا الإمساء

والأَنْس: أنْسُ الإنسانِ بالشيء إذا لم يسْتَوْحِشْ([20]) منه. والعرب تقول: كيف ابن إنْسِك؟ إذا سأله عن نفسه.

ويقال إنسان وإنسانان وأناسيُّ. وإنسان العين: صَبِيّها الذي في السّواد([21]).

(أنض) الهمزة والنون والضاد كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها، يقال لحم أَنِيضٌ، إذا بقي فيه نُهُوءَةٌ، أي لم يَنْضَج. وقال زهير:

يُلَجْلِِجُ مُضْغَةً فيها أَنيضٌ *** أَصَلَّتْ فهي تحتَ الكشحِِ داءُ([22])

تقول: آنَضْتُه إيناضاً، وأَنُضَ أناضَةً.

(أنف) الهمزة والنون والفاء أصلان منهما يتفرَّع مسائلُ الباب كلّها: أحدهما أخْذ الشيءِ من أوّلِه، والثاني أَنْف كلِّ ذي أنْف. وقياسه التحديد. فأمّا الأصل الأوّل فقال الخليل: استأنفت كذا، أي رجعتُ إلى أوّله، وائتنفت ائتنافاً. ومؤْتَنَف الأَمْر: ما يُبْتَدَأُ فيه. ومن هذا الباب قولهم: فعل كذا آنِفاً، كأنّه ابتداؤه. وقال الله تعالى: *{قَالُوا لِلَّذينَ أُوتُوا العِلْمَ ماذا قَالَ آنِفاً} [محمد 16].

والأصل الثاني الأنف، معروف، والعدد آنُفٌ([23])، والجَمْع أُنُوفٌ. وبعيرٌ مأنوفٌ يساق بأنفه، لأنه إذا عَقَره الخِشاشُ انقاد. وبعير أَنِفٌ وآنِفٌ مقصور ممدود. ومنه الحديث: "المسلمون هَيِّنُون لَيِّنون، كالجمل الأَنِف، إنْ قِيدَ انْقَاد، وإن أُنِيخ اسْتَنَاخ"([24]). ورجل أُنافِيٌّ عظيم الأنف. وأَنَفْتُ الرَّجلَ: ضربْتُ أنْفَه. وامرأةٌ أَنوفٌ طيّبة ريح الأنْف. فأما قولهم: أَنِفَ مِن كذا، فهو من الأنْف أيضاً، وهو كقولهم للمتكبِّر: "ورِمَ أنفُهُ". ذكر الأَنْف دون سائر الجسد لأنه يقال شمَخ بأَنْفه، يريد رفع رأسه كِبْرا، وهذا يكون من الغَضَب. قال:

* ولا يُهاجُ إذا ما أَنْفُه وَرِما *

أي لا يُكلَّم عند الغضَب. ويقال: "وجَعُهُ حيثُ لا يضَعُ الرّاقي([25]) أَنْفَه". يضرَب لما لا دواءَ لـه. قال أبو عبيدة: بنو أنف النَّاقة بنو جعفر بن قُريع بن عَوف بن كعب بن سعد، يقال إنهم نَحَروا جَزُوراً كانوا غنِموها في بعض غَزَواتهم، وقد تخلف جعفر بن قُريع، فجاءَ ولم يبقَ من النّاقة إلا الأنف فذهب به، فسمّوه به. هذا قول أبي عُبيدة. وقال الكَلْبيّ: سُمُّوا بذلك لأن قُريع بنَ عوفٍ نَحَر جزوراً وكان لـه أربعُ نسوة، فبعث إليهنّ بلحمٍ خلا أمَّ جعفرٍ، فقالتْ أمُّ جعفر: اذهَبْ واطلُبْ من أبيك لحما. فجاء ولم يبق إلا الأنف فأخذهُ فلزِمَه وهُجِيَ به. ولم يزالوا يُسَبُّون بذلك، إلى أن قال الحطيئة:

قومٌ هم الأنفُ والأذنابُ غيرهمُ *** ومن يُسَوِّي بأَنفِ النّاقةِ الذّنَبا

فصار بذلك مدحاً لهم. وتقول العرب: فلان أَنْفِي، أي عِزِّي ومَفْخَرِي. قال شاعر:

* وأَنْفِي في المَقامَة وافتخارِي *

قال الخليل: أنْف اللِّحية طرَفُها، وأنف كلّ شيءٍ أوّله. قال:

* وقد أخَذَتْ مِن أَنْفِ لحيتَك اليدُ([26]) *

وأنف الجبَل: أوّلُه وما بدا لك منه. قال :

خذا أنْفَ هَرْشَى أَوْ قَفَاها فإنّه *** كِلا جانِبَيْ هَرْشَى لهنَّ طريقُ([27])

قال يعقوب: أنف البرد: أشدُّه. وجاء يعدُو أَنْفَ الشدّ، أي أشدّه. وأنف الأرض: ما استقبل الأرضَ من الجَلَد والضّواحي. ورجل مِئنافٌ: يسير في أنْف النهار. وخَمْرَةٌ أُنُفٌ أَوّلُ ما يَخرج منها. قال:

أُنُفٍ كَلَوْنِ دمِ الغَزالِ مُعَتَّقٍ *** من خَمْرِ عانَةَ أو كُرُوم شِبَامِ([28])

وجارية أُنُفٌ مُؤتَنِفَة([29]) الشّباب. قال ابنُ الأعرابي: أَنَّفت السِّراج إذا أحْدَدتَ طرفَه وسوَّيته، ومنه يقال في مدح الفَرس: "أُنِّفَ تأنيف السَّيْر" أي قُدَّ وسُوِّي كما يسوَّى السَّيْر. قال الأصمعيّ: سنانٌ مؤنَّف أي محدَّد. قال:

بكُلِّ هَتُوفٍ عَجْسُها رَضَوِيّةٍ *** وسهمٍ كسَيْف الحميريِّ المؤنَّفِ

والتأنيف في العُرقوب: التَّحديد، ويُستَحبُّ ذلك من الفرس.

(أنق) الهمزة والنون والقاف يدلّ على أصلٍ واحد، وهو المُعْجِبُ والإعجاب. قال الخليل: الأَنَق الإعجاب بالشَّيء، تقول أَنِقْت به، وأنا آنَقُ به أَنَقَاً، [وأنا به أَنِقٌ([30])] أي مُعْجَبٌ. وآنَقَني يُونِقُني إيناقاً. قال:

إذا بَرزَتْ مِنْ بَيتها راق عَيْنَها *** مُعَوَِّذُهُ وآنَقَتْها العَقائِقُ([31])

وشيءٌ أنيقٌ ونباتٌ أَنيق. وقال في الأَنِقِ:

* لا أَمِنٌ جَليسُهُ ولا أَنِقْ([32]) *

أبو عمرو: أَنِقْتُ الشيءَ آنَقُه أي أَحبَبْتُه، وتأَنّقْتُ المكانَ أَحبَبْته. عن الفَرّاء. وقال الشّيبانيّ: هو يتأنَّق في الأَنَق، والأَنَقُ من الكلأ وغيرهِ، وذلك أن ينتقي أفضلَه. قال:

* جاء بنُو عَمِّك رُوَّادُ الأَنَقْ([33]) *

وقد شذّت عن هذا الأصل كلمةٌ واحدة: الأَنُوقُ، وهي الرّخَمَة. وفي المثل: "طلَبَ بَيْضَ الأَنوق". ويقال إنّها لا تبيض ويقال بَلْ لا يُقدَر لها على بيض. وقال:

طلبَ الأبلقَ العقوقَ فلمّا *** لمْ ينَلْهُ أرادَ بيضَ الأَنُوقِ([34])

(أنك) الهمزة والنون والكاف ليس فيه أصلٌ، غير أنّه قد ذُكِر الآنُك. ويقال هو خالص الرصاص، ويقال بل جنسٌ منه.

 

ــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "والحلم وغيره".

([2]) في الأصل: "الأناءة".

([3]) في الأصل: "صاعر" صوابه من اللسان (18: 67) حيث أنشده برواية: "وتأي" وانظر بعض أبيات القصيدة في الأغاني (15: 111، 113، 114) في ترجمة الكميت ابن زيد.

([4]) و"آذيت" أي آذيت الناس بتخطيك.

([5]) ديوانه ص25 واللسان (18: 51). وفيه (18: 52): "ورواه أبو سعيد: وأنيت، بتشديد النون".

([6]) البيت للعجاج في ديوانه ص16 واللسان (18: 52).

([7]) البيت لابن الذئبة الثقفي، كما في أمالي ثعلب ص173، وشرح شواهد المغني للسيوطي 264 وتنبيه البكري على القالي 24. ونسب إلى عامر بن مجنون الجرمي في حماسة البحتري 104 وإلى وعلة بن الحارث الجرمي في المؤتلف 196 وإلى الأجرد الثقفي في الشعراء 172. وانظر الكامل 155 ليبسك، ويروى: "فما أنا بالواني".

([8]) البيت لم يرد في ديوان النابغة، وصدره بدون نسبة في اللسان (18: 51).

([9]) أي في الجمع، ويقال في جمعه "آناء" أيضاً، كما سبق.

([10]) هم غني بن أعصر بن سعد بن قيس بن عيلان. انظر المعارف 36 والاشتقاق 164. وفي اللسان (18: 52): "من نمي"، ولم أجده في قبائلهم.

([11]) هي في قوله تعالى: {تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ[الغاشية 5].

([12]) في اللسان أنه ضرب من العطر يضاهي المسك.

([13]) روايته في الديوان 836:  * وداري الذكي مع المدام *

([14]) كذا، ولعله ساقط من نسخته. انظر الجمهرة (3: 269).

([15]) ذكر في اللسان أن الأنيت الأنين. وفي الجمهرة: "وهو أشد من الأنين".

([16]) تكملة يقتضيها السياق.

([17]) أي لينة. ويقابله السيف الذكير، وهو الصلب الحديدة.

([18]) الكرد: العنق. والبيت للفرزدق في ديوانه 210 واللسان (2: 417). ونحوه قول ذي الرمة:

وكنا إذا القيسي نب عتوده *** ضربناه فوق الأنثيين على الكرد

ويختلف الرواة في بيت الفرزدق فيروونه أيضاً: " إذا القيسي نب عتوده".

([19]) هو الحارث بن حلزة اليشكري. والبيت في معلقته. وفي الأصل: "الحراث" محرف.

([20]) في الأصل: "يتوحش".

([21]) في اللسان (19: 183-184): "والصبي ناظر العين، وعزاه كراع إلى العامة". "ابن إنسك" ضبط في المخصص (13: 200): "ابن إنسك وابن أنسك".

([22]) وكذا ورد إنشاده في اللسان (لجج، أنض)، وصواب الرواية: "تلجلج" بالخطاب. انظر ديوان زهير 82. وبعد البيت:

غصصت بنيئها فبشمت عنها *** وعندك لو أردت لها دواء

([23]) يراد بهذا التعبير أقل الجمع، وهو ما يسمونه "جمع القلة". وصيغته أفعلة وأفعل وفعلة وأفعال. وهو يطلق على الثلاثة إلى العشرة، وسائر الصيغ للعشرة فما فوقها. انظر اللسان (أهن س2) وما سيأتي هنا في مادة (أهن) ص151.

([24]) في اللسان (10: 355): "وإن أنيخ على صخرة استناخ".

([25]) في الأصل: "الرامي" محرفة.

([26]) هو لأبي خراش الهذلي. انظر اللسان (10: 356). وصدره .

* تخاصم قوماً لا تلقى جوابهم *

([27]) هرشى: ثنية في طريق مكة. ويروى: "خذي أنف هرشى". ويروى: "خذا جنب هرشى". انظر المقاييس واللسان (هرش). ولم أجد للبيت نسبة.

([28]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 162. وعانة وشبام: موضعان.

([29]) في الأصل: "مؤتنف".

([30]) تكملة يقتضيها السياق. انظر أول المادة في اللسان.

([31]) البيت لكثير عزة، كما في اللسان (5: 34/12: 127). وما سيأتي في (عوذ) ومعوذ النبت، بتشديد الواو المكسورة أو المفتوحة، وهو ما ينبت في أصل شجرة أو حجر يستره. وفي الأصل: "معوذها" صوابه من اللسان. يقول: إذا خرجت من بينها راقها معوذ النبت حول بيتها. ورواية اللسان في الموضعين: "وأعجبتها" موضع "وآنقتها".

([32]) من رجز للقلاخ بن حزن المنقري يهجو به الجليد الكلابي. انظر اللسان (12: 11) وقد صحف في (12: 264) بالشماخ. ويقال أمن وآمن وأمين بمعنى.

([33]) الرجز في اللسان (11: 29).

([34]) انظر حواشي الحيوان (3: 522) والشريشي (2: 204) والإصابة 1098 من قسم النساء.


ـ (باب الهمزة والهاء وما بعدهما في الثلاثي)

(أهب) الهمزة والهاء والباء كلمتان متباينتا الأصل، فالأولى الإهاب. قال ابنُ دُريد: الإهاب*: الجِلْد قبل أن يُدْبَغ، والجمع أَهَبٌ، وهو أحَدُ ما جُمع على فَعَلٍ وواحدُه فعيلٌ [وفعولٌ وفِعال([1])] : أديمٌ وأَدَمٌ، وأفِيقٌ وأَفَقٌ، وعمُود وعَمَدٌ، وإهاب وأَهَبٌ. وقال الخليل: كلُّ جلدٍ إهابٌ، والجمع أَهَبُ([2]).

والكلمة الثانية التّأهُّب. قال الخليل: تأَهّبُوا للسّير. وأخذ فلانٌ أهْبَتَهُ، وتطرح الألف فيقال: هُبَتَه.

(أهر) الهمزة والهاء والراء كلمةٌ واحدة، ليست عند الخليل ولا ابنِ دُرَيد([3]). وقال غيرهما: الأهَرَةُ متاعُ البيت.

(أهل) الهمزة والهاء واللام أصلان متباعدان، أحدهما الأَهْل. قال الخليل: أهل الرجل زَوْجُه. والتأهُّل التّزَوّج. وأهْل الرّجُل أخصُّ النّاسِ به. وأهل البيت: سُكّانه. وأهل الإسلام: مَن يَدِينُ به. وجميع الأهل أَهْلُون. والأهالي جماعةُ الجماعة. قال النابغة([4]):

ثلاثَةَ أهْلِينَ أفْنَيْتُهُمْ *** وكان الإلهُ هو المُسْتآسا

وتقول: أهّلْتُه لهذا الأمر تأهيلاً. ومكان آهِلٌ مَأْهول. قال:

وقِدْماً كانَ مَأْهولاً  *** فأَمْسَى مرتَعَ العُفْرِ([5])

وقال الراجز([6]):

عرَفْتُ بالنَّصرية المنازلا([7]) *** قفراً وكانت مِنْهُمُ مآهِلاَ

وكلُّ شيءٍ من الدوابّ وغيرها إذا ألف مكاناً فهو آهِلٌ وأهْلِيٌّ. وفي الحديث:

"نهى عن لُحوم الحُمُر([8]) الأهليّة" وقال بعضهم: تقولُ العرب: "آهَلَكَ الله في الجنَّة إيهالاً"، أي زَوّجَك فيها.

والأصل الآخر: الإهالة، قال الخليل: الإهالة الأَلْيَة ونحوُها، يُؤخَذ فيُقَطّع ويذاب. فتلك الإهالة، والجميل([9]) ، والجُمَالة.

(أهن) الهمزة والهاء والنون كلمة واحدة لا يقاس عليها. قال الخليل: الإهان: العُرْجون، وهو ما فوقَ شماريخ عِذْق التّمر، أي النخلة. وقال:

إنّ لها يداً كمثل الإهان *** مَلْساً وَبَطَْناً بات خُمْصانا([10])

والعَدَد ([11]) آهِنَة، والجميع أُهُنٌ.

ـــــــــــــــ

([1]) تكملة يقتضيها السياق. أثبتها مستضيئاً بما في الجمهرة (3: 213).

([2]) ويقال أيضاً "أهب" بضمتين على القياس.

([3]) الحق أن ابن دريد قد ذكرها في الجمهرة (1: 29/2: 376). وعذر ابن فارس أن ابن دريد ذكرها عرضاً في تركيب (ب ز ز ، رزم) ولم يرسم لها. ويبدو بوضوح هنا فائدة الفهارس الحديثة في إظهار خبايا المصنفات.

([4]) هو النابغة الجعدي، كما في كتاب المعمرين 65، واللسان (أوس)، والأغاني (4: 129). وانظر ما سيأتي في مادة (أوس).

([5]) البيت في اللسان (13: 30).

([6]) هو رؤبة. انظر ديوانه 121 واللسان (13: 30).

([7]) في الأصل: "بالضربة"، صوابه من الديوان واللسان.

([8]) في الأصل: "حمر"، محرفة.

([9]) في الأصل: "الجميلة". وإنما "هي الجميل" الشحم المذاب.

([10]) ملسا: مقصور ملساء، وفي الأصل: "إن لها ليدا ملساء مثل الإهان وبطنا" الخ، وبذلك يختل الوزن. والبيت من السريع.

([11]) نحو هذا التعبير في اللسان (أهن) قال: "والعدد ثلاثة آهنة"، يقصد به أقل الجمع، وهو ما يسمونه جمع القلة. وانظر ما سبق في مادة (أنف) ص 146.


ـ (باب الهمزة والواو وما بعدهما في الثلاثي)

(أوي) الهمزة والواو والياء أصلان: أحدهما التجمُّع، والثاني الإشفاق. قال الخليل: يقال أوَى الرّجلُ إلى منزله وآوَى غَيرَه أُوِيّاً وإيواءً. ويقال أوَى إواءً أيضاً. والأُوِيُّ أحسن. قال الله تعالى: {إذْ أَوَى الْفِتْيَةُ إلى الكَهْفِ} [الكهف 10]، وقال: {وَآوَيْنَاهُمَا إلى رَبْوَةٍ} [المؤمنون 50]. والمأوَى: مكانُ كلِّ شيءٍ يُأوى إليه ليلاً أو نهاراً. وأوَت الإبلُ إلى أهلها تأوِي أُوِيّاً فهي آوِيةٌ. قال الخليل: التأوِّي التجمُّع، يقال تأوَّت الطّيرُ إذا انضمَّ بعضُها إلى بعضٍ، وهنَّ أُوِيٌّ ومُتَأَوِّيات. قال:

* كما تَدَانَى الحِدَأُ الأوِيُّ([1]) *

شبَّه كلَّ أُثفِيَّةٍ بحِدَأة. والأصل الآخر قولهم: أوَيْتُ لفلانٍ آوِي لـه مَأْوِيَةً، وهو أنْ يرِقّ لـه ويَرْحمه. ويقال في المصدر أيَّة أيضاً([2]). قال أبو عُبيد: يقال استَأوَيْتُ فلاناً، أي سألته أن يَأوِيَ لي. قال:

* ولو أنَّني استأوَيْتُه ما أَوَى لِيا([3]) *

(أوب) الهمزة والواو والباء أصلٌ واحد، وهو الرجوع، ثم يشتق منه ما يبعد في السَّمْع قليلاً، والأصل واحد. قال الخليل: آبَ فلانٌ إلى سيفه أي ردّ يدَه ليستلَّه. والأَوب: ترجِيع الأيدي والقوائم في السَّيْر. قال كعبُ بنُ زُهير:

كأَنَّ أَوْبَ ذراعَيْها وقد عَرِقَتْ  *** وقد تلَفَّعَ بالقُورِ العساقيلُ

أَوْبُ يدَيْ فاقدٍ شَمْطاءَ مُعْولَةٍ *** باتَتْ وجَاوَبَها نُكْدٌ مثاكِيلُ([4])

والفعل منه التأوِيب، ولذلك يسمُّون سيرَ [النَّهارِ تَأويباً، وسَيرَ([5])] اللّيل إسآداً. وقال :

يومانِ يومُ مَقاماتٍ وأندِيَةٍ *** ويومُ سَيرٍ إلى الأعداءِ تأويبِ([6])

قال: والفَعْلة الواحدة تأويبة. والتأويب: التّسبيح في قوله تعالى: {يا جِبَالُ أَوِّبي مَعَهُ والطَّيْرَ} [سبأ 10]. قال الأصمعيّ: أوّبْتُ الإبلَ إذا روَّحتَها إلى مَباءتِها. ويقال تأوَّبَنِي أي أتانِي ليلاً. قال:

تأَوَّبَني دائِي القَديمُ فَغَلّسا *** أُحاذِر أن يرتدَّ دائِي فأُنْكَسَا([7])

قال أبو حاتم: وكان الأصمعيّ يفسر الشِّعر* الذي فيه ذِكْر "الإيابِ" أنّه مع الليل، ويحتج بقوله:

* تأَوَّبني داءٌ مع اللّيلِ مُنصِبُ([8]) *

وكذلك يفسِّر جميع ما في الأشعار. فقلتُ له: إنما الإياب الرُّجوع، أيَّ وقْتٍ رجَعَ، تقول: قد آبَ المسافرُ. فكأنه أراد أن أُوضِّح لـه، فقلت: قولُ عَبيدٍ([9]):

وكلُّ ذي غَيْبَةٍ يَؤُوبُ  *** وغائِبُ الموتِ لا يَؤُوبُ

أهذا بالعشِيّ؟ فذَهَبَ يكلِّمُني فيه، فقلت: فقولُ الله تعالى: {إنَّ إلَيْنا

إيَابَهُمْ} [الغاشية 25]، أهذا بالعشيّ؟ فسكت. قال أبو حاتم: ولكنّ أكثرَ ما يجيءُ على ما قال رحِمَنا الله وإيّاه.

والمآب: المرجِع. قال أبو زياد: أُبْتُ القوم، أي إلى القوم. قال :

* أَنَّى وَمِنْ أَيْنَ آبَكَ الطَّرَبُ *

قال أبو عُبَيد([10]): يسمَّى مَخْرَجُ الدَّقيقِ من الرَّحَى المآبَ، لأنّه يَؤوب إليه ما كان تحتَ الرَّحَى. قال الخليل: وتقول آبت الشمسُ إياباً، إذا غابت في مآبِها، أي مَغِيبها. قال أُمية:

* فرأى مغِيبَ الشَّمس عند إيابها([11]) *

قال النَّضْر([12]): المؤَوِّبة([13]) الشمس، وتأويبها ما بينَ المشرِق والمغرب، تدأبُ يومَها وتؤُوب المغرِب. ويقال: "جاؤوا من كل أوبٍ" أي ناحيةٍ ووَجْهٍ؛ وهو من ذلك أيضاً. والأوْبُ: النّحل. قال الأصمعيّ: سمِّيت لانتِيابها المباءة، وذلك أنّها تَؤُوب من مسارِحها. وكأنّ واحد الأَوْبِ آيب، كما يقال [آبَكَ اللهُ([14])]: أبعدك الله. قال:

فآبَكَ هَلاّ واللّيالي بِغِرَّةٍ *** تَزُورُ وفي الأيّامِ عنك شُغُولُ([15])

(أود) الهمزة والواو والدال أصلٌ واحد، وهو العطف والانثناء. أُدْتُ الشيءَ عطفتُه. وتأَوّدَ النّبْتُ مثلُ تعطَّفَ وتعوَّج. قال شاعر([16]):

فلو أنّ ما أبقيتِ مِنِّي معلَّقٌ *** بعُود ثُمامٍ ما تأوّدَ عُودُها

وإلى هذا يرجع آدَنِي الشيءُ يؤُودُني، كأَنّه ثقُل عليك حتى ثَنّاك وعَطَفَك. وأَوْدٌ: قَبيلة، ويمكن أن يكون اشتقاقها من هذا. وأُُود موضع. قال:

أهَوىً أرَاكَ برامَتَيْنِ وَقُودا *** أم بالجُنَيْنَةِ من مَدَافعِ أُودَا([17])

(أور) الهمزة والواو والراء أصلٌ واحد، وهو الحرّ. قال الخليل: الأُوار: حَرّ الشّمس، وحَرّ التَّنُّور. ويقال أرضٌ أَوِرَةٌ. قال: وربما جمعوا الأُوَارَ على الأُورِ. وأُوَارَةُ: مكان. ويوم أُوارةَ كان أنّ عمرَو بنَ المنذر اللخميّ بَنَّى([18]) زُرارةَ بن عُدس ابناً لـه يقال لـه أسعد، فلما تَرَعرَع الغُلامُ مرّتْ به ناقةٌ كَوماءُ فرمى ضَرعَها، فشَدَّ عليه ربُّها سُوَيْدٌ أحدُ بني عبد الله بن دارم فقتله، ثمّ هرب سُوَيدٌ فلحق مكّة، وزُرارة يومئذٍ عند عمرو بن المنذر، فكتَمَ قتْلَ ابنه أسعد، وجاء عمرو بن مِلْقط الطائيُّ –وكانت في نفسه حَسيكةٌ على زُرارة- فقال:

مَنْ مُبْلِغٌ عَمْراً فإنَّ *** المرءَ لم يُخْلَقْ صُبَارَهْ

ها إنّ عِجْزَةَ أُمِّه *** بالسَّفح [أسْفَلَ] من أُوَارهْ([19])

وحوادث الأيّام لا *** يَبقَى لها إلاّ الحجارَه([20])

فقال عمرو بن المنذر: يا زُرارةُ [ما تقول؟([21])]. قال: كذب، وقد علمتَ عداوته لي. قال: صدقْتَ: فلما جَنَّ عليه اللّيلُ اجلَوَّذَ([22]) زُرارة ولحق بقومه، ثم لم يلبث أن مرِض ومات، فلمّا بلغ عَمراً موتُه غزا بني دارم، وكان حَلَفَ ليقتُلنَّ منهم مائةً، فجاء حتَّى أناخ على أُوارة وقد نَذِرُوا وفرّوا([23])، فقتل منهم تسعةً وتسعين، فجاءه رجلٌ من البراجم شاعرٌ ليمدحَه، فأخذَهُ فقتله ليُوَفِّيَ به المائَةَ، وقال: "إنّ الشقيّ وافِدُ البَرَاجم". وقال الأعشى في ذلك:

ونَكُونُ في السَّلفِ الموا *** زِي مِنقراً وبني زرارهْ([24])

أبناءَ قَومٍ قُتِّلُوا  *** يومَ القُصَيبةِ من أُوَارَهْ

والأُوَار: المكانُ([25]). قال:

مِن اللائِي غُذِينَ بغير بُؤْسٍ *** مَنَازِلُها القَصِيمةُ فالأُوَارُ([26])

(أوس) الهمزة والواو والسين كلمة واحدة، وهي العطيّة. وقالوا: أُسْتُ الرّجُلَ أَؤُوسُه أَوساً أعطيته. ويقال الأَوْس العِوَض. قال الجعديّ:

ثلاثةَ أهْلين أفْنَيْتُهُمْ *** وكان الإله هو المستآسا([27])

أي المُسْتَعاض. وأوسٌ: الذئب، ويكون اشتقاقه مما ذكرناه، وتصغيره أُوَيْس، قال:

* ما فَعَلَ اليومَ أُوَيْسٌ في الغَنَمْ([28]) *

(أوق) الهمزة والواو والقاف أصلان: الأول الثِّقل، *والثاني مكان منْهبط. فأمّا الأول فالأَوْق الثِّقَل. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال آقَ عليهم، أي ثقُل. قال:

سوائح آقَ عليهنَّ القَدَرْ *** يَهْوِينَ من خَشْيَةِ مَا لاقَى الأُخَرْ([29])

يقول: أثقلهنَّ ما أَنْزَلَ([30]) بالأوَّل القَدَرُ، فهن يَخَفْنَ مثلَه. قال يعقوب: يقال أوَّقْت الإنسانَ، إذا حَمَّلْتَه ما لا يُطيقه. وأما التّأويق في الطّعام فهو من ذلك أيضاً، لأنّ على النفس منه ثِقَلاً، وذلك تأخيره وتقليله. قال :

لقد كان حُتْرُوشُ بن عَزّة راضياً *** سِوَى عَيْشِه هذا بعيشٍ مُؤَوَّقِ([31])

وقال الراجز([32]):

عَزّ عَلَى عَمِّكِ أن تُؤَوَّقي *** أو أنْ تَبِيِتي ليلةً لم تُغْبَقي

* أو أن تُرَيْ كَأْباءَ لمْ تَبْرَنْشِقِي *

وأمّا الثّاني فالأُوقة، وهي هَبْطَةٌ يجتمع فيها الماء، والجمْع الأُوَق قال رؤبة:

* وانغَمَس الرّامِي لها بَيْنَ الأُوَقْ *

ويقال الأُوقة القَلِيب([33]).

(أول) الهمزة والواو واللام أصلان: ابتداء الأمر وانتهاؤه. أما الأوَّل فالأوّل، وهو مبتدأُ الشيء، والمؤنَّثة الأولى، مثل أفعل وفُعْلى، وجمع الأُولى أولَيات مثل الأخْرى. فأمَّا الأوائل فمنهم من يقول: تأسيس بناء "أوّل" من همزة وواو ولام، وهو القولُ. ومنهم مَن يقول: تأسيسُه من وَاوَينِ بعدهما لام. وقد قالت العربُ للمؤنَّثة أَوَّلَةٌ. وجمعوها أَوَّلاَت وأنشد في صفة جَمَلٍ:

آدَم معروف بأَوَّلاتِهِ  *** خالُ أبِيهِ لِبَنِي بَنَاتِهِ([34])

أي خُيَلاءُ أبيه ظاهرٌ في أولاده. أبو زَيد: ناقَةٌ أوَّلةٌ وجمل أوّل، إذا تقدَّما الإبل. والقياس في جمعه أواوِل، إلاّ أنَّ كلَّ واوٍ وقَعتْ طرفاً أو قريبةً منه بعد ألفٍ ساكنة قُلِبَتْ همزة. الخليل: رأيتهُ عاماً أوَّلَ يا فتى، لأنّ أوّلَ على بناء أفْعل، ومن نوّن حَمَله على النكرة. قال أبو النَّجْم:

* ما ذَاقَ ثُفْلاً مُنْذُ عَامٍ أوَّلِ *

ابنُ الأعرابيّ: خُذْ هذا أوّلَ ذاتِ يَدَينِ، وأوَّلَ ذِي أوّل، وأوّلَ أوّل، أي قَبْلَ كلِّ شيء. ويقولون: "أما أوَّل ذاتِ يَدَيْن فإنِّي أحمَدُ الله". والصّلاة الأولى

سمِّيت بذلك لأنّها أوّل ما صُلِّي. قال أبو زيد: كان الجاهليَّة يسمُّون يومَ الأحد الأوّل. وأنشدوا فيه:

أؤَمّل أن أعِيشَ وأنَّ يَوْمِي *** بأوَّلَ أوْ بأَهْوَنَ أو جُبَارِ([35])

والأصل الثّاني قال الخليل: الأَيِّل الذكر من الوُعول، والجمع أيائِل. وإنّما سمّي أَيِّلاً لأنّه يَؤُول إلى الجبل يتحصَّن. قال أبو النجم:

كأنّ في أذنابِهِنّ الشُّوَّلِ *** مِنْ عَبَسِ الصّيفِ قُرُونَ الأَيِّلِ([36])

شبّه ما التزَقَ بأذنابهنّ من أبعارِهنّ فيَبِس، بقرون الأوعال. وقولهم آل اللّبنُ أي خَثُر من هذا الباب، وذلك لأنه لا يخثر [إلاّ] آخِر أمْرِه. قال الخليل أو غيرُه: الإيال على فِعالٍ: وعاءٌ يُجمع فيه الشَّرابُ أيّاماً حتّى يَجُود. قال:

يفُضّ الخِتامَ وقد أَزْمَنَتْ  *** وأَحْدَثَ بعدَ إيالٍ إيالاَ([37])

وآلَ يَؤُول أَي رجع. قال يعقوب: يقال "أَوَّلَ الحُكْمَ إلى أَهْلِه" أي أرجَعه ورَدّه إليهم. قال الأعشى:

* أُؤَوِّلُ الحُكْمَ إلى أَهلِهِ([38]) *

قال الخليل: آلَ اللّبنُ يَؤُولُ أَوْلاً وأُوُولاً([39]): خَثُرَ. وكذلك النبات. قال أبو حاتم: آلَ اللّبَنُ على الإصبع، وذلك أَن يَرُوب فإذا جعلت فيه الإصبعَ قيل آلَ عليها. وآلَ القَطِران، إذا خَثُرَ. وآلَ جِسمُ الرّجل إذا نَحُفَ. وهو من الباب، لأنّه يَحُورُ ويَحْرِي، أي يرجعُ إلى تلك الحال. والإيالة السِّياسةُ من هذا الباب، لأن مرجعَ الرّعيةِ إلى راعيها. قال الأصمعي: آلَ الرَّجلُ رعِيّتَه يَؤُولُها إذا أَحْسَنَ سياستَها. قال الراجز:

* يَؤُولُها أَوَّلُ ذي سِياس *

وتقول العرب في أمثالها: "أُلْنَا وإيلَ عَلَيْنا" أَي سُسْنا وساسَنا غيرُنا. وقالوا في قول لبيد:

* بِمُؤَتَّرٍ تأتالُه إبْهَامُهَا([40]) *

هو تفتعل من ألْتُهُ أَي أَصلحته. ورجل آيل مالٍ، مثال خائل مال، أي سائسه. قال الأصمعيّ: يقال رددته إلى آيلَتهِ أَي طبَعْه وسُوسه. وآلُ الرَّجُلِ أَهلُ بيتِه من هذا أَيضاً* لأنه إليه مآلُهم وإليهم مآلُه. وهذا معنَى قولهم يالَ فلان. وقال طرَفة:

تحسَِبُ الطَّرْفَ عليها نَجْدَةً *** يالَ قَوْمِي للشَّبابِ المُسْبَكِرّ([41])

والدليل على أنّ ذلك من الأوّل([42]) وهو مخَفَّفٌ منه، قول شاعر([43]):

قد كان حقُّكَ أنْ تَقولَ لبارقٍ *** يا آل يارِقَ فيم سُبَّ جريرُ

وآلُ الرّجلِ شخصهُ من هذا أيضاً. وكذلك آلُ كلِّ شيء. وذلك أنَّهم يعبِّرون عنه بآلِه، وهم عشيرته، يقولون آل أبي بكر، وهم يريدون أبا بكر. وفي هذا غموض قليل. قال الخليل: آلُ الجَبَلِ أطرافُه ونَواحِيه. قال:

كأَنّ رَعْن الآلِ منه في الآلْ([44])  *** إذَا بدا دُهَانِجٌ ذو أَعْدَالْ

وآل البعير: ألواحه([45]) وما أشْرَفَ من أقطارِ جسمه. قال:

مِن اللّواتي إذا لانَتْ عريكتُها *** يبقى لها بعدها آلٌ ومَجْلودُ([46])

وقال آخر:

* ترى له آلاً وجِسْماً شَرْجَعا *

وآلُ الخَيْمة: العَُمَُد. قال:

فلم يَبْقَ إلاّ آلُ خَيْمٍ مُنَضَّدٌ *** وسُفْعٌ على آس ونُؤْيٌ مُعَثْلَبُ([47])

والآلة: الحالة. قال :

سأَحْمِلُ نفسي على آلةٍ *** فإمَّا عليها وإمَّا لها

ومن هذا الباب تأويل الكلام، وهو عاقبتُهُ وما يؤُولُ إليه، وذلك قوله تعالى: {هَلْ يَنْظُرُونَ إلاَّ تَأْوِيلَهُ} [الأعراف 53]. يقول: ما يَؤُول إليه في وقت بعثهم ونشورهم. وقال الأعشى:

على أنَّها كانَتْ تأَوّلُ حُبّها *** تأَوُّلُ رِبِعِيِّ السِّقابِ فأصحبا([48])

يريد مرجعَه وعاقبتَه. وذلك مِنْ آل يَؤُولُ.

(أون) الهمزة والواو والنون كلمةٌ واحدة تدلُّ على الرفق([49]). يقال آن يَؤُون أَوْناً، إذا رَفَق. قال شاعر:

* وسَفَرٌ كانَ قلِيلَ الأَوْنِ([50]) *

ويقال للمسافر: أُنْ على نفسك، أي اتَّدِعْ. وأُنْتُ أَؤُون أَوْناً؛ ورجل آئِنٌ.

(أوه) الهمزة والواو والهاء كلمةٌ ليست أصلاً يقاس عليها. يقال تأَوّه إذا قال أَوَّهْ وأَوْهِ([51]) والعرب تقول ذلك. قال:

إذا ما قمتُ أَرْحُلُها بِلَيلٍ *** تأَوَّهُ آهَة الرَّجُلِ الحَزِينِ([52])

وقولـه تعالى: {إنَّ إبْراهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ([53])} [التوبة 114]، هو الدَّعَّاء. أَوَّهْ فيه لغاتٌ: مدُّ الألف وتشديد الواو، وقصر الألف وتشديد الواو، ومدّ الألف وتخفيف الواو. وأَوْه بسكون الواو وكسر الهاء، وأَوِّهْ بتشديد الواو وكسرها وسكون الهاء، وآهِ وآوِ، وأَوّتَاه.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت للعجاج. انظر ديوانه 67 واللسان (18: 55). وفي الأصل: "الجداء" وإنما هو جمع حدأة.

([2]) يقال في المصدر أية، وأوية، ومأوية، ومأواة.

([3]) هو لذي الرمة، وصدره كما في ديوانه 651 واللسان (18: 56):

* على أمر من لم يشوني ضر أمره *

([4]) وكذا أنشدهما في اللسان (1: 214) متتاليين. والحق أن بينهما بيتين معترضين، هما كما في شرح البردة لابن هشام 64-66:

يوماً يظل به الحرباء مصطخدا *** كأن ضاحية بالشمس مملول

وقال للقوم حاديهم وقد جعلت  *** ورق الجنادب يركضن الحصى قيلوا

ورواية صدر الثاني في البردة: "شد النهار ذراعاً عيطل نصف* قامت..". والفاقد: التي فقدت ولدها. وفي اللسان: "ناقة" محرفة. وانظر اللسان (فقد) حيث أنشد البيت مضطرباً.

([5]) تكملة يقتضيها السياق.

([6]) البيت لسلامة بن جندل في المفضليات (1: 188). واللسان (1: 213).

([7]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 140 وأساس البلاغة (أوب). وكلمة: "دائي" ساقطة من الأصل، وإثباتها من الديوان والأساس.

([8]) نظيره في اللسان (2: 255) قول أبي طالب:

* ألا من لهم آخر الليل منصب *

([9]) في الأصل: "أبي عبيد"، وإنما هو عبيد بن الأبرص، من قصيدته البائية التي عدها التبريزي  في المعلقات العشر. وانظر اللسان (1: 213).

([10]) في الأصل: "أبو عبيدة".

([11]) صدر بيت له في ديوانه ص26. وتمامه:

* في عين ذي خلب وثأط حرمد *

وقد اضطرب اللسان في نسبته، فنسبه في (1: 213) إلى تبع، وفي (1: 352) إلى تبع أو غيره. وفي (4: 125/ 9: 135) إلى أمية.

([12]) هو النضر بن شميل تلميذ الخليل، المتوفى سنة 203. وفي الأصل: "النظر" محرفة.

([13]) في الأصل: "الماوية".

([14]) تكملة يقتضيها السياق. وانظر اللسان (1: 214) حيث أنشد البيت.

([15]) في اللسان وأساس البلاغة (أوب): "غفول" وهما صحيحتان. وقد نسبه الزمخشري إلى رجل من بني عقيل، وأنشد قبله:

وأخبرتني يا قلب إنك ذو عرى *** بليلي فذق ما كنت قبل تقول

([16]) هو الأعشى، كما في العمدة (2: 49) في باب الغلو. وقد روي في ملحقات ديوانه ص240.

([17]) البيت لجرير في ديوانه 169 وأمالي القالي (3: 7). يقول: أخيل إليك الهوى أنك ترى هذا الوقود للحبيبة في تلك المواضع. والجنينة، بلفظ تصغير الجنة. وفي الأمالي: "بالجنيبة"، محرفة.

([18]) كذا في الأصل، أراد جعله يتبناه. ولم أجد لهما سنداً. وانظر يوم أوارة في كامل ابن الأثير، والخزانة

(3: 140-142)، وكامل المبرد 97 ليبسك، والعمدة (2: 168) .

([19]) العجزة، بالكسر: آخر ولد الرجل. وقد عني به أسعد أخا عمرو بن المنذر، وبعد البيت كما في الخزانة:

تسفى الرياح خلال كشـ *** حيه وقد سلبوا إزاره

([20]) بعده في كامل المبرد والخزانة:

فاقتل زرارة لا أرى  *** في القوم أوفى من زراره

([21]) التكملة من كامل ابن الأثير.

([22]) اجلوذ اجلواذاً: أسرع.

([23]) يقال أنذره إنذاراً أعلمه، فنذر هو كعلم وزناً ومعنى.

([24]) في الأصل: "ويكون في الثلف" صوابه من ديوان الأعشى 115 ومعجم البلدان (7: 115): وفي معجم البلدان: "وتكون" وكذا في كامل المبرد 97: "وتكون في الشرف" وقبل هذا البيت بيتين:

* لسنا نقاتل بالعصى   ولا نرامي بالحجارة *

([25]) الوجه: "مكان".

([26]) البيت لبشر بن أبي خازم في المفضليات (2: 139). وفي الأصل: "القصيبة" صوابه من المفضليات ومعجم البلدان (الأوار، قصيبة). وعلة التحريف التباسه بما مضى في شعر الأعشى .

([27]) سبق الكلام على البيت في مادة (أهل).

([28]) الرجز يروى لعمرو ذي الكلب، أو لأبي خراش الهذلي، كما في شرح أشعار الهذليين للسكري 239. ونسب في اللسان (عمم، مرخ، جول، لجب، حشك، رخم، شوى، شرم) إلى عمرو ذي الكلب. وانظر أمالي ثعلب ص240 من المخطوطة.

([29]) في الأصل: "بالاقي الأخر".

([30]) في الأصل: "نزل".

([31]) في الأصل: "خروه شر بن غرة" وأثبت ما في اللسان (11: 293). وصدره فيه: "لو كان".

([32]) هو جندل بن المثنى الطهوي، كما في اللسان (كأب، أوق، برشق).

([33]) القليب: البئر التي لم تطو. وفي الأصل: "القلب".

([34]) البيت بدون نسبة في اللسان (13: 89) . وقبله:

* يحلف بالله وإن لم يسأل *

يصف ضيفاً. والثفل بالضم: كل ما يؤكل من لحم أو خبز أو تمر.

([35]) البيت في اللسان (هون، جبر، دبر، أنس، عرب، شير) وانظر الأزمنة والأمكنة (1: 268-271). وبعد البيت:

أو التالي دبار فإن يفتني *** فمؤنس أو عروبة أو شيار

ويسجل هذان البيتان أسماء أيام الأسبوع في الجاهلية مرتبة من الأحد إلى السبت.

([36]) البيتان في اللسان (13: 34، 397-398/8: 2) وروي في (13: 11): "قرون الأجل" على إبدال الياء جيما.

([37]) رواية اللسان (13: 36): "ففت الختام" .

([38]) في الأصل: "وأول الحكم"، صوابه من الديوان 106، وإنشاده فيه:

أؤول الحكم على وجهه  *** ليس قضائي بالهوى الجائر

وفي هذه القصيدة:

إن ترجع الحكم إلى أهله  *** فلست بالمستي ولا النائر

([39]) في الأصل: "وأولا"، صوابه من اللسان (11: 37 س19-20).

([40]) من معلقته. وصدره:

* بصبوح صافية وجذب كرينة *

وانظر ما سبق من كلام ابن فارس على البيت في (أتي ص51).

([41]) ديوان طرفة 64.

([42]) أي من الأهل.

([43]) هو جرير يخاطب بشر بن مروان في شأن تفضيل سراقة البارقي شعر الفرزدق على شعر جرير. انظر القصة في الأغاني (7: 63-64). والقصيدة في ديوانه 300.

([44]) الرجز للعجاج في ملحقات ديوانه ص86 واللسان (دهنج)، وفي الأصل: "كان الرعن منه في الآل"، صوابه في الديوان واللسان.

([45]) في الأصل: "الواحد". وألواح البعير: عظامه.

([46]) المجلود: الجلادة، أو بقية الجلد. والبيت في اللسان (4: 100) والتاج (جلد).

([47]) البيت للنابغة، كما في اللسان (عثلب، نأي). وقد أنشده أيضاً في (أوس) بدون نسبة. وليس في ديوانه والآس: الرماد. والمعثلب: المهدوم. وفي الأصل: "المثعلب" محرف.

([48]) أصحب: انقاد. وفي الأصل: "أصبحا"، صوابه من ديوان الأعشى ص 88 واللسان (أول، صحب، ربع).

([49]) في الأصل: "على أن الرفق".

([50]) البيت في أمالي ثعلب 143 من المخطوطة، واللسان (أون، جون). وقبله:

غير يا بنت الحليس لوني  *** مر الليالي واختلاف الجون

([51]) انظر باقي لغاته الثلاث عشرة في القاموس.

([52]) البيت للمثقب العبدي في المفضليات (2: 91). وفي الأصل: "إذا ما قلت"، صوابه من المفضليات واللسان (13: 293).

([53]) من الآية 114 في سورة التوبة. وفي سورة هود الآية 75: {إن إبراهيم لحليم أوّاه منيب.


ـ (باب الهمزة والياء وما يثلثهما في الثلاثي)

(أيد) الهمزة والياء والدال أصلٌ واحد، يدلّ على القوة والحِفْظ. يقال أيّدَه الله أي قوّاه الله. قال تعالى: {والسَّماءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ} [الذاريات 47]. فهذا معنى القوّة. وأمّا الحفظ فالإياد كلُّ حاجزٍ الشيءَ يَحفَظُه. قال ذو الرمّة:

دفَعْناهُ عن بَيْضٍ حِسَانٍ بأجْرَعٍ *** حَوَى حَوْلَها مِنْ تُربِهِ بإيادِ([1])

(أير) الهمزة والياء والراء كلمةٌ واحدة وهي الرِّيح. واختُلِف فيها، قال قوم: هي حارّة ذات أُوارٍ. فإن كانَ كذا فالياء في الأصل واوٌ. وقد مضى تفسير ذلك في الهمزة والواو والراء. وقال الآخرون: هي الشَّمال الباردة بلغة هُذَيل. قال:

وإنَّا مَسامِيحٌ إذا هَبّت الصَّبا *** وإنّا مَراجِيحٌ إذا الإِيرُ هَبَّتِ([2])

(أيس) الهمزة والياء والسين ليس أصلاً يقاس عليه، ولم يأتِ فيه إلا كلمتان ما أحسَِبهما من كلام العرب، وقد ذكرناهما لذكر الخليل إيّاهما. قال الخليل: أَيْسَ كلمةٌ قد أُمِيتَتْ ([3])، غير أن العرب تقول: "ائت به من حيثُ أَيْسَ وليس" لم يُستعمل أَيْسَ إلا في هذه فقط، وإنما معناها كمعنى [حيث([4])] هو في حال الكينونة والوُجْد والجِدَة. وقال: إنّ "ليس" معناها لا أيْسَ، أي لا وُجْدَ.

والكلمة الأخرى قول الخليل إنّ التأييس الاستقلال؛ يقال ما أيّسْنَا فلاناً([5]) أي ما استقلَلْنا منه خيراً.

وكلمةٌ أخرى في قول المتلمِّس:

* تُطيف به الأيَّامُ ما يتَأَيَّسُ([6]) *

قال أبو عبيدة: لا يتأيَّس لا يؤثِّر فيه شيء. وأنشد:

* إنْ كنت جُلْمودَ صَخْرٍ لا يُؤَيّسُهُ([7]) *

أي لا يؤثّر فيه.

(أيض) الهمزة والياء والضاد كلمة واحدةٌ تدلُّ على* الرّجوع والعَوْد، يقال آض يَئيضُ، إذا رجع. ومنه قولهم قال ذاك أيضاً، وفعَله أيضاً.

(أيق) الهمزة والياء والقاف كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاس عليها. قال الخليل: الأَيق الوَظيف، وهو موضع القَيد من الفَرَس. قال الطرماح:

وقامَ المَهَا يُقْفِلْنَ كلَّ مُكَبَّلٍ *** كما رُصَّ أَيْقَا مُذْهبِ اللّونِ صَافِنِ([8])

قال الأصمعي وأبو عمرو: الأَيق القَيْن، وهو موضع القَيْد من الوظيف.

(أيك) الهمزة والياء والكاف أصلٌ واحد، وهي اجتماعُ شجر. قال الخليل: الأيكة غَيضةٌ تُنْبِتُ([9]) السِّدرَ والأراك. ويقال [أَيكةٌ([10])] أَيِّكَةٌ، وتكون من ناعم الشّجر. وقال أصحاب التفسير: كانوا أصحابَ شجرٍ ملْتَفّ. يعني قوله تعالى: {كَذَّبَ أَصْحَابُ الأَيْكَةِ} [الشعراء 176]، قال أبو زياد: الأيْكة جماعة الأرَاك. قال الأخطل([11]) من النّخيل([12]) في قوله:

يكادُ يَحَارُ المجتَني وَسْطَ أَيْكِهَا *** إذا ما تنادَى بالعَشِيِّ هديلُها

(أيم) الهمزة والياء والميم ثلاثة أصول متباينة: الدُّخَان، والحيّة، والمرأة لا زوج لها. أما الأوّل فقال الخليل: الإيَام الدُّخَان. قال أبو ذؤيب:

فلمّا جَلاهَا بالإيام تحيَّزَتْ *** ثُباتٍ عَليها ذُلُّها واكتئابُها([13])

يعني أنّ العاسِل جَلاَ النّحلَ بالدُّخان. قال الأصمعيّ: آمَ الرجل يؤوم إياماً، دَخَّنَ على الخليّة ليخرج نَحلُها فيشتار عسلَها، فهو آيم، والنَّحلة مَؤُومةٌ، وإن شئتَ مَؤُومٌ عليها. وأما الثّاني فالأيمْ من الحيّات الأبيض، قال شاعر:

كأن زِمَامَها أَيْمٌ شُجَاعٌ *** ترأَّدَ في غُضُونٍ مُغْضَئِلَّه([14])

وقال رؤبة([15]):

وبَطْنَ أيْمٍ وقَواماً عُسْلُجَا *** وكفلاً وَعْثاً إذا تَرَجْرَجا([16])

قال يونس: هو الجانّ من الحيات. وبنو تميم تقول أيْنٌ. قال الأصمعيّ: أصله التشديد، يقال أَيِّمٌ وَأَيْمٌ، كَهَيِّن وَهَيْن. قال:

إلاّ عواسِرُ كالمِراط مُعِيدَةٌ *** باللَّيلِ مَوْرِدَ أَيِّمٍ مُتَغَضِّفِ([17])

والثالث الأيِّم: المرأة لا بَعْلَ لها والرجل لا مَرأةَ له. وقال تعالى: {وَأَنْكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ} [النور 32]. وآمت المرأة تئِيمُ أَيْمَةً وأُيُوماً. قال:

أفاطِمُ إنِّي هالِكٌ فتأيَّمي  *** ولا تَجزَعِي كلُّ النساء تَئِيمُ([18])

(أين) الهمزة والياء والنون يدلّ على الإعياء، وقُرب الشَّيء. أما الأوَّل فالأيْن الإعياء. ويقال لا يُبْنَى منه فِعلٌ. وقد قالوا آنَ يَئين أَيْناً. وأما القُرب فقالوا: آن لَكَ يَئِينُ أيْنا.

وأما الحيّة التي تُدْعَى (الأين) فذلك إبدالٌ والأصل الميم. قال شاعر:

يَسْرِي على الأَيْنِ والحيَّاتِ محْتفِياً *** نَفِسي فِداؤُك مِن سارٍ على ساقِ ([19])

(أيه) وأما الهمزة والياء والهاء فهو حرفٌ واحد، يقال أيّهَ تأيِيهاً إذا صوَّت. وقد قلنا إنّ الأصواتَ لا يُقاس عليها.

(أيي) الهمزة والياء والياء أصلٌ واحد، وهو النَّظَر([20]). يقال تأيَّا يتأيَّا تَأَيِّياً، أي تمكَّث. قال:

قِفْ بالدِّيار وقوفَ زائرْ *** وتأَيَّ إنّك غيرُ صاغرْ([21])

قال لبيد:

وتأَيَّيْتُ عليه قَافِلاً  *** وعلى الأرض غَيَايَاتُ الطَّفَلْ([22])

أي انصرفتُ على تُؤَدة. ابن الأعرابيّ: تأيّيْت [الأمرَ([23])]: انتظرت إمكانَه. قال عديّ:

تَأَيَّيْتُ منهن المصير فلم أزَلْ *** أُكَفْكِفُ عنِّي واتِناً ومُنَازِعا([24])

ويقال: ليست هذه بدار تَئِيّة([25])، أي مُقام.

وأصلٌ آخر، وهو التعمُّد، يقال تآيَيْتُ، على تفاعلت، وأصله تعمَّدت آيَتَه وشخصَه. قال:

* به أتآيا كُلَّ شأنٍِ ومَفْرِقِ([26]) *

وقالوا: الآية العلامة، وهذه آيةٌ مَأَيَاةٌ، كقولك عَلامَة مَعْلَمَة. وقد أيَّيْت([27]). قال:

ألا أبلغ لَدَيْكَ بني تميم  *** بآيةِ ما تُحِبُّونَ الطَّعاما([28])

قالوا: وأصل آية أَأْيَة بوزن أعْية، مهموز همزتين، فخفّفت الأخيرة فامتدّت. قال سيبويه: موضع العين من الآية واو؛ لأنّ ما كان* موضع العين [منه([29])] واواً، واللام ياءً، أكثرُ ممّا موضِع العينِ واللامِ منه ياءان، مثل شوَيتُ، هو أكثر في الكلام حَيِيتُ. قال الأصمعيّ: آيةُ الرَّجُل شخْصُه. قال الخليل:

خَرَجَ القوم بآيتهم أي بجماعتهم. قال بُرْج بن مُسْهِر:

خَرَجْنا من النَّقْبَينِ لا حَيَّ مِثْلنا *** بآيَتِنا نُزْجِي المَطِيَّ المَطَافِلاَ([30])

ومنه آية القرآن، لأنَّها جماعةُ حروفٍ، والجمعُ آيٌ، وإياة الشمس ضوءُها، وهو من ذاك، لأنّه كالعلامة لها. قال:

سَقَتْه إياة الشَّمسِ إلاّ لِثَاتِهِ *** أَسِفَّ ولم يُكْدَمْ عليه بإثمِدِ([31])

تم كتاب الهمزة ويتلوه كتاب الباء

ــــــــــــــــــ

([1]) البيت في ديوان ذي الرمة 141 واللسان (4: 43). وهو في صفة ظليم. ورواية الديوان: "ذعرناه عن بيض".

([2]) لحذيفة بن أنس الهذلي من قصيدة في أشعار الهذليين بشرح السكري ص223 على هذا الروي وليس فيها البيت. وفي اللسان:

* وإنا لأيسار إذا الإير هبت *

والأير للريح يقال بفتح الهمزة وكسرها، ويقال أيضاً بفتح الهمزة وتشديد الياء المكسورة.

([3]) نسب في اللسان هذا الكلام إلى الليث. وقال بعده: "إلا أن الخليل ذكر أن العرب تقول.." الخ.

([4]) التكملة من اللسان.

([5]) في الأصل: "فلاناً" وفي اللسان: "ما أيسنا فلاناً خيراً".

([6]) صدره كما في ديوانه ص6 من نسخة الشنقيطي واللسان (أيس):

* ألم تر أن الجون أصبح راسياً *

([7]) في المخصص (10: 95) واللسان (5: 133) مع نسبته في اللسان إلى العباس بن مرداس

* إن تك جلمود بصر لا أؤيسه *

وتمامه فيهما:                    * أوقد عليه فأحميه فينصدع *

([8]) الكلمة الأولى من البيت ساقطة في الأصل، وإثباتها من ديوان الطرماح 164 واللسان (أيق، صفن). والمها: البقر، يعني بها النساء. يقفلن: يسددن، ورواية اللسان: "يعقلن". والمكبل، أراد به الهودج، كما في شرح الديوان. ورص، بالصاد المهملة، أي قيد وأزلق. وفي الأصل: "رص"، صوابه من الديوان.

([9]) في الأصل: "تنته" صوابه في اللسان.

([10]) تكملة ليست في الأصل. وفي اللسان: "وأيك أيك مثمر، وقيل هو على المبالغة".

([11]) في الأصل: "قال أبو ذوب الأخطل". والبيت التالي في ديوان الأخطل 243.

([12]) لعلهما: "يعني النخيل".

([13]) البيت في ديوان أبي ذؤيب ص79 برواية: "فلما اجتلاها".

([14]) أنشده في اللسان (رأد، غضل). وفي الأصل: "معضله" صوابه في اللسان (غضل) .

([15]) كذا، وصوابه "العجاج". والرجز في ديوان العجاج ص8. وبهذه النسبة الصحيحة ورد في اللسان

(14: 306).

([16]) في الأصل: "وكفا" صوابه من الديوان.

([17]) البيت لأبي كبير الهذلي، كما في ديوان الهذليين (2: 105) وأمالي القالي (2: 89) واللسان (صيف، غضف) وانظر الحيوان (4: 254). وقبل البيت :

ولقد وردت الماء لم تشرب به  *** زمن الربيع إلى شهور الصيف

([18]) كان المفضل ينشده: "كل النساء يتيم" انظر اللسان (يتم). والرواية في اللسان "فتثبتي".

([19]) لتأبط شراً من القصيدة الأولى في المفضليات. محتفياً:حافياً. وفي الأصل: "مخفياً" محرف.

([20]) النظر، بمعنى الانتظار، يقال نظره وانتظره وتنظره.

([21]) البيت للكميت كما سبق في 141، وكما في الأغاني (15: 111) واللسان (18: 67).

([22]) البيت في ديوان لبيد 15 طبع فينا سنة 1881 واللسان (19: 381) وعجزه في اللسان (13: 428). والغياية، بياءين: ظل الشمس بالغداة والعشي، أو ضوء شعاع الشمس. في الأصل: "غيابات" محرف. وكلمة "الطفل" وردت ساقطة في الأصل مثبتة قبل بيت الكميت السابق.

([23]) بمثلها يلتئم الكلام.

([24]) الواتن: الدائم الذي لا ينقطع. وفي الأصل: "وأنا منازعا".

([25]) في الأصل: "تأية" تحريف. وفي شعر الحادرة:

ومناخ غير تئية عرسته *** قمن من الحدثان نابي المضجع

([26]) في الأصل: "به تيا أيا".

([27]) في اللسان: "وأيا آية: وضع علامة".

([28]) انظر صحة إنشاد هذا البيت في الخزانة (3: 139) حيث نسب إلى يزيد بن عمرو بن الصعق.

([29]) التكملة من اللسان (18: 67) حيث نقل عن سيبويه.

([30]) البيت في اللسان (18: 66) برواية "نزجي اللقاح".

([31]) البيت لطرفة في معلقته. ويروى: "ولم تكدم".

 

 

كتاب الباء:

ـ (باب الباء وما بعدها في الذي يقال له المضاعف)

(بتّ) الباء والتاء لـه وجهان وأصلان: أحدهما القطع، والآخر ضربٌ من اللباس. فأما الأوّل فقالوا: البتّ القطع المستأصِل، يقال بَتَتُّ الحبلَ وأَبْتَتُّ. ويقال أعطيتُه هذه القَطيعةَ بَتّاً بَتْلاً. "والبتَّةَ" اشتقاقُه من القَطْع، غير أنّه مستعملٌ في كل أمرٍ يُمضَى ولا يُرجَع فيه. ويقال انقطع فلانٌ عن فلان فانبتَّ وانقبض. قال:

فَحَلَّ في جُشَمٍ وانبتَّ مُنْقَبِضاً *** بحبلهِ مِنْ ذُرَى الغُرِّ الغَطَاريفِ([1])

قال الخليل: أبَتَّ فلانٌ طلاقَ فُلانةَ، أي طلاقاً باتّا. قال الكسائي: كلام العرب أبْتَتُّ عليه القضاء بالألف، وأهل الحجاز يقولون: بَتَتُّ، وأنا أَبُتُّ. وضَرَبَ يَدَه فأبَتَّها وَبتَّها، أي قطعها. وكلُّ شيءٍ أنفَذْتَه وأمْضَيتَه فقد بتَتَّهُ. قال الخليل وغيره: رجل أحمقُ باتٌّ شديد الحُمْق، وسكرانُ باتٌّ أي منقطعٌ عن العمل، وسكران ما يَبُتُّ، أي ما يقطَعُ أمْراً([2]). قال أبو حاتم: البعير [الباتّ] الذي لا يتحرّك من الإعياء فيموت. وفي الحديث: "إنّ المُنْبَتَّ لا أرضاً قَطَعَ ولا ظَهْراً أَبْقَى" هو الذي أتعَبَ دابّتَه حتّى عطِب ظَهرُه فبقي مُنقَطعاً به. قال التميمي: "هذا بَعيرٌ مُبْدَعٌ وأَخاف أنْ أحمِلَ عليه فأبُتَّه" أي أقطعه. ومُبْدَعٌ: مُثْقَلٌ، ومنه قولـه([3]): "إنّي أُبْدِعَ بي". قال النّضر: البعير الباتّ المهزول الذي لا يقدر على التحرُّك. والزاد يقال لـه بَتاتٌ، من هذا؛ لأنه أمارة الفِراق. قال الخليل: يقال بَتَّتَهُ أهلُه أي زوَّدُوه. قال:

أبُو خَمْسٍ يُطِفْنَ به جميعاً *** غدا مِنهنَّ ليس بذِي بَتَاتِ

قال أبو عُبيد: وفي الحديث: "لا يُؤخذ عُشْر البَتات" يريد المتاع، أي ليس عليه زكاةٌ. قال العامِريّ: البَتات الجِهاز من الطّعام والشَّراب، وقد تَبَتَّتَ الرّجلُ للخُروج، أي تجهَّز.

قال العامريّ: يقال حجَّ فلانٌ حجّاً بَتّاً أي فَرْداً، وكذلك الفردُ من كلِّ شيء. قال: ورجلٌ بتٌّ، أي فرد؛ وقميص بَتٌّ أَي فَرْد ليس على صاحبه غيرُه. قال:

* يا رُبَّ بَيضاءَ عليها بَتُّ *

قال ابن الأعرابيّ: أعطيته كذا فبَتّتَ به، أيْ انفرد به.

ومما شذّ عن الباب قوُلهم: طَحَن بالرَّحَى بَتّاً إذا ذهب بيده عن يساره، وشَزْراً إذا ذهب به عن يمينه.

(بثّ) الباء والثاء أصلٌ واحد، وهو تفريق الشيء وإظهاره؛ يقال بثُّوا الخيلَ في الغارة. وبثّ الصيّاد كلابَه على الصّيد. قال النابغة:

فبَثَّهُنَّ عليه واسْتَمَرّ بِهِ *** صُمْعُ الكُعُوبِ بريئاتٌ من الحَرَدِ([4])

والله تعالى خَلقَ الخلْقَ وبثَّهمْ في الأرض لمعاشهم. وإذا بُسِط المتاعُ بنَواحِي البيت والدّار فهو مَبثُوث. وفي القرآن: {وَزَرَابِيُّ مَبْثُوثَةٌ} [الغاشية 16] أي كثيرة متفرّقة. قال ابن الأعرابيّ: تَمْرٌ بَثٌّ، أي متفرِّق لم يجمعه كَنْزٌ([5]). قال: وبثَثْتُ الطَّعامَ والتمرَ إذا  قَلّبْتهُ* وألقيتَ بعضَه على بعض، وبثثْتُ الحديثَ أي نشَرْتُه. وأما البثُّ من الحزْن فمِنْ ذلك أيضاً، لأنه شيءٌ يُشتَكَى ويُبَثّ ويُظهَر. قال الله تعالى في قصّة مَن قال: {إنَّما أَشْكُو بَثِّي وَحُزْني إلى اللهِ} [يوسف 86]. قال أبو زيد: يقال أبَثَّ فلانٌ شُقُورَهُ وفُقُورَه إلى فلانٍ يُبِثّ إبثاثاً. والإبثاث أن يشكو إليه فقره([6]) وضَيعته. قال:

وأبكِيهِ حَتَّى كاد مِمَّا أُبِثُّهُ *** تُكَلِّمُني أَحْجَارُهُ ومَلاعِبُهْ([7])

وقالت امرأةٌ([8]) لزوجها: "والله لقد أطعَمْتُك مأدُومِي، وأبْثَثْتُكَ مكتُومي، باهلاً غيرَ ذاتِ صِرار".

(بجّ) الباء والجيم يدلّ على أصلٍ واحد وهو التفتُّح. من ذلك قولُهم للطعن بجّ. قال رؤبة:

* قَفْخاً على الهامِ وبَجّاً وَخْضَا([9]) *

قال أبو عُبيدٍ: هو طعنٌ يصل إلى الجوف فلا ينفُذ؛ يقال منه بَجَجْتُه أَبُجُّه بَجَّاً. ويقال رجلٌ أَبَجُّ، إذا كان واسعَ مَشَقِّ العينِ([10]). قال ابنُ الأعرابيّ: البجُّ القطع، وشقُّ الجلدِ واللّحمِ عن الدَّم. وأَنشد الأصمعي:

فَجاءتْ كأَنَّ القَسْوَرَ الجَوْنَ بَجَّها *** عَسَالِيجُهُ والثَّامِرُ المتناوحُ([11])

يصف شاةً يقول: هي غزيرةٌ، فلو لم ترْعَ لجاءَتْ من غُزْرِها ممتلئةً ضُروعُها حتى كأنّها قد رعَتْ هذه الضروبَ من النّبات، وكأنّها قد بُجّتْ ضروعها ونُفِجتْ([12]). ويقال ما زال يَبُجُّ إبلَه أي يسقيها. وبَجَجْتُ الإبلَ بالماء بَجّاً إذا أرْوَيتَها. وقد بَجَّها العُشْبُ إذا ملأَها شحماً. والبجباج: البَدَنُ الممتلئ. قال:

* بعد انتفاخِ البَدَن البَجْبَاجِ *

وجمعه بَجابِج. ويقال عينٌ بَجّاءُ، وهي مثل النّجلاء. ورجلٌ بجيج العَين. وأنشد:

يكونُ خَِمارُ القَزِّ فوقَ مُقَسَّمٍ *** أغَرَّ بَجيجِ المُقْلتينِ صَبِيحِ

فأما البجباج الأحمق فيحتملُ أن يكون من الباب، لأنّ عَقْله ليس ينام، فهو يتفتّح في أبواب الجهل، ويحتمل أن يقال إنه شاذٌّ.

ومما شذّ عن الباب البَجَّة وهي اسم إلهٍ كان يُعبَد في الجاهلية([13]).

(بح) الباء والحاء أصلان: أحدهما أن لا يصفُوَ صوتُ ذِي الصّوت، والآخَر سعَة الشيء وانفساحُه. فالأوّل البحَحُ، وهو مصدر الأبَحّ. تقول منه بَحَّ يَبَُحُّ بَحَحاً وبُحوحا([14])؛ وإذا كان من داءٍ فهو البُحاح. قال:

ولقد بَحَِحْتُ من النِّدا *** ءِ بجمعكُمْ هَل مِن مُبارِزْ([15])

وعُودٌ أبَحُّ إذا كان في صوته غِلَظ. قال الكِسائيّ: ما كنتَ أَبَحَّ ولقد بَحِحْتَ بالكسر تَبَحُّ بَحَحاً وبُحوحة. والبُحَّة الاسم، يقال به بُحَّةٌ شديدة. أبو عبيدة: بَحَحْت بالفتح لغة. قال شاعر([16]):

إذا الحسناءُ لم تَرْحَضْ يَدَيْها  *** ولم يُقْصَرْ لها بَصَرٌ بسِتْرِ

قَرَوْا أضيافَهم رَبَحاً بِبُجٍّ  *** يَعيشُ بفَضْلِهِنَّ الحَيُّ سُمْرِ

الرَّبَح:الفصال. والبُحُّ: قِداحٌ يُقامَرُ بها ([17]). كذا قال الشيبانيّ. وقال الأصمعي في قول القائل:

وَعاذلةٍ هَبّتْ بليلٍ تلومُنِي *** وفي كفّها كِسْرٌ أَبَحُّ رَذُومُ([18])

الرَّذُوم: السّائل دَسَما. يقول: إنّها لامَتْه على نحر مالِهِ لأضيافه، وفي كفِّها كِسرٌ، وقالت: أَمِثْلُ هذا يُنْحَر؟ ونُرى أنّ السَّمينَ وذا اللَّحمِ إنما سمِّيَ أبَحَّ مقابلةً لقولهم في المهزول: هو عِظامٌ تُقَعْقِع.

والأصل الآخر البُحْبُوحة وَسَط الدار، ووَسط مَحَلّة القوم. قال جرير:

قومي تميمٌ همُ القومُ الذين هُمُ *** ينْفُون تَغلِبَ عن بُحبُوحَة الدَّارِ([19])

والتَّبَحْبُح([20]): التمكُّن في الحُلول والمُقام. قال الفراء: يقال نحن في باحَّة الدّارِ بالتشديد، وهي أوسعُها. ولذلك قيل فلانٌ يتبحبح في المجْد أي يتّسِع. وقال أعرابيٌّ في امرأَةٍ ضَرَبها الطَّلْق: "تركتها تَتَبَحْبَحُ على أيدي القَوابل".

(بخ) الباء والخاء. وقد روي فيه كلامٌ ليس أصلاً يقاسُ عليه، وما أراه عربياً، وهو قولهم عند مَدْح الشيء: بَخْ، وبخبَخَ فلانٌ إذا قال ذلك مكرِّراً له. قال:

بين الأشَجِّ وبينَ* قيس باذخٌ *** بَخْ بَخْ لوالدهِ وللمولُودِ([21])

وربما قالوا: بَخٍ. قال:

روافدهُ أكرَمُ الرَّافداتِ *** بَخٍ لك بَخٍّ لبَحرٍ خِضَمّ([22])

فأمّا قولهم: "بخبخُوا عنكم من الظهيرة" أي أبردوا، فهو ليس أصلاً؛ لأنه مقلوب خَبَّ. وقد ذكر في بابه.

(بد) الباء والدال في المضاعف أصلٌ واحد، وهوالتفرُّق وتباعُدُ ما بينَ الشّيئين. يقال فرسٌ أَبدُّ، وهو البعيد ما بين الرِّجلين.وبدّدْتُ الشيءَ إذا فرّقته. ومن ذلك حديثُ أمّ سلمة: "يا جارية أَبِدِّيهِمْ تَمْرةً تَمرة"، أي فرِّقيها فيهم تَمرة تَمْرة. ومنه قول الهذلي([23]):

فأَبَدَّهُنَّ حُتُوفَهُنَّ فهاربٌ *** بِذَمائِهِ أو باركٌ مُتَجَعْجِعُ

أي فرَّق فيهنّ الحُتوفَ. ويقال فرّقْناهم بَدَادِ([24]). قال:

* فشلوا بالرِّماح بَدَادِ([25]) *

وتقول بادَدْتُه في البَيع، أي بِعتُه مُعاوَضة. فإن سأل سائلٌ عن قولهم: لابدَّ من كذا، فهو من هذا الباب أيضاً، كأنه أراد لا فِراق منه، لا بُعد عنه. فالقياس صحيحٌ. وكذلك قولهم للمفازة الواسعة "بَدْبَدٌ([26])" سمِّيت لتباعُدِ ما بين أقطارها وأطرافها. و البادّان: باطنا الفَخِذين من ذلك، سمِّيا بذلك للانفراج الذي بينهما. وقد شذّ عن هذا الأصل كلمتان: قولهم للرجل العظيم الخَلْق "أَبَدّ". قال:

* أَلَدَّ يَمْشي مِشْيَةَ الأَبَدِّ ([27]) *

وقولهم: ما لك به بَدَدٌ([28])، أي ما لك به طاقةٌ.

(بذّ) الباء والذال أصلٌ واحد، وهو الغَلَبة والقَهْر والإذلال. يقال بذّ فلانٌ أقرانَه إذا غلَبَهم، فهو باذٌّ يَبُذُّهم. وإلى هذا يرجع قولهم: هو بَاذّ الهيئة، وبَذُّ الهيئة بيِّن البَذَاذة، أي إن الأيَّام أتَتْ عليه فأَخلقَتْها فهي مقْهورة، ويكون فاعلٌ في معنى مفعولٍ.

(برّ) الباء والراء في المضاعف أربعة أصول: الصدق، وحكايةُ صَوتٍ، وخلاف البَحْرِ، ونبتٌ. فأمّا الصِّدق فقولهم: صدَق فلانٌ وبَرَّ، وبَرَّتْ يمينُه صدَقت، وأَبَرَّها أمضاها على الصِّدق.

وتقول: بَرَّ الله حَجَّك وأَبَرَّهُ، وحِجَّةٌ مَبْرُورة، أي قُبِلَتْ قَبولَ العملِ الصَّادق. ومن ذلك قولهم يَبَرُّ ربَّه أي يُطيِعه. وهو من الصِّدق. قال:

لاهُمَّ لولا أنَّ بَكراً دُونَكا *** يَبَرُّكَ النّاسُ ويَفْجُرُونَكا([29])

ومنه قول الله تعالى: {لَيْسَ البِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ} [البقرة 177]. و[أَمّا] قولُ النابغة:

* عليهنَّ شُعْثٌ عَامِدُون لِبرِّهِمْ([30]) *

فقالوا: أراد الطاعة، وقيل أَراد الحج. وقولهم للسّابقِ الجواد "المُبّر" هو من هذا؛ لأنه إذا جرى صدق، وإذا حمل صدق.

قال ابنُ الأعرابيّ: سألتُ أعرابيّاً([31]): هل تعرفُ الجوادَ المُبِرّ من البطيء المقْرِف؟ قال: نعم. قلت: صفهُما لي. قال: "أمّا الجواد فهو الذي لُهِزَ لَهْزَ العَيْر([32])، وأُنِّف تَأنيفَ السَّير([33])، الذي إذا عَدَا اسْلَهَبّ([34])، وإذا انتصِبَ اتلأَبّ([35]). وأما البطيء المقْرِف فالمدلوك الحجَبَة، الضّخمُ الأرنبة، الغليظ الرَّقَبة، الكثير الجَلَبَة، الذي إذا أمسَكْته قال أرسِلْني، وإذا أرسَلْتَهُ قال أمسِكْني".

وأصل الإبرار ما ذكرناه في القهر والغَلَبة، ومرجعُه إلى الصِّدق. قال طرَفة:

يَكشفون الضُّرَّ عن ذِي ضُرِّهِمْ  *** ويُبِرُّونَ على الآبِي المُبِرّ([36])

ومن هذا الباب قولهم: هو يَبَرُّ ذا قرَابته، وأصله الصِّدق في المحبّة. يقال رجل بَرٌّ وبارٌّ. وبرَِرْت والدي وبرَِرْتُ في يميني. وأبَرَّ الرّجُلُ ولَدَ أولاداً أبْرَاراً. قال أبو عبيدة: وَبَرَّةُ: اسمٌ للبِرّ معرفةٌ لا تنصرف. قال النابغة:

يومَ اخْتَلَفْنا خُطَّتَيْنا بينَنا  *** فحملتُ بَرَّةَ واحتَملْتَ فَجارِ([37])

وأمّا حكاية الصّوتِ فالعرب تقول: "لا يَعْرِفُ هِرّا من برّ" فالهِرّ دُعاء الغنم، والبِرّ الصَّوتُ بها إذا سِيقَتْ. [و] يقال لا يعرف مَن يكرهُه ممّن يَبرّه. والبربرة: كثرة الكلامِ والجَلَبَةُ باللِّسان. قال:

* بالعَضْرِ كلّ عَذَوَّرٍ بَرْبارِ *

ورجل بَرْبارٌ وبَربارةٌ. ولعلّ* اشتقاق البَربَرِ من هذا. فأما قولُ طرَفَة:

ولكن دعا من قيس عَيلان عصبةً يسوقون في أعلى الحجازِ البَرابِرا([38])

فيقال إنه جمع بُرْبُر([39])، وهي صِغارُ أولاد الغنم. قالوا: وذلك من الصّوت أيضا، وذلك أنّ البَربرة صوتُ المَعْز.

والأصل الثالث خلاف البحر. وأَبَرَّ الرّجلُ صار في البَرّ، وأَبْحَرَ صار في البحر. والبرّيّة الصحراء. والبَرّ نقيص الكِنّ. والعرب تستعمل ذلك نَكِرةً، يقولون خرجتُ بَرّا وخرجتُ بحراً. قال الله تعالى: {ظَهَرَ الفَسَادُ فِي البَرِّ والبَحْرِ[الروم 41].

وأَما النَّبْت فمنه البُرّ، وهي الحنطة، الواحدة بُرّة. قال الأصمعي: أبَرَّت الأرضُ إذا كثر بُرُّها، كما يقال أَبْهَمَت إذا كثر بُهْمَاها. والبُرْبُور([40]) الجَشيش من البُرّ. يقال للخُبز ابن بُرَّةَ، وابنُ حَبّةَ، غير مصروفَين. قال الشيباني: "هو أقصر من بُرَّة" يعني([41]) واحدة البُرّ. أي إن البُرّةَ غايةٌ في القِصَر. قال الخليل: البَرير حمْل الأَراك. قال النابغة:

* تَسَفُّ بَرِيرَهُ وتَرودُ فِيهِ([42]) *

قال أبو زيادٍ الكِلابِيّ: البَرِير أصغر حَبّاً من المَرْد والكَبَاث، كأنّه خَرَزٌ صِغار. قال الأصمعي: البَرِير: اسمٌ لما أدْرَك مِنْ ثَمَر العِضاهِ، فإذا انتهى يَنْعُهُ اشتدَّ سوادُه. قال بشر:

رأى دُرَّةً بيضاءَ يحفِلُ لَوْنَهَا *** سُخامٌ كغِرْبَانِ البَرِيرِ مُقَصَّبُ([43])

يصِفُ شَعَرَها.

(بز) الباء والزاء [أصل واحدٌ]، وهو الهيئة من لباسٍ أو سِلاح. يقال هو بَزّازٌ يبيع البَزّ. وفلانٌ حسَنُ البِزّة. والبَزّ: السلاح. قال شاعر:

كأنّي إذْ غدَوْا ضَمّنْتُ بَزِّي *** مِنَ العِقْبَانِ خَائتَةً طَلُوبَا([44])

يقول: كأن ثيابي وسلاحي حين غدوتُ على عقابٍ، من سرعتي. وقولـه: خائتة، تسمع لجناحها صوتاً إذا انقَضَّتْ. وقولهم بزَزْتُ الرّجُل، أي سلبته، من هذا، لأنّه فِعلٌ وقَعَ ببَزِّه، كما يقال رأسْتُه: ضربتُ رأسَه.

ممّا شَذّ عن هذا الباب البَزْبَزَة: سُرْعَة السَّير.

(بسّ) الباء والسين أصلان: أحدهما السَّوْق، والآخر فَتُّ الشّيء وخلطه. فالأوّل قولـه تعالى: {وبُسَّتِ الجِبَالُ بَسّاً} [الواقعة 5]، يقال سيقَت سَوْقا. وجاء في الحديث: "يجيء قومٌ من المدينة يبسُّون([45])، والمدينةُ خيرٌ لهم لو كانُوا يَعْلَمُون". ومنه قول أبي النجم:

* وانبَسَّ حَيَّاتُ الكَثيب الأهْيَلِ([46]) *

أي انْسَاقَ. والأصل الآخر قولهم بُسّت الحنطة وغيرها أي فُتّتْ. وفُسِّر قولـه تعالى: {وبُسَّتْ الجِبَالُ بَسّاً} [الواقعة 5]، على هذا الوجهِ أيضاً. ويقال لتلك البَسِيسة، وقال شاعر:

* لا تخبِزَا خَبْزاً وبُسَّا بَسَّا([47]) *

يقول: لا تخبزا فتُبطِئا([48]) بل بُسَّا السَّويقَ بالماء وكُلا. فأمّا قولهم: بَسَّ بالنّاقة وأبسّ بها إذا دعاها للحَلَْب، فهو من الأوَّل. وفي أمثال العرب: "لا أفْعَلُ ذَلِكَ ما أبَسَّ عبْدٌ بناقة"، أي ما دعاها للحَلَْب. قال شاعر:

فَلَحَا اللهُ طالبَ الصُّلحِ مِنّا *** ما أطافَ المُبِسُّ بالدَّهْماءِ([49])

(بشّ) الباء والشين أصلٌ واحد، وهو اللّقاء الجميل. والضّحك إلى الإنسان سروراً به. أنشد ابنُ دريد:

لا يَعدَمُ السّائلُ مِنهُ وَفْرا([50])  *** وقَبْلهُ بشاشةً وبِشْرا

يقال بَشّ به بشّاً وبَشاشة.

(بصّ) الباء والصاد أصلٌ واحدٌ وهو بَريق الشيء وَلَمعانُه في حركَتِه. يقال بَصَّ إذا لَمَعَ يَبصُّ بصيصاً وبَصّاً إذا لَمَعَ. قال:

يَبِصُّ منها لِيطُها الدُّلامِصُ *** كدُرَّةِ البَحْرِ زَهاها الغائِصُ([51])

الدُّلامِص: البَرّاق. زهَاها: رَفَعها وأخْرَجها. والبَصَّاصة: العين. وبصبَصَ الكلبُ: إذا حرّك ذنَبَه، وكذلك الفَحْلُ. قال:

* بَصْبَصْنَ إذْ حُدِينا([52]) *

وقال رؤبة:

* بصبصْنَ بالأذْنابِ من لُوحٍ وبَقّ([53]) *

وبصبَصَ جَرْوُ الكلْبِ إذا لَمَعَ ببصره قبل أن تتفَتّح عينُه. وخِمْسٌ بَصْبَاصٌ: بعيدٌ. وقال أبو دُوَاد:

ولقد ذَعَرْتُ بناتِ عَـ  *** ـمّ المُرْشِقَاتِ لَهَا بَصابصْ([54])

قالوا: أراد أن يقول: ذعرت البقر، *فلم يستقم لـه الشِّعر فقال: بنات عَمّ المُرْشِقات، وهي الظّباء. وأراد بالبصابص تحريكَها أذنابَها. والبَصِيصُ الرِّعدة من هذا القياس.

(بضّ) الباء والضاد أصلٌ واحدٌ، وهو تندّي الشيء كأنّه يعرق. يقال بَضّ الماءُ يَبِضّ بَضّاً وبُضوضاً إذا رَشَح من صَخرةٍ أو أرض. ومن أمثال العرب قولهم: "ولا يَبِضّ حَجَرُه"، أي لا يُنال منه خَير. ورَكِيٌّ بَضُوض([55]): قليلة الماء، ولا يقال بَضَّ السِّقاءُ ولا القِربة. إنّما ذلك الرَّشْح أو النَّتْح، فإذا كان من دُهنٍ أو سمن فهو النَثُّ والمَثُّ. فأمّا قولهم للبدن الممتلئ بَضٌّ فهو من هذا أيضاً، لأنّه مِنْ سِمَنِه وامتلائِه كأنّه يرشَح فيبرُقُ لونُه. قالوا: والبدن البَضُّ الممتلئ، ولا يكون ذلك من البياض وحدَه، قد يُقال ذلك للأبيض والآدَم. قال ابنُ دريد: رجلٌ بَضٌّ بَيِّنُ البضاضة والبُضوضة: إذا كان ناصِعَ البياض في سِمَنٍ. قال شاعر([56]) يصف قتيلاً:

وأبيَضُ بَضٌّ عليه النُّسورُ *** وفي ضِبْنِهِ ثَعْلَبٌ مُنْكَسِرْ([57])

وقال أبو زُبيدٍ الطائيّ:

يا عُثمَُ أَدْرِكْني فإنَّ ركِيَّتي  *** صَلَدَتْ فأعيَتْ أنْ تَبِضَّ بمائِها([58])

(بطّ) الباء والطاء أصلٌ واحد، وهو البَطُّ والشّقّ. يقال بَطّ الجُرْحَ يبُطُّه بَطّاً، أي شقه. فأمّا البطيط الذي هو العَجَب فمِنْ هذا أيضاً؛ لأنّه أمرٌ بُطَّ عَنْهُ فأُظْهِرَ حتى أعْجَبَ. وقال الكميت:

ألَمَّا تَعْجَبي وترَيْ بَطيطاً *** من اللاّئِينَ في الحِجَجِ الخَوالي([59])

وما سوى ذلك من الباء والطاء ففارسيٌّ كلُّه.

(بظّ) الباء والظاء يقال إنّهم يقولون بَظّ أوتارَه للضَّرْب، إذا هيّأها. ومثلُ هذا لا يعوّل عليه.

(بعّ) الباء والعين أصلٌ واحد، على ما ذكره الخليل، وهو الثِّقَل [و] الإلحاح. قال الخليل: البَعَاع ثِقَل السَّحاب من المطر. قال امرؤ القيس:

وألقى بصَحراءِ الغَبيط بَعَاعَهُ *** نُزولَ اليَمَاني ذي العِيَابِ المحمَّلِ

قال: ويقال للرّجُل إذا ألقى بنفسه: ألقى علينا بَعَاعَه. ويقال للسَّحاب إذا ألقَى كلّ ما فيه من المطر: ألقى بَعاعه. يقال بَعَّ السَحابُ والمطرُ بعَّاً وبَعَاعَاً، إذا

ألحَّ بمكان. وأمّا ابنُ دريد فلم يذكر من هذا شيئاً([60])، وذكر في التكرير البَعْبَعَة: تكرير الكلام في عجلةٍ. وقد قلنا إنّ الأصواتَ لا يُقاسُ عليها.

(بغّ) الباء والغين في المضاعف أصلان متباينان عند الخليل وابن دريد. فالأول البغبغة، وهي حكايةُ ضربٍ من الهدير، وأنشد الخليل:

* بِرَجْسِ بَغْبَاغِ الهديرِ البَهْبَهِ([61]) *

والأصل الثاني ذكره ابنُ دريد قال: البَغْبَغ وتصغيرها بُغَيْبِغ وهي الرّكِيّة القريبة المَنْزَع. قال:

يا رُبَّ ماءٍ لكَ بالأجْبالِ([62]) *** ُغَيْبِغٍ يُنْزَعُ بالعِقَالِ([63])

(بق) الباء والقاف في قول الخليل وابن دُريدٍ أصلان: أحدهما التفتُّح في الشيء، قولاً وفِعلاً، والثاني الشَّيء الطَّفيف اليسير. فأمّا الأول فقولهم بَقَّ يَبُقُّ بَقَّاً؛ إذا أوسع من العطيّة. وكذلك بَقَّتِ السماء بَقّاً، إذا جاءت بمطرٍ شديد. قال الراجز:

وبَسَطَ الخيرَ لنا وبَقَّهُ *** فالخلْقُ طُرّاً يَأْكلُونَ رِزْقَهُ([64])

وبَقَّ فلانٌ علينا كلامَه إذا كَثّرَه. والبقبقة: كثْرة الكلام، يقال رجلٌ بَقَاق وبَقْباق. قال الرّاجز:

وقد أقود بالدَّوَى المزَمَّلِ  *** أَخْرَسَ في الرَّكْبِ بَقَاقَ المَنْزِلِ([65])

ومن ذلكَ بقبَقةُ الماءِ في حرَكَتِه، والقِدْرِ في غليانها.

والأصل الآخر البَقُّ من البَعوض، الواحدة بَقّة. قال الراجز:

* يَمْصَعْنَ بالأذناب من لُوحٍ وبَقّ([66]) *

ومن هذا الباب البَقاق: أسْقاطُ مَتاعِ البيت.

(بكّ) الباء والكاف في المضاعف أصلٌ يجمع التزاحُمَ والمغالبة. قال الخليل: البَكّ دقُّ العُنق. ويقال سمِّيت بكّة لأنّها كانت تَبُكُّ أعناق الجبابرة إذا أَلحَدْوا فيها بظُلْمٍٍ لم يُنْظَروا. ويقال بل سُمّيتْ بكّةَ لأنّ النّاسَ بعضُهم يبكُّ بعضاً في الطَّواف، أي يدفع. وقال الحسن: أي يتباكُّون فيها من* كُلّ وجهٍ. وقيل أيضاً: بَكَّةُ فَعْلَة من بكَكْتُ الرّجلَ إذا ردَدْتَه ووضعتَ منه. قال:

إذَا الشَّرِيبُ أخَذَتْهُ أَكَّهْ *** فَخَلِّهِ حَتّى يَبُكَّ بَكَّهْ([67])

وقال آخر:

يَبُكُّ الحَوْضَ عَلاّهَا ونَهْلَى *** ودُونَ ذِيادِها عَطَنٌ مُنِيمُ([68])

تبكّ: تزدحم عليه. قال ابنُ الأعرابيّ: تبَاكَّت الإبل، إذا ازدحمتْ على الماء فشرِبَتْ ورجل أبَكُّ شديدٌ غَلاَّب، وجمعه بُكٌّ، ويقال بكّهُ إذا غلبَه.

قال الفرّاء: يقال للرِّشاء الغليظ الأبكّ. والأبكّ في قول الأصمعي الشّجَر المجتمع. يريد قول القائل:

صَلاَمَةٌ كَحُمُرِ الأَبَكِّ([69]) *** لا جَذَعٌ فيها ولا مُذَكِّ([70])

(بل) الباء واللام في المضاعف له أصولٌ خمسة هي معظم الباب. فالأول النَّدى، يقال بلَلْتُ الشيء أَبُلُّهُ. والبِلَّةُ البَلَل، وقد تضمّ الباء فيقال بُلَّة. وربما ذكَروا ذلك في بقيّة الثَّمِيلة في الكَرِش. قال الراجز([71]):

* وفارقَتْها بُلَّة الأوابِلِ([72]) *

ويقال: ذهبت أبْلاَلُ الإبِل، أي نِطافُها التي في بطونها. قال الضَّبّيُّ: ليس من النوق ناقةٌ تَرِدُ الماءَ فيها بُلَّةٌ إلاّ الصّهباء. أي إنّها تصبر على العطش. ومن ذلك التي هي العطيّة. قال الخليل: يقال للإنسان إذا حسُنَتْ حالُه بعد الهزال: قد ابتلّ وتبلَّل. ويقولون: "لا أَفعَلُ كذا ما بلَّ بَحْرٌ صُوفَة" ويقال للبخيل: ما تَبُلُّ إحدى يَدَيْهِ الأُخْرَى. ومنه "بُلُّوا أرحامَكم ولو بالسَّلام". ويقال لا تبلّك عندي بالَّةٌ ولا بِلاَلٌ ولا بَلاَلِ على وزن حَذَامِ. قال:

فلا والله يا ابنَ أبي عَقِيلٍ *** تبلُّك بعدَها فينا بَلاَلِ([73])

وفي أمثال العرب([74]): "اضربوا أميالاً تَجِدُوا بَلاَلاً". قال الخليل: بِلّة اللِّسان([75]) وقوعُه على مواضع الحروف واستمراره على النُّطق، يقال ما أحسنِ بِلّة لسانه. وقال أبو حاتم: البَِلّة عَسَل السَّمُرِ([76]). ويقال أبلَّ العُود إذا جرى فيه نَدَى الغيث. قال الكسائي:انصرفَ القوم بِبَلَّتهم([77])، أي انصرفوا وبهم بقيّة. ويقال اطوِ الثّوب على بَُلَّته([78]) أي على بقية بللٍ فيه لئلا يتكسّر. وأصله في السقاء يتَشَنَّن، فإذا أريد استعمالهُ نُدِّيَ. ومنه قولهم: طويتُ فلاناً على بِلاله([79])، أي احتملتُه على إساءته، ويقال على بُلَّته وبُلُلَته. وأنشَدُوا:

ولقد طويتكُمُ على بُلُلاتِكمْ *** وعلمتُ ما فيكم من الأَذْرابِ([80])

قال أبو زيد: يقال ما أحسَن بَلَلَ الرَّجُل، أي ما أحسن تحمُّله، بفتح اللامين جميعاً. وأمّا قولهم للرِّيح الباردة بَلِيلٌ، فقال الأصمعيّ: هي ريحٌ باردة

تجيء في الشتاء ويكون معها نَدىً. قال الهذلي([81]):

* وسَاقَتْهُ بَلِيلٌ زَعْزَعُ *

والأصل الثاني: الإبلال من المرض، يقال بلّ وأبَلّ واستبلَّ، إذا بَرَأَ. قال:

إذا بَلَّ من داءٍ به ظَنَّ أنه *** نَجَا وبه الدّاءُ الذي هُو قاتلُه([82])

والأصل الثالث: أخذ الشّيءِ والذّهابُ به. يقال بَلَّ فلانٌ بكذا، إذا وَقَعَ في يده. قال ذو الرّمّة:

* بَلّتْ بِهِ غير طَيّاشٍ ولا رَعِشٍ([83]) *

ويقولون: "لئن بَلَّ به لَيَبَلَّنَّ بما يودّه([84]). ومنه قوله:

إنّ عليكِ فاعلِمنَّ سائِقا *** بَلا بأعْجازٍ المَطِيِّ لاحقَا

أي ملازماً لأعجازها. ويقال : إنّه لَبَلٌّ بالقرينة. وأنشد:

وإنّي لَبَلٌّ بالقَرِينَةِ ما ارعَوَتْ *** وإنّي إذا صارَمْتُها لَصَرُومُ([85])

وقال آخر:

بَلّتْ عُرَيْنَةُ في اللِّقاء بفارسٍ  *** لا طائشٍ رَعِشٍ ولا وَقَّافِ

ويقولون: إنّه ليَبَلُّ بهِ الخَيْرُ، أي يوافِقُه.

والأصل الرابع: البَلَل، وهو مصدر الأبلِّ من الرّجال، وهو الجرِيء المُقْدِم الذي لا يستحيي ولا يُبالي. قال شاعر:

ألاَ تَتّقُونَ الله يا آلَ عامِرٍ *** وهَلْ يَتّقي اللهَ الأبَلُّ المصَمِّمُ([86])

ويقال هو الفاجر الشَّديد الخُصُومة، ويقال هو الحَذِر الأريب. ويقال أبَلَّ الرّجلُ يُبِلّ إبلالاً، إذا غَلَب وأعْيَا. قال أبو عُبيدٍ: رجلٌ أبَلُّ وامرأةٌ بَلاّءُ، وهو الذي لا يُدرَك* ما عِندَه.

وما بعد ذلك فهي حكايةُ أصواتٍ وأشياءَ ليست أصولاً تنقاس. قال أبو عمرو. البَلِيل: صوتٌ كالأنين. قال المرّار:

صوادِيَ كُلُّهُنَّ كأُمِّ بَوٍّ *** إذا حَنّتْ سمِعتَ لها بليلا

قال اللحْيانيّ: بَليلُ الماء: صَوتُه. والحمام المبَلِّل هو الدائم الهدير. قال :

ينفّرْن بالحَيْحاءِ شَاءَ صُعَائِدٍ *** ومن جانب الوادي الحمامَ المبَلِّلاَ([87])

وبابِل: بلد. والبُلْبُل طائر. والبَلْبَلَةُ وَسْواس الهموم في الصّدر، وهو البَلبال. وبَلبَلةُ الألسُنِ اختلاطُها في الكلام. ويقال بَلْبَلَ القومُ، وتلك ضَجَّتُهم. والبُلبُلُ من الرِّجال الخفيف، وهو المشبَّه بالطائر الذي يسمَّى البُلْبل والأصل فيه الصّوت، والجمع بلابل. قال:

ستُدْرِك ما يَحمي عُمارَةُ وابنُهُ  *** قَلاَئصُ رَسْلاتٌ وشُعثٌ بَلابِلُ([88])

(بن) الباء والنون في المضاعف أصلٌ واحد، هو اللزوم والإقامة، وإليه ترجع مسائلُ البابِ كلُّها. قال الخليل: الإبنان اللُّزوم، يقال: أبَنَّتِ السّحابةُ إذا لزِمَتْ، وأَبَنَّ القومُ بمحلَّةٍ أقاموا. قال:

* يا أيُّها الرَّكْبُ بالنَّعْفِ المُبِنُّونا *

ومن هذا الباب قولهُم: بَنَّنَ الرّجلُ فهو مُبَنّنٌ، وذلك أن يرتبط الشّاة ليسمِّنها. وأنشد:

يُعَيِّرُني قومي بأنّي مُبَنِّنٌ *** وهل بَنَّنَ الأشراطَ غيرُ الأكارِم([89])

قال الخليل: البَنَانُ أطرافُ الأصابع في اليدَين. والبَنَان في قوله تعالى:

وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال 12]، يعني الشّوَى، وهي الأيدي والأرْجُل. قال: وقد يجيء في الشّعر البَنانَة بالهاء للإصبع الواحدة. وقال:

لا همّ كَرَّمْتَ بَنِي كِنانَهْ([90]) *** ليس لِحَيٍّ فوقَهُمْ بَنَانَهْ

أي لأحدٍ [عليهم([91])] فضلٌ قِيسَ إصبع. وقال في البَنَان:

لمَّا رأتْ صَدَأ الحديدِ بِجِلْدِهِ *** فاللّونُ أَوْرَقُ والبَنانُ قِصارُ

وقال أبو إسحاق إبراهيم بن السّريّ الزجاج: واحد البَنانِ بَنَانةٌ. ومعناه في قولـه تعالى: {وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال 12]، الأصابعُ وغيرها من جميع الأعضاء. وإنما اشتقاق البَنَان من قولهم أبَنَّ بالمكان إذا قام؛ فالبنان به يُعْتَمَدُ كلُّ ما يكون للإقامة والحياة. قال الخليل: والبَنَّة الرِّيح من أرْبَاضِ([92]) البقَر والغَنم والظِّباء، وقد يُستعمل في الطِّيب، فيقال: أجِدُ في هذا الثوب بَنَّة طيِّبةً من عرْف تُفّاح أو سفَرجَل. وأنشد:

* بَلَّ الذُّنابَى عَبَساً مُبِنَّا([93]) *

وهذا أيضاً من الأوّل، لأنّ الرائحة تلزم. وقال الرّاجز في الإبنان وهو الإقامة:

قلائصاً لا يَشْتَكِين المَنَّا *** لا يَنْتَظِرْنَ الرّجُل المُبِنَّا

قال أبو عمرو: البَنِينُ من الرّجال العاقلُ المتثبِّت. قال: وهو مشتقٌّ من البَنَّة. والبُنَانة الرَّوضة المعشِبَة الحَالية. ومنه ثابت البُنانيّ، وهو من ولد سَعْد بن لُؤيّ ابن غالب، كانت لـه حاضِنةٌ تسمّى بُنانَة([94]). وهذا من ذاك الأوّل، لأن الرَّوضة المعْشِبةَ لا تَعْدم الرائحةَ الطيِّبة.

(به) الباء والهاء في المضاعف ليس بأصلٍ، وذلك أنه حكاية صوتٍ، أو حمْلُ لفظٍ على لفظ. فالبهبهة هدير الفحل. قال شاعر([95]):

* بِرَجْسٍ بَغْباغِ الهديرِ البَهْبَهِ *

قال أبو زيد: البَهْبَهةُ: الأصوات الكثيرة. والبهبهة: الخَلْق الكثير. فأما قولهم للجسيم الجريء البَهْبَهِيّ، فهو من هذا، لأنّه يُبَهبِه في صوته. قال:

لا تَرَاهُ في حادث الدهر إلاّ  *** وهو يغدو بِبَهْبَهِيٍّ جَريمِ([96])

وقولهم تَبَهْبَهَ القومُ إذا تشرّفوا، هو من حَمْل لفظٍ على لفظ، لأنّ أصله بخبخوا، من قولهم في التعظُّم والتعظيم: بَخٍْ بَخٍْ. وقال الشاعر:

ألم تر أنّي من زُبَيْدٍ بذِرْوَةٍ *** تَفَرَّع فيها مَعْشَرِي وتَبهْبَهُوا

(ببّ) الباء والباء في المضاعف ليس أصلاً، لأنه حكايةُ صوتٍ. قال الخليل: البَبّةُ: هدير الفَحْل في ترجيعه. قال رؤبة:

يسوقُها أعْيَسُ هَدّارٌ يَبِبّْ *** إذا دَعَاها أقْبَلَتْ لا تَتّئِبْ([97])

وقد قالوا رجل بَبٌّ أي سمين، وكان بعضهم* يُلقّب "بَبَّة([98])".

(بوّ) البَوُّ كلمةٌ واحدة وهو جلد حُِوارٍ يُحشى وتُعطف عليه النّاقةُ إذا مات ولدُها. قال الكميت:

* مُدْرَجَة كالبَوِّ بين الظِّئرَيْن([99]) *

والرّماد بَوُّ الأثافيّ على التشبيه .

(بيّ - بأ) الباء والياء والباء والهمزة، ليست أصولاً تقاس، لأنها كلمات مفردة. يقولون "هَيّ بنُ بَيٍّ" لمن لا يُعرَف. ويقولون بأبات الصّبيّ قلت له بابا. قال الأحمر: بأْبأَ الرّجُلُ أسرع. وقد تبأْبأْنا إذا أسرعنا. والبؤبؤ: السيِّد الظريف. والبؤبؤ: الأصل. قال:

* في بؤبؤ المجد وبُحبُوحِ الكَرمْ([100]) *

والله أعلم .

ـــــــــــــــ

([1]) في اللسان (2: 312): "من ذوي الغر".

([2]) في الأصل: "المرا" صوابه في اللسان (2: 311).

([3]) في الأصل: "من قوله". وفي اللسان: "وفي الحديث أن رجلاً أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال:

يا رسول الله إني أبدع بي فاحملني".

([4]) البيت للنابغة في ديوانه ص19.

([5]) في المجمل: "وتمر بث، إذا لم يجد كنزه في وعائه". وفي اللسان: "وتمر بث إذا لم يجود كنزه فتفرق".

([6]) في الأصل: "فقرته". وليس لها وجه.

([7]) البيت لذي الرمة في ديوانه 28 برواية :"وأسقيه".

([8]) هي امرأة دريد بن الصمة. انظر الخبر في اللسان (13: 75).

([9]) في الأصل: "قفجا"، صوابه في ديوان رؤبة 81 والمجمل واللسان (قفخ، بجج، وخض).

([10]) ومنه قول ذي الرمة:

ومختلق للملك أبيض فدغم *** أشم أبج العين كالقمر البدر

([11]) البيت لجبيهاه الأشجعي في المفضليات (1: 166). واللسان (6: 402/ 3: 31) وقبله:

ولو أنها طافت بظنب معجم *** نفى الرق عنه جدبه فهو كالح

و"فجاءت" كذا وردت في الأصل وصحاح الجوهري. وصواب روايتها: "لجاءت" وقد نبه ابن بري على خطأ رواية الفاء. انظر اللسان (بجج).

([12]) يقال نفج السقاء نفجاً: ملأه.

([13]) وبه فسر حديث: "إن الله قد أراحكم من الشجة والبجة" في أحد تأويليه.

([14]) من بابي تعب، ودخل.

([15]) البيت لعمرو بن عبد ود، من أبيات في زهر الآداب (1: 42) قالها في يوم الأحزاب.

([16]) هو خفاف بن ندبة. انظر اللسان (بحح، ربح). والأغاني (13: 134).

([17]) في اللسان: "سميت بحا لرزانتها".

([18]) البيت في اللسان (كسر، بحح، رذم) .

([19]) البيت في ديوانه 311 واللسان (بحح).

([20]) في الأصل: "والتبحح" محرفة.

([21]) البيت لأعشى همدان، كما في المجمل واللسان والصحاح (بخخ). والأساس أنه يقوله في عبد الرحمن بن الأشعث.

([22]) استشهد به في اللسان (3: 483) على جمعه بين لغتي التخفيف والتشديد مع التنوين.

([23]) هو أبو ذؤيب الهذلي، وقصيدته في ديوانه ص1 والمفضليات (2: 121).

([24]) بداد، بفتح أوله والبناء على الكسر. وفي الأصل: "بدادا" محرف.

([25]) قطعة من بيت لحسان، وهو وسابقه في ديوانه 108 واللسان (بدد):

هل سر أولاد اللقيطة أننا  *** سلم غداة فوارس المقداد

كنا ثمانية وكانوا جحفلا *** لجبا فشلوا بالرماح بداد

([26]) كذا وردت مضبوطة في الأصل وفي المجمل. وفي اللسان: "البديدة" وفي القاموس: "البديد".

([27]) وكذا ورد إنشاده في المجمل. وقد نبه صاحب القاموس على خطأ هذه الرواية، وأن صوابها:

* بداء تمشي مشية الأبد *

وعلى هذا الوجه جاء إنشاده في اللسان ( 4: 46) منسوباً إلى أبي نخيلة السعدي.

([28]) ويقال أيضاً مالك بِدة وبَدة، بكسر الباء وفتحها.

([29]) هذا البيت في اللسان (5: 116).

([30]) في الديوان 54: "لحجهم". وعجزه:

* فهن كأطراف الجنى خواضع *

([31]) في اللسان (5: 119): "سئل رجل من بني أسد".

([32]) أي ضبر تضبير العير. وفي الأصل: "البعير"، صوابه من اللسان (5: 119/ 6: 275 / 10: 356).

([33]) أي قد حتى استوى كما يستوي السير المقدود.

([34]) اسلهب: مضى في عدوه. وفي الأصل: "إذا علا اسلهف"، صوابه في اللسان (5: 119/1-457).

([35]) اتلأب: امتد واستوى . وفي الأصل:" إذا انتصف"،  صوابه في اللسان (1: 226/ 5: 119). وزاد في اللسان بين هذا وسابقه: "وإذا قيد اجلعب" أي مضى في سيره.

([36]) ديوان طرفة 70 واللسان (5: 119).

([37]) في الديوان 34: "أنا قسمنا خطتينا"، وفي اللسان: "أنا اقتسمنا". وقبله:

أرأيت يوم عكاظ حين لقيتني  *** تحت العجاج فما شققت غباري

([38]) كذا ورد إنشاده: "يسوقون" بالقاف، والشرح يؤيد هذه الرواية، لكن في ديوان طرفة 2: "يسوفون" بالفاء، وقافية البيت في الديوان "البرائرا"، قال ابن السكيت: "البرائر: جمع برير، وهو ثمر الأراك، ويسوفون: يشمون".

([39]) انفرد ابن فارس من بين أصحاب المعاجم بهذه الكلمة.

([40]) الجشيش: المجشوش، أي المدقوق. وفي الأصل: "الحشيش" محرف، صوابه في اللسان (5: 120 س17)

([41]) في الأصل: "بقي"، تحريف.

([42]) صدر بيت له في ديوانه 75 وعجزه: * إلى دبر النهار من البشام *

([43]) يحفل لونها: يجلوه. والمقصب: المجعد. والبيت في اللسان (قصب، حفل). وسيأتي في (حفل).

([44]) البيت لأبي خراش الهذلي، كما في أشعار الهذليين (2: 57) واللسان (2: 16) وانظر الحيوان  (6: 337) واللسان (7: 176). وفي أشعار الهذليين: "إذ عدوا بالمهملة. وفي الأصل: "خاتية" في البيت وتفسيره، وإنما هي "خائتة".

([45]) لفظه في اللسان (7: 325): "من المدينة إلى الشام  واليمن والعراق يبسون". ويقال بسست الدابة وأبسستها، إذا سقتها وزجرتها وقلت لها بس بس. وفي الأصل "يبيتون" محرفة.

([46]) أنشده الجاحظ في الحيوان (4: 256) وقال: "انبست الحيات، إذا تفرقت وكثرت". وأنشده في اللسان (7: 327) بدون نسبة، وفسره بمعنى انسابت على وجه الأرض.

([47]) الرجز للهفوان العقيلي أحد لصوص العرب. انظر معجم المرزباني 492 ونوادر أبي زيد 12، 70 والحيوان (4: 490) والمخصص (7: 127) وتهذيب الألفاظ 636.

([48]) في الأصل: "قبطيا"، صوابه ما أثبت مطابقاً ما في معجم المرزباني.

([49]) البيت لأبي زبيد الطائي، كما في أمالي القالي (1: 132).

([50]) الوفر: المال والمتاع الكثير الواسع. وفي اللسان (8: 153): "وقرا" والوقر، بالكسر: الحمل من أحمال الدواب. وما في الأصل يطابق رواية ابن دريد في الجمهرة (1: 32).

([51]) البيتان في اللسان (بصص).

([52]) لعله جزء من بيت، أو صحة إنشاده كما في اللسان (8: 272):

* بصبصن إذ حدين بالأذناب *

([53]) رواية الديوان 108 واللسان (10: 412/ 11: 304): "يمصعن بالأذناب" وستأتي هذه الرواية في نهاية (بقق). وقبله:

* بصبصن واقشعررن من خوف الرهق *

([54]) البيت في اللسان (بصص) محرفاً، وفي (رشق) على الصواب.

([55]) وكذا في اللسان (8: 386). والركي: جمع ركية.

([56]) هو أوس بن حجر. انظر ديوانه 6 والحيوان (5: 582)،  والأضداد لابن الأنباري (303) .

([57])وكذا جاءت روايته في اللسان (8: 387)، وصواب روايته كما في المصادر السابقة: "وأحمر جعدا". وقبله:

بكل مكان ترى شطبة *** مولية ربها مسيطر

([58]) البيت في اللسان (8: 386).

([59]) البيت في اللسان (بطط) بدون نسبة، وبرواية: "في الحقب الخوالي". واللائين: الذين، كما سمع اللاءات في قوله:

أولئك أخداني الذين ألفتهم  *** وأخدانك اللاءات زين بالكتم

وفي اللسان: "وحكي عنهم اللاؤو فعلوا ذلك. يريد اللاؤون فحذف النون تخفيفاً".

([60]) الحق أن ابن دريد عقد لها رسماً في الجمهرة (3: 185) وأما المكرر، أي (بعبع) فقد عقد له رسماً في

(1: 127).

([61]) البيت لرؤبة في ديوانه 166 واللسان (بهبه) وروي في الديوان واللسان: "بخباخ". ونبه أيضاً على رواية: "بهباه الهدير". وفي الأصل: "البهبهة" محرف.

([62]) في اللسان: "يعني أنه ينزع بالعقال لقصر الماء؛ لأن العقال قصير".

([63]) في الأصل: "بالأحبال" صوابه في المجمل والجمهرة (1: 127) واللسان (10: 301) وبعده في اللسان:

* أجبال سلمى الشمخ الطوال *

([64]) البيتان في اللسان (بقق)، وهما في الجمهرة (1: 36) منسوبان إلى عويف القوافي.

([65]) البيتان في اللسان (بقق، دوا). وسيأتي في (دوي) وتقديره: أقود البعير بالدوي المزمل، أي الأحمق المدثر. وهما في الجمهرة (1: 36) منسوبان إلى أبي النجم العجلي.

([66]) البيت لرؤبة، كما سبق في ص182.

([67]) الرجز لعامان بن كعب التميمي، كما في الجمهرة (1: 19). وانظر نوادر أبي زيد 128 واللسان (أكك، بكك).

([68]) البيت لعامان بن كعب، كما في اللسان (12: 495) ونوادر أبي زيد ص16.

([69]) في اللسان (جرب): "لا جذع فينا". والرجز لقطية بنت بشر في الأغاني (1: 129) .

([70]) وكذا رويت في اللسان (صلم)، وروي في (جرب، بكك): "جربة كحمر الأبك".

([71]) هو إهاب بن عمير، كما في اللسان (13: 69/1: 177).

([72]) في الأصل: "الأوائل" صوابه في اللسان في الموضعين.

([73]) البيت لليلى الأخيلية، كما في الجمهرة (3: 210) واللسان (13: 71). وبعده في اللسان:

فلو آسيته لخلاك ذم *** وفارقك ابن عمك غير قالي

([74]) هو من كلام طليحة بن خويلد الأسدي المتنبي، قاله في سجعه وقد عطش أصحابه، قال: "اركبوا  إلالا، واضربوا أميالا، تجدوا بلالا". وقد وجدوا الماء في المكان الذي أشار إليه، ففتنوا به. وإلال: فرس طليحة. انظر الجمهرة (3: 210).

([75]) ضبطت في الأصل بضم الباء، وفي القاموس واللسان بالكسر.

([76]) في القاموس أن "البلة" بالفتح، نور العرفط والسمر أو عسله. قال: "ويكسر". وفي المجمل: "والبلة عسل السمر، وربما كسروا الباء، ويقال هو نور العضاه، أو الزغب الذي يكون عليه بعد النور". وفي الأصل: "عسل السم" محرف.

([77]) في اللسان والقاموس: "انصرف القوم ببللتهم، محركة وبضمتين، وبلولتهم بالضم، أي وفيهم بقية".

([78]) فيه لغات كثيرة، سردها صاحب القاموس.

([79]) شاهده في اللسان (بلل 70):

وصاحب موامق داجيته *** على بلال نفسه طويته

([80]) البيت لحضرمي بن عامر كما في اللسان (ذرب، بلل). ويروى للقتال الكلابي كما في الجمهرة  (1: 37).

([81]) هو أبو ذؤيب في ديوانه 11 والمفضليات (2: 226) والبيت التالي بتمامه:

ويعوذ بالأرطى إذا ما شفه *** قطر وراحته بليل زعزع

([82]) يعني الهرم والشيخوخة، كما في اللسان (بلل 68-69). والبيت كذلك في الجمهرة (1: 37).

([83]) صدر بيت في ديوانه 25. وعجزه:

* إذ جلن في معرك يخشى به العطب *

([84]) لعلها: "بما يوده".

([85]) البيت في اللسان (13: 70).

([86]) البيت في اللسان (13: 71). ونسب في حواشي الجمهرة (1: 38) إلى المسيب بن علس.

([87]) الحيحاء بفتح الحاء وكسرها: مصدر حاحيت بالمعز دعوتها. فالفتح بإجراء الفعل مجرى دعدعت، والكسر بتقديره في وزن فاعلت. وفي الأصل واللسان (13: 68): "بالحيجاء" صوابه ما أثبت. انظر اللسان (20: 333). وصعائد بضم أوله: موضع.

([88]) البيت لكثير بن مزرد، كما في اللسان (13: 73). وروي صدره في اللسان والجمهرة (1: 129):

* ستدرك ما تحمي الحمارة وابنها *

قال ابن منظور: "والحمارة: اسم حرّة، وابنها الجبل الذي يجاورها، أي ستدرك هذه القلائص ما منعته هذه الحرة وابنها".

([89]) الأشراط: حواشي المال وصغاره. وفي اللسان: "الغنم أشراط المال". وفي الأصل: "الأشواط"، محرفة.

([90]) في اللسان (16: 206): "أكرمت".

([91]) التكملة من اللسان .

([92]) أرباض: جمع ربض، وهو الموضع الذي تربض فيه الدابة، كالمربض. وفي الأصل: "أرض" محرفة. وفي اللسان: "والبنة ريح مرابض الغنم والظباء والبقر".

([93]) من رجز لمدرك بن حصن الأسدي، كما في اللسان (17، 109، 117، 233). وانظر الرجز أيضاً في نوادر أبي زيد 50 واللسان (خفض). والبيت في اللسان (بنن) بدون نسبة.

([94]) الذي في اللسان (16: 206) والمعارف 209 أن "بنانة" كانت تحت سعد بن لؤي، لا أنها كانت حاضنته.

([95]) هو رؤبة، كما سبق في حواشي مادة (بغ).

([96]) الجريم: العظيم الجرم. والبيت في اللسان (17: 372).

([97]) البيتان رويا في ملحقات ديوانه ص169، بلفظ "هدار ببب".

([98]) منهم عبد الله بن الحارث بن نوفل بن عبد المطلب والي البصرة، لقبته به أمه هند بنت أبي سفيان، كانت ترقصه وتقول:

لأنكحن ببه                  جارية خدبه

وفيه يقول الفرزدق:

وبايعت أقواماً وفيت بعهدهم  *** وببة قد بايعته غير نادم

([99]) البيت في اللسان (18: 108).

([100]) البيت لجرير، كما في أمالي القالي (2: 16) واللسان (1: 17).


ـ (باب الباء والتاء وما بعدهما في الثلاثي)

(بتر) الباء والتاء والراء أصلٌ واحد، وهو القطع قبل أن تتمَّه. والسيفُ الباتر القَطَّاع. ويقال للرجُل الذي لا عقِب له أَبتَر. وكلُّ من انقطع من الخَيْر أثرُه فهو أَبْتَر. وخطب زيادٌ خطبتَه البتراء لأنّه لم يفتتِحْها بحمدِ الله تعالى والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم. ورجلٌ أُباتِرٌ: يقطع رَحِمَه يبترها. قال :

* على قَطْعِ ذِي القُرْبَى أَحَذُّ أُباتِرُ([1]) *

(بتع) الباء والتاء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على القوّة والشدّة. فالبَتَع طولُ العُنُق مع شِدّة مَغْرِزه. ويقال لِكلِّ شديدِ المفاصل بَتِع. فأمّا البِتْعُ فيقولون إنه نَبيذ العَسَلِ. ويمكن  أن يكون سمّيَ بذلك لعلّةٍ أن تكون فيه.

(بتك) الباء والتاء والكاف أصلٌ واحد، وهو القطع. قالوا: بَتَكْتُ الشيء قَطعته أبْتُِكه بَتْكاً. قال الخليل: البَتْك قطع الأذُن. وفي القرآن: {فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ} [النساء 119]. قال: والباتك السَّيف القاطع. قال: والبَتْك أن تقبض على شَعَرٍ أو ريشٍ أو نحوِ ذلك ثم تجذبَه إليك فينْبتِكَ من أصله، أي ينقطع ويَنْتَتِفُ([2])، وكل طائفةٍ من ذلك بِتْكَةٌ، والجمع بِتَك. قال زُهير:

حتى إذا ما هَوَتْ كفُّ الغلامِ لها  *** طارت وفي كَفِّهِ مِنْ ريشِها بِتَكُ([3])

(بتل) الباء والتاء واللام أصلٌ واحد، يدلُّ على إبانةِ الشيء من غيره. يقال بتَلْتُ الشيءَ، إذا أبَنْتَهُ من غيره. ويقال طلّقها بَتَّةً بَتْلَةً. ومنه يقال لمريمَ العذراء "البَتُول" لأنها انفردت فلم يكن لها زوج. ويقال نخلةٌ مُبْتِلٌ، إذا انفردت عنها الصغيرة النابتةُ معها. قال الهذليُّ([4]):

ذلك ما دِينُك إذْ قُرِّبَتْ *** أجمالُها كالبُكُرِ المُبْتِلِ([5])

والبَتِيلة: كلُّ عضوٍ بلحمه مُكْتَنِزِ اللّحم، الجمع بتائِل، كأنه بكثْرةِ([6]) لحمه بائنٌ عن العضو الآخر. ومنه قولهم: امرأةٌ مبَتَّلَةُ الخلق. والتَّبَتُّل: إخلاص النية لله تعالى والانقطاعُ إليه. قال الله تعالى: {وتَبَتَّلْ إلَيْهِ تَبْتِيلاً} [المزمل 8]، أي انقطِع إليه انقطاعاً.

 

([1]) من بيت لأبي الربيس الثعلبي، واسمه عباد بن طهفة. وقد وقع تحريف في كنيته واسمه في اللسان

(5: 100) والقاموس (ربس). وانظر الخزانة (2: 534). وصدره :

* لئيم نزت في أنفه خنزوانة *

وقال ابن بري: صدره:

* شديد وكاء البطن ضب ضغينة *

([2]) في الأصل: "فيبتك من أصله أي ينقطع وينتف"، وإنما المراد التعبير بالمطاوع، كما ورد بذلك في اللسان، والمجمل (بتل).

([3]) ديوان زهير 175 واللسان (بتك) والجمهرة (1: 196).

([4]) هو المتنخل الهذلي، كما في ديوان الهذليين نسخة الشنقيطي ص45، واللسان (بكر، بتل).

([5]) في اللسان "أراد جمع مبتلة، كتمرة وتمر. وقولك ذلك ما دينك، أي ذلك البكاء دينك وعادتك. والبكر: جمع بكور، وهي التي تدرك أول النخل". وروايته في ديوان الهذليين: "إذا جنيت". وسيأتي في (بكر).

([6]) في الأصل: "بكنـزة"، والوجه ما أثبت.


ـ (باب الباء والثاء مع الذي بعدهما في الثلاثي)

(بثر) الباء والثاء والراء أصلٌ واحد، وهو انقطاع الشيء مع دوام وسهولةٍ وكثْرة. قال الخليل: بَثَر جلدُه تنفَّطَ([1]). قال الخليل: البَثْر خُرَّاجٌ صِغار، الواحدة بَثْرة. قال أبو عليّ الأصفهانيّ: بَثَرَ جلدُهُ بُثوراً فهو باثِر، وبُثِر فهو مبثور. قال: والماء البَثْر الذي يَنِشُّ ويبقَى منه على وجه الأرض كالعِرْمِض، وهو مرتفع عن وَجْه الأرض. يقولون: صار الغَدير بَثْرا. قال أبو حاتم: ماءٌ بَثْرٌ كثير. قال الهذليّ([2]):

فافتَنَّهُنَّ مِنَ السَّواءِ وماؤه *** بَثْر وعارَضَهُ طريقٌ مَهْيَعُ

ويقال باثرٌ وباثع إذا بدا ونتأ.

(بثع) الباء والثاء والعين كلمةٌ واحدة تدلّ على مثل الأصل الذي قبلها. يقال شفة باثعة، أي ممتلئة.

(بثق) الباء والثاء والقاف يدلُّ على التفتُّح في الماء وغيره. البَثْق بَثْق الماء، وربما كُسِرَت فقيل بِثْق*، والفتحُ أفصح.

(بثن) الباء والثاء والنون أصلٌ واحد يدلّ على السهولة واللين. يقال أرضٌ بَِثْنةٌ أي سهلة، وتصغيرها بُثَينة. وبها سمِّيت المرأة بُثَينة. والبَثَنِيَّةُ حنطة منسوبة. ومن ذلك حديثُ خالد بن الوليد: "إنّ عمرَ استعملني على الشام، فلما ألقى بَوانِيَهُ([3])وصارَ بَثَنِيّةً وعَسَلاً عَزَلني واستعملَ غيري".

(بثا) الباء والثاء والألف كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها ولا يشتقّ منها، وهي البَثَاء: أرضٌ سهلة. وهي أرضٌ بعينها([4]). قال:

رفعت لها طَرْفي وقد حالَ دُونها *** جُموعٌ وخيلٌ بالبَثَاءِ تُغِيرُ([5])

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "تنعظ" تحريف.

([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي، من مرثيته المشهورة. انظر ديوانه ص1 والمفضليات (12: 221).

([3]) البواني: الأكتاف والقوائم، الواحدة بانية. وفي اللسان (بثن، بون، بنى): "فلما ألقى الشام بوانيه".

([4]) في بلاد بني سليم، كما في المجمل واللسان ومعجم البلدان (2: 59).

([5]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي. ديوانه 137 واللسان ومعجم البلدان والمجمل.

 

ـ (باب الباء والجيم وما بعدهما)

(بجح) والباء والجيم والحاء كلمةٌ واحدة. يقال بَجَحَ بالشيء إذا فرِح به. ويُبَجَّح بكذا. وفي حديث أمّ زَرْع: "بجّحني فَبجَحْتُ" أي فرَّحني ففرِحت. قال الراعي:

فما الفَقْرُ من أرضِ العَشيرة ساقَنَا *** إليكَ ولكِنّا بقُرْباكَ نَبْجَحُ([1])

(بجد) الباء والجيم والدال أصلان: أحدهما دُِخْلَةُ الأمر وباطنُه، والآخر جِنْسٌ من اللِّباس. فأمّا الأول فقولهم: هو عالمٌ ببَجْدة أمرِك وبُجْدَتِه، أي دُِخْلَتِهِ وباطنه. ويقولون للدّليل الحاذق: "هو ابنُ بَجْدَتِها"، كأنّه نشأ بتلك

الأرض.

والأصل الآخَر البِجاد، وهو كساءٌ مخطَّطٌ، وجمعه بُجْدٌ. قال الشاعر([2]):

بخبزٍ أو بتمرٍ أو بسمنٍ *** أو الشيءِ الملفَّفِ في البِجادِ

ومنه قولهم: بَجَدَ بالمكان أقام به.

(بجر) الباء والجيم والراء أصلٌ واحد، وهو تعقُّد الشّيء وتجمُّعُه. يقال للرّجل الذي تخرج سُرّته وتتجمّع عندها العُروق: الأَبْجَرُ؛ وتلك البُجْرَة. والعرب تقول: "أفضَيْتُ إليه بِعُجَري وبُجَرِي" أي أطلعْتُه على أمري كلّه. ومن هذا الباب البَجَارَِي، وهي الدّواهي؛ لأنّها أمورٌ متعقِّدة مشْتبهة؛ والواحد منها بُجْرِيٌّ.

(بجس) الباء والجيم والسين: تفتُّح الشيءِ بالماء خاصّة. قال الخليل: البَجْس انشقاقٌ في قِربةٍ أو حَجَرٍ أو أرض يَنْبع منها ماء؛ فإنْ لم ينْبع فليسَ بانبِجاس. قال العجاج:

* وَكِيفَ غَرْبَيْ دالجٍ تَبَجَّسا([3]) *

قال: والانبجاس عامٌّ، والنُّبُوع للعين خاصّة. قال الله تعالى: {فَانْبَجَسَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [الأعراف 160]. ويقول العرب: تَبَجَّس الغَرْبُ. وهذه أرضٌ تَبَجَّسُ عُيوناً، والسَّحاب يتبجَّسُ مطراً. قال يعقوب: جاءنا بثَريدةٍ تَتَبَجَّس. وذلك من كثرة الدَّسَم. وذكر عن رَجُلٍ يقال له أبو تُراب، ولا نعرِفُه نحنُ: بجَسْتُ الجرح مثل بطَطْتُه.

(بجل) الباء والجيم واللام أصولٌ ثلاثة: أحدها الكفاف والاحتساب، والآخر الشيء العظيم، والثالث عِرْقٌ.

فالأوّل قولهم بَجَلْ بمعنى حَسْب. يقول منه: أبْجَلَني كذا كما يقول كَفَاني وأحْسَبَنِي. قال الكميت([4]):

إليه موارِدُ أهلِ الخَصَاصِ *** ومِنْ عِنْدِهِ الصَّدَرُ المُبْجِلُ

قال ثعلب: بَجَلْ بمعنى حَسْب. قال: ولم أسمَعْهُ مضافاً إلاّ في بيتٍ واحد وهو قول لبيد:

* بَجَلي الآنَ مِنَ العيشِ بَجَلْ([5]) *

كذا قال ثعلب. وقد قال طرفة:

ألاَ إنّني سُقِّيتُ أسودَ حالِكاً *** ألا بَجَلي من الشراب ألاَ بَجَلْ([6])

وبَجيلة قبيلة، يجوز أن تكون مشتقّة من هذا أو ما بعده.

والأصل الثاني قولهم للرجل العظيم: َبجَالٌ وبَجِيلٌ. والبُجْل البُهْتان العظيم. وحجّتُه قولُ أبي دُواد:

* قلتَ بُجْلاً قُلتَ قولاً كاذباً([7]) *

والأصل الثالث وهو عِرْقٌ في باطن الذراع. قال شاعر([8]):

* سارت إليهمْ سُؤورَ الأَبْجَلِ الضّاري([9]) *

(بجم) الباء والجيم والميم أصل واحد، وهو من الجمع. يقال للجمع الكثير بَجْم. ومن ذلك بَجَّمَ في نظره. وذلك إذا جَمَّع أجفانَه ونَظَرَ.

ـــــــــــــــــ

([1]) اللسان (بجج) والمجمل.

([2]) هو يزيد بن الصعق الكلابي، كما في معجم المرزباني 494 وكنايات الجرجاني 73 والاقتضاب

288. أو أبو مهوش الفقعسي، كما في حواشي الكامل 98. وانظر العقد (2: 10) والميداني

(1: 171) وأدب الكاتب 12 والخزانة (3: 142) وأخبار الظراف 24 والحيوان (3: 66).

([3]) ديوان العجاج 31. وهو في اللسان (بجس) بدون نسبة. وقبله في الديوان:

* وانحلبت عيناه من فرط الأسى *

([4]) يمدح عبد الرحيم بن عنبسة بن سعيد بن العاص، كما في اللسان (13: 48). وقبل البيت:

وعبد الرحيم جماع الأمور *** إليه انتهى اللقم المعمل

([5]) صدره كما في ديوان لبيد 17 طبع فينا 1881، واللسان (بجل) والخزانة (3: 34):  * فمتى أهلك فلا أحفله*

([6]) في ديوان طرفة 20 وشرح شواهد المغني 119 : "إلا إنني شربت".

([7]) عجزه في اللسان (13: 47) والمجمل:

* إنما يمنعني سيفي ويد *

ونسب في المجمل إلى أبي ذؤيب، صوابه أبو دواد.

([8])هو الأخطل. ديوانه 118 واللسان (سور، ضرى). وفي الأصل: "شارع".

([9])صدره كما في المصادر المتقدمة:

* لما أتوها بمصباح ومبزلهم *


ـ (باب الباء والحاء وما معهما في الثلاثي)

(بحر) الباء والحاء والراء. قال الخليل سمِّي البَحر بحراً لاستبحارِه وهو انبساطُه وسَعَتُه. واستبحر* فلانٌ في العلم، وتبَحَّر الرّاعي في رِعْيٍ كثير. قال أميّة([1]):

انعِقْ بِضَانِكَ في بَقْلٍ تَبَحَّرُهُ *** بَيْنَ الأباطِح واحبِسْها بِجِلْدَانِ([2])

وتبحَّر فلانٌ في المال. ورجلٌ بَحْرٌ، إذا كان سخيّاً، سمَّوْه لفَيضِ كفِّه بالعطاءِ كما يَفيض البحر. قال العامريّ: أبحرَ القومُ إذا ركبوا البحر، وأبَرُّوا أخَذُوا في البَرّ. قال أبو زيد: بَحِرَتِ الإبلُ أكلَتْ شَجَر البَحر. وبحِرَ الرّجُلُ سبَح في البَحرِ فانقطعت سِبَاحَتُه. ويقال للماء إذا غلُظ بعد عُذُوبةٍ استبحَرَ وماءٌ بَحْرٌ أي مِلْح. قال:

وقد عادَ ماءُ الأرضِ بَحْراً فزادني *** على مَرَضي أنْ أبْحَرَ المشرَبُ العذبُ ([3])

قال: والأنهار كلُّها بِحارٌ. قال الفرّاء: البَحْرة الرَّوضة. وقال الأمويّ: البَحرة البلدة. ويقال هذه بَحْرَتُنا قال بعضهم: البَحْرة الفَجْوة من الأرض تتسع. قال النمْرُ بنُ تَولَب:

وكأنّها دَقَرَى تَخَيَّلُ، نَبْتُها *** أُنُفٌ، يَغُمُّ الضَّالَ نَبْتُ بِحَارِها([4])

والأصل الثاني داءٌ، يقال بَحِرَتِ الغَنَمُ وأبحروها إذا أكلَتْ عُشْبَاً عليه نَدىً فبَحِرَتْ عنه، وذلك أن تخمص بُطونُها وتُهْلَسَ أجسامُها([5]). قال الشيباني: بَحِرَت الإبلُ إذا أكلت النَّشْر([6])، فتخرج من بطونها ([7]) دَوَابٌّ كأنَّها حَيّات. قال الضّبّيُّ: البَحَر في الغَنَم بمنزلة السُّهامِ في الإبل، ولا يكون في الإبل بَحَرٌ ولا في الغنم سُهام.

قال ابنُ الأعرابيّ: رجل بَحِرٌ إذا أصابه سُلالٌ. قال:

* وغِلْمَتي مِنْهُمْ سَحِيرٌ وبَحِرْ([8]) *

قال الزياديّ: البحر اصفرارُ اللَّوْن. والسَّحِير الذي يشتكي سَحْرَه.

فإن قال قائل: فأين هذا من الأصل الذي ذكرتموه في الاتّساع والانبساط؟ قيل له: كلُّه محمولٌ على البحر؛ لأنّ ماء البحر لا يُشْرَبُ، فإن شُرِبَ أوْرَثَ داءً. كذلك كل ماءٍ ملحٍ وإن لم يكن ماءَ بَحْرٍ.

ومن هذا الباب الرّجل الباحِر، وهو الأحمق، وذلك أنّه يتّسع بجهله فيما لا يتسع فيه العاقل. ومن هذا الباب بَحَرْتُ الناقَةَ بَحْراً، وهو شقُّ أُذُنها، وهي البَحِيرة، وكانت العرب تفعل ذلك بها إذا نُتِجَتْ عشرةَ أبطُنٍ، فلا تُركب ولا يُنْتفَعُ بظهرها، فنهاهم الله تعالى عن ذلك، وقال: {مَا جَعَلَ اللهُ مِنْ بَحِيرَةٍ} [المائدة 103]. وأمّا الدّمُ الباحر والبَحْرانيُّ فقال قوم: هو الشّديد الحُمْرَةِ. والأصحُّ في ذلك قولُ عبد الله بن مسلم([9]): أنّ الدّمَ البَحْرانيَّ منسوبٌ إلى البَحْر. قال: والبَحْرُ عُمْق الرَّحِم، فقد عاد الأمر إلى الباب الأوّل. وقال الخليل: رجُل بَحْرَانيّ منسوبٌ إلى البَحْرَيْن، وقالوا بحرانيٌّ فرقاً بينه وبين المنسوب إلى البحر. ومن هذا الباب قولهم: "لَقِيتُهُ صحْرَةَ بحْرَةَ([10])" أي مُشَافَهَةً. وأما قولُ ذي الرُّمّة:

بأرضٍ هِجانِ التُّرْبِ وَسْمِيّة *** الثَّرَى عَذَاةٍ نأَتْ عنْها الملوحةُ والبَحْرُ([11])

فإنه يعني كلَّ ماءٍ مِلْحٍ. والبَحْر هو الريف.

(بحن) الباء والحاء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الضِّخَم، يقال جُلةٌ بَحْوَنةٌ، أي ضَخْمة. وقال الأصمعي: يقول العربُ للغَرْبِ إذا كان عظيماً كثير الأَخْذِ: إنّه لَبَحْوَن، على مثال جَدْوَل.

(بحت) الباء والحاء والتاء، يدلُّ على خُلوص الشيء وألاّ يخلِطَه غيرُه. قال الخليل: البَحْت الشيء الخالص، ومِسْك بَحْت. ولا يصغّر ولا يثنّى. قال العامريّ: باحَتَني الأمرَ، أي جاهَرَني به وبيَّنَهُ ولم يُخْفِهِ عليّ. قال الأصمعيّ:

باحَتَ فلانٌ دابّتَه بالضَّرِيعِ وغيره من النَّبت، أي أطعمَها إيّاه بَحْتاً. وقال مالك بن عوف:

ألا مَنَعَتْ ثُمَالَةُ بطنَ وَجٍّ *** بجُرْدٍ لم تُبَاحَتْ بالضَّريعِ([12])

أي لم تُطعم الضّريعَ بَحْتاً لا يخلِطه [غيره([13])]. ويقال ظُلْمٌ بَحْتٌ أي لا يشُوبُه شيءٌ. وبردٌ بَحْتٌ ومَحْتٌ أي صادق، وحُبٌّ بَحْتٌ مثله. وعربيٌّ بحتٌ ومَحْضٌ وقَلْبٌ. وكذلك الجَمْعُ على لفظ الواحد.

(بحث) الباء والحاء والثاء أصلٌ واحد، يدلُّ على إثارة الشيء. قال الخليل: البحث طلبك شيئاً في التُّراب. والبحث أن تسأل عن شيء وتستخبر. تقول استَبْحِثْ عن هذا الأمر، وأنا أستَبْحِثُ عنه. وبحثْتُ عن فلانٍ بحثاً، وأنا أبحث عنه. والعرب تقول:"كالباحثِ* عَنْ مُدْية"، يُضْرَبُ لمن يكون حَتْفُه بيده. وأصله في الثَّوْر تُدْفَن له المُدْيةُ في التُّرابِ فيستثيرُها وهو لا يعلَم فتذبحه، قال:

ولا تَكُ كالثَّوْرِ الذي دُفِنَتْ له *** حديدةُ حَتْفٍ ثمَّ ظلَّ يُثِيرُها([14])

قال: والبحث لا يكون إلاّ باليد. وهو بالرِّجْل الفَحْص([15]). قال الشَّيبانيّ: البَحُوث من الإبل: [التي] إذا سارت بحثت التُّرابَ بيدها أُخُراً أُخُراً، ترمي به وراءَها. قال:

* يَبْحَثْنَ بَحْثاً كمُضِلاَّتِ الخَدَمْ *

ويقال بَحثَ عن الخبر، أي طلب عِلْمَه. الدُّرَيديّ: يقال: "تركتُه بمَبَاحِثِ البقَر" أي بحيث لا يُدْرَى أين هُو([16]). قال أبو زيد: الباحِثاء، على وزن القاصعاء ترابٌ يجمعه اليربوع، ويُجْمَعُ باحِثَاوَاتٍ.

ــــــــــــــ

([1]) هو أمية بن الأسكر، كما في معجم البلدان (3: 122).

([2]) جلدان، بالكسر، وبعد اللام دال مهملة أو ذال: موضع. وفي الأصل: "في الأباطح" تحريف. وفي معجم البلدان:

وانعق بضأنك في أرض تطيف بها  *** بين الأصافر وانتجها بجلذان

([3]) البيت لنصيب، كما في المجمل، واللسان (5: 103).

([4]) البيت في اللسان (بحر، دقر). والدقرى: الروضة الخضراء الناعمة. تخيل: تتلون بالنور.

([5]) يقال هلسه المرض يهلسه: هزله. وفي الأصل: "تلهس"، محرفة.

([6]) النشر: الكلأ يهيج أعلاه وأسفله ندى أخضر.

([7]) في الأصل: "في بطونها" .

([8]) البيت للعجاج كما في اللسان (سحر، هجر) وليس في ديوانه ولا ملحقات ديوانه. وبعده في اللسان (بحر، سحر، هجر): * وآبق من جذب دلويها هجر *

([9]) هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري، صاحب أدب الكاتب.

([10]) في اللسان (6: 114): "قيل لم يجريا لأنهما اسمان جعلا اسماً واحداً". يريد لم يصرفا للتركيب.

([11]) هجان الترب: بيضاء التراب. وفي الأصل: "هيجان". والعذاة، بفتح العين: الطيبة التربة. وفي الأصل "غداة". والبيت في ديوان ذي الرمة 211.

([12]) ثمالة: القبيلة المعروفة. وفي الأصل: "ثماكة".

([13]) تكملة يقتضيها القول.

([14]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 158 وحماسة البحتري 286 حيث أورد ثمانية أشعار في هذا المعنى. وانظر الحيوان (5: 470) .

([15]) في الأصل: "وهو بالرجل الرجل".

([16]) الجمهرة (1: 200) واللسان (2: 419).

 

ـ ( باب الباء والخاء وما يثلثهما)

(بخد) باب الباء والخاء والدال. ليس في هذا الباب إلاّ كلمةٌ واحدة بدخيل([1]) ولا يقاس عليها. قالوا: امرأةٌ بخَنْدَاة، أي ثقيلة الأوراك.

(بخر) الباء والخاء والراء أصلٌ واحد، وهي رائحةٌ أو ريحٌ تثُور. من ذلك البُخار، ومنه البَخُور بفتح الباء، وكان ثعلبٌ يقول: على وزن فَعُول مثل البَرُود والوَجُور. فأمّا قولهم للسحائب التي تأتي قُبُلَ الصّيف بناتُ بَخْر فليس من الباب، وذلك أنّ هذه الباء مبدَلة من ميم، والأصل مَخْرٌ. وقد ذُكِرَ قياسُه في بابه بشواهِدِه.

(بخس) الباء والخاء والسين أصلٌ واحد، وهو النَّقْصُ. قال الله تعالى: {وشَرَوْهُ بِثَمَنٍ بَخْسٍ} [يوسف 20]، أي نَقْص. ومن هذا الباب قولهم في المُخّ: بَخَّسَ تَبخيساً، إذا صار في السُّلامى والعَين، وذلك حتى نُقصانه وذهابه من سائر البدن. وقال شاعر([2]):

لا يَشْتَكِين عَمَلاً ما أنْقَيْن *** ما دام مُخٌّ في سُلامَى أوْ عَيْنْ

(بخص) الباء والخاء والصاد كلمةٌ واحدةٌ، وهي لحمةٌ خاصة([3]): يقال لِلَحمة العين بَخَصَة. وبخصت الرّجُل إذا ضربتَ منْهُ [ذلك([4])]. والبَخَصَة لحمُ باطن خُفِّ البعير. وبَخَصُ اليدِ لحمُ أصول الأصابع ممَّا يلي الراحة.

(بخع) الباء والخاء والعين أصلٌ واحد، وهو القتل وما داناه من إذلالٍ وقهر.

قال الخليل: بخَع الرّجلُ نفسَه إذا قتلَها غَيْظاً من شدّة الوَجْد. قال ذُو الرّمّة([5]):

ألاَ أَيُّهَذَا الباخِعُ الوجْدُ نفسَه *** لشيءٍ نَحَتْهُ عن يَدَيْهِ المقَادِرُ([6])

ومنه قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ على آثَارِهِمْ} [الكهف 6]. قال أبو علي الأصفهانيّ فيما حدثنا به أبو الفضل محمد بن العميد، عن أبي بكر الخيّاط عنه قال: قال الضبّيّ: بَخَعْتُ الذَّبيحةَ إذا قطعتَ عظْمَ رقَبتها، فهي مبخوعة، ونَخَعتُها دون ذلك، لأنَّ النخاعَ الخيطُ الأبيضُ الذي يجري في الرقبة وفَقَارِ الظهر، والبِخاع([7])، بالباء: العِرْق الذي في الصُّلب. قال أبو عُبيدٍ: بخعْتُ له نفسي ونُصْحي، أي جَهَدْتُ([8]). وأرضٌ مَبْخُوعة([9])، إذا بُلِغَ مجهودُها بالزَّرع. وبَخَعَ لي بحقِّي إذا أقرَّ.

(بخق) الباء والخاء والقاف أصلٌ واحد وكلمة واحدة، يقال بَخَقْتُ عينَه إذ ضربتَها حتى تَعُورَها([10]). قال رؤبة:

* ومَا بعَينَيْه عَوَاوِيرُ البَخَقْ([11]) *

(بخل) الباء والخاء واللام كلمة واحدة، وهي : البُخْل والبَخَلُ. ورجلٌ بخيلٌ وباخلٌ. فإذا كان ذلك شأنَه فهو بخَّالٌ. قال رؤبة:

* فَذاكَ بَخَّالٌ أَرُوزُ الأَرْزِ([12]) *

(بخو) الباء والخاء والواو، كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها. قال ابنُ دريد: البَخْو الرُّطَب الردِيّ، يقال رُطَبَةٌ بَخْوَةٌ.

(بخت) الباء والخاء والتاء كلمةٌ ذكرها ابنُ دريدٍ، زعم أنّ البُخْت من الجمال عربيّة صحيحة، [وأنشد]:

* لبنَ البُخْتِ في قِصاع الخَلَنْجِ([13]) *

ـــــــــــــــ

([1]) كذا وردت هذه الكلمة، ولعلها مقحمة.

([2]) هو الراجز أبو ميمون النضر بن سلمة، كما في اللسان (نقا). والرجز في صفة خيل، وقبله:

* بنات وطاء على خد الليل *

وهذا ما يسمى في علم العروض بالإجازة في تسمية الخليل، وبالإكفاء في قول أبي زيد. انظر اللسان (7: 195).

([3]) في الأصل: "خالصة".

([4]) هذه التكملة من المجمل لابن فارس.

([5]) ديوانه ص251 واللسان (بخع).

([6]) كلمة "الوجد" ساقطة من الأصل، وإثباتها من اللسان والديوان. وفي اللسان: "عن يديك" على الخطاب.

([7]) في اللسان (بخع): "قال ابن الأثير: هكذا ذكره في الكشاف، وفي كتاب الفائق في غريب الحديث. ولم أجده لغيره. قال: وطالما بحثت عنه في كتب اللغة والطب والتشريح فلم أجد البخاع بالباء مذكوراً في شيء منها". قلت: وما هنا يؤيد مارواه الزمخشري المتوفى سنة 538. ووفاة ابن فارس 395. وقد ضبط البخاع في الأصل واللسان والفائق بكسر الباء ضبط قلم.

([8]) في اللسان: "أي جهدتها".

([9]) في الأصل: "بخوغة". وفي اللسان: "يقال بخعت الأرض بالزراعة أبخعها، إذا نهكتها".

([10]) يقال عار عينه يعورها، وعورها يعورها تعويرا.

([11]) ديوان رؤبة 107 واللسان (بخق). وقبله: *كسر من عينيه تقويم الفوق*

([12]) ديوان رؤبة 65 واللسان (أرز، بخل) وقد سبق في مادة (أرز 78) بدون نسبة .

([13]) في الأصل: "الخلخ"، صوابه من اللسان (خلنج): والبيت لابن قيس الرقيات كما في ملحقات ديوانه 283 واللسان (خلنج). وصدره:

* ملك يطعم الطعام ويسقي *

والبيت في الجمهرة(1: 193) بدون نسبة في الأصل.


ـ (باب الباء والدال وما بعدهما في الثلاثي)

(بدر) الباء والدار والراء، أصلان: أحدهما كمال الشيء وامتلاؤه، والآخر الإسراع إلى الشيء.

[أمّا] الأوّل فهو قولهم لكلّ شيء تَمَّ بَدْرٌ، وسمِّي البدرُ بدراً لتمامه وامتلائه. وقيل لعشرة آلاف درهمٍ بَدْرةٌ، لأنَّها تمام العدد ومنتهاه. وعينٌ بَدْرَةٌ أي ممتلئةٌ*. قال شاعر:

وعين لها حَدْرةٌ بدرةٌ *** إلى حاجبٍ غُلَّ فيه الشُّفُر([1])

ويقال لمَسْكِ السَّخْلة بَدْرَة. وهذا محمولٌ على العَدَدِ، كأنّه سُمِّي بذلك لأنّه يسع هذا العدد. ويقولون غُلامٌ بدرٌ، إذا امتلأَ شباباً. فأمّا "بدرٌ" المكانُ فهو ماءٌ معروف، نُسِب إلى رجلٍ اسمه بدر([2]). وأمّا البوادر من الإنسان وغيره فجمع بادرة، وهي اللّحمة التي بَيْنَ المنكب والعُنُق([3])، وهي من الباب لأنها ممتلئة. قال شاعر:

* وجاءت الخيل محمَرّاً بوادرُها([4]) *

والأصل الآخر: قولُهم بَدَرت إلى الشيء وبادَرْت. وإنما سمِّي الخطاءُ بادرةً لأنّها تبدُر من الإنسان عند حِدّةٍ وغضب. يُقالُ كانت منه بَوَادِرُ، أي سَقَطاتٌ. ويقال بَدَرَتْ دَمْعتُه وبادرَتْ، إذا سبقَت، فهي بادرة، والجمعُ بوادر. قال كثيِّر:

إذا قِيلَ هَذِي دارُ عَزَّةَ قادني *** إليها الهوى واستعجلتْنِي البوادِرُ

(بدع) الباء والدال والعين أصلان: أحدهما ابتداء الشيء وصنعُه لا عَنْ مِثال، والآخر الانقطاع والكَلال.

فالأول قولهم: أبْدعْتُ الشيءَ قولاً أو فِعلاً، إذا ابتدأتَه لا عن سابق مثال. والله بديعُ السّمواتِ والأرض. والعرب تقول: ابتدَعَ فلان الرَّكِيَّ إذا استنبَطَه. وفلانٌ بِدعٌ في هذا الأمر. قال الله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف 9]، أي ما كنتُ أوّل.

والأصل الآخر قولهم: أُبْدِعَتِ الراحلةُ، إذا كَلّت وعَطِبت، وأُبدِع بالرَّجُل، إذا كَلَّتْ رِكابُه أو عَطِبت وبقي مُنْقَطَعاً به. وفي الحديث: "أنّ رجلاً أتاه فقال يا رسول الله، إني أُبْدِعَ بي فاحمِلْني ([5])". ويقال الإبداع لا يكون إلا بظَلْعٍ. ومن بعض ذلك اشتُقّت البِدْعة([6]).

(بدغ) الباء والدال والغين، ليست فيه كلمةٌ أصلية، لأن الدال في أحد أصولها مبدَلة من طاءٍ، وهو قولهم بَدِغَ الرَّجُل إذا تلطّخ بالشَّرّ، وهو بَدِغٌ من الرِّجال. وهذا إنما هو في الأصل طاء، وقد ذكر في بابه (بطغ). وبقيت كلمتان مشكوكٌ فيهما: إحداهما قولهم البَدَغ التزحُّف على الأرض. والأخرى قولهم: إنّ بني فُلانٍ لبَدِغُونَ، إذا كانوا سِماناً حسنةً أحوالُهم. والله أعلمُ بصحّة ذلك.

(بدل) الباء والدال واللام أصلٌ واحد، وهو قيام الشيءِ مَقامَ الشيءِ الذاهب. يقال هذا بدَلُ الشيءِ وبَدِيلُه. ويقولون بدّلْتُ الشيءَ إذا غيّرتَه وإنْ لم تأتِ له ببَدَلٍ([7]). قال الله تعالى: {قُلْ مَا يَكوُنُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقاءِ نَفْسِي} [يونس 15]. وأبْدَلْتُه إذا أتيتَ له ببدلٍ. قال الشاعر([8]):

* عَزْلَ الأمِيرِ للأميرِ المُبْدَلِ *

(بدن) الباء والدال والنون أصلٌ واحد، وهو شخص الشيء دون شَوَاه، وشَواهُ أطرافُه. يقال هذا بَدَنُ الإنسان، والجمع الأبدان. وسمي الوَعِل المُسِنُّ بَدَناً مِن هذا. قال الشاعر:

قد ضَمّها والبَدَنَ الحِقَابُ ([9])

جِدِّي لِكُلِّ عاملٍ ثَوابُ

الرأسُ والأكْرُعُ والإهابُ

 

وإنما سمّي بذلك لأنهم إذا بالَغُوا في نَعْت الشيء([10]) سمَّوهُ باسمِ الجِنْس، كما يقولون للرّجُل المبالَغِ في نعته: هو رجُل، فكذلك الوَعِل الشَّخيص([11])، سُمّي بَدَنا. وكذلك البَدَنَة التي تُهدى للبيت، قالوا: سمّيت بذلك لأنّهم كانوا يستسمنونها. ورجلٌ بَدَنٌ أي مُسِنٌّ. قال الشاعر([12]):

هل لِشبابٍ فَاتَ مِنْ مَطْلَب *** أمْ ما بُكاءُ البَدَنِ الأشْيَبِ

ورجل بادِنٌ وبَدِينٌ، أي عظيم الشَّخصِ والجِسم، يقال منه بَدُن. وفي الحديث: "إني قد بَدُنْتُ([13])". والنّاس قد يروُونه: "بَدَّنتُ". ويقولون: بَدَّنَ إذا أسَنَّ. قال الشاعر([14]):

وكنتُ خِلتُ الشَّيبَ والتَّبدِينا *** والهَمَّ مما يُذْهِلُ القَرِينا

وتسمَّى الدِّرعُ البَدَنَ لأنها تَضُمّ البَدَن.

(بده) الباء والدال والهاء أصلٌ واحد* يدلُّ على أوّل الشيءِ والذي يفاجِئُ منه. يقال بادَهْتُ فُلاناً بالأمر، إذا فاجأتَه. وفلانٌ ذو بَديهة إذا فجِئَهُ الأمْرُ لم يتحيَّر. والبُدَاهة أوّل جَرْي الفرس، قال الأعشى:

إلاّ بُداهَةَ أو عُلا *** لَةَ سابحٍ نَهْدِ الجُزَارَهْ([15])

(بدو) الباء والدال والواو أصلٌ واحد، وهو ظُهور الشيء. يقال بدا الشيءُ يَبدُو، إذا ظَهَر، فهو بادٍ. وسُمِّي خلافُ الحَضَر بَدْواً من هذا، لأنّهم في بَرَازٍ من الأرض، وليسوا في قُرىً تستُرُهم أبنِيتُها. والبادية خِلاف الحاضرة. قال الشاعر([16]):

فمن تكن الحَِضارةُ أعجبَتْهُ  *** فأيَّ رِجالِ بادِيةٍ تَرَانا

وتقول: بدا لي في هذا الأَمر بَدَاءٌ([17])، أي تغيَّر رأْيي عما كان عليه.

(بدأ) الباء والدال والهمزة من افتتاح الشيء، يقال بدأت بالأمر وابتدأت، من الابتداء. والله تعالى المبْدِئُ والبادئُ. قال الله عزّ وجلّ: {إنَّهُ هُوَ يُبْدِئُ ويُعِيدُ} [البروج 13]، وقال تعالى: {كَيْفَ بَدَأَ الخَلْقَ} [العنكبوت 20]. ويقال للأمر العَجَبِ بَدِيٌّ، كأنَّه من عَجَبِه يُبْدَأُ به. قال عَبيد:

* فلا بديٌّ ولا عجيبُ([18]) *

ويقال للسَّيّد البَدْءُ، لأَنّه يُبدَأُ بذكره. قال:

تَرَى ثِنانا إذا ما جاء بَدْأَهُمُ *** وبدؤُهم إنْ أتانا كان ثُنيانا([19])

وتقول: أبدأْت من أرضٍ إلى أُخرى أُبدِئُ إبداءً، إذا خرجتَ منها إلى غيرها. والبُدْأَة النَّصيب، وهو من هذا أيضاً، لأنَّ كلَّ ذي نصيبٍ فهو يُبْدأ بذِكْره دونَ غيره، وهو أهمُّها إليه. قال الشاعر([20]):

فمَنحْتُ بُدْأَتَها رَقِيباً جانحِاً *** والنارُ تَلفحُ وَجْهَهُ بأُوارِها([21])

والبُدُوءُ مفاصل الأصابع،واحدها بَدْءٌ، مثل بَدْع. وأظنّه مما هُمِز وليس أصله الهمز. وإنّما سمّيت بُدُوءاً لبُروزها وظُهورِها، فهي إذاً من الباب الأوّل.

وممّا شذَّ عن هذا الأصل ولا أدري ممّ اشتقاقُه قولهم بُدِئَ فهو مبدوءٌ، إذا جُدِرَ أو حُصِبَ. قال الشاعر([22]):

وكأَنّما بُدِئَتْ ظَواهِرُ جِلدِه  *** ممّا يُصافِحُ من لهيبِ سِهامِها

(بدح) الباء والدال والحاء أصلٌ واحدٌ تُرَدُّ إليه فُروعٌ متشابهة، وما بعد ذلك فكلُّه محمولٌ على غيره أو مُبْدَلٌ منه. فأمّا الأصل فاللِّين والرَّخاوَة والسُّهولة. قال الهُذَليّ([23]):

كأنَّ أتِيَّ السَّيْلِ مَدَّ عليهمُ *** إذا دفَعَتْهُ في البَدَاحِ الجَراشِعُ([24])

ثم اشتُقّ من هذا قولُهم للمرأة البَادِن الضَّخْمة بَيْدَح([25]). قال الطرمّاح:

أغَارُ على نَفْسِي لسَلْمةَ خالِياً *** ولو عرَضَتْ لي كلُّ بَيضاءَ بَيْدَحِ([26])

قال أبو سعيد: البَدْحاء من النِّساء الواسعة الرُّفْغ. قال:

* بَدْحَاء لا يَسْتُرُهُ فَخْذَاها *

يقال بَدَحَتِ المرأةُ [و] تبدَّحَتْ، إذا حسُنَتْ مِشْيتها. قال الشاعر:

يَبْدَحْنَ في أَسْوُقٍ خُرْسٍ خَلاخِلها  *** مَشْيَ المِهارِ بماءٍ تَتَّقي الوَحَلا([27])

وقال آخر:

يَتْبَعْنَ سَدْوَ رَسْلَةٍ تَبدَّحُ([28]) *** يقودُها هادٍ وعينٌ تَلْمَحُ

تَبَدّح: تَبَسَّط. ومن هذا الباب قول الخليل: [البَدْح] ضربُك بشيءٍ فيه رَخاوة، كما تأخذ بِطِّيخة فَتَبْدَح بها إنساناً. وتقول: رأيتهم يَتبادَحُون بالكُرِينَ والرُّمانِ ونحوِ ذلك عبثاً. فهذا الأصل الذي هو عمدة الباب.

وأمّا الكلماتُ الأُخَر فقولهم: بدحَه الأمرُ، وإنما هي حاءٌ مبدلة من هاء، والأصل بدَهَهُ. وكذلك قولهم ابتدحت الشيءَ، إذا ابتدأتَ به من تِلقاءِ نفسك، إنما هو في الأصل ابتدَعْت واختلقْت. قال الشاعر:

يا أيُّها السّائلُ بالجَحْجاحِ *** لَفِي مُرَادٍ غَيْرَ ذِي ابتداحِ

وكذلك البَدْح، وهو العَجْز عن الحَمَالة إذا احتمَلها الإنسان، وكذلك عَجْزُ البعير عن حَمْل حِمْله. قال الشاعر:

وكاين بالمَعن مِن أغَرَّ سَمَيْدَعٍ *** إذا حُمِّل الأثْقالَ ليسَ ببادِح([29])

فهذا من العين، وهو الإبداع الذي مضَى ذكره، إذا كلَّ وأعيا. فأمّا قول القائل([30]):

بالهَجر من شعثاءَ والـ *** ـحَبْلِ الذي قَطَعَتْهُ بَدْحَا

فهو من الهاء، كأنها فاجأَتْ به من البديهة، وقد مضى ذكره. وأما الذي حكاه أبو عُبيدٍ مِن قولهم بَدَحْتُه بالعصا، أي ضربتُه بها، فمحمول* على قولهم: بدحْتُه بالرُّمّان وشبهِها، والأصل ذاك.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل "الشفرة". وقد استشهد في المجمل بصدره. وانظر ما سيأتي في (4: 376).

([2]) انظر معجم البلدان (بدر) حيث الخلاف في نسبته.

([3]) في الأصل: "من المنكب والعنق"، صوابه من المجمل واللسان (5: 113).

([4]) لخراشة بن عمرو العبسي، كما في اللسان (بدر). وعجزه:

* زورا وزلت يد الرامي عن الفوق *

([5]) في الأصل: "فاحملني به".

([6]) في المجمل: "لأن قائلها ابتدعها من غير مقال إمام".

([7]) في الأصل: "وإن لما تأت"، صوابه في المجمل.

([8]) هو أبو النجم العجلي الراجز، كما في اللسان (13: 50).

([9]) يصف كلبة اسمها "العقاب" طلبت وعلا مسنا في جبل يدعى "الحقاب". انظر اللسان (حقب، بدن) ومعجم البلدان (الحقاب). وقال ابن بري: "الصواب: وضمها". وقبله:

* قد قلت لما جدت العقاب *

وفي المجمل:

أقول لما خاتت العقاب  *** وضمها والبدن الحقاب

([10])في الأصل: "الشمس".

([11]) الشخيص: العظيم الشخص. وفي الأصل: "الواعل الشخص سمي الشخت بدنا"، وهي عبارة محرفة.

([12]) هو الأسود بن يعفر، كما في اللسان (بدن).

([13]) انظر الحدث بتمامه في اللسان (16: 192).

([14]) هو حميد الأرقط،كما في اللسان (بدن).

([15]) ديوان الأعشى 114، واللسان (بده، علل، جزر).

([16]) هو القطامي. انظر ديوانه 58 واللسان (5: 272) وحماسة أبي تمام (1: 129).

([17]) بداء، كسماء. وفي الأصل: "بدء"، تحريف.

([18])صدره كما في ديوان عبيد بن الأبرص 6 والمعلقات 305:

* إن يك حول منها أهلها *

ويروى:             * إن تك حالت وحول أهلها *

([19]) البيت لأوس بن مغراء السعدي، كما في اللسان (بدأ، ثني). ويروى :

* ثنياننا إن أتاهم كان بدأهم *

وانظر حواشي الحيوان (6: 487).

([20]) هو النمر بن تولب، كما في المجمل واللسان (1: 21).

([21])ضبطت "بدأتها" في الأصل بضم الباء. ويؤيده تعقيب اللسان على البيت. وانظر أيضاً اللسان

(4: 47). ويقال أيضاً "بدأتها" بفتح الباء.

([22]) هو الكميت كما في المجمل واللسان (1: 21).

([23]) هو أسامة بن الحارث الهذلي من قصيدة في ديوان الهذليين نسخة الشنقيطي ص85.

([24]) في الأصل: "الخراشع" تحريف. والجراشع، كما في اللسان (9: 397): أودية عظام.وأنشد البيت.

([25]) لم يذكرها في اللسان،وجاءت في المجمل والقاموس. وفي القاموس واللسان (بذخ): "امرأة بيذخ أي بادن".

([26]) البيت لم يرو في ديوان الطرماح.

([27]) صدر هذا البيت في اللسان (3: 231).

([28]) هذه الكلمة ساقطة من الأصل، وإثباتها من اللسان (3: 231).

([29]) كذا وردت كلمة "بالمعن".

([30]) هو أبو دواد الإيادي، كما في اللسان (بدح) برواية: "بالصرم". وقبله:

فزجرت أولها وقد *** أبقيت حين خرجن جنحا


ـ (باب الباء والذال وما يثلثهما في الثلاثي)

(بذر) الباء والذال والراء أصلٌ واحد، وهو نَثْرُ الشيءِ وتفريقُه. يقال بذرْتُ البَذْرَ أبْذُرُهُ بَذْراً، وبذَّرت المالَ أبَذِّرُه تبذيراً. قال الله تعالى: {وَلا تُبَذِّرْ تَبْذِيراً. إنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّياطِينِ}.[الإسراء 26- 27]. والبُذُر القومُ لا يكتمُون حديثاً ولا يحفَظُون ألسِنتَهم. قال عليٌّ عليه السلام: "أُولئك مَصابيحُ الدُّجَى، ليسوا بالمَسَاييح ولا المَذَايِيع البُذُر" فالمذاييع الذين يُذيعون، والبُذُر الذين ذكرناهم([1]). وبَذَّرُ مكانٌ، ولعلّه أن يكون مشتقّاً من الأصل الذي تقدَّم. قال الشاعر:([2])

سَقى اللهُ أمواهاً عَرَفْتُ مَكَانَها  *** جُرَاباً ومَلكوماً وبَذَّرَ والغَمْرَا([3])

(بذع) الباء والذال والعين، كلمةٌ واحدة فيها نظرٌ ولا يقاسُ عليها، يقولون بَذَعْتُه وأبْذَعْتُه إذا أفزَعْتَه.

(بذل) الباء والذال واللام كلمة واحدة، وهو تركُ صِيانةِ الشيء، يقال بذَلْتُ الشيءَ بَذْلاً، فأنا باذلٌ وهو مبذول، وابتذلْتُه ابْتِذالاً. وجاء فلانٌ في مَباذِلهِ، وهي ثيابه التي يَبْتذِلُها. ويقال لها مَعَاوِزُ، وقد ذُكِرَتْ في بابها.

(بذأ) الباء والذال والهمزة أصلٌ واحد، وهو خروج الشيء عن طريقةِ الإحْماد، تقول: هو بذِيءُ اللِّسان، وقد بَذَأْتُ على فلانٍ أبْذَأُ بُذاءً. ويقال بَذَأت المكانَ أبذَؤُه، إذا أتيتَه فلم تُحْمِدْه.

(بذج) الباء والذال والجيم أصلٌ واحد ليس من كلام العرب، بل هي كلمةٌ مُعَرَّبة، وهي البَذَجُ من وُلْدِ الضَّأن، والجمع بِذْجانٌ([4]). قال الشاعر([5]):

قد هلكَتْ جارتُنا من الهَمَج *** وإنْ تَجُعْ تأكُلْ عَتُوداً أوْ بَذَجْ

(بذح) الباء والذال والحاء أصلٌ واحد، وهو الشّقّ والتّشْريح وما قارَبَ ذلك. قال أبو عليّ الأصفهانيّ: قال العامريّ: بَذَحْتُ اللَّحْمَ إذا شَرَّحْتَه. قال: والبَذْح الشقُّ ويقال: أصابه بَذْحٌ في رِجْلهِ، أي شُقاقٌ. وأنشد:

لأَعْلِطَنَّ حَرْزَماً بِعَلْطِ([6])*** ثلاثةً عندَ بُذُوحِ الشَّرْط([7])

قال أبو عُبيدٍ: بَذَحْتُ لِسَانَ الفَصيلِ بَذْحاً، وذلك عند التفليك([8]) والإجرار. وما يقاربُ هذا البابَ قولُهم لسَحَج الفَخِذَين مَذحٌ.

(بذخ) الباء والذال والخاء أصلٌ واحد، وهو العلُوّ والتعظُّم. يقال بَذَخَ إذا تَعَظَّمَ، وفلانٌ [في] باذخٍ من الشَّرف أي عالٍ.

ــــــــــــــــــ

([1]) وأما المساييح فجمع مسياح، وهو الذي يسيح في الأرض بالنميمة والشر. والبذر: جمع بذور وبذير، كصبور وصبر ونذير ونذر.

([2]) هوكثير عزة، كما في اللسان (بذر). وأنشده ياقوت في (بذر، جراب، ملكوم) ولم ينسبه.

([3]) هذه كلها آبار بمكة. وفي الأصل: "ملكوكا"، تحريف.

([4]) لم أجد من نص على تعريبه إلا ابن دريد في الجمهرة (1: 207) والجواليقي في المعرب 58. والبذجان بكسر الباء، كما نص عليه في القاموس، وكما ضبط في اللسان، ونبه على الكسر أيضاً ابن دريد في الجمهرة (3: 512). وضبط في الأصل هنا وفي نسخة من المعرب بضم الباء، ولا سند له.

([5]) هو أبو محرز عبيد المحاربي، كما في اللسان (بذج) وأنشده الجواليقي والجاحظ في الحيوان (5: 501) وثعلب في مجالسه 585 والميداني (1: 261) بدون نسبة.

([6]) حرزم، بتقديم الراء: جمل معروف. وفي الأصل: "حزرما" صوابه في اللسان (حرزم، يذج) حيث أنشد البيتين.

([7])رواية اللسان في الموضعين: "بليته". والليت، بالكسر: صفحة العنق.

([8]) التفليك: أن يجعل الراعي من الشعر مثل فلكة المغزل، ثم يثقب لسان الفصيل فيجعله فيه لئلا يرضع أمه. ومثله الإجرار. وفي الأصل: "التقليل"، محرف.


ـ (باب الباء والراء وما معهما في الثلاثي)

(برز) الباء والراء والزاء أصلٌ واحد، وهو ظهور الشيء وبُدُوُّه، قياسٌ لا يُخْلِفُ. يقال بَرَزَ الشيءُ فهو بارزٌ. وكذلك انفرادُ الشيءِ من أمثاله، نحو: تبارُزِ الفارِسَيْن، وذلك أنَّ كلَّ واحدٍ منهما ينفرد عن جماعته إلى صاحبه. والبَرَاز المتَّسع من الأرض؛ لأنه بادٍ ليس بغائِطٍ ولا دَحْلٍ ولا هُوَّة. ويقال امرأةٌ بَرْزَةٌ أي جليلةٌ تبرُزُ وتجلِسُ بفِنَاء بيتها. قال بعضُهم: رجل بَرْزٌ وامرأةٌ بَرزَةٌ، يوصَفانِ بالجَهارَةِ والعَقْل. وفي كتاب الخليل: رجل بَرْزٌ طاهرٌ عفيف. وهذا هو قياسُ سائِرِ الباب، لأنَّ المُرِيبَ يدُسُّ نفسَه ويُخْفيها. ويقال بَرَّزَ الرّجُلُ والفَرَسُ إذا سَبَقَا، وهو [من] الباب. ويقال أبرزْتُ الشّيءَ أُبرِزُهُ إبرازاً. وقد جاء المبروزُ. قال لَبيد:

أوْ مُذْهَبٌ جَدَدٌ على ألواحه *** النّاطقُ المبروزُ والمخْتُومُ([1])

المبروز: الظاهر. والمختوم: غير الظاهر. وقال قوم: المبروز المنشور. وهو وجهٌ حَسَنٌ.

(برس) الباء والراء والسين أصلٌ واحدٌ، يدلّ على السهولة واللين. قال أبو زيد([2]): بَرَّسْت المكانَ إذا سَهَّلْتَه وليّنْتَه. قال: ومنه اشتقاقُ بُرْسان قبيلة من الأزد. والبُِرْس القُطْن. والقياسُ واحد. ومما شذَّ عن هذا الأصل قولهم: ما أدري أيُّ البَرَاساءِ والبَرْنَساءِ هو، أي أيُّ الخلقِ هو.

(برش) الباء والراء* والشين كلمةٌ واحدةٌ، وهو أن يكون الشيءُ ذا نُقَطٍ متفرّقةٍ بِيضٍ. وكان جَذِيمَةُ أبرَصَ، فكُنِّيَ بالأبرش.

(برص) الباء والراء والصاد أصلٌ واحدٌ، وهو أن يكون في الشيء لُمْعَةٌ تخالف سائرَ لونه، من ذلك البرصُ. وربما سمَّوا القمرَ أبرص. والبَرِيص مثل البصيص، وهو ذلك القياس. قال:

* لهنّ بخدِّهِ أبداً بريصُ([3]) *

والبِرَاصُ بِقَاعٌ في الرّمل لا تُنْبِتُ([4]). وسامُّ أبْرَصَ معروفٌ. قال القُتيبـيّ: ويجمع على الأبارِصِ. وأنشد:

واللهِ لو كنتُ لهذا خالصا([5]) *** لكُنتُ عبداً يأكل الأبارِصَا([6])

وقال ثعلب في كتاب الفصيح: وهو سامُّ أبْرَص، وسامّا أبرصَ، وسَوامُّ أبرصَ.

(برض) الباء والراء والضاد أصل واحد، وهو يدلُّ على قلّةِ الشيء وأخذِهِ قليلاً قليلاً. قال الخليل: التبرُّض التبلُّغ بالبُلْغَة من العيش والتطلُّب لـه هاهنا وهاهنا قليلاً بعد قليل. وكذلك تبرَّض الماءَ من الحوض، إذ قلَّ صبّ في القربة من هنا وهنا. قال:

وقد كنتُ بَرَّاضاً لها قبلَ وَصْلِها  *** فكيفَ وَلَزَّتْ حَبْلَها بحِبالها([7])

يقول: قد كنتُ أطلبُها في الفَيْنَةِ بعدَ الفينة، أي أحياناً، فكيف وقد عُلِّق بعضُنا بعضاً. والابتراضُ منه. وتقول: قد بَرَضَ فلانٌ لي من ماله، وهو يَبْرُضُ بَرْضاً، إذا أعطاكَ منه القليلَ. قال:

لَعَمْرُكَ إنّني وطِلابَ سَلْمَى *** لكالمتبرِّضِ الثَّمَدَ الظَّنُونا([8])

وثَمَدٌ أي قليل، يقول رؤبة:

* في العِدِّ لم تقدَحْ ثِمادا بَرْضا([9]) *

ومن هنا الباب: بَرَض النّبات يَبْرُِض بُرُوضاً، وهو أوّلُ ما يتناول النَّعَمُ والبارِض: أوّلُ ما يبدو من البُهْمَى. قال:

رَعَى بارِضَ البُهْمَى جَميماً وبُسْرَةً *** وصَمْعَاءَ حَتّى آنفَتْهُ نِصَالُها([10])

(برع) الباء والراء والعين أصلان: أحدهما التطوُّع بالشيء من غير وجوبٍ. والآخر التبريز والفَضْل. قال الخليل: تقول بَرَعَ يَبْرَعُ بُرُوعاً([11]) وبَراعةً، وهو يتبرَّع من قِبَلِ نَفْسِه بالعَطاء. وقالت الخنساء:

جلدٌ جميلٌ أصيل بارِعٌ وَرِعٌ *** مأوى الأراملِ والأيتامِ والجارِ

قال: والبارع: الأصيل الجيّد الرأي. وتقول: وهبت للإنسان نتياء ([12]) تبرُّعا إذا لم يَطْلُب.

(برق) الباء والراء والقاف أصلانِ تتفرع الفروع منهما: أحدهما لمعانُ الشيء؛ والآخر اجتماع السَّوادِ والبياضِ في الشيء. وما بَعْدَ ذلك فكلُّه مجازٌ ومحمولٌ على هذين الأصلين.

أمّا الأول فقال الخليل: البرق وَمِيضُ السَّحاب، يقال بَرَقَ السَّحَابُ بَرْقاً وبَريقاً. قال: وأبْرَقَ أيضاً لغة. قال بعضهم: يقال بَرْقَة للمرّة الواحدة، إذا بَرَقَ، وبُرْقَة بالضم، إذا أردْتَ المقدار من البرق. ويقال: "لا أفعلُهُ ما بَرَقَ في السَّماءِ نجم"، أي ما طَلَعَ. وأتانا عند مَبْرَقِ الصُّبح، أي حين برَق. اللِّحْياني: وأَبْرَقَ([13]) الرّجل إذا أمَّ البَرْقَ حينَ يراه. قال الخليل: البارقة السَّحابة ذاتُ البرق. وكلُّ شيءٍ يتلألأ لونُه فهو بارقٌ يبرُق بَريقاً. ويقال للسُّيوف بَوَارق. الأصمعيُّ: يقال أبرَقَ فلان بسيفه إبراقاً، إذا لمع به. ويقال رأيت البارقةَ، ضوءَ بَرْق السُّيوف. ويقال مرّت بنا اللّيلةَ بارقةٌ، أي سحابةٌ فيها برق، فما أدري أينَ أصابَتْ. والعرب تقول: "هو أَعْذَبُ من ماء البارقة".

ويقال للسيف ولكلِّ ما له بَريقٌ إبْريق، حتى إنّهم يقولون للمرأة الحسناءِ البَرّاقة([14]) إبريق. قال:

* ديار إبريقِ العَشِيّ خَوْزَلِ *

الخوزَل المرأة المتثنِّية في مِشْيتها. وأنشد:

أشْلَى عليه قانصٌ لمّا غَفَلْ([15]) ***

مُقلَّدَاتِ القِدِّ يَقْرُونَ الدَّغَلْ

فزَلّ كالإبريقِ عن مَتْنِ القَبَل([16])

قال أبو عليّ الأصفهانيّ: يقال أبْرَقَتِ السّماءُ على بلادِ كذا. وتقول أبرَقْتُ إذا أصابتكَ السّماء. وأبرَقْتُ ببلدِ كذَا، أي أُمطرْتُ. قال الخليل: [إذا] شَدَّدَ مُوعِدٌ بالوَعيد، قيل أَبْرق وأَرْعَد. قال:

أَبْرِقْ وأَرْعِدْ يا يَزيـ *** دُ فما وَعِيدُك لي بِضائرْ([17])

يقال بَرَقَ ورَعَدَ أيضاً. قال:

فإذا جعلتُ... فارسَ دونُكُمْ  *** فارْعَُدْ هُنالِكَ ما بدا لَكَ وابرُقِ([18])

أبو حاتم عن* الأصمعيّ: بَرَقت السّماءُ، إذا جاءتْ ببرقٍ. وكذلك رعدت، وبَرَق الرّجُل ورَعَد. ولم يعرف الأصمعيّ أَبْرَقَ وأَرْعَدَ. وأنشد:

يا جَلَّ ما بَعدَتْ عليك بلادُنا *** فابرُق بأرضِكَ ما بَدَا لك وارْعَُدِ([19])

ولم يلتفت إلى قول الكُميت:

أبرق وأرْعِدْ يا يزيـ *** د...........

قال أبو حاتم: وقد أخبرنا بها أبو زيدٍ عن العرب. ثم إنّ أعرابيّاً أتانا من بني كلاب وهو محرِم. فأردنا أن نسأله فقال أبو زيد: دَعُوني أتولَّى مسألتَه فأنا أرفَقُ به. فقال له: كيف تقول إنّك لتُبْرق وتُرْعِد؟ فقال: في الخجيف؟ يعني التهدُّد. قال: نعم ([20]). قال: أقول إنّك لتُبرِق وتُرْعِد. فأخبرتُ به الأصمعيّ فقال: لا أعرِف إلاّ بَرَق ورَعَد.

ومن هذا الأصل ([21]) قال الخليل: أبرَقت الناقةُ، إذا ضربَتْ ذَنبها مرّةً على فرْجها، ومرّة على عجُزِها، فهي بَرُوقٌ ومُبْرِق. قال اللِّحياني: يقال للنّاقة إذا شالت ذنبها كاذبةً وتلقّحت وليست بلاقِح: أبرقت النّاقة فهي مُبْرِقٌ وبروقٌ. وضدُّها المِكْتَام.

قال ابن الأعرابيّ: بَرَقَت فهي بارق إذا تشذَّرَت بذَنبها من غير لَقْحٍ. قال بعضهم: بَرَّقَ الرجلُ: إذا أتى بشيءٍ لا مِصداق له.

وحكى ابنُ الأعرابيّ، أنّ رجلاً عمل عملاً فقال لـه بعض أصحابه: "بَرَّقْتَ وعَرّقْت([22])" أيْ لوّحت بشيء ليس لـه حقيقة. وعرّقت أقْلَلْتَ، من قولهم:

لا تمَلأِ الدَّلْوَ وعَرِّقْ فيها  *** ألا تَرى حَبَار مَنْ يسقِيها([23])

قال الخليل: الإنسان البَرُوقُ هو الفَرِقُ لا يزال. قال:

* يُرَوِّعُ كلَّ خَوَّارٍ بَرُوقِ *

والإنسانُ إذا بَقِيَ كالمتحيِّر قيل بَرِق بَصَرُه بَرَقاً، فهو بَرِقٌ فَزِعٌ مبهوت. وكذلك تفسيرُ مَنْ قرَأها: {فإذا بَرِقَ البَصَرُ[القيامة 7]، فأمّا مَن قرأ: {بَرَقَ البَصَرُفإنّه يقول: تراه يَلْمع مِن شدَّة شُخوصه تراه لا يطيق. قال:

لَمّا أتاني ابنُ عُمْيرٍ راغباً *** أعطيته عَيْسَاءَ منها فَبَرَقْ([24])

أي لعَجَبِه بذلِكَ. وبَرَّقَ بعينه إذا لأْلأَ من شدة النظر. قال:

فعَلِقَتْ بكفِّها تَصْفِيقَا *** وطَفِقَتْ بِعَينها تبريقا

* نحوَ الأميرِ تَبْتَغي التّطْليقا([25]) *

قال ابنُ الأعرابيّ: بَرِق الرّجُل ذهبَتْ عَيناهُ في رأسه، ذَهَب عقلُه. قال اليزيديّ: بَرَق وجهَهُ بالدُّهن يَبْرُقُ بَرْقاً، وله بَرِيقٌ، وكذلك بَرَقْتُ الأَديمَ أبرُقُه بَرْقاً، وبرّقته تبرِيقاً.

قال أبو زيد: بَرَق طعامَهُ بالزَّيت أو السّمن أو ذَوْب الإهالة، إذا جعَلَه في الطّعام وقلَّلَ مِنه.

قال اللِّحيانيّ: بَرِق السّقاءُ يبْرَقُ([26]) بَرَقاً وبُرُوقاً، إذا أصابَهُ حَرٌّ فذاب زُبْدُهُ. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال زُبْدَةٌ بَرِقة وسقاءٌ بَرِقٌ، إذا انقطعا من الحرّ. وربما قالوا زُبْدٌ مُبْرِقٌ. والإبريق معروفٌ، وهو من الباب. قال أبو زيد: البَرْوقُ شجرةٌ ضعيفة. وتقول العرب: "هو أشْكَرُ مِنْ بَرْوَقَةٍ"، وذلك أنّها إذا غابت السماء اخضرَّت ويقال إنّه إذا أصابَها المطرُ الغزير هَلَكتْ. قال الشاعر يذكُرُ حَرْباً([27]):

تَطِيحُ أَكُفُّ القَوم فيها كأنما  *** يَطِيحُ بها في الرَّوْعِ عيدانُ بَرْوَقِ

وقال الأسود يذكر امرأةً:

ونالَتْ عَشاءً من هَبِيدٍ وبَرْوَقٍ *** ونالت طعاماً مِن ثلاثةِ أَلْحُمِ

وإنما قال ثلاثة ألحُمٍ، لأنَّ الذي أطعمها قانِصٌ.

قال يعقوب: بَرِقَتِ الإبل تَبْرَقُ بَرَقاً، إذا اشتكت بطونُها مِنه .

وأما الأصل الآخرُ فقال الخليل وغيرهُ: تسمَّى العَين بَرقَاءَ لسوادِها وبياضِها. وأنشد:

ومنحدرٍ مِنْ رأسِ بَرْقَاءَ حطَّهُ *** مَخافةُ بَيْنٍ من حبيبٍ مزايِلِ([28])

المنحدر: الدمع. قالوا: والبَرَق مصدر الأبرق من الحِبال والجِبال، وهو الحَبْل أُبْرِم بقُوّةِ سَوْداءَ وقوّةٍ بيضاء. ومن الجبال ما كان منه جُدَدٌ بيضٌ وجُدَدٌ سود. والبَرْقاء من الأرض طرائق، بقعة فيها حجارةٌ سودٌ تخالطها رَملةٌ بيضاء. وكلُّ قطعةٍ على حِيالِها بُرقَة. وإذا اتّسَعَ فهو الأبْرَق والأبارق والبراق. قال:

لَنَا المصانِعُ* من بُصْرَى إلى هَجَرٍ *** إلى اليمامةِ فالأجْرَاعِ فالبُرَقِ

والبُرْقَةُ ما ابيضَّ من فَتْل الحَبْلِ الأسوَد.

قال أبو عمرو الشّيبانيّ: البُرَق ما دَفَع في السَّيل من قَبَل الجَبل. قال:

* كأنَّها بالبُرَقِ الدّوافِعِ *

قال قُطْرُب: الأبْرَق الجبلُ يعارضُك يوماً وليلةً أمْلس لا يُرْتَقَى. قال أبو زيادٍ الكلابيّ: الأبْرَقُ في الأرض أَعالٍ فيها حجارةٌ، وأسافلُها رملٌ يحلُّ بها الناس. وهي تُنْسَب إلى الجِبال. ولمّا كانت صفةً غالبةً جُمعَتْ جَمْعَ الأسماء، فقالوا الأبارِق، كما قالوا الأباطح والأَداهِم في جمع الأدهم الذي هو القيد، والأساوِد في جمع الأسود الذي هو الحيّة. قال الرّاعي:

وأفَضْنَ بعد كُظُومِهِنَّ بحَرَّةٍ *** مِنْ ذِي الأبارِقِ إذْ رَعَيْنَ حقيلا([29])

قال قُطرُب: بنو بارقٍ حَيٌّ من اليمن من الأشعَرِينَ. واسم بارقٍ سعدُ بنُ عدِيّ، نَزَل جبَلاً كان يقال لـه بارق، فنُسِب إليه. ويقال لولده بنو بارقٍ، يُعرَفون به.

قال بعضُ الأعراب: الأبْرَق والأبارِق من مكارم النّبات، وهي أرضٌ نصفٌ حجارةٌ ونصفٌ ترابٌ أبيضُ يَضرِبُ إلى الحمرة، وبها رَفَضُ حجارةٍ حُمْرٍ. وإذا كان رملٌ وحجارةٌ فهو أيضاً أبرق. وإذا عَنَيْتَ الأرضَ قلتَ بَرْقاءَ. والأبرقُ يكونُ علماً سامِقاً مِن حجارةٍ على لونين، أو من طينٍ وحجارة. والأبرقُ والبُرْقَةُ، والجميع البُرق والبِراق والبَرْقَاوات.

قال الأصمعيّ البُرْقَانُ ما اصفرّ مِن الجراد وتلوَّنت فيه [خطوطٌ واسودّ([30])]. ويقال رأيت دَباً بُرْقاناً كثيراً في الأرض، الواحدة بُرْقانة، كما يقال ظَبْيةٌ أُدْمَانَةٌ وظباءٌ أُدْمَانٌ. قال أبو زياد: البُرْقان فيه سوادٌ وبياضٌ كمثل بُرْقَةِ الشّاةِ. قال الأصمعيّ: وبَرْقاءُ أيضاً. قال أبو زياد: يمكث أوّلَ ما يخرُجُ أبيضَ سبعاً، ثم يسودُّ سبْعاً، ثم يصير بُرقاناً.

والبرقاء من الغَنم كالبَلْقاء من الخيل.

(برك) الباء والراء والكاف أصلٌ واحدٌ، وهو ثَباتُ الشيءِ، ثم يتفرع فروعاً يقاربُ بعضُها بعضاً. يقال بَرَك البَعيرُ يَبْرُكُ بُرُوكاً. قال الخليل البَرْك يَقَعُ على ما بَرَك مِن الجِمال والنُّوق على الماء أو بالفلاة، من حرِّ الشمس أو الشِّبع، الواحد باركٌ، والأنثى باركة. وأنشد في البَرْك أيضاً:

بَرْك هُجُود بفَلاةٍ قَفْرِ  *** أَحمْى عليها الشمسَ أبْتُ الحَرِّ([31])

الأبْتُ: شِدّة الحرّ بلا ريح. قال أبو الخطَّاب: البَرْك الإبلُ الكثيرةُ تَشربُ ثم تَبْرُك في العَطَن، لا تكونُ بَرْكاً إلا كذا. قال الخليل: أبركْتُ الناقةَ فبرَكَتْ. قال: والبَرْك أيضاً كَلْكَل البعير وصدرُه الذي يدكُّ([32]) به الشيءَ تحتَه. تقول: حَكَّه ودَكَّهُ بِبرْكِهِ. قال الشاعر:

فأقعَصَتْهُمْ وحَكَّتْ بَرْكَها بهمُ *** وأعْطَتِ النَّهْبَ هَيَّانَ بنَ بَيَّانِ([33])

والبِرْكَة: ما وَلِيَ الأرضَ من جِلد البَطْن وما يليه من الصَّدر، مِنْ كلِّ دابة. واشتقاقُه مِن مَبرَكِ الإبل، وهو الموضع الذي تَبرُكُ فيه، والجمع مبارك. قال يعقوب: البِرْكَة من الفَرَس حيثُ انتصبَتْ فَهْدَتَاه من أسفل، إلى العِرْقين اللذين دون العَضُدين إلى غُضُون الـذّّراعين من باطن.

قال أبو حاتم: البَرْك بفتح الباء: الصدر، فإذا أدخلت الهاء كسرت الباء. قال بعضُهم: البَرْكُ القَصُّ. قال الأصمعيّ: كان أهلُ الكوفة يسمُّون زياداً أشْعر بَرْكاً. قال يعقوب: يقول العرب: "هذا أَمْرٌ لا يَبْرُك عليه إبلي" أي لا أقرَبُه ولا أقْبَله. ويقولون أيضاً: "هذا أمْرٌ لا يَبْرُك عليه الصُّهْبُ المحزَّمَة" يقال ذلك للأمر إذا تفاقَمَ واشتدّ. وذلك أنّ الإبلَ إذا أنكرت الشَّيءَ نَفَرتْ منه.

قال أبو عليّ: خصّ الإبلَ لأنّها لا تكاد تبرك في مَبْرَكٍ حَزْنٍ، إنّما تطلبُ السهولة، تذوقُ الأرضَ بأخفافها، فإن كانَتْ سهلةً بَرَكَتْ فيها. قال أبو زيد: وفي أنواءِ الجَوْزاء نَوْءٌ يقال له "البُرُوك"*، وذلك أنّ الجوزاء لا تسقُط أنواؤُها حتى يكون فيها يومٌ وليلةٌ تَبرك الإبلُ من شِدّة بَردِه ومَطَره. قال: والبُرَكُ عوفُ بن مالك بن ضُبَيعة، سُمِّي به([34]) يوم قِضَّة؛ لأنه عقر جَمَله على ثَنِيَّة وأقام، وقال: "أنا البُرَك أبْرُك حيثُ أُدْرَك([35])".

قال الخليل: يقال ابتَرَك الرّجلُ في آخر يَتَنَقَّصه ويشتمُهُ. وقد ابتركوا في الحرب إذا جَثَوا على الرُّكَبِ ثمّ اقتتلوا ابتِراكاً. والبَرَاكاءُ اسمٌ من ذلك، قال بِشْرٌ فيه:

ولا يُنْجِي مِن الغَمَراتِ إلاّ  *** بَرَاكاءُ القِتالِ أو الفِرارُ([36])

قال أبو عبيدة: يقولون بَرَاكِ بَرَاكِ، بمعنى ابرُكوا. قال يعقوب: يقال بَرَك فلانٌ على الأمور وبَارَك جميعاً، إذا َواظبَ عليه. وابتَرَك الفَرَسُ في عَدْوه، أي اجتهَد. قال:

* وهنَّ يَعْدُونَ بنا بُروكَا([37]) *

قال الخليل: يقال أبْرَكَ السّحابُ، إذا ألحّ بالمطر على المكان. قال غيره: بل يقال ابترك. وهو الصحيح: وأنشد:

ينْزع عنها الحَصَى أجَشُّ مُبْتَرِكٌ  *** كأنَّهُ فاحصٌ أو لاعِبٌ دَاحِ([38])

فأمّا قول الكميت:

ذو برْكةٍ لم تَغِض قَيداً تشيع به  *** من الأفاويق في أحيانها الوُظُبِ

الدّائمة. فإنّ البِركة فيما يقال أن تُحلَب قبل أن تخرج.

قال الأصفهاني عن العامريّ: يقال حَلبتُ النّاقة بِركتَها، وحلبْتُ الإبل بِركتها، إذا حَلَبْتَ لبنَها الذي اجتمع في ضرعها في مَبْرَكها. ولا يقال ذلك إلاّ بالغُدُوات. ولا يسمَّى بِركةً إلاّ ما اجتمع في ضرعها باللّيل وحُلِب بالغُدْوة. يقال احلُبْ لنا مِنْ بِرَك إبلك.

قال الكسائيّ: البِركة أن يدرّ لبنُ الناقة باركة فيقيمَها فيحلُبها. قال الكُميت:

* لَبون جودِك غير ماضِرْ([39]) *

قال الخليل: البرْكة شبه حوضٍ يُحفَر في الأرض، ولا تُجعَل له أعضادٌ فوقَ صعيدِ الأرض. قال الكلابيُّون: البركة المَصْنَعة، وجميعها بِرَكٌ، إلا أنّ المَصْنعةَ لا تُطوَى، وهذه تُطوَى بالآجُرّ.

قال الخليل: البَرَكة من الزيادة والنماء. والتّبريك: أن تَدعُوَ بالبَرَكة.

وتَبَارَكَ اللهُ[الأعرف 54] تمجيدٌ وتجليل. وفُسِّر على "تعالى الله". والله أعلم بما أراد. قال أبو حاتم: طعامٌ بَريكٌ أي ذو بَرَكة.

(برم) الباء والراء والميم يدلُّ على أربعة أصولٍ: إحكام الشَّيء، والغَرَض به، واختلاف اللَّونين، وجنسٌ من النَّبات.

فأمّا الأوّل فقال الخليل: أبْرَمْتُ الأمرَ أحكمتُه. قال أبو زياد المَبَارم مغازلُ ضِخامٌ تُبْرِم عليها المرأةُ غَزْلَها، وهي من السَّمُر. ويقال أبرمْتُ الحبْلَ، إذا فتَلْتَه متيناً. والمُبْرَم الغزْل، وهو ضد السَّحِيل، وذلك أنّ المُبْرَم على طاقَينِ مفتولين، والسَّحِيل على طاقٍ واحد.

وأمّا الغَرَض فيقولون: بَرِمْتُ بالأمرِ عَيِيتُ به، وأبرمَني أعياني. قال: ويقولون أرجُو أنْ لا أَبْرَمَ بالسُّؤالِ عن كذا، أي لا أَعْيَا. قال:

* فلا تعْذُليني قد بَرِمْتُ بحيلتي *

قال الخليل: بَرِمْتُ بكذا، أي ضَجِرتُ به بَرَماً. وأنشد غيرهُ:

ما تأمُرِين بنَفْسٍ قد بَرِمْتُ بها  *** كأنّما عُروةُ العُذْريُّ أَعْدَاها

مشعوفةٍ بالتي تُرْبانُ مَحْضَرُها *** ثم الهِدَمْلَةُ أَنْفَ البَرْدِ مَبْدَاها([40])

ويقال أبرمَني إبراماً. وقال [ابن] الطّثْرِيّة:

فلمّا جِئْتُ قالت لي كلاماً *** برِمْتُ فما وجَدْتُ لـه جَوَابا

وأمّا اختلاف اللّونَين فيقال إنّ البريمَينِ النوعانِ من كلِّ ذي خِلْطَيْنِ، مثل سوادِ الليل مختلطاً ببياض النهار، وكذلك الدَّمع مع الإثْمِد بَريمٌ. قال علقمة:

بعيْنَيْ مَهَاةٍ تَحدُرُ الدَّمْعَ مِنْهُما *** بَرِيمَيْنِ شَتَّى من دُموعٍ وإثمِدِ([41])

قال أبو زيد: ولذلك سُمِّي الصُّبحُ أوّلَ ما يبدُو بَريِماً، لاختلاط بياضِه بسواد اللّيل. قال:

على عَجَلٍ والصُّبْحُ بادٍ كأَنّهُ *** بأَدْعَجَ من ليل التِّمامِ بَريمُ([42])

قال الخليل: *يقول العرب: هؤلاء بَرِيمُ قومٍ، أي لفِيفُهم من كلِّ لونٍ. قالت ليلى:

يأيُّها السَّدِمُ المُلَوِّي رأسَه *** ليَقُودَ مِنْ أهلِ الحِجازِ بَريما([43])

قال أبو عُبيدٍ: تقول اشْوِ لَنَا من بَريمَيْها، أي من الكَبِدِ والسَّنام. والبَريم: القَطِيعُ من الظّباء. قال: والبريم شيءٌ تشدُّ به المرأة وسَطَها منظَّم بخَرَزٍ. قال الفرزدق:

محضَّرَةٌ لا يُجْعَلُ السِّتْرُ دُونَها *** إذا المُرْضِعُ العَوْجَاءُ جال بَرِيمُهَا([44])

والأصل الرابع: البرَم، [وأطيبُها ريحاً([45])] بَرَمُ السَّلَم، وأَخْبَثُها ريحاً بَرَمَةُ

العُرْفُط، وهي بيضاءُ كبرَمَةِ الآس. قال الشيبانيّ: أبْرَمَ الطَّلْحُ، وذلك أوّلَ ما يُخْرِجُ ثمرتَه. قال أبو زياد: البرَمَةُ الزّهرةُ التي تخرج فيها الحُبْلة.

أبو الخطاب: البَرَم أيضاً حُبوبُ العِنَب إذا زادَتْ على الزَّمَعِ، أمثال رُؤوس الذّرّ.

وشذّ عن هذه الأصول البُرَام، وهو القُرَادُ الكبير. يقول العرب: "هو أَلْزَقُ مِنْ بُرام([46])". وكذلك البُرْمَة، وهي القِدْر.

(برو/ي) الباء والراء والحرف المعتلّ بعدهما وهو الواو والياء أصلان: أحدهما تسويةُ الشّيءِ نحتاً، والثاني التعرُّض والمحاكاة. فالأصل الأوّلُ قولهم بَرَى العُود يَبرِيه بَرْياً، وكذلك القلم. وناسٌ يقولون يَبْرو، وهم الذين يقولون للبُرّ يَقْلُو، وهو بالياء أصوب. قال الأصمعيّ: يقال بَرَيْتُ القَوْسَ بَرْياً وبُرَايةً، واسمُ ما يسقط منه البُرَايَة، ويتوسّعُون في هذا حتى يقولوا مَطَرٌ ذو بُرَاية أي يَبري الأرضَ ويقْشُرُها.

قال الخليل: البَرِيُّ السّهْمُ الذي قد أُتِِمَّ بَرْيُه ولم يُرَشْ ولم يُنَصَّلْ. قال أبو زيد: يقول العربُ: "أَعْطِ القَوْسَ بَاريَها" أي كِلِ الأمْرَ إلى صاحبِه.

فأمّا قولُهم للبعير إنّه لذُو بُرَايةٍ فمن هذا أيضاً، أي إنّهُ بُرِيَ برياً مُحْكماً. قال الأصمعيّ: يُقال للبعير إذا كان باقياً على السير: إنّه لَذُو بُرايةٍ. قال الأعلم:

على حَتِّ البُرَاية زَمْخَرِِيّ الـ  *** سَّوَاعِِدِِ ظَلَّ في شَرْيٍٍ طُِِوَالِ([47])

وهو أنْ ينحتَّ من لحمه ثم ينحَتَّ، لا ينْهَمُّ في أوّل سفَرِه([48])، ولكنَّه يذهبُ منه ثمّ تبقى بُرايَةٌ، ثم تذهب وتبقى بُراية. وفلانٌ ذو بُرايةٍ أيضاً.

ومن هذا الباب أيضاً البُرَةُ، وهي حلْقَةٌ تُجعل في أنف البعير، يقال ناقة مُبْرَاةٌ وجملٌ مُبْرىً، قال الشاعر([49]):

فقَرّبْتُ مُبْراةً يُخالُ ضُلوعُها *** مِنَ الماسِخِيَّاتِ القِسِيَّ الموتَّرا

وهذه بُرَةٌ مَبْرُوَّةٌ، أي معمولة. ويقال: أبْرَيْتُ النّاقةَ أُبريها إبراءً، إذا جعَلْتَ في أنفها بُرَة. والبُرَةُ أيضاً حَلْقَةٌ مِن ذهب أو فِضّة إذا كانتْ دقيقةً معطوفَةَ الطَّرَفين، والجمع البُرَى والبُرُون والبِرُون([50]). وكلُّ حلقةٍ بُرَةٌ.

قال أبو عُبيدٍ: ذُو البُرَةِ الذي ذكره عَمرو بن كلثومٍ:

وذُو البُرَةِ الذي حُدِّثْتَ عنه *** به نُحْمَى ونَحمي المُلْجَئِينا

رجلٌ تَغْلِبيّ كان جعَلَ في أنفِه بُرَةً لنَذْرٍ كان عليه. وقيل البُرَة سيفٌ، كان له سيف يسمَّى البُرَة. والبُرَاءُ النُّحَاتة، وهو من الباب. قال الهُذَليّ([51]):

* حَرِق المفارِق كالبُرَاءِ الأعفَرِ([52]) *

ومن الباب البَرَى الخَلْق، والبَرَى التُّرَابُ. يقال "بِفِيهِ البَرَى"، لأنَّ الخَلْق منه.

والأصل الآخَر المحاكاة في الصّنيع والتعرُّضُ. قال الخليل: تقول: بارَيْتُ فلاناً أي حاكيتهُ. والمباراة أن يبارِيَ الرّجلُ آخَرَ فيصنعَ كما يصنَعُ. ومنه قولهم: فلانٌ يُبارِي جيرانَه، ويُبارِي الرّيحَ، أي يُعطي ما هبّتِ الرّيح، وقال الرّاجز:

* يَبْرِي لها في العومان عائم([53]) *

أي يعارِضها. قال الأصمعيّ: يقال انْبَرَى له وبَرَى له أي تَعَرَّضَ، وقال:

* هِقْلَة شَدٍّ تَنْبرِي لِهِقْلِ *

وقال ذو الرمّة:

* تَبْرِي لَهُ صَعْلَةٌ خَرْجاء خَاضِعَةٌ([54]) *

قال ابن السكّيت: تبرَّيتُ مَعروفَ فلانٍ وتَبَرَّيْتُ لمعروفه، أي تعرَّضْتُ.

قال:

وَأَهْلَةِ وُدٍّ قَدْ تَبَرَّيْتُ وُدَّهُمْ  *** وأبْلَيْتُهُمْ في الوُدِّ جُهْدِي ونَائِلِي([55])

يقال أهْلٌ وأهْلَةٌ. وقال الراجز:

وَهْوَ إذا ما للصِّبَا تَبَرّى *** ولَبِسَ القَميصَ لم يُزَرَّا

وَجَرَّ أَطْرَافَ الرِّدَاءِ جَرَّا

([برأ]) فأما الباء والراء والهمزة فأصلان إليهما ترجع فُروع الباب: أحدهما الخَلْق، يقال بَرَأَ الله الخلقَ يَبْرَؤُهم بَرْءَاً. والبارئ الله جَلَّ ثناؤه. قال الله تعالى: {فَتُوبُوا إلى بَارِئِكُمْ} [البقرة 54]، وقال أميّة:

* الخالق البارئ المصَوِّرُ *

والأصل الآخَر: التباعُد مِن الشيء ومُزايَلَتُه، من ذلك البُرْءُ وهو السَّلامة من السُّقم، يقال بَرِئْت وبرَأْتُ. قال اللحيانيّ: يقول أهل الحجاز: بَرَأت من المرض أبرُؤُ بُرُوءَاً. وأهل العالِيَة يقولون: [بَرَأْتُ أَبْرَأ([56])] بَرْءاً. ومن ذلك قولهم برئْتُ إليك من حقّكَ. وأهلُ الحجاز يقولون: أنا بَرَاءٌ منك، وغيرهم يقول أنا بريءٌ منك. قال الله تعالى في لغة أهل الحجاز: {إنَّني بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ[الزخرف 26] وفي غير موضعٍ من القرآن إنّي بَريءٌ، فمن قال أنا بَرَاءٌ لم يُثَنِّ ولم يؤنث، ويقولون: نحن البَرَاءُ والخَلاَء من هذا. ومَنْ قال بريء قال بريئان وبريئون، وبُرَآء على وزن بُرَعاء، وبُراء بلا إجراء([57])نحو بُراع، وبِراءٌ مثل بِراعٍ. ومن ذلك البَراءة من العَيبِ والمكروه، ولا يقال منه إلا بَرِئَ يَبْرَأُ. وبارَأْت الرّجُلَ، أي برئْتُ إليه وبَرِئَ إليَّ. وبارَأَتِ المرأةُ صاحِبَها على المفارقة، وكذلك بارأْتُ شرِيكي وأبرأْتُ من الدَّين والضَّمان. ويقال إنّ البَراءَ آخِرُ ليلةٍ من الشّهْر، سُمّي بذلك لتبرُّؤ القمر من الشهر. قال:

* يوماً إذا كانَ البَراءُ نَحْسَا([58]) *

قال ابنُ الأعرابي: اليوم البَراءُ السَّعْدُ، أي إنه بريءٌ مما يُكْرَه. قال الخليل: الاستبراء أنْ يشترِيَ الرّجُلُ جاريةً فلا يَطَأَها حتى تحيض. وهذا من الباب لأنها قد بُرّئَتْ من الرِّيبة التي تمنَع المشتريَ من مُبَاشَرَتِها. وبُرْأَةُ الصّائدِ ناموسُه وهي قُتْرَتُه والجمع بُرَأٌ؛ وهو من الباب، لأنه قد زايَلَ([59]) إليها كل أحد. قال:

* بها بُرَأٌ مثل الفَسِيل المُكَمَّمِ([60]) *

(برت) الباء والراء والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو أنْ يَغِلَ الشّيءُ وُغولاً. من ذلك البَُرت، وهي الفأس، وبها شُبّه الرّجُل الدّليلُ، لأنّه يَغِلُ في الأرض ويهتدي في الظُّلَم.

(برث) الباء والراء والثاء أصلٌ واحد، وهي الأرض السّهلة، يقال للأرض السهلة بَرْثٌ، والجمع بِراثٌ. وجعلها رُؤبة البَرارِث([61])، ويقال إنّه خطأ.

(برج) الباء والراء والجيم أصلان: أحدهما البُروز والظُّهور،والآخر الوَزَرُ والملجأ. فمن الأوّل البَرَج وهو سَعَة العين في شدّةِ سوادِ سَوادِها وشدّة [بياض] بياضها، ومنه التّبرُّج، وهو إظهار المرأةِ مَحاسِنَها.

والأصل الثاني البُرْجُ واحِدُ بُروجِ السّماء. وأصل البرُوج الحُصونُ والقُصور قال الله تعالى: {وَلَوْ كُنْتُمْ في بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء 78]. ويقال ثوبٌ مُبَرَّجٌ إذا كان عليه صور البُرُوج.

(برح) الباء والراء والحاء أصلان يتفرّع عنهما فروعٌ كثيرة. فالأول: الزَّوال والبروزُ والانكِشاف. والثاني: الشِّدَّة والعِظَم وما أشبههُما.

أمّا الأول فقال الخليل: بَرَحَ يَبْرَحُ بَرَاحا إذا رَامَ مِن موضِعِه، وأبرحته أنا. قال العامريّ: يقول الرّجُل لراحلتهِ إذا كانت بطيئةً: لا تَبْرَحُ بَرَاحاً يُنْتَفَعُ به. ويقول: ما برِحْتُ أفْعَلُ ذلك، في معنى مازِلْت. قال الله تعالى حكايةً عمَّن قال: {لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِِينَ} [طه 91] أي لن نَزَالَ. وأنشد:

فأبْرَحُ مَا أَدَامَ اللهُ قَوْمي  *** بِحَمْدِ اللهِ مُنْتَطِقاً مُجِيداً([62])

أي لا أزال. ومُجيدٌ: صاحبُ فرسٍ جَواد، ومُنْتطقٌ: قد شَدّ عليه النِّطاق. ويقول العرب: "بَرَِحَ الخَفَاء" أي انكشَفَ الأمر. وقال:

*بَرِحَ([63]) الخفاءُ فما لَدَيَّ تجلُّد *

قال الفرّاء: وبرَح بالفتح أيضاً، أي مضى، ومنه سُمِّيت البارحة. قالوا:

البارحة الليلة التي قبلَ لَيْلَتِك، صفةٌ غالبةٌ لها. حتّى صار كالاسم. وأصلها من بَرح، أي زال عَنْ موضعه.

قال أبو عبيدة في* المثل:"ما أشْبَهَ اللّيْلَةَ بالبارِحة" للشيء ينتظرُه خيراً من شيءٍ، فيَجيءُ مِثْلَه.

قال أبو عُبيد: البِرَاح المكاشَفة، يقال بَارَحَ بِراحاً كاشَفَ. وأحسبُ أنّ البارحَ الذي هو خلافُ السّانح مِن هذا؛ لأنّه شيءٌ يبرُزُ ويَظْهر. قال الخليل: البُرُوح([64]) مصدر البَارح وهو خلافُ السَّانح، وذلك من الظِّباء والطير يُتشاءم به أو يُتَيَمَّن، قال:

وهنَّ يَبْرُحْنَ لَهُ بُرُوحا *** وتَارَةً يأتِينَهُ سُنُوحَا([65])

ويقول العرب في أمثالها: "هو كبارِحِ الأَرْوَى، قليلاً ما يُرَى". يُضْرَبُ لمن لا يكادُ يُرَى، أو لا يكونُ الشيءُ منه إلاّ في الزّمان مرّةً. وأصلُهُ أنّ الأرْوَى مساكِنُها الجِبالُ وقِنانُها، فلا يكاد الناسُ يَرَوْنها سانحةً ولا بارحةً إلاّ في الدّهرِ مرّةً. وقد ذَكَرْنا اختلافَ الناسِ في ذلك في كتاب السّين، عند ذكرنا للسّانح. ويقال في قولهم: "هو كبارحِ الأرْوَى" إنّه مشؤوم من وجهين: وذلك أنّ الأروى يُتشاءَم بها حيث أتَتْ، فإذا بَرَحَتْ كانَ أعظَمَ لشُؤْمِها.

والأصل الآخرُ قال أبو عُبيدٍ: يقال ما أبْرَحَ هذا الأمرَ، أي أعجَبَه. وأنشد للأعشى:

* فأَبْرَحْتِ رَبّاً وأَبْرَحْتِ جَارَا([66]) *

وقالوا: معناه أعظَمْتِ، والمعنى واحدٌ. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال أبْرَحْتُ بفلانٍ، أي حَمَلْتَه على ما لا يُطيق فَتَبَرَّحَ به وغَمَّه. وأنشد:

* أبْرَحْتَ مَغْرُوساً وأنْعَمْتَ غَارِسا *

ابن الأعرابيّ: البَرِيح التَّعب. قال أبو وَجْزة:

على قَعُودٍ قد وَنَى وقد لَغِبْ  *** به مَسِيحٌ وَبرِيحٌ وصَخَبْ

المسيح: العَرَق. أبو عمرو: ويقال أبْرَحْتَ لُؤْماً وأبرَحْتَ كَرماً. ويقال بَرْحَى له إذا تعجَّبتَ لـه. ويقال: البعيرُ بُرْحَةٌ من البُرَح، أي خِيار. وأعطِني مِنْ بُرَحِ إبلك، أي من خِيارها.

قال الخليل: يقال بَرّح فلانٌ تَبْرِيحاً فهو مُبَرِّحٌ إذا أذى بالإلحاح؛ والاسم البَرْح. قال ذو الرُّمّة:

* والهوى بَرْحٌ على من يُطالِبُهْ([67]) *

والتّباريح: الكُلْفة والمَشَقّة. وضربَهُ ضَرْباً مُبَرِّحاً. وهذا الأمر أبْرَحُ عليَّ مِن ذَاكَ، أي أشق. قال ذو الرُّمة:

أنيناً وشَكْوَى بالنّهارِ كَثيرةً *** عَلَيَّ وما يأتي به الليلُ أَبْرَحُ([68])

أي أشَقّ. ويقال لقيتُ منه البُرَحِين والبَرَحَين([69]) وبناتِ بَرْحٍ([70]) وبَرْحاً بارحاً. ومن هذا الباب البَوارح من الرّياح، لأنّها تحمل التراب لشدّة هبوبها. قال ذو الرّمّة:

لا بلْ هو الشَّوْقُ مِنْ دَارٍ تَخَوَّنُها *** مَرّاً سحابٌ ومرّاً بارِحٌ تَرِبُ([71])

فأمّا قول القائلِ عند الرّامي إذا أخطأ: بَرْحَى، على وزن فَعْلى، فقال ابنُ دريد وغيرُه: إنه من الباب، كأنه قال خُطّة بَرْحَى، أي شديدة.

(برخ) الباء والراء والخاء أصل واحدٌ، إن كانَ عربيّاً فهو النَّماء والزيادة، ويقال إنها من البَرَكة وهي لغة نَبَطيّة.

(برد) الباء والراء والدال أصول أربعة: أحدها خلاف الحَرّ، والآخَر السُّكون والثبوت، والثالث الملبوس، والرابع الاضطراب والحركة. وإليها تَرجِع الفُروع.

فأمّا الأوّل فالبَرْد خلافُ الحَرِّ. يقال بَرَدَ فهو بارِد، وبَرَد الماءُ حرارةَ جَوْفِي يَبْرُدُها. قال:

وعَطِّلْ قَلُوصِي في الرِّكاب فإنَّها *** سَتَبْرُدُ أكْباداً وتُبكي بَواكيا([72])

ومنه قول الآخر([73]):

لئن كان بَرْدُ الماءِ حَرّانَ صَادِياً *** إليَّ عجيبا إنّها لعَجِيبُ

وبَرَدْتُ عينَه بالبَرُودِ([74]). والبرَدَةُ: التُّخَمةُ. وسَحاب بَرِدٌ، إذا كانَ ذا بَرَد. والأبردان: طرَفَا النّهار. قال:

إذا الأرْطَى تَوَسَّدَ أبردَيْهِ *** خُدودُ جَوازِئٍ بالرّملِ عِينِ([75])

ويقال البَرْدَانِ. ويقال للسُّيوف البَوارِد، قال قوم: هي القواتلُ، وقال آخرون: مَسُّ الحديد باردٌ. وأنشد:

وأنَّ أميرَ المؤمِنينَ أَغصَّني  *** مُغَصَّهما بالمُرْهَفاتِ البوارِدِ([76])

ويقال جاؤوا مُبْرِدين، أي جاؤوا وقد باخَ الحرُّ.

وأما الأصل الآخر فالبرد النَّوم. قال الله تعالى: {لاَ يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْداً ولا  شَرَاباً} [النبأ 24]. وقال الشاعر([77]):

فإنْ شِئْتِ حَرّمْتُ النِّساءَ عليكمُ *** وإن شِئْتِ لم أطْعم نُقاخاً ولا بردَا([78])

ويقال بَرَد الشيءُ إذا دامَ. وأنشد أبو عبيدة:

اليوم يومٌ بارِدٌ سَمُومُه *** مَن جَزِع اليومَ فلا تَلومُه([79])

بارد بمعنى دائم. وبرَدَ لي على فلانٍ من المال كذا، أي ثَبَتَ. وبَرَدَ في يدي كذا، أي حَصَل. ويقولون بَرَدَ الرّجُلُ إذا ماتَ. فيحتمل أن يكون من هذا، وأن يكون مِن الذي قَبْلَه.

وأما الثالث فالبُرْد، معروفٌ. قال:

وإني لأَرْجُو أنْ تُلَفَّ عَجَاجَتي *** على ذِي كِساءٍ من سَلامانَ أو بُرْدِ

وبُرْدَا الجرادة: جناحاها([80]).

والأصل الرابع بَريد العَسَاكر؛ لأنه يَجيء ويذْهَب. قال:

خَيَالٌ لأُمِّ السَّلسَبِيل ودُونها  *** مَسيرةُ شَهْر للبريد المذَبذَبِ([81])

ومحتمل أن يكون المِبْرَدُ من هذا، لأن اليَدَ تَضْطَرِبُ به إذا أُعمِلَ.

ــــــــــــــــــ

([1]) ديوان لبيد 91 طبع فينا سنة 1880، واللسان (برز).

([2]) في الأصل: "ابن دريد" تحريف، صوابه في المجمل. ولم تذكر الكلمة في جمهرة ابن دريد ولم تذكر في اللسان أيضاً. لكن جاء في القاموس: "والتبريس تسهيل الأرض وتليينها".

([3]) في الأصل: "لهن بخدا"، صوابه في المجمل.

([4]) واحدها "برصة" بالضم.

([5]) في الأصل: "لها خالصاً"، صوابه في اللسان (برص).

([6]) الرواية في أدب الكاتب 152 والاقتضاب 355 والحيوان (4: 300)، واللسان: "لكنت عبداً آكل الأبارصا". وفي الأصل: "تأكل الأبارصا"، صوابه من الجمهرة (1: 258) حيث عقب بقوله "خاطب أباه فقال: لو كنت أصلح لهذا العمل الذي تأخذني به لكنت عبداً يأكل الأبارصا".

([7]) البيت في اللسان (برض).

([8]) في الأصل: "لكا المبرض"، صوابه في اللسان (ثمد).

([9]) آخر بيت من أرجوزته الضادية في ديوانه ص18. وقبله:

* أولاك يحمون المصاص المحضا *

([10]) البيت لذي الرمة كما في اللسان (بسر، أنف). وهو في (صمع) بدون نسبة. وسيأتي هنا في

(جم ص 420). وانظر ديوانه ص529. وصواب إنشاده: "رعت" و"حتى آنفتها". وقبله:

طوال الهوادي والحوادي كأنها *** سماحيج قب طار عنها نسالها

([11]) في الأصل: "برعا"، تحريف.

([12]) كذا في الأصل .

([13]) في الأصل: "أو برق"، صوابه ما أثبت.

([14]) في الأصل: "الخنساء الراقة"، تحريف.

([15]) في الأصل: "شد عليه قابض".

([16]) متن القبل، أي ظهر الجبل. وفي الأصل: "كالإبريق المتن القبل".

([17]) البيت للكميت، كما في اللسان (برق، رعد). وسيأتي في (رعد).

([18]) كذا ورد البيت بنقص كلمة قبل "فارس" ولعله "ديار فارس" أو "بلاد فارس".

([19]) البيت لابن أحمر، كما في اللسان (جلل، برق، رعد). وجل ما بعدت، أي ما أجل ما بعدت.

([20]) كلمة "فأخبرت" وردت في الأصل قبل "فقال في الخجيف" وهنا موضعها. وانظر الاشتقاق 265. والمخصص (14: 228) حيث ساق القصة في وضوح وتفصيل.

([21]) في الأصل: "وعن على هذا الأصل".

([22]) الخبر في اللسان (برق 296).

([23]) البيتان في أمالي ثعلب 238، واللسان (6: 231/ 12: 114).

([24]) إصلاح المنطق 58. ونسبه التبريزي إلى الأعور بن براء الكلابي.

([25]) البيت وسابقه في اللسان (11: 296).

([26]) كذا ضبط في الأصل. وفي اللسان ضبط قلم: "برق يبرق" كدخل يدخل، وجعله في القاموس من بابي فرح ونصر.

([27]) في الأصل: "يذكر حزناً".

([28]) روايته في اللسان (11: 298) وأمالي ثعلب 179: "بمنحدر".

([29]) حقيل: نبت، أو جبل من ذي الأبارق. والبيت في اللسان (13: 172)، وقصيدته في جمهرة أشعار العرب 172-176. وسيأتي في (حقل، فيض).

([30]) التكملة من الحيوان (5: 551) حيث روي عن الأصمعي.

([31]) سبق البيتان في مادة (أبت).

([32]) في الأصل: "يذل"، محرف.

([33]) يصف حرباً. وفي الأصل: "فأقصعتهم" و: "النهت" صوابهما من إنشاده في اللسان (12: 278/ 19: 109/ 20: 252).

([34]) في الأصل: "سميه".

([35]) انظر الاشتقاق لابن دريد 214-215. والبرك هذا غير البرك الصريمي، الذي ضرب معاوية على أليته. انظر الاشتقاق 151.

([36]) البيت في اللسان (12: 278) وهو آخر بيت من قصيدته في المفضليات (2: 138) .

([37]) البيت في اللسان (12: 278).

([38]) البيت لأوس بن حجر في ديوانه 4. وصدره فيه :

* ينفي الحصى عن جديد الأرض مبتركا *

وروي صدره في اللسان (دحا) مع نسبته إلى أوس أو عبيد:

* ينْزع جلد الحصى أجش مبترك *

([39])هو بتمامه كما في اللسان (12: 277):

وحلبت بركتها اللبو *** ن لبون جودك غير ماضر

([40]) تربان، بالضم: قرية على ليلة من المدينة. والهدملة: موضع.

([41]) في ديوانه 135: "يحدر الدمع منهما". وقبله:

تراءت وأستار من البيت دونها *** إلينا وحانت غفلة المتفقد

([42]) البيت لجامع بن مرخية، كما في اللسان (14: 130).

([43]) البيت في اللسان (14: 311) والجمهرة (1: 277) وأمالي القالي (1: 248). قال: "كان الأصمعي يرويها لحميد بن ثور الهلالي" ثم قال: "وجدته بخط ابن زكريا وراق الجاحظ في شعر حميد". وانظر حماسة أبي تمام (2: 279).

([44]) انظر الحماسة (2: 328). والمحضرة: التي لا يمنع منها أحد، كما في شرح التبريزي. وفي الأصل: "مخصرة" صوابه من الحماسة واللسان (14: 130). والعوجاء: التي اعوجت هزالاً. وفي اللسان: "العرجاء" تحريف. ويروى للكروس بن حصن:

وقائلة نعم الفتى أنت من فتى  *** إذا المرضع العوجاء جال بريمها.

([45]) تكملة يقتضيها السياق. وفي اللسان: "وبرمة السلم أطيب البرم ريحاً".

([46]) انظر الحيوان (5: 437-438).

([47]) في الأصل: "وعلى حب"، صوابه في اللسان (حتت، زمخر، بري) وشرح السكري للهذليين. وقد استشهد به ابن فارس على البعير، والصواب أنه في صفة ظليم شبه به فرسه أو بعيره. وقبل البيت، كما في شرح السكري لأشعار الهذليين ص61:

كأن ملاءتي على هزف *** يعين مع العشية للرئال

([48]) ينهم: يذهب سمنه. وفي الأصل: "يتهم"، محرفة.

([49]) هو الشماخ، ديوانه 27 واللسان (4: 24). وقد وهم في اللسان (18: 76) في نسبته إلى النابغة الجعدي، وذلك لأن للجعدي قصيدة على هذا الروي. وسيأتي في (مسخ).

([50]) في اللسان والقاموس أن جمعه "برين وبرين" بضم فكسر وبكسرتين. وما في المقاييس أظهر لأنه يصور حالة الجمع المرفوع، وأما اللسان والقاموس فيصور حالة الجمع المنصوب والمجرور مع أن مقام التعبير فيها يقتضي إثبات حالة الرفع فقط. وهو مثل عضون في الرفع وعضين في النصب والجر جمعاً لعضة.

([51])هو أبو كبير الهذلي، كما في ديوان الهذليين 64 نسخة الشنقيطي والمجمل واللسان (18: 85).

([52]) وسيأتي في (حرق). وصدره كما في اللسان وديوان الهذليين:

* ذهبت بشاشته وأصبح واضحاً *

([53]) كذا ورد البيت.

([54]) عجزه كما في ديوان ذي الرمة 32: *فالخرق دون بنات البيض منتهب*

([55]) البيت لأبي الطمحان القيني، كما في اللسان (أهل، بري). ونسب في (بري) إلى خوات ابن جبير أيضاً. ورواية اللسان: "في الحمد".

([56]) التكملة من اللسان.

([57])في الأصل "بلا أجر"، صوابه ما أثبت. والإجراء: الصرف. وانظر اللسان (برأ: 24).

([58]) في اللسان (1: 24):

يا عين بكى مالكا وعبسا  *** يوماً إذا كان البراء نحسا

وفي (1: 25):

إن عبيدا لا يكون غسا *** كما البراء لا يكون نحسا

([59]) في الأصل: "زيل".

([60]) في الأصل: "به"، تحريف. والبيت للأعشى في ديوانه 93 واللسان. وصدره: * فأوردها عينا من السيف رية *

([61]) وذلك في قوله:

أقفرت الوعساء فالعثاعت *** من أهلها فالبرق البرارث

([62]) البيت لخداش بن زهير كما في اللسان (12: 232)، ورواية عجزه في (نطق) واللسان أيضاً:

* على الأعداء منتطقاً مجيدا *

([63])يقال فيه برح، بفتح الراء وكسرها. وهذا الشطر في اللسان (3: 232).

([64]) في الأصل: "البرح".

([65])البيتان في اللسان (3: 234).

([66]) كذا ورد بالفاء في أوله. وروايته في الديوان 37 واللسان (برح) :

أقول لها حين جد الرحيـ  *** ل أبرحت ربا وأبرحت جارا

وانظر الكلام على البيت في الخزانة (1: 575-578).

([67]) البيت في ديوان ذي الرمة 43:

متى تظعني يا مي عن دار جيرة  *** لنا والهوى برح على من يغالبه

وبعده:

أكن مثل ذي الألاف لزت كراعه *** إلى أختها الأخرى وولى صواحبه

([68]) البيت في اللسان (2: 233) وليس في ديوان ذي الرمة، بل ورد في ملحقاته ص 663 عن اللسان وتاج العروس.

([69]) ويقال أيضاً البرحين، بالتحريك.

([70]) وبني برح أيضاً.

([71]) البيت في ديوان ذي الرمة ص2 واللسان (3: 234).

([72]) البيت لمالك بن الريب من قصيدة لـه في أمالي القالي (3: 135) والخزانة (1: 318) وجمهرة أشعار العرب 143 وقد انفردت بالرواية المطابقة لما هنا. وفي الأمالي والخزانة "ستفلق أكباداً". وانظر الأغاني (11: 142) واللسان (4: 49).

([73]) هو عروة بن حزام من قصيدة له في ديوانه 10 مخطوطة الشنقيطي، والخزانة (1: 534) برواية:

* إليَّ حبيبا إنها لحبيب *

([74]) هو بفتح الباء: الكحل تبرد به العين من الحر. وفي الحديث "أنه كان يكتحل بالبرود وهو محرم".

([75]) البيت للشماخ في الديوان 94 واللسان (4: 50).

([76]) البيت لكلثوم بن عمرو العتابي، كما في الحيوان (4: 265) وعيون الأخبار (1: 231) والعقد (2: 135) والبيان (3: 199) وزهر الآداب (3: 39) وحماسة ابن الشجري 140 واللسان (برد). ويروى: "أغضى معضهما"، وفي الأصل: "أغضني مغضهما" تحريف أثبت صوابه مطابقاً ما في المجمل.

([77]) هو العرجي، كما في اللسان والصحاح (نقخ، برد) وأضداد ابن الأنباري 53.

([78]) الرواية المعروفة: "حرمت النساء سواكم".

([79]) البيتان في اللسان (4: 52) وأضداد ابن الأنباري 53. ويروى "من عجز" كما عند ابن الأنباري وفي إحدى روايتي اللسان. وقد روي في المجمل والأضداد: "فلا نلومه" بالنون.

([80])في الأصل: "جناحان". وانظر الحيوان (5: 556).

([81]) البيت للبعيث بن حريث، كما في حماسة أبي تمام (1: 141). وفي الأصل: "لأم السليل"، تحريف.


ـ (باب الباء والزاء وما يثلثهما)

(بزع) الباء والزاء والعين أصل واحد وهو الظَّرْف، يقال للظَّريف بَزيع، وتَبَزَّع الغُلامُ ظَرُف، ولا يكونُ ذلك إلا مِن صِفَة الأحداث. وربما قالوا تَبزعَ الشّرُّ إذا تفاقَمَ، فإن كان صحيحاً فهو أصلٌ ثان.

(بزغ) الباء والزاء والغين أصلٌ واحد، وهو طُلوع الشّيءِ وظُهُوره. يقال بَزَغَتِ الشمسُ وبَزَغ نابُ البَعيرِ إذا طلع. ويقولون للبَيْطار إذا أوْدَجَ الدّابةَ قد بَزَغه، وهو قياسُ الباب.

(بزق) الباء والزاء والقاف أصلٌ واحد، وهو إلقاء الشيء، يقال بَزَق الإنسانُ، مثل بَصَقَ. وأهل اليَمَن يقولون: بَزَق الأرضَ إذا بَذَرَها([1]).

(بزل) الباء والزاء واللام أصلان: تفتُّح الشيء،والثاني الشدّةُ والقُوّة. فأمّا الأوّل فيقال بَزَلْتُ الشَّرابَ بالمِبْزَل أَبْزُلُه بَزْلاً. ومن هذا قولهم بَزَل البعيرُ إذا فَطَر نابُه، أي انشقَّ، ويكون ذلك لحِجّتِه التّاسعة. وشَجّةٌ بازِلة إذا سَالَ دَمُها. وانبَزَل الطّلْع إذا تَفَتَّق. ومن الباب البأْزَلَة وهي المِشْيَةُ السريعة؛ لأن المُسْرِع مُفتِّح في مِشْيته. قال:

* فأدْبَرَتْ غَضْبَى تَمَشَّى البازَلَهْ([2]) *

والأصل الثاني قولهم أمر ذو بَزْل أي شِدَّة. قال عمرو بن شأسٍ:

يفلِّقْنَ رَأْسَ الكَوكَبِ الفَخْمِ بعدما*** تَدُور رَحَى المَلْحاءِ في الأمْرِ ذِي البَزْلِ([3])

ومن هذا قولهم: فلان نَهّاضٌ ببزْلاءَ، إذا كان محتملاً للأمور العِظام. وقال قوم، وهو هذا الأصل: ذو بزْلاء، أي ذو رأي. أنشد أبو عُبيد([4]):

إني إذا شغلَتْ قوماً فُروجهُم *** رَحْبُ المسالِكِ نهَّاضٌ ببَزْلاءِ

(بزم) الباء والزاء والميم أصلٌ واحد: الإمساك والقَبْض. يقال بَزَم على الشيءِ إذا قَبَض عليه بمُقَدَّم فيه. والإبزيم عربيٌّ فصيح، وهو مشتق من هذا. والبَزيم فَضْلَة الزّادِ، سُمِّيت بذلك لأنه أُمْسِكَ عن إنفاقها.

(بزو) الباء والزاء والواو أصلٌ واحد، وهو هيئةٌ من هيئات الجسم في خروجِ صدرٍ، أو تَطَاوُلٍ، أو ما أشبه ذلك. يقال للرّجُل الذي دَخلَ ظهْرُهُ وخرَجَ صَدْرُه: هو أَبْزَى. قال كثَيِّر:

* من القَومِ أَبْزَى مُنْحنٍ مُتَباطِنُ([5]) *

وقال قومٌ: تبازَى إذا حرَّكَ عَجُزَه في مِشْيَته. قال أبو عُبيد: الإبْزَاء أن يرفع الإنسان مُؤَخَّره، يقال منه أَبْزَى يُبْزِي. والبَازِي يَبْزُو في تطاوله، أو إيناسه، وقد يقال له البازُ بلا ياءٍ في ضرورة الشِّعر: قال عنترةُ يذكر فَرَساً:

كأنَّهُ بازُ دَجْنٍ فَوقَ مَرْقَبَةٍ *** جَلاَ القَطَا فهو ضاري سَمْلَقٍ سَنِقُ([6])

البازي في الدَّجْن أشدُّ طَلبَاً للصّيد، ضَاري سَمْلق، أي مُعتادٌ للصَّيد في السَّملق، وهي الصحراء. سَنِق: بَشِمٌ([7]). وأظنُّ أنا أنّ وصْفَه إيّاه بالبَشَمِ ليس بجيِّد. ويقولون: أخَذْتُ من فُلانٍ بَزْوَ* كذَا، أي المبلغ الذي يبلغه ويرتَفع إليه. وربما قالوا أبزَيْتُ بفُلانٍ إذا بَطَشْتَ به؛ وهو من هذا لأنّه يَعلُوه ويَقْهَرُه.

(بزخ) الباء والزاء والخاء أصلٌ يقْرُب من الذي قبلَه. والبَزَخ خروج الصّدْرِ ودُخولُ الظَّهر؛ يقال رجلٌ أبزَخُ وامرأةٌ بَزْخاء. وتبازَخَتْ له المرأةُ، إذا حَرّكَتْ عَجُزَها في مِشْيَتِها.

(بزر) الباء والزاء والراء أصلان: أحدهما شيءٌ من الحبوب، والأصل الثاني من الآلات التي تستعمل عند دقِّ الشيء.

فأمّا الأوّل فمعروف. قال الدُّرَيديُّ: وقول العامّة بَزْرُ البَقْلِ خطأ، إنما هو بَذْر. وفي الكتاب الذي للخليل: البَزْر كلُّ حبٍّ يُبذَر، يقال بَذَرتُهُ وبَزَرْتُ القِدْرَ بأَبزارِها.

والأصل الثاني: البَيْزَرَة خشَبة القَصّار التي يدُقّ بها، ولذا قال أوس:

* بأيديهم بيازيرُ([8]) *

ويقال بَزَرْته بالعَصَا إذا ضربْتَهُ بها.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "ندرها"، صوابه من اللسان (بزق).

([2]) البيت لأبي الأسود العجلي، كما في اللسان (بأزل، شهل) والهمزة فيه مسهلة. وقبل البيت:

* قد كان فيما بيننا مشاهله *

([3])البيت في اللسان (13: 65) والمجمل. في الأصل: "يقلقلن"، وصوابه في اللسان والمجمل.

([4]) في الأصل: "قال أبو عبيد".

([5]) صدره كما في اللسان (18: 78): *رأتني كأشلاء اللجام وبعلها *

([6]) هذا ما يقتضيه تفسيره بعده. ورواية اللسان (7: 18): "سملق سلق" باللام وبكسر الروي. والسلق، بالتحريك: القاع الصفصف، كالسملق.

([7]) في الأصل: "بشر".

([8]) البيت بتمامه كما في ديوان أوس ص8:

نكبتها ماءهم لما رأيتهم  *** صهب السبال بأيديهم بيازير

 

ـ (باب الباء والسين وما يثلثهما)

(بسط) الباء والسين والطاء أصلٌ واحدٌ، وهو امتِدادُ الشَّيء، في عِرَض أو غير عِرَض. فالبِساط ما يُبْسط. والبَسَاط الأرض، وهي البسيطة. يقال مكان بَسِيطٌ وبَساط. قال:

ودونَ يَدِ الحَجّاج مِن أنْ تنالَني  *** بَسَاطٌ لأيْدي النّاعِجاتِ عريضُ([1])

ويَدُ فلانٍ بِسْطٌ، إذا كان مِنْفَاقا، والبَسْطة في كلّ شيء السَّعَة وهو بسيط الجسْم والباعِ والعِلْم. قال الله تعالى: {وَزَادَهُ بَسْطَةً فِي العِلْمِ والجِسْم} [البقرة 247]. ومن هذا الأصل وإليه يرجع، قولُهم للنّاقة التي خُلِّيت هي ووَلَدَها لا تُمنَع منه: بُِسْط.

(بسق) الباء والسين والقاف أصلٌ واحد، وهو ارتفاع الشيء وعُلُوُّه. قال الخليل: يقال بَسَقَتِ النّخلةُ بُسُوقاً إذا طالَتْ وكَمُلَتْ. وفي القرآن: {والنَّخْلَ بَاسِقَاتٍ} [ق 10]، أي طويلات.

قال يعقوب: نخلةٌ باسقة ونَخيلٌ بواسِقُ، المَصْدر البُسُوق. قال: ويقال بَسَق الرّجل طَالَ، وبَسَق في عِلْمه عَلا.

أبو زَيْدٍ عن المنْتَجِع بن نَبْهان: غَمَامَةٌ باسِقَةٌ أي بيضاءُ عالية. وبواسِق السَّحاب أعالِيه.

فإن قال قائل: فقد جاء بَسق، وليس من هذا القياس. قيل لـه: هذا ليس أصلاً: لأنّه من باب الإبدال، وذلك أنّ السين فيه مَقام الصّاد والأصل بَصَق ثمّ حُمِل على هذا شيءٌ آخر، وهو قولهم أبْسَقَت الشّاةُ فهي مُبْسِقٌ إذا أنْزلَتْ لبناً مِنْ قَبْلِ الولادةِ بشَهْرٍ وأكثرَ من ذلك فيُحْلَب. وهذا إذا صَحَّ فكأنّها جاءت ببُساقٍ، تشبيهاً لـه ببُساق الإنسان. والدّليل على ذلك أنهم يقولون: الجارية وهي بِكْرٌ، يصير في ثدْيها لبَنٌ، فهل ذلك إلاّ كالبُساق.

قال أبو عُبيدة: المِبْساق التي تَدِرُّ قبل نِتاجها. وأنشَدَ- وأكثَرُ ظَنِّي أنّ هذا شعرٌ صنَعَه أبو عبيدة- :

ومُبْسِق تُحْلَبُ نِصْفَ الحَمْلِ *** تدُرُّ من قبل نِتاجِ السَّخْلِ

(بسل) الباء والسين واللام أصلٌ واحد تتقارب فُروعُه، وهو المنْع والحبس، وذلك قولُ العرب للحرام: بَسْلٌ. وكلُّ شيءٍ امتَنَع. فهو بَسْلٌ. قال زُهير:

* فإن تُقْوِيا مِنْهُمْ فإنهُمُ بَسْلُ([2]) *

والبَسالة الشّجاعة من هذا؛ لأنّها الامتناع على القِرْن. ومن هذا الباب قولهم: أَبْسَلْتُ الشّيءَ أسلمتُهُ للهَلَكَةِ. ومنه أَبْسَلْتُ وَلَدِي رهنْتُه. قال الله تعالى: {أُولئِكَ الّذِينَ أُبْسِلُوا بِمَا كَسَبُوا} [الأنعام 70]. ثُمّ قالَ عوفُ بنُ الأحوص([3]):

وإبسالي بَنِيَّ بِغَيْرِ جُرْمٍ *** بَعَوْنَاهُ ولا بِدَمٍ مُرَاقِ([4])

وأما البُسْلَةُ فأُجرة الرّاقِي، وقد يُرَدُّ بدقيقٍ من النّظر إلى هذا([5]). والأحسنُ عندي أن يقال هو شاذٌ عن معظم الباب. وكان ابنُ الأعرابي يقول: البَسَل الكرِيه الوَجْه([6])؛ وهو قياسٌ صَحيحٌ مطّرِدٌ على ما أصَّلْناه.

(بسم) الباء والسين والميم أصلٌ واحد، وهو إبداء مُقَدَّم الفَم لمسَرّة؛ وهو دون الضَّحِك يقال بَسَم يَبْسِم وتَبَسَّم وابْتَسَم.

(بسأ) الباء والسين* والهمزة أصلٌ واحدٌ، وهو الأُنْس بالشّيء، يقال بَسَأْتُ به وبَسِئْتُ أيضاً. وناقة بَسُوءٌ لا تَمْنَع الحالِب.

(بسر) الباء والسين والراء أصلان: أحدُهما الطَّراءة وأن يكون الشّيءُ قَبْل إناه. والأصل الآخر وُقوف الشّيءِ وقِلَّةُ حَرَكته.

فالأوّل قولهم لِكلِّ شيءٍ غَضٍّ بُسْرٌ؛ ونباتٌ بُسْرٌ إذا كان طَرِيّاً. وماءٌ بُسْرٌ قريبُ عَهْدٍ بالسَّحاب. وابتَسَرَ الفَحْلُ النّاقةَ إذا ضَرَبَها على غيرِ ضَبَعَة. ويقال للشّمس في أوّل طُلوعِها بُسْرة. ومن هذا قولُهمْ بَسَر الرّجُل الحاجةَ إذا طَلَبها مِن غير مَوْضِع الطَّلَب. وقياسُه صحيح، لأنّه كأنّه طلبَها قبل إناها([7]). والبَسْر ظَلْمُ السِّقَاء، وذلك شُرْبُه قبل رَوْبه.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت للعديل بن الفرخ كما في حماسة ابن الشجري 199 واللسان (بسط).

([2]) صدره كما في ديوانه 101:

* بلاد بها نادمتهم وعرفتهم *

([3]) وكذا وردت العبارة في المجمل (بل).

([4]) أنشده في اللسان (13: 57) برواية: "بدم قراض". ثم قال: "وفي الصحاح: بدم مراق". وأنشده في اللسان (18: 80) برواية: "بغير بعو – جرمناه ولا بدم مراق" وفي الجمهرة (1: 317): "يصف أنه رهن بنيه في حرب كانت بينه وبين قوم آخرين". يقال بعى الذنب يبعاه ويبعوه بعواً اجترمه واكتسبه. وقال ابن بري: "البيت لعبد الرحمن بن الأحوس". وسيأتي البيت في مادة (بعو).

([5]) في الأصل: "وقد يرد بدقيق من النظر أن يرد إلى هذا".

([6]) البسل، بالتحريك، كما ضبط في الأصل، وكما نبه عليه في تاج العروس. ويقال أيضاً في معناه باسل وبسيل.

([7]) في الأصل: "إناه".


ـ (باب الباء والشين وما يثلثهما)

(بشع) الباء والشين والعين أصلٌ واحد وهو كرَاهَةُ الشّيء وقلَّةُ نُفوذه.

قال الخليل: البَشَع طَعْمٌ كَرِيهٌ فيه جُفوفٌ ومَرارةٌ كطعم الهَلِيلَج البشعة. قال: ويقال رجل بَشِعٌ وامرأةٌ بشِعة، وهو الكريهُ ريحِ الفمِ مِن أنّه لا يتخلَّلُ ولا يَسْتَاك. والمصدَر البَشَع والبشَاعة. وقد بَشِعَ يَبْشَعُ بَشَعاً. والطعام البَشِع الذي لا يَسُوغ في الحَلْق.

قال ابنُ دُريد: البَشَع تَضَايُق الحَلْق بالطّعام الخَشِن. قال ابنُ الأعرابيّ: البَشِع الذي لا يَجُوز. يقال بَشِعَ الوَادِي بالناس، إذا كَثُروا فيه حَتّى يَضِيقَ بهم. وأنشد:

إذا لقِيَ الغُصُونَ انْسَلَّ منها *** فلا بَشِعٌ ولا جافٍ جَفُوفُ

قال الدُّريديّ: بَشِعت بهذا الأمر، أي ضِقْتَ به ذَرْعاً. قال النّضْر: نَحَتُّ مَتْنَ العُودِ حتى ذهب بَشَعُه، أي أُبَنُه. قال الضّبّيّ: الطعام البَشِع الغليظ الذي ليس بمنخولٍ، فلا يَسُوغ في الحَلْق خُشونةً.

(بشك) الباء والشين والكاف أصلٌ واحد، ومنه يتفرَّع ما يقرُبُ من الخِفّة. يقال ناقةٌ بَشَكَى، أي سريعة. ويقال امرأةٌ بَشَكَى عَمُولٌ. وابتشَكَ فُلانٌ الكَذِبَ إذا اخْتَلَقَهُ. وبَشَكْتُ الثوب قَطَعْتُه. وكلُّ ذلك من البَشْكِ في السَّير وخفّة نَقْل القوائم.

(بشم) الباء والشين والميم أصلٌ واحد، وهو جنسٌ من السّآمةِ لمأكولٍ ما، ثم يُحْمَل عليه غيرُه. يقال بَشِمْتُ من الطّعام، كأنّك سَئِمْتَه. قال الخليل: البَشَم يُخَصُّ به الدَّسَم. قال: ويقال في الفَصِيل([1]): بَشِم مِن كَثْرَة شُرْبِ اللَّبن.

وممّا شذّ عن الأصل البَشَامُ، وهو شجَرٌ.

(بشر) الباء والشين والراء أصلٌ واحد: ظهور الشّيء مع حُسْنٍ وجمال. فالبَشَرة ظاهِرُ جِلْد الإنسان، ومنه باشَرَ الرّجُلُ المرأةَ، وذلك إفضاؤه بِبَشَرتِه إلى بَشَرتها. وسُمِّيَ البَشَرُ بَشَراً لظُهورِهم. والبَشِير الحَسَنُ الوَجْه. والبَشَارة، الجَمَال. قال الأعشى:

ورَأتْ بأنَّ الشَّيْبَ جا *** نَبَهُ البَشَاشَةُ والبَشارَهْ([2])

ويقال بَشَّرْتُ فُلاَناً أُبَشِّرُهُ تَبشيراً، وذلك يكون بالخَيْر، وربما حُمِل عليه غيره من الشّرّ، وأظن ذلك جنساً من التَّبكيت. فأمّا إذا أُطلِقَ الكلامُ إطلاقاً فالبِشارة بالخير والنِّذارةُ بغَيرِه يقال أبْشَرَتِ الأرضُ إذا أخرَجَت نباتها. ويقال ما أحسنَ بَشَرَةَ الأرض. ويقال بَشَرْتُ الأديمَ إذا قَشَرْتَ وجْهَه. وفلانٌ مُؤْدَمٌ مُبْشَرٌ، إذا كان كاملاً من الرّجال، كأنّه جَمَع لِينَ الأَدَمَةِ وخُشونَةَ البَشَرة. ويقال إن بحنة ([3]) بن ربيعة، زوّج ابنته فقال لامرأته:  "جَهِّزِيها فإنّها المؤْدَمَة المُبْشَرَة"([4]).

وحكى بعضُهم أبْشَرْتُ الأدِيمَ، مثل بَشَرْتُ. وتَبَاشِير الصُّبحِ أَوَائلُه؛ وكذلك أوائِلُ كلِّ شيءٍ. ولا يكونُ منه فِعْل. والمُبَشِّرَاتُ الرّياح التي تُبَشِّرُ بالغَيْثِ.

ـــــــــــــــ

([1]) الفصيل: ولد الناقة. وفي الأصل: "الفصل".

([2])البيت في ديوان الأعشى 113 واللسان (5: 128).

([3]) في الأصل: "بحبة" وأثبت ما في اللسان (5: 126).

([4]) في الأصل: "فإنك المؤدمة". وفي اللسان: "ابنتك المؤدمة".

 

ـ (باب الباء والصاد وما يثلثهما)

(بصط) الباء والصاد والطاء ليس بأصلٍ، لأنّ الصاد فيه سين في الأصل. يقال بَصَط* بمعنى بسط، وفي جسم فلان بَصْطة مثل بَسْطة.

(بصع) الباء والصاد والعين أصلٌ واحد، وهو خُروج الشّيء بشدّةٍ وضِيق. قال الخليل: البَصْع الخَرْق الضيِّق الذي لا يكاد الماءُ ينفُذُ منه، يقال بَصَعَ يَبْصَعُ بَصاعةً. قال الخليل: ويقال تَبَصَّعَ العَرَقُ من الجَسَدِ إذا نبَعَ من أُصول الشَّعَر قليلاً.

قال الدُّرَيديّ: بَصَعَ العَرَقُ إذا رَشَحَ. وذكرَ أنّ الخليل كان يُنشِد:

تأبى بِدِرَّتها إذا ما اسْتُكْرِهَتْ *** إلاّ الحَمِيمَ فإنّه يتبَصَّعُ([1])

بالصاد، يذهب إلى ما ذكرناه. والذي عليه الناس الضّاد، وهو السَّيَلان. وقال الدُّرَيديّ: البَصِيع العَرَق بعَيْنه. ومما شَذَّ عن هذا الأصل [بصعٌ، أي] شيءٌ. يُحكى عن قُطْرُب: مضى بِصْعٌ من اللَّيل، أي شيء منه.

(بصق) الباء والصاد والقاف أصلٌ واحدٌ يشارك الباء والسين والقاف، والأمرُ بينهما قريبٌ. يقال بَصَقَ بمعنى بَزَقَ وبَسَقَ. قال الخليل: وهو بالصّاد أحْسَن. والاسم البُصاق.

قال أبو زياد: يقال أبصَقَتِ الشّاةُ، وإبصاقُها أن تُنزل اللّبنَ قبلَ الوِلادِ فيكونَ في قرارِ ضَرْعِها شيء من لَبَن وما فَوْقَه خالٍ. قال: وذلك من الشّاةِ على قِلَّةِ اللّبن إذا وَلَدَتْ. قال: ومَبَاصِيق الغَنَم تُنْتَجُ بعد إنزال اللّبن بأيّامٍ كثيرة، ولا يكونُ لبنُها إلاّ في قَرارِ الضَّرْع وطَرَفه.

قال بعضُهم: بصَقْتُ الشّاةَ حلبتُها وفي بطنها وَلَدٌ. قال: والبَصُوق أَبْكأُ الغَنم وأقلُّها لبناً. قال الدّرَيْدِيّ: بُصاقُ الإبل خِيارُها، الواحد والجميعُ سَواء. فأما قولُهم للحَجَر الأبيض الذي يتلألأُ: بُصاقَةُ القمر، وبَصْقَة القمر، فمُشَبّهٌ بِبُصاقِ الإنسان. والبُصاق: جِنسٌ من النَّخلِ، وكأنّه مِن قِياس البُساق. وهو في بسق([2]).

(بصل) الباء والصاد واللام أصلٌ واحدٌ. والبصل معروف، وبه شَبَّهَ لَبيدٌ البَيضَ فقال:

فَخْمَةٌ ذَفْرَاءَ تُرْتَى بالعُرَى  *** قُرْدُمانِيّاً وتَرْكاً كالبَصَلْ([3])

(بصر) الباء والصاد والراء أصلان: احدهما العِلْمُ بالشيء؛ يقال هو بَصِيرٌ به. ومن هذه البَصيرةُ، والقِطعةُ من الدّمِ إذا وقعت بالأرض استدارت. قال الأشعر:

راحُوا بَصَائرُهُمْ على أكتافِهِمْ  *** وبَصيرتي يَعْدُو بها عَتَدٌ وَأَى([4])

والبَصيرة التُّرْس فيما يُقال. والبَصيرةُ: البُرْهان. وأصل ذلك كلِّه وُضُوحُ الشيء. ويقال رَأَيْتُه لَمْحاً باصراً، أي ناظراً بتحديقٍ شديد. ويقال بَصُرْتُ بالشيءِ إذا صِرْتَ به بصيراً عالماً، وأبْصَرتُه إذا رأيتَه.

وأمّا الأصل الآخَر فبُصْر الشَّيْءِ غلَظُه. ومنه البَصْرُ، هو أن يضمَّ أدِيمٌ إلى أديم، يخاطانِ([5]) كما تُخاطُ حاشِيَةُ الثّوبِ. والبَصيرةُ: ما بينَ شُقتي البيت، وهو إلى الأصل الأول أقرب. فأمّا البَصْرَةُ فالحجارة الرِّخوة، فإذا سقطت الهاء قلت بِصْر بكسر الباء، وهو من هذا الأصل الثاني.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوان الهذليين 17 واللسان (بصع)، والجمهرة (1: 296).

([2]) في الأصل: "بسقت".

([3]) البيت في ديوانه 15 طبع فينا 1881، واللسان (ذفر، رتى، قردم، ترك، بصل). وسيأتي في (ترك، عرو).

([4])البيت من قصيدة للأسعر، هي في أول الأصمعيات. وانظر اللسان (بصر، عتد، وأي).

([5]) في الأصل: "يخلطان".


ـ (باب الباء والضاد وما يثلثهما)

(بضع) الباء والضاد والعين أصولٌ ثلاثة: الأوّل الطائفة من الشّيء عضواً أو غيره، والثاني بُقْعة، والثالث أن يشفى شيء بكلامٍ أو غيره.

فأمّا الأول فقال الخليل: بَضَعَ الإنسانُ اللّحْمَ يبْضعُهُ بضْعاً و[بضّعَه] يبضّعُه تبْضيعاً، إذا جَعَلَه قِطَعاً. والبَضْعة القِطْعة وهي الهَبْرَة. ويقولون: إنّ فلاناً لَشَديدُ البَضِيع والبَضْعة، إذا كانَ ذا جسمٍ ولحمٍ سمينٍ. قال:

* خَاظي البَضيعِ لحمُهُ خَظَا بَظَا([1]) *

قال: خَاظي البَضِيع شَدِيدُ اللّحم. وقال يعقوب: البَضِيع من اللحم جمع بَضْع، كقولك عَبد وعَبيد. فأمّا الباضِعة فهي([2]) القِطعة من الغنَم، يقال فِرْقٌ بَواضِعٌ. قال الأصمعيّ: البَضْعةُ قطعةٌ من اللّحم مجتمعة، وجمعها بِضَع، كما تقول بَدْرَة وبِدَر، وتجمع على بَضْعٍ أيضاً([3]). قال زُهير:

دماً عِنْدَ شِلْوٍ تَحْجُِلُ الطَّيْرُ حَوْلَهُ *** وبَضْعَ لِحَامٍ في إهابٍ مقَدَّدِ([4])

ومن هذا قولهم: بضَعْتُ الغُصنَ أبْضَعُه، أي قطعْتُه. قال أوس:

ومبضوعةً مِنْ رَأْسِ فَرْعٍ شَظِيَّةً  *** بِطَوْدٍ تَرَاهُ بالسَّحَابِ مُكَلَّلا([5])

فأمّا المُباضَعَة التي هي المباشَرَة فإنّها من ذلك، لأنّها مُفاعَلةٌ من البُضْعِ، وهو من حَسَن الكِنايات.

قال الأصمعيّ: باضَعَ الرّجُلُ امرأتَه، إذا جامَعَها، بِضَاعاً. وفي المثل: "كمعَلّمةٍ أُمَّها البِضَاعَ" يُضْرَبُ للرّجل يعلّمُ من هو أعْلَمُ منه. قال: ويقال فلانٌ مالِكُ بُضْعِها، أي تزْوِيجها. قال الشاعر:

يا ليتَ ناكِحَها ومَالِكَ بُضْعِها *** وبَني أبِيهم كلَّهُمْ لم يُخْلَقُوا

قال ابن الأعرابيّ: البُضْع النِّكاح، والبِضاع الجِماع.

وممّا هو محمولٌ على القياس الأوّلِ بضاعةُ التّاجر مِن ماله طائفةٌ منه. قال الأصمعيّ: أبضَعَ الرّجلُ بِضاعة. قال: ومنه قولهم: "كمُسْتَبضِع التّمر إلى هَجَر" يُضرَب مثلاً لمن يَنْقُل الشيءَ إلى مَن هو أعْرَفُ به وأقدر عليه. وجمع البِضاعة بضاعات وبضائع.

قال أبو عمرو: الباضع الذي يَجْلِب بَضائِعَ الحيِّ. قال الأصمعي: يقال اتّخَذَ عِرضَه بِضاعةً، أي جعله كالشيءِ يُشتَرى ويُباع، وقد أفصَحَ الأصمعيُّ بما قُلناه، فإنّ في نصِّ قوله: إنما سمِّيت البضاعةُ بضاعةً لأنها قطعة من المال تُجْعَل في التِّجارة.

قال ابنُ الأعرابيّ: البضائع كالعلائق، وهي الجَنائب تُجنَب مع الإبل. وأنشد:

احمِلْ عليها إنها بَضائِعُ *** وما أضاعَ اللهُ فَهْوَ ضائِعُ

ومثله:

أرْسَلَها عَلِيقَةً وما عَلِمْ  *** أنَّ العَلِيقاتِ يُلاقِينَ الرَّقَمْ([6])

ومن باب الأعضاء التي هي طوائفُ من البَدَن قولُهم الشَّجَّة الباضِعة، وهي التي تشُقُّ اللَّحم ولا تُوضِح عن العَظْم. قال الأصمعيّ: هي التي تشقّ اللحم شقّاً خفيفاً. ومنه حديث عمر "أنه ضرب الذي أقْسَمَ على أُمِّ سلَمةَ أنْ تُعْطِيَه، فضَرَبَهُ أدباً له ثلاثين سوطاً كلها تَبْضَعُ وتحدُرُ"، أي تشقُّ الجِلْد وتَحْدُرُ الدّمَ.

ومن هذا الباب البِضْعُ من العَدَد، وهو ما بين الثلاثةِ إلى العشرة. ويقال البِضْع سَبعة. قالوا: وذلك تفسير قوله تعالى: {بِضْعَ سِنِينَ} [يوسف 42]. ومن أمثالهم: "تُشْرِط البِضاعَةُ"، يقول: إذا احتاج بَذَلَ بِضاعَتَه وما عنده.

وأما البُقعة فالبُضَيْع بلدٌ، قال فيه حسَّان:

أسألْتَ رَسْمَ الدّارِ أم لم تَسألِ *** بَيْنَ الجَوابي فالبُضَيْعِ فحَوْمَلِ([7])

وباضع: موضع. وبَضِيع: جَبَل. وهو في شعر لبيد. والبَضيع البحر. قال الهذلي([8]):

فَظَلَّ يُرَاعي الشَّمْسَ حَتى كأنّها  *** فُوَيقَ البَضِيعِ في الشُّعاعِ خَمِيلُ([9])

وقال الدّرَيدي: البَضِيع جزيرةٌ تقطع من الأرض في البحر([10]). فإنْ كان ما قاله ابنُ دريدٍ صحيحاً فقد عاد إلى القياس الأوّل.

وأما الأصل الثالث فقولهم: بَضَعْتُ من الماء: رَوِيتَ منه. وماءٌ بَضِيعٌ أي نَمِير.

قال الأصمعيّ: شربَ فلانٌ فما بَضَعَ، أي مارويَ. والبَضْع الرِّيّ. قال الشيبانيّ: بَضَعَ بُضُوعاً، كما يقال نَقَع.

 

ــــــــــــــ

([1]) البيت للأغلب، كما في اللسان (18: 79). وقد أنشده في (بضع) بدون نسبة. وروي البيت الألف لا الظاء، فإن بعده كما في الجمهرة (1: 301/ 3: 208). * يمشي على قوائم له زكا *

([2]) في الأصل: "وهي".

([3]) وبضعات أيضاً، كما يقال تمرة وتمر وتمرات.

([4]) البيت في ديوانه 227 واللسان (بضع). وقبله:

أضاعت فلم تغفر لها غفلاتها  *** فلاقت بياناً عند آخر معهد

([5]) البيت في ديوان أوس 21، وصدره في اللسان (بضع 360).

([6]) الشطران في اللسان (12: 136/ 15: 141) وكذا فيما سيأتي في (علق) برواية: "وقد علم".

([7])البيت في ديوان حسان 207 واللسان (بضع).

([8]) هو أبو خراش الهذلي كما في اللسان (بضع، خمل) وديوان الهذليين ص67 مخطوطة الشنقيطي.

([9]) في الأصل: "جميل" صوابه بالخاء، كما في ديوان الهذليين واللسان. وإنشاده في الديوان وفي اللسان (بضع): "فلما رأين الشمس صارت". وفي اللسان (خمل): "وظلت تراعي الشمس".

([10]) انظر الجمهرة (1: 301) وأنشد ابن دريد في ذلك لأبي خراش الهذلي:

سئد تجرم في البضيع ثمانيا *** يلوي بغيقات البحور ويجنب


ـ (باب الباء والطاء وما يثلثهما)

(بطغ) الباء والطاء والغين ([1]) أصلٌ واحد، وهو التلطُّخ بالشيء. قال الراجز([2]):

* لَولا دَبُوقاءُ استِهِ لم يَبْطَغِ *

(بطل) الباء والطاء واللام أصلٌ واحد، وهو ذَهاب الشيء وقِلَّة مُكثه ولُبْثه. يقال بَطَلَ الشيءُ يَبطُل بُطْلاً وبُطُولاً. وسُمِّي الشيطانُ الباطلَ لأنه لا حقيقةَ لأفعاله، وكلُّ شيءٍ منه فلا مَرْجُوعَ لـه ولا مُعَوَّلَ عليه. والبَطَل الشُّجاع. قال اصحب هذا القياس ([3]) سُمّي بذلك لأنه يُعرِّض نَفْسَه للمتالف. وهو صحيحٌ، يقال: *بَطَلٌ بيِّنُ البُطولة والبَطالة. وقد قالوا: امرأةٌ بَطَلَةٌ. فأمّا قولهم في المَثَل: "مُكرَهٌ أخوكَ لا بَطَل" فقد اختُلِفَ فيه. قال قوم: المثل لجَرْول ابن نَهْشلِ بن دارم، وكان جباناً ذا خَلْقٍ كامل، وأنَّ حَيّاً من العرب غَزَا بني دارم فاقتَتَلُوا هم وبنُو دارمٍ قتالاً شديداً، حتى كثُرتِ القَتْلى، وجاء جَرْوَلٌ فرأى رجلاً يَسُوقُ ظعِينةً فلما رآه الرّجل خَشِيهُ لكمالِ خَلْقِه، وهو لا يعرفه، فقال جَرول: "أنا جَرْوَل بنُ نَهشَل، في الحَسَب المُرَفَّل([4])"، فعطَفَ عليه الرّجلُ وأخذَهُ وكَتفَه وهو يقول:

إذا ما رأيت امرأً في الوغى  *** فذكِّرْ بنفسك يا جرولُ

حتى انتهى به إلى قائِد الجيش، وقد كان عَرفَ جُبْنَ جرول، فقال: يا جَرْولُ، ما عَهدْناك تُقاتل الأبطال، وتُحبُّ النِّزال! فقال جرول: "مُكرَهٌ أخُوكَ لا بَطَلٌ".

وقال قوم: بل المَثل لِبَيْهَس، وقد ذكر حديثُه في غير هذا الباب بطُوله.

ويقال رجل بطَّالٌ بيِّن البَطالة.وذَهَبَ دمُه بُطْلاً، أي هَدَرا.

(بطن) الباء والطاء والنون أصلٌ واحدٌ لا يكاد يُخْلِف، وهو إنْسِيُّ الشيءِ والمقُبْلِ مِنه. فالبطن خِلافُ الظهر. تقول بَطَنْتُ الرّجلَ إذا ضربْتَ بَطنَه. قال بعضهم:

* إذا ضَرَبْتَ مُوقَراً فابْطُنْ لَهُ([5]) *

وباطِنُ الأمْرِ دَُِخْلَته، خلافُ ظاهِرِه. والله تعالى هو الباطنُ؛ لأنه بَطَن الأشياءَ خُبْراً. تقول: بطَنْتُ هذا الأمْرَ، إذا عرفْتَ باطنَه. والبَطِين: الرّجُل العظيم البَطْن. والمَبْطُون العَليل البَطْن. والمِبْطان: الكثيرُ الأكْل. والمُبْطِن الخَميصُ البَطْن. والبُطْنانُ بُطْنانُ القُذَذ. والبَطنُ من العرب دونَ القَبيلة. والبُطَيْنُ نجْمٌ، يقال إنه بطْنُ الحَمَل([6]).والبِطان بِطان الرَّحْل، وهو حِزامهُ، وذلك أنه يلي البَطنَ.

ومن هذا الباب قولُهم لِدُخَلاء الرّجُل الذين يَبْطُنُون أمْرَه: هم بِطانَتُه. قال الله تعالى: {لا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِنْ دُونِكُمْ} [آل عمران 118]. ويقال تبطَّنْتُ الكَلأَ، إذا جَوَّلْتَ فيه. قال:

قَدْ تَبَطَّنْتُ وتَحْتي جَسْرَةٌ *** حَرَجٌ في مِرْفَقَيْها كالفَتَلْ([7])

(بطأ) الباء والطاء والهمزة أصلٌ واحد وهو البُطْء في الأمر. أبطأ إبطاءً وبُطْأً([8])، ورجلٌ بَطِيءٌ وقومٌ بِطَاءٌ. قال:

ومبثوثةٍ بَثَّ الدّبا مُسَبْطرة  *** رددت على بِطَائها من سِراعِها

(بطح) الباء والطاء والحاء أصلٌ واحد، وهو تبسُّطُ الشيءِ وامتدادُه. قال الخليل: البَطْحُ من قولك بَطَحَه على وَجْهه بَطْحاً. والبطحاء: مَسِيلٌ فيه دُقاق الحَصَى، فإذا اتَّسع وعَرُض سُمّي أبطَح. قال ذو الرُّمَّة:

كأنَّ البُرَى والعَاجَ عِيجَتْ مُتُونها *** على عُشَرٍ نَهَّى به السَّيْلَ أَبطَحُ([9])

وقال في التبطح:

إذا تَبَطَّحْنَ على المَحامِلِ  *** تَبَطُّحَ البَطِّ بجَنْبِ السَّاحلِ([10])

وتبطَّح السَّيْلُ إذا سالَ سَيْلاً عريضاً. قال ذو الرُّمّة:

ولا زَالَ مِنْ نَوْءِ السِّماكِ عليكُما *** ونوء الزُّبانَى وابِلٌ متبطِّحُ([11])

قال ابنُ الأعرابي: الأبطح أَثرُ السَّيل واسعاً كان أو ضيِّقاً، والجمع أباطح.

قال أهلُ العربيّة: [جُمِعَ] جَمْعَ الأسماء التي جاءت على أفعل، نحو الأحامد والأساود، وذلك لغلبته على المعنى، حتى صار كالاسم. قال الخليل: البَطيحة ما بين واسط والبَصْرة ماءٌ مستَنْقِعٌ لا يُرى طَرَفاه من سَعَتِه، وهو مَغِيض دِجلَة والفُرات([12]). وبَطْحاءُ مَكَّة مِنْ هذا. قال الدّرَيديّ: قُريش البِطاح الذين يَنزِلُون بَطحاءَ مكَّة، وقُريشُ الظَّواهِرِ الذين يَنْزِلون ما حَوْلَ مَكَّة. قال:

فلو شَهِدَتْني مِن قُريشٍ عِصابةٌ *** قُريشِ البِطاحِ لا قُريشِ الظَّواهِرِ([13])

قال: فيُسمَّى التُّراب البَطْحاء، يُقال دَعَا ببَطحا قشرها([14]). وأنشدَ:

شَرَّابَة لِلَبَنِ اللِّقاحِ *** حَلاَّلة بجَرَعِ البِطاحِ

قال الفرّاء: ما بيني وبينَه إلاّ بَطْحَة، يريد قامة الرّجُل، فما كان بينَك وبينَه في الأرض قيل بَطْحة، وما كان بينَك وبينه في شيءٍ مرتفع فهو قامة. والبُطاح مَرَضٌ شَبيهٌ([15]) بالبِرْسام وليس* به؛ يقال هو مَبْطُوحٌ.

(بطخ) الباء والطاء والخاء كلمةٌ واحدة، وهو البِطِّيخ وما أُرَاها أصلاً، لأنّها مقلوبة من الطِّـبِّيخ([16])، وهذا أَقْيَس وأحْسَن اطراداً. وقد كتب في بابه.

(بطر) الباء والطاء والراء أصلٌ واحد وهو الشَّقُّ. وسُمّي البيطار لذلك. ويقال له أيضاً المُبَيْطِر. قال النَّابغة:

شَكَّ الفَرِيصَةَ بالمِدْرَى فأنْفَذَها  *** شَكَّ المُبَيْطرِ إذْ يَشْفِي من العَضَدِ([17])

فالعضَدُ داءٌ يأخُذُ في العَضُد.

ويُحمَل عليها البَطَر، وهو تجاوُزُ الحَدِّ في المَرَح.

وأما قولهم: ذهب دَمُه بَِطْراً، فقد يجوز أن يكون شاذّاً عن الأصل، ويمكن أن يقال إنّه شقَّ مَجْراه شقّاً فذهب، وذلك إذا أُهْدِر.

(بطش) الباء والطاء والشين أصلٌ واحد، وهو أخذ الشيء بقَهْر وغَلبةٍ وقُوّة. قال الله تعالى: {إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ} [البروج 12]. ويَدٌ باطشة.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "بطع، الباء والطاء والعين"، صوابهما بالغين.

([2]) هو رؤبة بن العجاج. انظر ديوانه 98 واللسان (بطغ، دبق). وروايته في الديوان واللسان (بدغ): "لم يبدغ".

([3]) كذا وردت هذه العبارة.

([4]) الترفيل: التسويد والتعظيم. وفي الأصل: "المرقل" بالقاف، تحريف.

([5]) بعده كما في اللسان (16: 199):

تحت قصيراه ودون الجله  *** فإن أن تبطنه خير لـه

يقول: إذا ضربت بعيرا موقرا بحمله فاضربه في موضع لا يضره، مثل بطنه.

([6]) الحمل: نجوم على صورة الحمل. وفي الأصل: "الجمل"، تحريف.

([7]) البيت للبيد في ديوانه 11 طبع فينا سنة 1881. وعجزه في اللسان (فتل). والكلمة الأولى من البيت ساقطة في الأصل.

([8]) في الجمهرة: "أبطأ يبطئ إبطاء، والاسم البطء يا هذا".

([9]) البيت في ديوان ذي الرمة 81.

([10]) البيتان في اللسان (بطح).

([11]) البيت في الديوان 77 واللسان (بطح). والزبانى: واحد زبانيا العقرب، وهما كوكبان مفترقان يسقطان في زمان الصيف. وفي اللسان والديوان "ونوء الثريا". وانظر الأزمنة والأمكنة

(1: 193-311). وقبل البيت وهو مطلع القصيدة:

أمنزلتي مي سلام عليكما  *** على النأي والنائي يود وينصح

([12]) مثله في اللسان. وزاد "وكذلك مغايض ما بين بصرة والأهواز".

([13]) البيت في اللسان (بطح) والجمهرة (1: 225)، وقد نسب في معجم البلدان (2: 213) إلى ذكوان مولى مالك الدار.

([14]) كذا وردت هذه العبارة.

([15]) في الأصل: "تنبيه".

([16]) في اللسان: "والطبيخ بلغة أهل الحجاز البطيخ، وقيده أبو بكر بفتح الطاء".

([17]) في الأصل: "الفريسة"، صوابه في الديوان 20 واللسان (عضد، بطر) وما سيأتي في (عضد).


ـ (باب الباء والظاء وما يثلثهما)

(بظي) الباء والظاء والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو تمكُّن الشيء مع لينٍ ونَعْمَةٍ فيه. يقال بَظِيَ لَحْمُه اكتَنَزَ، ولَحْمه خَظا بَظا. ورُبّما قالوا خَظِيت المرأةُ وبَظِيت، وهو من ذلك الأصل، لكنّها فيما يقال دَخيل.‏

(بظر) الباء والظاء والراء أصلٌ واحدٌ لا يُقاس عليه. فالبُظَارة اللّحمة المتدلِّية من ضَرْع الشّاة، وهي الحَلَمَة. والبُظارة هَنَةٌ ناتئة من الشّفَةِ العُلْيا، لا تكونُ بكلِّ أحَدٍ. قال عليٌّ رضي الله عنه لشُريحٍ في فُتْيا: "ما تقولُ أنتَ أيُّها العَبْدُ الأبْظَر". والله أعلم.‏

 

ـ (باب الباء والعين وما يثلثهما)

(بعق) الباء والعين والقاف أصلٌ واحد، وهو شقُّ الشّيء وفَتْحُه. ثمّ يُتَّسَع فيه فيُحمَل عليه ما يقاربُه. قال الخليل: البُعَاقُ شدّة الصوت. والمطر البُعاق، بَعَق الوابلُ إذا انفتح فَجْأَةً. قال أبو زياد: البُعاق من الأمطار أشَدُّها، وقال أرضٌ مبعوقةٌ. قال: والانبعاقُ أن ينبَعِقَ عليك الشّيءُ فجأةً. وأنشد:

بينَمَا المرء آمِنٌ راعَه رَا *** ئِعُ حَتْفٍ لم يَخْشَ منه انبعاقَهْ([1])

ويقال: بعَقْتُ الإبلَ، أي نَحَرْتُها. وفي الحديث: "مَنْ هؤلاء الّذِين يَبْعَقُون لِقاحَنا" أي ينحرونها([2]). أصله من سَيلان الدّم.

قال أبو عليّ: البَعْق الشَّقُّ الذي يكون في أَلْيَة الحافر([3]). حكى بعضُ الأعراب: بَعَقْتُ فُلاناً عن الأمر بَعْقاً، أي مَزَّقْته وكَشَفْته.ومُنْبَعَق المَفَازةِ مُتَّسَعُها. وقال جَنْدَلُ الطُّهَويّ:

للرِّيحِ في مَبْعَقِها المَجْهُولِ  *** مَسَاحِبٌ مَيَّاسَةُ الذُّيُولِ

قال الضّبيّ في كَلامٍ: "كانت قِبَلَنَا ذِئْبةٌ مُجْرِيَةٌ، فأقْبَلَتْ هي وعِرْسُها([4]) ليلاً، فبَعَقا غَنَمَنا"، أي شقّقا بطونَها.

(بعك) الباء والعين والكاف أصلٌ واحد، يجمع التجمُّعَ والازدحامَ والاختِلاط. قال الدُّرَيديّ: البَعَك الغِلَظ في الجِسْم والكَزَازَة، ومنه اشتقاق بَعْكَكٍ، وهو رجلٌ من قُرَيش.

قال غيره: تركتُهُ في بَعْكُوكةِ القوم، أي مجتمع منازلهم، ونرى أنّه فتح الباء فقال فَعلولة، لأنّه أخرجه مُخْرَجَ المصادر، مثل سار سَيرورةً، وحادَ حَيدُودَةً، وقال قَيْلُولة. وأنشد:

يخرُجْنَ من بَعْكوكة الخِلاطِ *** وهُنَّ أَمْثَالُ السُِّرى الأَمْرَاطِ([5])

وأمَّا البَصريُّون فإنّهم يأبَوْنَ هذا البناءَ في المصادِر إلاّ للمعتَلاَّت. قال بعضُ العلماء: بُعْكوكة الشيء وَسَطه. قال عُبَيْدُ بنُ أيّوب:

ويا ربِّ إلاّ تَعْفُ عَنِّيَ تُلْقِني *** مِنَ النَّار في بُعْكوكها المُتَدَاني

ويقال وقع في بَعْكوكاءَ أي شرّ وجَلَبَة. قال الفَرَّاء: البَعْكُوكة ازدِحام الإبل في اجتماعِها، وقيل هي الجماعةُ منها، والجمع بَعَاكيك.

قال أبو زيد: الباعِكُ مِن الرّجال الهالِكُ حُمْقاً، وهو من ذلك الأصل لأنّهُ مُخْتَلِط.

(بعل) الباء والعين واللام أصولٌ ثلاثةٌ: فالأوّل الصاحب، *يقال للزَّوج بَعْل، وكانُوا يُسَمُّون بعضَ الأصنام بَعْلاً. ومن ذلك البِعالُ، وهو مُلاعَبَة الرّجلِ أهْلَه. وفي الحديث في أيام التشريق: "إنّها أيّامُ التّشْريق، إنّها أيّامُ أَكْلٍ وشُرْبٍ وبِعال". قال الحطيئة:

وكم مِن حَصَانٍ ذاتِ بَعْلٍ تَرَكْتَهَا  *** إذا اللّيْلُ أَدْجَى لَمْ تَجِدْ مَنْ تُبَاعلُهْ([6])

والأصل الثاني جِنْسٌ من الحَيْرة والدَّهَش، يقال بَعِلَ الرجُلَ إذا دَهِشَ. ولعلّ من هذا قولَهم امرأةٌ بَعِلةٌ، إذا كانت لا تُحسِنُ لُبْسَ الثِّياب.

والأصل الثالث البَعْل من الأرض، المرتَفِعة التي لا يُصِيبُها المطر في السنّةِ إلا مرّة واحدةً. قال الشَّاعر:

إذا ما عَلَوْنا ظَهْرَ بَعْلٍ عَريضةٍ  *** تَخَالُ عَلَينا قَيْضَ بَيضٍ مُفَلّق([7])

ومما يُحمَل على هذا الباب الثّالث البَعْل، وهو ما شَرِب بعُرُوقه من الأرض من غير سَقْي سَماءٍ، وهو في قوله صلى الله عليه وآله وسلم في صدقة النَّخْل: "ما شَرِبَ مِنْهُ بَعْلاً ففيه العُشْر". وقال ابنُ رَوَاحة:

هنالِكَ لا أبالي نَخْل سَقْيٍ *** ولا بَعْلٍ وإنْ عَظُمَ الإناءُ([8])

(بعو/ي) الباء والعين والواو والياء أصلان: الجناية وأخْذُ الشيء عارِيَّةً أو قَمْراً.

فالأصل الأوّل قولهم بَعَوْتُ أبْعُو وأَبْعَى، إذا اجْترَمْتَ. قال عوفُ ابنُ الأحوص:

وإبسالي بَنِيَّ بغَيْرِ جُرْمٍ *** بَعَونَاهُ ولا بِدَمٍ مُرَاقِ([9])

قالوا: ومِنه بَعَوْتُه بعَيني أي أَصبتُه.

والأصل الثّاني البَعْو. قال الخليل: هو العاريّة، يقال استَبْعَيْتُ منه، أي استعرت. وقال أيضاً البَعْوُ القَمْر، يقال بَعوْتُه بَعْواً أي أصبتُ مِنْه وقَمَرتُه. قال:

صَحَا القَلْبُ بعد الإلْفِ وارتَدَّ شَأْوُهُ *** وَرَدَّتْ عَلَيْهِ ما بَعَتْهُ تُمَاضِرُ([10])

قال الأصمعيّ: يقال أَبْعَيْتُ فلاناً فَرَساً، في معنى أخْبَلْتُه([11])، وذلك إذا أَعَرْتَه إيّاه ليغْزُوَ عليه. والاستبعاءُ أن يَستعِير الرَّجلُ فَرَساً من آخَرَ يسابِق عليه. يقال استبعَيتُه فأبْعَاني؛ وهو البَعْو. قال الكميت:

ليستَبْعِيا كَلْباً بَهِيماً مُخَزَّماً *** وَمَنْ يَكُ أَفْيالاً أُبُوَّتُهُ يَفِلْ

(بعث) الباء والعين والثاء أصلٌ واحد، وهو الإثارة. ويقال بعثْتُ النّاقةَ إذا أثَرْتَها. وقال ابنُ أحمر([12]):

فبعثْتُها تَقِصُ المقَاصِرُ بَعْدَما *** كَرَبَتْ حَياةُ النَّارِ للمُتَنَوِّرِ([13])

(بعج) الباء والعين والجيم أصل واحدٌ، وهو الشَّقّ والفَتْح. هذا والبابُ الذي ذكرناهُ في الباء والعين والقاف من وادٍ واحد، لا يكادانِ يَتَزَيَّلان.

قال الخليل: بَعَجَ بطنَه بالسّكّين، أي شجّه وشقّه وخَضْخَضَهُ. قال: وقد تَبَعَّجَ السَّحابُ تبعُّجاً، وهو انفراجُه عن الوَدْق. قال:

* حيثُ استهلَّ المُزْنُ أو تبعَّجَا([14]) *

وبَعّجَ المطرُ الأرضَ تبعيجاً([15]) وذلك من شدّة فَحْصِه الحجارةَ. ورجُلٌ بَعِجٌ كأنَّه منفَرِج البَطْن من ضعف مَشيْه. قال:

ليلةَ أَمْشِي على مُخاطَرَةٍ  *** مَشْياً رُوَيداً كَمِشْيَةِ البَعِجِ([16])

وحكى أبو عَمرو: بَعَجْتُ إليه بَطني، أي أخرجْتُ إليه سِرّي([17]) ويقال: بَعَجَهُ حُزْنٌ. وبطنٌ بَعِيجٌ في معنى مبعُوج. قال أبو ذؤيب:

وذَلِكِ أعلى مِنْكِ فَقْداً لأنَّهُ  *** كريمٌ وبَطْنِي بالكرامِ بَعيجُ([18])

قال اللِّحيانيّ: رجلٌ بعيجٌ وامرأةٌ بعيج، ونِسْوةٌ بَعْجى. وكذلك الرّجال. ويقال هو تَخَرُّقُ الصِّفاقِ وانديالُ ما فيه. والانديال: الزَّوال([19]). قال الخليل: باعِجَةَ الوادي حيثُ ينبعِج ويتَّسع. قال:

* ونَصِيُّ باعِجةٍ ومَحْضٌ مُنْقَعُ([20]) *

قال أبو زياد: [و] أبو فقعس: الباعجة الرُّحَيْبَة الصغيرة بَعَجَتِ الوادِي من أحَدِ جانبَيْه؛ وهي مِن مَنابت النّصيّ. ويقال الباعِجة آخرُ الرَّمل، مكانٌ بين السّهل والحَزْن، رُبما كان مرتفِعاً وربما كان مُنْحَدِراً. قال النَّضر: الباعجة مكان مطمئنٌّ من الرِّمال كهيئة الغائط، أرض مَدْكوكة لا أسناد لها، تُنبت الرِّمْث والحَمْضَ* وأطايب العُشْب.

وكلُّ ما تَرَكْنَاهُ من هذا الجِنْس كنَحو ما ذَكرناه([21]). وباعِجة القِرْدان مَوضِعٌ في قول أوس:

* فباعِجةِ القِرْدان فالمُتَثَلِّمِ([22]) *

(بعد) الباء والعين والدال أصلان: خِلاَفُ القُرْبِ، ومُقابِلُ قَبْل. قالوا: البُعْد خلاف القُرْب، والبُعْد والبَعَد الهلاك. وقالوا في قوله تعالى: {كما بَعِدَتْ

ثَمُودُ} [هود 95]، أي هَلَكَت. وقياسُ ذلك واحدٌ. والأباعد خلاف الأقارب. قال:

إذا أنْتَ لم تَعْرُكْ بِجَنْبِكَ بَعْضَ ما *** يُريب مِن الأدْنَى رَمَاكَ الأباعدُ

وتقول: تَنَحَّ غير باعِدٍ، أي غيرَ صاغر. وتَنَحَّ غير بَعيدٍ، أي كُن قريباً.

وأمّا الآخرُ فقولك جاء مِنْ بَعْدُ، كما تقولُ في خلافِهِ: مِن قَبْلُ.

(بعر) الباء والعين والراء أصلان: الجمال، والبَعَْر. يقال بعير وأبعِرةٌ وأباعِرُ وبُعْرَانُ. قال بعضُ اللصوص([23]):

وإنّي لأسْتَحْيي مِنَ الله أَنْ أُرَى  *** أُجَرِّرُ حَبْلاً ليس فيه بَعِيرُ

وأَن أسأَلَ المرءَ اللّئيمَ بَعِيرَهُ *** وَبُعْرَانُ رَبِّي في البلادِ كثيرُ([24])

والبَعَْر معروف.

(بعص) الباء والعين والصاد أصلٌ واحد، وهو الاضطراب. قال أبو مَهْدِيّ: تبَعْصَصَ الشيءُ ارتَكَضَ في اليَدِ واضطرَبَ، وكذلك تَبَعْصَصَ في النَّار، إذا أُلقِيَ فيها فأَخَذَ يعدو ولا عَدْوَ به. والأرْنَب تتبعصَص في يَدِ الإنسان. ويقال للحيّة إذا ضُرِبَتْ ولَوَتْ بذَنبها قد تَبَعْصَصَتْ.

(بعض) الباء والعين والضاد أصلٌ واحدٌ، وهو تجزئة للشيءِ. وكلُّ طائفةٍ منه بعضٌ. قال الخليل: بعضُ كلِّ شيءٍ طائفةٌ منه. تقول: جاريةٌ يُشْبِهُ بعضُها بعْضاً. وبَعْضٌ مذكَّر. تقول هذه الدّارُ متَّصِلٌ بعضُها ببعْض. وبعّضْتُ الشيءَ تبعيضاً إذا فَرّقْتَه أجزاءً. ويقال: إنّ العَرَبَ تَصِلُ ببعض كما تصل بما، كقوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ} [آل عمران 159]، ومِمّا خَطِيئاتِهْم} [نوح 25]. قال: وكذلك بعضُ في قولـه تعالى: {وإِنْ يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُمْ بَعْضُ الّذي يَعِدُكُمْ} ([25])[غافر28]. وقال أعرابيّ: "رأيتُ غِرْباناً يَتَبَعْضَضْنَ" كأنّه أراد يتناوَلُ بعضُها بعضاً.

وممّا شذّ عن هذا الأصل البَعُوضة، وهي معروفة، والجمع بَعُوض. قال:

* وَصِرْتُ عَبْداً للْبَعُوضِ أَخْضَعَا *

وهذه ليلة بَعِضَة، أي كثيرة البَعُوض، ومَبْعُوضةٌ أيضاً، كقولهم: مكان سَبِع ومَسْبُوع، وذَئِب ومذْؤوب. وفي المثل: "كلَّفتَني مُخَّ البَعوض"، لما لا يكُون. قال ابنُ أَحمَر:

ما كنت من قومي بِدالهةٍ *** لو أنَّ مَعْصِيّاً لَهُ أَمْرُ([26])

كلَّفتَني مخ البعوض فقد *** أقْصَرْتُ لا نُجْحٌ ولا عُذْرُ([27])

وأصحابُ البَعُوضةِ قومٌ قَتَلَهُمْ خالدُ بنُ الوليد في الرِّدَّة، وفيهم يقول الشاعر([28]):

* على مِثْلِ أصحاب البَعُوضَةِ فاخمِشي([29]) *

(بعط) الباء والعين والطاء ليس بأصل، وذلك أنّ الطاءَ في أبْعَطَ مُبْدَلةٌ من دال. يقال أبْعَطَ في السَّوْمِ، مثل أبعَدَ.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (بعق 304).

([2]) في الأصل: "يحجرونها". وانظر اللسان (11: 304).

([3]) كذا في الأصل.

([4]) عرسها، أي ذكرها. يقال للذكر والأنثى عرسان. وفي الأصل: "غرسها".

([5]) البيت الأول في اللسان (بعك) والثاني فيه (مرط، سرا).

([6]) البيت من قصيدة لـه في ديوانه 36-39 يمدح بها الوليد بن عقبة بن أبي معيط. وأنشده في اللسان (13: 62).

([7]) البيت لسلامة بن جندل السعدي من قصيدة لـه في ديوانه 15-19 وهي من الأصمعيات. ورواية الديوان: "إذا ما علونا ظهر نشزٍ كأنما"،والأصمعيات: "إذا ما علونا ظهر بعل كأنما". والقيض: قشرة البيضة العليا، وفي الأصل: "فيض" تحريف. وأنشده في اللسان برواية: "عليها" وقال: "أنثها –يعني البعل- على معنى الأرض".

([8]) البيت لعبد الله بن رواحة. وقد سبق الكلام عليه في حواشي ص52.

([9]) سبق الكلام على البيت في حواشي مادة (بسل).

([10]) أنشده في اللسان (بعا).

([11]) الإخبال: أن يعطي الرجل الرجل البعير أو الناقة لينتفع بها ثم يردها إليه. قال زهير:

هنالك إن يستخبلوا المال يخبلوا *** وإن يسألوا يعطوا وإن ييسروا يغلوا

([12]) نسب البيت التالي في اللسان (6: 409/ 7: 375) إلى ابن مقبل يصف ناقة.

([13]) انظر اللسان (18: 233).

([14]) البيت للعجاج في ديوانه 9 واللسان (3: 36). وقبله:

* رعى بها مرج ربيع ممرجا *

([15]) الأصل: "تبعجاً" تحريف. وفي اللسان: "وبعج المطر تبعيجاً  في الأرض، فحص الحجارة لشدة وقعه".

([16]) البيت في اللسان (3: 36).

([17]) شاهده قول الشماخ:

بعجت إليه البطن حتى انتصحته *** وما كل من يفشي إليه بناصح

([18]) البيت في القسم الأول من ديوان الهذليين ص61 طبع دار الكتب. وإنشاده في الديوان واللسان (بعج): "فذلك".

([19])في اللسان: "واندال ما في بطنه من معي أو صفاق طعن فخرج ذلك منه".

([20]) هو في صفة فرس. والنصي: نبت سبط أبيض ناعم من أفضل المرعى. وفي الأصل: "نضى" تحريف. وصدر البيت كما في اللسان (3: 36):

* فأنى له بالصيف ظل بارد *

([21]) في الأصل: "ما ذكرناه وهو".

([22]) صدره كما في ديوان أوس بن حجر 26 واللسان (3: 36):

* وبعد ليالينا بنعف سويقة *

([23]) هو الأحيمر السعدي، كما في ترجمته من الشعراء لابن قتيبة.

([24]) وكذا ورد إنشاده في المجمل. وفي الشعراء: "وأن أسأل العبد".

([25]) الآية 28 من سورة غافر. وفي الأصل: "يعدكم به" تحريف.

([26]) الدالهة: الضعيف النفس، كما في اللسان (دله). وفي الحيوان (3: 318): "بمهتضم" وفي بعض نسخه "بذاهلة".

([27]) البيت في الحيوان وثمار القلوب 399.

([28]) هو متمم بن نويرة كما في اللسان (8: 389)، ومعجم البلدان (البعوضة).

([29]) من أبيات على روي الألف، رواها ياقوت في معجمه. وعجز البيت:

* لك الويل حر الوجه أو يبك من بكى *

 

ـ (باب الباء والغين وما يثلثهما)

(بغل) الباء والغين واللام يدلُّ على قُوَّةٍ في الجِسم. من ذلك البَغْل، قال قومٌ: سُمِّيَ بذلك لقُوَّةِ خَلْقِه. وقد قالوا: سُمّيَ بَغْلاً من التّبْغيل، وهو ضربٌ من السَّيْرِ. والذي نَذْهَبُ إليه أنَّ التَّبغيلَ مشتقٌّ من سَيْر البَغْل.

(بغم) الباء والغين والميم أصلٌ يسير، وهو صوتٌ وشبيهٌ به لا يتَحَصّل. فالبُغام صَوت النّاقة تردِّدُه، وصوتُ الظَّبيةِ بُغامٌ أيضاً. وظَبْيَةٌ بَغُوم. قال الشاعر([1]) في النَّاقة:

حَسِبْتَ بُغَامَ راحِلتي عَنَاقاً *** وما هِيَ وَيْبَ غَيرِكَ بالعَنَاقِ

ومما يُحمَلْ عليه قولُهُم بَغَمْتُ للرّجل بالحديث إذا لم تفسِّرْه له.

(بغو) الباء والغين والواو ليس فيه إلا البَغْو. وذكر ابن دُرَيْدٍ أنه التمرُ قبلَ أن يستحكِمَ يُبْسُه([2]).

(بغي) الباء والغين والياء أصلان: أحدهما طَلَب الشيء، والثاني جنسٌ من الفَساد. فمن الأوّل بَغَيْتُ الشيء أبْغِيه إذا طلبتَه. ويقال بَغَيْتُك* الشيءَ إذا طلبته لك، وأبغَيْتُك الشّيءَ إذا أَعَنْتُكَ على طَلَبه. والبُغْية والبِغْية الحاجة. وتقول: ما ينبغي لك أن تفعل كذا. وهذا مِن أفعال المطاوَعَة، تقول بَغيْتُ فانبغَى، كما تقول كسرتُه فانكَسَر.

والأصل الثاني: قولهم بَغَى الجرح، إذا تَرامَى إلى فساد، ثم يشتقّ من هذا ما بَعْدَهُ([3]). فالبغيّ الفاجِرةُ، تقول بَغَتْ تَبْغي بِغاءً، وهي بَغِيّ([4]). ومنه أن يبغي الإنسانُ على آخَرَ. ومنه بَغْيُ المَطَر، وهو شِدّتُه ومُعْظَمُه. وإذا كان ذا بَغْيٍ

فلا بدّ أنْ يقَعَ منه فسادٌ.

قال الأصمعي: دَفَعْنا بَغْيَ السّماءِ خَلْفَنا([5])، أي مُعْظَم مَطَرِها.

والبَغْي: الظْلم. قال:

ولكنَّ الفَتَى حَمَلَ بنَ بَدْرٍ *** بَغَى، والبَغْيُ مَرْتَعُهُ وَخِيمُ([6])

وربما قالوا لاختيال الفرس ومَرَحِهِ بَغْيٌ.

قال الخليل: ولا يُقال فَرَسٌ باغٍ.

(بغت) الباء والغين والتاء أصلٌ واحدٌ لا يُقاس عليه، منه البغْت، وهو أَنْ يفجَأَ الشيءُ. قال:

* وأعْظَمُ شيءٍ حِينَ يَفْجَؤُك البَغْتُ ([7]) *

(بغث) الباء والغين والثاء أصل واحد، يدلُّ على ذُلّ الشيءِ وضَعفِه. من ذلك بَُِغاث الطَّير، وهي التي لا تَصِيد ولا تَمتَنِع. ثم يقال لأَخْلاطِ الناس وخُشارَتهم البَغْثَاء. والأبْغَثُ: مكان ذُو رملٍ. وهو من ذاك([8]) لأنه ليّنٌ غيرُ صُلْب.

(بغر) الباء والغين والراء أصلٌ واحد، وفيه كلماتٌ متقاربة في الشُّرْب ومَعْناه. فالبَغَر أنْ يَشْربَ الإنسانُ ولا يَرْوَى، وهو يصيبُ الإبلَ أيضاً. وعُيِّر رَجلٌ فقيل: "ماتَ أبُوهُ بَشَماً وماتَتْ أمُّهُ بَغَراً". ويقولون: بَغَر النَّوءُ، إذا هاج بالمطر. وحكى بعضهم: بُغِرَتِ الأرضُ، إذا ليَّنَها المطر.

(بغز) الباء والغين والزاء أصلٌ، وهو كالنّشاط والجَرَاءةِ في الكلام. قال ابن مُقْبِل:

* تَخالُ باغِزَها بالليل مَجْنُونا([9]) *

وقالوا: الباغز الرّجُلُ الفاحش. وذلك كلُّه يَرجِعُ إلى الجُرْأَة.

(بغش) الباء والغين والشين أصلٌ واحد، وهو المطر الضّعيف([10])، ويقال له البَغْش. وأرضٌ مَبْغُوشة. وجاء في الشِّعر: مطر باغشٌ([11]).

(بغض) الباء والغين والضاد أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على خلاف الحبّ. يقال أبغَضْتُه أُبْغِضُه. فأمّا قوله:

ومِنَ العَوادِي أن تَقَتْكَ بِبِغْضةٍ *** وتَقَاذُفٍ منها وَأنَّكَ تُرْقَبُ([12])

فقيل البِغْضَةُ الأعداء، وقيل أراد ذَوِي بِغْضةٍ. وربما قالوا بَغُض جَدُّه، كقولهم عثَرَ. والله أعلم.

ــــــــــــــــ

([1]) هو ذو الخرق الطهوي، كما في اللسان (ويب، بغم).

([2]) انظر الجمهرة (1: 319).

([3]) في الأصل: "من بعده".

([4]) وتقول أيضاً: باغت تباغي بغاء.

([5]) وروى اللحياني: "دفعنا بغي السماء عنا". انظر اللسان (18: 84).

([6]) البيت لقيس بن زهير، كما في حماسة أبي تمام (1: 163).

([7]) ليزيد بن ضبة الثقفي. وصدره كما في اللسان (بغت):

* ولكنهم ماتوا ولم أدر بغتة *

([8]) في الأصل: "في ذاك".

([9]) صدره كما في اللسان (بغز): * واستحمل السير مني عرمسا أجدا *

([10]) بعده في الأصل: "ويقال له الضعيف"، وهي عبارة مقحمة.

([11]) مثل هذا في الجمهرة (1: 292). ولم ينصا على شاهد.

([12]) البيت لساعدة بن جؤية، كما في القسم الأول من ديوان الهذليين 168 واللسان (بغض) وفي شرح الديوان: "تقتك، يقول أن اتقتك"، وفيه: "ترقب: ترصد وتحرس".

 

ـ (باب الباء والقاف وما يثلثهما في الثلاثي)

(بقل) الباء والقاف واللام أصلٌ واحد، وهو مِن النّباتِ، وإليه ترجعُ فُروعُ الباب كلِّه.

قال الخليل: البَقْل من النّبات ما ليس بشَجرٍ دِقٍّ ولا جِلٍّ. وفَرَقَ ما بين البَقْلِ ودِقِّ الشَّجر بغِلَظ العُود وجِلَّتِه، فإنَّ الأمطارَ والرِّياحَ لا تكسِرُ عِيدانَها، تراها قائمةً أُكلَ ما أُكِلَ وبَقِيَ ما بَقِيَ. قال الخليل: ابتَقَل القَومُ إذا رَعَوا البقْلَ، والإبِلُ تَبْتقِل وتَتَبقَّل تأكل البَقْل. قال أبو النَّجْم:

* تَبَقَّلَتْ في أوَّلِ التَّبَقُّلِ([1]) *

قال الخليل: أَبقَلَتِ الأرضُ وبَقَلت، إذا أنبتت البَقْل، فهي مُبْقِلة. والمَبْقَلَةُ والبَقَّالة ذاتُ البَقْل.

قال أبو الطَّمَحان في مكانٍ باقلٍ:

تَرَبَّعَ أعْلَى عَرْعَرٍ فَنِهاءَهُ *** فأسرابَ مَوْلِيِّ الأسِرَّةِ باقِلِ([2])

قال الفَرّاء: أرضٌ بَقِلَةٌ وبَقِيلةٌ([3])، أي كثيرة البَقْل.

قال الشيباني: بَقَلَ الحِمارُ إذا أكل البَقْل يَبْقُل. قال بعضهم: أبقَلَ المكانُ ذو الرِّمْث. ثم يقولون باقِلٌ، ولا نعلمهم [يقولون] بَقَل المكانُ، يُجرُونَها مُجْرَى أَعْشَبَ البلدُ فهو عاشِب، وأوْرَسَ الرِّمْثُ فهو وَارِس. قال أبو زياد: البَقْل اسمٌ لكلِّ ما ينبت أوّلاً. ومنه قيل لوجه الغُلام أَوّلَ ما ينبُت: قد بَقَل يَبْقُل بُقُولاً وبَقْلاً. وبَقَلَ نابُ البَعير، أي طَلَع.

قال الشيبانيّ: ولا يسمَّى الخَلاَ بَقْلاً إلا إذا كان رَطْباً. قال الخليل: الباقل ما يخرُج في أعراض الشجر، إذا دنَتْ* أيّامُ الربيع وجَرَى فيها الماء رأيت في أعراضِها شِبْه أعيُن الجَرَاد قبل أن يَستبِينَ وَرقُه، فذلك الباقِل. وقد أبقَل الشّجَر. ويقال عِند ذلك: صار الشّجَرُ بَقْلةً واحدةً. قال أبو زيد: يقال للرِّمْثِ أوّل ما ينبُتُ باقِل، وذلك إذا ضربَهُ المطرُ حتى ترى في أفنانِهِ مثلَ رؤوس النَّمْل، وهو خير ما يكون، ثم يكون حانِطاً، ثم وارِساً، فإذا جازَ ذلك فَسَدَ وانتهتْ عنه الإبِل.

فأما باقلٌ فرَجُلٌ ضُرِبَ به المَثَلُ في العِيِّ.

([بقم) الباء والقاف والميم]..............([4])

وقد ذكر أن البُقامة الرّجُل الضعيف. قال: والبُقامة ما يَسقُطُ من الصُّوف إذا طرق. وذكر الآخر أنّ البِقَمّ الأكُول الرّغيب. وما هذا عندي بشيء فإنّ صحّ فعله أنْ يكون إتباعاً للهقمّ، يقال للأكولِ هِقَمٌّ بِقَمٌّ والذي ذكره الكسائيُّ مِن قولهم أراد أن يتكلَّمَ فتَبَقَّم إذا أُرتِجَ عليه، فإنْ كان صحيحاً فإنما هو تبكّم، ثم أُقِيمت القافُ مُقام الكاف. وأمّا البَقَّمُ فإنّ النّحوييّن يُنكِرونه ويأبَوْن أن يكونَ عربيّاً. وقال الكسائيّ: البَقَّمُ صِبْغٌ أحمر. قال:

* كمِرْجَلِ الصَّبَّاغِ جَاشَ بَقَّمُهْ([5]) *

وأنشد آخر:

* نَفِيّ قَطْرٍ مثل لَونِ البَقّمِ *

ومعنى الباب ما ذكرتُه أوّلاً.

(بقي) الباء والقاف والياء أصلٌ واحد، وهو الدّوام. قال الخليل: يقال بقِيَ الشيءُ يبقى بَقاءً، وهو ضدّ الفناء. قال: ولغةُ طيٍّ بَقَى يَبْقَى، وكذلك لغَتُهم في كلِّ مكسورٍ ما قبلَها، يجعلونها ألِفاً، نحو بَقَى ورَضا([6]). وإنما فعَلُوا ذلك لأنّهم يكرهونَ اجتماعَ الكسرةِ والياءِ، فيفتحون ما قَبْلَ الياء، فتنقلِبُ الياءُ ألِفاً، ويقولون في جارية جَارَاة، وفي بانِية باناة، وفي ناصية ناصاة. قال:

وما صَدَّ عَنِّي خالدٌ من بَقِيَّةٍ *** ولكنْ أَتَتْ دُوني الأُسودُ الهَواصِرُ

يريد بالبَقِيّة هاهنا البُقْيا عليه. ويقول العرب: نشَدْتُكَ اللهَ والبُقيَا. وربما قالوا البَقْوَى. قال الخليل: استبقَيْتُ فلاناً، وذلك أن تعفُوَ عن زَلَلِهِ فَتسْتَبْقِيَ مودَّتَه. قال النابغة:

فَلَسْتَ بمُسْتَبْق أخاً لا تَلُمُّهُ *** على شَعَثٍ أَيُّ الرِّجالِ المُهذَّبُ([7])

ويقول العرب: هو يَبْقِي الشيءَ بِبصَرِه إذا كان ينظُر إليه ويرصُدُه. قال الكميت:

ظَلَّتْ وظَلَّ عَذُوباً فوقَ رابِيَةٍ *** تَبْقِيهِ بالأَعيُنِ المَحْرُومةِ العُذُبِ([8])

يصف الحمار أنّه أرادَ أنْ يَرِدَ بأُتُنِهِ فوق رابيةٍ، وانتظَرَ غُروبَ الشمس. وكذلك بات فلان يَبْقِي البَرْقَ إذا صار ينظُرُ إليه أيْنَ يَلْمَع. قال الفزاريّ:

قد هاجَني الليلةَ بَرْقٌ لامِعُ *** فبِتُّ أَبقِيهِ وطَرْفِي هامِعُ

قال ابن السّكّيت: بَقَيْتُ فلاناً أَبْقِيه، إذا رعَيْتَه وانتظرته. ويقال ابْقِ لي الأذَانَ، أي ارقُبْه لي. وأنشد:

فما زلتُ أَبقِي الظُّعْنَ حتى كأنها  *** أَوَاقِي سَدىً تغتالُهنَّ الحَوائِكُ([9])

ومن ذلك حديثُ مُعاذٍ رضي الله عنه: بَقَيْنا رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم"، يريد انتَظَرْناه. وهذا يرجِعُ إلى الأصل الأول؛ لأنّ الانتظارَ بعضُ الثَّبات والدَّوام.

([بقر) الباء والقاف والراء]([10]) أصلانِ، وربما جمع ناسٌ بينهما وزعموا أنه أصلٌ واحد، وذلك البقر. والأصلُ الثاني التوسُّع في الشيء وفَتْح الشيء.

فأمّا البقر فجماعة البقَرة([11])، وجمعُها أيضاً البَقير والباقر، كقولك حَمِير وضَئِين. قال:

* يكسَعْنَ أذنابَ البَقِير الكُنَّسِ *

وقال في الباقر:

وما ذَنْبُه أنْ عافت الماءَ باقِرٌ *** وما إنْ تَعَافُ الماءَ إلاّ ليُضرَبا([12])

والباقر مثل الجامل في الجمال. قال أبو عبيدة: يقال للذّكر أيضاً بقَرةٌ، كما يقال للدّيك دَجاجة.

قال الأصمعيُّ: يقال رأيتُ لبني فُلانٍ بَقَراً وبَقيراً وباقراً وباقُورة. قال: وأُبْقُور مثل أُمْعوز. قال: وأنشَدَني ابنُ [أبي([13])] طرفة:

فسكَّنْتُهُمْ بالقَولِ حَتّى كأنّهُمْ *** بَوَاقِرُ جُلْحٌ أسْكَنَتْها المرَاتِعُ([14])

قال: والبواقِر جمعٌ* لا واحِدَ لها، ويجوز أن يكون جمعَ باقرة. قال: والبقير لا واحِدَ لـه، وهو جمعٌ مثل الضَّئِين والشَّوِيِّ([15]).

ويقال بَقِرَ الرَّجُلُ إذا نَظَرَ إلى بقرٍ كثير مفاجأةً فذهَبَ عَقْلُه.

وممّا حُمِل على هذا الباب قولُهم في العِيال البقَرةُ، يقال جاءَ فلانٌ يَسُوقُ بَقَرةً، أي عيالاً كثيراً. وقال يونس: البقَرة المرأة.

وأمّا الأصل الثّاني فالتبقُّر التوسُّع والتفتُّح، من بَقَرْتُ البَطْنَ. قال الأصمعيّ: تبقّر فلان في ماله أي أفْسَدَه. وإليه يُذْهَب في حديثه صلى الله عليه وسلم: "أنّه نَهَى عن التَّبقُّر في الأهل والمال([16])".

قال الأصمعي: يقال ناقةٌ بَقِيرٌ، للتي يُبقَر بَطْنُها عن ولدِها. وفتنة باقِرةٌ كداء البطن([17]). والمُهْرُ البَقِير الذي تَموتُ أُمُّه قبل النِّتاج فيُبقَر بطنُها فيُستَخْرَج.

قال أبو حاتم للمُهْرِ إذا خرج مِنْ بَطْن أُمّه وهو في السَّلا والماسكة، فيقع بالأرض جسدُه: هو بَقيرٌ، وضدّه السَّليل.

ومن هذا الباب قولهم: بقّروا ما حَوْلَهم، أي حَفَروا؛ يقال: كم بقّرْتُمْ لفَسيلِكم. والبُقَّيْرَى لُعبةٌ لهم، يُدَقْدِقون داراتٍ مثلَ مَواقع الحوافر. وقال طفيل:

ومِلْنَ فما تَنْفَكُّ حَوْلَ مُتالعٍ *** لها مِثْلَ آثارِ المبقِّرِ مَلْعَبُ([18])

ومنه قول الخُضْريّ:

نِيطَ بِحِقْوَيْها جَمِيشٌ أَقْمَرُ *** جَهْمٌ كَبقَّارِ الْوَليدِ أَشْعَرُ([19])

فهذا الأصل الثاني. ومَن جَمع بينهما ذهب إلى أنّ البقَر سُمِّيت لأنّها تَبْقُر الأرضَ، وليس ذلك بشيء.

ومما شذَّ عن الباب قولهم بَيْقَر، إذا هاجَرَ من أرضٍ إلى أرض. ويقال بَيْقَرَ إذا تعرّض للهَلَكة. ويُنْشَد قولُ امرئ القيس:

ألا هل أتاها والحوادثُ جَمّةٌ *** بأنَّ امرأَ القيسِ بنَ تَمْلِكَ بَيْقَرَا([20])

ويقال بيقَرَ، أي أتى أرضَ العِراق. ويقال أيضاً بيقَرَ، إذا عَدَا مُنَكِّساً رأسَه ضَعْفاً. قال:

* كما بيقَرَ مَنْ يَمْشِي إلى الجَلْسَدِ([21]) *

وقال ابنُ الأعرابيّ: بَيْقَر سَاقَ نَفْسَهُ([22]). وإلى بعض ما مَضَى يرجع البقَّار، وهو موضع. قال النابغة:

سَهِكِينَ مِنْ صَدَأ الحديدِ كأنَّهمْ *** تَحْتَ السَّنَوَّرِ جِنّةُ البَقّارِ([23])

وبقر: اسم كثيب. قال:

تَنْفِي الطوارفَ عنه دِعْصَتا بَقَرٍ *** ويَافِعٌ من فِرِنْدادَينِ مَلْمُومُ([24])

(بقع) الباء والقاف والعين أصلٌ واحدٌ ترجع إليه فروعُها كلُّها، وإنْ كان في بعضِها بُعْدٌ فالجنسُ واحد، وهو مخالَفةُ الألوانِ بعضِها بعضاً، وذلك مثلُ الغُرابِ الأبقع، وهو الأسودُ في صَدْرِهِ بياضٌ. يُقال غرابٌ أبقَعُ، وكلبٌ أبقع وقال بعضُهم للحجَّاج في خيلِ ابنِ الأشْعَث: رأيتُ قوماً بُقْعاً. قال: ما البقع؟ قال: رقَّعوا ثيابَهم من سوء الحال.

وفي الحديث([25]): "يُوشِكُ أن يُسْتَعْمَلَ عليكم بُقعْانُ أهل الشَّام".

قال أبو عُبيدٍ: الرُّوم والصَّقالبة، وقَصَد باللَّفظ البَيَاض. قال الخليل: البُقْعة قِطعةٌ من الأرضِ على غير هيئةِ التي إلى جَنْبها، وجمعها بِقاعٌ وبُقَعٌ. أبو زَيد: هي البَقْعةُ أيضاً بفتح الباء([26]). أبو عُبَيدةَ: الأبقع من الخيل الذي يكون في جَسَده بُقَعٌ متفرِّقة مخالفةٌ للونه. قال أبو حنيفة: البَقْعاء من الأرَضِينَ التي يُصيبُ بعضَها المطرُ ولم يُصب البَعْضَ. وكذلك مُبَقَّعَةٌ، يقال أرضٌ بَقِعَةٌ إذا كان فيها بُقَعٌ من نبتٍ، وقيل هي الجَرِدَة([27]) التي لا شَيء فيها، والأوّلُ أصحّ.

ابنُ الأعرابيّ: البَقْعاء من الأرض المَعْزَاءُ ذاتُ الحَصَى والحِجارة. قال الخليل:

البَقيع من الأرض مَوضع فيه أَرُومُ شَجرٍ من ضُروبٍ شتَّى. وبه سُمِّي بَقيع الغَرقَد بالمدينة. أبو زَيد: كلُّ جوٍّ من الأرضِ وناحيةٍ بقيع. قال:

ورُبَّ بقيعٍ لو هَتَفْتُ بجَوِّهِ *** أتاني كريمٌ يُنْغِض الرأس مُغْضِياً([28])

وفي المثل: "نَجّى حِماراً بالبَقيع سِمَنُه". والباقعة: الداهية. يقال بقعتهم باقعةٌ، أي داهية، وذلك أنّه أَمْرٌ يَلْصَق حتّى [يذهب] أثره. قال ابنُ الأعرابيّ*: سنةٌ بقعاءُ، أي مُجدِبَة.

قال أبو عبيدة: بنو البَقْعاءِ بنو هاربةَ بن ذُبيان، وأمُّهم البَقْعاء بنتُ سلامان ابنِ ذُبيان([29]). ولهم يقول بشر([30]):

ولم نَهْلِكْ لمُرَّة إذْ تَوَلّوا *** فسارُوا سَيْرَ هاربةٍ فغَارُوا

قال أبو المنذر([31]): يقال لهاربةَ "البَقْعاء"، وهم قليلٌ. قال: "ولم أرَ هاربِيّاً قطّ". وفيهم يقول الحُصين بن حُمَام:

وهاربةُ البَقْعاءِ أصبَحَ جَمْعُها *** أمامَ جُموعِ الناسِ جمعاً مقدّما([32])

وقال بعضهم: بقعاء قريةٌ من قرى اليمامة. قال:

ولكن قَدْ أتَاني أنَّ يحيَى  *** يقال عليه في بَقْعاءَ شَرُّ([33])

فقلتُ لـه تجنَّبْ كلَّ شيءٍٍ *** يُعابُ عليكَ إنَّ الحُرَّ حُرُّ

قال ابن السّكّيت: يقال بُقِعَ فُلانٌ بكلام سَوْءٍ، أي رُمِيَ. وهو في الأصل الذي ذكرناه. فأما قولهم: ابْتُقِع لَونُه، فيجوز أن يكونَ من هذا، ويجوز أن يكونَ من باب الإبدال؛ لأنّهم يقولون امتُقِعَ لونُه. قال الكسائي: إذا تغيَّر اللّونُ من حُزْنٍ يصيبُ صاحبَه أو فزَعٍ قيل ابتُقِع.

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال لا أدري أين سَقَع وبَقَع، أي أين ذهب. قال غيره: يقال بَقَع في الأرض بُقُوعاً، إذا خَفِي فذَهَبَ أثَرُه. قال بعضُ الأعراب: البقعة([34]) من الرجال ذُو الكلامِ الكثير الذاهبِ في غيرِ مَذْهبه، وهو الذي يَرْمِي بالكلام لم يُعلَمْ له أَوّلٌ ولا آخِرٌ. قال بعضهم: بقَعَ الرّجُلَ إذا حلَف لـه حَلِفاً. وعامٌ أبقَعُ وأربَدُ، إذا لم يكن فيه مَطَرٌ.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (بقل 65).

([2]) النهاء: جمع نهى، بالكسر، وهو الغدير. وفي الأصل: "فنهاه" صوابه من المخصص (10: 174) حيث أنشد البيت وذكر أنه في صفة ثور.

([3])في الأصل: "بقيلة وبقيلة"، وانظر اللسان (بقل 64)

([4]) عنوان هذه المادة ساقط من الأصل، كما سقط من أولها. ولم يشر إلى هذا السقط ببياض في الأصل، بل الكلام متصل فيه.

([5]) البيت للعجاج في ديوانه 64 واللسان (بقم) والجمهرة (1: 322). وقبله:

* يجيش من بين تراقيه دمه *

([6]) في الأصل: "وبضا"، تحريف.

([7]) الرواية في الديوان 14 واللسان (18: 87): "ولست".

([8]) العذب: جمع عذوب، بالفتح، وهو الذي لا يأكل ولا يشرب. وفي الأصل: "وظل عذوناً" تحريف.

([9]) هو للكميت، أو لكثير، كما في اللسان (18: 87).

([10]) ليست في الأصل، وأثبتها اعتماداً على أسلوب ابن فارس.

([11]) في الأصل: "كجماعة البقرة".

([12]) البيت للأعشى في ديوانه: 9 والحيوان (1: 19).

([13]) التكملة من اللسان (3: 248/ 5: 139) حيث أنشد البيت. والبيت لقيس بن عيزارة الهذلي، كما في اللسان (3: 248) وشرح السكري لأشعار الهذليين 148 ومخطوطة الشنقيطي من الهذليين 116. وقبل البيت كما في الديوان:

وقالوا عدو مسرف في دمائكم *** وهاج لأعراض العشيرة قاطع

([14]) في الأصل: "الموانع" صوابه في اللسان. وأنشده في (3: 248) برواية: "فسكنتهم بالمال".

([15]) الشوي جمع شاة. انظر اللسان (19: 180).

([16]) ويذهب أيضاً إلى أن التبقر في هذا الحديث بمعنى الكثرة والسعة.

([17]) في اللسان: "قال أبو عبيد: ومن هذا حديث أبي موسى، حين أقبلت الفتنة بعد مقتل عثمان رضي الله عنه فقال: إن هذه الفتنة باقرة كداء البطن، لا يدرى أنى يؤتى لـه. إنما أراد أنها مفسدة للدين، ومفرقة بين الناس، ومشتتة أمورهم".

([18]) البيت في ديوانه 22 واللسان (5: 142) برواية: "أبنت فما تنفك".

([19]) البيتان في اللسان (5: 142). والجميش: المحلوق.

([20]) اللسان (5: 141).

([21]) البيت للمثقب العبدي، أو عدي بن الرقاع، كما في اللسان (جلسد). ونسب إلى المثقب أو عدي بن وداع كما في اللسان (بقر). وعدي بن وداع ذكره المرزباني في معجمه 252. والجلسد: صنم. والبيت بتمامه:

فبات يجتاب شقارى كما  *** بيقر من يمشي إلى الجلسد

([22]) ساق نفسه، أي صار في حال الموت والنزاع. وفي الأصل: "شان نفسه" تحريف. وانظر اللسان (سوق). وفي اللسان (بقر) أي يبقر بمعنى هلك، وبمعنى مات.

([23]) ديوان النابغة 35. ورواه في معجم البلدان (بقار): "قنة البقار". "وقال قنة البقار جبل لبني أسد". وانظر الحيوان (6: 189) واللسان (6: 47/ 12: 330) والكامل 212-316 ليبسك. وسيأتي في (سهك).

([24]) البيت لذي الرمة في ديوانه 571 ومعجم البلدان (369) واللسان (يفع). وعجزه في اللسان (فرند). والطوارف: العيون. وفي الأصل: "الطوارق" محرف. والفرندادان جبلان بناحية الدهناء، يقال بدالين، وبدال ثم ذال معجمة، وقد دفن ذو الرمة في أحدهما تنفيذاً لوصيته. انظر لذلك معجم البلدان واللسان (فرند). وذكر ابن منظور أن ذا الرمة ثنى الفرنداد ضرورة.

([25]) هو من كلام أبي هريرة، وفي اللسان (بقع).

([26]) في اللسان: "والضم أعلى".

([27]) الجردة: التي لا نبات بها. وفي الأصل: "الجرادة" تحريف.

([28])أنغض رأسه: حركه. وفي الأصل: "ينفض الرأس".

([29]) انظر لهاربة البقعاء المفضليات (1: 65/ 2: 142) ومعجم البلدان (الهاربية).

([30])بشر بن أبي خازم في المفضليات (2: 142).

([31]) هو أبو المنذر هشام بن محمد بن السائب الكلبي النسابة المتوفى سنة 204. وانظر معجم البلدان (الهاربية).

([32]) انظر المفضليات (1: 65).

([33]) البيتان لمخيس بن أرطاة الأعرجي، من أبيات في معجم البلدان (2: 251) يقولها لرجل من بني حنيفة يقال له يحيى . والبيت الأول بدون نسبة في اللسان (9: 366).

([34]) لم أجد لهذه الكلمة ضبطا ولا ذكرا فيما لدي من المعاجم، وظني أنها بضم الباء وفتح القاف.

 


ـ (باب الباء والكاف وما يثلثهما)

(بكل) الباء والكاف واللام أصلان: أحدهما الاختلاط وما أشبَهه، والآخَر إفادةُ الشّيءِ وتَغَنُّمُه.

فالأوّل البَكِيلة، وهو أن تُؤخَذَ الحِنطةُ فتُطحَنَ مع الأَقِطِ فتُبْكَلَ بالماءِ، أي تُخْلط، ثم تُؤْكَل. وأنشد:

* غَضْبانُ لم تُؤْدَمْ له البَكِيلهْ([1]) *

قال أبو زياد: البَكلة والبَكَالة الدّقيق يُخلَط بالسَّويق، ويُبلُّ بالزّيت أو السّمْن. قال أبو زيد: وكذلك المَعْز إذا خالطَتْها الضَّأن. قال ابنُ الأعرابي عن امرأةٍ كانت تُحمَّقُ فقالت:

لَسْتُ إذاً لزَعْبَلهْ إنْ لم أُغَيِّرْ  *** بِكْلَتِي إنْ لم أُسَاو بالطُّوَلْ([2])

تقول: إنْ لم أُغيّر ما أُخلِّطُ فيه من كلامٍ ولم أطلُب الخِصالَ الشريفة، فلست لِزَعبَلَة. وزَعْبَلةُ أبُوها.

زعم اللّحيانيّ أنّ البِكْلة الهيئة والزِّيّ، وفسَّرَ ما ذكرناه من قول المرأةِ. قال أبو عُبيدٍ: المتبكِّل المُخَلِّط في كلامه. ومن هذا الباب قولُ أبي زيد: يقال تبكَّلَ القوم على الرّجُل تبكُّلاً، إذا عَلَوْهُ بالضَّربِ والشَّتْمِ والقهر؛ لأنّ ذلك من الجماعة اختلاط.

وأمّا الأصل الثّاني فقالوا: التبكّل التَّغَنُّم والتَّكسُّب. قال أوس:

على خَيْرِ ما أبْصَرْتُهَا مِنْ بِضاعةٍ *** لمُلْتَمِسٍ بَيْعاً بها أو تَبَكُّلا([3])

قال الخليل: الإنسان يتبكّل، أي يحتال.

(بكم) الباء والكاف والميم أصلٌ واحدٌ قليل، وهو الخَرَس. قال الخليل: الأبكَمُ: الأخرس لا يتكلَّم، وإذا امتَنَعَ مِن الكلامِ جَهْلاً أو تعمّداً يُقال بَكِمَ عن الكلام. وقد يقال للذي لا يُفْصِح: إنّه لأَبْكَمُ. والأبْكَم في التّفْسير للذي وُلِدَ أَخْرَسَ([4]). قال الدُّرَيْدِيّ: يقال بَكِيمٌ في معنى أبكم([5])، وجَمَعُوهُ على أبكامٍ، كشَرِيفٍ وأشراف.

(بكو/ء) الباء والكاف والواو والهمزة أصلان: أحدهما البُكاء، والآخر نقصانُ الشيء وقِلّتُه.

فالأوّل بَكى يَبْكي [بُكاءً]. قال الخليل: هو مقصور وممدود. وتقول: باكَيْتُ فلاناً فبَكَيْتُه، أي كنتُ أَبْكَى منه.

قال النحويُّون: مَنْ قَصَرَهُ أجراه مُجْرَى الأدواءِ والأمراض، ومَن مَدَّه أجراه مُجْرَى الأَصواتِ كالثُّغاءِ والرُّغاء والدُّعاءِ. وأنشدَ في قصره ومَدِّه:

بكَتْ عَيْني وَحُقَّ لها بُكاهَا *** وما يُغني البُكاءُ ولا العَويلُ([6])

قال الأصمعيّ: بَكَيْتُ الرجل وبَكّيْتُه، كلاهما إذا بكَيْتَ عليه؛ وأبكَيْتُه صنعت به ما يُبْكِيه*. قال يعقوب: البَكّاءُ في العرب الذي يُنْسَبُ إليه فيقال بنو البَكّاء، هو عوف ([7]) بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، سُمِّيَهُ لأنَّ أُمَّه تَزَوّجَتْ بعد موت أبيه فدخل عوفٌ المنزلَ وزَوجُها معها، فظَنّهُ يُريد قَتْلَها، فبكى أشَدَّ البُكاء .

والأصل الآخَر قولُهم للناقة القليلة اللّبن هي بَكِيئَةٌ، وبَكُؤَتْ تَبْكُؤُ بكاءةً ممدودة. وأنشد:

يُقالُ مَحْبِسُها أدْنَى لِمَرْتَعها *** ولو تَعَادَى بِبَكْءٍ كلُّ مَحْلُوبِ([8])

يقول: محبسها في دار الحفاظ أقْرَبُ إلى أنْ تَجِدَ مرتعاً مُخْصِبا. قال أبو عُبيدٍ: فأما قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّا مَعْشَرَ الأنبياء بِكاءٌ" فإنّهُمْ قليلةٌ دُمُوعُهم. وقال زَيدُ الخيل:

وقالوا عامِرٌ سارَتْ إليكم  *** بألفٍ أوْ بُكاً مِنْهُ قليلِ

فقولـه بُكاً نَقْص، وأصله الهمْز، من بكأت الناقةُ تَبْكَأُ([9])، إذا قَلَّ لبنُها، وبَكُؤت تبكُؤ أيضاً. وقال:

إنما لِقْحَتُنَا خابيةٌ *** جَوْنَةٌ يتبعها بِرْزِينُها([10])

وإذا ما بَكَأتْ أو حارَدَتْ  *** فُضَّ عن جانِبِ أخْرَى طينُها

وقال الأسْعرُ الجُعْفِيّ([11]):

بَلْ رُبَّ عَرْجَلَةٍ أصَابُوا خَلّةً *** دَأَبُوا وحارَدَ لَيْلُهُمْ حتى بكا([12])

قال: حارَدَ قَلَّ فيه المطَر؛ وبَكَا، مثلُه، فترك الهمْز.

(بكت) الباء والكاف والتاء كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاس عليها، وهو التّبْكيت والغَلَبَة بالحُجّة.

(بكر) الباء والكاف والراء أصلٌ واحدٌ يرجع إليه فرعان هما منه. فالأوّل أوّلُ الشيء وبَدْؤُه. والثاني مشتقٌّ منه، والثالث تشبيه. فالأول البُكرة وهي الغَداة، والجمع البُكَر. والتبكير والبُكور والابتكار المُضِيُّ في ذلك الوقت. والإبكار: البُكْرَة([13])، كما أنّ الإصباح اسمُ الصُّبح. وباكَرْتُ الشيء إذا بكَرْتَ عليه.

قال أبو زيد: أبكرتُ الوِرْدَ إبكاراً، وأبكرتُ الغَدَاءَ، وبكَرْتُ على الحاجة وأبكَرْتُ غيري، بَكَرْتُ وأبكرْتُ. ويقال رجلٌ بَُِكْرٌ صاحب بُكورٍ. كما يقال حَذُِر([14]). قال الخليل: غيثٌ([15]) باكُورٌ وهو المبكّر في أول الوَسمِيّ، وهو أيضاً السّاري في أول اللّيْل وأول النهار. قال:

جَرَّتِ الرِّيحُ بها عُثْنُونَها *** وتَهادَتْها مَدَاليجُ بُكُرْ([16])

يقال: سحابةٌ مِدْلاجٌ بَكُورٌ. ويقال بكّرَتِ الأمطارُ تبكيراً وبَكَرَتْ بُكُوراً، إذا تقدَّمَت.

الفرّاء: أبْكَرَ السّحاب وبَكَر، وبَكَّرَ، وبكَرَتِ الشجرة وأبكرَت وبكّرَت([17]) تبكِّرُ تبكيراً وبَكَرَتْ بُكُوراً، وهي بَكورٌ، إذا عَجَّلَتْ بالإثمار واليَنْع، وإذا كانت عادتُها ذاك فهي مِبْكار، وجمع بَكُور بُكُر، قال الهُذَليّ([18]):

ذلكَ ما دِينُكَ إذْ جُنِّبَتْ  *** في الصُّبْحِ مِثْلَ البُكُرِ المُبْتِلِ([19])

والتَّمَرَةُ باكورةٌ، ويقال هي البَكيرةُ والبَكائِرُ. ويقال أرضٌ مِبْكَارٌ، إذا كانت تنْبِتُ في أوّل نبات الأرض. قال الأخطل:

* غَيْثٌ تَظاهَرَ في مَيْثَاءَ مِبكارِ([20]) *

فهذا الأصلُ الأوّل، وما بعده مشتقٌّ منه. فمنه البَكْر من الإبل، ما لم يَبْزُلْ بَعْدُ. وذلك لأنَّه في فَتَاءِ سِنِّهِ وأوّلِ عُمْرِه، فهذا المعنى الذي يجمَعُ بينه وبين الذي قبلهَ، فإذا بَزَلَ فهو جَمَلٌ. والبَكْرَةُ الأنثى، فإذا بَزَلَتْ فهي ناقة.

قال أبو عبيدة: وجمعه بِكَار، وأدنى العدد ثلاثة أَبْكُر. ومنه المثل: "صدَقَنِي سِنُّ بَكْرِه([21])" وأَصلُه أنَّ رجلاً ساوَمَ آخر بِبَكْرٍ أراد شِرَاءَه وسأل البائع عن سِنِّه، فأخْبَرَه بغير الصِّدق فقال: بَكْرٌ -وكان هَرِماً- فَفَرَّهُ المشتري، فقال: "صدَقَني سِنُّ بَكْرِهِ".

قال التميميّ: يسمَّى البَعير بَكْراً من لَدُنْ يُرْكَب إلى أن يُرْبِع، والأنثى بَكرَةٌ. والقَعُود البَكْر. قال: ويقول العَرَب: "أرْوَى مِنْ بَكْرِ هَبَنّقَةَ" وهو الذي كان يُحَمّقُ؛ وكان بَكْرُه يَصْدُر عن الماء مع الصّادِرِ وقد رَوِيَ، ثم يَرِدُ مع الوَارِدِ قبل أنْ يصل إلى الكلأ.

قال الخليل: والبِكْرُ من النّساء التي لم تُمْسَسْ* قَطُّ. قال أبو عبيدٍ: إذا وَلَدَتِ المرأَةُ واحداً فهي بِكْرٌ أيضاً. قال الخليل: يسمَّى([22]) بِكْراً أو غُلاماً أو جارية. ويقال أشدُّ الناس بِكْرٌ ابنُ بِكْرَين([23]). قال: وبقرةٌ بِكْرٌ([24]) فَتِيّةٌ لم تَحْمِلْ. والبِكْرُ من كلِّ أَمرٍ أَولُه. ويقول: ما هذا الأمْرُ بِبَكيرٍ ولا ثَنِيٍّ، على معنى ما هو بأوّلٍ ولا ثانٍ. قال:

وقوفٌ لَدَى الأبوابِ طُلاَّبُ حَاجَةٍ *** عَواناً من الحاجاتِ أو حاجةً بكرا([25])

والبِكْرُ: الكَرْم الذي حَمَلَ أوّل مرّة. قال الأعشى:

تَنَخَّلَها مِنْ بِكار القطاف  *** أُزَيْرِقُ آمِنُ إكْسادِها([26])

قال الخليل: عَسَلٌ أبْكارٌ تُعَسِّلُه أبكار النَّحْل، أي أفْتاؤُها، ويقال بل الأَبكارُ من الجَواري يَلِينَهُ. فهذا الأَصلُ الثاني، وليس بالبعيد من قياس الأوّل. وأما الثالث فالبَكَْرَةُ التي يُسْتَقَى عليها([27]). ولو قال قائل إنها أُعِيرَتْ اسمَ البَكْرَة من النُّوق كان مذهباً، والبَكرة معروفة. قال امرؤُ القيس:

كأنَّ هادِيَها إذْ قَامَ مُلْجِمُها *** قَعْوٌ على بَكْرَةٍ زَوْرَاءَ مَنْصُوبُ([28])

وَثَمَّ حَلَقات في حِلْية السّيف تسمّى بَكَراتٍ. وكلُّ ذلك أصلهُ واحد.

(بكع) الباء والكاف والعين أصلٌ واحد، وهو ضربٌ متتابع، أو عَطَاءٌ مُتَتابع، أو ما أشْبَهَ ذلك. قال الخليل: البَكْعُ شِدّة الضّرْبِ المتتابع، تقول: بَكَعْنَاهُ بالسّيف والعصا بَكْعاً.

ومما هو محمولٌ عليه قياساً قول أبي عُبيد: البكع أن يستقبل الرّجلَ بما يكره.

قال التميمي: أعطاهُ المالَ بَكْعا ولم يُعطِهِ نُجُوماً، وذلك أنْ يُعطِيَه جُملة وهو من الأوّل؛ لأنه يتابِعُه جُمْلةً ولا يُواتِرُه.

ويقال بَكَعْتُه بالأَمر: بكَّتُّه. قال العُكْلي: بَكَعَه بالسيف: قَطَعه.

ــــــــــــــــ

([1]) قبله كما في اللسان (بكل): * هذا غلام شرث النقيله *

([2]) البيت من مسدس الرجز جاء على التمام، كما ذكر ابن بري. انظر اللسان (13: 67). وجعله ثعلب في أماليه 541 صدر بيت وبيتا.

([3]) ديوان أوس 21 واللسان (بكل). وهو في صفة قوس.

([4]) في قوله تعالى: {أحدهما أبكممن الآية 76 في سورة النحل.

([5]) شاهده قوله:

فليت لساني كان نصفين منهما  *** بكيم ونصف عند مجرى الكواكب

([6]) من أبيات تنسب إلى حسان بن ثابت، وعبد الله بن رواحة. قال ابن بري: والصحيح أنها لكعب بن مالك. انظر اللسان (بكا) وسيرة ابن هشام 632 جوتنجن.

([7]) في الاشتقاق 179 أن اسمه "عمرو".

([8]) البيت لسلامة بن جندل السعدي، من قصيدة في المفضليات (1: 122).

([9]) والمصدر البكء والبكوء، والبكاءة بالفتح وآخره هاء، والبكاء بالضم وآخره الهمزة.

([10]) البيتان لعدي بن زيد، كما في اللسان (برزن). وأنشدهما في (حرد) غير منسوبين. وفي الأصل: "خائبة جونها" محرف. ويروى: "باطية" بدل "خابية".

([11]) الأسعر لقب مرثد بن أبي حمران الجعفي الشاعر. وفي الأصل: "الأشعري" تحريف. وقصيدة البيت هي أول الأصمعيات.

([12]) روايته في الأصمعيات: "يا رب عرجلة".

([13]) في الأصل: "والبكرة".

([14]) ضبطت في الأصل بضم الذال فقط، ولم تضبط "بكر" في الأصل. والضبطان فيهما من اللسان (بكر).

([15]) في الأصل "غب".

([16]) البيت لمراد بن منقذ العدوي في المفضليات (1: 77)، والرواية فيها:

جرر السيل بها عثنونه  *** وتعفتها مداليج بكر

([17])في الأصل: "وابتكرت".

([18])هو المتنخل الهذلي، كما أسلفت في حواشي ص195.

([19])انظر رواية البيت فيما سبق ص196. وفي الأصل: "المبتلي"، تحريف.

([20]) صدره كما في الديوان 114:

* أو مقفر خاضب الأظلاف جاد له *

([21]) يروى بنصب "سن" بتضمين صدق معنى عرفني تعريفاً، ويكون المثل تهكمياً، ويروى برفع "سن" على أنه فاعل، انظر أول باب الصاد في أمثال الميداني، واللسان (صدق).

([22])أي يسمى ولدها.

([23]) انظر الحيوان (3: 174/ 5: 331) وثمار القلوب 533-534. واللسان (بكر 145).

([24]) في الأصل: "بكرة"، تحريف.

([25]) البيت للفرزدق في ديوانه 227 برواية: "قعود لدى". وقبله:

وعند زياد لو يريد عطاءهم  *** رجال كثير قد يرى بهم فقرا

ونسب في اللسان (5: 145) إلى ذي الرمة، وليس في ديوانه.

([26]) بكار: جمع باكر، كصاحب وصحاب، وهو أول ما يدرك. وفي الأصل: "بحار" صوابه في الديوان 51 واللسان (5: 144).

([27]) يقال بسكون الكاف وفتحها.

([28]) كذا وردت نسبته إلى أمرئ القيس، وليس في ديوانه. وهو في كتاب الخيل لأبي عبيدة 71 منسوب إلى رجل من الأنصار. ولعل هذا الأنصاري الذي يعنيه، هو إبراهيم بن عمران الأنصاري، انظر اللسان (2: 170).

 

ـ (باب الباء واللام وما يثلثهما في الثلاثي)

(بلم) الباء واللام والميم أصلان: أحدهما ورمٌ أو ما يشبهه، والثاني نَبْتٌ.

فالأوّل بَلَمٌ، وهو داءٌ يأخُذُ الناقةَ في حَلْقَة رَحِمِها. يقال أَبْلَمَتِ الناقةُ إذا أخَذَها ذلك. الفَرَّاء: أَبْلَمَتْ وبَلِمَتْ إذا ورِمَ حَياؤُها.

قال أبو عُبيدٍ: ومنه قولهم لا تُبَلِّمْ عليه أي لا تُقَبِّحْ. قال أبو حاتم: أَبلَمَتِ البَكْرَة إذا لم تَحْمِلْ قَطُّ؛ وهي مُبْلِمٌ، والاسم البَلَمَة.

قال يعقوب: أَبْلَمَ الرّجُل إذا وَرِمَتْ شفتاه، ورأَيت شفَتَيْه مُبْلَمَتينِ([1]). والإبلام أيضاً: السُّكوت، يقال أَبْلَمَ إذا سَكَتَ.

والأصل الثاني: الأبلم ضربٌ من الخُوصِ([2]). قال أبو عمرو: يقال إبلِم وأَبلَمٌ وأُبُلمٌ. ومنه المثَل: "المال بَيني وبينك شِقَّ الأُبْلُمَة" وقد تكسر وتفتح، أي نصفين؛ لأنّ الأبلمة إذا شقت طولاً انشقت نصفين من أولها إلى آخرها، ويرفع بعضهم فيقول: "المالُ بيني وبينك شِقُّ الأبلمة"، أي هو كذا.

(بله) الباء واللام والهاء أصلٌ واحد، وهو شبه الغَرَارة والغَفْلة. قال الخليل وغيره([3]): البَلَه ضَعْف العقل. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أكثَرُ أهلِ الجنَّة البُلْه" يريد الأَكياسَ في أمر الآخرة البُلْهَ في أمر الدنيا.

وقال الزّبرقانُ [بن] بَدْرٍ: "خيرُ أَولادِنا الأَبلَهُ العقُول" يُراد أنه لشدّة حيائهِ كالأَبله، وهو عَقُولٌ. ويقال شَبابٌ أبْلَهُ، لما فيه من الغَرَارة. وعَيْشُ الأبلهِ قليلُ الهُموم. قال رؤبة([4]):

* بَعْدَ غُدانِيِّ الشّبَابِ الأَبْلَهِ *

فأمّا قولهم: "بَلْهَ" فقد يجوز أن يكون شاذّاً، ومحتَمِلٌ على بُعْدٍ أنْ يردَّ إلى قياس الباب، بمعنى دَعْ. وهو الذي جاء في الحديث: "يقول الله تعالى: أَعدَدْتُ لعِبادِي الصّالحينَ مَا لا عَيْنٌ رَأَتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَرَ على قَلْبِ بَشَرٍ، بَلْهَ ما أَطْلَعْتُهُمْ عليه" ، أي دَعْ ما أطْلَعْتُهُم عليه، اُغفُلْ عنه.

(بلو/ي) الباء واللام والواو والياء، أصلان: أحدهما إخلاق([5]) الشيء، *والثاني نوعٌ من الاختبار، ويحمل عليه الإخبار أيضاً.

فأمّا الأوّل فقال الخليل: بَلِيَ يَبْلى فهو بالٍ. والبِلَى مَصْدَرُه. وإذا فتح فهو البَلاَء، وقال قوم هو لُغةٌ. وأنشد:

وَالمرء يُبْليه بَلاَءَ السَّرْبالْ *** مَرُّ الليالي واختلافُ الأحوالْ([6])

والبَلِيَّةُ: الدابّة التي كانت في الجاهلية تُشَدُّ عند قَبْرِ صاحبِها، وتشَدّ على رأسها وَلِيَّةٌ، فلا تُعْلَفُ ولا تُسْقى حتى تموت. قال أبو زُبيد:

كالبَلاَيا رُؤوسُها في الوَلايَا *** مانِحاتِ السَّمومِ حُرَّ الخُدُودِ([7])

ومنها ما يُعقر عند القبر حتى تَمُوت. قال:

تَكُوسُ به العَقْرَى على قِصَدِ القَنَا *** كَكَوْسِ البَلاَيَا عُقِّرَتْ عِنْدَ مَقْبَرِ

ويقال منه بَلَّيْتُ البَلِيَّةُ. قال اليزيديّ: كانت العرب تَسْلَخُ راحلةَ الرّجُل بعد مَوته، ثم تحشوها ثُماماً ثم تتركُها على طَريقِه إلى النّادي. وكانوا يزعمون أنّها تُبْعَث معه، وأنَّ مَنْ لم يُفعل به ذلك حُشِر راجلاً.

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال بَلَّى عليه السَّفَرُ وبَلاَّه. وأنشد:

قَلُوصان عَوْجَاوَانِ بَلَّى عليهما *** دُؤُوبُ السُّرى ثمَّ اقتحامُ الهواجرِ([8])

يريد بَلاَّهُما.

قال الخليل: تقول ناقةٌ بِلْوُ سفرٍ، مثل نِضْو سفَر، أي قد أبْلاَها السَّفر. وبِلْيُ سَفَر، عن الكسائيّ.

وأمّا الأصل الآخَر فقولهم بُلِيَ الإنسانُ وابْتُلِيَ، وهذا من الامتحان، وهو الاختبار. وقال:

بُلِيتُ وفُِقدانُ الحبيبِ بَلِيَّةٌ *** وكم مِن كريمٍ يُبْتَلى ثم يَصبرُ

ويكونُ البَلاءُ في الخير والشرّ. والله تعالى يُبْلِي العَبْدَ بلاءً حسناً وبلاءً سيئاً، وهو يرجع إلى هذا؛ لأن بذلكَ يُختبَر في صَبْرِه وشُكْرِه.

وقال الجعديّ في البلاء أنّهُ الاختبار:

كَفَاني البَلاَءُ وإِنّي امرُؤٌ *** إذا ما تَبَيَّنْتُ لمَ أَرْتَبِ

قال ابنُ الأعرابيّ: هي البِلْوَة والبَلِيَّة والبَلْوَى. وقالوا في قول زهير:

* فأبلاَهُما خَيْرَ البلاءِ الذي يَبلُو([9]) *

معناه أعطاهُما خَيْرَ العطاءِ الذي يَبْلُو به عِبادَه.

قال الأحمر: يقول العرب: نَزَلَتْ بَلاءِ، على وزن حَذَامِ.

ومما يُحمَل على هذا الباب قولهم: أبليتُ فُلاناً عُذْراً، أي أعلمته وَبيَّنْتُه([10]) فيما بيني وبينه، فلا لَومَ عليَّ بَعْد.

قال أبو عُبيد: أَبلَيْتُه يميناً أي طيَّبْت نفسَه بها. قال أوس:

كأنَّ جديدَ الدار يُبْلِيكَ عنهُم *** نَقِيُّ اليَمِينِ بَعْدَ عَهدِكَ حَالفُ([11])

قال ابن الأعرابيّ: يُبْليك يُخْبِرك. يقول العرب: أَبْلِني كذا، أي أخبِرْني؛ فيقول الآخر: لا أُبْلِيْك. ومنه حديث أمِّ سَلَمة، حين ذَكَرَتْ قولَ النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "إنَّ مِن أصحابي مَنْ لا يَرَاني بعد أَنْ أُفارِقَه" فسألها عُمَرُ: أَمِنْهُمْ أنا؟ فقالت: لا، ولن أُبْلِيَ أحداً بَعْدَك. أي لن أُخْبِرَ.

قال ابنُ الأعرابيّ: يقال ابتليْتُه فأبلاني، أي استَخْبَرْتُه فأخبَرَني.

ذِكْر ما شذَّ عن هذين الأصلين: قال الخليل: تقول: الناس بذي بَلِيٍّ وذي بِلِيّ([12])، أي هم متفرّقون. قال أبو زيد: هم بذي بليانٍَ أيضاً([13])، وذلك إذا بَعُدَ بعضُهم [عن بعض] وكانوا طوائفَ مع غير إمامٍ يجمعُهم. ومنه حديث خالد لمّا عزَلَه عُمرُ عن الشام: "ذاك إذا كانَ النّاس بذي بَليّ، وذي بَلّى"([14]). وأنشد الكسائيّ في رجل يطيل النّوم:

يَنامُ ويذهب [الأَقوامُ] حتّى  *** يُقَالَ [أَتَوْا] عَلَى ذي بِلِّيَانِ([15])

وأمّا بَلَى فليست من الباب بوجهٍ، والأصل فيها بَلْ.

وَبَلِيّ ابنُ عمرو بن الحاف بن قُضاعة، والنّسبة إليه بَلَوِيٌّ. والأَبْلاء: اسمُ بئر. قال الحارث:

فرياضُ القَطا فأودِيةُ الشُّر *** بُبِ فالشُّعبتانِ فالأَبْلاءُ([16])

(بلت) الباء واللام والتاءُ أصلٌ واحد، وهو الانقطاع. وكأنّه من المقلوب عن بَتَل. يقول العرب: تكَلَّم حَتّى بَلِتَ([17]). قال الشّنفرَى:

* عَلَى أُمِّها وَإنْ تُخاطِبْكَ تَبْلَِتِ([18]) *

فأمّا قولهم: مَهْرٌ مَضمونٌ مبلَّت، فهو في هذا* أيضاً؛ لأنّه مقطوعٌ قد فُرِغ منه. على أنّ في الكلمة شكّاً([19]). وأنشَدُوا:

* وما زُوِّجَتْ إلاّ بِمَهْرٍ مُبَلَّتِ([20]) *

ويقال إنّ البَليتَ كَلأ عامَين، وهو في هذا؛ لأنه يتقطّع ويتكَسَّر. قال:

رَعَيْنَ بَليتاً ساعةً ثم إنّنا *** قطَعْنا عليهنَّ الفِجاج الطوامِسَا([21])

(بلج) الباء واللام والجيم أصلٌ واحدٌ منقاس، وهو وضوحُ الشّيء وإشراقُه. البَلَجُ الإشراق، ومنه انبلاج الصُّبح. قال:

* حتّى بدَتْ أعناقُ صُبْحٍ أبْلَجا([22]) *

ويقول العرب: "الحقُّ أُبْلَجُ والباطلُ لَجْلَجٌ". وقال:

ألم تَرَ أنَّ الحقَّ تلقاهُ أَبْلَجاً *** وأنَّك تلقَى باطِلَ القومِ لجْلَجا([23])

ويقال للذي ليس بمقْرُونِ الحاجبين أبلج، وذلك الإشراقُ الذي بينهما بُلْجة. قال:

أبلَجُ بينَ حاجِبَيه نُورُه *** إذا تعدى رُفعَت مبتوره([24])

(بلح) الباء واللام والحاء أصلٌ واحد، وهو فُتورٌ في الشيء وإعياءٌ وقِلَّةُ إحكام، وإليه ترجع فُروعُ الباب كلّه، فالبَلَح الخَلاَلُ، واحدته بَلَحة، وهو حَمْل النَّخل ما دام أخضَرَ صِغاراً كحِصْرِم العِنَب. قال أبو خيرة: ثَمَرَةُ السَّلَم تسمّى البَلَح ما دامت([25]) لم تَنْفتق، فإذا انفتَقَتْ فهي البَرَمَة. أبو عبيدة: أبْلَحَت النّخلة إذا أخرجَتْ بَلَحَها. قال أبو حاتم: يقال للثَّرى إذا يَبِس -وهو التّراب النّدِيّ– قد بَلَحَ بلُوحاً. وأنشد:

حَتّى إذا العودُ اشتهى الصَّبُوحا *** وبَلَحَ التُّرْبُ لـه بُلُوحا

ومن هذا البابِ بَلَحَ الرّجُلُ إذا انقَطَعَ من الإعياءِ فلم يَقْدِرْ على التحرُّك. قال الأعشى:

وإذا حُمّل ثِقْلاً بعضُهُمْ *** واشتَكَى الأوْصَالَ مِنه وبَلَحْ([26])

وقال آخر([27]):

ألا بَلَحَتْ خَفَارَةُ آلِ لَأْيٍِ *** فلا شَاةً تَرُدُّ ولا بَعِيرا

قال الشيباني: يقال بَلَحَ إذا جَحَدَ. قال قُطرب: بَلَحَ الماءُ قلّ، وبَلَحَت الركيّة. قال:

مالَكَ لا تَجُمُّ يا مُضَبَّحُ *** قد كنتَ تَنْمِي والرَّكِيُّ بُلَّحُ

ويقال بَلَحَ الزَّنْدُ إذا لم يُورِ. قال العامريّ: يقال بَلَحَتْ عَلَيَّ راحلتي، إذا كَلَّتْ ولم تشايِعْني. ويقال بَلَحَ البَعيرُ وبَلَحَ الرّجلُ إذا لم يكن عنده شيء. قال:

مُعْترِفٌ للرُّزْءِ في مالِهِ *** إذا أكَبَّ البَرَمُ البالحُ

ومما شَذَّ عن الباب البُلَح، طائر، والبَلَحْلحة: القصعة لا قعر لها([28]).

(بلخ) الباء واللام والخاء أصلٌ واحد، وهو التكبُّر، يقال رجل أبْلَخُ. وتبلّخ: تكَبَّر.

(بلد) الباء واللام والدال أصلٌ واحد يتقارب فُروعُه عند([29]) النَّظر في قياسه، والأصل الصدْر. ويقال وضَعَت النّاقةُ بَلْدَتَها بالأرض، إذا بَرَكت. قال ذو الرُّمّة:

أنيخت فألْقَتْ بَلْدَةً فوقَ بَلْدَةٍ *** قَليلٍ بها الأصواتُ إلاّ بُغامُها([30])

ويقال تبلَّد الرّجلُ، إذا وضَعَ يَدَهُ على صَدْره عند تَحيُّرِه في الأمر. والأبْلد الذي ليس بمقْرُونِ الحاجبَيْن، يقال لما بين حاجبيه بَُلْدَة. وهو من هذا الأصل؛ لأنّ ذلك يشبه الأرض البلدة. والبلدة: النَّجم، يقولون هو بَلْدة الأسد، أي صدره([31]). والبلد صدْرُ القُرى. فأمّا قول ابن الرِّقاع:

* مِنْ بَعْدِ ما شمِلَ البِلَى أبلادَها([32]) *

فهو من هذا. وقالوا: بَلِ البلدُ الأَثَر، وجمعه أبلاد. والقولُ الأولُ أقيَس. ويقال بَلّد الرّجُل بالأرض، إذا لَزِق بها. قال:

إذا لم يُنازِعْ جاهِل القومِ ذُو النُّهى *** وبَلّدَتِ الأعلامُ باللّيلِ كالأَكَمْ([33])

يقول: كأنّها لزِقَتْ بالأرض. وقال رجلٌ من تميمٍ يصفُ حَوضاً:

وَمُبْلِدٍ بَيْنَ مَوْماةٍ بَمَهْلَكَةٍ *** جاورْتُه بِعَلاةِ الخَلْقِ عِلْيانِ([34])

يذكر حوضاً لاصقاً بالأرض. ويقال أبْلَدَ الرَّجُلُ إبلاداً، مثل تبلّد سواء. والمبالدة بالسُّيوف مثل المُبَالطة. وقال بعضهم: اشتقّ من الأوّل، كأنهم لزِموا الأرضَ فقاتلوا عليها. والبالد قياساً للمقيم بالبَلَد.

(بلز) الباء واللام والزّاء* ليس بأصل، وفيه كُلَيمات، فالبِلِزُ المرأة القصيرة. ويقولون البَلأَز: القصير من الرِّجال([35]) والبَلأَزَةُ: الأكْل. وفي جميعِ ذلك نظرٌ.

(بلس) الباء واللام والسين أصلٌ واحد، وما بَعْدَه فلا معوَّلَ عليه.

فالأصلُ اليَأْسُ، يقال أبْلَسَ إذا يَئِسَ. قال الله تعالى:إذَا هُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ([36])} [المؤمنون 77]، قالوا: ومن ذلك اشتُقّ اسم إبْليس، كأنَّهُ يَئِسَ مِنْ رحمة الله.

ومن هذا الباب أبْلَسَ الرجُلُ سَكَت، ومنه أبْلَسَتِ النّاقة، وهي مِبْلاَسٌ، إذا لم تَرْغُ([37]) مِنْ شِدَّةِ الضَّبَعَة. فأما قولُ ابنِ أحمر:

عُوجي ابنَةَ البَلَسِ الظَّنُونِ فقد  *** يَرْبُو الصَّغِيرُ ويُجْبَرُ الكسْرُ

فيقال إنَّ البَلَسَ الواجم.

(بلص) الباء واللام والصاد، فيه كلماتٌ أكثرُ ظَنِّي أن لا مُعوَّلَ على مثلها، وهي مع ذلك تتقارب. يقولون بلَّصتِ الغنم إذا قلّت ألبانها، وتبلَّصت الغَنَمُ الأرضَ إذا لم تدَعْ فيها شيئاً إلاّ رَعَتْه.

وتبلّصتُ الشيءَ، إذا طلبْتَه في خَفاءٍ([38]). وفي ذلك عندي نَظَر.

(بلط) الباء واللام والطاء أصلٌ واحد، والأمر فيه قريبٌ من الذي قبلَه. قالوا: البَلاط كلُّ شيءٍ فرشْتَ به الدار مِن حَجَر وغيره. قال ابن مُقْبِل:

في مُشرِفٍ لِيطَ لَيّاقُ البلاط به *** كانت لِسَاسَتِه تُهْدَى قَرَابِينا

يقول: هي مَصْنَعَةٌ لنَصارَى يتعبَّدُون فيها، في مُشْرِفٍ ألْصِق. لَيَّاق أي لصَّاق يقال ما يَلِيق بك كذا، أي لا يَلْصَق. يذكر حُسْنَ المكانِ وأُنسَه بالقُرْبان والمصابيح. فإنْ كان هذا صحيحاً - على أنّ البلاط عندي دخيل – فمنه المُبالَطَة، وذلك أنْ يتضارب الرّجلانِ وهما بالبَلاط، ويكونا في تقارُبهما كالمتلاصِقَين.

وأَبْلَطَ الرّجُل افتَقَرَ فهو مُبْلِطٌ، وذلك من الأوّل، كأنّه افتقرَ حتى لَصِقَ بالبَلاط، مثل تَرِبَ إذا افتقَرَ حتى لَصِقَ بالتراب. فأمّا قولُ امرئ القيس:

* نزلتُ على عمرِو بن دَرْماءَ بُلْطَةً([39]) *

فيقال هي هَضْبَةٌ معروفة، ويقال بُلْطةً مفاجأةً. والأوّل أصحُّ.

(بلع) الباء واللام والعين أصلٌ واحد، وهو ازدراد الشيء. تقول: بلِعْتُ الشيءَ أبْلَعُه. والبالوع([40]) من هذا لأنه يَبْلَعُ الماء. وسَعْدُ بُلَعَ نجمٌ. والبُلَعُ السَّمّ في قامَة البَكْرَه([41]). والقياس واحدٌ، لأنّه يَبْلَعُ الخشبة التي تسلكه. فأمّا قولهم بَلَّعَ الشّيبُ في رأسه فقريبُ القياسِ من هذا؛ لأنّه إذا شَمِل رأسَه فكأنَّه قد بَلِعَه.

(بلغ) الباء واللام والغين أصلٌ واحد وهو الوُصول إلى الشيء. تقول بَلَغْتُ المكانَ، إذا وَصَلْتَ إليه. وقد تُسَمّى المُشارَفَةُ بُلوغاً بحقّ المقاربة. قال الله تعالى: {فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ} [الطلاق 2]. ومن هذا الباب قولهم هو أَحْمَقُ بِلْغٌ وبَلْغٌ، أي إنّه مع حماقته يبلغ ما يريده. والبُلْغَة ما يُتَبَلَّغُ به من عَيْشٍ، كأنّه يُرادُ أنّه يبلُغُ رُتْبَةَ المُكْثِرِ إذا رَضِيَ وقَنَع، وكذلك البَلاغَة التي يُمْدَحُ بها الفَصِيحُ اللّسان، لأنّه يبلُغُ بها ما يريده، ولي في هذا بلاغٌ أي كِفاية. وقولهم بلَّغَ الفارسُ، يُرَادُ به أنّه يمدّ يدَه بعِنانِ فرَسِهِ، لِيَزيد في عَدْوِهِ. وقولهم تبلَّغَتِ القِلَّة بفلانٍ، إذا اشتدَّتْ، فلأنه تناهِيها به، وبلوغها الغاية.

(بلق) الباء واللام والقاف أصلٌ واحدٌ منقاسٌ مطّرد، وهو الفتح. يقال أبلَقَ البابَ وبلَقَهُ، إذا فتحه كلّه. قال:

* والحِصْنُ مُنْثَلِمٌ وَالبابُ مُنْبَلقُ([42]) *

والبَلَقُ الفُسْطاط، وهو من الباب. وقد يُسْتَبْعَدُ البَلَقُ في الألوان، وهو قريبٌ، وذلك أنّ البَهيم مشتَقٌّ من البابِ المُبْهَم، فإذا ابيضّ بعضُه فهو كالشيء يُفْتَحُ.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "وأيت شفتيه مبلمتيه" صوابه من اللسان (14: 320).

([2]) هو خوص المقل.

([3]) في الأصل: "أو غيره".

([4]) ديوان رؤبة 165 والمجمل واللسان (بله). وقبله:

إما تريني خلق المموه  *** براق أصلاد الجبين الأجله

([5]) في الأصل:" إخلاف"، تحريف.

([6]) البيتان للعجاج في اللسان (18: 91). وقد نسبا إليه أيضاً في المجمل، وليسا في ديوانه.

([7]) البيت في اللسان (18: 92).

([8]) البيت لذي الرمة في ديوانه 298. وورد في اللسان (18: 92) بدون نسبة. وصواب روايته: "قلوصين عوجاوين" لأن قبله:

ستستبدلين العام إن عشت سالما *** إلى ذاك من إلف المخاض البهازر

([9]) صدره كما في الديوان 109 واللسان (بلا):

* جزى الله بالإحسان ما فعلا بكم *

([10]) أي بينت العذر. وفي اللسان: "أي بينت وجه العذر لأزيل عني اللوم".

([11]) كذا، وله وجه. وفي الديوان 14 واللسان (18: 93): "تقي اليمين" بالتاء. يقول: طمست معالم الدار واستوى وجه أرضها، فكأن ذلك الجديد يخبرك إخبار الحالف أنه ما حل بهذه الدار من قبل.

([12]) وفي لغتان أخريان، وهما: بلى، كحتى؛ وبلى، كإلا.

([13]) يقال بليان، بالتحريك، وبليان بكسرتين مع تشديد الياء. ويرى ابن جني أنه علم للبعد فهو غير مصروف. انظر اللسان (18: 94).

([14]) ليس يدرى التكرار، أهو من كلام خالد، أم من كلام الرواة لبيان اختلاف الرواية. والظاهر من مخالفة صاحب اللسان بين ضبط الكلمتين أنهما بيان للرواية.

([15]) ورد البيت في الأصل منقوصاً منه الكلمتان اللتان أثبتهما من اللسان (18: 94)، وروايته في اللسان: "تنام ويذهب" على الخطاب.

([16]) البيت من معلقته. انظر التبريزي 241.

([17]) يقال بلت من بابي نصر وتعب، وأبلت أيضاً.

([18]) صدره كما في المفضليات (1: 107) واللسان (2: 315):

* كأن لها في الأرض نسياً تقصه *

([19]) ذكر في المجمل أنها لغة حمير، وكذا كتب ابن منظور.

([20])أنشد هذا العجز في اللسان (2: 316).

([21]) في الأصل: "عليها الفجاح الطوامسا"، صوابه من المجمل.

([22])البيت للعجاج في ديوانه 9 واللسان (بلج).

([23])أنشده في الجمهرة (1: 212).

([24]) كذا ورد هذا البيت.

([25]) في الأصل: "ما دام".

([26])البيت في ديوانه 160. وعجزه في اللسان (3: 228). ورواية الديوان:

وإذا حمل عبئاً بعضهم *** فاشتكى الأوصال منه وأنح

([27]) هو بشر بن أبي خازم، كما في اللسان (3: 238).

([28]) ليست في اللسان ولا في المخصص في باب (القصاع). وفي القاموس: "والبلحلح القصعة لا قعر لها". وأورد اللسان في (زلح) والمخصص (5: 58): "الزلحلحة" بمعناها. وأنشد فيهما:

ثمت جاؤوا بقصاع ملس *** زلحلحات ظاهرات اليبس

([29])في الأصل: "عن".

([30]) البيت في ديوان ذي الرمة 638 واللسان (4: 63).

([31]) في اللسان والأزمنة والأمكنة (1: 194، 313) أنها موضع لا نجوم فيه. وذكر الجوهري أنها ستة أنجم من القوس.

([32]) صدره كما في اللسان (4: 64) والأغاني (1: 115، 118/8: 176، 177):

* عرف الديار توهماً فاعتادها *

([33]) البيت في اللسان (4: 65) بدون نسبة كما هنا.

([34]) وكذا جاءت روايته في اللسان (4: 63)، لكن في (19: 235): "ومتلف بين موماة" .

([35]) الذي في اللسان أن "البلز الرجل القصير". وأما "البلأز" فقد ذكره اسماً من أسماء الشيطان.

([36]) من الآية 77 في سورة المؤمنين. وفي الأصل: "فإذا" تحريف. أما التي فيها الفاء فهي الآية 44 من سورة الأنعام: {فإذا هم مبلسونبدون ذكر "فيه". وفي الآية 75 من الزخرف: {وهم فيه مبلسون.

([37]) لم ترغ، من الرغاء، وهو صوتها. وفي الأصل: "لم ترع" مع ضبط العين المهملة بالفتح، والصواب من المجمل واللسان والقاموس ، وهو ما يقتضيه الكلام.

([38]) لم يذكر اللسان في المادة شيئاً من هذه المعاني، وذكرت جميعها في القاموس.

([39]) ليس في ديوانه. وأنشده في اللسان (بلط) منسوباً إليه، وكذا في معجم البلدان (2: 271). وورد بدون نسبة في الجمهرة (1: 308). وفي "بلطة" تأويلات كثيرة ذكرها في اللسان. وعجز البيت كما في الجمهرة:

* فيا كرم ما جار ويا حسن ما محل *

وفي اللسان: "فيا كرم ويا كرم"، وفي البلدان: "فيا حسن ويا كرم".

([40]) المذكور في المعاجم "البالوعة" و"البلوعة" و"البلاعة".

([41]) وكذا عبارة المجمل. وفي اللسان: " والبلعة سم البكرة وثقبها الذي في قامتها وجمعها بلع".

([42]) في اللسان (بلق) والمجمل: "فالحصن منثلم".

ـ (باب الباء والنون وما يثلثهما في الثلاثي)

(بني) الباء والنون والياء* أصلٌ واحد، وهو بناءُ الشيء بِضَمِّ بعضِه إلى بعضٍ. تقول بَنَيْتُ البناءَ أبنيه. وتسمَّى مكةُ البَنِيّة. ويقال قوس بَانِيةٌ، وهي التي بَنَتْ على وَترِها، وذلك أن ْيكاد وتَرُها ينقطع للُصُوقه بها. وطيّئ تقول مكانَ بانيةٍ: بَانَاةٌ؛ وهو قول امرئ القيس:

* غَيْرِ بَانَاةٍ عَلَى وَتَرِهْ([1]) *

ويقال بُنْيَةٌ وَبُنىً، وبِنْيَة وبِنىً بكسر الباء كما يقالَ: جِزية وجِزىً، ومِشيَةٌ ومِشىً.

(بنو) الباء والنون والواو كلمةٌ واحدة، وهو الشيء يتولَّد عن الشيء، كابنِ الإنسان وغيره. وأصل بنائه بنو، والنّسْبة إليه بَنَويٌّ، وكذلك النسبة إلى بِنْت وإلى بُنَيَّات الطّريق. فأصل الكلمة ما ذكرناه، ثم تفرِّع العرب. فتسمّي أشياءَ كثيرةً بابن كذا، وأشياءُ غيرها بُنّيتْ كذا، فيقولون ابن ذُكاء الصُّبح، وذُكاءُ الشّمس، لأنّها تذكُو كما تذكو النّار. قال:

* وابنُ ذُكاءَ كامِنٌ في كَفْرِ([2]) *

وابن تُرْنا: اللّئيم. قال أبو ذؤيب:

فإنَّ ابن تُرْنا إذا جئتكم *** يُدَافعُ عَنِّي قَوْلاً بَريحا([3])

شديداً من بَرَّحَ به. وابن ثَأْداءَ([4]): ابن الأَمَة. وابن الماء: طائر. قال:

وردتُ اعتِسَافاً والثُّريَّا كأنّها *** على قِمّةِ الرّأس ابنُ ماءٍ مُحَلِّقُ([5])

وابن جَلاَ: الصُّبح، قال:

أنا ابنُ جَلاَ وطلاََّّعُ الثَّّنَايا  *** متى أَضَعِ العِِمامةََ يَعْرِِفُُوني([6])

ويقال للذي تَنْزِلُ به الملمّة ([7]) فيكشفها: ابن مُلمّة، وللحَذِر: ابن أحْذَار. ومنه قول النابغة([8]):

بلِّغ زياداً وَحَيْنُ المَرْءِ يدركُه *** فلو تَكَيَّسْتَ أو كنتَ ابنَ أَحْذار([9])

ويقال لِلَّجَّاج: ابن أَقْوال([10])، وللذي يتعسَّف المفاوز: ابنُ الفَلاةِ، وللفقير الذي لا مأوى له غيرُ الأرض وتُرَابِها: ابن غَبْراء. قال طَرَفَة:

رأيت بني غَبْرَاءَ لا يُنكِرونَنِي *** ولا أهلُ هَذَاكَ الطِّرَافِ الممدَّدِ([11])

وللمسافر: ابن السّبيل. وابنُ ليل: صاحبُ السُّرى. وابنُ عَمَلٍ: صاحب العملِ الجادُّ فيه. قال الراجز:

* يا سعد يابنَ عَمَلٍ يا سَعْدُ([12]) *

ويقولون: هو ابن مدينةٍ إذا كان عالماً بها([13])، وابن بجدَتِها([14]) أي عالِمٌ بها

وبجدَة الأمر: دِخْلتُه. ويقولون للكريمِ الآباءِ والأمَّهاتِ هو ابنُ إحداها([15]). ويقال للبَرِئ من الأَمر هو ابن خَلاَوةَ، وللخبز ابن حَبَّةَ، وللطريق ابن نعامة([16]). وذلك أنّهم يسمّون الرِّجْل نَعامة. قال:

* وابنُ النَّعامةِ يوم ذلكَ مَرْ كَبي *

وفي المثل: "ابنُكَ ابنُ بُوحِكَ" أي ابنُ نَفْسِك الذي وَلدْتَه. ويقال لليّلة التي يطلُع فيها القمر: فَحْمَةُ ابنِ جَمِير. وقال:

نهارُهُمُ ليْلٌ بَهيمٌ وليلُهمْ  *** وإن كان بَدْراً فحمةُ ابنِ جمِيرِ([17])

يصِفُ قوماً لُصوصاً. وابن طَابٍ: عِذْقٌ بالمدينة ([18]). وسائر ما تركنا ذكره من هذا الباب فهو مفرَّقٌ في الكتاب، فتركنا كراهة التطويل.

ومما شذّ عن هذا الأصل المِبناة النِّطْع. قال الشاعر ([19]):

على ظَهْرِ مَبْنَاةٍ جَديدٍ سُيورُها *** يَطَُوف بها وَسْطَ اللَّطيمةِ بائِعُ

(بنج) الباء والنون والجيم كلمة واحدةٌ ليست عندي أصلاً، وما أدري كيف هي في قياس اللغة، لكنّها قد ذُكِرَتْ. قالوا: البِنْجُ الأصْل، يقال رجَع إلى بِنْجِه.

(بند) الباء والنون والدال أصلٌ فارسيُّ لا وجْهَ لذِكْره([20]).

(بنس) الباء والنون والسين كلمةٌ واحدة، يقال بنَّسَ عن الشيءِ ([21]) تبنيسا، إذا تأخَّر عنه.

(بنق) الباء والنون والقاف كلمةٌ واحدة، وأراها من الحواشي غير واسطة. وهي البَنيقة، وهو جُِرُِبّان القَميص. ويقال: البَنِيقة كلُّ رُقْعةٍ في الثّوب كاللَّبِنَةِ ونحوها. على أنّها قد جاءَتْ في الشِّعر. قال:

يضمّ إليَّ الليلُ أطفالَ حُبِّها *** كما ضَمَّ أزْرارَ القَميصِ البنائقُ([22])

(بنك) الباء والنون والكاف* كلمة واحدة، وهو قولهم تَبَنَّكَ بالمكان أقام به، وهي شِبْه التي قَبْلَها.

ــــــــــــــــ

([1])صدره كما في الديوان 151 واللسان (18: 104) :

* عارض زوراء من نشم *

([2]) الرجز لحميد الأرقط، كما في اللسان (كفر) وأنشده في (بني) بدون نسبة.

([3]) كذا يرى اللغويون في تفسير البيت. انظر اللسان (ترن) والمخصص (13: 198) والمزهر (1:

520). وأرى أن (ابن ترنى) هذا شخص بعينه من شعراء الهذليين، أثبت لـه السكري مناقضة لعمرو ذي الكلب في شرح أشعار الهذليين 238. وروى السكري لعمرو ذي الكلب في 235 يخاطب ابن ترنى هذا:

على أن قد تمناني ابن ترنى  *** فغيري ما تمن من الرجال

([4]) ثأداء، بسكون الهمزة وفتحها. وفي الأصل: "ثأد" صوابه في اللسان (ثاد) والمخصص.

([5]) البيت لذي الرمة في ديوانه 401 واللسان (عسف).

([6]) وكذا روي في (جلو) ويروى: "تعرفوني". والبيت لسحيم بن وثيل الرياحي. انظر الأصمعيات 73 واللسان (جلا) والخزانة (1: 123).

([7]) في الأصل: "الملم".

([8]) كذا. والصواب أنه لبدر بن حوار الفزاري يرد به على النابغة ويوبخه. والذي جلب هذا الخطأ أن البيت مروي في ديوان النابغة، وكثيراً ما يرد شعر شاعر في ديوان غيره لخبر أو لمناقضة. انظر النابغة 44 من مجموع خمسة دواوين.

([9]) البيت بدون نسبة في المخصص (13: 204) برواية "وإن تكيس أو كان". كما في الديوان. وفي الأصل هنا. "فلو تكسبت"، تحريف. وزياد: اسم النابغة.

([10]) في اللسان: "وابن أقوال الرجل الكثير الكلام". وفي المخصص: "وإنه لابن أقوال إذا كان جيد القول". وانظر المزهر (1: 520).

([11]) البيت من معلقته.

([12]) روايته في المخصص (13: 203): "يا ابن عملي"، وفسره يقوله: "أي يا من يعمل عملي".

([13]) ويقال ابن المدينة، أي ابن الأمة، وبكلا الوجهين فسر قول الأخطل:

ربت وربا في حجرها ابن مدينة *** يظل على مسحاته يتركل

انظر اللسان ( مدن) والمخصص (13: 199) والمزهر (1: 520).

([14]) ضبطت في اللسان والقاموس بالفتح، وبالضم، وبضمتين. وفي المخصص بتثليث الباء ضبط قلم.

([15]) في المخصص (13: 199): "ابن السكيت: إنه لابن إحداها، إذا كان قوياً على الأمر عالما به. وقال الأحول: لا يقوم بهذا الأمر إلا ابن أجداها، بالجيم، يريد كريم الآباء والأجداد. وقول ابن السكيت أعرف". وانظر المزهر (1: 520).

([16]) فسر النعامة بالرجل. والصحيح أن ابن النعامة اسم فرس الشاعر، وهو خزز بن لوذان السدوسي. انظر اللسان (نعم 64) والخيل لابن الأعرابي 92. وصدر البيت:

* ويكون مركبك القعود وحدجه *

ويروى : "القلوص ورحله".

([17]) لابن أحمر، كما في اللسان (جمر). ويروى: "نهارهم ظمان ضاح".

([18]) في الصحاح: "وتمر بالمدينة يقال عذق ابن طاب ورطب ابن طاب".

([19]) هو النابغة، ديوانه 50، واللسان (18: 104).

([20]) البند: العلم الكبير. وهذا ما عربته العرب من المادة. على أنهم قالوا من غير تعريب: البند الذي يسكر من الماء. ويسكر بالبناء للمفعول، أي يحبس أو يسكن هو. وقالوا أيضاً: فلان كثير البنود، أي كثير الحيل. وذكر في القاموس "البنودة" كسفودة: الدبر.

([21]) في الأصل : "على الشيء"، صوابه من المجمل واللسان.

([22]) البيت للمجنون، كما في اللسان (بنق).

 


ـ (باب الباء والهاء وما بعدهما في الثلاثي)

(بهو) الباء والهاء والواو أصلٌ واحد، وهو البيتُ وما أشبَهَهُ. فالبَهْو البيتُ المقدَّم أمامَ البيوت. والبَهْو كِنَاس الثَّور. ويقال البَهْو مَقِيل([1]) الولد بين الورِكَين من الحَامِلِ. ويقال لجَوْف الإنسان وغيره البَهْو.

(بهي) الباء والهاء والياء أصلٌ واحد، وهو خُلُوّ الشيءِ وتعطُّله. يقال بيتٌ باهٍ إذا كان خالياً لا شيء فيه. ويقولون: "المِعْزَى تُبْهِي ولا تُبْنِي" وذلك أنّه لا يُتَّخَذ من شُعورها بيوتٌ، وهي تَصْعَدُ الخِيَمَ فتمزِّقُها. وفي بعض الحديث: "أَبْهُوا الخَيْل" أي عطِّلوها.وربما قالوا بَهِيَ البَيْتُ بَهَاءً، إذا تَخَرَّقَ.

(بهأ) الباء والهاء والهمزة أصلٌ واحد، وهو الأُنْس. تقول العرب: بَهأْتُ بالرَّجُلِ إذا أنِسْتَ به. قال الأصمعيُّ في كتاب الإبل: ناقةٌ بَهَاءٌ ممدود، إذا كانت قد أَنِسَتْ بالحالب. قال: وهو من بهأتُ إذا أنست به. والبَهاء الحُسْن والجمال؛ وهو من الباب، لأنّ الناظر إليه يأْنَس.

(بهت) الباء والهاء والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو كالدَّهَش والحَيْرة. يقال بُهِتَ الرجل يُبْهَتُ بَهْتاً. والبَهْتَةُ الحيرة. فأمّا البُهْتان فالكذب. يقول العرب: يا لَلبَهيتة، أي يا لَلكذِب.

(بهث) الباء والهاء والثاء ليس بأصل، وقد ([2]) سُمِّي الرجل بُهثَة.

(بهج) الباء والهاء والجيم أصلٌ واحد، وهو السرور والنَّضْرة، يقال نباتٌ بهيجٌ، أي ناضِرٌ حَسَن. قال الله تعالى: {وَأَنْبَتْنَا فيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ} [ق 7]. والابتهاج السُّرورُ من ذلك أيضاً.

(بهر) الباء والهاء والراء أصلان: أحدهما الغَلَبة والعُلوّ، والآخر وَسَط الشيء.

فأمّا الأوّل [فقال] أهلُ اللغة: البَهْر الغَلَبة. يقال ضوءٌ باهر. ومن ذلك قولهم في الشتم: بَهْراً، أي غَلَبَةً ([3]). قال :

وَجَدّاً لقَومِي إذْ يَبيعُون مُهْجتي *** بجاريةٍ بَهْراً لَهُمْ بَعْدَها بَهْرَا([4])

يدعُو عليهم. وقال ابنُ أبي ربيعة:

ثم قالوا تُحِبُّها قلت بَهْراً *** عَدَدَ الرَّمْلِ والحصَى والتُّرابِ([5])

فقال قومٌ: معناها بهراً لكم. وقال آخرون: معناها حُبّاً قد غَلَبَ وبَهَر. وقال آخرون: معناه قلت ذلك مُعْلِناً غير كاتم له. قال: ومنه ابتُهر فلان بفلانة أي شُهِر بها. ويقال ابتُهر بالشيء شُهِرَ به وغَلَبَ عليه. ومنه القَمر الباهر، أي الظاهر. والعربُ تقول: "الأزواج ثلاثة: زوجُ بَهْرٍ، وزوجُ دَهْرٍ، وزوجُ مَهر".

البَهْر يقال للذي يَبْهَر العُيونَ بحُسْنه، ومنه من يُجعَل عُدَّة للدّهر ونَوائبه، ومنهم مَن ليس فيه إلا أنْ يُؤخَذَ منه المَهْر.

وإلى هذا الباب يرجع قولُهم: ابتُهِرَ فلانٌ بفلانة. وقد يكون ما يُدَّعى من ذلك كَذِباً. قال تميم:

... حين تختلف العَوالي *** وما بي إنْ مَدَحْتُهُمُ ابتِهارُ([6])

أي لا يغلِب في ذلك دعوةُ كَذِبٍ. وقال الكميت:

قَبِيحٌ بمثْلِيَ نَعْتُ الفَتا *** ةِ إمّا ابتهاراً وإمّا ابتيارا([7])

و[أما] الأصل الآخَر فقولهم لوسَط الوادي ووَسَطِ كلِّ شيءٍ بُهْرَةٌ. ويقال ابهَارَّ الليلُ، إذا انَتصَفَ. ومنه الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم سارَ ليلةً حَتّى ابهَارَّ الليل". والأباهر في ريش الطائر. ومن بعض ذلك اشتقاقُ اسم بَهْرَاء([8]).

فأمّا البُهار الذي يُوزَن به فليس أصله عندي بَدَوِيّاً.

(بهز) الباء والهاء والزاء أصلٌ واحد، وهو الغَلَبَة والدَّفْعُ بعُنْفٍ.

(بهس) الباء والهاء والسين كلمةٌ واحدٌةٌ، يقال إنّ الأسَدَ يسمَّى بَيْهساً.

(بهش) الباء والهاء والشين. شيئان: أحدهما شِبْه الفَرَح، والآخر جِنْسٌ من الشَّجَر.

فالأول قولهم بَهَش إليه إذا رآه فسُرَّ به وضَحِك إليه. ومنه حديث* الحسن: "أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم كان يُدْلِعُ لـه لسانَه فَيَبْهَش الصبيّ له([9])". ومنه قوله:

* وإذا رأيتَ الباهِشِين إلى العُلَى([10]) *

والثاني البَهْش، وهو المُقْل ما كانَ رطباً، فإذا يَبِس فهو خَشْل. وقال عُمَرُ، وبَلَغَه أنّ أبا موسى قَرأ حَرفاً بلغةِ قومِه، فقال: "إنّ أبا موسى لم يكُنْ مِنْ أَهْل البَهْش". يقول: إنه ليس من أهل الحجاز، والمقْلُ ينبُتُ، يقول: فالقرآنُ نازِلٌ بلُغة الحجازِ لا اليَمَن.

(بهظ) الباء والهاء والظاء كلمةٌ واحدةٌ، وهو قولهم بَهَظه الأمرُ، إذا ثَقُل عليه. وذا أَمْرٌ باهظ.

(بهق) الباء والهاء والقاف كلمةٌ واحدة، وهو سوادٌ يعترِي الجلدَ، أو لونٌ يخالِفُ لونَه. قال رؤبة:

* كأنَّه في الجِلْدِ تَوْلِيعُ البَهَقْ([11]) *

(بهل) الباء والهاء واللام. أصول ثلاثة: أحدها التّخلية، والثاني جِنْسٌ من الدُّعَاء، والثالث قِلَّةٌ في الماء.

فأمّا الأوّل فيقولون: بَهَلْتُه إذا خَلَّيْتَه وإرادَتَه. ومن ذلك النّاقة الباهِلُ، وهي التي لا سِمَة عليها. ويقال [التي] لاصِرَارَ عليها. ومنه حديث المرأة([12]) لِبعلها: "أبثَثْتُكَ مكتومي، وأطعمتُك مأْدومي، وأَتَيْتُك باهلاً غَيْرَ ذاتِ صِرَارٍ"، وقد أراد تطليقها.

وأمّا الآخَر فالابتهال والتضرُّع في الدُّعاء. والمباهلةُ يرجع إلى هذا، فإنَّ المُتَبَاهِلَين يدعُو كلُّ واحدٍ منهما على صاحِبِه. قال الله تعالى: {ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الكَاذِبِينَ} [آل عمران 61].

والثالث البَهْل وهو الماء القَلِيل.

(بهم) الباء والهاء والميم: أن يبقى الشّيءُ لا يُعْرَفُ المأْتَى إليه. يقال هذا أمرٌ مُبْهَم. ومنه البُهْمةُ: الصخرة التي لا خَرْق فيها، وبها شُبِّه الرّجُل الشُّجَاعُ الذي لا يُقدَرُ عليه من أيِّ ناحيةٍ طُلِب. وقال قوم: البُهْمةُ جماعةُ الفرسان. ومنه البَهيمُ: اللَّونُ الذي لا يخَالِطُه غيرُه، سواداً كانَ أو غيرَه. وأبْهَمْتُ البابَ: أغلقْتُه.

ومما شَذَّ عن هذا الباب: الإبهام من الأصابع. والبَهْم صِغارُ الغَنم. والبُهْمَى نبْتٌ، وقد أبْهَمَتِ الأرضُ كثُرَتْ بُهْمَاهَا. قال:

لها مُوفِدٌ وَفاهُ وَاصٍ كأنّه *** زَرَابيُّ قَيْلٍ قَدْ تُحُومِيَ مُبْهمُ([13])

(بهن) الباء والهاء والنون كلمةٌ واحدة، وفيها أيضاً ردّة([14]) يقال البَهْنانة المرأة الضَّحّاكة، ويقال الطّيِّبة الرِّيح. وقوله:

ألاَ قالَتْ بَهَانِ ولم تأبَّقْ  *** بَلِيتَ ولا يَليقُ بك النَّعيمُ([15])

فإنّه أراد الاسمَ الذي ذكرناه، فأخرجه على فَعَالِ.

ــــــــــــــــ

([1]) في اللسان والمحكم، كما ذكر مصحح اللسان: "مقبل" وهو الموضع الذي تقبل منه القابلة الولد عند الولادة؛ وأراها الصواب، لكن كذا جاءت في الأصل والمجمل والقاموس والتهذيب والتكملة.

([2]) في الأصل: "فقد". وقد ذكر في المجمل: "وفلان لبهثة، أي لزنية". وللمادة معان أخرى في اللسان.

([3]) في الأصل: "غلب". وفي اللسان: "بهرا له، أي تعسا وغلبة".

([4]) البيت لابن ميادة، كما في اللسان (5: 148). جدا، أي قطعاً، دعاء عليهم. ورواية اللسان: "تفاقد قومي"، أي فقد بعضهم بعضاً.

([5])ديوان عمر 117 واللسان (5: 148). وفي الديوان: "عدد النجم".

([6]) كذا ورد منقوص الأول. وفي الأصل" ابتهارا"، صوابه ما أثبت من اللسان (بهر)، ولم يرو صدره في اللسان.

([7])البيت في اللسان (5: 152-154).

([8])هم بنو عمرو بن الحاف. انظر المعارف 51 والاشتقاق 321.

([9]) في اللسان: "وفي الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدلع لسانه للحسن بن علي"، فإذا رأى حمرة لسانه بهش إليه".

([10]) لعبد القيس بن خفاف البرجمي من قصيدة في المفضليات (2: 184-185) واللسان (1: 206-207) وعجزه: * غبراً أكفهم بقاع ممحل *

([11]) ديوان رؤبة 104 واللسان (بهق، ولع). ورواية الديوان واللسان: "كأنها في الجلد".

([12]) هي امرأة دريد بن الصمة، كما سبق في مادة (أدم 72).

([13]) أنشده في اللسان (20: 285). والموفد، هنا: السنام. والواصي: النبت المتصل. والقيل: الملك. والمبهم: ذو البهمى الكثيرة.

([14]) كذا في الأصل.

([15]) البيت في نوادر أبي زيد 16 واللسان (11: 283) منسوب إلى غامان بن كعب. وسماه في (16: 207): "عاهان بن كعب". وكلمة "لم" ساقطة من الأصل. وقد سبق البيت في (أبق 39).

 

ـ (باب الباء والواو وما معهما في الثلاثي)

(بوأ) الباء والواو والهمزة أصلان: أحدُهما الرُّجوع إلى الشيءِ، والآخر تساوِي الشّيئين.

فالأوّل الباءَة والمباءَة، وهي مَنزلة القوم، حيثُ يتبوّؤُون في قُبُلِ وادٍ [أ]و سَنَدِ جبل. ويقال قد تبوَّؤوا، وبوّأهم اللهُ تعالى مَنْزِلَ صِدْق. قال طرفة:

طيّبُو البَاءةِ سهلٌ ولَهُمْ *** سُبُلٌ إنْ شِئْتَ في وَحْشٍ وَعِرْ([1])

وقال ابن هَرْمَة:

وبُوِّئَتْ في صَمِيم مَعْشَرِها *** فتَمَّ في قومِها مُبَوَّؤُها([2])

والمَبَاءة أيضاً: منْزِل الإبل حيثُ تُناخُ في الموارد. يقال أبَأْنَا الإبِلَ نُبِيئُهَا إباءةً -ممدودة- إذا أنختَ بعضها إلى بعض. قال:

خليطان بينهما مِئْرَةٌ *** يُبِيئانِ في مَعْطِنٍ ضَيِّقِ([3])

وقال:

* لهم منْزلٌ رحبُ المباءةِ آهِل *

قال الأصمعيّ: يقال قد أباءَها الرَّاعِي إلى مَبَائِها فتبوَّأَتْه، وبوَّأَها إيَّاهُ تَبْوِيئاً. أبو عُبيد: يقال فلانٌ حسن البِيئَةِ على فِعْلة، من قولك تبوَّأْتُ منْزِلاً. وبات فلانٌ ببيئة سَوء ([4]). قال:

ظَلِلْتُ بذي الأرْطَى فَويْقَ مُثَقَّبٍ  *** ببيئَةِ سوءٍ هالكاً أو كهَالِكِ([5])

ويقال هو ببيئة سَوْءٍ بمعناه([6]). *قال أبو مهديّ: يقال باءَتْ على القومِ بائِيَتُهم إذا راحَتْ عليهم إبِلُهم. ومن هذا الباب قولهم أَبِئْ عليه حَقَّه، مثل أرِحْ عليه حَقّه. وقد أباءَه عليه إذا ردَّه عليه. ومن هذا الباب قولُهم باءَ فلان بذَنْبِه، كأنّه عاد إلى مَبَاءته محتملاً لذنْبه. وقد بُؤْت بالذَّنْبِ، وباءَت اليهودُ بغَضَب الله تعالى.

والأصل الآخَر قولُ العرب: إنّ فلاناً لَبَوَاءٌ بفلانٍ، أي إنْ قُتِل به كان كُفْواً. ويقال أَبَأْتُ بفلانٍ قاتِلَه، أي قتَلْتُه. واستَبَأْتُهُمْ قاتِلَ أخِي، أي طلبْتُ إليهم أنْ يُقِيدُوه([7]). واستبَأْتُ به مثلُ استقَدْت. قال:

فإنْ تقتُلوا مِنّا الولِيدَ فإنّنا  *** أبَأْنَا به قَتْلَى تُذِلُّ المَعَاطِسا([8])

وقال زُهير:

فلم أر معشراً أَسَرُوا هَدِيّاً *** ولم أرَ جارَ بيتٍ يُسْتَباءُ([9])

وتقول: باءَ فلانٌ بفُلانٍ، إذا قُتِل به. قال:

ألاَ تَنْتَهِي عَنّا ملُوكٌ وتَتَّقِي  *** مَحارِمَنا لا يَبْوُءِ الدَّمُ بالدَّمِ([10])

أي مِنْ قَبْل أَنْ يَبُوءَ الدِّماء؛ إذا استوَتْ في القَتْل([11]) فقد باءتْ.

ومن هذا الباب قولُ العرب: كلَّمْناهُمْ فأجابُونا عن بَوَاءٍ واحدٍ: [أجابوا] كلُّهُمْ جواباً واحدا. وهم في هذا الأمْرِ بَوَاءٌ أي سواءٌ ونُظَراءُ. وفي الحديث: "أنّه أمَرَهُمْ أَنْ يَتَبَاءَوْا"، أي يتباءَوْن في القِصاص. ومنه قول مُهلهلٍ لبُجَير بن الحارث: "بُؤْ بِشِسْعِ كُلَيْبٍ". وأنشد:

فقلت لـه بُؤْ بامْرِئٍ لَسْتَ مِثلَه *** وإنْ كُنْت قُنْعاناً لمن يَطْلُبُ الدَّمَا([12])

(بوب) الباء والواو والباء أصلٌ واحد، وهو قولك تَبَوَّبْتُ بَوَّاباً، أي اتَّخَذْتَ بَوَّاباً والباب أصلُ ألفهِ واوٌ، فانقلبت ألفاً. فأمَّا البَوْبَاةُ فمكانٌ، وهو أوّلُ ما يَبدُو من قَرْنٍ إلى الطَّائف. قال المتلمّس:

لن تسلكي سْبُلَ البَوْباةِ مُنجِدةً *** ما عِشْت عَمْرُو وَما عُمِّرْتَ قابوسُ([13])

(بوث) الباء والواو والثاء أصلٌ [ليس] بالقويّ، لكنّهم يقولون باث عن الأمر بَوْثاً، إذا بَحَثَ عنه.

(بوج) الباء والواو والجيم أصلٌ حسن، وهو من اللّمَعان. يقول العرب: تبَوَّج البَرْقُ تَبَوُّجاً، إذا لَمَع.

(بوح) الباء والواو والحاء أصلٌ واحد، وهو سَعَة الشيء وبروزُه وظهورُهُ، فالبُوحُ جمع باحَةٍ، وهي عَرْصَة الدار. وفي الحديث: "نظِّفوا أفنِيَتَكمْ ولا تَدَعُوها كبَاحَةِ اليَهود". ويقولون في أمثالهم: "ابنُكَ ابنُ بُوحِكَ" أي الذي ولَدْتَه([14]) في باحةِ دارِك.

ومن هذا الباب إباحةُ الشيء، وذلك أنّه ليس بمحظُورٍ عليه، فأمرُهُ واسعٌ غيرُ مُضَيَّق. و[من] القياسِ استباحُوه، أي انتَهَبُوه. وقال:

حَتّى استَباحُوا آلَ عوفٍ عَنْوَةً  *** بالمَشْرَفِيِّ وبالوشيجِ الذُّبَّل([15])

وزعم ابن الأعرابيِّ أنّ البَهْدليّ([16]) قال له: إنّ البَاحَة جماعةُ النّخل. وأنشد:

أعطَى فأعطانِي يَداً ودَارَا *** وبَاحةً خَوَّلهَا عَقَارا([17])

واليدُ جماعةُ قومِهِ ونُصَّارِهِ.

(بوخ) الباء والواو والخاء كلمةٌ فصيحة، وهو السُّكون. يقال باخَت النار بَوْخاً سَكنَتْ، وكذلك الحَرُّ. ويقال باخَ، إذا أعيا؛ وذلك أنّ حركاتِهِ تَبُوخ وتَفْتُر.

(بور) الباء والواو والراء أصلان: أحدهما هَلاك الشّيء وما يشبِهُه من تعطُّلِهِ وخُلُوِّه. والآخَر ابتلاءُ الشّيء وامتحانُه.

فأمّا الأوّل فقال الخليل: البَوَار الهلاك، تقول: بارُوا، وهم بُورٌ، أي ضالُّونَ هَلْكَى. وأبارَهُم فُلان، وقد يقال للواحد والجميع والنِّساء والذّكور بُورٌ. قال الله تعالى: {وكُنْتُمْ قَوْماً بُوراً} [الفتح 12]. قال الكسائيّ: ومنه الحديث: "أنّهُ كان يتعوَّذُ من بَوَار الأَيِّم"، وذلك أن تَكْسُدَ فلا تجِدَ زَوْجاً.

قال يعقوب: البُورُ: الرّجُل الفاسد الذي لا خَيْرَ فيه. قال عبد الله بن الزِّبَعْرِي:

يا رسولَ المليكِ إنَّ لِسَاني  *** راتقٌ ما فَتَقْتُ إذْ أنا بُورُ([18])

قال* [أبو] زيد: يقال إنّه لفي حُور وبُور، أي ضَيْعة. والبائر الكاسِد، وقد بارَتِ البِياعاتُ أي كَسَدَتْ. ومنه دَارَ البَوَارِ} [إبراهيم 28]، وأرضٌ بَوَارٌ ليس فيها زَرع.

قال أبو زياد: البَُور من الأرض الَمَوَْتان([19])، التي لا تصلح أن تُستَخْرَج. وهي أرَضُونَ أَبْوار. ومنه كتاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لأُكَيْدِرَ: "إنّ لنا البَُورَ والمعامِيَ([20])".

قال اليزيديّ: البور الأرضُ التي تُجَمُّ سنةً لِتُزْرَع من قَابِل، وكذلك البَوَار. قال أبو عبيدٍ: عن الأحمر نزلَتْ بَوَارِ على النّاس، أي بلاءٌ. وأنشد:

قُتِلَتْ فكانَ تَظالُماً وَتَباغِياً *** إنَّ التَّظالُم في الصَّديقِ بَوَارُ([21])

والأصل الثاني التّجربة والاختبار. تقول بُرْتُ فلاناً وبُرْتُ ما عندَه، أي جَرَّبتُهُ. وبُرْتُ الناقةَ فأنا أَبُورها، إذا أدنَيْتَها مِن الفَحْلِ لِتُنْظَرَ أحاملٌ هي أم حائل ([22]). وكذلك الفحل مِبْوَرٌ، إذا كان عارفاً بالحالين. قال:

بِطَعْنٍ كآذانِ الفِراءِ فُضُولُه  *** وطَعْنٍ كإيزاغِ المَخَاضِ تَبُورُها([23])

ويقال بَارَ النّاقَةَ بالفَحْلِ. فأمّا قولُه:

مُذكَّرَةُ الثُّنْيَا مُسَانَدَةُ القَرَى  *** تُبَارُ إليها المحْصَنَاتُ النَّجائِبُ([24])

يقول: يُشتَرَى المحصناتُ النَّجائب على صِفَتها، من قولك بُرْتُ الناقة.

(بوش) الباء والواو والشين أصلٌ واحد، وهو التجمُّع من أصنافٍ مختلِفين. يقال: بَوْشٌ بائشٌ، وليس هو عندنا من صميم كلام العرب.

(بوص) الباء والواو والصاد أصلان: أحدهما شيءٌ من الآراب، والآخر من السَّبْق.

فالأوَّل البَُوص، وهي عجيزة المرأة. قال:

عَريضَةِ بَُوصٍ إذا أدبَرَتْ  *** هَضِيمِ الحَشَا شَخْتَةِ المُحْتَضَنْ([25])

والبُوصُ اللَّوْن أيضاً.

فأمّا الأصل الآخر فالبَوْص الفَوْت والسَّبْق، يقال باصَني، ومنه قولهم: خِمْس بائِصٌ([26])، أي جادٌّ مستَعْجِلٌ.

(بوع) الباء والواو والعين أصل واحدٌ، وهو امتداد الشيء. فالبَوْعُ من قولك بُعْتُ الحبل بَوْعاً إذا مدَدْتَ باعَك به. قال الخليل: البَوْع والباع لغتان، ولكنّهُمْ يسمّون البَوْع في الخِلْقة. فأمّا بَسْط الباعِ في الكَرَم ونحوه فلا يقولون إلاّ كريم البَاع. قال:

* له في المجدِ سابِقةٌ وبَاع *

والباع أيضاً مصدر بَاعَ يَبُوع، وهو بَسْط الباعِ. والإبلُ تَبُوع في سَيرها. قال النابغة:

* ببوع القَدْرِ إن قلِقَ الوَضين([27]) *

والرَّجُل يَبُوع بماله، إذا بَسَطَ به باعَه. قال:

لقد خِفْتُ أنْ ألقَى المَنَايا ولم أَنَلْ *** من المال ما أَسْمُو به وأَبُوعُ([28])

وأنشد ابنُ الأعرابيّ:

ومُسْتَامَة تُستامُ وهي رخيصةٌ  *** تبُاعُ بِراحاتِ الأيادِي وتُمْسَحُ([29])

يصف فلاةً تسومُ فيها الإبلُ. رخيصةٌ: لا تَمْتَنِع. تُباع: تمُدّ الإبلُ بها أبواعها. وتُمسَح: تُقْطَع.

قال أبو عبيد: بُعتُ الحِبْلَ أبوعُه بَوْعاً، إذا مدَدْتَ إحدى يديك حتى يصيرَ باعاً. اللِّحيانيّ: إنه لَطَويلُ الباعِ والبَُوع. وقد باعَ في مِشْيته يَبُوع بَوْعاً وتَبوَّع تبوُّعاً، وانْباعَ، إذا طَوَّلَ خُطاه. قال:

يَجْمَعُ حِلْماً وأناةً مَعاً *** ثُمَّتَ يَنْبَاعُ انبِيَاعَ الشُّجاعْ([30])

وتقول العرب في أمثالها: "مُخْرَنْبِقٌ لِيَنْباعَ"، المخْرَنْبِق المطْرِق السّاكت. وقوله: لينباع، أي لِيَثِبَ. يُضرَب مَثَلاً للرجل يُطرِقُ لداهيةٍ يريدها.

قال أبو حاتم: بَوْع الظَّبيِ سَعْيه، دون النَّفْزِ، والنَّفزُ بلوغُه أشَدَّ الإحْضار.

اللِّحيانيّ: يقال والله لا يَبُوعُونَ بَوعَه أبداً، أي لا يبلُغُون ما بَلَغَ. قال أبو زيد: جَمَلٌ بُوَاعٌ([31])، أي جَسِيمٌ. ويقال انباع الزّيت إذا سال([32]). [قال] :

ومُطَّرِِدٌ لَدْنُ الكُعُوبِِ كأنما *** تَغَشَّاهُ مُنْبَاعٌ من الزَّيتِِ سَائِِلُ([33])

ويقال فَرَسٌ بَيِّعٌ([34]) أي بعيدُ الخُطوة؛ وهو من البَوْع. قال العبّاس بن مِرداس:

على مَتْنِ جَرْدَاءِ السّرَاةِ نَبيلةٍ *** كعَالِيَةِ المُرَّانِ بَيِّعَة القَدْرِ

(بوغ) الباء والواو والغين أصلٌ واحد، وهو ثَوَرَان الشّيء. يقال: تبوَّغ إذا ثار([35])، مثل تبيَّغ. والبَوْغاء: التراب يثور عنه غُبَارُه.

(بوق) الباء والواو والقاف ليس بأصل معوَّلٍ عليه، ولا فيه عندي كلمةٌ صحيحةٌ. وقد ذكروا أنّ البُوقَ الكذِب والباطِل. وذَكرُوا بيتاً لحسّان:

* إلاّ الذي نَطَقُوا بُوقاً ولم يَكُنِ([36]) *

وهذا إنْ صَحَّ فكانَّه حكايةُ صوتٍ.

فأمّا قولهم: باقَتْهُمْ بائقةٌ وهي الدّاهِيَةَ تَنْزلُ، فليست أصلاً، وأُرَاها مبدلةً من جيم، والبائجة كالفَتْقِ والخَلَلِ([37]). وقد ذكر فيما مضى ([38]).

(بوك) الباء والواو والكاف ليس أصلاً، وهو كنايةٌ عن الفعل. يقال باكَ الحمارُ الأتانَ.

(بول) الباء والواو واللام أصلان: أحدهما ماءٌ يتحلَّب والثاني الرُّوع.

فالأوّل البَوْل، وهو معروف وفلانٌ حسن البِيلَة، وهي الفِعْلة من البَوْل. وأخَذَه بُوالٌ إذا كانَ يُكْثِر البَوْل. وربما عبَّروا عن النّسل بالبَوْل. قال الفرزدق:

أبي هُوَ ذُو البَوْلِ الكثيرِ مُجاشِعٌ *** بكلِّ بِلادٍ لا يَبوُل بها فَحْلُ([39])

قال الأصمعيُّ: يقال لنُطَفِ البِغال أبوالُ البِغال، ومنه قيل للسَّراب "أبوالُ البغال" على التشبيه. وإنما شُبّه بأبْوالِ البِغال لأنّ بَوْلَ البِغال كاذبٌ لا يُلْقِح، والسّرابُ كذلك. قال ابن مقبل:

بِسَرْوِ حِمْيَرَ أَبْوالُ البِغالِ به *** أنَّى تَسدَّيتَ وَهْناً ذلك البِينا([40])

قال ابن الأعرابيّ: شَحْمةٌ بَوّالَة، إذا أَسْرَع ذَوْبُها. [قال]:

إذْ قالت النَّثُولُ للجَمُولِ *** يا ابنةَ شَحْمٍ في المَرِيءِِ بُولِي([41])

الجَمُول: شَحمة تُطبَخ. والنَّثول: المرأة التي تُخْرجُها من القِدْر. ويقال زِقٌّ بَوَّالٌ إذا كان يتفجَّر بالشَّراب، وهو في شعر عَدِيّ.

وأما الأصل الثاني فالبَال: بالُ النفس. ويقال ما خَطَر بِبالي، أي ما أُلْقِيَ في رُوعي. فإنْ قال قائل: فإنَّ الخليلَ ذكَرَ أنّ بال النَّفْس هو الاكتراث، ومنه اشتقَّ ما باليتُ، ولم يخْطُِر ببالي. قيل له: هو المعنى الذي ذكرناه، ومعنى الاكتراث أن يَكْرُثَه ما وقعَ في نفسه، فهو راجعٌ إلى ما قلناه. والمصدر البَاَلةُ والمبالاةُ. ومنه قول ابن عباس وسُئِل عن الوُضوء باللَّبَن([42]): "ما أُباليهِ بالةً، اسمحْ يُسْمَح لك([43])". ويقولون: لم أُبَال ولم أُبَلْ، على القصر.

وممّا حُمِل على هذا: البال، وهو رَخَاء العَيْش؛ يقال إنه لَرَاخي البال([44])، وناعِمُ البال.

(بوم) الباء والواو والميم كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها. فالبُوم ذكَرُ الهَامِ، وهو جمعُ بُومَة. قال:

قد أعْسِفُ النّازِحَ المجهولَ مَعْسِفُه *** في ظِلِّ أَخْضَرَ يدعُو هَامَهُ البُومُ([45])

قالوا: وجمعُ البُوم أبوام. قال:

فَلاَةٍ لِصَوْتِ الجِنِّ في مُنْكَرَاتِها *** هَريرٌ وللأبْوامِ فيها نوائحُ([46])

(بون) الباء والواو والنون أصلٌ واحدٌ، وهو البُعْد. قال الخليل: يقال بينهما بَوْنٌ بعيد وبُونٌ -على وزن حَوْر وحُور- وبَيْنٌ بعيدٌ أيضاً، أي فَرْقٌ.

قال ابنُ الأعرابيّ: بانَني فلان يَبُونُني، إذا تَباعَدَ مِنك أو قَطَعَك. قال وبَانَني يَبينُني مثله.

فإن قيل: فكيف ينقاس البُِوَان على هذا؟ قيل له: لا يبعُد؛ وذلك أنّ البُِوَانَ العمودُ من أعمدة الخِباء، وهو يُسْمَك به البيت ويَسمُو به([47])، وتلك الفُرْجة هي البَوْن.

قال أبو مهديّ: البُِوَانَ عَمودٌ يُسمَك به في الطُّنُب المقدَّم في وَسَط الشُّقَّة المروَّقِ بها البيتُ. قال: فذلك هو المعروف بالبُِوان. قال: ثم تسمَّى سائِرُ العَُمَُد بُونا وبُواناتٍ. وأنشد:

* ومَجْلِسه تحتَ البُِوَانِ المقدّمِ *

وقال آخر:

* يمشي إلى بُِوانها مَشْيَ الكَسِلْ([48]) *

ومن الباب: البانةُ، وهي شجرةٌ.* فأمّا ذو البَانِ فكان مِن بلاد بَني البَكَّاء. قال فيه الشاعر:

ووجْدِي بها أيّام ذِي البانِ دَلَّها  *** أميرٌ لـه قلبٌ عَلَيَّ سليمُ

وبُوانَةُ: وادٍ لبَنِي جُشَمَ([49]).

(بوه) الباء والواو والهاء ليس بأصلٍ عندي، وهو كلامٌ كالتهكُّم والهُزْء. يقولون للرّجُل الذي لا خَيْر فيه ولا غَنَاءَ عِنده: بُوهَة. قال:

يا هِنْدُ لا تَنْكحِي بُوهَةً *** عليهِ عَقِيقتُه أحسَبَا([50])

ومثله قولهم إنّ البُوهَ طائرٌ مثلُ البُومة. قال:

* كالبُوهِ تَحْتَ الظُّلَّةِ المرشُوشِ([51]) *

قال: يقول: كأني طائرٌ قد تَمَرَّطَ ريشُهُ من الكِبرَ، فرُشَّ عليه الماءُ ليكون أسرَع لنَبَات ريشِه. قال: هو يُفعل هذا بالصُّقُورةِ خَاصَّةً. قالوا: وإيّاه أرادَ امرؤُ القيس، فشبَّه به الرّجُلَ، وهذا يدلُّ على ما قُلْناه. وكذلك البُوهَة، وهو ما طارَتْ به الرِّيح من التُّراب. يقال: "أَهْوَنُ مِن صَوفَةٍ في بُوهَةٍ".

ــــــــــــــــ

([1]) ديوان طرفة 67 واللسان (1: 31).

([2]) البيت بدون نسبة في اللسان (1: 31).

([3]) البيت في اللسان (1: 31) برواية "حليفان" و"في عطن".

([4]) في الأصل: "وباءت فلان بيئة سوء" تحريف، صوابه من المجمل حيث قال: "وبات ببيئة سوء أي بحالة سوء".

([5]) البيت لطرفة في ديوانه 55 والأصمعيات 55. وفي الديوان: "بكينة سوء".

([6]) كذا وهو تكرار لما سبق. وفي المجمل: "كما يقال بحيبة سوء "وبكينة سوء".

([7]) في الأصل: "أن يقيدونه".

([8]) للعباس بن مرداس من قصيدة له في الأصمعيات 35 برواية: "فإن يقتلوا منا كريما".

([9]) ديوان زهير 79 واللسان (1: 30/20: 235).

([10]) البيت لجابر بن حني التغلبي في المفضليات (2: 11).

([11]) في الأصل: "إذا استوت الدماء في القتل".

([12]) هو لرجل قتل قاتل أخيه، كما في اللسان (1: 30). والبيت أيضاً أو نظيره في اللسان (10: 171).

([13]) في الأصل: "أن تسبقي سبل البوباة منجية"، صوابه من ديوان المتلمس ص5 مخطوطة الشنقيطي، ومعجم البلدان (البوباة).

([14]) في الأصل: "ولدتك" تحريف. وقد سبق المثل في ص305.

([15]) البيت لعنترة في ديوانه 178 واللسان (3: 239).

([16]) البهدلي، هذا، هو أبو صارم البهدلي، من بني بهدلة، كما في اللسان (3: 239). وفي الأصل: "الهذلي" تحريف، صوابه في اللسان وأمالي ثعلب 244.

([17]) البيتان في أمالي ثعلب واللسان (3: 239/ 20: 309).

([18]) البيت في اللسان (بور).

([19]) يقال بالفتح والتحريك.

([20]) البور، بالفتح: مصدر سمي به، وبالضم: جمع بوار بالفتح. وبهما روي الحديث: انظر اللسان (5: 154).

([21]) البيت لأبي مكعت الأسدي، واسمه منقذ بن خنيس، أو اسمه الحارث بن عمرو. انظر اللسان  (5: 153). وضمير "قتلت" لجارية اسمها أنيسة.

([22]) زاد فى اللسان: "لأنها إذا كانت لاقحا بالت في وجه الفحل إذا تشممها" وبه يفسر البيت التالي.

([23]) البيت لمالك بن زغبة الباهلي كما في اللسان (1: 116/ 5: 154/ 10: 343). وصواب رواية صدره: "بضرب" كما سيأتي في (فري). وانظر الحيوان (3: 256) والكامل 181 ليبسك، وديوان المعاني (2: 73).

([24]) أنشد نظيره في اللسان (سند، ثنى):

مذكرة الثنيا مساندة القرى *** جمالية تختب ثم تنيب

([25]) في (حضن): "عبلة المحتضن". وهو للأعشى في ديوانه 15 واللسان (8: 274) وقبله في الديوان:

من كل بيضاء ممكورة  *** لها بشر ناصع كاللبن

([26]) الخمس: أحد أظماء الإبل، ويقال فلاة خمس، إذا انتاط وردها حتى يكون ورد النعم اليوم الرابع سوى اليوم الذي شربت وصدرت فيه. وفي الأصل: "خمص بائص"، تحريف. وأنشد للراعي:

حتى وردن لتم خمس بائص  *** جدا تعاوره الرياح وبيلا

([27]) ليس في ديوانه، ولم ينشد في (بوع) من اللسان.

([28]) البيت للطرماح في ديوانه 155 واللسان (9: 369).

([29]) البيت لذي الرمة في ملحقات ديوانه واللسان والتاج (سوم، بوع، مسح).

([30]) للسفاح بن بكير اليربوعي من قصيدة في المفضليات (2: 122).

([31]) كذا ضبط في الأصل بضم الباء وفتح الواو، وهو نظير طوال بالضم بمعنى الطويل. وضبط في اللسان بفتح الباء وتشديد الواو ضبط قلم. ولم ترد الكلمة في القاموس.

([32]) في الصل: "سئل".

([33]) البيت لمزرد بن ضرار أخي الشماخ، من قصيدة في المفضليات (1:97).

([34]) في الأصل: "بتيع".

([35]) في الأصل: "إذا كان". وفي المجمل: "وتبوغ الدم مثل تبيغ".

([36]) من أبيات له في ديوانه 411 يرثي بها عثمان بن عفان. وصدره كما في الديوان واللسان (بوق): * ما قتلوه على ذنب ألم به *

([37]) في اللسان: "وانباجت بائجة، أي انفتق فتق منكر".

([38]) لم يذكر في مادة (بوج) فهو سهو منه، أو سقط مما مضى.

([39]) رواية ديوانه 693: "ونحن بنو الفحل الذي سال بوله".

([40]) سرو حمير: من منازل حمير بأرض اليمن، تسديت، يخاطب الطيف. ويجوز أن يقرأ "تسديت" بكسر التاء مخاطبة للحبيبة. انظر اللسان (16: 218). والبين، بالكسر: واحد البيون، وهي التخوم والنواحي.

([41]) انظر اضطراب اللغويين ضد تفسير هذين البيتين في اللسان (13: 135/ 14: 169).

([42]) كذا. وفي اللسان (سمح): "وفي الحديث أن ابن عباس سئل عن رجل يشرب لبنا محضاً، أيتوضأ؟".

([43]) أبو عبيدة: "اسمح يسمح لك بالقطع والوصل جميعاً".

([44]) الراخي، وردت هنا بالألف، وهي صحيحة، وفي اللسان: "... فهو راخ ورخي، أي ناعم".

([45]) البيت لذي الرمة في ديوانه 574 واللسان (عسف، ظلل). وسيأتي في (ظل، عسف).

([46]) البيت لذي الرمة في ديوانه 101. وقبله:

وتيه خبطنا غولها فارتمى بها *** أبو البعد من أرجائها المتطاوح

([47]) في الأصل: "وهو يسمك بالشيء ويسمو به". وفي اللسان أن المسماك عمود من أعمدة الخباء يسمك به البيت.

([48]) في الأصل: "أبوانها".

([49]) في الأصل: "لبني حيثم"، صوابه من معجم البلدان، ونصه: "ماء بنجد لبني جشم".

([50]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 154 والمجمل واللسان (بوه، عقق، حسب).

([51]) البيت لرؤبة في ديوانه 79 واللسان (بوه). وقبله:

لما رأتني نزق التحفيش *** ذا رثيات دهش التدهيش

 

ـ (باب الباء والياء وما يثلثهما)

(بيت) الباء والياء والتاء أصلٌ واحد، وهو المأْوَى والمآب ومَجْمَع الشّمْل. يقال بيتٌ وبُيوتٌ وأبياتٌ. ومنه يقال لبيت الشِّعر بيتٌ على التشبيه لأنه مَجْمَع الألفاظِ والحروفِ والمعاني، على شرطٍ مخصوصٍ وهو الوَزْن. وإيَّاهُ أراد القائل:

وبَيتٍ على ظَهْرِ المَطِيّ بَنَيْتُه *** بأسمَرَ مَشْقُوق الخياشِيم يَرْعُفُ([1])

أراد بالأسمر القلم. والبيت: عِيالُ الرّجُل والذين يَبيت عِندهم. ويقال:

ما لِفُلانٍ بِيتةُ ليلَةٍ، أي ما يَبيت عليه من طَعامٍ وغيرِه. وبيّتَ الأمْرَ إذا دَبّرَه ليلاً. قال الله تعالى: {إذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ القَوْلِ} [النساء 108]، أي حينَ يجتمعون في بُيوتهم. غير أنّ ذلك يُخَصّ بالليل. النهار يظَلُّ كذا. والبَيُّوتُ: الماءُ الذي يبيت ليلاً. والبَيُّوتُ: الأمر يُبَيِّتُ عليه صاحبُه مهتَمّاً به. قال أُمَيّة([2]):

وأَجْعَلُ فُقْرَتَها عُدَّةً *** إذا خِفْتُ بيُّوتَ أَمْرٍ عُضالِ([3])

والبَيَات والتَّبْييت: أن تأتي العَدُوَّ ليلاً، كأنّك أَخَذْتَه في بَيْتِهِ. وقد روي عن [أبي] عبيدة أُنه قال: بُيِّتَ الشيءُ إذا قُدِّر، ويُشَبَّه ذلك بتقدير بيوت الشَّعر. وهذا ليس ببعيدٍ من الأصل الذي أصّلناه وقِسْنا عليه.

(بيح) الباء والياء والحاء ليس بأصلٍ ولا فَرْعٍ، وليس فيه إلا البِياح، وهو سَمَكٌ.

(بيد) الباء والياء والدال أصلٌ [واحدٌ]، وهو أن يُودِيَ الشيءُ. يقال بادَ الشيءُ بَيْداً وبُيُوداً، إذا أَوْدَى([4]). والبَيْداءُ المفازة من هذا أيضاً. والجمعُ بينهما في المعنى ظاهرٌ. ويقال إنّ البَيْدَانَةَ الأتَانُ تَسكُن البيداءُ([5]). فأمّا قولهم بَيْدَ، فكذا جاءَ بمعنى غيْرَ، يقال فُعِلَ كذا بَيْدَ أنّه كان كذا. وقد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "نحن الآخِرُون السّابِقون يومَ القيامة، بَيْد أنَّهمْ أُوتُوا الكتابَ مِنْ قَبْلِنا وأُوتينا مِن بَعْدِهم". وقال:

عمداً فَعَلْتُ ذاكِ بَيْدَ أني *** إخَالُ لَوْ هَلَكْتُ لم تُرِنِّي([6])

وهذا يُباينُ القياسَ الأوّل. ولو قيل إنه أصلٌ برأْسِهِ لم يَبْعُد.

(بيص) الباء والياء والصاد ليس بأصلٍ. لأنّ بَيْصَ إتْباعٌ لحَيْص. يقال: وقع القوم في حَيْصَ بَيْصَ ([7])، أي اختلاطٍ. قال:

* لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ([8]) *

(بيض) الباء والياء والضاد أصلٌ، ومشتقٌّ منه، ومشبَّه بالمشتقّ.

فالأصل البَيَاض من الألوان. يقال ابيضَّ الشّيءُ. وأمّا المشتقُّ منه فالبَيْضَة للدّجاجةِ وغيْرِها، والجمع البَيْض، والمشبَّه بذلك بَيْضَة الحديد.

ومن الاستعارة قولهم للعزيز في مكانِه: هو بَيضَة البلَد، أي يُحفَظ ويُحصَّن كما تُحفَظ البيَضة. يقالَ حَمى بَيْضَة الإسلام والدِّين. فإذا عَبَّرُوا عن الذّليل المستضعف([9]) بأنّه بَيْضَة البَلد، يريدون أنّه مَتروكٌ مُفرَدٌ كالبيضة المتْروكة بالعَراء. ولذلك تُسمَّى البَيْضَة التريِكة. وقد فُسِّرَتْ في موضِعِها.

ويقال* باضَتِ البُهْمَى إذا سقَطَتْ نِصالُها. وباضَ الحَرُّ اشتدّ؛ ويراد بذلك أنّه تمكَّنَ كأنَّه باضَ وفَرَّخ وتَوَطّنَ.

(بيظ) الباء والياء والظاء كلمةٌ ما أَعرِفها في صحيحِ كلام العرب، ولو أنّهم ذَكرُوها ما كان لإثباتها وجهٌ. قالوا: البَيْظُ ماءُ الفَحْل.

(بيع) الباء والياء والعين أصلٌ واحدٌ، وهو بَيْع الشّيءِ، ورُبّما سمّيَ الشِّرَى بيعاً([10]). والمعنى واحدٌ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لا يَبِعْ أحدُكُمْ على بَيْع أخيهِ" قالوا: معناه لا يَشْتَرِ على شِرَى أَخِيهِ. ويقال بِعْتُ الشّيءَ بَيعاً، فإنْ عَرَضْتَه للبَيْع قلتَ أبَعْتُه. قال:

فَرضِيتُ آلاءَ الكُمَيْتِ فمَنْ يُبِعْ  *** فَرَساً فليسَ جَوادُنَا بِمُباعِ([11])

(بيغ) الباء والياء والغين ليس بأصلٍ. والذي جاءَ فيه تَبَيُّغُ الدَّمِ، وهو هَيْجه. قالوا: أصله تبغَّى، فقدّمت الياء وأخّرت الغين، كقولك جذب وجبذ، وما أطْيَبَه وأيْطَبَهُ.

(بين) الباء والياء والنون أصلٌ واحد، وهو بُعْدُ الشّيء وانكشافُه. فالبَيْن الفِراق؛ يقال بَان يَبِينُ بَيْنا وبَيْنُونة. والبَيُون([12]) البئر البعيدة القَعْر. والبِينُ: قطعةٌ من الأرضِ قدْرُ مَدِّ البَصَر. قال:

بِسَرْوِ حِمْيَرَ أبوالُ البغَالِ به *** أَنَّى تَسَدّيتَ وَهْناً ذلك البِينَا([13])

وبانَ الشَّيءُ وأبَانَ إذا اتّضَحَ وانْكشَفَ. وفلانٌ أبْيَنُ مِنْ فلانٍ؛ أي أوضَحُ كلاماً منه. فأمّا البائن في الحَلْب([14])....

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (2: 319).

([2]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي. انظر شرح السكري للهذليين 197 ومخطوطة الشنقيطي من الهذليين 83 واللسان (2: 231).

([3]) في مخطوطة الشنقيطي: "أو اجعل".

([4]) ويقال أيضاً بواداً وبياداً وبيدودة.

([5]) شاهدها في اللسان (4: 67):

ويوماً على صلت الجبين مسحج *** ويوماً على بيدانة أم تولب

([6])البيتان في اللسان (4: 67/ 17: 47). وفي الموضع الأخير: "أخاف".

([7]) بفتح أولهما وآخرهما، وبكسرهما، وبفتح أولهما وكسر آخرهما، بدون تنوين في جميعها، وبكسرهما أيضاً مع التنوين. فهن خمس لغات.

([8]) البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي في شرح السكري لأشعار الهذليين 179 ومخطوطة الشنقيطي 83 واللسان (حيص، لحص). وضبط في مخطوطة الشنقيطي: "حيص بيص" بكسر أولهما وفتح الصاد. وصدره:

* قد كنت خراجاً ولوجاً صيرفا *

([9]) في الأصل: "في المستضعف".

([10]) يقال شرى وشراء بالقصر والمد.

([11]) البيت للأجدع بن مالك الهمداني من أبيات لـه في الأصمعيات 40. وانظر الاقتضاب 405 واللسان (9: 373). ورواية الأصمعيات: "نقفو الجياد من البيوت ومن يبع".

([12]) في الأصل: "البينون" محرف. وأنشد في اللسان:

إنك لو دعوتني ودوني  *** زوراء ذات منزع بيون

([13]) البيت لابن مقبل. وقد سبق الكلام عليه في حواشي (بول).

([14]) كذا وردت العبارة ناقصة. وفي اللسان: "وللناقة حالبان، أحدهما يمسك العلبة من الجانب الأيمن والآخر يحلب من الجانب الأيسر، والذي يحلب يسمى المستعلى والمعلى، والذي يمسك يسمى البائن".

 

ـ (باب الباء والهمزة وما يثلثهما)

(بأس) الباء والهمزة والسين أصلٌ واحد، والشِّدّةُ و[ما] ضارَعَها. فالبَأْس الشدّة في الحَرْب. ورجلٌ ذُو بَأْسٍ وبَئيسٌ أي شجاع. وقد بأس بأساً([1]) فإنْ نَعَتَّه بالبُؤْس قلت بَؤُسَ. والبُؤْس: الشّدّة في العَيش. والمبتئس المفتعل من الكَراهة والحُزْن. قال:

ما يَقْسِم اللهُ أَقْبَلْ غير مُبْتَئِسٍ *** مِنْه وأَقْعُدْ كريماً ناعِمَ البالِ([2])

(بأو) الباء والهمزة والواو كلمةٌ واحدة، وهو البَأْوُ، وهو العُجْب.

 

- (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله باء)

اعلم أَنّ للرُّباعيّ والخُماسيّ مذهباً في القياس، يَستَنْبِطه النَّظرُ الدَّقيق. وذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوتٌ. ومعنى النَّحت أن تُؤخَذَ كلمتان وتُنْحَتَ منهما

_______________________

([1])كذا في الأصل. والمعروف في الشجاعة بؤس وبئس.

([2]) البيت لحسان في ديوانه 326 والمجمل واللسان (بأس). وفي الأصل: "غير مستبين" صوابه في جميع المصادر.


ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله باء)

كلمةٌ تكون آخذةً منهما جميعاً بخَطِّ. والأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم حَيْعَل الرّجُل، إذا قالَ حَيَّ عَلَى.

ومن الشيء الذي كأنّه متَّفَقٌ عليه قولهم([1]): عَبْشَميّ. وقوله:([2])

* تَضْحَكُ مِنّي شَيْخَةٌ عَبْشَمِيَّةٌ([3]) *

فعلى هذا الأصل بَنَينا ما ذكرناه من مقاييس الرّباعي، فنقول: إنّ ذلك على ضربين: أحدهما المنحوت الذي ذكرناه، والضّرب الآخر [الموضوع] وضعاً لا مجالَ له في طُرق القياس. وسنبين ذلك بِعَون الله.

فممّا جاءَ منحوتاً من كلام العرب في الرُّباعي أوله باء.

(البلعُوم) مَجْرَى الطّعامِ في الحَلْق. وقد يحذف فيقال بُلْعُم. وغير مُشْكلٍ أنَّ هذا مأخوذٌ من بَلِعَ، إلاّ أنّه زِيدَ عليه ما زيِدَ لجنسٍ من المبالغة في معناه. وهذا وما أشبهه توطِئةٌ لما بعده.

ومن ذلك (بُحْتُرٌ) وهو القصير المجتمِع الخَلْق. فهذا منحوتٌ من كلمتين، من الباء والتاء والراء، وهو من بترتُه فبُتِر، كأنّه حُرِم الطُّولَ فَبُتِرَ خَلْقه. والكلمة الثانية الحاء والتاء والراء، هو من حَتَرتُ وأَحْتَرت، وذلك أنْ لا تُفْضِلَ على أحدٍ. يقال أَحْتَرَ على نَفْسِه [وعِياله] أي ضيَّق عليهم. فقد صار هذا المعنى في القصير لأنّه لم يُعْطَ ما أُعْطِيَه الطّويلُ.

ومن ذلك (بَحْثَرْتُ) الشيءَ، إذا بَدّدته. والبَحْثَرة: الكَدَر في الماء. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من بحثْتُ الشّيء في التراب -وقد فُسِّر في الثلاثي- ومن

البَثْر الذي يَظْهَر على البَدَن، *وهو عربيٌّ صحيحٌ معروف. وذلك أنّه يَظْهَرُ متفرِّقاً على الجِلْد.

ومن ذلك (البَعْثَقَةُ) وتفسيره خُروج الماءِ من الحَوْض. يقال تَبَعْثَق الماءُ من الحوض إذا انكسرتْ منه ناحيةٌ فخرجَ منها. وذلك منحوتٌ من كلمتين: بَعَقَ وبثق، يقال انبعق الماء تَفتّح -وقد فُسِّر في الثلاثيّ- وبثَقْتُ الماءَ، وهو البثق، وقد مضى ذِكرُه.

وَمن ذلك (البُرْجُد) وهو كِساءٌ مخطَّط. وقد نحت من كلمتين: من البِجاد وهو الكِساءُ -وقد فُسّر – ومن البُرْد. والشَّبَه([4]) بينهما قريب.

ومن ذلك (ابْلَنْدَحَ) وتفسيره اتَّسع. وهو منحوتٌ من كلمتين: من البَدَاح وهي الأرض الواسعة، ومن البَلَد وهو الفَضاء البَرَاز. وقد مضى تفسيرُهما.

وَمن ذلك قولهم ضَرَبه فـ (بَخْذَعَهُ) وهو من قولك خُذِّع إذا حُزِّزَ وقُطِّع. ومنه:

* فكلاهُما بَطَلُ اللِّقاءِ مُخَذَّعُ([5]) *

وقد فُسِّر- ومن بُذِعَ، يقال بُذِعُوا فَابْذَعَرُّوا، إذا تَفَرَّقوا.

ومن ذلك قولهم (بَلْطَحَ) الرَّجُل، إذا ضَرَب بنَفْسِه الأرضَ. فهي منحوتةٌ من بُطِح وَأُبْلِط([6])، إذا لَصِق بِبَلاط الأرض.

ومن ذلك قولهم (بَزْمَخَ) الرّجل إذا تكبَّر. وهي منحوتةٌ من قولهم زَمَخ إذا شَمَخ بأنفه، وهو زَامِخٌ، ومن قولهم بَزَخ إذا تَقاعَسَ، ومَشَى مُتَبازِخاً إذا تكلفَ إقامَةَ صُلْبِه. وقد فُسِّرَ.

ومن ذلك قولهم (تَبَلْخَصَ([7])) لحمُه، إذا غَلُظ. وذلك من الكلمتين، من اللَّخَصِ وهو كثْرة اللَّحم، يقال ضَرْعٌ لَخِيصٌ، ومن البَخَص، وهي لحمة الذِّراع والعين وأصولِ الأصابع.

وَمن ذلك (تَبَزْعَرَ([8])) أي ساءَ خُلقُه. وهذا من الزَّعَر والزَّعَارَة، والتبَزُّع. وقد فُسِّرا في مواضِعِهما من الثلاثي.

ومن ذلك (البِرْقِش) وهو طائرٌ. وهو من كلمتين: من رَقَشْتُ الشّيءَ -وهو كالنَّقش- ومن البَرَش وهو اختلافُ اللونين، وهو معروفٌ.

ومن ذلك (البَهْنَسَة) التَّبَخْتُر، فهو من البَهْس صِفَةِ الأسد، ومن بَنَسَ([9]) إذا تَأَخَّر. معناه أنّه يمشي مُقارِباً في تعظُّم وَكِبْرٍ.

ومما يقارب هذا قولهم (بَلْهَسَ) إذا أسرع. فهو من بَهَسَ ومن بَلِهَ، وهو صِفَة الأبْلَهِ.

- (باب من الرباعي آخر)

(بَلأَصَ)([10]) غير أصلٍ، لأنّ الهمزة مبدلة [من هاء([11])] والصَّاد مبدلَةٌ من سين.

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "من قولهم".

([2]) في الأصل: "وقولهم".

([3]) صدر بيت لعبد يغوث بن وقاص الحارثي في المفضليات (1: 153). وهو بتمامه:

وتضحك مني شيخة عبشمية  *** كأن لم تر قبلي أسيراً يمانيا

([4]) في الأصل: "والتنبه"، صوابه ما أثبت.

([5]) من بيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 18 والمفضليات (2: 228). وصدره فيهما:  * فتناديا وتواقفت خيلاهما *

والرواية المشهورة: "مخدع" بمعنى المجرب. ويروى: "مجدع" كما في شرح الديوان. ورواية "مخذع" في اللسان (خذع) وكذا في المقاييس (خذع).

([6]) في الأصل: "بلط" وليست صحيحة.

([7]) يقال تبلخس وتبخلص أيضاً.

([8]) لم تذكر هذه المادة في اللسان، وذكرها في القاموس.

([9]) في الأصل: "نبس"، صوابه بتقديم الباء.

([10]) بلأص، بمعنى هرب.

([11]) ساقطة من الأصل، وأثبتها مطاوعة لما يريد أن يقوله من أن هذه الكلمة هي الكلمة السابقة (بلهس) مع الإبدال في حرفين. ومما يؤيد قوله أن هناك (بلهص) بمعنى أسرع أيضاً مع الإبدال في حرف واحد. وأنشد ابن الأعرابي:

* ولو رأى فاكرش لبلهصا *


ـ (باب من الرباعي آخر)

ومن هذا الباب ما يجيءُ على الرّباعي وهو من الثلاثي على ما ذكرناه، لكنّهم يزيدون فيه حرفاً لمعنىً يريدونه مِنْ مبالغةٍ، كما يفعلون ذلك في زُرْقُمٍ([1]) وَخَلْبَنٍ([2]). لكن هذه الزيادَة تقع أوّلاً وغيرَ أوّلٍ.

وَمن ذلك (البَحْظَلَة) قالوا: أَنْ يَقْفِزَ الرَّجُل قَفَزَانَ اليَربوع. فالباءُ زائدةٌ([3]) قال الخليل: الحاظل الذي يمشي في شِقِّه. يقال مَرَّ بنا يَحْظَلُ ظالِعاً.

ومن ذلك (البِرْشاع) الذي لا فُؤاد لـه. فالرّاء زائدة، وإنما هو من الباء والشين والعين، وقد فُسِّرَ.

ومن ذلك (البَرْغَثَة)([4]) فالراءُ فيه زائدة وإنما الأصل الباء والغين والثاء. والأبغث من طير الماء كلون الرَّماد. فالبَرْغَثَةُ لونٌ شبيهٌ بالطُّحْلة ومنه البُرْغُوث.

ومن ذلك (البَرْجَمَةُ) غِلَظُ الكلام: فالراء زائدةٌ، وإنَّما الأصل البَجْم. قال ابنُ دريد: بَجَم الرّجُل يَبْجَم بُجُوماً، إذا سكَتَ من عِيٍّ أو هيْبَةٍ، فهو باجِمٌ.

(فأما النّبَهْرَجُ) فليست عربيّةٌ صحيحة، فلذلك لم يُطْلَبْ لها قياس. والبَهْرَج الرَّدِيّ. ويقال أرضٌ بَهْرَجٌ، إذا لم يكن لها مَن يحميها. وبَهْرَجَ الشّيءَ إذا أخَذَ به على غير الطريق. وإن كان فيه شاهدُ شعر([5]) فهو كما يقولون "السّمَرَّج"([6]). وليس بشَيْء.

ومما فيه حرف زائد (البَرْزَخ) الحائل بين الشيئين، كأنّ بينهما بَرَازاً * أي متَّسَعاً من الأرض، ثم صار كلُّ حائلٍ بَرْزَحاً. فالخاء زائدة لما قد ذكرنا.

ومن هذا الباب (البِرْدِس([7])) الرّجُل الخبيث. والباءُ زائدة، وإنما هو من الرَّدْسِ، وذاك أن تقتحم الأمور، مثل المِرْداس، وهي الصخرة. وقد فُسِّر في بابه.

ومن ذلك (بلذَمَ([8])) إذا فَرِقَ فسَكَتَ. والباءُ زائدة، وإنّما هو من لَذِمَ، إذا لَزِمَ بمكانه فَرَِقاً لا يتحرَّك.

ومن ذلك (بِرْقِعُ) اسم سَمَاءِ([9]) الدّنيا. فالباءُ زائدة والأصل الرّاء والقاف والعين؛ لأنَّ كلَّ سماءٍ رقيعٌ، والسّماواتُ أرقِعَةٌ.

ومن ذلك (بَرْعَمَ) النَّبْتُ إذا استدارَتْ رُؤوسُه. الأصل بَرَع إذا طال. ومن ذلك (البَرْكَلَةُ([10])) وهو مشْيُ الإنسان في الماء والطين، فالباءُ زائدةٌ، وإنما هو من تَرَكَّلَ إذا ضَرَبَ بإحدى رجليه فأدخلها في الأرض عند الحفْر. قال الأخطل:

ربَتْ وَرَبَا في حَجْرِها ابن مَدِينةٍ *** يَظَلُّ على مِسحاتِهِ يترَكَّلُ([11])

ومن ذلك قولهم (بَلْسَمَ) الرّجُل كَرَّه وجهَه. فالميم فيه زائدة، وإنما هو من المُبْلِس، وهو الكئيب الحزين المتندِّم. قال

* وفي الوُجوهِ صُفْرَةٌ وإبْلاَسْ([12]) *

ومن ذلك الناقة (البَلْعَكُ) وهي المسترخيَة اللَّحم. واللام زائدةٌ، وهو البَعْك وهو التجمُّع. وقد ذُكِر.

ومن ذلك (البَلْقَع) الذي لا شيءَ به. فاللام زائدة، وهو من باب الباء والقاف والعين.

ومن ذلك (تَبَعثرَتْ نَفْسِي([13])) فالعين ([14]) زائدة، وإنما هو في الباء والثّاء والراء. وقد مرّ تفسيره.

ـــــــــــــــــ

([1]) الزرقم، بضم الزاي والقاف: الشديد الزرقة، كما في مادة (زرق) من المعاجم.

([2]) الخلبن، بفتح الخاء والباء: الخرقاء، كما في مادة (خلب) من المعاجم. يقال خلباء وخلبن بمعنى.

([3]) جعلت المعاجم الباء أصلية، فذكرت الكلمة في (بحظل) ولم تذكرها في (حظل). وكذلك سائر ما سيذكره جعلت المعاجم حروفه أصولاً.

([4]) في الأصل: "البرغث"، تحريف.

([5]) من شواهده قول العجاج في ديوانه 10 واللسان (بهرج):

* وكان ما اهتض الجحاف بهرجا *

([6]) يريد أن الشاهد لا يدل على أن الكلمة أصل في العربية، بل هي معربة، كما أن "السمرج" معربة، ومعناها استخراج الخراج في ثلاث مرات. وقد جاء فيها قول العجاج في ديوانه 8 واللسان (سمرج):

* يوم خراج يخرج السمرجا *

([7]) يقال بردس، كزبرج، وبرديس بزيادة ياء.

([8]) يقال بالدال والذال جميعاً، كما في المجمل.

([9]) في الأصل: "أسماء"، وللصواب الذي أثبت في المجمل.

([10]) لم تذكر في اللسان والقاموس، وذكرها ابن دريد في الجمهرة (3: 309) ومعها "الكربلة" بمعناها. وهذه الأخيرة وردت في اللسان والقاموس.

([11]) البيت في ديوانه 5 واللسان (دين، مدن، ركل)، وفي الأصل: "على مسحابة"، صوابه في (دين) والمراجع السابقة.

([12]) قبله، كما في اللسان (بلس): * وحضرت يوم خميس الأخماس *

([13]) يقال بالعين وبالغين أيضاً.

([14]) في الأصل: "فالباء"، وسائر الكلام يقتضي ما أثبت. وفي المجمل: "وتبغثرت نفسي غثت".

 

ـ (الباب الثالث من الرباعي الذي وضع وضعاً)

(البَُهْصَُلَة): المرأة القصيرة، وحمار بُهْصُلٌ([1]) قصير. والبُخْنُق: البُرْقُع القصير، وقال الفرّاء: البُخْنُق([2]) خِرْقَةٌ تَلْبَسُها المرأة تَقِي بها الخِمارَ الدُّهْنَ. البَلْعَثُ: السَّيِّئ الخُلُق([3]). البَهْكَثَة([4]): السُّرعة. البَحْزَج: وَلَدُ البَقَرة. وكذلك البَُرْغَُز. بَرْذَنَ الرّجُل: ثَقُل. البرازِق: الجماعات. البُرْزُلُ([5]): الضخم. ناقة بِرْعِس([6]): غزيرة. بَرْشَط اللّحْمَ: شَرْشَرَهُ([7]). بَرْشَمَ([8]) الرّجُلُ إذا وَجَمَ وأظهْرَ الحُزْن. وبَرْهَمَ، إذا أدامَ النظرَ. قال:

* ونَظَراً هَوْنَ الهُوَيْنَى بَرْهَما([9]) *

البَرْقَطَةُ: خَطْوٌ متقارب. والله أعلَمُ بالصّواب.

(تمّ كتاب الباء)

ـــــــــــــــ

([1]) هذه بضم الياء والصاد، والتي لحقتها الهاء تقال بضمهما وفتحهما.

([2]) بوزن جندب وعصفر.

([3]) لم يرد لها رسم في اللسان. وفي القاموس: "البلعثة الرخاوة في غلظ جسم وسمن، والغليظة المسترخية، وهي بلعث".

([4]) في الأصل: "البهكنة" بالنون في آخرها، والصواب بالثاء.

([5]) في الأصل: "البرزك" صوابه باللام، كما في اللسان والقاموس والجمهرة (3: 305). قال ابن دريد: "وليس بثبت"، وكذا في اللسان.

([6]) بكسر الباء والعين، ويقال برعيس، بزيادة ياء.

([7]) لم تذكر في اللسان، وذكرت في القاموس. والشرشرة: التقطيع. وفي الأصل: "شرشر".

([8]) في الأصل: "برسم"، صوابه بالشين المعجمة.

([9]) البيت للعجاج في اللسان (14: 314) وليس في أرجوزته التي على هذا الروي. ويروى: "دون الهوينا".

 

كتاب التاء:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب مُضاعَفاً أو مطابقاً([1]) وأوله تاء)

(تخ) التاء والخاء في المضاعف ليس أصلاً يُقاسُ عليه أو يفرَّع منه، والذي ذُكر منه فليس بذلك المعوَّل عليه. قالوا: والتّختخة حكايةُ صوتٍ. والتَّخُّ العجين الحامِض، تَخَّ تُخوخَة، وأَتَخَّهُ صاحبُه إتخاخاً.

(تر) التاء والراء قريبٌ من الذي قبلَه. وفيه من اللغة الأصلية كلمةٌ واحدة، وهو قولهم بَدَنٌ ذو تَرَارةٍ، إذا كانَ ذا سِمَن وبَضَاضة. وقد تَرَّ. قال الشاعر:

ونُصْبِح بالغَداةِ أَتَرَّ شيءٍ *** ونُمْسي بالعَشِيِّ طَلَنْفَحِينا([2])

وأمّا التَّراتِرُ فالأمورُ العِظام، وليست [أصلاً]؛ لأنّ الرّاء مبدلةٌ من لامٍ([3]). وقولهم تَرَّتِ النَّواةُ مِن مِرْضاحِها([4]) تَتِرُّ، فهذا قريبٌ مما قبلَه. وكذلك الخيط الذي يُسمَّى "التُّرّ" وهو الذي يمدُّه الباني، فلا يكاد مِثْلُه يصحّ. وكذلك قولهم إن الأُتْرُور: الغلامُ الصغير. ولولا وِجْداننا ذلك في كُتُبهم لكان الإعراضُ عنه أصوبَ. وكيف يصحُّ شيءٌ يكونُ شاهدُه مثلَ هذا الشِّعر:

أعوذ باللهِ وبالأمير  *** من عَامِلِ الشُّرْطةِ والأتْرُورِ([5])

ومثلُه ما حُكي عن الكسائيّ: تَرّ الرّجلُ عن بِلادِهِ: تَباعَدَ. وأَتَرَّهُ القَضاءُ: أبعَدَه.

(تع) التاء والعين من الكلام الأصيل الصَّحيح، وقياسُه القَلَقُ والإكراه. يقال تَعْتَعَ الرَّجُلُ إذا تَبَلَّدَ في كلامه. وكلُّ من أُكرِهَ في شيءٍ حتى يَقْلَقَ [فقد([6])] تُعْتِعَ. وفي الحديث: "حتى يُؤخَذَ للضَّعيف حقُّه من القوِيّ غيْرَ مُتَعْتَعٍ". ويقال تَعْتَعَ الفَرَسُ إذا ارْتَطَمَ. قال:

يُتَعْتِعُ في الخَبَارِ إذا علاهُ  *** ويعثُر في الطريقِ المستقيمِ([7])

ويقال: وقع القوم في تَعاتِعَ، أي أراجِيفَ وتَخْليطٍ.

(تغ) التاء والغين ليس أصلاً. ويقولون: التغتغة حكايةُ صوت أو ضَحِك.

(تف) التاء والفاء كالذي قبله. على أنّهم ([8]) يقولون: التُّفُّ وسَخ الظُّفُرِ.

(تق) التاء والقاف كالذي قبله. يقولون تَتَقْتَقَ من الجَبَلِ إذا وَقَع.

(تك) التاء والكاف ليس أصلاً. ويُضْعِف أمرَه قِلّةُ ائتلافِ التاء والكاف في صَدْر الكلام، وقد جاءَ التِّكَّة، وتَكَكْتُ الشيءَ: وطِئْته. والتّاك: الأحْمَق. وما شاءَ الله جلَّ جلالُه أنْ يصِحَّ فهو صحيح.

(تل) التاء واللام في المضاعف أصلٌ صحيح، وهو دليل الانتصاب وضِدِّ الانتصاب.

فأمَّا الانتصاب فالتلّ، معروف. والتَّليل العُنُق. وتَلَلْتُ الشيءَ في يَدِه. والتَّلْتَلة الإقلاق، وهو ذلك القياس.

وأمّا ضِدُّه فَتَلَّه أي صَرَعَه. وهذا جنسٌ من المقابلة. والمِتَلُّ: الرُّمح الذي يُصْرَع به. قال الله تعالى: {وتَلَّهُ لِلْجَبِينِ} [الصافات 103]. ثم قال لبيد:

رابِطُ الجأشِ على فَرْجِهِمُ *** أَعْطِفُ الجَوْنَ بمربُوعٍ مِتَلّ([9])

يقول: أعطفه ومَعِي رُمْحٌ مِتلٌّ.

(تم) التاء والميم أصلٌ واحدٌ منقاس، وهو دليلُ الكمال. يقال تمَّ الشيءُ، إذا كَمَل، وأتممْتُه أنا.

ومن هذا الباب التَّميمة: كأنَّهم يريدون أنّها تَمام الدَّواءِ والشِّفاءِ المطلوب. وفي الحديث: "مَنْ عَلَّقَ تميمةً فلا أتمَّ الله لَه" والتّميم أيضاً: الشيءُ الصُّلب. ويقال امرأةٌ حُبْلَى متِمٌّ، ووَلَدَتْ لتَمامٍ، وليلُ التِّمام لا غير. وتتميم الأيْسارِ أن تُطْعِمَهم فَوْزَ قِدْحِك، فلا تَنْتقِص منه شيئاً. قال النابغة:

أَنِّي أتمِّمُ أيسارِي وأمنَحُهُمْ *** مَثْنَى الأَيادِي وأكْسُوَ الجَفْنَةَ الأُدُمَا([10])

والمستَتمّ: الذي يطلُب شيئاً من صوف أو وَبَر يُتمُّ به نَسْج كِسائِهِ. قال أبو دُوَاد:

فهي كالبَيْضِ في الأداحِيِّ لا يو *** هَبُ منها لمُسْتَتمٍّ عِصامُ([11])

والموهوب تِمَّةٌ وتُمّة.

وأما قولـه المتَتَمِّم المتكَسِّر، فقد يكون من هذا، لأنه يتنَاهَى حتى يتكسَّر. ويجوز أنْ يكون التَّاء بدلاً من ثاءٍ كأنه مُتَثمِّم، وهو الوجه. ويُنشَد فيه:

* كانهياضِ المتعَبِ المتَتَمِّمِ([12]) *

(تن) التاء والنون كلمتانِ ما أدري ما أصْلُهما، إلا أنّهم يُسَمُّون التِّرْب: التِّن([13]). ويقولون: أَتَنَّهُ المرضُ، إذا قَصَعَهُ وهو لا يكاد يَشِبُّ([14]).

(ته) التاء والهاء ليس بأصلٍ، ولم يجئْ فيه كلمةٌ تتفرّع. إنما يقولون التَّهاتهُ الباطل. قال القُطاميّ:

ولم يكُنْ ما ابتَلَيْنا مِن مَواعِدِها *** إلا التَّهاتِهَ والأمْنِيَّةَ السَّقَما([15])

قالوا: والتَّهتَهَةُ: اللُّكُنْة في اللّسان.

(تو) التاء والواو كلمة واحدة وهي التَّوُّ، وهو الفَرْد. وفي الحديث: "الطَّوَافُ تَوٌّ". ويقال سافَرَ سَفَراً تَوّاً، وذلك أن لا يُعَرِّج، فإن عَرَّجَ بمكانٍ وأنشأ سَفَراً آخَرَ فليس بتَوٍّ.

(تب) التاء والباء كلمةٌ واحدة، وهي التّباب، وهو الخُسْران. وتبّاً للكافر، أي هلاكاً لـه. وقال الله تعالى: {وَمَا زَادُوهُمْ غيْرَ تَتْبِيبٍ} [هود 101]، أي تخسير. وقد جاءَت في مقابلتهما كلمةٌ، يقولون استَتَبَّ الأمر إذا تهيّأَ. فإن كانت صحيحةً فللباب إذاً وجهان: الخُسْران، والاستِقامة.

ــــــــــــــــ

([1]) يعني بالمطابق المكرر التضعيف، نحو تعتع وتهته. وفي الأصل: "أوله مطابقاً"، وكلمة "له" مقحمة. وفي المجمل: "ما جاء من كلام العرب أوله تاء في الذي تسميه المضاعف والمطابق".

([2]) البيت لرجل من بني الحرماز كما في اللسان (طلفح). وأنشده أيضاً في (ترر).

([3]) يعني أن أصلها: "التلاتل" وهي الشدائد. قال: *وأن تشكى الأين والتلاتلا*

([4]) المرضاح، بالحاء المهملة: الحجر يدق به النوى. وفي اللسان: "والخاء لغة ضعيفة". وقد ورد في المجمل بالحاء.

([5]) البيت في اللسان: (5: 158).

([6]) هذه التكملة في المجمل.

([7]) البيت في المجمل واللسان (9: 384).

([8]) في الأصل: "على النهم".

([9]) ديوان لبيد 14 طبع فينا 1881 واللسان (تلل).

([10]) في ديوانه 67 واللسان (تمم). وقبله في الديوان:

ينبئك ذو عرضهم عني وعالمهم  *** وليس جاهل شيء مثل من علما

([11]) يصف إبلا، يقول: قد سمنت وألقت أوبارها، فليس يوجد فيها ما يوهب للمستتم. والبيت في اللسان (تمم).

([12]) أنشد هذا الجزء في اللسان (تمم) برواية "المعنت المتتمم". والبيت لذي الرمة في ديوانه 629. وهو بتمامه كما في الديوان واللسان (تعب):

إذا نال منها نظرة هيض قلبه *** بها كانهياض المتعب المتتمم

وجاء في المجمل:             * أو كانهياض المتعب المتمم *

تحريف. وانظر ما سيأتي في روايته في مادة (تعب).

([13]) في حديث عمار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تِنِّي وتِرْبي".

([14]) في اللسان: "إذا قصعه فلم يلحق بأتنانه، أي بأقرانه، فهو لا يشب".

([15]) ديوان القطامي 68 واللسان (17: 375).


ـ (باب التاء والجيم وما يثلثهما)

(تجر) التاء والجيم والراء، التِّجارة معروفة. ويقال تاجر وتَجْرٌ، كما يقال صاحبٌ وصحبٌ. ولا تكاد تُرى تاءٌ بعدها جيم(1).‏

ــــــــــــــــ

(1) أورد في المجمل بعض الشبهات في هذه القضية وردها إلى نصابها. فانظره.‏

 

ـ (باب التاء والحاء وما يثلثهما)

(تحم) الأتْحميُّ: ضربٌ من البُرودِ(1):‏

(تحت) التاء والحاء والتاء كلمةٌ واحدةٌ، تحت الشّيء. والتُّحُوت: الدُّونُ من النّاس وفي الحديث: "تَهْلِكُ الوُعولُ وتَظْهَر التُّحوتُ". والوُعُول: الكِبار والعِلْية.‏

 

ـ (باب التاء والخاء وما يثلثهما)‏

(تخذ) التاء والخاء والذال كلمة واحدة، تَخِذْتُ الشّيءَ واتَّخَذْته.‏

(تخم) التاء والخاء والميم كلمةٌ واحدة لا تتفرَّع. التُّخوم: أعلامُ الأرضِ وحُدودُها. وفي الحديث: "ملْعونٌ مَنْ غَيَّرَ تُخُوم الأرض". قال قوم: أرادَ حُدودَ الحَرَم. وقال آخرون: هو أن يدخُلَ الرّجلُ في حُدود غَيرهِ فيحُوزَها(2) ظُلْماً. قال:‏

يا بَنِيَّ التُّخُومَ لا تَظْلِمُوها *** إنّ ظُلْمَ التُّخُوم ذُو عُقّالِ(3)‏

وأمّا التُّخَمَة ففي بابها من كتاب الواو.‏

ـــــــــــــــ

(1) في الأصل: "السرود".‏

(2) يحوزها: يملكها. وفي الأصل: "فيجوزها" تحريف، صوابه في المجمل. ويدله في اللسان: "فيقتطعها".‏

(3) البيت لأحيحة بن الجلاح، كما في اللسان (13: 490) والاقتضاب 386. وأنشد صدره في اللسان (تخم). ونبه في المجمل على أن أصحاب العربية يقولون "التخوم" بالفتح، يجعلونها مفردة.‏

 

ـ (باب التاء والراء وما يثلثهما)

(ترز) التاء والراء والزاء كلمةٌ واحدة صحيحة. تَرِزَ الشّيءُ صَلُبَ. وكلُّ مستحكِمٍ تارز. والميِّت تارزٌ؛ لأنَّه قد يَبِسَ. قال:

* كأنَّ الذي يُرمَى من الوحشِ تارِزُ([1]) *

وقال امرؤ القيس –ويدلّ على أنّ التارز الصُّلب -:

بعَِجْلَِزَةٍ قد أتْرَزَ الجَرْيُ لَحْمَها *** كميتٍ كأنّها هِراوةُ مِنوالِ([2])

ويقال أتْرَزَتِ المرأةُ حَبْلَها: فتلَتْه([3]) فتلاً شديداً. وأترزَتْ عجينَها إذا مَلَكَتْه.

(ترس) التاء والراء والسين كلمةٌ واحدة، وهي التُّرْسُ، وهو معروف، والجمع تِرَسَةٌ وتِراسٌ وَتُرُوس. قال:

كأنَّ شَمْساً نَزَلَتْ شُمُوسا *** دُروعَنا والبَيْضَ والتُّرُوسا([4])

(ترش) التاء والراء والشين ليس أصلاً ولا فَرْعاً، سوى أنَّ ابن دريد([5]) ذكَر أنّ التَّرَشَ خِفَّةٌ ونَزَقٌ، يقال تَرِشَ يَتْرَشُ تَرَشاً. وما أدرِي ما هُوَ.

(ترص) التاء والراء والصاد أصلٌ واحد، وهو الإحكام. يقال تَرُصَ الشّيءُ، وأَتْرَصْتُه أحكمْتُه فهو مُتْرَصٌ. وكلُّ ما أحكَمْتَ صَنْعتَهُ فقد أتْرَصْتَه. وأنشد الخليل:

* وشُدَّ يَدَيْكَ بالعَقْدِ التَّريصِ([6]) *

(ترع) التاء والراء والعين أصلٌ مطّردٌ قياسُه، وهو تفتُّح الشَّيءِ. فالتُّرْعة البابُ، والتَّرَّاع البَوّابُ. قال:

إنِّي عَدَاني أن أزُورَكِ مُحكَمٌ *** مَتَى ما أُحَرِّكْ فيه ساقَيَّ يصخَبِ([7])

حديدٌ ومَرصوص بِشِيدٍ وجنْدَلٍ *** لَهُ شُرُفاتٌ مرقبٌ فَوْقَ مَرْقَبِ

يُخيِّرُني تَرَّاعُه بين حَلْقَةٍ *** أَزُومٍ إذا عَضَّتْ وكِبْلٍ مُضَبَّبِ([8])

وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ مِنبري هذا تُرْعَةٌ من تُرَع الجنة". والتَّرَع: الإسراع إلى الشرّ. ورجلٌ تَرِعٌ. وهو من ذاك، لأنّ فيه تفتُّحاً إلى ما لا ينبغي. ولا يكاد يُقالُ هذا في الخير.

ومن هذا الباب أترعْتُ الإناءَ مَلأتُه. وجَفْنَةٌ مُتْرَعة. قال:

* لو كان حَيّاً لَغَاداهُمْ بِمُتْرَعةٍ([9]) *

والتَّرَع: الامتلاء. وقد تَرِعَ الإناءُ. وكان بعضُ أهل اللغة يقول: لا أقول تَرِع، ولكن أُتْرِع. وهذا من الباب، لأنه إذا أُتْرِع بادَرَ إلى السَّيَلان. والتُّرْعة والجمعُ تُرَع: أفواه الجداول. ويقال سَيْرٌ أَتْرَعُ. قال:

* فافترشَ الأرضَ بسَيْرٍ أتْرَعا([10]) *

والقياس كلّه واحد.

(ترف) التاء والراء والفاء كلمة واحدة، وهي التُّرْفَة. يقال رجلٌ مُترفٌ مُنَعَّمٌ، وتَرَّفَهُ أهلُه إذا نعمّوه بالطَّعام الطّيِّب والشيء يُخَصُّ به. وفي كتاب الخليل: التُّرفَة الهَنَةُ في الشَّفَة العُلْيا. وهذا غلطٌ، إنّما هي التُِّفرَةُ وقد ذُكرت ([11]).

(ترق) التاء والراء والقاف ليس فيه شيءٌ غير التَّرْقُوَة، فإنّ الخليل زعَمَ أنّها فَعْلُوَة، وهو عظمٌ وصَلَ ما بين ثُغْرة النَّحْرِ والعاتق.

(ترك) التاء* والراء والكاف: الترك التخلية عن الشيء، وهو قياسُ الباب، ولذلك تسمّى البَيْضَةُ بالعَراءِ تريكة. قال الأعشى:

ويَهْماءَ قَفْرٍ تَأْلَهُ العَيْنُ وسْطَها *** وتَلْقَى بها بَيْضَ النَّعامِ ترائِكا([12])

وتَرْكَةُ السِّلاح، وهي البيضة، محمولٌ على هذا ومشبَّهٌ به، والجمع تَرْكٌ. قال لبيد:

فخمة ذفراء تُرْتَى بالعُرَى  *** قُرْدُمانِيّاً وتَرْكَا كالبَصَلْ([13])

وتَرَاكِ بمعنى اتْرُكْ. قال:

تَرَاكِها مِنْ إبلٍ تَرَاكـِها  *** أما تَرَى الموتَ لدى أوراكِها([14])

وتَرِكَةُ الميِّت: ما يتْرُكُه من تُراثِه. والتّريكة رَوْضةٌ([15])يُغْفِلُها النّاسُ فلا يَرْعَوْنها. وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل: يقال تركْتُ الحبْلَ شديداً، أي جعلتُه شديداً. وما أحْسَِبُ هذا من كلام الخليل.

(تره) التاء والراء والهاء كلمةٌ ليست بأصلٍ متفرَّعٍ منه. قالوا: التَّرَّهاتُ، والتُّرَّهُ الأباطيل من الأمور. قال رُؤبة:

* وحَقَّةٍ ليستْ بقَوْلِ التُّرَّهِ([16]) *

قالوا: والواحد تُرَّهَة. قال: وجَمَعها أناسٌ على التَّرَارِيهِ. قال:

رُدُّوا بَنِي الأعْرَجِ إبْلي مِن كَثَبْ  *** قَبْلَ الترارِيهِ وَبُعْدِ المُطَّلَبْ([17])

(ترب) التاء والراء والباء أصلان: أحدهما التّراب وما يشتقّ منه، والآخر تساوي الشّيئين. فالأول التُّراب، وهو التَّيْربُ والتَّوْرَاب([18]). ويقال تَرِبَ الرجل إذا افتقَرَ كأنّه لصِق بالتُّراب، وأتْربَ إذا استَغْنى، كأنّه صار لـه من المال بقَدْرِ التُّراب، والتَّرباء الأرضُ نفسها. ويقال ريحٌ تَرِبَةٌ إذا جاءَت بالتُّراب. قال:

لا بَلْ هو الشَّوقُ مِنْ دارٍ تخَوَّنَهَا *** مرّاً سَحابٌ ومَرّاً بارحٌ تَرِبُ([19])

وأمّا الآخر فالتِّرب الخِدْن، والجمع أترابٌ. ومنه التَّرِيب، وهو الصَّدر عند تساوي رؤوس العظام. قال:

* أشْرَفَ ثَدْيَاها على التَّريبِ([20]) *

ومنه التَّرِبات وهي الأنامل، الواحدة تَرِبة.

ومما شذَّ عن الباب التّربة([21]) وهو نبت.

(ترج) التاء والراء والجيم لا شيء فيه إلاّ "تَرْج"، وهو موضع. والأتْرُج معروف.

(ترح) التاء والراء والحاء كلمتان متقاربتان. قال الخليل: التَّرَح نقيض الفَرَح. ويقولون: "بعْدَ كلِّ فرْحَةٍ تَرْحَةٌ، وبعد كل حَبْرَةٍ عَبْرَةٌ"، قال الشاعر:

وما فَرْحَةٌ إلاّ سَتُعْقِبُ تَرْحَةً *** وما عامرٌ إلا وَشِيكاً سَيَخْرَبُ

والكلمة الأخرى: الناقة المِتْراح، وهي التي يُسرع انقطاعُ لبنِها؛ والجمع مَتَاريح.

ــــــــــــــــ

([1]) للشماخ. ديوانه 46 واللسان (ترز) وصدره كما في الديوان والجمهرة (2: 10):  * قليل التلاد غير قوس وأسهم *

([2]) ديوانه 67 واللسان (ترز) والعجلزة، بكسر العين واللام لغة قيس، وبفتحهما لغة تميم.

([3]) في الأصل" قتلها".

([4]) هذه الرواية تطابق رواية الجمهرة (2: 10). وفي اللسان: "نازعت شموساً". وقد نصب الجزأين بعد "كأن"، كما جاء في قول أبي نخيلة:

كأن أذنيه إذا تشوفا *** قادمة أو قلما محرفا

([5]) الجمهرة (2: 10).

([6]) اللسان (ترص).

([7]) يصخب: يحدث جلبة. وفي الأصل: "يصحب" محرف، صوابه في المجمل. والأبيات لهدبة بن الخشرم، كما في اللسان (ترع).

([8]) قال ابن بري: "والذي في شعره: يخبرني حداده".

([9]) في المجمل: "لفاداهم"، محرفة.

([10]) البيت لرؤية في ديوانه 92 واللسان (ترع).

([11]) في مادة (تفر) .

([12]) ديوان الأعشى 65 واللسان (ترك). تأله: تتحير، وهو أحد الأقوال في اشتقاق لفظ الجلالة، لأن العقول تأله في عظمته، أي تتحير.

([13])سبق الكلام على البيت في مادة (بصل). وسيأتي في (عرو).

([14]) البيتان لطفيل بن يزيد الحارثي، كما في اللسان (ترك)

([15])في الأصل: "التريكة من روضة"، صوابه في المجمل.

([16]) ديوان رؤبة 166 واللسان (تره).

([17]) البيتان في اللسان (تره). وفي المجمل: "ردوا بني الأعراب".

([18]) يقال تيراب أيضاً وتورب، وفيه لغات أخر في القاموس وغيره.

([19]) البيت لذي الرمة، سبق الكلام عليه في (برح) ص241.

([20]) البيت للأغلب العجلي، كما في اللسان (ترب). وبعده:

* لم يعدوا التفليك في النتوب *

([21]) بالتحريك، وكفرحة، ويقال أيضاً ترباء.

 

 

ـ (باب التاء والسين وما يثلثهما)

(تسع) التاء والسين والعين كلمةٌ واحدة، وهي التِّسعة في العدد. تقول تَسَعْتُ القومَ، أي صرت تاسِعَهم. وأتْسعتُ الشّيءَ إذا كان ثمانيةً فأتممته تِسعة. والتِّسع ثلاثُ ليالٍ من الشَّهر آخرُ ليلةٍ منها اللّيلة التاسعة. وتَسَعْتُ القومَ أتْسَعُهُم إذا أخَذْتَ تُسْع أموالهم.‏

 

ـ (باب التاء والعين وما يثلثهما)

(تعب) التاء والعين والباء كلمةٌ واحدة، وهو الإعياء حتّى يقال: تَعِبَ تَعَباً، وهو تَعِبٌ، ولا يقال متعوبٌ. وأَتْعَبْـتُهُ أنا إتعاباً. فأما قولهم أُتْعِبَ العظمُ، إذا هِيضَ بعد الجَبْرِ، فليس بأصلٍ، إنّمَا هو مقلوبٌ من أُعْتِبَ. وقد ذُكر في بابه. قال:‏

إذا ما رآها رَأْيَةً هِيضَ قَلْبُه *** بها كانْهِياضِ المُتْعَبِ المتهشِّمِ(1)‏

(تعر) التاء والعين والراء ليس بشيء، إلاّ تِعَار، وهو جَبَل.‏

(تعس) التاء والعين والسين كلمةٌ واحدة وهو الكَبُّ، يقال تَعَسَه الله وأتعسَه. قال:‏

غداةَ هَزَمْنا جَمْعَهم بمُتالعٍ *** فآبوا بإتعاسٍ على شَرِّ طائرِ‏

(تعص) التاء والعين والصاد كلمةٌ واحدة. ذكر ابنُ دريد أنّ التَّعِصَ الذي يشتكي عُنقَه من المَشْيِ(2).‏

__________________

(1) البيت لذي الرمة، وقد سبق الكلام عليه في حواشي (تم) ص340. وقافيته في الديوان وفيما سبق: "المتتمم". لكن كذا وردت روايته في المقاييس والمجمل: "المتهشم".‏

(2) نص الجمهرة (2: 18): "تعص يتعص تعصا إذا اشتكى عصبه من شدة المشي".‏

 

ـ (باب التاء والفاء وما يثلثهما)

(تفل) التاء والفاء واللام أصلٌ واحدٌ، وهو خُبْثُ* الشيء وكَرَاهَتُه. فالتَّفَل الرِّيحُ الخبيثة. وامرأةٌ تَفِلَةٌ ومِتْفال. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "لا تمنَعُوا إماءَ الله مساجدَ الله، وليَخْرُجْن إذا خرَجْنَ تَفِلات"، أي لا يكنَّ مطيَّبات. وقد أتْفَلْتُ الشيءَ، قال:

يا ابنَ التي تَصيَّدُ الوِبارَا *** وتُتْفِل العَنْبَر والصُّوارا([1])

وقال امرؤ القيس:

* إذا انفَتَلَتْ مُرْتَجّةٌ غيْرُِ مِتْفالِ([2]) *

ومن هذا الباب تَفَلْت بالشَّيء، إذا رمَيْتَ به من فَمِك متكرِّهاً له. قال:

ومِنْ جَوفِ ماءٍ عَرْمَضُ الحَوْلِ فَوْقَه *** مَتَى يَحْسُ مِنه مائحُ القَوْمِ يتفُلِ([3])

(تفه) التاء والفاء والهاء أصلٌ واحد، وهو قِلَّةُ الشيء. يقال تَفِهَ الشّيءُ فهو تافِه، إذا قَلّ. وفي الحديث في ذكر القرآن: "لا يَتْفَهُ ولا يُخْلِقُ"([4])".

وفي حديث آخر: "كانت اليد لا تُقْطع في الشّيء التّافِهِ".

(تفث) التاء والفاء والثاء كلمةٌ واحدة في قول الله تعالى: {ثمَّ لْيَقْضُوا

تَفَثَهُمْ} [الحج 29]. قال أبو عبيدةَ: هو قصُّ الأظافر وأخْذ الشَّارب وشمُّ الطيب وكلُّ ما يَحْرُم على المُحْرِم إلاّ النكاح. قال: ولم يجئ فيه شِعْرٌ يُحْتَجُّ به([5]).

(تفر) التاء والفاء والراء كلمة واحدة، وهي التّفرة([6]) الدائرة التي تحت الأنف في وَسَط الشَّفَةِ العُلْيا. قال أبو عبيد: التّفْرةُ من الإنسان، وهي من البعير النَّعْو. والتَّفِرةُ نبتٌ، وهو أحبُّ المرعى إلى المال. قال:

لها تَفِرَاتٌ تَحْتَها وقُصارُها *** إلى مَشْرَةٍ لم تُعْتَلَقْ بالمحاجِنِ([7])

(تفح) التاء والفاء والحاء كلمة واحدة، وهي التُّفَّاح.

____________________

([1]) البيتان في اللسان (تفل) والمجمل.

([2]) صدره كما في ديوانه 55: * لطيفة طي الكشح غير مفاضة *

([3]) عجزه في اللسان (تفل). وهو بتمامه في المجمل.

([4]) في مادة (شنن): "ولا يتشان".

([5]) كذا، وقد أنشد الجاحظ من شعر أمية بن أبي الصلت في الحيوان (5: 376):

شاحين آباطهم لم ينزعوا تفثا *** ولم يسلوا لهم قملا وصئبانا

([6]) بالكسر، وبالضم، وككلمة، وتؤدة.

([7]) البيت للطرماح في ديوانه 168 واللسان (تفر، مشر). وأنشده في (قصر) بدون نسبة. وقصارها، بالضم، أي قصاراها وغايتها.


ـ (باب التاء والقاف وما يثلثهما)

(تقن) التاء والقاف والنون أصلان: أحدهما إحكام الشّيء، والثاني الطين والحَمْأة.‏

فالقول الأوّل أتقَنْت الشّيء أحكَمْتُه. ورجل تقن(1): حاذقٌ. وابن تِقْن: رجلٌ كان جيّد الرّمي يُضْرَبُ به المَثَل. قال:‏

* يرمي بها أرمَى من ابن تِقْنِ(2) *‏

وأمّا الحمأة والطين فيقال: تَقَّنُوا أرضَهُم، إذا أصلحوها بذلك، وذلك هو التِّقْن.‏

(تقد) التاء والقاف والدال. يقولون التَِّقْدة(3) نبت. وهذا وشِبْهه مما لا يعرَّجُ عليه.‏

ــــــــــــــ

(1) يقال تقن، بالكسر، وتقن كحذر. وفي الأصل: "أتقن" تحريف، صوابه في المجمل.‏

(2) أوله في الأصل: "أرمي بها"، صوابه في المجمل واللسان (تقن).‏

(3) بكسر التاء وفتحها، وكفرحة، وهي الكسبرة، أو الكروياء. وفي المجمل: "التقدة بقلة وهي الكسبرة".‏

 

ـ (باب التاء واللام وما يثلثهما)

(تلو) التاء واللام والواو أصلٌ واحد، وهو الاتِّباع. يقال: تَلَوْتُه إذا تَبِعْتَه. ومنه تلاوةُ القُرآن، لأنّه يُتْبِع آيةً بعد آية. فأمّا قوله تلَوْتُ الرّجلَ أتلوه تُلُوّاً([1]) إذا خَذَلْتَه وتركتَه، فإنْ كان صحيحاً فهو القياس؛ لأنه مُصاحِبُه ومَعَه، فإذا انقَطَع عنه وتركه فقد صار خَلْفَه بمنزلة التّالي.

ومن الباب التّلِيَّة والتُّلاَوَة وهي البقيّة، لأنها تتلو ما تقدَّم منها. قال ابن مُقبل:

يا حُرّ أَمْسَتْ تَليّاتُ الصِّبا ذهبَتْ *** فلستُ منها على عَينٍ ولا أثَرِ

ومما يصحّ [في] هذا ما حكاه الأصمعيّ. بقِيَتْ لي حاجةٌ فأنا أَتَتَلاّهَا. والتَّلاَءُ الذّمّة، لأنها تُتَّبَع وتُطْلَب، يقال أتْلَيْتُه ذِمّة. والمُتالي الذي يُرَادُّ صاحبَه الغِناءَ، سُمّيا بذلك لأنّ كلّ واحدٍ منهما [يتلو] صاحبه. قال الأخطل:

* أوْ غِناءُ مُتَالِ([2]) *

(تلد) التاء واللام والدال أصلٌ واحد، وهو الإقامة. ويقولون تَلَدَ فلانٌ في بَنِي فلانٍ إذا أقامَ فيهم يَتْلِدُ. وأتْلَدَ إذا اتَّخَذَ مالاً، والتِّلاد ما نَتَجْتَه أنتَ عِنْدك من مالٍ. ومالٌ مُتْلَدٌ. وقال:

لو كان للدَّهْر مالٌ كان مُتْلِدَهُ *** لكان للدَّهر صَخْرٌ مالَ قُِنْيانِ([3])

والتَّليدُ: ما اشتريْتَه صغيراً فَنَبَتَ([4]) عِندَك. والأَتْلادُ([5]) قومٌ من العرب.

(تلع) التاء واللام والعين أصلٌ واحد، وهو الامتداد والطُّول صُعُداً. يقال: أتْلَعَتِ الظّبْيةُ إذا سَمَتْ بِجِيدِها. قال:

ذكرتُكِ لمّا أتْلَعَتْ من كِناسِها *** وذِكْرُكِ سَبَّاتٍ إليَّ عجيبُ([6])

وجيد تَلِيعٌ، أي طويل. قال الأعشى:

يومَ تُبْدِي لنا قُتَيلةُ عَن جِيـ  *** دٍ تَليعٍ تَزِينُهُ الأطواقُ([7])

والأتلع: الطّويل العُنُق. ويقال تَتَالعَ في مِشْيته إذا مَدَّ عنُقَه.ولزِمَ فلانٌ مَكانَه فما تتلَّع، إذا لم يُرِدِ البَرَاح. قال أبو ذؤيب:

فَوَرَدْنَ والعَيُّوقُ مَقْعَدَ رابئِ الـ  *** ضُّرَبَاءِ خَلْفَ النَّجمِ لا يَتَتَلَّعُ([8])

ومُتَالِعٌ: جبل. ويقال إنّ التَّلِعَ الكثير التلفت حَوْلَه.

ومن الباب تَلَعَ النهار وأتْلَعَ، إذا انْبَسط. قال:

كأَنّهم في الآلِ إذْ تَلَعَ الضُّحَى *** سُفُنٌ تَعُومُ قد أُلْبِسَتْ أَجلالا

فأمّا قولهم هو تَلِعٌ إلى الشرِّ، فممكنٌ أن يكونَ من هذا؛ لأنّه يستشرفُ للشرّ أبداً. وممكنٌ أن تكون اللامُ مبدلةً من الراء، وهو التَّرِع، وقد مضى ذِكره. والتَّلعة: أرض مرتفعة غليظة، وربما كانت عريضة، يتردّد فيها السّيل ثمّ يدفع منها إلى تلعة أسفلَ منها. وهي مَكْرَمة من المنابت. قال النابغة:

عفا حُسُمٌ من فَرْتَنَا فالفَوَارِعُ *** فجَنْبا أَريكٍ فالتِّلاعُ الدَّوافِعُ([9])

(تلف) التاء واللام والفاء كلمةٌ واحدةٌ، وهو ذَهابُ الشيءِ. يقال تَلِفَ يَتْلَفُ تَلَفاً. وأرضٌ مَتْلَفَة، والجمع متالِف.

(تلم) التاء واللام والميم ليس بأصلٍ، ولا فيه كلام صحيحٌ ولا فصيح. قال ابنُ دريد في التَّلام إنه التَّلاميذ. وأنشد:

* كالحماليج بأيدي التَّلامْ([10]) *

وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل: التَّلَم مَشَقُّ الكِراب([11]) بلغة أهل اليمن. وذكر في التَّلام نحواً مما ذكره ابنُ دريد. وما في ذلك شيءٌ يُعوَّلُ عليه. وذلك أنّ التلميذ ليس من كلام العرب.

(تله) التاء واللام والهاء ليس أصلاً في نفسه، وذلك أنهم يقولون تَلِه إذا تحيَّرَ، ثم يقولون إن التاء بدلٌ من الواو. وقالوا: التَّلَه بدلٌ من التَّلف، وهو ذاك، وينشدون:

* بهِ تَمَطَّتْ غَوْلَ كُلِّ مَتْلَهِ([12]) *

والصحيح ما رواه أبو عبيد: "كلَّ مِيلَهِ([13])" قال: وهي البِلادُ التي تُوَلِّهُ الإنسان. والوالِهُ: المتحيِّر.

ـــــــــــــــ

([1]) ويقال أيضاً تلوت عنه تلواً.

([2]) ليس في ديوانه. وهو بتمامه كما في المجمل واللسان (18: 110):

صلت الجبين كأن رجع صهيله *** زجر المحاول أو غناء متال

([3]) البيت لأبي المثلم الهذلي من قصيدة يرثي بها صخر الغي الهذلي. انظر شرح السكري للهذليين 34 ومخطوطة الشنقيطي 94. واللسان (20: 64).

([4]) في الأصل واللسان: "فثبت"، صوابه من المجمل والقاموس.

([5]) لم يذكره في اللسان. وجاء في القاموس: والأتلاد بالفتح بطون من عبد القيس".

([6]) لحميد بن ثور في ديوانه 51.

([7]) ديوان الأعشى 140 واللسان (تلع).

([8]) القسم الأول من ديوان الهذليين 6 دار الكتب والمفضليات (2: 224).

([9]) رواية الديوان 49: "عفا ذو حسا".

([10]) للطرماح في ديوانه 100 واللسان (تلم). وصدره:

* تتقي الشمس بمدرية *

وانظر تحقيق هذه المادة في رسالة التلميذ للبغدادي، وقد نشرتها محققة في الجزء الثالث من المجلد 106 من المقتطف ونوادر المخطوطات 1: 217-225.

([11]) الكراب، بالكسر: قلب الأرض للحرث وإثارتها للزرع. وفي الأصل: "القراب" صوابه في اللسان (تلم).

([12]) البيت لرؤبة في ديوانه 167. وأنشده في اللسان (تله).

([13]) هذه هي الرواية التي أثبتها في اللسان (وله).

 

 

ـ (باب التاء والميم وما يثلثهما)

(تمه) التاء والميم والهاء كلمةٌ واحدةٌ تدلّ على تغيّر الشّيء. يقال تَمِه الطّعامُ إذا فسدَ. وتَمِهَ اللّبَنُ: تغيَّرتْ رائحتُه. وشاةٌ مِتْماهٌ: يَتْمَهُ لبنُها حين يُحلَب. والتَّمَهُ في اللبَن كالنَّمَسِ(1)في الدُّهن.‏

(تمر) التاء والميم والراء كلمةٌ واحدة، ثم يشتقّ منها، وهي التَّمر المأكول. ويقال للذي عِنده التَّمْر تامِرٌ، وللذي يُطْعِمُه أيضاً تامر، يقال تَمَرْتُهم أتْمُرهم، إذا أطعَمْتَهم. قال:‏

وغَرَرْتَني وزعَمْت أ *** نّكَ لابِنٌ بالصَّيْف تامِرْ(2)‏

والمتمِّرُ للذي يُيَبِّسُه. ويقال تُمِّرَ اللّحمُ إذا جُفِّفَ. وهو مشتقٌّ من التّمْر. قال:‏

* لها أشاريرُ من لَحْمٍ تتمِّرُهُ(3) *‏

والمتْمِرُ الكثير التّمر؛ يقال أتْمَرَ كما يقال ألْبَنَ إذا كثُر لبنُه، وأَلْبَأَ إذا كثر لِبَؤُه(4). والتّمَّار: الذي يبيع التّمر. والتّمْري الذي يحبُّه.‏

(تمك) التاء والميم والكاف كلمةٌ واحدة، وهو ارتفاعُ الشيء. يقال تَمَكَ السَّنامُ إذا عَلا؛ وهو سنامٌ تامِك. وذكر ابنُ دريد: أتْمكَها الكلأ إذا أَسْمَنَها. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) في الأصل: "كالنس"، صوابه في المجمل واللسان.‏

(2) للحطيئة في ديوانه 17 واللسان (لبن): والكلمة الأخيرة ساقطة من الأصل ثابتة في (لبن).‏

(3) لأبي كاهل اليشكري، كما في اللسان (تمر). وعجزه: * من الثعالي ووخز من أرانيها *‏

(4) اللبأ، كعنب: أول اللبن في النتاج.‏

 

ـ (باب التاء والنون وما يثلثهما)

(تنخ) التاء والنون والخاء كلمةٌ واحدة، وهو الإقامة. يقال تَنَخَ بالمكان تُنُوخاً، وتتَنَّخَ تَتَنُّخاً([1]) إذا أقامَ به، وبذلك سُمِّيت تَنُوخُ، وهي أحياءٌ من العرب اجتَمَعُوا وتحالَفوا، فتَنَخُوا، أي أقاموا في مواضِعِهم.

(تنف) التاء والنون والفاء كلمةٌ واحدة، التَّنوفة المَفَازة، وكذلك التَّنُوفيَّة. قال ابنُ احمر:

كم دُونَ لَيْلَى مِن تَنُوفيّةٍ *** لَمَّاعة تُنْذِر فيها النُّذُرْ([2])

وروى ابن قتيبة "تَنُوفَى" وقال: ثنيّةٌ مُشْرِفة . قال: وناسٌ يقولون يَنُوفَى. وأنشد:

كأنّ بَنِي نَبْهانَ أَوْدَتْ بجَارِهمْ *** عُقابُ تنُوفَى لا عُقابُ القَواعلِ([3])

والقواعل: ثَنايا صِغارٌ. يقول: كأنّ جارَهُم طارت به* هذه العُقابُ. ومثله قول المسيّب:

أنتَ الوفيُّ فما تُذَمُّ وبعضُهم *** تُوفِي بذِمّتِهِ عُقابُ مَلاَعِ([4])

قال: مَلاَعِ، أخرجَه مُخْرَجَ حَذَامِ. يقال امتَلَعَه اختَلَسَه.

(تنأ) التاء والنون والهمزة كلمةٌ واحدة. يقال تَنَأَ بالبلَد إذا قَطَنه، وهو تانِئٌ.

ــــــــــــــــ

([1]) وردت في الجمهرة. وبدلها في اللسان والقاموس: "تنخ" بتاء واحدة مع تشديد النون، وهذه الأخيرة جاءت في الجمهرة أيضاً.

([2]) البيت في المجمل واللسان (تنف).

([3]) المشهور في رواية البيت، وهو لامرئ القيس:

كأن دثاراً حلقت بلبونه  *** عقاب تنوفى لا عقاب القواعل

انظر ديوانه واللسان (تنف، نوف) ومعجم البلدان (تنوفى، ينوفى، القواعل). وقد نبه الوزير أبو بكر على رواية ابن قتيبة الواردة هنا.

([4]) البيت في المفضليات (1: 61) برواية: "تودي بدمته".

 

 

ـ (باب التاء والهاء والميم وما يثلثهما)

(تهم) التاء والهاء والميم أصلٌ واحد، وهو فسادٌ عن حَرٍّ. التَّهَمُ شِدَّةُ الحَرّ وركودُ الريحِ، وبذلك سُمّيت تِهامة. ويقال أتْهَمَ الرّجُلُ أتَى تِهامةً. قال:‏

فإن تُتْهِمُوا أُنجدْ خِلافاً عليْكُمُ *** وإنْ تُعْمِنُوا مُسْتَحْقِبي الشَّرِّ أُعْرِقِ(1)‏

ويقال تَهِمَ الطّعامُ فَسَدَ. وحكى أبو عمرو: "إذا هبطوا الحِجازَ أتْهَمُوه". كأنّه يريد استَوْخَمُوه.‏

ــــــــــــــ

(1) البيت للممزق العبدي من قصيدة في الأصمعيات 48. وأنشده في اللسان (تهم، عرق، عمن) وفي جميعها: "مستحقبي الحرب". وسيأتي في (عمن، غرق).‏

 

ـ (باب التاء والواو وما يثلثهما)

(توي) التاء والواو والياء كلمةٌ واحدةٌ. وهو بُطْلانُ الشيء. يقال تَوِي يَتْوَى توىً وتَوَاءً(1). قال:‏

* وكان لأُمِّهم صَارَ التَّوَاءُ *‏

(توب) التاء والواو والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الرُّجوع. يقال تابَ مِنْ ذنبه، أي رَجَعَ عنه يتوب إلى الله تَوبةً ومَتَاباً، فهو تائب. والتَّوْبُ التَّوبة. قال الله تعالى: (وَقَابِلِ التَّوْبِ( [غافر 3].‏

(توت) التاء والواو والتاء ليس أصلاً. وفيه التُّوت، وهو ثَمَرٌ.‏

(توخ) التاء والواو والخاء ليس أصلاً. وذُكر في كتاب الخليل حرفٌ أُراهُ تَصحيفاً. قال: "تاخَتِ الإصبع في الشيء الرِّخْو". وإنما هذا بالثاء ثاخَتْ.‏

(تور) التاء والواو والراء ليس أصلاً يعمل عليه (2). أمّا الخليل فذكر في بنائه ما ليس من أصله، وهو استَوْأرَتِ الوَحْش. وهذا مذكورٌ في بابه(3)وذكر ابن دريد كلمةً لو أعْرَضَ عنها كان أحسن. قال التّوْر الرَّسول بين القوم، عربيٌّ صحيح. قال:‏

والتَّوْرُ فيما بيننا مُعْملُ *** يَرضَى به المُرْسِل والمرسَلُ(4)‏

ويقال أنّ التارة أصلها واوٌ. وتفسير ذلك (5).‏

(توس) التاء والواو والسين: الطَّبع، وليس أصلاً، لأن التاء مبدلة من سين، وهو السُّوس.‏

(توق) التاء والواو والقاف أصلٌ واحد، وهو نِزَاعُ النَّفْس. ثم يُحمَل عليه غيرُه. يقال تاقَ الرّجُل يَتُوق. والتَّوْقُ نِزَاعُ النَّفْسِ إلى الشيء؛ وهو التُّؤُوق. ونفس تائقةٌ مشتاقَةٌ.‏

قال ابن السّكّيت: تُقْتُ وتئِقْتُ: اشتَقْت.‏

ابنُ الأعرابيّ: تاقَ يَتُوق إذا جادَ بنَفْسه (6). ومثله رَاق يَرِيقُ، وفَاقَ يَفِيقُ أو يَفوق.‏

(توع) التاء والواو والعين كلمةٌ واحدة. قال أبو عبيدٍ عن أبي زيد: أتاع الرّجُل إتاعةً، إذا قاءَ. ومنه قول القُطَامىّ:‏

* تمجُّ عُرُوقُها عَلقاً مُتَاعَا(7) *‏

وذكر الخليل كلمةً غيرها أصحَّ منها. قال: التَّوْعُ كَسْرُكَ لِبَأً أو سَمْناً بكسْرةِ خُبزٍ ترفَعُه بها.‏

(تول) التاء والواو واللام كلمةٌ ما أحسَبُها صحيحةً، لكنّها قد رُويت قالوا: التُِّوَلَةُ جنسٌ من السِّحْر(8). وقالوا: هو شيءٌ تجعلُه المرأةُ في عنقها تتحسَّن(9) به عند زوجها.‏

(توه) التاء والواو والهاء ليس أصلاً. قالوا: تَاهَ يَتُوه، مثل تاه [يَتِيه] وهو من الإبدال. وقد ذُكِر.‏

ــــــــــــــــ

(1) لم أجد هذا المصدر فيما بين يدي من المعاجم إلا في المجمل، حيث قال: "التواء الهلاك، ويقصر". وأنشد الشاهد التالي.‏

(2) لعلها: "يعول عليه".‏

(3) سيأتي في مادة (وأر).‏

(4) الجمهرة (2: 14) والمعرب للجواليقي 86 والمجمل واللسان (ثور).‏

(5) كذا وردت هذه العبارة.‏

(6) في الأصل: "أتاق يتوق إذا جاء بنفسه"، تحريف.‏

(7) صدره كما في ديوانه 38 واللسان (تيع):‏ * فظلت تعبط الأيدي كلوما *‏

(8) بفتح الواو مع كسر التاء وضمها. وفي الأصل: "من الشجر"، تحريف.‏

(9) لم يرد هذا المعنى في المعاجم إلا في المجمل. والذي فيها هو المعنى الأول. وهو سحر أو شبهه تتحبب به المرأة إلى زوجها.‏

 

ـ (باب التاء والياء وما يثلثهما في الثلاثي)

(تيح) التاء والياء والحاء أصلٌ واحد، وهو قولهم تاحَ في مِشيته يَتيحُ إذا تمايَلَ. وفرس مِتْيَحٌ وتَيَِّحانُ، إذا اعتَرَضَ في مِشْيته نشاطاً، ومال على قُطْرَيْه. ورجلٌ مِتْيَحٌ وتَيَِّحَانُ، أي عِرِّيضٌ في كلِّ شيء. قال الشاعر([1]) في المِتْيح:

أَفي أثَرِ الأظْعانِ عَيْنُكَ تَلْمَحُ *** نَعَمْ لاتَ هَنّا إنَّ قَلْبَكَ مِتْيَحُ

وقال في التَّيَِّحان:

بِذَبِّي الذَّمَّ عَنْ حَسَبي ومالي *** وزَبُّوناتِ أشْوَسَ تَيِّحانِ([2])

ويقال أتاح اللهُ تعالى الشَّيءَ يُتيِحُه إتاحةً* إذا قَدّرَه. وإذا قَدَّره له فقد أمالَه إليه. وتاحَ الشّيءُ نَفْسُه.

(تير) التاء والياء والراء كلمةٌ واحدة: التّيَّار مَوْجُ البَحْر الذي ينضَحُ الماءَ. يقال ذلك تَنَفُّسُه. والموج الذي لا يتنَفَّسُ هو الأعْجَم([3]).

(تيز) التاء والياء والزاء كلمةٌ واحدة. قالوا: التَّيّاز الغليظ الجسم من الرّجال. وقال القُطَاميّ:

إذا التَّيّازُ ذُو العَضَلات قلنا *** إليكَ إليكَ ضاقَ بها ذِراعا([4])

(تيس) التاء والياء والسين كلمةٌ واحدة: التَّيس معروفٌ من الظِّباء والمَعْزِ والوُعول. ومن أمثالهم: "عَنْزٌ اسْتَتْيَسَتْ" إذا صارت كالتَّيس في جُرْأتها وحَرَكتِها. يضرب مثلاً للذَّليل يتعزَّزُ.

(تيع) التاء والياء والعين أصلٌ واحد، وهو اضطرابُ الشَّيء. يقال تَتَايَعَ البَعيُر في مِشْيته إذا حَرّك أَلْوَاحَهُ والسَّكْرانُ يَتَتَايَعُ في مِشيته، إذا رَمَى بنَفْسه. والتَّتايُع التَّهافُت في الشَّرِّ، ويقال هو اللَّجاجُ. وفي الحديث: "ما يَحمِلُكُم أن تَتَايَعُوا في الكَذِب كما يَتَتايَعُ الفَرَاشُ في النَّار" ولا يكون التَّتايُعُ في الخَير.

ومما شَذّ عن الأصل التِّيعَة الأربعون من الغَنَم، وهو الذي جاءَ في الحديث: "على التِّيعَةِ شَاةٌ".

(تيم) التاء والياء والميم أصلٌ واحدٌ، وهو التَّعبيد. يقال تَيَّمه الحُبُّ إذا استَعْبَدَه. قال أهلُ اللّغة: ومِنه تَيْمُ الله،أي عبد الله.

ومما شذَّ عن هذا الباب التِّيمة، وهي الشّاة الزائدةُ على الأربعين، ويقال بل هي الشّاة يحتَلِبُها الرّجل في مَنْزِله. واتَّام الرّجُلُ إذا ذَبَحَ تِيَمَته. قال الحُطيئة:

فما تَتَّامُ جارَةُ آلِ لأْيٍ *** ولكن يَضْمَنُون لها قِرَاها([5])

(تين) التاء والياء والنون ليس أصلاً، إلاّ التِّين، وهو معروفٌ. والتِّين: جبل. قال:

صُهْباً ظِماءً أتَيْنَ التِّين عن عُرُضٍ *** يُزْجِينَ غَيْماً قليلاً ماؤُه شَبِمَا([6])

(تيه) التاء والياء والهاء، كلمة صحيحة، وهي جِنْسٌ من الحَيْرَة والتِّيه والتّيهاء: المفازة يَتيه فيها الإنسان.

ــــــــــــــــ

([1]) هو الراعي، كما في اللسان (تيح)، والخزانة (2: 159) وما سيأتي في (هن) .

([2]) لسوار بن المضرب السعدي، كما في اللسان (تيح) والحماسة.

([3]) في اللسان (عجم): "والأعجم من الموج: الذي لا يتنفس، أي لا ينضح الماء ولا يسمع له صوت".

([4]) ديوان القطامي 44 واللسان (تيز). وفي الأصل: "به". وإنما الضمير للناقة. وقبله:

أمرت بها الرجال ليأخذوها  *** ونحن نظن أن لا تستطاعا

([5]) ديوان الحطيئة: 30. واللسان (تيم).

([6]) البيت للنابغة في ديوانه 66 واللسان (تين). وفي الديوان: "صهب الظلال"، وفي اللسان: "صهب الشمال".


ـ (باب التاء والهمزة وما يثلثهما(1))

(تأر) التاء والهمزة والراء كلمةٌ واحدة. يقال أتْأَرْتُ عليه النَّظَر إذا حَدَّدته. قال:‏

مَازِلْتُ أَنْظُرُهم والآلُ يرفَعُهمْ *** حتّى اسْمَدَرَّ بطَرْفِ العَيْنِ إتْآرِي(2)‏

فأما قولهم (اتَّأَبَ) إذا ستَحْيا، فله في كتاب الواو موضعٌ غير هذا.‏

(تأم) التاء والهمزة والميم كلمةٌ واحدةٌ، وهي التَّوأمانِ: الولدان في بطن تقول أتأمَتِ المرأةُ، وهي مُتْئِمٌ. والتُّؤأمُ جَمْعٌ. وقول سُويد(3):‏

* كالتؤاميّةِ إنْ باشَرْتَها(4) *‏

فيقال إنّ التُّؤامَ قَصَبَةُ عُمان.‏

ــــــــــــــ

(1) في الأصل: "باب التاء والألف والراء".‏

(2) البيت للكميت، كما في شرح الطوسي لديوان لبيد ص119. وأنشده في اللسان (تأر) بدون نسبة. وروايته فيهما: "أتأرتهم بصري".‏

(3) هو سويد بن أبي كاهل اليشكري، وقصيدته في المفضليات (1: 188-200) وهي مائة بيت وثمانية أبيات.‏

(4) عجزه كما في المفضليات، ومعجم البلدان (تؤام) واللسان (تأم): * قرت العين وطاب المضطجع *‏

 

ـ (باب التاء والباء وما يثلثهما)

(تبر) التاء والباء والراء أصلان متباعدٌ ما بينهما: أحدهما الهلاك، والآخر [جوهر] من جواهر الأرض.‏

فالأوّل قولهم: تَبَّرَ اللهُ عَمَلَ الكافرِ، أي أهلكَه وأبطلَهَ. قال الله تعالى: {إِنَّ هَؤُلاءِ مُتَبَّرٌ مَا هُمْ فِيهِ وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف 139].‏

والأصل الآخر التِّبْر، وهو ما كان من الذَّهب والفِضَّة غيرَ مَصُوغٍ.‏

(تبع) التاء والباء والعين أصل واحد لا يشذ عنه من الباب شيءٌ، وهو التُّلُوُّ والقَفْو. يقال تبِعْتُ فلاناً إذا تَلَوْتَه [و] اتّبعْتَه. وأتْبَعْتُهُ إذا لحِقْتَه. والأصل واحد، غير أنّهم فَرَقوا بين القَفْو واللُّحُوق فغيَّرُوا البناءَ أدنى تغييرٍ.قال الله:{فَأَتْبَعَ سَبَباً(1)}، [و]: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَباً(2)} فهذا معناه على هذه القراءة اللُّحوق، ومن أهْلِ العربيّة مَن يجعل المعنى فيهما واحداً.‏

والتُّبُّعُ في قول القائل(3):‏

يَرِدُ المياهَ حَضِيرَةً ونَفيضةً *** وِرْدَ القَطاةِ إذا اسْمألَّ التُّبَُّعُ(4)‏

هو الظِّلُّ، وهو تابعٌ أبداً للشّخص. فهذا قياسٌ أصدقُ من قَطاةٍ. والتَّبِيع وَلَد البقرة إذا تَبِع أمّه، وهو فَرْض الثَّلاثين(5). وكان بعَضُ الفقهاء يقول: هو* الذي يَستوي قَرْناه وأذُناه. وهذا من طريقة الفُتْيا، لا من قياس اللغة.‏

والتَّبَعُ قوائم الدابّة، وسُمّيت لأنّه يتبع بعضُها بعضاً. والتّبيع النّصير، لأنه يَتْبَعُه نَصرهُ. والتّبيع الذي لك عليه مالٌ، فأنت تَتْبَعُه. وفي الحديث: [مَطْلُ الغنيّ ظُلْمٌ، وإذا أُتْبِعَ أحدُكُمْ على مَلِيءٍ فليَتّبِعْ". يقول: إذا أُحِيلَ عليه فليَحْتَلْ.‏

(تبل) التاء والباء واللام كلماتٌ متقاربة لفظاً ومعنى، وهي خلاف الصّلاح والسّلامة، فالتَّبْل العَدَاوة، والتَّبْل غَلَبة الحُبِّ على القلب، يقال قلبٌ متْبُول. ويقال تَبَلَهم الدّهرُ أَفْنَاهم. وقالوا في قول الأعشى:‏

أأَنْ رأَتْ رجُلاً أعشَى أَضرَّ به *** ريبُ المَنون ودهرٌ خائنٌ تَبِلُ(6)‏

(تبن) التاء والباء والنون كلماتٌ متفاوتةٌ في المعنى جدّاً، وذلك دليلٌ أنَّ من كلام العرب موضوعاً وضْعاً مِن غير قياسٍ ولا اشتقاق. فالتِّبْنُ معروفٌ، وهو العَصْفُ. والتِّبْن أعظَمُ الأقداحِ يكاد يُرْوي العِشرين. والتَّبَنُ الفِطْنة، وكذلك التَّبانَة. يقال تَبِنَ لكذا. ومحتمل أن يكون هذه التاءُ مُبدلةً من طاء. وقال سالم بنُ عبد الله(7): "كنّا نقول كذا حَتّى تَبَّنْتم(8)"، أي دقّقتم النَّظرَ بفِطْنتكم.‏

ـــــــــــــــ

(1) الآية 85 من سورة الكهف.‏

(2) الآية 89 من سورة الكهف. وقد كررت في السورة عينها، وهي الآية 92. وهذه القراءة هي قراءة ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وخلف والأعمش. وقرأ الباقون بوصل الهمزة وتشديد التاء مفتوحة. انظر إتحاف فضلاء البشر 294 واللسان (تبع).‏

(3) هي سعدى بنت الشمردل الجهنية، من قصيدة في الأصمعيات 41-43.‏

(4) في اللسان (حضر، نفض، سمأل، تبع). والتبع، بضم التاء وفتح الباء المشددة أو ضمها.‏

(5) في الأصل: "الثلثين" وهو من بقايا الرسم القديم. وفي حديث معاذ بن جبل حين بعثه الرسول الكريم إلى اليمن: "أمره في صدقة البقر أن يأخذ من كل ثلاثين من البقر تبيعاً، وعن كل أربعين مسنة".‏

(6) ديوان الأعشى 42 واللسان (تبل). ويروى: "خابل تبل"، ويروى: "متبل خبل". ولم يذكر في الأصل مقول القول، ولعله أراد أن البيت موضع قول.‏

(7) هو سالم بن عبد الله بن عمر بن الخطاب، أحد الفقهاء السبعة، توفي سنة 106. انظر تهذيب التهذيب وصفة الصفوة (2 : 50).‏

(8) لفظه في اللسان: "كنا نقول في الحامل المتوفى عنها زوجها أن ينفق عليها من جميع المال حتى تبنتم ما تبنتم".‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله تاء)

(التَّولب): ولد البقرة. والقياس يوجب أن يكون التاء مبدلة من واو، الواو بعده زائدة، كأنّه فَوْعَلَ من وَلَب إذا رجع. فقياسه قياس التَّبيع. فإنْ ذَهبَ ذاهبٌ إلى هذا الوجه لم يُبْعِدْ.‏

وأمّا (تِبْراك(1)) فالتاء فيه زائدة، وإنما هو تِفعالٌ من بَرَك أي ثَبَتَ وأقام. فهو من باب الباء، لكنه ذكر هاهنا للّفظ.‏

و(التُّرْنوق) الطّين يَبْقَى في سبيل الماء إذا نضب، والتاء والواو زائدتان وهو من الرَّنْقِ.‏

وباقي ذلك، وهو قليلٌ، موضوعٌ وضعاً.‏

من ذلك (اتْلأَبَّ) الأمرُ، إذا استقام واطرَد.‏

- (ماجاء على أكثر من ثلاثة أولـه تاء‏)

و(تِرْيَم) موضع، قال:‏

* بتلاعُ تِرْيَمَ هامُهُمْ لَم تقْبَرِ(2) *‏

فأمّا التَّرَبُوت من الإبل، وهو الذَّلول، فلو قال قائل إنّه من التاء والراء والباء، كأنّه يخضَع حتّى يَلصَق بالتُّراب كان مذهباً.‏

و(اتْمَهَلَّ) إذا انتصبَ.‏

و(التَّألَب) من الشَّجر معروفٌ.‏

و(التَّوأبَانِيَّانِ): قادمتا الضَّرع. قال ابن مُقْبِل:‏

فمرَّتْ على أظْرابِ هُرَّ عَشِيَّةً *** لها تَوأبانِيَّانِ لم يَتَفَلْفَلا(3)‏

وممكن أن يكون التاءُ زائدةً والأصل الوَأْب. والوأْب المقعَّب، وقد ذكر في بابه. والله أعلمُ بالصّواب.‏

ــــــــــــــ

(1) تبراك، بالكسر: موضع بحذاء تعشار، أو ماء لبني العنبر. معجم البلدان.‏

(2) صدره كما في اللسان (ترم):‏  * هل أسوة لي في رجال صرعوا *‏

(3) أظراب: جمع ظرب، وهو الجبل المنبسط أو الصغير. وفي الأصل ومادة (طرفس) من اللسان: "أظراف" صوابه من اللسان (تأب). وفي مادة (فلل): "أضراب". وهر، بالضم: موضع.‏

 

كتاب الثاء:

ـ (باب الكلام الذي أوله ثاء في المضاعف والمطابق والأصم)

(ثج) الثاء والجيم أصلٌ واحد، وهو صبُّ الشيء. يقال ثَجَّ الماءَ إذا صَبَّه؛ وماءٌ ثَجّاجٌ أي صَبّابٌ. قال الله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ المُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً} [النبأ 14]، يقال اكتظَّ الوادي بثجيج الماء، إذا بلغ ضَرِيرَيْه([1]). قال أبو ذؤيب:

سقى أمَّ عَمرٍو كلَّ آخِرِ لَيلةٍ *** حَناتِمُ مُزْنٍ ماؤُهُنَّ ثَجيجُ([2])

وفي الحديث: "أفضَلُ الحَجِّ العجُّ والثَّجّ" فالعجُّ رفْعُ الصّوتِ بالتَّلبية. والثّجُّ سَيَلانُ دِماءِ الهَدْي. ومنه الحديثُ في المستحاضة: "إني أثُجُّه ثَجّاً".

(ثر) الثاء والراء قياسٌ لا يُخْلِف، وهو غُزر الشيءِ الغزير. يقال سحاب ثَرٌّ أي غزير. وعينٌ ثَرَّةٌ، وهي سحابةٌ تنشأُ من قِبَل القِبْلة([3]). قال عنترة:

جادَتْ عليه كلُّ عَيْنٍ ثَرّةٍ *** فتركْن كلّ قَرارةٍ كالدّرهم([4])

ويقال ثَرَّرْتُ الشيءَ وثَرّيْتُه، أي ندَّيتُة. وناقةٌ ثَرَّةٌ غزيرة. وطعنة ثَرّةٌ، إذا دَفَعَت الدّم دَفْعاً بغُزْرٍ وكَثْرة. والثَّرثار الرّجُل الكثير الكلام. وفي الحديث: "*أبْغَضُكم إليَّ الثَّرثارُونَ المتَفَيْهِقُون". والثّرثار: وادٍ بعينه. قال الأخطل:

لَعمرِي لقد لاقَتْ سُلَيمٌ وعامرٌ *** على جانِبِ الثَّرثارِ راغِيةَ البَكْرِ([5])

(ثط) الثاء والطاء كلمةٌ واحدة، فالثّطَطُ خِفّة اللحية. والرجلُ ثَطٌّ.

(ثع) الثاء والعين كلمة واحدة: الثّعُّ القيء، يقال ثَعَّ ثَعَّةً، إذا قاءَ قَيئةً.

(ثل) الثاء واللام أصلانِ متباينان: أحدهما التجمُّع، والآخر السُّقوط والهَدْم والذُّلّ.

فالأوّل: الثَّلَّة الجماعة من الغَنَم. وقال: بعضهم يخصّ بهذا الاسم الضَّأن، ولذلك قالوا: حبلُ ثَلَّةٍ أي صوفٍ، وقالوا: كساء جيِّد الثَّلَّة. قال:

قد قَرَنوني بامرئٍ قِثْوَلِّ  *** رثٍّ كحبل الثلَّة المبْتَلِّ([6])

والثُّلَّة: الجماعة من الناس، قال الله تعالى: {ثُلَّةٌ مِنَ الأَوَّلِينَ وَثُلَّةٌ مِنَ الآخِرِينَ([7])}.

والثاني: ثَلَلْتُ البيتَ هدمتُه. والثلَّة تُراب البِئر. والثَّلَل الهَلاك. قال لبيد:

فصَلَقْنَا في مُرادٍ صَلْقَةً *** وصُدَاءًٍ ألحقتهُمْ بالثَّلَلْ([8])

ويقال ثُلَّ عرشُه، إذا ساءَتْ حالُه. قال زُهير:

تداركتُما الأحلافَ قد ثُلَّ عرشُها  *** وذُبْيانَ إذْ زَلَّتْ بأقدامها النَّعْل([9])

وقال قوم: ثُلَّ عَرْشُه وعُرْشه، إذا قُتِل. وأنشَدوا:

وعَبْدُ يَغُوثٍَ تحْجُِلُ الطّيرُ حَولَه *** وقد ثَلَّ عُرْشَيْهِ الحُسامُ المذَكَّرُ([10])

والعُرْشانِ: مَغْرِز العُنُق في الكاهل.

(ثم) الثاء والميم أصلٌ واحد، هو اجتماعٌ في لِينٍ. يقال ثَمَمْتُ الشيءَ ثمّاً، إذا جمعتَه. وأكثرُ ما يُستعمل في الحشيش. ويقال للقَُبْضَة من الحشيش الثُّمَّة. والثُّمام: شجرٌ ضعيف، وربما سُمِّي به الرّجل. وقال:

جعلَتْ لها عُودَيْنِ مِنْ  *** نَشَمٍ وآخَرَ من ثُمامَهْ([11])

وقال قوم: الثُّمام ما كُسِر من أغْصان الشَّجَر فوُضِع لنَضَد الثّياب([12])، فإذا يَبِس فهو ثُمام. ويقال ثَمَمْتُ الشيءَ أثُمُّه ثَمّاً، إذا جمعتَه ورمَمْتَه. ويُنشَد بيتٌ والله أعلَمُ بصحّته.

ثمَمْتُ حَوائجي وَوَذَأْتُ بِشْراً *** فبئس مُعَرَّسُ الرّكبِ السِّغابِ([13])

وثَمَّتِ الشاةُ النَّبْتَ بفِيها قلعَتْه. ومنه الحديث: "كُنّا أهْلَ ثَمِّهِ ورَمِّهِ([14])" أي كنا نَثُمُّه ثَمّاً، أي نَجْمعُه جمعا.

(ثن) الثاء والنون أصلٌ واحد، وهو نباتٌ من شعرٍ أو غيره. فأمّا الشَّعر فالثُّنَّةُ الشَّعر المشْرِفُ على رُسْغِ الدابة من خَلْف. والثِّنُّ من غير الشَّعر: حُطام اليَبيس. وأنشد:

فَظَلْنَ يخبِطْنَ هَشِمَ الثِّنِّ  *** بَعْدَ عميم الرّوضةِ المُغِنِّ([15])

فأمّا الثُّنّة فما دون السّرّة من أسفل البطن من الدابة، ولعله بشُعَيرات يكون ثَمّ.

(ثأ) الثاء والهمزة، كلمتان ليستا أصلاً، يقال: ثأثأت بالإبل صِحْتُ بها، ولقيتُ فلاناً فثأثأتُ منه([16])، أي هِبْتُه.

(ثب) الثاء والباء كلمةٌ ليست في الكتابين([17])، وإن صحّت فهي تدلُّ على تناهي الشيء. يقال ثَبَّ الأمْرُ إذا تمَّ، ويقال إنّ الثَّابَّة: المرأةُ الهَرمة، ويقولون: أشَابّةٌ أم ثابّة؟

ـــــــــــــــ

([1]) الضريران: جانبا الوادي. وفي الأصل: "صريرته"، تحريف.

([2]) القسم الأول من ديوان الهذليين 51 واللسان (ثجج، حنتم).

([3]) أي قبلة أهل العراق. كما في اللسان (ثرر).

([4]) البيت من معلقته المشهورة. وانظر اللسان (ثرر).

([5]) ديوان الأخطل 133 واللسان (ثرر). وفي الديوان 216 كذلك:

وإن يذكروها في معد فإنما  *** أصابك بالثرثار راغية البكر

([6]) البيتان في اللسان (قثل، ثلل).

([7]) هاتان الآيتان 39-40 من الوقعة، وأما 13 و 14 من الواقعة فهما: {ثلة من الأولين. وقليل من الآخرين.

([8]) ديوان لبيد 16 طبع 1881، واللسان (ثلل، صلق). ويروى: "بالثلل" بكسر الثاء، وخرجها الرواة على أنه أراد "الثلال" جمع ثلة من الغنم، فقصرها للشعر.

([9]) ديوان زهير 109 واللسان (ثلل). وسيأتي في (عرش).

([10]) في "جنى الجنتين" للمحبي 78: "قد احتز عرشيه". والبيت في اللسان (ثلل). وسيأتي في (عرش) منسوباً إلى ذي الرمة. انظر ديوانه 236.

([11]) البيت لعبيد بن الأبرص في ديوانه 78 والحيوان (3: 189) وعيون الأخبار (2: 72) وثمار القلوب 369 وأمثال الميداني (1: 234) وأدب الكاتب 55.

([12]) نص اللسان: "والثمام ما يبس من الأغصان التي توضع تحت النضد". والنضد بالتحريك: الثياب التي تنضد. والسرير التي تنضد عليه يسمى نضداً أيضاً.

([13]) البيت لأبي سلمة المحاربي، كما في اللسان (وذأ، ثمم) .

([14]) انظر الخبر وتحقيق لفظه في اللسان (رمم 146).

([15]) البيتان في اللسان (16: 234).

([16]) الذي في اللسان والقاموس: "فتثأثأت منه". وما في المقاييس يطابق ما في المجمل.

([17]) في الأصل: "الكتابتين". وقد سبق نظير هذا في مادة (أسك)، وسيأتي مثله في مادة (ثغم). ومبلغ الظن أنه يعني بها كتاب الخليل وكتاب ابن دريد، ويعزز هذا قوله في مادة (أهر): "كلمة واحدة ليست عند الخليل ولا ابن دريد". وانظر مادتي: (بغ، بق).

 

ـ (باب الثاء والجيم وما يثلثهما)

(ثجر) الثاء والجيم والراء أصلٌ واحد، يدلُّ على مُتَّسَع الشيء وعِرَضِهِ(1). فثجْرةُ الوادِي: وَسَطه وما اتَّسَعَ منه. ويقال ورقٌ ثَجْرٌ أي عريض. وكلّ شيءٍ عرَّضْتَه فقد ثَجَّرته. وثُجْرةُ النَّحْر وَسَطه وما حول الثَّغر منه. والثُّجَرُ سِهامٌ غِلاظ. ويقال في لحمه تثْجيرٌ(2)، أي رخاوة. فأمّا قولهم انثَجَر الماءُ إذا فَاضَ وانْثَجَرَ الدَّم من الطَّعنة، فليس من الباب؛ لأن الثاء فيه مبدلةٌ من فاء. وكذلك الثّجير.‏

(ثجل) الثاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على عِظَم الشيء الأجوف، ثم يحمل عليه ما ليس بأجوف. فالثُّجْلة عِظَمُ البَطْن؛ يقال رجلٌ أثْجَل، وامرأةٌ ثجْلاءُ. [ومزادةٌ ثجلاءُ(3)]، أي واسعة. قال أبو النجم:‏

* مَشْيَ الرَّوايا* بالمَزَادِ الأثجَلِ(4) *‏

ويروى "الأنجْـَل"؛ وقد ذُكِر. ويقال جُلَّةٌ ثَجْلاء عظيمة. وقال:‏

باتوا يُعَشّون القُطَيْعاءَ ضَيْفَهُمْ *** وعندهم البَرْنِيُّ في جُلَلٍ ثُجْلِ(5)‏

وهذا البناء مهملٌ عند الخليل، وذَا عَجَبٌ.‏

(ثجم) الثاء والجيم والميم ليس أصلاً، وهو دوام المطر أيّاماً. يقال أثْجَمَتِ السماءُ إذا دامَتْ أياماً لا تُقْلِع. وأُرَى الثاء مقلوبةً عن سين، إلا أنَّها إذا أُبدلت ثاءً جعلت من باب أفعل. وهاهنا كلمةٌ أخرى واللهُ أعلَمُ بصحَّتها. قالوا: الثجْم سُرْعة الصَّرْف عن الشيء. والله أعلم.‏

 

- (باب الثاء والحاء وما يثلثهما)‏

(ثحج) الثاء والحاء والجيم. ذكر ابن دريد في الثاء والحاء والجيم كلمة زَعَم أنها لِمَهْرَهَ بن حَيْدان(6). يقولون ثَحجه برجله، إذا ضَرَبه بها. وقد أبعد أبو بكرٍ شاهِدَه ما استطاع.‏

ـــــــــــــــــ

(1) لم يرد أحد هذين المعنيين في اللسان، ووردا في القاموس فقط.‏

(2) في الأصل: "ثجير"، صوابه من المجمل.‏

(3) التكملة من المجمل.‏

(4) قبله في اللسان (ثجل):‏  * تمشي من الردة مشي الحفل *‏

(5) البيت في اللسان (ثجل) بهذه الرواية. ورواية اللسان في مادة (قطع): "في جلل دسم".‏

(6) نص الجمهرة (2: 32): "لغة مرغوب عنها لمهرة بن حيدان".‏

 

ـ (باب الثاء والخاء وما يثلثهما)

(ثخن) الثاء والخاء والنون يدلُّ على رَزَانة الشيءِ في ثِقَل. تقول ثَخُنَ الشيءُ ثَخَانَةً. والرّجُل الحليمُ الرّزِين ثَخِين. والثّوْب المكتنز اللُّحْمة والسَّدَى من جَوْدةِ نَسجه ثَخين. وقد أثْخَنْته أي أثْقَلْته، قال الله تعالى: {حَتَّى يُثْخِنَ في الأَرْضِ} [الأنفال 67] وذلك أنّ القتيلَ قد أُثْقِل حتى لا حَرَاكَ به. وتركتُه مُثْخَناً، أي وَقِيذاً(1). وقال قومٌ: يقال للأعزل الذي لا سِلاحَ معه: ثخين؛ وهو قياسُ الباب، لأنّ حركتَه تَقِلُّ، خوفاً على نَفْسه.‏

ــــــــــــــ

(1) الوقيذ، بالذال المعجمة: الذي ضرب حتى مات. وفي الأصل: "وقيدا" تحريف.‏

 

ـ (باب الثاء والدال وما يثلثهما)

(ثدي) الثاء والدال والياء كلمةٌ واحدة، وهي ثدي المرأة. والجمع. أَثْدٍ. والثدياء: الكبيرة الثَّدْي(1). ثم فرق بينه وبين الذي للرّجُل، فقيل في الرجل الثُّنْدُؤَة بالضم والهمزة، والثَّنْدُوَة بالفتح غير مهموز.‏

(ثدق) الثاء والدال والقاف كلمةٌ واحدة. ثَدَق المطَرُ، وسحابٌ ثادق. وثادِقٌ اسمُ فرس، كأنّ صاحبه شَبَّهه بالسحاب. قال:‏

باتَتْ تلُوم على ثادقٍ *** ليُشرى فقد جَدّ عِصيانُها(2)‏

أي عِصْياني لها. ليُشْرَى: ليُبَاعَ.‏

(ثدم) الثاء والدال والميم كلمةٌ ليست أصلاً. زعَموا أنّ الثَّدْمَ هو الفَدْمُ. وهذا إنْ صحَّ فهو من باب الإبدال.‏

(ثدن) الثاء والدال والنون كلمةٌ. يقولون: الثَّدِنُ الرّجُل الكثير اللحم. ويقال بل الثَّدَنُ تغيُّر رائحةِ اللَّحم.‏

ـــــــــــــــ

(1) في الأصل: "والثدي الكثيرة الثدي".‏

(2) البيت لحاجب بن حبيب الأسدي، من قصيدة في المفضليات (2: 168)، وبعض أبياتها له في اللسان (ثدق) والخيل لابن الأعرابي 56. ورواه ابن الكلبي في الخيل 11 لمنذر بن عمرو بن قيس. ونقل في اللسان (ثدق) عن ابن الكلبي أنه لمنقذ بن طريف بن عمرو بن قعين وروى الأنباري أنه لرجل من بني الصباح، من بني ضبة.‏

 

ـ (باب الثاء والراء وما يثلثهما)

(ثرم) الثاء والراء والميم كلمةٌ واحدة يشتقّ منها، يقال ثَرَمْت الرّجلَ فَثَرِم، وثَرَمْت ثنيّته فانثرمت([1]). والثَّرْماء: ماءٌ لكِندة.

(ثرو/ي) الثاء والراء والحرف المعتلّ أصلٌ واحد، وهو الكَثْرة، وخلافُ اليُبْس.

قال الأصمعي: ثَرَا القومُ يَثْرُون، إذا كثُرُوا ونَمَوْا. وأَثْرَى القَومُ إذا كثُرَتْ أموالهُم. ثرا المالُ يَثْرُوا إذا كَثُر. وثَرَوْنا القومَ إذا كَثَرْناهُم، أي كُنّا أكثَرَ منهم. ويقال الذي بيني وبين فلانٍ مُثْرٍ، أي إنّه لم ينقَطِع. وأصل ذلك أنْ يقول لم يَيْبَس الثَّرَى بيني وبينَه. قال جرير:

فلا تُوبِسُوا بيني وبينكم الثَّرَى *** فإنَّ الذي بيني وبينكم مُثْرِي([2])

قال أبو عبيدة: مِن أمثالهم في تخوُّفِ الرّجلِ هَجْرَ صاحبِه: "لا تُوبِس الثّرَى بيني وبينك" أي لا يُقْطع الأمرُ بيننا. والمال الثَّرِيّ الكثير. وفي حديث أمِّ زَرْع: "وأَرَاحَ عَلَيَّ نَعَماً ثَرِيّاً". ومنه سُمِّي الرجل ثَرْوَانَ، والمرأةُ ثَرْوَى ثم تصغّر ثُرَيّا. ويقال ثَرَّيْتُ التُّرْبةَ بلّلتُها. وثَرَّيْتُ الأقِط صببتُ عليه الماءَ ولتَتُّه. ويقال بَدَا ثَرَا الماءِ ([3]) من الفرس، إذا نَدِي بعرَقِه. قال طُفيل:

يُذَدْنَ ذِيادَ الخامساتِ وقد بَدَا *** ثَرَى الماءِ من أعطافها المتحلِّبِ([4])

ويقال: التَقَى الثَّرَيانِ، وذلك أن يجيءَ المطرُ [فيرسَخَ([5])] في الأرض حتّى* يلتقي هو ونَدَى الأرض. ويقال أرْضٌ ثَرْياءُ، أي ذاتُ ثَرَىً. وقال الكسائيّ: ثَرِيتُ بفلانٍ فأنا ثَرٍ بِهِ، أي غنيٌّ عن النّاس به. وثَرَا اللهُ القومَ كَثَّرهم. والثّرَاء: كَثْرة المال. قال علقمة:

يُرِدْنَ ثَراءَ المالِ حيثُ علِمْنَه *** وشَرْخُ الشّبابِ عندهنَّ عجيبُ([6])

(ثرب) الثاء والراء والباء كلمتان متبايِنَتا الأصل، لا فروع لهما. فالتثريب اللَّوم والأَخْذ على الذَّنب. قال الله تعالى: {لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ اليَوْمَ} [يوسف 92] فهذا أصلٌ واحد والآخر الثَّرْبُ، وهو شحمٌ قد غَشَّى الكَرِشَ والأمعاءَ رقيقٌ؛ والجمع ثُرُوب.

(ثرد) الثاء والراء والدال أصلٌ واحد، وهو فَتُّ الشيء، وما أشبهه. يقال ثَرَدْتُ الثَّريد أثْرُدُه. ويقال – وهو من هذا القياس- إنّ الثَّرَدَ تشققٌ في الشّفَتين. وجاء في الحديث في ذكر الذبيحة: "كُلّ ما أفْرَى الأوداجَ غيرَ مُثَرَّدٍ([7])"، وذلك أن لا تكونَ الحديدةُ حادّةً فيثرَّدَ موضِع الذَّبح، كما يتشقَّقُ الشيءُ ويتشَظَّى.

ــــــــــــــــ

([1]) أي يقال في مطاوع الثلاثي ثرم وانثرم. ويقال أيضاً: انثرم مطاوعاً لأثرمته إثراما.

([2]) البيت في ديوانه 277 والمجمل واللسان (ثرى).

([3]) في الأصل: "بداء ثراء المال"، صوابه في المجمل واللسان (18: 120).

([4]) البيت في ديوانه 12 والمجمل واللسان (18: 120). وقبله:

على كل منشق نساها طمرة *** ومنجرد كأنه تيس حلب

([5]) التكملة من المجمل واللسان.

([6]) البيت في ديوانه 132 والمفضليات (3: 192) واللسان (18: 119).

([7]) انظر الكلام على رواية الحديث في اللسان (4: 72).

 

 

ـ (باب الثاء والطاء وما يثلثهما)

(ثطأ) الثاء والطاء والهمزة كلمةٌ لا معوَّل عليها. يقال ثَطَأْتُه وطِئْتُه.‏

(ثطع) الثاء والطاء والعين شبيهٌ بما قبله، إلاّ أنّهم يقولون ثَطَعَ الرّجلُ أبْدَى(1). وثُطِعَ إذا زُكِم. وغيره أصح منه إلا أنّه قد قيل(2). والله أعلم.‏

 

ـ (باب الثاء والعين وما يثلثهما)‏

(ثعل) الثاء والعين واللام أصلٌ واحد، وهو تَزَيُّدٌ واختلافُ حالٍ. فالثَّعَل زيادة السِّنِّ واختلافٌ في الأسنان في مَنْبتِها. تقول ثَعِلَ الرّجلُ وثَعِلَت سِنُّه، وهو يَثْعَل ثَعَلا، وهو أَثْعَلُ والمرأة ثَعْلاء والجميع الثُّعْل. وربّما كان الثَّعَل في أطْباءِ النّاقة أو البقرة، وهي زيادةٌ في طُبْييْها. وقال الخليل: الثُّعلول: الرجل الغضبان، وأنشد:‏

وليس بثُعلولٍ إذا سِيلَ واجْتُدِي*** ولا بَرِماً يوماً إذا الضَّيفُ أوْهَمَا(3)‏

أيْ قَارَبَ. وعلى هذا القياس كلمةٌ ذكَرَها الخليل، أنَّ الأثْعَلَ السيِّد الضَّخْم إذا كان لـه فُضُول. وممّا اشتق منه ثُعَلٌ بطن من العرب(4). قال امرؤ القيس:‏

أحلَلْتُ رَحْلي في بني ثُعَلٍ *** إنّ الكِرامِ للكريم مَحَلّ(5)‏

ويقال أثْعَلَ القومُ إذا خالَفُوا(6).‏

(ثعم) الثاء والعين والميم ليس أصلاً معوّلاً عليه. أمّا ابنُ دريدٍ فلم يذكره أصلاً. وأمّا الخليل فجعله مرّة في المهمل، كذا خُبِّرْنا به عنه. وذُكِرَ عنه مرّةً أنّ الثَّعْم النَّزْع والجرّ؛ يقال ثَعَمْتُه أي نزعتُه وجرَرته. وذكر عنه أنّه [يقال] تثعَّمَتْ فلاناً أرضُ بني فلانٍ، إذا أعجبَتْه وجرّتْه إليها ونزعَتْه.‏

وقال قوم: هذا تصحيفٌ، إنّما هو تنعّمَتْه فتنعَّمَ، أي أَرَتْهُ ما فيه لـه نعيمٌ فتنعَّمَ، أي أعْمَلَ نعامةَ رِجْلهِ مَشْياً إليها. وما هذا عندي إلاّ كالأوّل. وما صحَّتْ بشيءٍ منه رِواية.‏

(ثعر) التاء والعين والراء بناءٌ إنْ صحَّ دلَّ على قماءَةٍ وصِغَر. فالثُّعْرُورَانِ كالحلمتين تكتنِفان ضَرْعَ الشاة. وعلى هذا قالوا للرجل القصير ثُعْرُور.‏

(ثعط) الثاء والعين والطاء كلمةٌ صحيحة. يقال ثَعِطَ اللَّحمُ إذا تغيَّرَ وأنْتَنَ. وقال:‏

* يأكل لحماً بائِتاً قد ثَعِطا(7) *‏

ومما حُمِل عليه الثَّعِيطُ دُقاقُ التّرابِ الذي تسفِيه الرِّيح.‏

(ثعب) الثاء والعين والباء أصلٌ يدلُّ على امتداد الشيء وانبساطِه، يكون ذلك في ماءٍ وغيره.‏

قال الخليل: يقال ثَعَبْت الماءَ وأنا أثعَبُه، إذا فجّرته فانثَعب، كانثعاب الدّمِ من الأنف. قال: ومنه اشتُقّ مَثْعَب المَطَر. وممّا يصلُح حمْلُه على هذا، الثُّعبانُ الحيَّةُ الضَّخْم الطويل؛ وهو من القياس، في انبساطه وامتداده خَلْقاً وحركةً. قال:‏

* على نَهْجٍ كثُعبانِ العَرينِ *‏

وربما قيل ماءٌ ثَعْبٌ، ويجمع على الثُّعبان.‏

ـــــــــــــــــ

(1) يقال للرجل إذا تغوط وأحدث قد أبدى.‏

(2) كذا وردت هذه العبارة.‏

(3) البيت في اللسان (13: 88).‏

(4) في اللسان: "وبنو ثعل بطن، وليس بمعدول، إذا لو كان معدولا لم يصرف".‏

(5) البيت في الجمهرة (2: 45) برواية "إن الكريم للكريم".‏

(6) في اللسان: "أثعل القوم علينا إذا خالفوا". وفي المجمل: "وأثعلوا خالفوا علينا".‏

(7) بعده كما في اللسان (ثعط):‏  * أكثر منه الأكل حتى خرطا *‏

 

ـ (باب الثاء والغين وما يثلثهما)

(ثغا) الثاء والغين والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على الصَّوت. فالثُّغَاء ثُغاء الشاءِ. والثّاغية: الشاة. يقال ما له ثاغيةٌ ولا راغيةٌ، أي لا شاةٌ ولا ناقَةٌ.

(ثغب) الثاء والغين والباء أصلٌ واحد، وهو غَديرٌ في غِلَظ من أرض. يقال له ثَغْبٌ وَثَغَبٌ، وجمعه ثِغابٌ وأثغابٌ، ويقال ثُِغبان. وقال عَبيد([1]):

ولقد تحلُّ بها كأنَّ مُجاجَها *** ثَغْبٌ يُصَفَّق صَفْوُه بمُدامِ

(ثغر) الثاء والغين والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تفتُّحٍ وانفراج.

فالثَّغْر الفَرْج من فُروج البُلْدان، وثُغْرَة النَّحْر([2]) الهَزْمة التي في اللَّبَّة، والجمع ثُغَر. قال:

* وتارةً في ثُغَرِ النُّحُورِ([3]) *

والثغر ثَغر الإنسان. ويقال ثُغِر الصبيُّ إذا سقطَتْ أسنانُه. واثَّغَر إذا نبتَ بعد السُّقوط، وربَّما قالوا عند السقوط اثَّغَر. قال:

قارِحٍ قد فُرَّ عَنْهُ جانبٌ *** ورَبَاعٍ جانبٌ لم يَثَّغِرْ([4])

ويقال لقيَ بنو فُلانٍ بني فُلانٍ فثَغَرُوهم، إذا سدُّوا عليهم المَخْرَجَ فلا يَدْرُون أين يأخذون. قال:

هُمُ ثَغَرُوا أقرانَهم بمضرِّس *** وشَفْرٍ وحازُوا القَومَ حتّى تزحزحوا([5])

(ثغم) الثاء والغين والميم مستعملٌ في كلمةٍ واحدة، وهي الثَّغَامة، وهي شجرةٌ بيضاءُ الثَّمَر والزَّهر يشبّه الشّيب به. وفي الحديث: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وآلـه وسلم أُتِيَ بأبي قُحافَةَ [يوم الفتح([6])] وكأنَّ رَأْسَه ثَغَامة، فأمر أن يُغيَّر.

وأغفَلَ ابنُ دريدٍ هذا البناءَ ولم يذكُرْه مع شهرته. وقيل إنّ الثَّغِمَ الضاري مِن الكلاب، ولم أجِدْهُ في الكتابَين. فإنْ صحّ فهو في باب الإبدل، لأنَّ الثاءَ مبدلةٌ من فاءٍ. وقد ذُكِرَ في بابه.

ــــــــــــــــ

([1]) عبيد بن الأبرص في ديوانه 20 واللسان (ثغب).

([2]) في الأصل: "اللحم" تحريف، وهو في المجمل على الصواب الذي أثبت.

([3]) للعجاج في ديوانه 30 والجمهرة (2: 39). وفي الديوان:

ينشطهن في كلى الخصور  *** مرا، ومرا ثغر النحور

([4]) البيت للمرار بن منقذ العدوي في المفضليات (1: 81). وقد أنشده في اللسان (ثغر).

([5]) البيت لابن مقبل في اللسان (ثغر). والشفر: جمع شفرة. وفي الأصل: "سعر" تحريف. وفي اللسان: "وعضب".

([6]) التكملة من اللسان (ثغم).

 

ـ (باب الثاء والفاء وما يثلثهما)

(ثفل) الثاء والفاء واللام أصلٌ واحد، وهو الشيءُ يستقرُّ تحتَ الشيء، يكون ذلك من الكَدَر وغيرِه. يقال هو ثُفْل القِدْر وغيرِها، وهو ما رسا من الخُثارة([1]). ومن الباب الثِّفال الجِلْدة تُوضَع عليها الرّحَى. ويقال هو قطعةُ فَرْو تُوضَع إلى جنب الرَّحَى. وقال:

يكون ثِفالُها شَرقيَّ نجدٍ *** ولُهْوتُها قُضَاعَةَ أجمعينا([2])

وقال آخر([3]):

فتعْرُكْكُمُ عَرْكَ الرَّحَى بِثِفالها ***  وتَلْقَحْ كِشافاً ثمّ تَحْمِلْ فُتتئِمِ

فأمّا الثَّفَال فالبعيرُ البَطيء، واشتقاقُه صحيح، لأنّهُ كأنّه من البُطْء مستقرٌّ تحت حِمْلهِ، لا يكادُ يَبْرَحُ.

(ثفن) الثاء والفاء والنون أصلٌ واحد، وهو ملازمة الشّيءِ الشّيءَ. قال الخليل: ثَفِناتُ البعير: ما أصاب الأرضَ من أعضائه فغَلُظ كالركبتين وغيرهما.

وقال هو وغيره: ثَفَنْتُ الشّيءَ باليد أثفِنُه، إذا ضربتَه. قال في الثفِنة:

خَوَّى على مستوياتٍ خَمْسِ *** كِرْكِرةٍ وثَفِناتٍ مُلْسِ([4])

ويقال ثافَنْتُ على الشّيء واظبْت([5]). ويقولون ثافَنْتُه على الشيء أعنْتُه. وهو ذلك القياس.

(ثفي) الثاء والفاء والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو الأُثْفِيّة، والجمع أثافيّ. وربّما خفَّفوا، وليس بالجيد.

ومما يشتق من هذا المرأة المثَفِّيَة([6])، التي مات عنها ثلاثةُ أزواج؛ والرجل المثفّي الذي يموت عنه ثلاث نِسوة.

ويقولون على طريق الاستعارة: بقِيَتْ من بني فلانٍ أُثْفِيَّةٌ خَشْناءُ، إذا بقِيَ منهم عددٌ.

والثَّفاء نبتٌ، وليس من الباب. وفي الحديث: "ماذا في الأَمَرَّيْنِ من الشِّفاء: الصَّبِرِ والثَّفَاء". قالوا: هو الخرْدَل.

(ثفر) الثاء والفاء والراء كلمةٌ واحدة تدلُّ على المؤخَّر. فالثَّفَرُ ثَفَر الدابة. ويقال استَثْفَرت المرأة بثَوْبها إذا ائتزرت به ثم رَدَّت طَرَف الإزار من بين رجليها وغرزَتْه في الحُجْزَة مِن ورائه. والثَّفُرْ الحياءُ من السّبُعةِ وغيرها. قال:

جَزَى الله فيها الأَعوَرَيْنِ ملامةً *** وعَبْدَةَ ثَفْرَ الثَّورةِ المتضاجِمِ([7])

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الخشارة".

([2]) البيت لعمرو بن كلثوم في معلقته.

([3]) هو زهير، في معلقته.

([4]) البيتان للعجاج في ديوانه 78 واللسان (ثفن).

([5]) في الأصل: "وأطنبت"، تحريف.

([6]) ويقال أيضاً: المثفاة للمرأة والمثفى للرجل، بصيغة اسم المفعول.

([7]) البيت للأخطل في ديوانه 277 واللسان (ثفر) والحيوان (2: 282) والكامل 159 ليبسك، وفقه اللغة 76.

 

ـ (باب الثاء والقاف وما يثلثهما)

(ثقل) الثاء والقاف واللام أصلٌ واحدٌ يتفرَّع منه كلماتٌ متقاربة، وهو ضِدّ الخِفّة، ولذلك سُمِّيَ الجنُّ والإنس الثَّقَلَين، لكثرة العدد. وأثقال الأرض كنوزُها، في قوله تعالى: {وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا} [الزلزلة 2]، ويقال هي أجسادُ بني آدمَ. قال الله تعالى: {وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ} [النحل 7]، أي أجسادَكم. وقالت الخنساء:

أَبَعْدَ ابنِ عمرٍو مِنْ آلِ الشّريـ  *** دِ حَلَّتْ به الأرضُ أثقالَها

أي زيَّنَتْ موتاها به. ويقال ارتحل القَومُ بثقلتهم ([1])، أي بأمتعتهم، وأجد في نفسي ثقلة([2]). كذا يقولون من طريقة الفَرْق([3])، والقياس واحد.

(ثقب) الثاء والقاف والباء كلمةٌ واحدة، وهو أن ينفُذَ الشيء. يقال ثقَبْتُ الشيءَ أثقُبُه ثَقْباً. والثَّاقب في قوله تعالى: {النَّجْمُ الثَّاقِبُ} [الطارق 3]. قالوا: هو نجم ينفُذ السَّمواتِ كلَّها نورُه([4]). ويقال ثَقَبْت النار إذا ذَكَّيْتَها، وذلك الشيء ثُقْبَةٌ وذُكْوَة. وإنما قيل ذلك لأنّ ضوءها ينفُذ.

(ثقف) الثاء والقاف والفاء كلمة واحدة إليها يرجع الفروع، وهو إقامة دَرْءِ الشيء. ويقال ثَقَّفْتُ القناةَ إذا أقَمْتَ عِوَجَها. قال:

نَظَرَ المثقِّفِ في كُعوب قناتِهِ  *** حَتَّى يقيم ثِقافُهُ منآدَها([5])

وثَقِفْتُ هذا الكلامَ من فلانٍ. ورجل ثَقِْفٌ لَقِْفٌ، وذلك أنْ يصيب عِلْمَ ما يَسمعُه على استواء. ويقال ثقِفْتُ به إذا ظَفِرْت به. قال:

فإمَّا تَثْقَفُوني فاقتُلوني  *** وإنْ أُثْقَفْ فسوف تَرَوْنَ بَالي([6])

فإنْ قيل: فما وجْهُ قُربِ هذا من الأوّل؟ قيل لـه: أليس إذا ثَقِفَهُ فقد أَمسَكَه. وكذلك الظَّافر بالشيءِ يُمسكُه. فالقياس بأخْذِهما مأخَذاً واحداً.

ــــــــــــــــ

([1]) يقال بالتحريك وبالكسر وبالفتح وكعنبة وكفرحة.

([2]) يقال بالفتح وبالتحريك.

([3]) يفهم من هذا أنه ضبط كلا من الكلمتين بضبط معين، ولكن النسخة لم تؤد لنا ضبطا لإحداهما.

([4]) يقال: نفذ السهم الرمية ونفذ فيها، يتعدى بنفسه وبالحرف.

([5]) البيت لعدي بن الرقاع، كما في الأغاني (8: 177).

([6]) البيت في المجمل واللسان (ثقف).

 

 

ـ (باب الثاء والكاف وما يثلثهما)

(ثكل) الثاء والكاف واللام كلمةٌ واحدة تدلُّ على فُِقدانِ الشيء، وكأنّه يُخْتَصّ بذلك فُِقدانُ الولد. يقال ثَكِلَتْه أُمُّه تثْكَلُه ثكلاً(1). ولأُمِّهِ الثُّكل. فإذا قال القائل لآخَرَ وهو ليس لـه بولد فإنما يحملُه على ذلك، وإلا فإنّ الأصلَ ما ذكرناه.‏

(ثكم) الثاء والكاف والميم كلمةٌ واحدة، وهو مجتمع الشيء. ويقال تنحّ عن ثَكَمِ الطريق(2)، أي مُعْظَمِه وواضحه.‏

(ثكن) الثاء والكاف والنون كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على مُجتَمَع الشيء. يقال تَنَحَّ عن ثَكَنِ الطّريقِ، أي مُعظَمِهِ وواضحه(3). والثُّكْنة السِّرب والجماعة، والجمعُ ثكَنٌ. قال الأعشى:‏

يُسافِعُ وَرْقاءَ جُونِيَّةً *** ليُدرِكَها في حمامٍ ثُكَنْ(4)‏

ــــــــــــــــ

(1) يقال في المصدر ثكل، بالتحريك، وثكل بالضم.‏

(2) ثكم الطريق، بالتحريك وكصرد.‏

(3) زاد ابن فارس في المجمل: "وهو من الإبدال، يقولون ثكم وثكن".‏

(4) ديوان الأعشى 18 والمجمل واللسان (ثكن). ورواية الديوان واللسان: "ورقاء غورية".‏

 

ـ (باب الثاء واللام وما يثلثهما)

(ثلم) الثاء واللام والميم أصلٌ واحد، وهو تَشَرُّم يقَع في طَرَف الشيء، كالثُّلْمة تكون في طَرَف الإناء. وقد يسمَّى الخَلَل أيضاً ثُلْمة وإن لم يكن في الطَّرَف. وإناءٌ مُنْثَلمٌ ومُتَثَلِّمٌ.

(ثلب) الثاء واللام والباء كلمةٌ صحيحة مُطَّردةُ القِياسِ في خَوَر الشّيء وتشعُّثِه. فالثَّلِبُ الرُّمْح الخوّار. قال الهذليّ([1]):

ومُطَّرِدٌ من الخَطِّ *** يِّ لا عارٍ ولا ثَلِبُ

والثِّلْب: الهِمُّ الكبير. وقد ثَلِبَ ثَلباً. ويقال ثَلبْتُه إذا عِبْتَهُ. وهو ذو ثلبةٍ([2]) أي عَيْب. والقياس ذاك، لأنه يصع منه ويشعِّثه([3]). وامرأةٌ ثالِبةُ الشَّوَى، أي منْشقّة

القدَمين([4]). قال:

لقد ولَدَتْ غَسَّانَ ثالبَةُ الشَّوَى *** عَدُوس السُّرَى لا يعرف الكَرْمَ جِيدُها([5])

والثَّلَب: الوَسَخ، يقال إنه لَثَلِبُ الجِلْد، وذاك هو القَشَف. والقياسُ واحد.

(ثلث) الثاء واللام والثاء كلمةٌ واحدة، وهي في العدد، يقال اثنانِ وثلاثة. والثَُّلاثاءُ من الأيام. قال:

[قالوا] ثَُلاثاؤهُ مالٌ وَمَأدُبَةٌ *** وكلُّ أيّامِه يومُ الثُّلاثاءِ([6])

وثالثة الأثافي: الحَيْدُ النّادِر من الجبل، يجمع إليه صخرتانِ ثم تُنْصَبُ عليها القِدْر. وهو الذي أراده الشماخُ:

أقامتْ على رَبْعَيهما جارتَا صَفاً  *** كُمَيْتا الأعالي جَوْنَتَا مُصْطَلاهما([7])

والثَّلُوث من الإبل: التي تملأ ثلاثةَ آنِية إذا حُلِبت. والمثلوثة: المزادة تكون من ثلاثة جُلودٍ. وحَبْلٌ مَثْلوثٌ، إذا كان على ثلاثِ قُوىً.

(ثلج) الثاء واللام والجيم أصلٌ واحد، وهو الثَّلْج المعروف. ومنه تتفرع الكلمات المذكورة في بابه. يقال أرضٌ مثلوجة إذا أصابَها الثّلْج. فإذا قالوا رجلٌ مثلوج الفؤاد فهو البليد العاجز. وهو من ذلك القياس، والمعنى أنّ فؤادَه كأنّه ضُرِب بثَلْجٍ فَبَرَدَتْ حرارتُه وتبلَّد. قال:

* تنَبَّهَ مَثْلُوجَ الفؤادِ مُوَرَّما([8]) *

وإذا قالوا ثَلِجَ بخبرٍ أتاه، إذا سُرَّ بهِ، فهو من الباب أيضاً؛ وذلك أنّ الكرب إذا جَثَمَ على القلْب كانت لـه لَوعةٌ وحَرارة، فإذا وَرَدَ ما يُضادُّه جاءَ بَرْدُ السُّرور. وهذا شائعٌ في كلامهم. ألا تراهم يقولون في الدعاء عليه: أسخَنَ اللهُ عينَه. فإذا دَعوْا له قالوا: أقرّ الله عينَه. ويحملون على هذا فيقولون: حفَر حتى أثْلَجَ، إذا بَلَغ الطِّين المجتمع مع نُدُوَّتِه بالثَّلج.

(ثلط) الثاء واللام والطاء كلمةٌ واحدة، وهو ثَلْطُ البعير والبقرة.

(ثلغ) الثاء واللام والغين كلمةٌ واحدة، وهو شَدْخُ الشيء. يقال ثَلَغْت رأسَه أي شدَخْته. ويقولون لما سقط من الرُّطَبِ فانشدخ مثَلَّغ.

ـــــــــــــــ

([1]) هو أبو العيال الهذلي، كما في شرح السكري لأشعار الهذليين 141 ومخطوطة الشنقيطي 95 واللسان (ثلب). وقبل البيت:

وقد ظهر السوابغ فو *** قهم والبيض واليلب

([2]) ضبطت في المجمل بفتح الثاء وكسرها.

([3]) يقال: شعثت من فلان: إذا غضضت منه وتتقصته، من الشعث، وهو انتشار الأمر. وفي الأصل: "ويشعبه"، تحريف.

([4])وكذا في المجمل. وفي اللسان:"متشققة القدمين".

([5]) لجرير، يهجو غسان بن ذهيل السليطي. ديوانه 127 والمجمل، واللسان (ثلب، عدس، كرم). وقد روي في اللسان (عدس): "ثالثة الشوى" يعني أنها عرجاء فكأنها على ثلاث قوائم. ويروى أيضاً: "بالية الشوى".

([6]) الكلمة الأولى ساقطة من البيت، وإثباتها من الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (1: 272). وروايته فيها: "خصب ومأدبة".

([7]) ديوان الشماخ 86 وسيبويه (1: 102).

([8]) لحاتم الطائي في ديوانه 109. وصدره: *ينام الضحى حتى إذا ليله استوى*

 

ـ (باب الثاء والميم وما يثلثهما)

(ثمن) الثاء والميم والنون أصلان: أحدهما عِوَضُ ما يُباع، والآخَر جزءٌ من ثمانية.

فالأوّل قولهم بِعْتُ كذا وأخذْتُ ثمنَه. وقال زهير:

* وعَزَّتْ أثمُنُ البُدُنِ([1]) *

فمن رواه بالضمّ فهو جمع ثَمَن. ومن رواه بالفتح "أثمَنُ البُدُنِ" فإنه يريد أكثرَها ثمناً.

وأمَّا الثُّمُن فواحدٌ من ثمانية. يقال ثَمَنْتُ القومَ أثْمُنُهم إذا أخذتَ ثُمنَ أموالهم. والثمِينُ: الثمْن. قال:

فإني لستُ مِنك ولست مِنِّي  *** إذا [ما] طار مِن مالي الثَّمِينُ

وقال الشماخُ أو غيرُه([2]):

ومثْلُ سَرَاةِ قومِكَ لَنْ يُجَارَوْا *** إلى رُبُعِ الرِّهانِ ولا الثَّمِينِ

ومما شذَّ عن الباب "ثَمِينَة" وهو بلد. وقال الهذلي([3]):

بأصْدَقَ بأساً مِنْ خليلِ ثَمينةٍ *** وأمْضَى إذا ما أفلطَ القائمَ اليدُ([4])

ومنه أيضاً المِثْمَنَة، وهي كالمِخْلاة.

(ثمد) الثاء والميم والدال أصلٌ واحد، وهو القليل من الشيء، فالثَّمْدُ الماء

القليل لا مادّةَ لـه. وثمََدتْ فلاناً النّساءُ إذا قطَعْنَ ماءَه([5]). وفلانٌ مثمودٌ إذا كثُرَ السُّؤال عليه حتى ينفَدَ ما عنده. وقال في المثمود:

أو كماءِ المثْمودِ بعد جِمامٍ *** زَرِم الدَّمْع لا يؤوب نَزُورا([6])

والثامد من البَهْم حِينَ قَرِم؛ لأنّ الذي يأخذه يَسِيرٌ.

ومما شذّ عن الباب الإثْمِد، وهو معروف، وكان بعضُ أهل اللغة يقول: هو من الباب، لأنّ الذي يُستعمَل منه يَسيرٌ. وهذا ما لا يُوقَف على وجهه.

(ثمر) الثاء والميم والراء أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يتولّد عن شيءٍ متجمِّعاً، ثم يُحمَل عليه غيرُه استعارةً.

فالثَّمَر معروفٌ. يقال ثَمَرَةٌ وثَمَرٌ وثِمارٌ وثُمُر. والشّجر الثامِر: الذي بلَغَ أوانَ يُثْمرُ. والـمُثْمِر: الذي فيه الثَّمَر. كذا قال ابن دريدُ([7]). وثمّر الرّجلُ مالَه أحسَنَ القيامَ عليه. ويقال في الدعاء: "ثَمَّرَ اللهُ مالَه" أي نمّاه. والثّمِيرة من اللبن حين يُثْمِرُ فيصيرُ مثلَ الجُمَّار الأبيض؛ وهذا هو القياس. ويقال لعُقْدَة السَّوط ثَمَرة؛ وذلك تشبيهٌ.

ومما شذَّ عن الباب* ليلة ابن ثَمِيرٍ، وهي اللّيلة القَمْراءُ([8]). وما أدري ما أصله.

(ثمغ) الثاء والميم والغين كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاس عليها ولا يفرَّع منها. يقال ثَمَغْتُ الثّوب ثَمْغاً إذا صبَغْتُه صبغاً مُشْبَعا. قال:

تركتُ بني الغُزَيِّلِ غيرَ فَخْرٍ *** كأنَّ لِحاهُمُ ثُمِغَتْ بوَرْسِ([9])

وهاهنا كلمةٌ ليست من الباب، وهي مع ذلك معلومة، قال الكسائيُّ: ثَمَغَة الجبلِ أعلاه، بالثاء. قال الفرّاء، والذي سمعتُ أنا نَمَغَةٌ([10]).

(ثمأ) الثاء والميم والهمزة كلمةٌ واحدة ليست أصلاً، بل هي فرعٌ لما قبلها. ثمأ لحيتَه صَبَغها. والهمزة كأنها مُبدلةٌ من غين. ويقال ثمأْتُ الكَمْأَة في السَّمْن طرحْتُها. وهذا فيه بعضُ ما فيه. فإنْ كان صحيحاً فهو من الباب، لأن الكمْأة كأنها صُبِغَتْ بالسَّمْن.

(ثمل) الثاء والميم واللام أصلٌ ينقاس مطّرِداً، وهو الشيء يبقى ويثبُت، ويكون ذلك في القليل والكثير. يقال دارُ بني فلانٍ ثَمَلٌ، أي دار مُقام، والثَّميلة: ما بَقي في الكَرِش من العَلَف. وكلُّ بَقِيةٍ ثَميلة. وإنما سُمِّيت بذلك لأنها تبقى ثمَّ([11])تشرب الإبل على تلك الثميلة، وإلا فإنها لا تحتاج إلى شرب، وكيف تشرب على [غير([12])] شيء. ومن ذلك قولهم: فلان ثِمالُ بني فلان، إذا كان مُعْتَمَدَهم. وهو ذلك القياس، لأنَّه يُعوَّل عليه كما تعوِّل الإبلُ على تلك الثَّميلة. وقال في الثِّمال أبو طالبٍ في ابن أخيه رسولِ الله صلى الله عليه وآله وسلم:

وأبيضَ يُستَسقى الغَمامُ بوجهه *** ثِمَالَ اليتامَى عِصمةً للأراملِ([13])

والثَّمْلة: بقية الماء ([14]). والثُّمَالُ: السمُّ المُنْقَع. قال الهذلي([15]):

فَعَمّا قليلٍ سقاها معاً  *** بمُزْعِفِ ذَيْفَانِ قِشْبٍ ثُمالِ

والثّمْلَةَ: باقي الهِناءِ في الإناء. قال:

*كما تُلاثُ في الهِناءِ الثَّمَلَهْ([16]) *

فالثَّمَلة هاهنا الخِرْقة التي يُهنأ بها البَعير. وإنما سمِّيت باسم الهِناءِ على معنى المجاوَرَة. وربما سمّيت هذه مِثْمَلَة. فأمّا الثَّمِلُ فإنه السكران، وذلك لبقيّة الشراب التي أسكرَتْه وخَـثَّرَتْهُ. قال:

فقلتُ للقومِ في دُرْنا وقد ثَمِلُوا *** شِيمُوا وكيف يَشِيمُ الشَّارِبُ الثَّمِلُ([17])

والثُّمالة: الرُِّغْوَة. وأثْمَلَ اللبن: رَغَّى، وهو حمْلٌ على الأصل؛ وإلاّ فإن الثّمالةَ قليلةُ البقاء. قال:

إذا مَسَّ خِرْشَاءُ الثُّمالةِ أنْفهُ *** ثَنَى مِشْفَرَيْهِ للصَّريحِ فأقْنَعا([18])

فجعل الرِّغْوةَ الخِرشاء، وجعل لِلَّبن الثُّمالة. وكلٌّ قريب.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت بتمامه كما في الديوان 122 واللسان (ثمن):

من لا يذاب له شحم السديف إذا  *** زار الشتاء وعزت أثمن البدن

وقبله:

أن نعم معترك الجياد إذا  *** خب السفير ومأوى البائس البطن

([2]) البيت للشماخ في ديوانه 97 من قصيدة يمدح بها عرابة الأوسي.

([3]) هو ساعدة بن جؤية، كما في القسم الأول من أشعار الهذليين 240 طبع دار الكتب واللسان (ثمن، فلط). وروي في معجم البلدان (رسم الثمينة) بدون نسبة.

([4])أفلط: أفلت وزناً ومعنى، وهو لغة تميمية قبيحة. وقد أراد أفلت القائم اليد، فقلب.

([5]) في الأصل "ثمدت فلاناً البناء إذا قطعن ماؤه" تحريف، صوابه في المجمل. وفي اللسان "وثمدته النساء نزفن ماءه من كثرة الجماع ولم يبق في صلبه ماء".

([6]) البيت في اللسان (زرم) لعدي بن زيد، وفي الأصل: "نزور".

([7]) الجمهرة (2: 41).

([8]) شاهده قوله:

وإني لمن عبس وإن قال قائل *** على رغمهم ما أثمر ابن ثمير

([9]) في الأصل: "بني العذيل"، صوابه من المجمل واللسان (ثمغ).

([10]) أورد في اللسان (نمغ) لغتي الفتح والتحريك في "نمغة الجبل" وقال: "والمعروف عن الفراء الفتح".

([11]) في الأصل: "لم".

([12]) بمثل هذه الكلمة تستقيم الجملة.

([13]) انظر الخزانة (1: 251-252) حيث الكلام على قصيدة البيت، والسيرة 172 جوتنجن والروض الأنف (1: 173).

([14]) ويقال أيضاً "ثملة" بالتحريك.

([15]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، كما في شرح السكري للهذليين 194 ومخطوطة الشنقيطي من الهذليين 82.

([16]) من رجز لصخر بن عمير، في اللسان (ثمل).

([17]) البيت للأعشى في ديوانه 44 واللسان (ثمل) ومعجم البلدان (درنا). والرواية في جميعها: "فقلت للشرب".

([18]) البيت لمزرد بن ضرار، كما في اللسان (خرش، ثمل).

 


ـ (باب الثاء والنون وما يثلثهما)

(ثني) الثاء والنون والياء أصلٌ واحد، وهو تكرير الشّيء مرّتين، أو جعلُه شيئين متوالييَن أو متباينين، وذلك قولك ثَنَيْت الشّيءَ ثَنْياً. والاثنان في العدد معروفان. والثِّنَى والثنْيانُ الذي يكون بعد السّيِّد، كأنّه ثانِيهِ. قال:

تَرَى ثِنَانا إذا ما جاءَ بَدْأَهُمُ  *** وبَدْؤُهُم إنْ أتانا كان ثُنْيانا([1])

يروى: "ثُنْيانُنا إن أتاهُمْ كانَ بَدْأَهُم". والثِّنَى: الأمْرُ يعادُ مرّتين. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لاثِنَى في الصَّدَقَة" يعني لا تُؤخذ في السّنَة مرَّتين". وقال معن([2]):

أفي جَنْبِ بَكْرٍ قطَّعَتْنِي مَلامةً *** لَعَمْري لقد كانت مَلامَتُها ثِنَى

وقال النّمر بن تَولَب:

فإذا ما لم تُصِب رشداً *** كان بعضُ اللَّومُ ثُنْيانا

ويقال امرأةٌ ثِنْيٌ ولدت اثنين، ولا يقال ثِلْثٌ ولا فَوقَ ذلك. والثِّنَاية: حبلٌ من شَعَرٍ أو صوف. ويحتملُ أنّه سمّي بذلك لأنّه يُثْنَى أو يُمكن أن يُثْنَى. قال:

* [و] الحَجَرُ الأَخْشَنُ والثِّنَايهْ([3]) *

والثُّنْيَا من الجَزُور: الرأسُ أو غيرُه إذا استثناه صاحبُه.

ومعنى الاستثناء من قياس الباب، وذلك* أنّ ذكره يثنَّى مرّةً في الجملة ومرّةً في التفصيل؛ لأنّك إذا قلت: خَرَجَ الناسُ، ففي الناس زيدٌ وعمروٌ، فإذا قلتَ: إلا زيداً، فقد ذكرتَ به زيداً مرةً أخرى ذكراً ظاهراً. ولذلك قال بعضُ النحويِّين: إنّه خرج مما دخل فيه، فعمل فيه ما عمل عشرون في الدِّرْهم. وهذا كلامٌ صحيحٌ مستقيم.

والمِثْناةُ: طَرَف الزِّمام في الخِشاش، كأنّه ثاني الزّمام. والمَثْناة: ما قُرِئ من الكتاب وكرِّر. قال الله تعالى: {ولَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ المَثَانِي} [الحجر 87] أراد أنّ قراءَتها تثَنَّى وتُكَرَّرُ.

(ثنت) الثاء والنون والتاء كلمةٌ واحدة. ثَنِتَ اللّحمُ تغيّرَتْ رائحتهُ. وقد يقولون ثَتِن([4]). قال:

* وثتِنَتْ لِثاتُه دِرْحايَهْ([5]) *

 

ــــــــــــــــ

([1]) لأوس بن مغراء، كما في اللسان (بدأ، ثني).

([2]) كذا وردت النسبة هنا وفي المجمل. ونسب في اللسان (ثني) إلى كعب بن زهير، قال: "وكانت امرأته لامته في بكر نحره". وهذه النسبة هي الصحيحة، إذ البيت لم يرو في ديوان معن المطبوع في ليبسك 1903، بل هو في قصيدة معروفة لكعب بن زهير في ديوانه، مخطوطة دار الكتب. وقبله –وهو مطلع القصيدة-:

ألا بكرت عرسي توائم من لحا *** وأقرب بأحلام النساء من الردى

([3]) الرجز في اللسان (ثني). وزيادة الواو من المجمل واللسان.

([4]) ويقولون أيضاً "نثت" بتقديم النون.

([5]) الدرحاية: فعلاية من درح، والدرحاية الكثير اللحم القصير السمين الضخم البطن، اللئيم الخلقة. وأنشد نظيره في اللسان (ثتن):

* وثتن لثاته تئبايه *

وقال: "تئبايه، أي يأبى كل شيء".

 

ـ (باب الثاء والهاء وما يثلثهما)

(ثهل) الثاء والهاء واللام كلمةٌ واحدة وهو جبَل يقال لـه ثهْلان، وهو مشهور. وقد قالوا -وما أحسبه صحيحاً- إنّ الثَّهَلَ الانبساطُ على وجه الأرض.‏

 

ـ (باب الثاء والواو وما يثلثهما)

(ثوي) الثاء والواو والياء كلمةٌ واحدة صحيحة تدلُّ على الإقامة. يقال ثَوَى يثْوِي فهو ثاوٍ. وقال:

آذَنَتْنَا بِبَيْنها أسماءُ  *** ربَّ ثاوٍ يُمَلّ منه الثَّواءُ([1])

ويقال أثْوَى أيضاً. قال:

أَثْوَى وَقَصَّرَ لَيْلُه ليُزَوَّدا *** فَمضَى وأخلف من قُتَيْلَة مَوْعِدا([2])

والثَّوِيَّة والثَّايَة: مأوى الغَنَم. والثَّويَّة: مكان([3]). وأمُّ مَثْوَى الرّجلِ: صاحبةُ منزلهِ. والقياس كلُّه واحد. والثّايَة أيضاً: حِجارةٌ تُرفَع للرّاعي يَرجع إليها لَيْلاً، تكونُ علماً له.

(ثوب) الثاء والواو والباء قياسٌ صحيحٌ من أصلٍ واحد، وهو العَوْدُ والرُّجوع. يقال ثاب يثُوب إذا رَجَع. والمَثَابةُ: المكان يَثُوب إليه النّاس. قال الله تعالى: {وَإذْ جَعَلْنَا البَيْتَ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْناً} [البقرة 125]. قال أهل التفسير: مثابة: يثُوبون إليه لا يَقْضُون منه وَطَراً أبداً. والمَثَابة: مَقام المُستَقِي على فَمِ البِئرْ. وهو مِنْ هذا، لأنّه يثُوب إليه، والجمع مَثَابات. قال:

وما لـمَثَاباتِ العُروشِ بَقيَّةٌ *** إذا استُلَّ من تحت العُرُوشِ الدَّعائمُ([4])

وقال قَوم: المَثَابة العدد الكبير. فإنْ كان صحيحاً فهو من الباب، لأنهم الفئة التي يُثَابُ إليها. ويقال ثَابَ الحوضُ، إذا امتلأ. قال:

* إن لم يثُبْ حَوْضُك قَبْلَ الرِّيّ([5]) *

وهكذا كأنّه خلا ثم ثاب إليه الماء، أو عاد ممتلئاً بعد أنْ خلا. والثّوابُ من الأجْر والجزاء أمرٌ يُثابُ إليه. ويقال إنّ المَثابة حِبالةُ الصَّائد، فإن كان هذا صحيحاً فلأنّه مَثَابة الصَّيد، على معنى الاستعارة والتّشبيه. قال الراجز:

مَتَى مَتَى تُطَّلَعُ المَثَابَا *** لعلَّ شَيْخاً مُهْتَراً مُصابَا([6])

يعني بالشّيخِ الوَعِلَ يَصِيدُه. ويقال إنّ الثَّوابَ العَسَلُ؛ وهو من الباب، لأنّ النّحلَ يثُوبُ إليه. قال:

فهو أحْلَى مِنَ الثَّوابِ إذا  *** ذُقْتَُ فَاهَا وبَارِئِ النَّسَمِ([7])

قالوا: والواحدُ ثَوَابة. وثَوَابٌ: اسمُ رجلٍ كان يُضْرَب به المثل في الطَّوَاعِيَة، فيقال: "أطْوَعُ مِنْ ثواب". قال:

وكنتُ الدّهر لَستُ أُطِيعُ أنْثَى *** فصرْتُ اليومَ أطْوَعَ مِن ثَوابِ([8])

والثوب الملبوس محتملٌ أن يكون من هذا القياس؛ لأنّه يُلْبَس ثم يُلبَس ويثاب إليه. وربَّما عبَّروا عن النفس بالثَّوب، فيقال هو طاهر الثِّياب.

(ثور) الثاء والواو والراء أصْلانِ قد يمكن الجمعُ بينهما بأدنَى نظَرٍ. فالأوّل انبعاثُ الشيء، والثاني جنسٌ من الحيوان.

فالأوّل قولُهم: ثار الشيءُ يَثُور ثَوْراً وثُؤُوراً وثَوَراناً. وثارت الحصْبة تثور. وثاوَرَ فلانٌ فلاناً، إذا وَاثَبَه، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما ثار إلى صاحبه. وَثَوَّر فلانٌ على فلانٍ شرّاً، إذا أظهره. ومحتملٌ أن يكون الثَّور فيمن يقول إنّه الطُّحلب من هذا، لأنّه شيءٌ قد ثارَ على مَتْن الماء.

والثاني الثَّور من الثِّيران، وجمع على* الأثْوار أيضاً. فأمَّا قولُهم للسيّد ثَوْرٌ فهو على معنَى التَّشبيه إن كانت العرب تستعمله. على أنّي لم أرَ به روايةً صحيحة. فأمّا قول القائل ([9]):

إنّي وقتلي سُليكاً ثمّ أعقلَهُ *** كالثَّور يضرَب لَمّا عافَتِ البَقَرُ

فقال قومٌ: هو الثّوار بعينه، لأنّهم يقولون إنّ الجنّيَّ يركب ظَهر الثَّور فيمتنع البقرُ من الشُّرب. وهو من قوله:

وَما ذَنْبُه أنْ عافَتِ الماءَ باقرٌ *** وما إنْ تَعافُ الماءَ إلاّ ليُضْربا([10])

وقال قوم: هو الطُّحْلب. وقد ذكرناه. وثَوْر: جَبَل. وثور: قومٌ من العرب. وهذا على التَّشبيه. فأمَّا الثَّور فالقطعة من الأَقِطِ. وجائز أن يكون من ([11])...

(ثول) الثاء والواو واللام كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على الاضطراب، وإليها يرجع الفُروع. فالثَّوَلُ داءٌ يصيب الشّاةَ فتسترخي أعضاؤها، وقد يكون في الذُّكْرَانِ أيضاً، يقال تيسٌ أثْوَلُ، وربّما قالوا للأحمق البطيء الخَيْر أثْوَل؛ وهو من الاضطراب. والثَّول الجماعة من النَّحل من هذا، لأنّه إذا تجمَّع اضطراب فتردّدَ([12]) بعضُه على بعضٍ. ويقال تَثَوَّلَ القومُ على فُلان تَثوُّلاً، إذا تجمّعُوا عليه.

(ثوم) الثاء والواو والميم كلمةٌ واحدة، وهي الثُّومَة من النَّبات. وربَّما سمَّوا قبِيعة السّيف ثُومةً. وليس ذلك بأصل.

(ثوخ) الثاء والواو والخاء ليس أصلاً؛ لأن قولهم ثاخَت الإصبعُ إنّما هي مبدلة من سَاخت؛ وربّما قالوا بالتاء: تاخت. والأصل في ذلك كلِّه الواو. قال أبو ذُؤيب:

* فَهْيَ تَثُوخ فيها الإصْبَعُ([13]) *

ـــــــــــــــ

([1]) البيت مطلع معلقة الحارث بن حلزة اليشكري.

([2]) مطلع قصيدة للأعشى في ديوانه 150 واللسان (ثوى، خلف) وسيأتي في (خلف). وفي الديوان: "ليلة.. ومضى".

([3]) هو بقرب الكوفة. يقال بضم الثاء وفتح الواو، وبفتح الثاء وكسر الواو.

([4]) البيت للقطامي في ديوانه 48 واللسان(ثوب) وسيأتي في (عرش). وقبله:

فأصبح قومي قد تفقد منهم  *** رجال العوالي والخطيب المراجم

([5]) في وصف إبل، كما في المجمل. وفي الأصل: "الرأي"، صوابه في المجمل.

([6]) وكذا جاء إنشادهما في المجمل واللسان (ثوب). وفي الأصل: "حتى متى" صوابه فيهما. وأنشده في اللسان (شيخ) برواية: * متى متى تطلع الثنايا *

([7]) في المجمل: "ذقت فاها وحق باري النسم" وتقرأ بالتقييد.

([8]) البيت للأخنس بن شهاب، كما اللسان (ثوب) وقد جاء فيه محرفاً بلفظ "الأخفش" والأخنس بن شهاب من شعراء المفضليات.

([9]) هو أنس بن مدرك، كما في الحيوان (1: 18).

([10]) البيت للأعشى، كما سبق في حواشي (بقر).

([11])كذا وردت هذه العبارة مبتورة.

([12]) في الأصل "فترد".

([13]) ديوان أبي ذؤيب 16 والمفضليات (2: 221). والبيت بتمامه :

قصر الصبوح لها فشرج لحمها  *** بالنَّيِّ فهي تثوخ فيها الإصبع

 

ـ (باب الثاء والياء وما يثلثهما)

(ثيل) الثاء والياء واللام كلمةٌ واحدة، وهي الثِّيلُ، وهو وِعاء قضيب البعير. والثِّيل: نبات يشبك بعضُه بعضاً. واشتقاقه واشتقاق الكلمة التي قبله واحد. وما أُبْعِدُ أنْ تكون هذه الياءُ منقلبةً عن واو، تكون من قولهم ثثوَّلوا عليه، إذا تجمّعوا.

 


ـ (باب الثاء والهمزة وما يثلثهما)

(ثأر) الثاء والهمزة والراء أصلٌ واحد، وهو الذَّحْل المطلوب. يقال ثأرتُ فلاناً بفلانٍ، إذا قتَلْتَ قاتلَه.قال قيس بنُ الخَطِيم:

ثأرتُ عَدِيّاً والخَطِيمَ فلم أُضِعْ *** وصيَّةَ أشياخٍ جُعِلْتُ إزاءَهَا([1])

ويقال "هو الثَّأْر المُنِيم"، أي الذي إذا أدرك صاحبه نام. ويقال في الافتعال منه اثّأَرتُ. قال لَبيد:

والنِّيبُ إنْ تَعْرُ مِنّي رِمّةً خَلَقاً *** بعد الممات فإنّي كنتُ أتَّئِرُ([2])

فأمّا قولهم استَثْأَرَ فلانٌ فلاناً إذا استغاثَهُ، فهو من هذا؛ لأنّه كأنّه دعاه إلى طلب الثَّأر. قال:

إذا جاءَهم مُسْتَثْئِرٌ كانَ نصرُهُ *** دعاءً ألاَ طِيُروا بكلِّ وَأىً نَهْدِ([3])

والثُّؤْرةُ: الثَّأْرُ أيضاً. قال:

* بني عامرٍ هل كنتُ في ثُؤْرَتي نِكْسَا([4]) *

(ثأط) الثاء والهمزة والطاء كلمةٌ واحدة ليست أصلاً. فالثأْطَةُ الحَمْأة والجمع ثَأْط. وينشدون:

* في عَينٍ ذي خُلُبٍ وثَأْطٍ حَرْمَدِ([5]) *

وإنما قلنا ليست أصلاً لأنّهم يقولونها بالدال([6])، فكأنّها من باب الإبدال.

(ثأد) الثاء والهمزة والدال كلمةٌ واحدة يشتقّ منها، وهي النَّدَى وما أشبَهَه. فالثَّأْدُ النَّدى. والثَّئِد النّدِيُّ اللّيِّن. وقد ثَئِدَ المكانُ يَثْأَدُ. قال:

هل سُوَيْدٌ غيرُ لَيْثٍ خادِرٍ *** ثَئِدَتْ أَرْضٌ عليه فانتَجَعْ([7])

فأمّا الثَّأْداء على فَعَلاء وفَعْلاء فهي الأَمَة، وهي قياس الباب، ومعناهما واحد. وقيل لعمر بن الخطاب رضي الله عنه: "ما كنت فيها بابنِ ثَأْداء". وربما قلبوه فقالوا: دَأْثَاء. وأنشدوا:

وما كُنَّا بني ثَأْدَاءَ لمَّا  *** شفَيْنَا بالأسِنَّةِ كُلَّ وِتْرِ([8])

(ثأي) الثاء والهمزة والياء كلمةٌ واحدة تدلُّ على فسادٍ وخَرْم. فالثَّأيُ على مثال الثَّعْي الخَرْم؛ يقال: أثأتِ الخارِزة الخَرْزَ* تُثْئيهِ إذا خرمَتْه. ويقال أثْأَيْتُ في القوم إثْآءً جَرَحْتُ فيهم([9]). قال:

يا لك مِنْ عَيْثٍ ومن إثآءِ *** يُعْقِبُ بالقَتْلِ وبالسِّباءِ([10])

ـــــــــــــــ

([1]) البيت في ديوان قيس بن الخطيم ص2 برواية: "ولاية أشياخ".

([2]) اللسان (5: 166-11: 376) وديوان لبيد 46 فينا 1880. قال الطوسي: قال الأصمعي: "والإبل تولع بتقمم العظام البالية وأكلها. فقوله إن تعرمني، يقول: النيب إن تلم بقبري فتأكل عظامي فقد كنت أثأر منها وأنا حي، أي أقتلها وأنحرها". وفي اللسان: "الإبل إذا لم تجد حمضاً ارتمت عظام الموتى وعظام الإبل، تحمض بها". و"أتئر" بالتاء المثناة إحدى روايتي البيت، وهي تطابق رواية الديوان. وفي اللسان والجمهرة (4: 88) "أثئر" بالمثلثة، وهما وجهان جائزان في إدغام ما قبل تاء افتعاله ثاء، كما يجوز وجه ثالث، وهو بقاء تاء الافتعال على حالها، تقول "اثتأر".

([3]) البيت في اللسان (5: 166).

([4]) صدره كما في اللسان (ثأر): * شفيت به نفسي وأدركت ثؤرتي *

([5]) نسبه ابن فارس في مادة (أوب) إلى أمية بن أبي الصلت. وهو في ديوانه 26 وصدره:  * فرأى مغيب الشمس عند إيابها *

وانظر حواشي ص154.

([6]) في القاموس أن "الثأد" بالتحريك ويسكن: المكان غير الموافق.

([7]) البيت آخر قصيدة لسويد بن أبي كاهل اليشكري في المفضليات (1: 188- 200).

([8]) للكميت، كما في اللسان (ثأد). ويروى: "حتى شفينا".

([9]) في الأصل والمجمل: "خرجت فيهم"، صوابه من اللسان والجمهرة (2: 273).

([10]) البيت في المجمل واللسان والجمهرة.


ـ (باب الثاء والباء وما يثلثهما)

(ثبت) الثاء والباء والتاء كلمةٌ واحدة، وهي دَوامُ الشيء. يقال: ثَبَتَ ثباتاً وثُبُوتاً. ورجل ثَبْتٌ وثبيت. قال طَرَفَةُ في الثَّبيت:

فالهَبيت لا فؤادَ لـه *** والثّبيت ثبته فَهَمُه([1])

(ثبج) الثاء والباء والجيم كلمةٌ واحدةٌ تتفرّع منها كَلِمٌ، وهي مُعْظَمُ الشيءِ ووَسَطُهُ. قال ابنُ دريد: ثَبَج كلِّ شيءٍ وسطُه. ورجل أثْبَجُ وامرأةٌ ثَبْجاء، إذا كان عظيمَ الجوفِ. وثَبَجَ الرّجُل، إذا أقْعَى على أطراف قدمَيْهِ كأنّه يستنجي وَتَراً([2]). قال الراجز:

إذا الكُماةُ جَثَمُوا على الرُّكَبْ *** ثَبَجْتُ يا عَمْرُو ثُبُوجَ المُحْتَطِبْ([3])

وهذا إنما يُقال لأنّه يُبْرِزُ ثَبَجَه. وجمع الثَّبَجِ أثْباجٌ وثُبُوج، وقومٌ ثُبْج جمع أثْبَجَ. وتَثَبَّجَ الرجلُ بالعصا إذا جعَلَها على ظهره وجعل يديه من ورائها. وثَبَجُ الرّمْل مُعْظَمُه، وكذلك ثَبَجُ البَحْر.

فأمّا قولهم ثبّج الكلامَ تثبيجاً فهو أن لا يأِتيَ به على وَجْهِهِ. وأصله من الباب، لأنه كأنه يجمعه جمعاً فيأتي به مجتمعاً غير ملخَّص ولا مفصّل.

(ثبر) الثاء والباء والراء أصولٌ ثلاثة: الأول السهولة، والثاني الهلاك، والثالث المواظبةُ على الشيء.

فالأرض السَّهلة هي الثَّبْرَة. فأمّا ثَبْرةُ فموضعٌ معروف. قال الراجز:

نجيْتُ نَفْسِي وتركت حَزْرَه *** نِعم الفَتَى غادرتُه بِثَبْرَه

* لن يُسْلِمَ الحُرُّ الكريمُ بِكْرَهْ([4]) *

 

قال ابنُ دُريد: والثَّبْرَةُ ترابٌ شبيه بالنُّورَة إذا بلغ عِرْقُ النَّخْلةِ إليه وقف، فيقولون: بلغت النخلةُ ثَبْرَةً من الأرض.

وثَبِيرٌ: جبل معروف. ومَثْبِرُ النّاقة: الموضع الذي تطرح فيه ولدها. وثَبَرَ البحرُ جَزَرَ، وذلك يُبْدِي عن مكان ليِّنٍ سَهل.

وأما الهلاكُ فالثُّبُور، ورجل مثبور هالك. وفي كتاب الله تعالى: {دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} [الفرقان 13].

وأمّا الثالث فيقال: ثابَرْت على الشيء، أي واظَبت. وذكر ابنُ دريدٍ: تثابَرَتِ([5]) الرِّجالُ في الحرب إذا تواثَبَتْ. وهو من هذا الباب الأخير.

(ثبن) الثاء والباء والنون أصلٌ واحد، وهو وعاء من الأوعية. قالوا: الثَّبْنُ اتِّخاذُك حُجْزَةً في إزارك، تجعل فيها ما اجتنيْتَه من رُطبٍ وغيره. وفي الحديث: "فليأكُلْ ولا يتَّخِذْ ثِبانا". وقال ابن دريد قياساً ما أحسبه إلاّ مصنوعاً، قال: المَثْبَنَة: كيسٌ تتخذ فيه المرأة المرآةَ وأداتَها. وزعم أنها لغة يمانية([6]).

(ثبي) الثاء والباء والياء أصلٌ واحد، وهو الدَّوام على الشيء. قاله الخليل. وقال أيضاً: التَّثْبِيَة الدَّوام على الشيء، والتثبِية الثَّناءُ على الإنسان في حياته. وأنشَدَ لِلبيد:

يُثَبِّي ثناءً مِنْ كريم وقولُه *** ألا انعَمْ على حُسْن التحيّةِ واشربِ([7])

فهذا أصلٌ صحيح. وأمّا الثُّبَةُ فالعُصْبة من الفُرسان، يكُونُون ثُبَةً، والجمع ثُبَاتٌ وثُبُونَ. قال عمرو:

فأمّا يَومَ خَشْيَتِنا عليهمْ *** فتُصْبِحُ خيلُنا عُصَباً ثُبِينا([8])

قال الخليل: والثُّبَة أيضاً ثُبَةُ الحوض، وهو وَسطه الذي يثوب [إليه الماء([9])]. وهذا تعليلٌ من الخليل للمسألة، وهو يدلّ على أنّ الساقط من الثبَة واوٌ قبل الباء؛ لأنّه زعم أنّه من يثوب. وقال بعد ذلك: أمّا العامّة فإنهم يصغِّرونها على ثُبَيَّة، يَتْبعون اللَّفظ. والذين يقولون ثُوَيبة في تصغير ثُبَةِ الحوض، فإنهم لزموا القياسَ فردُّوا إليها النقصان في موضعه، كما قالوا في تصغير رَوِيَّة رُوَيِّئة([10]) لأنها من روّأت. والذي عندي أنَّ الأصلَ في ثبة الحوض وثُبةِ الخيل واحدٌ، لا فرق بينهما. والتصغير فيهما ثُبَيّة، وقياسهُ ما بدأْنا به الباب في ذكر التثبية، وهو من ثبَّى على الشيءِ إذا دام. وأمّا اشتقاقه الرّويّة([11]) وأنها من روّأت ففيه نظر.

ـــــــــــــــــ

([1]) وهذه أيضاً رواية الديوان 19 وما سيأتي في (هبت). ويروى: "قلبه قيمه" كما في شرح الديوان واللسان (ثبت، هبت).

([2]) هذا يطابق ما في الجمهرة (2: 199) وزاد في الجمهرة: "يقال استنجيت من هذه الشجرة غصناً إذا أخذته منها، ومن متن البعير وتراً. وكل شيء أخذته من شيء فقد استنجيته منه".

([3]) البيتان في الجمهرة واللسان (ثبج).

([4]) الرجز لعتيبة بن الحارث بن شهاب، وكان قد فر عن ابنه يوم ثبرة، قتلته بنو تغلب فقال ما قال. انظر الجمهرة (1: 200) ومعجم البلدان (ثبرة). قال ابن دريد: "حزرة ابنه. وكان بكره". ورواه في اللسان عن ابن دريد: "بثبرره" وقال: "إنما أراد بثبرة فزاد راء ثانية للوزن". وهو نقل غريب.

([5])في الأصل: "ثابرت"، صوابه من الجمهرة (1: 200) واللسان (ثبر).

([6]) انظر الجمهرة (1: 204).

([7]) ديوان لبيد 35 فينا سنة 1880 واللسان (ثبا).

([8]) هذه الرواية تطابق رواية الزوزني في المعلقات. وكلمة "عليهم" ساقطة من الأصل. ورواية التبريزي:

فأما يوم خشيتنا عليهم  *** فنصبح غارة متلبينا

وأما يوم لا نخشى عليهم *** فنصبح في مجالسنا ثبينا

([9]) التكملة من المجمل واللسان.

([10]) في الأصل: "ربه رؤبة". وانظر اللسان (19: 68).

([11]) في الأصل "الرية". وانظر التنبيه السابق.

 

ـ (باب الثاء والتاء وما يثلثهما)

(ثتن) الثاء والتاء والنون ليس أصلاً. يقولون: ثَتِن اللحم: أَنْتَنَ، وثَتِنَتْ لِثَتُه: استرخَتْ وأَنْتنَت. قال:‏

* ولِثَةً قد ثتِنَتْ مُشَخَّمَهْ(1) *‏

وإنما قلنا ليس أصلاً لأنهم يقولون مرةً ثَتِنَتْ، ومرّةً ثَنِتَتْ.‏


ـ (باب ما جاء من كلام العرب على ثلاثة أحرف أوله ثاء)‏

(الثُّفْروق): قِمَع التَّمْرة. وهذا منحوت من الثَّفْر وهو المؤخّر، ومن فَرَقَ؛ لأنه شيءٌ في مؤخَّر التمرة يفارقها. وهذا احتمالٌ ليس بالبعيد.‏

(الثَّعْلَب): مَخْرج الماء من الجَرِين(2). فهذا مأخوذٌ من ثَعَب، واللام فيه زائدة. فأمَّا ثَعْلبُ الرُّمح فهو منحوتٌ من الثَّعْب ومن العَلْب. وهو في خِلقته يشبه المَثْعَب، وهو معلوبٌ، وقد فسر العَلْب في بابه. ووجهٌ آخر أنْ يكون من العَلْب ومن الثَّلِب(3)، وهو الرّمح الخوّار، وذلك الطَّرَف دقيقٌ فهو ثَلِبٌ.‏

ــــــــــــــــــ

(1) مشخمة: منتنة. وقبل البيت، كما في اللسان (شخم، ثتن):‏

* لما رأت أنيابه مثلمه *‏

(2)في الأصل: "من جرين التمر".‏

(3)في الأصل: "في العلب وفي الثلب".‏

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على ثلاثة أحرف أولـه ثاء)

ومن ذلك (الثُّرمطة(1)) وهي اللَّثَق والطِّين. وهذا منحوتٌ من كلمتين من الثَّرْط والرَّمْط، وهما اللَّطخ. يقال ثُرِط فلانٌ إذا لُطِخ بعَيْب. وكذلك رُمِط.‏

ومن ذلك (اثبجَرَّ) القومُ في أمرهم، إذا شكُّوا فيه وتردَّدُوا من فَزَعٍ (2) وذُعْرٍ. وهذا منحوتٌ من الثَّبَج والثُّجْرة. وذلك أنهم يَتَرَادُّونَ ويتجمَّعون. وقد مضى تفسيرُ الكلمتين.‏

ـــــــــــــــ

(1)الثرمطة، بضم الثاء والميم، وكعلبطة.‏

(2) في الأصل: "من فزعه".‏

 

كتاب الجيم:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق والترخيم)

(جح) في المضاعف. الجيم والحاء يدلُّ على عِظَم الشيء، يقال للسيِّد من الرّجال الجَحْجاح، والجمع جَحاجحُ وجَحاجِحةٌ. قال أمية:

ماذا بِبَدْرٍ فالعَقَنْـ *** ـقلِ من مَرازِبةٍ جَحاجِحْ([1])

ومن هذا الباب أجَحَّت الأُنثى إذا حَمَلت وأَقْرَبت، وذلك حين يعظُمُ بطْنُها لكِبَر وَلَدِها فيه. والجمع مَجَاحُّ([2]). وفي الحديث: "أنّهُ مَرّ بامرأةٍ مُجِحٍّ". هذا الذي ذكرَهُ الخليل. وزاد ابنُ دريدٍ بعضَ ما فيه نظرٌ، قال: جَحَّ الشيءَ إذا سحَبَه([3])، ثم اعتذر فقال: "لغة يمانية". والجُحُّ([4]): صغار البِطِّيخ.

(جخ) الجيم والخاء. ذكر الخليلُ أصلَين: أحدهما التحوُّل، والتنَحِّي، والآخر الصِّياح.

فأمّا الأول فقولهم جخّ الرّجلُ يَجِخُّ جخّاً، وهو التحوُّلُ من مكانٍ إلى مكان. قال: وفي الحديث: "أنّه كان إذا صلّى جخَّ"، أي تحوَّلَ من مكان إلى مكان.

قال: والأصل الثاني: الجَخْجَخة، وهو الصِّياح والنِّداء. ويقولون:

* إنْ سَرَّكَ العِزُّ فجَخْجِخْ في جَشَمْ([5]) *

يقول: صِحْ ونادِ فيهم. ويمكن أنْ يقول أيضاً: وتحوَّلْ إليهم. وزاد ابنُ دريد: جخّ برِجْلِه إذا نَسَفَ بها التُّراب. وجَخَّ ببوله إذا رغَّى به. وهذا إنْ صحَّ فالكلمة الأولى من الأصل الأول، لأنّه إذا نَسَفَ الترابَ فقد حوَّله من مكانٍ إلى مكان. والكلمةُ الثانيةُ من الأصل الثاني؛ لأنّه إذا رغَّى فلا بد من أنْ يكون عند ذلك صَوْت. وقال: الجخجخة صوت تكسُّر الماء([6])، وهو من ذلك أيضاً. فأمّا قوله([7]) جَخْجَخْتُ الرّجلَ إذا صرعْتَه، فليس يبعُدُ قياسه من الأصل الأوّل الذي ذكرناه عن الخليل.

(جد) الجيم والدال أصولٌ ثلاثة: الأوَّل العظمة، والثانية الحَظ، والثالث القَطْع.

فالأوّل العظمة، قال الله جلّ ثناؤُه إخباراً عمّن قال: {وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا} [الجن 3]. ويقال جَدَّ الرجُل في عيني أي عَظُم. قال أنسُ بنُ مالكٍ: "كان الرجلُ إذا قرأ سورةَ البقرة وآلِ عِمرانَ جَدَّ فينا"، أي عَظُم في صُدورِنا.

والثاني: الغِنَى والحظُّ، قال رسول الله صلى الله عليه* وآله وسلم في دعائه "لا يَنْفَع ذا الجَدِّ مِنْكَ الجَدُّ"، يريد لا ينفَعُ ذا الغنى منك غِناه، إنّما ينفعه العملُ بطاعتك. وفلان أجَدُّ من فلانٍ وأحَظُّ منه بمعنىً.

والثالث: يقال جَدَدت الشيءَ جَدّاً، وهو مجدودٌ وجَديد، أي مقطوع. قال:

أبَى حُبِّي سُلَيْمى أَنْ يَبِيدا *** وأمسَى حبلُها خَلَقاً جَدِيدا([8])

وليس ببعيدٍ أنْ يكون الجدُّ في الأمرِ والمبالغةُ فيه من هذا؛ لأنّه يَصْرِمه صَرِيمةً ويَعْزِمُه عزيمة. ومن هذا قولك: أَجِدَّكَ تفعلُ كذا، أي أجدّاً منك، أصريمةً منك، أعَزِيمةً منك. قال الأعشى:

أجِدَّكَ لم تسمَعْ وَصاةَ محمّدٍ *** نبيِّ الإلهِ حين أوْصَى وأَشْهَدا([9])

وقال:

أجِدَّكَ لم تغتمِضْ ليلةً *** فتَرقُدَها مَعَ رُقَّادِها([10])

والجُدُّ البِئر من هذا الباب، والقياس واحد، لكنها بضم الجيم. قال الأعشى فيه:

ما جعِل الجُدُّ الظَّنُونُ الذي  *** جُنِّب صَوْبَ اللَّجِبِ الماطِرِ([11])

والبئر تُقْطَع لها الأرضُ قَطْعاً.

ومن هذا الباب الجَدْجَدُ: الأرض المستوِية. قال:

يَفِيضُ على المرء أردانُها *** كفَيْضِ الأتِيِّ عَلَى الجَدْجَدِ([12])

والجَدَدُ مثل الجَدْجدِ. والعربُ تقول: "مَنْ سَلَكَ الجَدَدَ أمِنَ العِثار". ويقولون: "رُوَيْدَ يَعْلُون الجَدَدَ([13])". ويقال أجَدَّ القومُ إذا صارُوا في الجَدَد. والجديد: وَجْهُ الأرض. قال:

* إلاّ جَدِيدَ الأرض أو ظَهْر اليدِ([14]) *

والجُدَّة من هذا أيضاً، وكلُّ جُدّةٍ طريقة. والجُدّة الخُطّة تكون على ظهْر الحِمار.

ومن هذا الباب الجَدَّاءُ: الأرض التي لا ماء بها، كأنّ الماءَ جُدّ عنها، أي قطِع ومنه الجَدُود والجَدّاءُ من الضَّان، وهي التي جَفَّ لبنُها ويَبِس ضَرْعُها.

ومن هذا الباب الجِداد والجَداد، وهو صِرَام النَّخل. وجادَّةُ الطَّريق سَواؤُه، كأنّه قد قُطِع عن غيره، ولأنه أيضاً يُسْلَك ويُجَدُّ. ومنه الجُدّة. وجانبُ كلِّ شيء جُدّة، نحو جُدَّة المَزَادة([15])، وذلك هو مكان القَطْع من أطرافها. فأمَّا قولُ الأعشى:

أضاءَ مِظَلَّتَه بالسِّرا *** جِ واللَّيلُ غامِرُ جُدَّادِها([16])

فيُقال إنها بالنَّبطيّة، وهي الخيوط التي تُعْقَد بالخيمة. وما هذا عندي بشيءٍ، بل هي عربيّةٌ صحيحة، وهي من الجَدِّ وهو القَطع؛ وذلك أنَّها تُقطَعُ قِطَعاً على استواءٍ.

وقولهم ثوبٌ جديد، وهو من هذا، كأنَّ ناسِجَه قَطَعه الآن. هذا هو الأصل، ثم سمِّي كلُّ شيءٍ لم تأْتِ عليه الأيَّام جديداً؛ ولذلك يسمَّى اللَّيلُ والنهارُ الجديدَينِ والأجَدّين؛ لأن كلَّ واحدٍ منهما إذا جاءَ فهو جديد. والأصلُ في الجدّة ما قلناه. وأمّا قول الطِّرِمّاح:

تَجْتَنِي ثامِرَ جُدَّادِهِ  *** مِن فُرادَى بَرَمٍ أو تُؤَامْ([17])

فيقال إن الجُدّاد صِغار الشجر، وهو عندي كذا على معنى التشبيه بجُدّاد الخيمة، وهي الخيوط، وقد مضى تفسيره.

(جذ) الجيم والذال أصلٌ واحدٌ، إمَّا كَسْرٌ وإمَّا قَطْع. يقال جذَذْت الشيءَ كسرتُه. قال الله تعالى: {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إلاّ كَبِيراً لَهُمْ} [الأنبياء 58]، أي كَسَّرهم. وجذَذْتُه قطَعْته، [ومنه] قوله تعالى: {عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ} [هود 108]، أي غير مقطوع. ويقال ما عليه جُذّةٌ([18])، أي شيءٌ يستُره من ثيابٍ، كأنّه أراد خِرقةً وما أشبهها.

[و] من الباب الجَذِيذة، وهي الحبُّ يُجَدُّ وَيُجعَل سَوِيقاً. ويقال لِحجارة الذّهب جُذَاذٌ، لأنّها تكَسّر وتحلّ. قال الهذليّ([19]):

* كما صَرَفَتْ فَوْقَ الجُذاذِ المَسَاحِنُ([20]) *

المساحِن: آلات يدقُّ بها حِجارة الذَّهب([21])، واحدتها مِسْحَنَةٌ.

فأمَّا المُجْذَوْذِي فليس يبعُد أن يكون من هذا، وهو اللازمُ الرّحْل لا يفارقُه منتصِباً عليه. يقال اجْذَوْذَى؛ لأنّه إذا كان كذا فكأنّه انقطَعَ عن كلِّ شيءٍ وانتصب لسفَره على رَحْله. قال:

ألَسْتَ بمُجْذَوْذٍ [على] الرحْلِ دائباً *** فمالك إلاّ ما رُزِقتَ* نصيبُ([22])

(جر) الجيم والراء أصلٌ واحد؛ وهو مدُّ الشّيءِ وسَحْبُه. يقال جَرَرت الحبلَ وغيرَه أجُرُّهُ جَرّاً. قال لَقيط([23]):

جرّت لما بينَنَا حَبْلَ الشَّمُوسِ فلا *** يأساً مُبيناً نَرَى منها ولا طَمعاً

والجَرُّ: أسفَل الجبَل، وهو من الباب، كأنّه شيءٌ قد سُحِب سحْباً. قال:

* وقد قَطَعْتُ وَادِياً وَجَرَّا([24]) *

والجرور من الأفراس: الذي يَمْنَع القِياد. وله وجهان: أحدهما أنّه فعول بمعنى مفعول، كأنّه أبداً يُجرُّ جَرّاً، والوجه الآخر أن يكون جروراً على جهته، لأنه يجرّ إليه قائدهُ جَرّاً.

والجرَّار: الجيش العظيم، لأنّه يجرّ أتباعه وينجرّ. قال:

سَتَنْدَمُ إذْ يَأتي عليك رعيلُنا *** بأرْعَنَ جَرّارٍ كثيرٍ صواهِلُه([25])

ومن القياس الجُرْجُور، وهي القطعة العظيمة من الإبل. قال:

* مائةً مِن عَطائِهمْ جُرْجُورَا([26]) *

والجرير: حبلٌ يكون في عنق النّاقة مِن أَدَم، وبه سمِّي الرّجل جَريراً. ومن هذا الباب الجريرةُ، ما يجرُّه الإنسانُ من ذنبٍ، لأنّه شيءٌ يجرُّه إلى نفسه. ومن هذا الباب الجِرَّة جِرَّة الأنعام، لأنّها تُجَرّ جَرّاً. وسمّيت مَجَرّةُ السماء مجرّةً لأنّها كأثر المَجَرّ. والإجرار: أن يُجرَّ لسانُ الفصيل([27]) ثم يُخَلَّ لئلا يَرْتَضِع. قال:

* كما خَلَّ ظَهْرَ اللِّسانِ المُجِرّ([28]) *

وقال قوم الإجرار أن يجرَّ ثم يشق. وعلى ذلك فُسِّر قول عمرو([29]):

فلو أنَّ قومِي أنطقَتْني رِماحُهُمْ  *** نطَقْتُ ولكنَّ الرِّماحَ أجرَّتِ

يقول: لو أنّهم قاتَلُوا لذكرتُ ذلك في شعرِي مفتخِراً به، ولكنّ رماحَهم أجَرّتْني فكأنّها قطعت اللِّسانَ عن الافتخار بهم.

ويقال أجَرّهُ الرّمحَ إذا طعَنَه وتَرك الرّمح فيه يَجرّه. قال:

* ونجِرُّ في الهيجا الرِّماحَ ونَدّعِي([30]) *

وقال:

وغَادَرْنَ نَضْلَة في مَعْرَكٍ *** يجرُّ الأَسنَّةَ كالمحتَطِبْ([31])

وهو مَثَلٌ، والأصل ما ذكرناه مِن جرّ الشيء. ويقال جَرَّتِ الناقةُ، إذا أتت على وقت نِتاجها ولم تُنْتَج إلاّ بعد أيَّام، فهي قد جَرَّتْ حَمْلَها جرّاً. وفي الحديث: "لا صَدَقةَ في الإبِلِ الجارَّة"، وهي التي تُجَرُّ بأزمَّتها وتُقاد، فكأنه أراد التي تكون تحت الأحمال، ويقال بل هي رَكُوبة القوم.

ومن هذا الباب أجرَرْتُ فلاناً الدَّينَ إذا أخَّرْتَه به، وذلك مثل إجرار الرُّمح والرَّسَن. ومنه أجَرّ فلانٌ فلاناً أغانِيَّ، إذا تابَعَها له. قال:

فلما قَضَى مِنِّي القَضاءَ أجرَّني  *** أغانِيَّ لا يَعيَا بهَا المُتَرَنِّمُ([32])

وتقول: كان في الزَّمَن الأوّل كذا وهلُمَّ جرّاً إلى اليوم، أي جُرَّ ذلك إلى اليوم لم ينقَطعْ ولم ينصَرِمْ. والجَرُّ في الإبل أيضاً أن تَرْعَى وهي سائرةٌ تجرّ أثقالها. والجارُور -فيما يقال- نهرٌ يشقُّه السَّيل. ومن الباب الجُرّة وهي خَشَبة نحو الذِّراع تُجعَل في رأسها كِفَّة وفي وسطها حبل وتُدفَن للظِّباء فتَنْشَب فيها، فإذا نَشِبتْ نَاوَصَها ساعةً يجرُّها إليه وتجرُّه إليها، فإذا غلبَتْه استقرّ [فيها([33])].

فتضرب العرب بها مثلاً للذي يُخالف القومَ في رائِهِمْ([34]) ثمّ يرجع إلى قولهم. فيقولون "ناوَصَ الجُرَّةَ ثم سالَمَها". والجَرَّة من الفَخّار، لأنّها تُجَرّ للاستقاء أبداً. والجَرُّ شيء يتّخذ من سُلاخَةِ عُرقوبِ البعير، تَجْعلُ فيه المرأةُ الخَلْع ثم تعلِّقه عند الظَّعْن من مُؤَخَّر عِكْمها، فهو أبداً يتذبذب. قال([35]):

زوجُكِ يا ذاتَ الثنايا الغُرِّ *** والرَّتِلاَتِ والجَبينِ الحُرِّ([36])

أعْيَا فَنُطْنَاهُ مَنَاط الجَرِّ *** ثم شَدَدْنا فوقَه بِمَرِّ([37])

ومن الباب رَكيٌّ جَرور، وهي البعيدة القَعْر يُسْنَى عليها، وهي التي يُجَرُّ ماؤُها جَرّا. والجَرّة الخُبزة تُجرّ من المَلَّة. قال:

وصاحبٍ صاحبته خِبٍّ دَنِعْ([38]) ***

داوَيْتُه لما تشكّى ووَجِعْ

بجَرّةٍ مثلِ الحِصانِ المضطجِعْ([39])

فأمّا الجرجرة، وهو الصّوت الذي يردِّده* البعير في حَنجرته فمن الباب أيضاً، لأنّه صوتٌ يجرُّه جرّاً، لكنَّه لما تكرَّر قيل جَرْجر، كما يقال صَلَّ وصَلْصَلَ. وقال الأغلب:

جَرْجَرَ في حنجرةٍ كالحُبِّ *** وهامَةٍ كالمِرجلِ المنكَبِّ([40])

ومن ذلك الحديثُ: "الذي يشرب في آنية الفِضَّة إنما يُجَرْجِرُ في جوفه نارَ جهنم". وقد استمرَّ البابُ قياساً مطّرداً على وجهٍ واحد.

(جز) الجيم والزاء أصلٌ واحد، وهو قَطْعُ الشيء ذي القُوَى الكثيرةِ الضعيفة. يقال: جَزَزْتُ الصوف جَزّاً. وهذا زَمَنُ الجَزَازِ والجِزاز. والجَزُوزة: الغنم تُجَزُّ أصوافُها. والجُزازَة: ما سَقَط من الأديم إذا قُطِع. وهذا حملٌ على القياس. والأصل في الجزِّ ما ذكرتُه. والجَزِيزَةُ: خُصْلَةٌ من صُوف، والجمع جَزائز.

(جس) الجيم والسين أصلٌ واحد، وهو تعرُّف الشيء بمسٍّ لطيف. يقال جَسَسْتُ العرْق وغَيْرَه جَسّاً. والجاسوس فَاعولٌ من هذا؛ لأنه يتخبَّرُ ما يريده بخَفاءٍ ولُطْفٍ. وذُكر عن الخليل أنَّ الحواسَّ التي هي مشاعرُ الإنسان ربّما سمِّيت جَواسَّ. قال ابنُ دريد: وقد يكون الجسُّ بالعَيْن. وهذا يصحِّح ما قاله الخليل. وأنشد:

* فاعْصَوْصَبُوا ثمَّ جَسُّوه بأعيُنهم([41]) *

(جش) الجيم والشين أصلٌ واحد، وهو التكسُّر، يقال منه جششتُ الحبَّ أجُشُّه. والجَشِيشة: شيءٌ يُطبَخ من الحبِّ إذا جُشَّ. ويقولون في صفة الصَّوت: أجَشُّ؛ وذلك أنّه يتكسَّر في الحلْق تكسُّراً. ألا تراهم يقولون:

قَصَب أجشّ مُهَضَّم([42]). ويقال فَرَسٌ أجشُّ الصوت، وسَحابٌ أَجَشّ. قال:

بأجَشِّ الصَّوتِ يَعْبُوبٍ إذا *** طُرِقَ الحيُّ مِنَ اللَّيْلِ صَهَلْ([43])

فأمّا قولُهم جشَشْتُ البِئْرَ إذا كنَستَها، فهو من هذا، لأنَّ المُخْرَج منها يتكسَّر. قال أبو ذؤيب:

يقولون لما جُشَّتِ البئرُ أوْرِدُوا *** وليس بها أدنى ذُِفافٍ لواردِ([44])

(جص) الجيم والصاد لا يصلُحُ أن يكون كلاماً صحيحاً. فأمّا الجِصّ فمعرَّب، والعرب تسمّيه القَِصّة. وجَصَّصَ الجِرْوُ، وذلك فَتْحه عينَيْه. والإجّاص. وفي كلّ ذلك نظر.

(جض) الجيم والضاد قريبٌ من الذي قبله. يقولون جَضَّضَ عليه بالسَّيف، أي حَمَل.

(جظ) الجيم والظاء إنْ صحَّ فهو جنسٌ من الجَفَاء. ورُوِي في بعض الحديث: "أهلُ النَّارِ كلُّ جَظٍّ مُسْتكبر"، وفسّر أنَّ الجَظّ الضّخم. ويقولون: جَظّ، إذا نَكَحَ. وكلُّ هذا قريب بعضُه من بَعض.

(جع) الجيم والعين أصلٌ واحدٌ، وهو المكان غيرُ المَرْضِيِّ. قال الخليل: الجعجاع مُناخُ السَّوْء. ويقال للقتيل([45]): تُرِك بجَعجاع. قال أبو قيس بن الأسْلَت:

مَنْ يَذُقِ الحربَ يجِدْ طعمَها *** مُرّاً وتتركْهُ بجعجاعِ([46])

قال الأصمعيّ: وهو الحَبْس. قال:

* إذا جَعْجَعُوا بينَ الإناخَةِ والحَبْسِ([47]) *

وكتب ابنُ زياد إلى ابن سعد: "أنْ جَعْجِعْ بالحسين عليه السلام" كأنَّه يُريد: ألجِئْهُ إلى مكانٍ خَشِنٍ قلق. وقال قوم: الجعجعة في هذا الموضع الإزعاج؛ يقال جَعْجَعْتُ الإبِلَ([48])، إذا حرَّكتها للإناخة. وقال أبو ذؤيب، في الجعجعة التي تدلُّ على سوءِ المَصْرَع:

فأبَدَّهُنّ حُتوفَهُنَّ فهاربٌ *** بِذَمائِه أو باركٌ مُتَجَعْجِعُ([49])

(جف) الجيم والفاء أصلان: فالأوّل قولك جَفَّ الشيءُ جُفُوفاً يَجف. والثاني الجُفّ جُفُّ الطَّلْعة، وهو وعاؤُها. ويقال الجُفُّ شيءٌ يُنْقرُ من جذوع النَّخل([50]). والجُفُّ: نِصْفُ قِرْبة يُتَّخذ دلْواً. وأمّا قولُهم للجماعة الكثير من الناس جُفٌّ، وهو في قول النابغة:

* في جُفِّ ثَعْلَبَ وارِدِي الأَمرارِ([51]) *

فهو من هذا، لأنّ الجماعةَ يُنْضَوَى إليها ويُجتَمع، فكأنّها مَجمعُ مَن يأوِي إليها.

فأمّا الجَفْجف الأرضُ المرتفِعة فهو من الباب الأوّل؛ لأنها إذا كانت كذا كان أقَلَّ لنَدَاها.

وجُفَافُ الطَّير: مكان. *قال الشاعر:

فما أبْصَرَ النّارَ التي وضَحَتْ له *** وراءَ جُفَافِ الطَّيرِ إلا تماريا([52])

(جل) الجيم واللام أصولٌ ثلاثة: جَلَّ الشّيءُ: عَظُمَ، وجُلُّ الشيء مُعْظَمُه. وجلال الله: عَظَمته. وهو ذُو الجلالِ والإكرام. والجَلَلُ الأمر العظيم. والجِلَّةُ: الإبل المَسَانّ([53]). قال:

أو تأخُذَنْ إبِلي إليّ سِلاحَها *** يوماً لجلّتِها ولا أبكارِها([54])

والجُلالة: النّاقة العظيمة. والجَليلة: خلافُ الدَّقيقة. ويقال ما له دقيقة ولا جَليلة، أي لا ناقةَ ولا شاة. وأتيت فلاناً فما أجَلَّني ولا أحْشَاني، أي ما أعطاني صغيراً ولا كبيراً من الجِلَّة ولا من الحاشية. وأدقَّ فلانٌ وأجلَّ، إذا أَعْطَى القليلَ والكثير. [قال]:

ألا مَنْ لعينٍ لا تَرَى قُلَلَ الحِمَى *** ولا جبَلَ الرَّيَّانِ إلا استهلَّتِ([55])

لَجُوجٍ إذا سحَّت هَمُوعٍ إذا بكَتْ  *** بكَتْ فأدقَّتْ في البُكا وأجَلَّتِ

يقول: أتَتْ بقليلِ البكاء وكثيرِه. ويقال: فَعَلْت ذاك من جَلالك. قالوا: معناه من عِظَمِك في صَدْرِي. قال كثيِّر:

* وإكرامِي العِدَى من جَلاَلِها([56]) *

والأصل الثاني شيءٌ يشمل شيئاً، مثل جُلِّ الفَرَس، ومثل [المجَلِّل([57])] الغَيْث([58]) الذي يجلِّل الأرض بالماء والنَّبات. ومنه الجُلُول، وهي شُرُعُ السُّفُن([59]). قال القطاميّ:

في ذِي جُلُولٍ يُقَضِّي الموتَ صاحبُه ***   إذا الصَّرارِيُّ مِنْ أهوالِه ارتَسَمَا([60])

الواحد جُلٌّ.

والأصل الثَّالث من الصّوت؛ يقال سحاب مُجَلْجِلٌ إذا صوَّت. والجُلْجُل مشتقٌّ منه. ومن الباب جَلجلْتُ الشّيءَ في يدي، إذا خلطْتَه ثم ضربتَه.

فَجلجَلَها طَورَينِ ثمّ أَمَرَّها  *** كما أُرسِلَتْ مَخْشوبةٌ لم تُقَرَّمِ([61])

ومحتمل أن يكون جُلجُلانُ السِّمسمِ من هذا؛ لأنه يتجلجل في سِنْفِه إذا يَبِس.

وممّا يحمل على هذا قولهم: أصبْتُ جُلْجُلانَ قَلْبِه، أي حبَّةَ قلبه. ومنه الجَُِـلّ([62]) قَصَب الزَّرْع؛ لأنّ الريح إذا وقَعَتْ فيه جلجلَتْه. ومحتمل أن يكونَ من الباب الأوّل لغِلَظِهِ. ومنه الجَليل وهو الثُّمام. قال:

ألا ليتَ شِعرِي هل أَبِيتَنَّ ليلةً  *** بوادٍ وحولي إذخِرٌ وجَليلُ([63])

وأما المَجَلَّة فالصَّحيفة، وهي شاذّة عن الباب، إلاّ أنْ تُلحَق بالأوّل؛ لعِظَم خَطَرِ العِلْم وجلالته.

قال أبو عبيد: كلُّ كتابٍ عند العرب فهو مَجَلَّة.

ومما شذَّ عن الباب الجلّة البَعَْرُ([64]).

(جم) الجيم والميم في المضاعف لـه أصلان: الأوّل كثرةُ الشيء واجتماعه، والثاني عَدَم السِّلاح.

فالأوّل الجَمُّ وهو الكثير، قال الله جلّ ثناؤه: {ويُحِبُّونَ المَالَ حُبّاً جَمّاً([65])} [الفجر 20]، والجِمام: المِلْءُ، يقال إناءٌ [جَمَّانُ، إذا بلَغَ([66])] جِمامَهُ. قال:

أو كماء المثمودِ بعد جِمامٍ *** زَرِمَ الدمعِ لا يَؤُوبُ نَزُورَا([67])

ويقال الفرس في جَمَامِه؛ والجَمَام الرَّاحة، لأنّه يكون مجتمعاً غيرَ مضطرب الأعضاء، فهو قياس الباب. والجُمَّة: القَوم يَسْأَلون في الدّيّة، وذلك يتجمَّعون لذلك. قال:

* وجُمَّةٍ تَسْأَلُني أعْطَيْتُ([68]) *

والجميم مجتمعٌ من البُهْمَى. قال:

رَعَى بارِضَ البُهْمَى جميماً وبُسْرةً *** وصمعاءَ حَتَّى آنَفَتْها نِصالُها([69])

والجُمَّة من الإنسان مُجتمعُ شَعْر ناصيته. والجَمَّة من البئر المكانُ الذي يجتمع ماؤُها. والجَمُوم: البئر الكثيرة الماء، وقد جَمَّتْ جُمُوماً. قال:

* يَزِيدُها مَخْجُ الدِّلاَ جُمُومَا([70]) *

والجَمُومُ من الأفراس: الذي كلما ذهَبَ منه إحضارٌ جاءَه إحضارٌ آخَر. فهذا يدلُّ على الكثْرة والاجتماع. قال النَّمْر بنُ تَولَب:

جَمُومُ الشّدِّ شائلةُ الذُّنابى *** تَخالُ بياضَ غُرَّتِها سِراجَا([71])

والجُمجمة: جُمجُمَة الإنسان؛ لأنها تجمع قبائلَ الراس. والجمجمة: البئر تُحفَر في السَّبَخَة. وجَمَّ الفرس وأجمَّ([72]) إذا تُرك أنْ يُرْكَبَ. وهو من الباب؛ لأنه تَثُوب إليه* قوّتُه وتجتمع. وجَماجِم العرب: القبائل التي تجمع البطون فيُنسَب إليها دونَهم، نحو كَلْب بن وَبْرة، إذا قلت كلبيٌّ واستغنيتَ أن تنسُِبَ إلى شيءٍ من بطونها.

والجَمّاء الغَفير: الجماعة من الناس. قال بعضهم: هي البيضةُ بَيْضة الحديد؛ لأنها تجمع شَعرَ الرَّأس([73]).

ومن هذا الباب أجَمّ الشيءُ: دنا.

والأصل الثاني الأجمّ، وهو الذي لا رُمْحَ معه في الحرب. والشّاة الجمّاءُ التي لا قَرْن لها. وجاءَ في الحديث: "أُمِرْنا أن نبني المساجدَ جُمّاً([74])"، يعني أن [لا] يكون لجدرانها شُرَفٌ.

(جن) الجيم والنون أصل واحد، وهو [السَّتْر و] التستُّر. فالجنَّة ما يصير إليه المسلمون في الآخرة، وهو ثواب مستورٌ عنهم اليومَ. والجَنّة البستان، وهو ذاك لأنّ الشجر بِوَرَقه يَستُر. وناسٌ يقولون: الجَنّة عند العرب النَّخْل الطِّوَال، ويحتجُّون بقول زهير:

كأنَّ عَيْنَيّ [في] غَرْبَيْ مُقَتَّلَةٍ *** مِن النَّواضح تَسْقِي جَنَّةً سُحُقا([75])

والجنين: الولد في بطن أُمّه. والجنين: المقبور. والجَنَان: القَلْب. والمِجَنُّ: الترسُ. وكلُّ ما استُتر به من السِّلاح فهو جُنَّة. قال أبو عبيدةَ: السّلاح ما قُوتِل به، والجُنّة ما اتُّقِيَ به. قال:

حيث تَرَى الخيلَ بالأبطال عابِسَةً *** ينْهَضْنَ بالهُنْدُوانيّاتِ والجُنَنِ([76])

والجِنّة: الجنون؛ وذلك أنّه يغطِّي العقل. وجَنَانُ الليل: سوادُه وسَتْرُه الأشياءَ. قال:

ولولا جَنَان الليل أدْرَكَ ركْضُنا***بذِي الرِّمْث والأرْطَى عِياضَ بنَ ناشِبِ([77])

ويقال جُنُون الليل، والمعنى واحد. ويقال جُنَّ النَّبتُ جُنوناً إذا اشتدّ وخَرَج زهره. فهذا يمكن أن يكون من الجُنونِ استعارةً كما يُجنُّ الإنسان فيهيج، ثم يكون أصل الجنون ما ذكرناه من السَّتْر. والقياس صحيح. وجَنَان النّاس مُعْظمُهم، ويسمَّى السَّوَادَ. والمَجَنّة الجنون. فأمّا الحيّة الذي يسمَّى الجانَّ فهو تشبيهٌ له بالواحد من الجانّ. والجنُّ سُمُّوا بذلك لأنهم متستِّرون عن أعيُنِ الخَلْق. قال الله تعالى: {إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ} [الأعراف 27]. والجناجنِ: عظام الصَّدْر.

(جه) الجيم والهاء ليس أصلاً؛ لأنه صوتٌ. يقال جهجهت بالسَّبُع إذا صحتَ به. قال:

* فجاء دُونَ الزَّجرِ والتجهجُهِ([78]) *

وحَكَى ناسٌ: تجهجَهَ عن الأمر انتهى. وهذا إن كان صحيحاً فهو في باب المقابلة؛ لأنك تقول جَهْجَهْتُ به فتجَهْجَهَ.

(جو) الجيم والواو شيءٌ واحد يحتوي على شيءٍ من جوانبه. فالجوّ جوّ السماء، وهو ما حَنَا على الأرض بأقطارِهِ، وجَوّ البيت من هذا.

وأما الجؤجؤ. وهو الصّدر، فمهموز، ويجوز أن يكون محمولاً على هذا.

(جأ) الجيم والهمزة ليس أصلاً لأنه حكايةُ صوت. يقال جَأْجَأْتُ بالإبل إذا دعوتَها للشُّرب. والاسم([79]) الجِيء. قال:

وما كان على الجِيءِ  *** ولا الهِيءِِ امْتِداحِيكا([80])

(جب) الجيم والباء في المضاعف أصلان: أحدهما القَطْع، والثّاني تجمُّع الشيء.

فأمّا الأول فالجَبُّ القطع، يقال جَبَبْتُه أَجُبُّه جَبّاً. وخَصِيٌّ مجبوبٌ بيِّن الجِبَاب. ويقال جَبَّه إذا غَلَبَه بحُسْنِه أو غيرِه، كأنه قطَعَه عن مُساماتِه ومفاخَرَتِهِ. قال:

جَبَّتْ نساءَ العالمينَ بالسَّبَبْ([81]) *** فهُنّ بَعْدُ كلهُنَّ كالمحبّ

وكانت قدَّرَتْ عجِيزَتَها بحبلٍ وبعثَتْ إليهن: هل فيكنّ مثلُها؟ فلم يكُنْ، فغلبَتْهُنَّ. وهذا مثلُ قول الاخر:

لقد أهدَتْ حَبابةُ بِنْتُ جَزْءٍ *** لأهل جُلاجِلٍ حَبْلاً طويلا([82])

والجَبَبُ أن يُقطَع سَنام البعير؛ وهو أجبُّ وناقةٌ جَبَّاءُ.

الأصل الثاني الجُبَّة معروفة، لأنها تشمل الجِسم وتجمعه فيها. والجُبَّة ما دَخَل فيه ثَعْلب الرُّمح من السِّنان. والجُبْجُبَة: زَبيلٌ من جُلود يُجمَع فيه التُّرابُ إذا نُقِل. والجُبْجُبَة: الكَرِش يُجعَلُ فيه اللَّحم وهو الخَلْعُ. وجَبَّ الناسُ النخل إذا* ألقَحُوه([83])، وذا زمن الجِباب. والجَبُوب: الأرض الغَليظة، سمِّيت بذلك لتجمّعها. قال أبو خراش يصف عقاباً رفَعَتْ صيداً ثم أرسلَتْه فصادَمَ الأرض:

فلاقَتْه ببَلْقَعةٍ بَرَاحٍ *** فَصادَمَ بين عينيْهِ الجَبُوبا([84])

المَجَبَّةُ: جادَّة الطَّرِيق ومُجْتَمعُهُ. والجُبّ: البئر. ويقال جَبَّبَ تجبيباً إذا فرَّ وذلك أنه يجمع نفسَه للفِرار ويتشمَّر.

ومن الباب الجُبَاب: شيءٌ يجتمع من ألبان الإبل كالزُّبد. وليس للإبل زُبْد. قال الراجز:

يَعْصِب فَاهُ الرِّيقُ أيَّ عَصْبِ *** عَصْبَ الجُبَابِ بِشفَاهِ الوَطبِ([85])

قال ابن دُريدٍ: الجبجاب الماءُ الكثير، وكذلك الجُباجِبُ.

(جث) الجيم والثاء يدلّ على تجمُّع الشيء. وهو قياسٌ صحيح. فالجُثَّة جُثَّة الإنسان، إذا كان قاعداً أو نائماً. والجُثّ: مجتمِعٌ من الأرض مرتفِعٌ كالأكَمَة. قال ابنُ دريد: وأحسب أنّ جُثَّة الرجل من هذا. ويقال الجَثُّ قذىً يخالط العَسَل. وهو الذي ذكره الهذلي([86]):

فما بَرِحَ الأسبابُ حَتَّى وَضَعْنَه  *** لَدَى الثَّوْلِ ينفي جثَّها ويؤُومُها

ويقال: الجَثُّ الشَّمع. والقياس واحد. ويقال نَبْتٌ جُثاجِثٌ كثيرٌ. ولعلَّ الجَثجاثَ مِن هذا. وجُثِثْتُ من الرَّجل إذا فزِعْتَ، وذلك أنّ المذعور يتجمّع([87]). فإن قالَ قائل: فكيف تقيس على هذا جَثثْت الشيءَ واجتثَثْته([88]) إذا قلعتَه، والجَثِيث من النَّخل الفَسيل، والمِجَثَّة الحديدة التي تَقتلِعُ بها الشيء؟ فالجواب أنّ قياسَه قياسُ الباب؛ لأنه [لا] يكون مجثوثاً إلاّ وقد قُلِع بجميع أصوله وعُروقه حتّى لا يُترَك منه شيءٌ. فقد عاد إلى ما أصَّلناه.

ــــــــــــــــ

([1]) من قصيدة عدتها 31 بيتاً رواها ابن هشام في السيرة 531-532. وقال: "تركنا منها بيتين نال فيهما من أصحاب رسول الله". والبيت في المجمل واللسان (جحح) بدون نسبة.

([2]) ذكر هذا المعنى في القاموس، ولم يذكر في اللسان.

([3])في الأصل: "سجه"، صوابه من الجمهرة (1: 48).

([4]) لم يذكر في اللسان، ولم يضبط في القاموس. وضبط في الجمهرة بالضم ضبط قلم.

([5]) للأغلب العجلي، كما في اللسان (جخخ).

([6]) في الجمهرة (1: 133) "صوت تكسر جري الماء". وفي اللسان: "صوت تكثير الماء".

([7]) المراد قول القائل، وإلا فإن ابن دريد لم يذكر هذه الكلمة.

([8]) البيت للوليد بن يزيد، كما في الأضداد لابن الأنباري 308. وقد جاء في المجمل واللسان (جدد) بدون نسبة.

([9])ديوان الأعشى 103.

([10]) ديوان الأعشى 50. والبيت مطلع قصيدة.

([11]) ديوان الأعشى 105 واللسان (4: 80- 17: 146) وسيأتي في (ظن). ورواية الديوان "ما يجعل" و"الزاخر" بدل "الماطر".

([12]) نسبه في المجمل إلى امرئ القيس، وليس في ديوانه. وعجز البيت في اللسان (4: 80).

([13]) ويروى: "يعدون الخبار". أمثال الميداني (1: 264). والمثل لقيس بن زهير، كما في أمثال الميداني (2: 52).

([14]) قبله كما في اللسان (4: 79): * حتى إذا ما خر لم يوسد *

([15]) الذي في اللسان (4: 79): "وجد كل شيء جانبه".

([16]) ديوان الأعشى 52 والمعرب للجواليقي 95.

([17]) ديوان الطرماح 99 والمجمل، واللسان (4: 85/ 5: 175).

([18]) يقال أيضاً بالدال المهملة: ما عليه جِدة وجُدة، بكسر الجيم وضمها.

([19])هو المعطل الهذلي كما في مخطوطة الشنقيطي من الهذليين 109 واللسان (سحن). وقد أنشد عجزه في اللسان (جذذ).

([20]) صدره :                        * وفهم بن عمرو يعلكون ضريسهم *

([21]) في شرح السكري: والجذاذ حجارة الذهب يكسر ثم يسحل على حجارة تسمى المساحن حتى يخرج ما فيها من الذهب.

([22]) البيت لأبي الغريب النصري، كما في اللسان (جذا).

([23]) لقيط بن يعمر الإيادي، والبيت التالي من قصيدته في أول مختارات ابن الشجري.

([24]) البيت في اللسان (5: 200) والجمهرة (2: 51).

([25]) في الأصل: "إذ تأتي عليك رعينا"، صوابه في المجمل.

([26]) للكميت. وصدره كما في اللسان (5: 202).

* ومقل أسقتموه فأثرى *

([27]) في الأصل: "أن يحرك أن الفصيل"، والوجه ما أثبت.

([28]) لامرئ القيس في ديوانه 11 واللسان (5: 195، 199) وصدره:

* فكر إليه بمبراته *

([29]) عمرو بن معد يكرب. وقصيدة البيت في الأصمعيات 17-18. وأبيات منها في الحماسة (1: 43). وانظر اللسان (5: 196).

([30])سيأتي في (دعو). وهو للحادرة الذبياني. وصدره كما في المفضليات (1: 43): * ونقي بآمن مالنا أحسابنا *

([31]) البيت لعنترة، من أبيات في الحماسة (1: 158-159).

([32]) البيت في المجمل واللسان (جرر 195) .

([33]) هذه من الجمهرة (1: 51).

([34]) الراء: الرأي. والعبارة مطابقة لما في الجمهرة (1: 51).

([35]) الرجز في المجمل، وأنشده في اللسان (جرر، مرر).

([36]) الرتلات، بفتح التاء وكسرها: المستويات النبات المفلجة. وكذا في المجمل (جرر). وفي اللسان (مرر): "والربلات". وفسرها بقوله: "جمع ربلة، وهي باطن الفخذ".

([37]) الشطر وسابقه في (كفل).

([38]) الدنع: الفسل لا لب له ولا خير. وفي الأصل "رئع"، ولا وجه له.

([39]) هذا البيت والذي قبله في اللسان (5: 198).

([40]) البيت الأول في المجمل، وهو الثاني في اللسان (5: 201).

([41]) عجزه كما في اللسان (جسس):* ثم اختفوه وقرن الشمس قد زالا *

([42]) المهضم: الذي يزمر به، لأنه فيما يقال أكسار يضم بعضها إلى بعض، من الهضم، وهو الشدخ. وهو يشير إلى قول عنترة:

بركت على جنب الرداع كأنما  *** بركت على قصب أجش مهضم

([43]) البيت للبيد في ديوانه 14 فينا 1881 واللسان (جشش).

([44]) ديوان أبي ذؤيب 123 واللسان (جشش، ذفف). وفي الأصل: "يقال لما"، تحريف. صوابه من المراجع السابقة وما سيأتي في (ذف).

([45]) في الأصل: "للمقيل"، صوابه في المجمل.

([46]) من قصيدة في المفضليات (2: 84). وفي الأصل:"ويتركها"، صوابه من المجمل والمفضليات واللسان (جعع).

([47]) لأوس بن حجر في ديوانه 10 واللسان (جعع). وصدره:

* كأن جلود النمر جيبت عليهم *

([48]) وجعجعت بها أيضاً.

([49]) ديوانه 9 واللسان (جعع) والمفضليات (2: 225).

([50]) في الأصل: "النخلة"، صوابه في المجمل.

([51]) في المجمل واللسان (جفف): "في جف تغلب" وفي المجمل: "وكأن أبو عبيد ينشده: في جف ثعلب، يريد ثعلبة بن عوف بن سعد بن ذبيان" ومثله في اللسان مع نسبة الإنشاد إلى "أبي عبيدة". وصدره:

* لا أعرفنك عارضاً لرماحنا *

([52]) البيت لجرير في ديوانه 602 والمجمل واللسان (جفف) ومعجم البلدان (جفاف الطير).

([53]) في الأصل: " الحسان"، تحريف.

([54]) البيت للنمر بن تولب، كما في المجمل واللسان. وكذا ورد إنشاد البيت في الأصل، وفي المجمل واللسان:

أزمان لم تأخذ إليّ سلاحها  *** إبلي بجلتها ولا أبكارها

([55]) نسب في معجم البلدان (4: 346) إلى امرأة من العرب. والبيت في المجمل، وعجزه في اللسان

(13: 124). وسيأتي في تاليه في (دق).

([56]) وكذا ورد إنشاده في المجمل. لكن في ديوان كثير (1: 234) واللسان (13: 127):

حيائي من أسماء والخرق دوننا *** وإكرامي القوم العدى من جلالها

([57]) تكملة يفتقر إليها الكلام. وفي اللسان: "والمجلل: السحاب الذي يجلل الأرض بالمطر، أي يعم. وفي حديث الاستسقاء : وابلا مجللاً، أي يجلل الأرض بمائه أو بنباته".

([58]) في الأصل: "الغيب".

([59]) في الأصل: "وهو شراع السفينة"، صوابه في المجمل.

([60]) في الأصل: "وذي جلول"، صوابه من المجمل واللسان (13: 128/ 15: 133) وديوان القطامي 70.

([61]) ديوان أوس 26 والمجمل واللسان (خشب).

([62]) هو مثلث الجيم، كما في القاموس.

([63]) البيت لبلال بن حمامة، قاله وقد هاجر مع النبي صلى الله عليه وسلم فاجتوى المدينة. انظر معجم البلدان (5: 222) واللسان (13: 127) والسيرة 414 جوتنجن.

([64])الجلة بمعنى البعر، مثلثة الجيم. والبعر، يقال بالفتح وبالتحريك. وفي الأصل: "البعير" محرف.

([65]) هذه قراءة أبي عمرو ويعقوب. وقرأ الباقون بالتاء: (وتحبون). انظر إتحاف فضلاء البشر 438.

([66]) التكملة من المجمل.

([67]) البيت لعدي بن زيد، كما في المجمل واللسان (زرم)، وقد سبق في مادة (ثمد). وفي الأصل: "رزم الدمع"، تحريف.

([68]) البيت لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (جمم).

([69]) البيت لذي الرمة، كما في  ديوانه 529 واللسان (بسر، أنف) وهو في (صمع) بدون نسبة. وقد سبق إنشاد ابن فارس له في مادة (برض 221). وصواب إنشاده "رعت" و"حتى آنفتها" كما سبق التنبيه في حواشي 221.

([70]) سيأتي في (مخج). وقبله كما في اللسان (جمم 372):

* فصبحت قليذما هموما *

([71]) البيت في كتاب الخيل لابن الأعرابي 58 برواية: "كميت اللون". وأنشده في اللسان (14: 372).

([72])يقال جم، بالبناء للفاعل، وأجم بالبناء للفاعل والمفعول.

([73]) في اللسان (14: 375): "الجماء بيضة الرأس، سميت بذلك لأنها جماء، أي ملساء ووصفت بالغفير لأنها تغفر أي تغطي الرأس".

([74]) في اللسان (شرف، جمع): "وفي حديث ابن عباس: أمرنا أن نبني المدائن شرفا والمساجد جماً".

([75]) ديوان زهير 37 واللسان (قتل، جنن). وكلمة "في" من المصادر المتقدمة والمجمل.

([76]) سيأتي في (سلح).

([77]) البيت لدريد بن الصمة، كما في المجمل، من قصيدة في الأصمعيات 11-12. وذكر في اللسان أنه يروى أيضاً لخفاف بن ندبة. وليس بشيء.

([78]) البيت لرؤبة في ديوانه 166 واللسان (17: 379). وفي الديوان: "أن جاء". وقبل البيت:  * من عصلات الضيغمي الأجبه *

([79]) في الأصل: "والأسمى".

([80]) البيت لمعاذ الهراء كما في اللسان (1: 46-184).

([81]) البيت في اللسان (1: 245). وهو وتاليه في أمالي القالي (2: 19). وأنشده في المجمل رواية عن ثعلب.

([82]) البيت في أمالي ثعلب 622 وأمالي القالي (2: 19) واللسان (1/ 289/ 13: 128) وفي جميعها: "حبابة بنت جل". وانفرد ابن فارس والقالي برواية: "لأهل جلاجل"، وفي غيرهما: "لأهل حباحب"، وهو اسم رجل، كما في اللسان (حبب).

([83]) في الأصل: "الحقحوا".

([84]) البيت في نسخة الشنقيطي من الهذليين 70 والقسم الثاني من مجموع أشعار الهذليين 57 برواية:

فلاقته ببلقعة براز  *** فصادم بين عينيها الجبوبا

([85]) الرجز لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (عصب). وأنشده في (جيب) بدون نسبة.

([86]) هو ساعدة بن جؤية الهذلي، كما في اللسان (جثث). والبيت من قصيدة في ديوانه 207 ونسخة الشنقيطي من الهذليين 39 والجزء الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 21.

([87]) في الأصل: "المدعو ويتجمع".

([88]) في الأصل: "واجثثته".

 

 

ـ (باب الجيم والحاء وما يثلثهما)

(جحد) الجيم والحاء والدال أصلٌ يدلُّ على قِلّة الخير. يُقال عامٌ جَحِدٌ قليل المطر. ورجل جَحِْدٌ فقير، وقد جَحِدَ وأَجْحَدَ. قال ابن دُريد: والجَحْد من كلِّ شيءٍ القِلّة. قال الشاعر:

* ولَنْ يَرَى ما عاش إلاّ جَحْدا *

وقال الشيباني:[أجحَدَ الرّجلُ وجحدا إذا أنفَضَ وذهبَ مالُه. وأنشد للفرزدق([1])]:

وبيضاء من أهل المدينة لم تذق *** بَئِيساً ولم تتبعْ حُمُولَةَ مُجْحِدِ([2])

ومن هذا الباب الجُحود، وهو ضدّ الإقرار، ولا يكون إلاّ مع علم الجاحد به أنّه صحيح. قال الله تعالى: {وَجَحَدُوا بِها واسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ} [النمل 14]. وما جاء جاحدٌ بخيرٍ قطّ.

(جحر) الجيم والحاء والراء أصلٌ يدلّ على ضِيق الشيء والشدّة. فالجِحَرة جمع جُحْر. [وأجحَرَ([3])] فلاناً الفَزَعُ والخوفُ، إذا ألجأَه. ومَجاحِرُ القومِ مَكامِنهم. وجَحَرَتْ عينُه إذا غَارَت. والجَحْرة: السَّنَة الشديدة.

(جحس) الجيم والحاء والسين ليس أصلاً. وذلك أنّهم قالوا: الجِحاس([4])، ثم قالوا: السِّين [بدل] الشين. قال ابن دريد: جُحِسَ جلدُه مثل جُحِش، إذا كُدِح.

(جحش) الجيم والحاء والشين متباعدةٌ جدّاً. فالجحش معروفٌ. والعرب تقول: "هو جُحَيشُ وَحْدِهِ" في الذّم، كما يقولون: "نَسِيج وَحْدِه" في المدح. فهذا أصلٌ.

وكلمةٌ أخرى، يقولون: جُحِش إذا تقشّر جلده. وفي الحديث: "أنه صلى الله عليه وآله وسلم سَقَط من فَرَسٍ فجُحِشَ شِقُّهُ".

وكلمةٌ أخرى: جاحَشْتُ عنه إذا دافَعْتَ عنه. ويقال نَزَل فلانٌ جحيشاً. وهذا من الكلمة التي قبله، وذلك إذا نزلَ ناحيةً من الناس. قال الأعشَى:

* إذا نَزَل الحيُّ حَلَّ الجَحِيشٌ([5]) *

وأمّا الجَحْوَشُ، وهو الصبيُّ قبل أن يشتدّ، فهذا من باب الجَحْش، وإنّما زيد في بنائه لئلا يسمَّى بالجَحْش، وإلاّ فالمعنى واحدٌ. قال:

قَتَلْنَا مَخْلَداً وابنَيْ حُراقٍ *** وآخَرَ جَحْوشاً فوق الفَطِيم([6])

(جحظ) الجيم [والحاء] والظاء كلمةٌ واحدة: جحظت العينُ إذا عظُمَتْ مُقْلَتها وبرزَتْ.

(جحف) الجيم والحاء والفاء [أصلٌ] واحدٌ، قياسُه الذَّهاب بالشّيء مُسْتَوْعَباً. يقال* سَيْل جُحَافٌ إذا جَرَف كلَّ شيءٍ وذهَبَ به. قال:

لها كَفَلٌ كصَفَاةِ المَسيلِ *** أبْرَزَ عنها جُحَافٌ مُضِرّ([7])

وسمِّيت الجُحْفة لأنَّ السيّلَ جَحَفَ أهلَها، أي حَمَلَهم. ويقال أجْحَفَ بالشَّيء إذا ذَهَبَ به. وموتٌ جُحافٌ مثل جُراف. قال:

* وكم زَلَّ عنها من جُحافِ المَقَادِرِ([8]) *

ومن هذا الباب الجُحاف: داءٌ يصيب الإنسانَ في جوفه يُسْهِلُهُ، والقياس واحد. وجَحفْت له أي غَرَفْتُ.

وأصلٌ آخر، وهو المَيْل والعُدول. فمنها الجِحَاف وهو أنْ يُصيب الدّلوُ فَمَ البئر عند الاستقاء. قال:

* تَقْوِيمَ فَرْغَيْها عن الجِحافِ([9]) *

وتجاحَفَ القومُ في القتال: مالَ بعضُهم على بعضٍ بالسُّيوف والعِصِيّ. وجاحَفَ الذَّنْبَ إذا مالَ إليه. وفلان يُجْحِف لِفُلانٍ: إذا مال معه على غيره.

(جحل) الجيم والحاء واللام يدلُّ على عِظَم الشّيء. فالجَحْل السِّقاءُ العظيم. والجَيْحَل: الصّخرة العظيمة. والجَحْل: اليعسوب العظيم. والجَحْلُ: الحِرْباء. قال ذو الرّمة:

فلما تَقَضَّتْ حاجةً مِن تحمُّل *** وأَظْهَرْنَ واقْلَوْلَى على عُودِه الجَحْلُ([10])

وأمّا قولُهم جَحَّلت الرَّجلَ صرعْتُه فهو من هذا؛ لأنّ المصروع لا بد أن يتحوّز ويتجمَّع. قال الكميت:

ومالَ أبو الشَّعثاء أشعَثَ دامياً *** وأنَّ أبا جَحْلٍ قتيلٌ مُجَحَّلُ([11])

ومما شذَّ عن الباب الجُحَال، وهو السمُّ القاتل. قال:

* جرَّعَهُ الذَّيْفَانَ والجُحالاَ([12]) *

(جحم) الجيم والحاء والميم عُظْمُها به الحرارةُ وشدَّتُها. فالجاحم المكان الشديدُ الحرّ. قال الأعشى:

يُعِدُّون للهيجاء قبلَ لِقائها *** غَداةَ احتضارِ البأْسِ والموتُ جاحمُ([13])

وبه سُمِّيت الجحيمُ جحيماً. ومن هذا الباب وليس ببعيدٍ منه الجَحْمة العَيْن، ويقال إنّها بلغة اليمن. وكيف كان فهي من هذا الأصل؛ لأن العينين سِراجانِ متوقِّدان. قال:

أيا جَحْمَتِي بَكِّي على أمّ عامِرٍ *** أكيلةِ قِلَّوْبٍ بإحدى المَذَانبِ([14])

قالوا: جَحْمَتَا الأسدِ عيناه في اللغات كلِّها. وهذا صحيح؛ لأنّ عينيه أبداً

متوقدتان. ويقال جَحَّم الرّجل، إذا فتح عينيه كالشَّاخص([15])، والعينُ جاحمة. والجُحام: داءٌ يصيب الإنسانَ في عينيه فتَرِمُ عيناه. والأجحم: الشديدُ حمرةِ العين مع سَعتها، وامرأةٌ جحماء. وجَحَّمني بعينه إذا أحَدَّ النّظر. فأما قولهم أجْحَم عن الشيء: إذا كعّ عنه فليس بأصل، لأن ذلك مقلوبٌ عن أحجَم. وقد ذُكر في بابه.

(جحن) الجيم والحاء والنون أصلٌ واحد، وهو سوء النَّماء وصِغَرُ الشيء في نفسه. فالجَحَن سوءُ الغذاء، والجَحِن السّـيّئ الغِذاء. قال الشماخ:

وقد عَرِقَتْ مغابنُها وجادت *** بدِرَّتِها قِرَى جَحِنٍ قَتِينِ([16])

القتين: القليل الطُّعْم. يصف قُرَاداً، جعله جَحِناً لسوء غذائه. والمُجْحَن من النّبات: القصير الذي لم يتمّ. وأما [جَحْوَانُ فاشتقاقُه من] الجَحْوةِ([17])و [هي] الطَّلْعة.

 

ـ (باب الجيم والخاء وما يثلثهما)

(جخر) الجيم والخاء والرَّاء: قُبْحٌ في الشيء إذا اتسع. يقولون جَخَّرْنا البئرَ وسَّعْناها. والجَخَرُ ذَمٌّ في صفة الفم، قالوا: هو اتِّساعُه، وقالوا تغيُّرُ رائحتِهِ.

(جخف) الجيم والخاء والفاء كلمةٌ واحدة، وهو التكبُّر، يقال: فلان ذو جَخْفٍ وجَخيفٍ إذا كان متكبِّراً كثير التوعُّد. يقولون: جَخَفَ النائم إذا نَفَخَ في نومه. والله أعلم.

ـــــــــــــــــ

([1]) التكملة من اللسان (جحد). وبدلها في المجمل: "قال الشيباني: أجحد الرجل إذا قطع ووصل. قال الفرزدق"!

([2]) الكلمة الأخيرة ساقطة من الأصل، وقبلها فيه وفي المجمل: "لم تدق يبيساً" تحريف، صوابه في الديوان 180 واللسان (بأس). وروي في اللسان (جحد): "يبيساً" محرفاً. ووجه إنشاد صدره: "لبيضاء" لأن قبل البيت:

إذا شئت غنائي من العاج قاصف  *** على معصم ريان لم يتخدد

([3]) التكملة من المجمل.

([4]) الجحاس والجحاش: المقاتلة. وأنشد في اللسان:

إذا كعكع القرن عن قرنه *** أبى لك عزك إلا شماسا

وإلا جلاداً بذي رونق  *** وإلا نزالاً وإلا جحاسا

([5]) عجزه، كما في ديوان الأعشى 86 واللسان (جحش):

* شقياً غويا مبينا غيورا *

وفي الأصل: "الحي نزل الجحيش" صوابه من الديوان والمجمل واللسان. و"الجحيش" مرفوع على الفاعلية"، أو هو منصوب على الظرفية، أي ناحية منفردة، أو على الحالية مع زيادة اللام، كما قالوا: جاؤوا الجماء الغفير.

([6]) البيت في المجمل واللسان (جحش).

([7]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 13 واللسان (جحف) والمجمل.

([8]) عجز بيت لذي الرمة في ديوانه 292، واللسان (جحف). وصدره:

* وكائن تخطت ناقتي من مفازة *

([9]) قبله، كما في اللسان (جحف):

* قد علمت دلو بني مناف *

([10]) ديوان ذي الرمة 457 واللسان (جحل).

([11]) البيت في المجمل واللسان (جحل).

([12]) البيت لشريك بن حيان العنبري. وصواب إنشاده كما نبه ابن بري: "جرعته الذيفان".

([13]) ملحقات ديوان الأعشى 258 واللسان (14: 352). وفي الأصل: "احتفاد الناس" تحريف.

([14])جاء برواية: أيا جحمتا" في اللسان (قلب، جحم)، وفي (قلب): "أم واهب" وفي (جحم): "أم مالك". والقلوب: الذئب، يمانية أيضاً.

([15]) شاهده في اللسان:

كأن عينيه إذا ما جحما *** عينا أتان تبتغي أن ترطما

([16]) ديوان الشماخ 95 واللسان (جحن، قتن) وسيأتي في (قتن). ويروى : "جحن" بتقديم الحاء، وهي رواية الديوان واللسان (جحن، قتن).

([17]) في الأصل: "الجحونة" تحريف. وقد أصلحت العبارة وأتممتها اعتماداً على ما جاء في الجمهرة

(2: 60): "جحوان اسم، اشتقاقه من الجحوة من قولهم: حيا الله جحوتك، أي طلعتك".


ـ (باب الجيم والدال وما يثلثهما)

(جدر) الجيم والدال والراء أصلان، فالأوّل الجِدار، وهو الحائط وجمعه جُدُر وجُدْران. والجَدرُ أصل الحائط. وفي الحديث: "اسْقِ يا زُبيرُ ودَعِ الماء يرجع إلى الجَدْر([1])". وقال ابن دريد: الجَدَرَةُ حيٌّ من الأزْدِ([2]) بنوا جدار الكعبة. ومنه الجَديرة، شيءٌ يُجعَل للغنم كالحظيرة. وجَدَر: قرية. قال:

ألا يا اصْبَحينا فَيْهَجاً جَدَرِيَّةً *** بماءِ سحابٍ يَسْبِقُ الحقَّ باطِلي([3])

ومن هذا الباب قولهم هو جديرٌ بكذا، أي حريٌّ به. وهو مما ينبغي أن يثبت ويبني أمرَه عليه. ويقولون: الجديرة الطبيعة.

والأصل الثاني ظُهور الشيء، نباتاً وغيره. فالجُدَرِيُّ معروف، وهو الجَدَرِيُّ أيضاً. ويقال شاةٌ جَدْراءُ إذا كان بها ذاك، والجَدَر: سِلْعَةٌ تظهر في الجسد. والجَدْر النبات، يقال: أجْدَرَ المكانُ وجَدَرَ، إذا ظهر نباته. قال الجَعْدِي:

قد تستحِبُّونَ عند الجَدْر أنَّ لكم *** مِنْ آلِ جَعْدَةَ أعماماً وأخوالا([4])

والجَدْرُ: أثر الكَدْمِ بعُنق الحمار. قال رؤبة:

* أو جادرُ اللِّيتَيْنِ مَطْوِيُّ الحَنَقْ([5]) *

وإنما يكون من هذا القياس لأنّ ذلك يَنْتَأُ جلدُه([6]) فكأنَّه الجُدَرِيّ.

(جدس) الجيم والدال والسين. كلمةٌ واحدة وهي الأرض الجادسة التي لا نبات فيها.

(جدع) الجيم والدال والعين أصلٌ واحد، وهو جنسٌ من القَطْع يقال جَدَع أنفَه يَجْدَعُهُ جَدْعاً. وجَدَاع: السَّنة الشديدة؛ لأنها تذهبُ بالمال، كأنها جدعته. قال:

لقد آلَيْتُ أغْدِرُ في جَدَاعِ *** وإنْ مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرّباعِ([7])

والجَدِع: السيئ الغِذاء، كأَنه قُطع عنه غذاؤه. قال:

وذاتُ هِدْمٍ عارٍ نواشِرُها *** تُصْمِتُ بالماء تولَبَاً جَدِعَا([8])

ويقولون: جَادَعَ فلانٌ فلاناً، إذا خاصَمَه. وهذا من الباب، كأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يروم جَدْعَ صاحِبِه. ويقولون: "تركْتُ أرْضَ بني فُلانٍ تَجَادَعُ أفاعِيها". والمجَدَّع من النبات: ما أُكِل أعْلاه وبقي أسفلُه. وكلأ جُدَاع: دَوٍ، كأنَّه يَجْدَعُ مِنْ رَدَاءَته ووَخامته. قال:

* وغِبُّ عَدَاوَتي كَلأٌ جُداعُ([9]) *

ومما شذَّ عن الباب المجدُوع المحبوس في السِّجن.

[(جدف)] الجيم والدال والفاء كلماتٌ كلُّها منفردةٌ لا يقاس بعضها ببعض، وقد يجيء هذا في كلامهم كثيراً.

فالمِجْداف مِجداف السَّفينة. وجناحا الطائرِ مجدافاه. يقال من ذلك جَدَف الطّائرُ إذا ردّ جناحَيه للطيران. وما أبْعَدَ قياسَ هذا من قولهم إنّ الجُدَافَى الغنيمة، [و] من قولهم إنّ التجديف كُفْران النِّعمة. وفي الحديث: "لا تجَدّفُوا بنعمة الله تعالى"،أي تَحْقِرُوها.

(جدل) الجيم والدال واللام أصلٌ واحدٌ، وهو من باب استحكام الشيء في استرسالٍ يكون فيه، وامتدادِ الخصومة ومراجعةِ الكلام. وهو القياس الذي ذكرناه.

ويقال للزّمام المُمَرِّ جَديل. والجَدْوَل: نهر صغيرٌ، وهو ممتدٌّ، وماؤُه أقْوى في اجتماع أجزائه من المنبطح السائح. ورجلٌ مجدولٌ، إذا كان قَضِيف الخِلْقة من غير هُزَال. وغلام جادِلٌ إذا اشتدّ. والجُدُول: الأعضاء، واحدها جَدِْل. والجادل من أولاد الإبل: فوق الرَّاشح. والدِّرع المجدولة: المحكمة العَمَل. ويقال جَدَلَ الحَبُّ في سُنْبُله: قَوِيَ. والأجدَل: الصَّقر؛ سمِّي بذلك لقوّته. قال ذو الرمة يذكر حَميراً في عَدْوِها:

كأنَّهُنَّ خوافي أجدَلٍ قَرِمٍ *** وَلَّى ليسبِقَه بالأمْعَزِ الخَرَبُ([10])

الخَرَبُ: الذّكَر من الحبارى. أراد: ولّى الخَرَب ليسبِقَه ويطلبه.

ومن الباب الجَدَالة، هي الأرض، وهي صُلْبة. قال:

قد أركب الآلةَ بَعْدَ الآلَهْ *** وأترُكُ العاجزَ بالجَدالهْ([11])

ولذلك يقال طعَنَه فجدّلَه، أي رماه بالأرض. والمِجْدل: القَصْر، وهو قياسُ الباب. قال:

في مِجْدَلٍ شُيِّدَ بنيانُهُ  *** يَزِلُّ عنه ظُفُرُ الطائرِ([12])

والجَدَال: الخَلال، الواحدة جَدالة، وذلك أنّه صُلْبٌ غير نضيجٍ، وهو في أوّل أحواله إذا كان أخضَرَ. قال:

* يخِرُّ على أيدي السُّقَاة جدَالُها([13]) *

وجَدِيلٌ: فحلٌ معروف. قال الرّاعي:

* صُهْباً تُناسِبُ شَدْقماً وجَدِيلاً([14]) *

(جدم) الجيم والدال والميم يدلّ على القماءة والقِصَر. رجل جَدَمةٌ، أي قصير. والشاة الجَدَمة: الرّدِيّة القَمِيئة.

(جدو/ي) الجيم والدال والحرف المعتل خمسة أصول متباينة.

فالجَدَا مقصور: المطر العامّ، والعطيّة الجزْلة([15]). ويقال أجديت عليه. والجَدَاءُ ممدود: الغَنَاء، وهو قياس ما قبله من المقصور. قال:

لَقَلَّ جَداءً على مالك *** إذا الحربُ شُبَّت بأجذَالها([16])

والثاني: الجَادِيُّ: الزَّعفران. والثالث: الجَدْي، معروف. والجَِدَايَة: الظّبية. والرابع: الجَدِيَّة القِطعة من الدم. والخامس جديتا السّرج ([17])، وهما تحت دفَّتيه.

(جدب) الجيم والدال والباء أصلٌ واحدٌ يدل على قلّة الشيء. فالجدب: خِلاف الخِصْب، ومكانٌ جدِيبٌ.

ومن قياسه الجَدْبُ، وهو العَيْب والتنقُّص. يقال جدَبْتُه إذا عِبْتَه. وفي الحديث: "جدَبَ لهم السَّمَرَ بعد العِشاء([18])"، أي عابه. قال ذو الرمة:

فيا لكَ مِنْ خدٍّ أسيلٍ وَمنطقٍ *** رخيمٍ ومِن خَلْقٍ تَعَلّلَ جادبُهْ([19])

أي إنه تعلَّلَ بالباطل لمّا لم يجدْ إلى الحقِّ سبيلا.

(جدث) الجيم والدال والثاء كلمةٌ واحدة: الجَدَث القَبْر، وجمعه أجداث.

(جدح) الجيم والدال والحاء أصلٌ واحدٌ، وهي خشبةٌ يُجْدح بها الدَّواء([20])، [لها] ثلاثة أعيار([21]). والمجدوحُ: شيءٌ كان يُشْرَب في الجاهلية، يُعْمَد إلى الناقة فتفْصَد ويُؤخَذُ دمُها في الإناء، ويشرب ذلك في الجَدْب. والمِجْدَح والمُجْدَح: نجم، وهي ثلاثةٌ كأنها أثافيّ. والقياس واحدٌ. قال:

* إذا خَفَق المجْدَحُ([22]) *

والمِجْدح: مِيسَمٌ من مواسم الإبل([23]) على هذه الصورة، يقال أجْدَحْت البَعير إذا وسمتَه بالمجْدَح.

ــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان: "وفي حديث الزبير حين اختصم هو والأنصاري إلى النبي صلى الله عليه وسلم في سيول شراج الحرة: "اسقي أرضك حتى يبلغ الماء الجدر".

([2]) هم من بني زهران بن الأزد بن الغوث. انظر الاشتقاق 301، 317 والمعارف 48.

([3]) البيت لمعبد بن سعنة، كما في اللسان (فهج، جدر) وروايته فيهما وفي المجمل: "جيدرية" نسبة إلى "جدر" على غير قياس، أو أن اسم البلد جيدر، فنسب إليها على القياس، وصواب صدره: "ألا يا اصبحاني"؛ لأن قبله:

ألا يا أصبحاني قبل لوم العواذل *** وقبل وداع من زنيبة عاجل

([4]) في الأصل: "قد تستحقون"، صواب إنشاده من المجمل.

([5]) ديوان رؤبة 104، وقبله: * كأنها حقباء بلقاء الزلق *

([6]) في الأصل:" يتاله جلده"، والوجه ما أثبت.

([7]) البيت لأبي حنبل الطائي، كما في اللسان (جدع). وسيأتي في مادة (جزأ).

([8]) لأوس بن حجر في ديوانه 13 واللسان (جدع). وانظر الحيوان (4: 25) حيث أورد قصة للبيت. وقبله:

ليبكك الشرب والمدامة والفتـ  *** يان طرا وطامع طمعا

([9]) لربيعة بن مقروم الضبي، كما في اللسان (جدع): وصدره:

* وقد أصل الخليل وإن نآني *

([10]) ديوان ذي الرمة 16 وجمهرة أشعار العرب 181.

([11]) الرجز في اللسان (13: 41، 109). والآلة: الحالة.

([12]) للأعشى في ديوانه 108 واللسان (جدل).

([13]) للمخبل السعدي، كما في اللسان (جدل) وأمالي ثعلب 551. وصدره:

* وسارت إلى يبرين خمساً فأصبحت *

([14]) صدره كما في جمهرة أشعار العرب 173:

* شم الحوارك جنحاً أعضادها *

([15]) في الأصل: "الجدلة".

([16]) البيت لمالك بن العجلان. كما في اللسان (جدا).

([17]) يقال جدية، كظبية وغنية.

([18]) وكذا في المجمل، والرواية المشهورة: "جدب لنا عمر السمر بعد عتمة".

([19]) ديوان ذي الرمة 43 واللسان (جدب).

([20]) في الأصل: "الدو"، صوابه من المجمل.

([21]) أعيار، أي هنات ناتئة كأعيار السهام. وفي اللسان: "ثلاثة شعب" وفي المجمل: "ثلاثة جوانب".

([22]) جزء من بيت لدرهم بن زيد الأنصاري، كما في اللسان (جدع، طعن). وهو بتمامه:

وأطعن بالقوم شطر الملو *** ك حتى إذا خفق المجدح

وطعن: ذهب ومضى. قال ابن بري: "ورواه القالي: وأظعن بالظاء المعجمة".

([23]) المواسم: جمع ميسم على الأصل، وإن شئت قلت "مياسم" على اللفظ.

 

 

ـ (باب الجيم والذال وما يثلثهما)

(جذر) الجيم والذال والراء أصلٌ واحدٌ، وهو الأصل من كلِّ شيء، حتى يقالُ لأصلِ اللسانِ جِذْر. وقال حُذَيفة: حدَّثنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "أنّ الأمانةَ نزلَتْ في جَِذْر قُلوب الرِّجال". قال الأصمعيّ: الجَذْر الأصل من كلِّ شيءٍ([1]). قال زهير:

وسامعتَينِ تعرِفُ العِتْقَ فيهما  *** إلى جَِذْرِ مَدْلُوكِ الكُعوب مُحدَّدِ([2])

وفي الكتاب المنسوب إلى الخليل: الجَذْر أصل الحِساب، ويقال [عشرة([3])] في عشرة مائة. فأمّا المجذُور والمجذَّر فيقال إنه القصير. وإنّ صح فهو من الباب كأنَّه أصلُ شيءٍ قد فارقه غيره.

(جذع) الجيم والذال والعين ثلاثة أصول: أحدها يدلُّ على حدوث السّنّ وطراوته. فالجَذَع من الشّاءِ: ما أتى له سنتانِ، ومن الإبل الذي أتَتْ له خَمْسُ سنينَ. ويُسَمّى الدّهر الأزْلَمَ الجَذَع، لأنه جديد. قال:

يا بِشْرُ لو لم أكُنْ منكم بمنزلةٍ *** ألقَى عليَّ يديهِ الأزْلَمُ الجَذَعُ([4])

وقال قوم: أراد به الأسد.

ويقال: هو في هذا الأمر جَذَعٌ، إذا كان أخَذَ فيه حديثاً.

والأصل الثاني: جِذْع الشَّجرة. والثالث: الجَذْع، من قولك جذَعْتُ الشيءَ إذا دلكتَه. قال:

* كأنّه مِن طُولِ جَذْع العَفْسِ([5]) *

وقولهم في الأمثال: "خُذْ من جِذْع ما أعطاك" فإنه [اسم رجل([6])].

(جذف) الجيم والذال والفاء كلمةٌ واحدة تدلّ على الإسراع والقَطْع، يقال جَذَفْتُ الشيءَ قطعتُه. قال الأعشى:

قاعداً عندَه النَّدامى فما يَنْـ *** فَكُّ يؤتَى بِمُوكَرٍ مَجْذُوفِ([7])

ويقال هو بالدَّال. ويقال جَذَف الرّجُلُ أسرَعَ. قال ابن دريد: جَذَف الطائر إذا أسرَعَ* تحريكَ جناحَيْه. وأكثر ما يكون ذلك أن يُقَصَّ أحدُ جناحيه. ومنه اشتقاق مِجْداف السفينة. قال: وهو عربيٌّ معروف. قال:

تكاد إن حُرِّك مجذافُها *** تنْسَلُّ مِنْ مَثْناتِها واليَدِ([8])

يعني الناقةَ. جعل السَّوط كالمجذاف لها، وهو بالذال والدال لغتان فصيحتان.

(جذل) الجيم والذال واللام أصلٌ واحد، وهو أصل الشيء الثابت والمنتصب. فالجِذْل أصل الشَّجرة. وأصل كلِّ شيءٍ جِذْلُهُ. قال حُبَابُ بنُ المنذِر، لما اختَلَف الأنصارُ في البَيْعة: "أنا جُذَيلُها المحكَّك". وإنّما قال ذلك لأنه يُغْرَزُ في حائطٍ فتحتكُّ به الإبلُ الجَرْبَى. يقول: فأنا يُسْتَشْفى برأْيِي كاستشفاء الإبل بذلك الجِذْل. وقال:

* لاقت على الماءِ جُذَيلاً واتدا([9]) *

يريد أنّه منتصبٌ لا يبرح مكانَه، كالجذل الذي وَتَد، أي ثبت. وأمّا الجََذَل وهو الفرح فممكنٌ أن يكون من هذا؛ لأنّ الفَرِحَ منتصبٌ والمغمومَ لاطِئٌ بالأرض. وهذا من باب الاحتمال لا التحقيق والحُكْم. قالوا: والجِذْل ما بَرَزَ وظَهَرَ من رأس الجبل، والجمع الأجذال. وفلانٌ جِذْلُ مالٍ، وإذا كان سائِساً له. وهو قياس الباب، كأنّه في تفقُّده وتعهُّده له جِذْلٌ لا يبرح.

(جذم) الجيم والذال والميم أصلٌ واحدٌ، وهو القطع. يقال جَذَمْت الشَّيء جذْماً. والجِذْمة القِطعة من الحَبْل وغيره. والجُذام سُمِّي لتقطُّع الأصابع. والأجذم: المقطوع اليد. وفي الحديث: "مَن تعلَّم القرآنَ ثُمَّ نسِيَهُ لقِيَ الله تعالى وهو أجذم". وقال المتلمِّس:

وما كنتُ إلاّ مثلَ قاطع كفِّه *** بكفٍّ لـه أخْرَى فأصبَحَ أجْذَما([10])

وانْجَذَم الحبلُ: انقطَعَ. قال النابغة:

بانَتْ سُعادُ فأمسى حَبْلُها انْجَذَما *** واحْتَلّت الشَّرْعَ فالخْبْتَيْنِ مِنْ إضَما([11])

والإجذام: السُّرعة في السَّير، وهو من الباب. والإجذام: الإقلاع عن الشيء.

(جذو) الجيم والذال والواو أصلٌ يدلّ على الانتصاب. يقال جَذَوْتُ على أطراف أصابعي، إذا قمت. قال:

إذا شِئْتُ غَنَّتَنِي دَهَاقِينُ قريةٍ *** وصَنَّاجَةٌ تَجْذُو على حدِّ مَنْسِِمِ([12])

قال الخليل: يقال جَذَا يجذُو، مثل جثا يجثُو، إلاّ أنّ جذا أَدَلُّ([13]) على اللزوم. وهذا الذي قاله الخليل فدَليلٌ لنا في بعض ما ذكرناه من مقاييس الكلام. والخليل عندنا في هذا المعنى إمامٌ.

قال: ويقال جَذَا القُرادُ في جنْب البعير؛ لشدّة التزاقه. وجَذَتْ ظَلِفَة الإكاف في جَنْب الحمار. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَثَلُ المنافِق مَثَلُ الأَرْزَة المُجْذِيَة على الأرض حتّى يكونَ انجعافُها([14]) مَرَّةً". أراد بالمجْذِيَةِ الثّابتة.

ومن الباب تجاذَى القومُ الحَجرَ، إذا تشاوَلُوه.

فأمّا قولهم رجلٌ جاذٍ، أي قصير الباع، فهو عندي من هذا؛ لأنّ الباع إذا لم يكن طويلاً ممدوداً كان كالشيء الناتئ المنتصب. قال:

إنّ الخلافةَ لم تكن مقصورةً *** أبداً على جاذِي اليدينِ مُبَخَّلِ([15])

(جذب) الجيم والذال والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بَتْرِ الشّيء([16]). يقال جَذَبْتُ الشَّيْءَ أجذبُه جذْباً. وجذَبتُ المُهر عن أمّه إذا فطمتَه، ويقال ناقة جاذب، إذا قلَّ لبنها، والجمع جواذب. وهو قياس الباب؛ لأنه إذا قل لبنها فكأنها جَذبته إلى نفسها.

وقد شذّ عن هذا الأصل الجَذَب، وهو الجُمَّار([17]) الخَشِن، الواحد جَذَبة.

ــــــــــــــــ

([1]) في اللسان: "أبو عمرو: الجذر، بالكسر. والأصمعي بالفتح".

([2]) ديوان زهير 226 واللسان (جذر).

([3])التكملة من المجمل واللسان. والمراد أن العشرة جذر المائة، أي أصلها.

([4]) أي لأهلكني الدهر. والبيت للأخطل في ديوانه 72 واللسان (جذع).

([5]) البيت للعجاج كما في اللسان (جذع)، وليس في ديوانه.

([6]) في المجمل: "وجذع اسم رجل في قولهم: خذ من جذع ما أعطاك".

([7]) ديوان الأعشى 212 واللسان (جذف). وفي الديوان: "حوله الندامى".

([8]) البيت للمثقب العبدي، كما في اللسان (جذف). وفي الأصل: "من مشتاقها باليد" صوابه في المجمل واللسان.

([9]) البيت لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (جذل).

([10]) ديوان المتلمس 2 مخطوطة الشنقيطي واللسان (جذم).

([11]) رواية اللسان ومعجم البلدان: "فالأجراع من أضما"، وفي الديوان: "فالأجزاع".

([12]) البيت للنعمان بن عدي بن نضلة العدوي، كما في المجمل واللسان (جذا).

([13]) في الأصل: "دل"، صوابه من المجمل واللسان.

([14]) سيأتي الحديث في (جعف) أيضاً.

([15]) نسب في المجمل إلى سهم بن حنظلة. ورواه في اللسان (جذا) بقافية "مجذر" منسوباً إلى سهم بن حنظلة أيضاً. وفي الصحاح:"مبخل" بدون نسبة.

([16]) في الأصل: "نثر الشيء" وإنما مدار المادة على البتر بمعنى القطع. انظر اللسان (جذب).

([17]) الجمار، بالجيم: جمار النخلة. وفي الأصل: "الحمار" تحريف.

 

ـ (باب الجيم والراء وما يثلثهما)

(جرز) الجيم والراء والزاء أصلٌ واحد، وهو القطْع. يقال جَرَزْتُ الشيءَ قطعتُه. وسيفٌ جُرَاز أي قَطّاع. وأرضٌ جُرُزٌ لا نَبْت بها. كأنَّه قُطِع عنها. قال الكسائي* والأصمعيّ : أرضٌ مجروزة من الجرز، وهي التي لم يُصِبْها المطر، ويقال هي التي أُكل نباتُها. والجَرُوزُ: الرّجُل الذي إذا أكل لم يترُكْ على المائدةِ شيئاً، وكذلك المرأةُ الجَرُوزُ، والنّاقةُ. قال:

* تَرَى العَجُوزَ خَِبَّةً جَرُوزَا *

والعرب تقول في أمثالها: "لن ترضى شانِئةٌ إلاّ بجَرْزة([1])، أي إنّها مِن شِدّة بَغضائها وحسَدها لا ترضى للذين تُبغِضُهم إلاّ بالاستئصال. والجارز: الشديد من السُّعال، وذلك أنّه يقطَع الحَلْق. قال الشمّاخ:

* لها بالرُّغامَى والخياشيمِ جارزُ([2]) *

ويقال أرضٌ جارِزةٌ: يابسة غليظة يكتنفها رَمْل. وامرأةٌ جارِزٌ عاقر. فأمّا قولهم ذو جَرَزٍ إذا كان غليظاً صُلْباً، وكذلك البعيرُ، فهو عندي محمولٌ على الأرض الجارزة الغليظة. وقد مضى ذِكرُها.

(جرس) الجيم والراء والسين أصلٌ واحد، وهو من الصَّوت، وما بعد ذلك فمحمول عليه.

قالوا: الجَرْس الصَّوت الخفيّ، يقال ما سمعت لـه جَرْساً، وسمِعتُ جَرْسَ الطّير، إذا سمعتَ صوتَ مناقيرها على شيء([3]) تأكله. وقد أجْرَسَ الطائر.

ومما حُمِل على هذا قولهم للنَّحل جوارس، بمعنى أواكِل، وذلك أنّ لها عند ذلك أدنى شيءٍ كأنه صوت. قال أبو ذؤيبٍ يذكر نَحْلا:

يَظَلُّ على الثَّمراءِ منها جَوَارسٌ *** مَرَاضيعُ صُهْبُ الرّيش زُغبٌ رِقابُها([4])

والجَرَس: الذي يعلَّق على الجِمال. وفي الحديث: "لا تصحبُ الملائكةُ رُِفْقَةً فيها جَرَسٌ". ويقال جَرَسْتُ بالكلام أي تكلّمتُ به. وأجْرَسَ الحَلْيُ: صوَّت. قال:

تَسْمَعُ لِلحَلْيِ إذا ما وَسْوَسَا *** وارتجَّ في أجْيَادها وأجْرَسا([5])

ومما شذَّ عن هذا الأصل الرجل المجرّس([6]) وهو المجرّب. ومعنى جَرَْسٌ من الليل، أي طائفة.

(جرش) الجيم والراء والشين أصلٌ واحد وهو جَرْش الشَّيء: أنْ يُدقَّ ولا يُنْعَم دَقُّه. يقال جَرَشْته، وهو جَرِيش. والجُرَاشة: ما سقط من الشيءِ المجروش. وجرّشت الرأس بالمشط: حككته حتَّى تَستكثِرَ الإبْرِيَة([7]). وذكر الخليل أنّ الجَرش الأكْل.

ومما شذَّ عن الباب الجِرِشَّى، وهو النَّفس. قال:

* إليه الجِرِشَّى وارْمَعَلَّ حَنِينُها([8]) *

فأمّا قولهم مَضَى جَرْشٌ من اللّيل، فهي الطائفة، وهو شاذٌّ عن الأصل الذي ذكرناه. قال:

* حتى إذا [ما] تُرِكَتْ بجَرْشِ([9]) *

(جرض) الجيم والراء والضاد أصلانِ: أحدهما جنسٌ من الغَصَص، والآخر من العِظَم.

فأمّا الأوّل فيقولون جَرِضَ بِرِيقه([10]) إذا اغتصَّ به. قال:

كأنّ الفتى لم يَغْنَ في النَّاسِ ليلةً *** إذا اختَلَفَ اللَّحْيانِ عند الجَرِيضِ([11])

قال الخليل: الجَرَضُ أن يبتلع الإنسانُ ريقَه على همٍّ وحزْنٍ. ويقال: مات فلانٌ جَرِيضاً، أي مغموماً.

والثاني قولهم بعيرٌ جِرْوَاضٌ، أي غليظ. والجُرائِض: البعير الضَّخم، ويقال الشّديد الأكل. ونعجة جُرَئِضةٌ([12]) ضَخْمة.

(جرع) الجيم والراء والعين يدلّ على قلّة الشيء المشروب. يقال: جَرِع الشاربُ الماءَ يجرَعُه، وجَرَعَ يجرَعُ. فأمَّا [الجرعاء فـ] الرَّملة التي لا تُنبت شيئاً، وذلك من أنّ الشُّرب لاينفَعُها فكأنَّها لم تَرْوَ. قال ذو الرمّة:

أمَا استَحْلَبَتْ عينَيْكَ إلاَّ مَحَلَّةٌ *** بجُمْهُورِ حُزْوَى أم بجرعاءِ مالكِ([13])

ومن الباب قولهم: "أفْلَتَ فلانٌ بجُرَيْعَة الذَّقَن"، وهو آخِرُ ما يخرُجُ من النَّفَس. كذا قال الفرّاء. ويقال نُوقٌ مَجَارِيعُ: قليلات اللَّبن، كأنّه ليس في ضُروعها إلا جُرَعٌ.

ومما شذّ عن هذا الأصل الجَرَع: التواءٌ في قوَّةٍ من قُوَى الحَبْل ظاهرةٍ على سائر القُوَى.

(جرف) الجيم والراء والفاء أصلٌ واحدٌ، هو أخْذ الشيءِ كلِّه هَبْشاً. يقال: جَرَفْتُ الشيءَ جَرْفاً، إذا ذهبْتَ به كلِّه. وسيفٌ جُرَافٌ([14]) يُذْهِبُ كلَّ شيء. والجُرُْف المكان يأكله السيل. وجَرَّفَ الدهرُ مالَه*: اجتاحه. ومال مُجَرَّف. ورجل جُرَافٌ نُكَحَةٌ، كأنّه يجرِف ذلك جرْفاً. ومن الباب: الجُرْفَة: أنْ تُقَْطَع من فخذِ البعير جلدَةٌ وتُجْمَع على فَخِذه.

(جرل) الجيم والراء واللام أصلان: أحدهما الحجارة: والآخر لونٌ من الألوان.

فالأول الجَرْوَل والجرَاوِل الحجارة. يقال: أرض جَرِلةٌ، إذا كانت كثيرةَ الجراول. والأَجْرَال جمع الجَرَل، وهو مكان ذو حجارة. قال جرير:

مِن كلِّ مشترِفٍ وإنْ بَعُدَ المَدَى  *** ضَرِمِ الرِّفاقِ مُناقِلِ الأَجْرَالِ([15])

والآخَر الجِرْيال، وهو الصِّبْغ الأحمر؛ ولذلك سميت الخمر جِرْيالاً. فأما قول الأعشى:

وسَبيئةٍ مِمّا تُعَتِّقُ بابِلٌ  *** كدَمِ الذَّبيحِ سلبتُها جِرْيالَها([16])

فقال قومٌ: أراد لونَها، وهي حمرتها. رووا عنه في ذلك روايةً تدلُّ على أنّه أراد لونَها([17]).

(جرم) الجيم والراء والميم أصلٌ واحد يرجع إليه الفروع. فالجرْمُ القطْع. ويقال لِصَِرام النَّخل الجَِرَام. وقد جاءَ زمن الجَِرَامِ. وجَرَمْتُ صُوف الشَّاةِ وأخذته. والجُرَامةُ: ما سقطَ من التّمْرِ إذا جُرِم. ويقال الجُرامة ما التُقِط من كَرَبِهِ بعد ما يُصْرَمُ. ويقال سنة مجَرَّمَةٌ ، أي تامّة، كأنها تصرَّمَت عن تمام. وهو من تجرَّم الليلُ ذَهَب. والجَرَام والجَريم: التَّمْر اليابس. فهذا كلُّه متّفقٌ لفظاً ومعنىً وقياساً.

ومما يُردّ إليه قولهم جَرَم، أي كَسَب؛ لأن الذي يَحُوزُه فكأنه اقتطَعَه. وفلانٌ جَرِيمةُ أهله، أي كاسِبُهم. قال:

جَريمةَ ناهضٍ في رَأسِ نِيقٍ *** تَرَى لِعظامِ ما جَمَعَتْ صَلِيبا([18])

يصف عقاباً. يقول: هي كاسِبَةُ ناهضٍ. أراد فرخَها. والجُرْم والجَريمة: الذَّنْب وهو من الأوَّل؛ لأنه كَسْبٌ، والكَسْب اقتطاع. وقالوا في قولهم "لا جَرَم": هو من قولهم جَرَمْتُ أي كسَبت. وأنشدوا:

ولقد طعنتُ أبا عُيَيْنَةَ طَعْنَةً *** جَرَمَتْ فَزَارَةَ بَعْدَها أن يَغْضَبُوا([19])

أي كَسَبَتْهُمْ غضباً. والجَسَدُ جِرْمٌ، لأنّ لـه قَدْراً وتَقْطيعاً. ويقال مَشْيَخَةٌ جِلّةٌ جَريم، أي عظام الأجرام.

فأمّا قولُهم لصاحب الصَّوت: إنه لحسن الجِرْم، فقال قوم: الصَّوْتُ يقال له الجِرْم. وأصحُّ من ذلك قول أبي بكر بن دريد إنَّ معناه حَسنُ خروجِ الصّوتِ من الجِرْم. وبنو جارمٍ في العرب. والجارم: الكاسب، وهو قول القائل:

* والجارميُّ عميدُها([20]) *

وجَرْمٌ هو الكَسْبُ، وبه سمِّيَتْ جَرْمٌ، وهما بطنان: أحدهما في قضاعة، والآخر في طيّ.

(جرن) الجيم والراء والنون أصلٌ واحد، يدلُّ على اللين والسُّهولة. يقال للبَيْدَرِ جَرينٌ؛ لأنّه مكان قد أُصْلِحَ ومُلِّسَ. والجارن من الثياب: الذي انسَحَق ولانَ. وجَرَنَتِ الدِّرْعُ: لانَتْ وامْلاَسَّتْ. ومن الباب جِرَانُ البعير: مُقَدَّم عُنُقه من مَذْبَحِهِ، والجمع جُرُن([21]). قال:

خُذا حَذَراً يا جارَتَيَّ فإنَّني *** رأيتُ جِرَانَ العَوْدِ قد كادَ يَصْلُحُ([22])

وذكرَ ناسٌ أنّ الجارنَ ولد الحيّة. فإن كان صحيحاً فهو من الباب، لأنه ليِّن المسِّ أملس.

(جره) الجيم والراء والهاء كلمةٌ واحدة، وهي الجَرَاهية. قال أبو عُبيدٍ: جَراهيةُ القوم: جَلَبَتُهُم وكلامُهم في علانيتهم دون سِرِّهم. ولو قال قائل: إنّ هذا مقلوبٌ من الجَهْرِ والجَهْرَاء والجَهارة لكان مَذْهباً.

(جرو) الجيم والراء والواو أصلٌ واحدٌ، وهو الصَّغير من ولد الكلب، ثم يحمل عليه غيرُه تشبيهاً. فالجَرو للكلب وغيره. ويقال: سَبُعةٌ مُجْرِيَةٌ ومُجْرٍ، إذا كان معها جِرْوُها. قال:

وتَجُرُّ مُجْرِيَةٌ لها  *** لحمِي إلى أجْرٍ حَوَاشِبْ([23])

فهذا الأصل. ثم* يقال للصَّغيرة من القِثّاء الجِرْوة. وفي الحديث: أُتِي النبي

صلى الله عليه وسلم بأَجْرٍ زُغْبٍ([24])"، وكذلك جَُِرْو الحنظل والرُّمّان. يعني أنها صغيرة. وبنو جِرْوة بطنٌ من العرب. ويقال ألقى الرّجُل جِرْوَتَه، أي ربَط جَأْشَه، وصَبَر على الأمر، كأنّه ربط جرواً وسكّنَه. وهو تشبيهٌ.

(جري) الجيم والراء والياء أصلٌ واحدٌ، وهو انسياحُ الشيء. يقال جَرَى الماء يَجْري جَرْيَةً وجَرْياً وجَرَياناً. ويقال للعَادة الإجْرِيَّا([25])، وذلك أنّه الوجْه الذي يجري فيه الإنسان. والجَرِيُّ: الوكيل، وهو بيّن الجِراية، تقول جَرَّيت جَرِيّاً واستَجْرَيتُ، أي اتَّخذْت. وفي الحديث: "لا يُجَرِّينَّكم الشّيطان([26])". وسمِّي الوكيلُ جَريّاً لأنّه يَجْري مَجْرى موكّله، والجمع أجْرِيَاء.

فأمّا السفينة فهي الجارية، وكذلك الشَّمس، وهو القياس. والجارية من النِّساء من ذلك أيضاً، لأنَّها تُسْتَجْرَى في الخِدمة، وهي بيِّنة الجِراء. قال:

والبِيضُ قد عَنَسَت وطال جِراؤُها  *** ونَشَأن في قِنٍّ وفي أذْوادِ([27])

ويقال: كان ذلك في أيّامِ جِرائها، أي صباها. وأما الجِرِّيَّة، وهي الحَوْصلة فالأصل الذي يعوَّل عليه فيها أنَّ الجيم مبدلة من قاف، كأن أصلها قِرِّيّة، لأنّها تَقْرِي الشيءَ أي تجمعه، ثم أبدَلُوا القافَ جيماً كما يفعلون ذلك فيهما.

(جرب) الجيم والراء والباء أصلان: أحدهما الشَّيء البسيط يعلوه كالنبات من جنسه، والآخَر شيءٌ يحوي شيئاً.

فالأوّل الجرَب وهو معروف، وهو شيءٌ ينبت على الجلْد من جنسه. يقال بعيرٌ أجرب، والجَمْع جَرْبَى. قال القطران:

أنا القَطِرانُ والشُّعراءُ جرْبَى *** وفي القَطِرانِ للجَرْبَى شِفاءُ

وممّا يُحمَل على هذا تشبيهاً تسميتُهم السَّماء جَرْباء، شبّهت كواكبُها بجرَب الأجرَب. قال أسامة بنُ الحارث:

أرَتْهُ من الجرْباءِ في كلِّ مَنْظرٍ *** طِباباً فمَثْوَاهُ النَّهارَ المَرَاكِدُ([28])

وقال الأعشى:

تناول كلباً في ديارهم  *** وكاد يسمو إلى الجرْباء فارتَفَعا([29])

والجِرْبَة: القَرَاح، وهو ذلك القياس لأنّه بسيطٌ يعلوه ما يعلوه منه. قال الأسعر:

أما إذا يَعْلُو فثعلبُ جِرْبَةٍ *** أو ذِئبُ عادية يُعَجْرِمُ عَجْرَمَهْ([30])

العجرمة:سُرعةٌ في خِفّة. وكان أبو عبيد يقول: الجِرْبة المزرعة. قال بشر:

* على جرْبة تعلو الدِّبارَ غُروبُها([31]) *

قال أبو حَنيفة: يقال للمجَرَّة جِرْبة النُّجوم. قال الشّاعر:

وخَوَتْ جِرْبَةُ النّجوم فما تشْـ *** ـرب أُرْوِيَّةٌ بمَرْي الجنُوبِ([32])

خَيُّها: أن لا تُمطِر([33]). ومَرْي الجَنُوب: استدرارُها الغَيث.

والأصل الآخر الجِراب، وهو معروف. وجرابُ البئر: جوفُها من أعلاها إلى أسفلها. والجَرَبَّةُ: العانة من الحمير، وهو من بابِ ما قَبْله، لأن في ذلك تجمُّعاً. وربَّما سمَّوا الأقوياء من الناس إذا اجتمعُوا جَرَبَّةً. قال:

ليس بنا فقرٌ إلى التَّشَكِّي *** جَرَبَّةٌ كحُمُرِ الأبَكِّ([34])

(جرج) الجيم والراء والجيم كلمة واحدة، وهي الجادّة، يقال لها جَرَجَة. وزعم ناسٌ أنّ هذا مما صحَّف فيه أبو عُبيدٍ. وليس الأمر على ما ذكَرُوه، والجَرَجَةُ صحيحة. وقياسها جُرَيج اسم رجل. ويقال إنّ الجَرِجَ القَلِق. قال:

* خلخالُها في ساقها غيرُ جَرِجْ([35]) *

وهذا ممكنٌ أن يقال مبدل من مَرِج. قال ابن دريد: والجَرَجُ الأرض ذاتُ الحجارة. فأما الجُرْجة لِشيءٍ([36]) شِبْه الخُرْج والعَيْبة، فما أُراها عربيةً مَحْضة. على أنّ أوساً قد قال:

ثلاثةُ أبرادٍ جيادٍ وجُرْجَة *** وأدْكَنُ من أرْيِ الدُّبور مُعَسَّلُ([37])

(جرح) الجيم والراء والحاء أصلان: أحدهما الكسب، والثاني شَقّ الجِلْد.

فالأوَّل قولهم [اجترح] إذا عمل وكَسبَ. قال الله عزّ وجلّ: {أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ} [الجاثية 21]. وإنَّما سمى ذلك اجتراحاً لأنه عَمَلٌ* بالجوَارح، وهي الأعضاء الكواسب. والجوارحُ من الطَّير والسباع: ذَوَاتُ الصَّيد.

وأما الآخَر [فقولهم] جرحَهُ بحديدةٍ جرْحاً، والاسم الجُرْح. ويقال جرَح الشاهدَ إذا ردّ قولَه بِنَثاً غيرِ جميل. واستَجْرَحَ فلانٌ إذا عمل ما يُجْرَح من أجله.

فأمَّا قول أبي عبيدٍ في حديث عبد الملك: "قد وعظتُكم فلم تزدادُوا على الموعظة إلاّ استجراحا" إنه النُّقصان من الخير، فالمعنى صحيح إلاّ أنّ اللفظ لا يدلُّ عليه. والذي أراده عبدُ الملك ما فسَّرناه. أي إنّكم ما تزدادون على الوعْظ إلاّ ما يكسبكم الجَرْحَ والطَّعنَ عليكم، كما تُجرَح الأحاديث. وقال أبو عبيد: يريد أنَّها كثيرة صحيحها قليل. والمعنى عندنا في هذا كالذي ذكرناه مِن قَبْل، وهو أنَّها كثُرتْ حتى أحوج أهلَ العلم بها إلى جرْح بعضها، أنّه ليس بصحيح.

(جرد) الجيم والراء والدال أصلٌ واحد، وهو بُدوُّ ظاهِر الشَّيء حيث لا يستُره ساتر. ثم يحمل عليه غيرُه ممَّا يشاركه في معناه. يقال تجرَّد الرَّجل من ثيابه يتجرَّدُ تجرُّداً. قال بعضُ أهل اللُّغة: الجَرِيد سَعَفُ النَّخل، الواحدة جريدة، سمِّيت بذلك لأنه قد جرِد عنها خُوصها. والأرْضُ الجَرَد: الفضاء الواسعُ، سمِّي بذلك لبُروزه وظُهوره وأن لا يستره شيءٌ. ويقال فرس أَجرَدُ إذا رَقَّت شَعْرتُه. وهو حسن الجُرْدة والمتجرَّد. ورجلٌ جارُودٌ، أي مشؤوم، كأنَّه يَجْرُدُ ويَحُتُّ. وسنةٌ جارودةٌ، أي مَحْلٌ، وهو من ذلك، والجَراد معروفٌ. وأرضٌ مجرودةٌ أصابها الجَرادُ. وقال بعضُ أهلِ العِلم: سمِّي جراداً لأنّه يجرُد الأرضَ يأكلُ ما عليها. والجَرَدُ: أن يَشْرَى جلْدُ الإنسان من أكل الجَراد. ومن هذا الباب، وهو القياس المستمرُّ، قولهم: عامٌ جرِيدٌ، أي تامٌّ، وذلك أنَّه كَمَُِل فخرج جريداً لا يُنْسَب إلى نقصانٍ. ومنه: "ما رَأَيْتُهُ مُذْ أجرَدَانِ([38]) وجَرِيدانِ" يريد يومين كاملين. والمعْنى ما ذكرته. ومنه انجرَدَ بنا السَّيرُ: امتدَّ. فأمّا قولهم للشيءِ يذهب ولا يُوقَف [له] على خبرٍ: "ما أدري أيُّ الجَرَاد عارَهُ" فهو مثلٌ، والجَراد هو هذا الجَرادُ المعروف.

(جرذ) الجيم والرال والذال كلمةٌ واحدة: الجُرَذُ الواحد من الجُِرْذان، وبه سمِّيَ الجَرَذُ الذي يأخُذُ في قوائم الدابّة. فأمّا قولهم رجل مُجَرَّذٌ أي مجرَّب، فهو من باب الإبدال، وليس أصلاً.

ـــــــــــــــ

([1]) الشانئة: المبغضة. وفي الأصل: "شائبة"، صوابها في المجمل واللسان (جرز 182) وفي اللسان: "لم ترض".

([2]) أراد بالرغامى الرئة. وصدره في الديوان 51، واللسان (جرز):

* يحشرجها طوراً وطوراً كأنها *

([3]) في الأصل: "صوت" صوابه في المجمل واللسان.

([4]) الثمراء: جبل أو هضبة. والبيت في ديوان أبي ذؤيب 77 واللسان (جرس).

([5]) للعجاج في ديوانه 31 واللسان (جرس) وفي الديوان: "والتج" باللام.

([6]) المجرس، بفتح الراء المشددة وكسرها.

([7]) الإبرية، كالهبرية وزناً ومعنى، وهي ما تعلق بأسفل الشعر مثل النخالة. وفي اللسان: "حتى تستبين هبريته". وفي المجمل: "حتى يستكثر من الإبرية".

([8]) لمدرك بن حصن الأسدي، كما في اللسان (رمعل). وصدره، كما في (جرش، رمعل): * بكى جزعاً من أن يموت وأجهشت *

([9]) تكملة الشعر بزيادة "ما" من المجمل.

([10]) جعله الجوهري مثل كسر يكسر. وقال ابن القطاع: صوابه جرض يجرض، على مثال كبر يكبر.

([11]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 114 واللسان (جرض).

([12]) جرئضة، كعلبطة. ويقال: "جرائضة" أيضاً، كعلابطة.

([13]) ديوان ذي الرمة 415 وهو مطلع قصيدة له. وفي الديوان: "أو بجرعاء".

([14]) ويقال أيضاً "سيل جراف" بمعناه.

([15]) ديوان جرير 468 واللسان (جرل).

([16]) ديوان الأعشى 23 واللسان (جرل).

([17]) وفي اللسان: "وسئل الأعشى عن قوله: سلبتها جريالها. فقال: أي شربتها حمراء فبلتها بيضاء".

([18]) البيت لأبي خراش الهذلي من قصيدة في القسم الثاني من مجموع أشعار الهذليين 57 ونسخة الشنقيطي 70. وأنشده في المجمل واللسان (جرم).

([19]) البيت لأبي أسماء بن الضريبة، كما في اللسان (جرم).

([20]) جزء من بيت في اللسان (جرم). وهو بتمامه:

إذا ما رأت شمساً عب الشمس شمرت *** إلى رملها والجارمي عميدها

ورواية اللسان (عبأ): "والجرهمي عميدها".

([21]) ويقال في الجميع أيضاً "أجرنة".

([22])البيت لجران العود من قصيدة في أول ديوانه، وبه سمي جران العود. انظر اللسان "جرن"، والمزهر (2: 441).

([23]) البيت من قصيدة لحبيب بن عبد الله المعروف بالأعلم الهذلي، كما في شرح السكري للهذليين 57 ونسخة الشنقيطي 59. وهو في اللسان (جرا) بدون نسبة، وفي (حشب) منسوب إليه. وكلمة (إلى) ساقطة من الأصل.

([24]) في الأصل: "بجرو زغب"، صوابه من المجمل واللسان.

([25]) ومنه قول الكميت:

على تلك إجرياي وهي ضريبتي *** ولو أجلبوا طراً علي وأحلبوا

([26]) في المجمل واللسان: "لا يستجرينكم الشيطان".

([27]) للأعشى في ديوانه 99 واللسان (جرا). وكلمة "وطال" ساقطة من الأصل.

([28]) نسخة الشنقيطي من الهذليين 86 واللسان (جرب، طبب، ركد).

([29]) في البيت نقص ويستقيم بأن يكون أوله: "وقد". وبدله في ديوان الأعشى 86:

وما مجاور هيت إن عرضت له *** قد كان يسمو إلى الجرفين واطلعا

وفي شرحه: "أبو عبيدة إلى الجرباء".

([30]) وروي عجزه في اللسان ( عجرم) بدون نسبة، وهو مع نسبته إلى الأسعر في الأزمنة والأمكنة (2: 11).

([31]) صدره كما في المفضليات (2: 130) : * تحدر ماء البئر عن جرشية *

([32]) البيت بدون نسبة أيضاً في الأزمنة والأمكنة (2: 4، 11).

([33])يقال خوت النجوم تخوى خيا، وأخوت.

([34]) الرجز لقطية بنت بشر زوج مروان بن الحكم. انظره مع قصته في الأغاني (1: 129). وكلمة "ليس" ساقطة من الأصل. وانظر المخصص (11: 44-47) بتحقيق الشنقيطي والبيت الأخير سبق في ص187.

([35])قبله في اللسان (جرج):  * إني لأهوى طفلة فيها غنج *

([36]) في الأصل: "فشيء".

([37]) ديوان أوس 19 واللسان (جرج). والدبور: جمع دبر، وهو النحل.

([38]) في الأصل: "من"، صوابه في المجمل واللسان. وانظر تخريج نحو هذا التعبير في مغني اللبيب (مذ).

 

ـ (باب الجيم والزاء وما يثلثهما)

(جزع) الجيم والزاء والعين أصلان: أحدهما الانقطاع، والآخر جوهرٌ من الجواهر.

فأمّا الأول فيقولون جَزَعْتُ الرّملة إذا قطعتَها؛ ومنه: جِزْعُ الوادي، وهو الموضع الذي يَقطعُه من أحد جانبَيه إلى الجانب؛ ويقال هو مُنْعَطَفه. فإنْ كان كذا فلأنّه انقَطع عن الاستواء فانعرج. والجزَع: نَقِيض الصّبر، وهو انقطاعُ المُنَّة عن حَمْل ما نزل([1]). و[الجُِِزْعة([2])] هي القليل من الماء، وهو قياس الباب.

وأمّا الآخَر فالجَِزْع، وهو الخرَزُ المعروف. ويقال بُسْرَةٌ مُجزَّعَةٌ، إذا بَلَغَ الإرطابُ نِصْفها، وتُشْبِه حينئذٍ الجَِزْع([3]).

(جزل) الجيم والزاء واللام أصلان: أحدهما عِظَم الشَّيء من الأشياء، والثاني القَطْع.

فالأوّل الجَزْل، وهو ما عَظُمَ من الحَطَب، ثم اسْتُعير، فقيل: أجزَلَ في العطاء. ومنه الرَّأْيُ الجَزْل من الباب الثاني، وسنذكره. فأمَّا قول القائل:

فوَيْهاً لقِدْرِكَ وَيْهاً لها *** إذا اخْتِيرَ في المَحْلِ جَزْلُ الحَطَبْ([4])

فإنَّه اختَصَّ الجَزْلَ لأنّ اللحمَ يكون غَثَّاً فيُبطئ نضجُه فيُلْتَمَسُ له الجَزْل.

وأمّا الأصل الآخَر فيقول العرب: جزَلْتُ الشيءَ جِزْلَتَين، أي قطعته

*قِطْعَتَيْن. وهذا زَمَنُ الجَِزَالِ أي صَِرَامِ النَّخْلِ. قال:

* حَتَّى إذا ما حانَ مِن جَِزَالِها([5]) *

ومن هذا الباب الجَزَل، أن يُصيبَ غارِبَ البعير دَبَرَة، فيُخرَج منه عَظْمٌ فيطمئِنَّ موضِعُه. وبعيرٌ أجْزَلُ إذا فُعِلَ به ذلك. قال أبو النجم:

* يُغادِرُ الصَّمد كظَهْرِ الأجْزَلِ([6]) *

والجِزْلة: القطعة من التَّمْر. فأما قولهم جَزْلُ الرّأيِ فيحتمل أن يكون من الثاني، والمعنى أنَّه رأيٌ قاطعٌ.

وممّا شذّ عن الباب الجَوْزَل، وهو فَرْخُ الحمام، قال:

قالت سُلَيْمى لا أُحِبُّ الجَوْزَلا *** ولا أحِبُّ السَّمكاتِ مَأكَلا

ويقال: الجَوْزَل السمّ.

(جزم) الجيم والزاء والميم أصلٌ واحد، وهو القطع. يقال جَزَمْتُ الشيء أجْزِمُه جزْماً. والجَزْم في الإعراب يسمَّى جزماً لأنَّه قُطِع عنه الإعرابُ. والجِزْمَة: القِطْعة من الضَّأن. ومنه جَزَمْتُ القِرْبة إذا ملأتَها، وذلك حينَ يُقطَع الاستقاء. قال صخر الغيّ:

فلما جَزَمْتُ بِهِِ قِرْبتي *** تيمّمتُ أطرِقةً أَو خَلِيفا([7])

ويقولون: إنّ الجَزْمة الأكلةُ الواحدة. فإن كان صحيحاً فهو قياسُ الباب، لأنّه مرّةٌ ثم يُقطَع. ومن ذلك قولهم: جَزَّمَ القومُ: عَجَزُوا. قال:

ولكنِّي مضَيْتُ ولم أُجزِّمْ *** وكان الصَّبْرُ عادةَ أوَّلينا([8])

(جزأ) الجيم والزاء والهمزة أصلٌ واحد، هو الاكتفاء بالشَّيء. يقال اجتزأْتُ بالشيءِ اجتزاءً، إذا اكتفيتَ به. وأجزَأَنِي الشَّيءُ إجزاءً إذا كفاني قال:

لقد آليت أَغْدِرُ في جَدَاعِ *** وإنْ مُنِّيتُ أُمَّاتِ الرِّباعِ([9])

لأنَّ الغَدْرَ في الأقوامِ عارٌ *** وإِنَّ الحُرَّ يَجْزَأُ بالكُرَاعِ

أي يكتفى بها. والجَُزْءُ: استغناء السائمة عن الماء بالرُّطُْب([10]). وذكَرَ ناسٌ في قوله تعالى: {وَجَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبَادِهِ جُزْءاً} [الزخرف 15]، أنّه من هذا، حيث زعموا أنَّه اصطفى البناتِ على البنين. تعالى الله عن قول المشركين علُوَّاً كبيراً. والجُزْء: الطائفة من الشَّيء.

ومما شذّ عن الباب الجُزْأَة نِصاب السِّكِّين، وقد أجزَأتُها إجزاء إذا جعلْتَ لها جُزأةً. ويجوز أن يكون سمِّيت بذلك لأنها بعض الآلةِ وطائفةٌ منها.

(جزي) الجيم والزاء والياء: قيام الشيء مَقامَ غيره ومكافأتُه إياه. يقال جَزَيت فلاناً أجزِيه جزاءً، وجازيتُه مجازاةً. وهذا رجل جازِيكَ مِنْ رجل، أي حسبك. ومعناه أنه ينوبُ منابِ كلِّ أحدٍ، كما تقول كافِيكَ وناهيك. أي كأنه ينهاك أن يُطْلَبَ معه غيرُه.

وتقول: جَزَى عنِّي هذا الأمرُ يَجزِي، كما تقول قَضَى يقضي. وتجازَيْتُ دَيْني على فلان أي تقاضَيْته. وأهلُ المدينة يسمُّون المتقاضِي المتجازِي. قال الله جل ثناؤُه: {وَاتَّقُوا يَوْمَاً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً} [البقرة 48، 123]، أي لا تقضِي.

(جزح) الجيم والزاء والحاء كلمةٌ واحدة لا تتفرَّع ولا يُقاسُ عليها. يقال جزَح له من ماله، أي قَطَع. والجازِح: القاطع. وهو في شعر ابن مقبل:

* لَمُخْتَبِطٌ من تالِدِ المالِ جَازِحُ([11]) *

(جزر) الجيم والزاء والراء أصلٌ واحد، وهو القَطْع. يقال جَزَرت الشيء جَزْراً، ولذلك سمِّي الجَزُور جزوراً. والجَزَرة: الشاة يقوم إليها أهلُها فيذبحونها. ويقال ترك بنُو فلانٍ بني فلان جَزَراً، أي قتلوهم فتركوهم جَزَراً للسِّباع. والجُزارَة أطراف البعير: فراسِنُه ورأسُه. وإنما سمِّيت جزارة لأنَّ الجزّار يأخذُها، فهي جُزارتُه؛ كما يقال أخذ العاملُ عُمالته. فإذا قلتَ فرسٌ عَبْلُ الجُزارةِ، فإنما تريد غِلَظَ اليدين والرِّجلين وكثرة عصبها. ولا يدخُل الرّأس في هذا؛ لأن عظَم الرَّأْس في الخيل هُجْنَة. وسميت الجزيرةُ جَزيرةً لانقطاعها. وجَزَر النَّهرُ إذا قلَّ ماؤُه جَزْراً. والجَزْر: خلاف المدّ. ويقال أجزَرْتُك شاةً إذا دفَعْتَ إليه شاةً يذبحُها. *وهي الجَزَرة، ولا تكون إلاَّ من الغنم. قال بعض أهل العلم: وذلك أنّ الشاةَ لا تكون إلا للذبح. ولا يقال للنّاقة والجمل، لأنهما يكونان لسائر العمل.

ــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "ما ترك".

([2]) أثبت هذه التكملة مستأنساً بما في المجمل واللسان.

([3]) الجزع بالفتح، وروى كراع الكسر.

([4]) أنشده في المجمل واللسان (جزل).

([5]) نسب في زيادات الجمهرة (2: 90) إلى أبي النجم العجلي، وأنشده في المجمل واللسان (جزل). والصرام والجزال، كلاهما بالكسر والفتح.

([6]) كذا في الأصل والمجمل. والصواب "تغادر" لأن قبله كما في اللسان:

يأتي لها من أيمن وأشمل *** وهي حيال الفرقدين تعتلي

([7]) نسب البيت في اللسان (طرق) إلى الأعشى، والصواب ما هنا. والبيت في شرح السكري للهذليين 48 ومخطوطة الشنقيطي 58 وفي اللسان (جزم، طرق، خلف) برواية: "جزمت بها" وهو تحريف؛ لأن قبله:

وماء وردت على زورة *** كمشي السبنتى يراح الشفيفا

([8]) البيت في اللسان والمجمل (جزم).

([9]) الشعر لأبي حنبل الطائي، كما سبق في حواشي (جدع). وقد أنشدهما في اللسان (جزأ) بدون نسبة.

([10]) يقال جزأت جزءاً، بفتح الجيم وضمها، وجزوءاً أيضاً.

([11]) من بيت لابن مقبل في اللسان (جزح). وصدره:

* وإني إذا ضن الرفود برفده *

 

ـ (باب الجيم والسين وما يثلثهما)

(جسم) الجيم والسين والميم يدلُّ على تجمُّع الشيء. فالجسم كلُّ شخصٍ مُدْرَكٍ. كذا قال ابن دريد(1). والجَسيم: العظيم الجِسم، وكذلك الجُسام. والجُسْمان: الشخص.‏

(جسأ) الجيم والسين والهمزة يدلُّ على صلابةٍ وشدّة. يقال جَسَا الشيءُ، إذا اشتدَّ، وجَسَأ أيضاً بالهمزة. وجَسَأَتْ يدُه إذا صَلُبت.‏

(جسد) الجيم والسين والدال يدلُّ على تجمُّع الشيء أيضاً واشتدادِه. من ذلك جَسَدُ الإنسان. والمِجْسَد: الذي يلي الجَسَد من الثِّياب. والجَسَدُ والجَسِد من الدم: ما يَبِسَ، فهو جَسَِدٌ وجاسد. قال الطرماح:‏

* منها جاسِدٌ ونَجِيعُ(2) *‏

وقال قوم: الجسَد الدّمُ نفسُه، والجَسِد اليابس.‏

ومما شذّ عن الباب الجَسَاد الزَّعفَران. فإذا قلت هذا المِجْسَد بكسر الميم فهو الثوب الذي يَلي الجَسَد. قال: وهذا عند الكوفيِّين. فأمَّا البصريُّون فلا يعرفون إلا مُجْسَداً، وهو المُشبَع صِبْغاً.‏

(جسر) الجيم والسين والراء يدلُّ على قوّةٍ وجُرْأة. فالجَسْرَة: الناقة القوية، ويقال هي الجريئة على السَّير. وصُلْبٌ جَسْرٌ أي قويّ. قال:‏

* موضع رَحْلِها جَسْرٌ(3) *‏

والجِسْرُ معروفٌ. قال ابن دريد: هو بفتح الجيم الذي يسمِّيه العامّة جِسْراً، وهي القنطرة. والجَسارَة: الإقدام، ومن ذلك اشتُقَّت جَسْر، وهي قبيلة. قال النابغة:‏

وحَلَّتْ في بني القَيْنِ بن جَسْرٍ *** وقد نَبَغَتْ لنا منهم شؤونُ(4)‏

ــــــــــــــــــ

(1) الجمهرة (2: 94).‏

(2) قطعة من بيت له ديوانه 154 واللسان (جسد، فرغ). وهو بتمامه:‏

فراغ عواري الليط تكسى ظباتها * * *سبائب منها جاسد ونجيع‏

(3) من بيت لابن مقبل، كما في المجمل واللسان (جسر). والشطر بتمامه كما في اللسان:‏  * هوجاء موضع رحلها جسر *‏

(4) قالوا: وبذلك البيت سمي النابغة. انظر المزهر (2: 436) وديوانه 79.‏

 


ـ (باب الجيم والشين وما يثلثهما)

(جشع) الجيم والشين والعين أصلٌ واحد، وهو الحِرْص الشديد. يقال رجل جَشِعٌ بيِّن الجَشَع، وقومٌ جَشِعُونَ. قال سُوَيد:‏

* وكِلاَبُ الصَّيد فِيهنَّ جَشَعْ(1) *‏

(جشم) الجيم والشين والميم أصلٌ واحد، وهو مجموع الجِسْم. يقال ألقَى فلانٌ على فُلان جُشَمَه، إذا ألقى عليه ثِقْله. ويقال جُشَمُ البعيرِ صَدْرُه، وبه سُمِّي الرجل "جُشَمَ(2)". فأمَّا قولهم تجشَّمت الأمرَ، فمعناه تحمَّلت بجُشَمِي حتى فعلتُه. وجشَّمْتُ فلاناً كذا، أي كلفتُه أن يحمل عليه جُشَمَه. قال:‏

فأُقْسِمُ ما جَشَّمتُهُ من مُلِمَّةٍ ***  تَؤُودُ كِرامَ الناسِ إلا تَجَشَّمَا‏

(جشأ) الجيم والشين والهمزة أصلٌ واحد، وهو ارتفاعُ الشيء. يقال جَشأَتْ نَفْسي، إذا ارتفَعَتْ من حُزنٍ أو فزَع. فأمَّا جاشَتْ(3) فليس من هذا، إنما ذلك غَثَيانُها. وقال أبو عبيدٍ: اجتشأتْنِي البِلادُ واجتشأتُها، إذا لم توافِقْك؛ لأنه إذا كان كذا ارتفعت عنه(4)، ونبَتْ به. وقال قوم: جَشأ القومُ مِن بلدٍ إلى بلد، إذا خَرَجُوا منه.‏

ومن هذا القياس تجشَّأَ تجشُّؤاً، والاسم الجُشاء. ومن الباب الجَشْء مهموز وغير مهموز: القوس الغليظة. قال أبو ذؤيب:‏

* في كَفِّهِ جَشْءٌ أجَشُّ وأقْطَعُ(5) *‏

(جشب) الجيم والشين والباء يدلُّ على خشونة الشيء. يقال طعامٌ جشِبٌ، إذا كان بلا أُدْمٍ. والمِجشاب: الغليظ. قال:‏

* تُولِيكَ كَشْحاً لطيفاً ليس مِجشابا(6) *‏

(جشر) الجيم والشين والراء أصلٌ واحدٌ يدلّ على انتشار الشيء وبُروزه. يقال جشَرَ الصبح، إذا أنارَ. ومنه قولهم: اصطبَحْنا الجاشِرِيَّة، وهذا اصطباحٌ يكون مع الصبح. وأصبَحَ بنو فلان جشَراً، إذا بَرَزُوا [و] الحيَّ ثم أقامُوا ولم يرجعوا إلى بيوتهم، وكذلك المال الجَشَر، الذي يَرْعى أمام البيوت. والجَشَّار: الذي يأخُذ المالَ إلى الجَشْر(7).‏

ــــــــــــــــــ

(1) قصيدة سويد بن أبي كاهل في المفضليات (1: 188-200). وصدره:‏

* فرآهن ولما يستبن *‏

(2) في الأصل: "جشما" وإنما هو ممنوع من الصرف كزفر. وقد جاء على الصواب الذي أثبت في المجمل واللسان.‏

(3) في الأصل "فأما ما جاشت".‏

(4) في الأصل: "ارتفع عند".‏

(5) ديوان أبي ذؤيب 7 واللسان (جشأ) والمفضليات (2: 244). وصدره:‏

* ونميمة من قانص متلبب *‏

(6) لأبي زبيد الطائي، كما في اللسان (جشب). وصدره:‏

* قراب حصنك لا بكر ولا نصف *‏

(7) لم يفسره هنا ولا في المجمل. والجشر بالتحريك: بقل الربيع، وبالفتح: إخراج الدواب للرعي.‏

 

ـ (باب الجيم والعين وما يثلثهما)

(جعف) الجيم والعين والفاء أصلٌ واحد* ، وهو قَلْْعُ الشيء وصَرْعُه. يقال جَعَفْت الرجلَ إذا صرعْتَه بعد قلعِك إيّاه من الأرض. والانجعاف: الانقلاع تقول انجعَفَت الشّجرةُ. وفي الحديث: "مثل المنافق مثل الأرْزَة المُجْذِية على الأرض حتى يكون انجعافُها مرّة([1])". وجُعْفِيٌّ: قبيلة.

(جعل) الجيم والعين واللام كلمات غير مُنْقاسة، لا يشبه بعضُها بعضاً. فالجَعْلُ: النَّخْلُ يفوت اليدَ، والواحدةُ جَعْلة. وهو قوله:

* أو يستَوي جَثِيُثها وجَعْلُها([2]) *

والجَعْوَل: ولد النعام. والجِعَال: الخِرْقة التي تُنْزَلُ بها القِدْر عن الأثافي. والجُعْل والجَُِعالة والجَعيلة: ما يُجعل للإنسان على الأمر يَفعلُه. وجعَلْتُ الشيءَ صنعتُه. قال الخليل: إلاَّ أنَّ جَعلَ أعمُّ، تقول جَعَل يقول، ولا تقول صَنعَ يقول. وكُلْبَةٌ مُجْعِلٌ، إذا أرادت السِّفاد. والجُعَلَةُ: اسم مكان([3]). قال:

* وبعدها عامَ ارتَبَعْنا الجُعَلهْ *

فهذا الباب كما تراه لا يشبه بعضه بعضاً.

(جعم) الجيم والعين والميم أصلان: الكِبَرُ والحِرْصُ على الأكل. فالأوّل قول الخليل: الجَعْماء من النساء: التي أُنكِرَ عقلُها هَرَما، ولا يقال رجل أجْعَم. ويقال للناقة المسنّة الجَعْماء.

والثاني قول الخليل وغيرُه: جَعِمَت الإبل، إذا لم تجد حَمْضاً ولا عِضاهاً فقَضِمَت العظام، وذلك من حرصها على ما تأكله.

قال الخليل: جَعِمَ يَجْعَم جَعَماً، إذا قَرِمَ إلى اللَّحم. وهو في ذلك كلِّه أكول. ورجلٌ جَعِمٌ وامرأةٌ جَعِمةٌ، وبها جَعَم أي غِلَظ كلامٍ في سعة حَلْقٍ. وقال العجاج:

* إذْ جَعِمَ الذُّهْلانِ كُلَّ مَجْعَمِ([4]) *

أي جَعِموا إلى الشّرّ كما يُقْرَم إلى اللَّحم. هذا ما ذكره الخليل. فأما أبو بكر فإنَّه ذكر ما أرجو أن يكون صحيحاً، وأُرَاه قد أملاه كما ذكره حِفْظاً، فقال: جَعِم يَجْعَمُ جَعَماً، إذا لم يشْتهِ الطَّعام. قال: وأحسبه من الأضداد: لأنَّهُم ربما سَمَّوْا الرّجُل النَّهِمَ جَعِماً([5]). قال: ويقال جُعِمَ فهو مجعُومٌ إذا لم يشتَهِ أيضاً. هذا قول أبي بكر، واللغاتُ لا تجيء بأحْسِب وأظن. فأمّا قوله جَعَمْتُ البعير مثل كَعَمْتُه([6]). فلعلَّه قياس في باب الإبدال استَحْسَنَه فجعله لغةً. والله أعلمُ بصحته.

(جعن) الجيم والعين والنون شيءٌ لا أصْل لـه. وجَعْوَنة: اسم موضع. كذا قاله الخليل.

(جعب) الجيم والعين والباء أصلٌ واحد، هو الجَمْع. قال ابن دريد: جَعَبْتُ الشيء جَعْباً. قال: وإنما يكون ذلك في الشيء اليسير. وهذا صحيح. ومنه الجَعْبَةُ وهي كِنانة النُّشّاب. والجِعَابة صَنْعةُ الجِعَاب؛ وهو الجَعَّاب؛ وفعلُه جَعَّب يُجَعِّبُ تجعيباً. ويقال الجِعِبَّى والجِعِبَّاء: سافلة الإنسان. وقد أنشد الخليل فيه بيتاً كأنَّه مصنوع، وفيه قَذَعٌ، فلذلك لم نذكره.

ومما شذَّ عن الباب الجُعَبَى: ضَرْبٌ من النَّمْل، وهو من قياس الجُعْبوب الدنِيِّ من الناس؛ لأنّه متجمّع للُؤْمه، غير منبسط في الكرم.

(جعد) الجيم والعين والدال أصلٌ واحد، وهو تقبُّض في الشيء. يقال شعر جَعْدٌ، وهو خِلاف السَّبْط. قال الخليل: جَعُدَ يَجْعُد جُعُودةً، وجَعَّده صاحبُه تجعيداً. وأنشد:

قد تيَّمَتْنِي طفلةٌ أُملودُ *** بفاحمٍ زَيّنَهُ التَّجعيدُ([7])

ومما يُحمَل على هذا الباب قولهم نبات جَعْدٌ، ورجلٌ جَعْدُ الأصابع، كناية عن البُخْل. فأمّا قول ذي الرمة:

* واعتَمَّ بالزَّبَدِ الجَعْدِ الخراطيمُ([8]) *

فإنّه يريد الزَّبَد الذي يتراكم على خَطْم البَعير بعضُه فوقَ بعض. وهو صحيحٌ من التّشبيه. فأمّا قولهم للذئب "أبو جَعْدَة" فقيل كُنِّي بذلك لبُخْله وهذا أقرَبُ من قولهم إنّ الجَعْدة الرّخلة([9]) وبها كُنّي الذئب. والجَعْدة نبات، ولعلَّه نبَتَ جَعْداً.

(جعر) الجيم والعين والراء أصلان* متباينان: فالأوّل ذُو البَطْن، يقال رجل مِجْعَارٌ. وجَعَر الكَلْبُ جَعْراً يَجْعَرُ. والجاعرتان حيث يُكْوَى من الحمار من مؤخّره على كاذَتَيْ فخِذَيْه. وبنو الجَعْراء من بني العنبر، لقبٌ لهم. وقال دريد([10]):

ألا سائل هوازِنَ هل أتاها  *** بما فعلَتْ بِيَ الجَعْراءُ وَحْدِي

والثاني: الجِعَار الحَبْل الذي يَشُدُّ به المستقِي من البئر وَسَطَه، لئلاّ يقع في البِئْر. قال:

ليس الجِعارُ مانِعي من القَدَرْ *** ولو تَجَعَّرْتُ بمحبُوكٍ مُمَرّ([11])

(جعس) الجيم والعين والسين يدلُّ على خساسةٍ وحقارة ولُؤْم.

(جعش) الجيم والعين والشين قياسُ ما قَبْلَهُ.

(جعظ) الجيم والعين والظاء أصلٌ واحد يدلُّ على سوء خلُق وامتناعٍ [و] دفع. يقال رجل جَعْظٌ سَيِّئُ الخُلُق. وجَعظْتُه عن الشيء: دفعتُه، وكذلك أجعَظْته. قال:               * والجُفْرتين مَنَعوا إجْعَاظَا([12]) *

يقول: دفعوهم عنها([13]). فأمّا (الجيم والغين معجمة) فلا أصل لها في الكلام. والذي قاله ابن دريد في الجَغْب أنّه ذُو الشَّغَبِ([14])، فجنسٌ من الإبدال يولِّدهُ ابنُ دريد ويستعمِلُه.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان: "مرة واحدة". وفي مادة (جذى): "بمرة" فقط. وصدر الحديث: "مثل المؤمن كالخامة من الزرعة تفيئها الريح مرة هناك ومرة هنا". والمجذية: الثابتة المنتصبة. وفي الأصل: "المجدية" تحريف.

([2]) قبله في اللسان (جثث، بعل، جعل):

* أقسمت لا يذهب عني بعلها *

فالبعل: ما شرب بعروقه من غير سقي ولا ماء سماء. والجثيث: الفسيل.

([3]) لم يذكر في اللسان ولا في معجم البلدان. وفي القاموس (جعل): "وكهمزة موضع".

([4]) ديوان العجاج 61 واللسان (جعم). وقبله:* نوفي لهم كيل الإناء الأعظم *

([5]) الكلام في الجمهرة (2: 103).

([6]) في الجمهرة: "مثل كعمته سواء، إذا جعلت على فيه ما يمنعه من الأكل".

([7]) الشطران في اللسان (جعد).

([8]) كلمة "الجعد" ساقطة من الأصل. وإثباتها من الديوان 575 واللسان (جعد). وصدره: تنجو إذا جعلت تدمى أخشتها *** واعتم بالزبد الجعد الخراطيم

([9]) الرخلة، بالكسر، وبفتح فكسر: الأنثى من ولد الضأن.

([10]) في الأصل: "وقال ابن دريد". والبيت في الجمهرة (2: 78) برواية: "ألا أبلغ بني جشم بن بكر" ونسب البيت في تعليقات الجمهرة إلى دريد بن الصمة.

([11]) البيتان في اللسان والجمهرة.

([12]) وكذا أنشده في المجمل. وفي الجمهرة (2: 100) وديوان العجاج 81: "تركوا إجعاظاً". ورواية اللسان: "أجعظوا إجعاظاً".

([13]) في الأصل: "دفعوه عنها".

([14]) في الأصل: "الشعب" تحريف. ونص ابن دريد في الجمهرة: (1: 211): "والجغب من قولهم رجل شغب جغب. وجغب إتباع، لا يتكلم به على انفراد، كما قالوا عطشان نطشان". ولم يتعرض لهذا في المجمل، إذ قال: "الجغب الرجل الشغب".

 


ـ (باب الجيم والفاء وما يثلثهما في الثلاثي)

(جفل) الجيم والفاء واللام أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء، وقد يكون بعضُه مجتمعاً في ذَهاب أو فِرار. فالجفْل: السَّحاب الذي هَرَاقَ ماءَه. وذلك أنّه إذا هَرَاقه انجفَلَ([1]) ومَرّ. وريحٌ مُجْفِلٌ وجافِلَةٌ، أي سريعةُ المَرّ. والجُفال: ما نفاه السَّيلُ من غثائِه. ورُوي عن رؤبةَ الشّاعر أنّه كان يقرأ: {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَالاً([2])} [الرعد 17]. ويقال انجفَلَ الناسُ إذا ذَهَبوا. والجَفَلَى: أن تدعُوَ النّاسَ إلى طعامك عامّةً، وهي خلاف النَّقَرَى. قال طَرَفة:

نحنُ في المَشتاةِ ندعُو الجَفَلَى  *** لا تَرى الآدِبَ فينا يَنْتَقِرْ([3])

وظليمٌ إجْفِيلٌ: يَهْرُبُ من كلِّ شيء؛ وذلك أنّه يجمع نَفْسَه إذا هَرَب ويجفُِل وبه سُمِّي الجَبانُ إجْفِيلاً. ويقال لِلَّيل إذا وَلّى وأدبر انجفَلَ([4]).

قال الخليل: الجُفَالة من الناس الجماعةُ جاؤوا أو ذَهَبوا. ويقال أخذ جُفْلَةً من صُوفٍ، أي جُزَّة منه. والجُفَال: الشعر المجتمع الكثير. قال ذو الرمة:

* على المتْنَيْنِ مُنْسَدِلاً جُفَالا([5]) *

(جفن) الجيم والفاء والنون أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يُطِيفُ بشيءٍ ويَحْوِيه. فالجَفنُ جَفْنُ العين. والجَفْن جفن السَّيْف([6]).وجَفْن: مكان ([7]). وسمِّي الكَرْم جَفْناً لأنه يَدُورُ على ما يَعْلَق به. وذلك مُشاهَدٌ.

(جفو) الجيم والفاء والحرف المعتل يدلُّ على أصلٍ واحد: نبوّ الشيء عن الشيء. من ذلك جفَوْتُ الرّجُلَ أجْفُوه، وهو ظاهر الجِفْوة أي الجَفَاء. وجَفَا السَّرْجُ عن ظهر الفَرَس وأجفيته أنا. وكذلك كلُّ شيءٍ إذا لم يَلْزَم [شيئاً] يقال جَفَا عنه يَجفُو. قال أبو النَّجم يصف راعِياً:

صُلْبُ العصا جافٍ عن التغَزُّلِ *** كالصَّقرِ يَجْفُو عن طِرَادِ الدُّخَّلِ

يقول: لا يُحسِن مُغازَلة النساء، يجفُو عنهن كما يَجْفُو الصّقْر عن طراد الدُّخَّل، وهو ابن تَمْرة. والجَفاء: خلاف البِرّ([8]). والجُفَاء: ما نفاه السَّيل، ومنه اشتقاق الجَفَاء.

وقد اطّرد هذا الباب حتى في المهموز، فإنه يقال جَفأتُ الرجلَ إذا صرَعْتَه فضربتَ به الأرض. واجتفَأْتُ البقْلَةَ إذا أنت اقتلعتها من الأرض. وأجْفَأَتِ القِدْرُ بزَبَدها إذا ألْقَتْه، إجْفاءً. ومنه قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما لم تصطبِحُوا أو تغتبِقُوا أو تجْتَفِئوا بها بَقْلاً"، في رواية من يرويها بالجيم.

ومن هذا الباب تجَفَّأَت البلادُ، إذا ذَهب خَيْرُها. وأنشد:

*ولما رأت أنَّ البلادَ تجفَّأَتْ *** تشكّتْ إلينا عَيْشَها أمُّ حَنْبَلِ([9])

أي أُكِل بَقْلُها.

(جفر) الجيم والفاء والراء أصلان: أحَدهما نعت شيءٍ أجوف، والثاني تَرْك الشيء.

فالأوّل الجَفْر: البئر التي لم تُطْوَ. ومما حمل عليه الجَفْر من وَلَد الشاة ما جَفَرَ جَنْبَاهُ إذا اتَّسعا، ويكون الجَفرَ حتى يُجذِع([10]). وغُلامٌ جَفْرٌ من هذا. والجَفِيرُ كالكِنانَة، إلا أنه أوسع منها، يكون فيه نُشّابٌ كثير. وفرسٌ مُجْفَر، إذا كان عظيم الجُفْرَة، وهي وسطه.

وأما الأصل الثاني فقولهم أجْفَرْت الشيء قطعتُه، وأجْفَرَني مَن كان يزُورُني.

وأجْفَرْتُ الشيءَ الذي كنت أستعمله، أي تركته. ومن ذلك جَفَرَ الفحلُ عن الضِّراب، إذا امتنع وترك. وقال:

وقد لاحَ للساري سُهَيْلٌ كأنّه *** قَريعُ هِجانٍ يَتْبَعُ الشَّوْلَ جافِرُ([11])

(جفز) الجيم والفاء والزاء لا يصلح أن يكون كلاماً إلا كالذي يأتي به ابنُ دريد، من أنّ الجَفْزَ السرعة([12]). وما أدري ما أقول. وكذلك قوله في الجِفْس وأنّه لغة في الجِبْس([13]). وكذلك الجَفْس وهو الجمع([14]).

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الجفل".

([2]) من الآية 17 في سورة الرعد. وقراءة رؤبة هذه من القراءات الشاذة؛ نبه عليها ابن خالويه في كتابه 66، قال:" فيذهب جفالاً باللام رؤبة بن العجاج. قال أبو حاتم: ولا يقرأ بقراءته لأنه كان يأكل الفأر". وانظر لأكل رؤبة الجرذان، ما في الحيوان (4: 44/ 5: 253/ 6: 385).

([3]) ديوان طرفة 68 والمجمل واللسان.

([4]) في الأصل: "الجفل".

([5]) صدره كما في ديوانه 435 واللسان (جفل) .

* وأسحم كالأساود مسبكرا *

وفي اللسان: "وأسود" بدل "وأسحم".

([6]) في الأصل: "الشيء"، تحريف.

([7]) أنشد ياقوت لمحمد بن عبد الله النميري:

طربت وهاجتك المنازل من جفن *** ألا ربما يعتادك الشوق بالحزن

([8]) في الأصل: "الشر"، صوابه في المجمل واللسان.

([9]) البيت في المجمل.

([10]) أجذع: صار جذعاً، وهو الذي أتى عليه الحول. وفي الأصل: "يخدع" محرف.

([11]) البيت لذي الرمة في ديوانه 243 وفي اللسان (جفر): "وقد عارض الشعرى سهيل".

([12]) نص الجمهرة (2: 90): "والجفز السرعة في المشي لغة يمانية لا أدري ما صحتها".

([13]) في الجمهرة (2: 93): "الجفس لغة في الجبس، وهو الضعيف الفدم".

([14]) نص الجمهرة (2: 96): جفشت الشيء أجفشه جفشا، إذا جمعته. لغة يمانية".

 


ـ (باب الجيم واللام وما يثلثهما)

(جلم) الجيم واللام والميم أصلان: أحدهما القَطْع، والآخر جمْع الشيء.

فالأوّل جلَمْتُ السَّنَام قطعتُه. والجَلَم معروفٌ، وبه يُقطَع أو يجَزُّ.

والآخر قولهم: أخذت الشيء بجَلَمَتِه أي كلّه. وجَلمةُ الشاة([1]) مسلوخَتُها إذا ذهبَتْ منها أكارِعُها وفُصُولها. ويقال إنّ الجِلام الجِدَاءُ في قول الأعشى:

سَوَاهِمُ جُِذْعانُها كالجِلاَ *** مِ قَدْ أقْرَحَ القَوْدُ منها النُّسُورَا([2])

وهذا لعلّه يصلح في الثاني، أو يكونُ شاذّاً.

(جله) الجيم واللام والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انكشافِ الشيء. فالجَلَه انحسارُ الشَّعَْر عن جانِبَي الرَّأس. قال رؤبة:

لمّا رأتني خَلَقَ المُمَوَّهِ *** بَرَّاقَ أصْلادِ الجبينِ الأَجْلَهِ([3])

وجَلْهتا الوادِي: ناحيتاه، إذا كانت فيهما صلابةٌ. وذلك مشتقّ من قولهم جَلَهتُ الحَصَى عن المكان، إذا نَحَّيْتَه.

(جلو) الجيم واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد، وقياسٌ مطّرد، وهو انكشاف الشيء وبروزُه. يقال جَلَوْتُ العروسَ جَلْوَةً وجَلاَءً([4])، وجَلَوْت السيف جَلاءً. وقال الكسائيّ: السماء جَلْواءُ أي مُصْحِية. ويقال تجلَّى الشيءُ، إذا انكشَفَ. ورُجلٌ أُجْلَى، إذا ذهب شَعَْر مقدّم رأسِه، وهو الجَلا. قال:

* مِنَ الجَلاَ ولائح القَتِيرِ([5]) *

ومن الباب: جَلاَ القومُ عن منازلهم جَلاءً، وأجْليْتُهمْ أنا إجْلاءً. ويقولون: هو ابن جلاَ، إذا كان لا يَخْفَى أمرُهُ لشُهرته. قال:

أنا ابنُ جَلاَ وطَلاّعُ الثَّنَايا  *** متى أضعِ العمامةَ تَعْرِفُوني([6])

ويقال جلاَ القَومُ وأجْليْتُهم أنا، وجلَوْتُهم. قال أبو ذؤيب:

فلما جَلاها بالأُيَامِ تحيَّزَتْ *** ثُبَاتٍ عليها ذُلُّها واكتئابُها([7])

(جلب) الجيم واللام والباء [أصلان]: أحدهما الإتيان بالشيء من موضعٍ إلى موضع، والآخر شيءٌ يغَشّي شيئاً.

فالأوّل قولهم جَلَبْت الشيءَ جلبا. قال:

أُتيح لـه من أرضِهِ وسمائه  *** وقد تَجلُِبُ الشيءَ البعيدَ الجوالِبُ([8])

والجَلَب الذي نُهي عنه في الحديث: أن يَقْعُد السَّاعِي عن إتيان أرباب الأموال في مياههم لأخذ الصدقات، لكن يأمرُهم بجلب نَعَمهم، فيأخذ الصدقاتِ حينئذ. ويقال بل ذلك في المسابقة، أن يهيِّئ الرجل رجلاً يُجَلِّبُ على فرسه عند الجري فيكون أسرعَ لمن يُجَلَّبُ عليه([9]).

والأصل الثاني: الجُلْبة، جلدةٌ تُجعل على القَتَب. والجُلْبة القِشْرة على الجرْح إذا بَرَأَ. يقال جلَبَ الجُرْحُ وأجْلَبَ. وجُِلْبُ الرَّحْلِ عيدانُهُ([10])؛ فكأنه سمّي بذلك على القُرْب. والجُِلْب: سَحابٌ* يعترضُ رقيقٌ، وليس فيه ماءٌ([11]).

قال أبو عَمرو: الجُلبَة([12]) السحاب الذي كأنه جبل، وكذلك الجُِلْب. وأنشد:

ولستُ بجِلْب جِلْبِ ريحٍ وقِرَّةٍ *** ولا بصَفاً صَلْدٍ عن الخيرِ مَعْزِلِ([13])

ومن هذا اشتقاق الجِلباب، وهو القميص، والجمع جلابيب. وأنشد:

تمشي النُّسورُ إليه وهي لاهية *** مَشْيَ العذَارَى عليهن الجلاليبُ([14])

يقول: النسور في خلاءٍ ليس فيه شيءٌ يَذْعَرُها، فهي آمنةٌ لا تَعْجَل.

(جلج) الجيم واللام والجيم ليس أصلاً؛ لأنّ فيه كلمتين. قال ابن دريد: الجَلَج شبيه بالقَلَق ([15]). فإنْ كان صحيحاً فالجيم مبدلةٌ من القاف. والكلمة الأخرى الجَلَجَة الرأس؛ يقال على كلِّ جَلَجةٍ في القِسْمة كذا. وهذا ليس بشيءٍ، ولعله بعض ما يعرَّب من لغةٍ غير عربيّة.

(جلح) الجيم واللام والحاء أصلٌ واحد، وهو التجرُّد وانكشافُ الشيء عن الشيء. فالجَلَح ذهابُ شَعَْر مقدّم الرأس، ورجلٌ أجْلَح. والسّنُونَ المجاليحُ اللواتي تَذْهَب بالمال. والسيل الجُلاح: الشَّديدُ يجرِف كلَّ شيء، يذهبُ به. ويقال جَلَحَ المالُ الشّجَرَ يجْلَحُه جَلْحاً إذا أكَلَ أعلاه، فهو مجلوح. والأجلح من الهوادج الذي لا قُبَّة له. فهذا هو القياس المطرد.

وممّا يُحمَل عليه قولهم فلان مُجَلِّح، إذا صمَّم ومَضَى في الأمر مثل تجليح الذِّئب، وهذا لا يكون إلاّ بكشف قِناع الحياء. ومنه التجليح في السَّير، وهو الشديد؛ وذلك أنّه تجرُّدٌ له ([16]) وانكماشٌ فيه. وفيه النَّخْلة المِجْلاح التي لا تبالي القَحْط. والنَّاقةُ المجلاح التي تَدُِرّ في الشّتاء. وهو من الباب، كأنها صلبةٌ، صلبةُ الوجه، لا تبالي الشدّة.

(جلخ) الجيم واللام والخاء ليس أصلاً، ولا فيه عربيّةٌ صحيحة([17]). فإن كان شيءٌ فالخاء مبدلةٌ من حاءٍ. وقد مضى ذكره.

(جلد) الجيم واللام والدال أصلٌ واحد وهو يدلُّ على قوّةٍ وصلابة. فالجِلْدُ معروفٌ، وهو أقوى وأصلَبُ ممّا تحته من اللحم. والجَلَد صلابة الجِلد. والأجلاد: الجسم؛ يقال لجِسم الرّجُل أجلادُهُ وتجاليده. والمِجْلَد: جِلدٌ يكون مع النّادبة تضرِب [به] وجْهَها عند المناحة. قال:

خرجْنَ جريراتٍ وأبدَيْنَ مِجْلَداً *** وجالَتْ عليهن المكتَّبةُ الصُّفْرُ([18])

والجَلَدُ فيه قولان: أحدهما أن يُسلخ جِلدُ البعير وغيرُه فيُلْبَسُهُ غَيرَه من الدّوابّ. قال:

* كأنَّه في جَلَدٍ مُرَفَّلِ([19]) *

والقول الثاني أن يُحشَى جِلد الحُِوار ثُماماً أو غيرَه، وتُعطَفَ عليه أمُّه فتَرأمَه. وقال العجّاج:

وقد أُراني للغَواني مِصْيَدا *** مُلاوَةً كأنَّ فَوقِي جَلَدَا([20])

يقول: إنَّهنّ يرأمْنَني ويعطِفْن عليَّ كما تَرأمُ الناقة الجَلَد.

وكان ابنُ الأعرابيّ يقول: الجِلْد والجَلَد واحد، كما يقال شِبْه وشَبَه. وقال ابن السكيت: ليس هذا معروفاً. ويقال جَلَّدَ الرّجُلُ جزوره إذا نَزَع عنها جِلدَها. لا يقال سَلَخَ جَزوره. ويقال فرس مجلَّد إذا كان لا يجزع من ضرب السَّوط. ويقال ناقةٌ ذات مجلودٍ إذا كانت قويّةً. قال:

مِن اللَّواتي إذا لانَتْ عريكتُها *** يبقى لها بعدها آلٌ ومَجْلُودُ([21])

ويقال إنّ الجَلَد من البُعْران([22]) الكبار لا صِـغارَ فيها. والجَلَد: الأرض الغليظة الصلبة. والجِلاد من الإبل تكون أقلَّ لبَناً من الخُور([23])، الواحدة جلدة.

(جلذ) الجيم واللام والذال يدلّ على ما يدلّ عليه ما قبله من القوّة. فالجِلْذَاءَةُ: الأرض الغليظة الصُّلبة. والجُلْذِيّة: الناقة القويّة السريعة. والجُلْذِيُّ: السَّير القويّ السريع. قال:

* لتَقْرُبِنَّ قَرَباً جُلْذيَّا([24]) *

وأمّا قول ابنِ مقْبِل:

ضرب النّواقيس فيه ما يفَرِّطه *** أيدِي الجَلاذِي وجُون ما يُعفِّينا([25])

فإنه يذكر نصارى. والجَلاذِيّ قومه وخُدّامه. قال ابنُ الأعرابي: إنما سُمِّي جُلْذِيّاً لأنّه حَلَقَ *وسط رأسِه، فشبّه ذلك الموضعُ بالحجر الأملس، وهو الجُلْذِي.

قال ابن الأعرابيّ: ولم نزل نظُن أن الجُونَ الحمامُ في هذا البيت، ما يعفّين من الهدير، حتى حُدِّثْت عن بعض ولدِ ابن مُقبْل أنّ الجُون القناديل، سمِّيت بذلك لبياضِها. ما يعفِّين: ما يَنْطَفِين. وما يفرِّط هؤلاء الخُدّام في قرع النَّوَاقيس. ويقال اجلوَّذَ، إذ أسْرَع.

(جلس) الجيم واللام والسين كلمةٌ واحدة وأصل واحد، وهو الارتفاع في الشيء، يقال جَلَسَ الرجُل جُلوساً، وذلك يكون عن نَومٍ واضطجاع؛ وإذا كان قائماً كانت الحال التي تخالفها القُعود. يقال قام وقعد، وأخذه المُقِيمُ والمُقْعد. والجِلْسة: الحال التي يكون عليها الجالس، يقال جلس جِلْسةً حسنة. والجَلْسة المرّة الواحدة. ويقال جَلَس الرّجُل إذا أتَى نَجْداً؛ وهو قياس الباب، لأنّ نَجْداً خلاف الغور، وفيه ارتفاع. ويقال لنَجْدٍ: الجَلْس. ومنه الحديث: "أنّه أعطاهم مَعَادِنَ القَبَلِيَّة غَوْريَّها وجَلْسيَّها([26])". وقال الهذلي([27]):

إذا ما جَلَسْنَا لا تزال تَنُوبنا *** سُلَيمٌ لدى أبياتنا وهَوازِنُ([28])

وقال آخر:

* وعن يمين الجالس المُنجِدِ([29]) *

وقال ([30]):

قُلْ للفرزْدَق والسَّفَاهةُ كاسْمِها *** إن كنتَ كارِهَ ما أمَرْتُكَ فاجْلِسِ([31])

يريد ائت نجداً. قال أبو حاتم: قالت أمّ الهيثم: جَلَستِ الرّخَمة إذا جَثَمَتْ. والجلْس: الغلَظ من الأرض. ومن ذلك قولهم ناقةٌ جَلْس أي صُلبة شديدة. فهذا البابُ مطّردٌ كما تراه. فأمّا قول الأعشى:

لنا جُلَّسَانٌ عندها وَبَنَفْسَجً *** وَسِيسَنْبَرٌ والمَرْزَجُوشُ مُنَمْنَما([32])

فيقال إنّه فارسيّ، وهو جُلْشَان([33])، نِثارُ الوَرْد.

(جلط) الجيم واللام والطاء أصلٌ على قِلّته مطّرد القياس، وهو تجرُّد الشّيء. يقال جلَطَ رأسه إذا حَلَقه، وجَلَط سَيفَه إذا سَلَّه.

(جلع) الجيم واللام والعين أصلٌ واحد، وهو قريبٌ من الذي قبله. يقال للمرأة القليلة الحياء جلِعَة، كأنها كشفَتْ قِناع الحياء. ويقال جَلِعَ فَمُ فلانٍ، إذا تقلَّصَتْ شفتُه وظهرتْ أسنانهُ.

قال الخليل: المُجالَعة: تنازُعُ القومِ عند شُرْبٍ أو قسمةٍ. قال:

* ولا فاحش عند الشَّرابِ مجالع([34]) *

(جلف) الجيم واللام والفاء أصلٌ واحدٌ يدلّ على القطع وعلى القَشْر. يقال جلَفَ الشّيءَ جَلْفاً، إذا استأصله؛ وهو أشدُّ من الجَرْف. ورجل مُجَلَّف جلَّفه الدّهرُ أتى على ماله. وهو قول الفرزدق:

وعَضُّ زمانٍ يابنَ مَرْوانَ لم يَدَعْ *** مِن المال إلاَّ مُسْحَتاً أوْ مُجَلَّفُ([35])

والجِلْفَة: القِطعة من الشيء. والجِلْف المسلوخة بلا رأسٍ ولا قوائم- ولذلك يقولون هو جِلْفٌ جَافٍ- وسمِّي بذلك لأنَّ أطرافه مقطوعة.

(جلق) الجيم واللام والقاف ليس أصلاً ولا فَرعاً. وجِلَّق: بلد، وليس عربياً. قال:

لِلهِ دَرُّ عِصابةٍ نادمتُهم *** يوماً بِجِلَّقَ في الزَّمانِ الأوّلِ([36])

ـــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الشيء"، صوابه في اللسان والمجمل.

([2]) في الأصل: "النور"، صوابه في ديوان الأعشى واللسان (جلم، نسر).

([3]) ديوان رؤبة 165 واللسان (صلد، جله، موه).

([4]) ضبطت في الأصل بفتح الجيم. ونص في القاموس أنها ككتاب، وبذلك ضبطت في اللسان ضبط قلم.

([5]) البيت في اللسان (جلا 185) برواية "مع الجلا" وهي الصواب. وهو من أرجوزة للعجاج في ديوانه 26 وأراجيز العرب 85. وقبل البيت:

* وهل يرد ما خلا تخبيري *

([6]) البيت لسحيم بن وثيل الرياحي، من قصيدة في الأصمعيات 73. وانظر الخزانة (1: 123) واللسان (جلا). وقد سبق في مادة (بنو) ص303. وقد نسبه في المجمل إلى القلاخ بن حزن.

([7]) في الأصل: "فلما جلوها" تحريف، صوابه في المجمل واللسان (جلا)، كما سبق إنشاده على الصواب الذي أثبت في مادة (أيم 166). وروي في الديوان 79: "فلما اجتلاها"، وقد نبه على هذه الرواية صاحب اللسان.

([8]) وكذا أنشده في المجمل بدون نسبة، ولم يروه في اللسان.

([9]) التجليب: أن يصيح به من خلفه ويستحثه للسبق.

([10]) بضم الجيم وكسرها. وفي المجمل: "وجلب الرحل عيدانه ضماً وكسراً".

([11]) في الأصل: "أو ليس فيه ماء"، صوابه من المجمل واللسان.

([12]) وكذا ورد في المجمل بهذا الضبط. وفي القاموس: "والجلبة بالضم القشرة تعلو الجرح عند البرء. والقطعة من الغيم".

([13]) البيت لتأبط شراً في اللسان (جلب).

([14]) البيت لجنوب أخت عمرو ذي الكلب ترثيه. انظر الحيوان (2: 185/ 6: 329).

([15]) نص الجمهرة (3: 188): "والجلج شبيه بالقلق زعموا".

([16]) في الأصل: "يتجرد له".

([17]) كذا. يريد كلمة عربية صحيحة.

([18]) البيت للفرزدق في ديوانه 217 واللسان (جرر) .

([19]) للعجاج يصف أسداً. انظر ديوانه 48 واللسان ( جلد). وقبله:

* وكل رئبال خضيب الكلكل *

([20]) ديوان العجاج 15 واللسان (جلد).

([21]) البيت في اللسان (جلد). وقد سبق في مادة (أول) ص161.

([22]) في الأصل: "من البعير".

([23]) في الأصل: "حور" تحريف. والخور: جمع خوارة غير قياس، وهي الغزيرة اللين.

([24]) البيت لابن ميادة. اللسان (جلد) والخزانة (4: 59). وأنشده في (هيا) بدون نسبة.

([25]) البيت في اللسان (جلذ).

([26]) وكذا النص في المجمل. لكن في معجم البلدان (رسم القبيلة): "هذا ما أعطى محمد رسول الله بلال بن الحارث، أعطاه معادن القبلية غوريها وجلسيها". وانظر الإصابة 730.

([27]) هو المعطل الهذلي. وقصيدة البيت التالي في مخطوطة الشنقيطي من الهذليين 108.

([28])في الأصل: "لدى أبياتها" صوابه من مخطوطة الشنقيطي للهذليين.

([29]) صدره كما في اللسان (جلس) ومعجم البلدان (الجلس):

* شمال من غار به مفرعا *

([30]) في الأصل: "وقال أخي" وكلمة "أخي" مقحمة. وفي المجمل "وقال" فقط.

([31]) نسب البيت في اللسان إلى عبد الله بن الزبير، أو مروان بن الحكم، وبهذه النسبة الأخيرة جاء في معجم البلدان.

([32]) ديوان الأعشى 200 واللسن (جلس). ورواية الديوان: "لنا جلسان عندها".

([33]) انظر معجم استينجاس 1094 والمعرب للجواليقي 105.

([34]) أنشد هذا الشطر في اللسان (جلع)، مع ضبط الروي بالكسر.

([35]) البيت من قصيدته المشهورة التي مطلعها:

عزفت بأعشاش وما كدت تعزف *** وأنكرت من حدراء ما كنت تعرف

وفي الديوان 556: "أو مجرف" بالراء، ويبدو أنها صواب الرواية، لأن "مجلف" قد وردت في القصيدة قافية لبيت آخر، هو:

وحتى مشى الحادي البطيء يسوقها *** لها نحص دام ودأي مجلف

وللنحويين كلام في هذا البيت. انظر الخزانة (2: 347) والإنصاف 121 ونزهة الألباء 14 والشعراء لابن قتيبة 299 طبع ليدن وشرح المفضليات للأنباري 395.

([36]) البيت لحسان في ديوانه 308 واللسان (جلق) والمعرب للجواليقي 101.

ـ (باب الجيم والميم وما يثلثهما)

(جمن) الجيم والميم والنون ليس فيه غير الجُمان، وهو الدرُّ. قال المسيّب([1]):

كجُمانةِ البَحْرِيّ جَاءَ بِها *** غَوّاصُها مِن لُجَّةِ البَحْرِ

(جمي) الجيم والميم والحرف المعتل كلمةٌ واحدة، وهو الجمَاءُ، وهو الشَّخص. وربّما ضُمّت الجيم. قال:

* وقُرْصَةٍ مثلِ جَُمَاء التُّرْسِ([2]) *

(جمح) الجيم والميم والحاء أصلٌ واحد مطَّرد، وهو ذَهاب الشّيء قُدُماً بغَلَبةٍ وقُوَّة. يقال جَمَح الدّابةُ جِماحاً إذا اعتَزَّ فارسَه حتَّى يغلِبَه. وفرس جَموح. قال:

سَبُوحٌ جَمُوحٌ وإحضارُها *** كمعمعة السَّعَف المُوقدِ([3])

وجَمَحَ الصَّبيُّ الكعبَ بالكعبِ، إذا رماه حتَّى يُزيلَه عن مكانه. وفي هذه نظر، لأنها تقال بغير هذا اللفظ، وقد ذكرت([4]). والجُمَّاحُ: سَهم يُجْعَلُ على رأسه طِينٌ كالبُنْدُقة يَرْمي به الصّبيان. قال:

هلْ*  يُبْلِغَنِّيهِمْ إلى الصّباحْ *** هِقْلٌ كأنَّ رَأْسَه جُمَّاحْ([5])

قال بعض أهل اللغة : الجَمُوح الرَّاكبُ هواه. فأمّا قوله تعالى: {لَوَلَّوْا إلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ} [التوبة 57]، فإنّه أراد يَسْعَون. وهو ذاك. وقال:

خلعْتُ عِذارِي جامحاً ما يَرُدُّني  *** عن البيض أمثَالِ الدُّمَى زَجْرُ زاجرِ([6])

وجَمَحَتِ المرأةُ إلى أهلها: ذهبَتْ من غير إذْن.

(جمخ) الجيم والميم والخاء كلمة واحدة لعلّها في باب الإبدال. يقولون جامَخْت الرجل فاخَرْتُه. وإنما قلنا إنّها من باب الإبدال لأنَّ الميم يجوز أن يكون منقلبةً عن فاء، وهو الجَفْخُ والجخف بمعنىً.

(جمد) الجيم والميم والدال أصلٌ واحد، وهو جُمُود الشيء المائع من بردٍ أو غيره. يقال: جمَدَ الماء يجْمُد. وسنَةٌ جَمادٌ قليلة المطر. وهذا محمولٌ على الأوَّل، كأنَّ مطرها جَمَدَ. وكان الشّيباني يقول: الجماد الأرض لم تمْطرْ. ويقول العرب للبخيل: "جَمادِ له"، أي لا زال جامدَ الحال، وهو خلاف حَمَادِ. قال المتلمّس:

جَمَادِ لها جَمَادِ ولا تقولي *** لها أبداً إذا ذُكِرتْ حَمَادِ([7])

(جمر) الجيم والميم والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التجمُّع. فالجمر جمر النّار معروف، الواحد جمرة. والجمّارُ جمّار النخل وجَامُورُهُ أيضاً، وهي شَحْمَةُ النَّخْلة. ويقال جَمَّرَ فلانٌ جيشَه إذا حَبَسَهم في الغَزْوِ ولم يُقْفلْهُمْ([8]) إلى بلادهم. وحَافِرٌ مُجْمَرٌ وقَاحٌ صُلْبٌ مجتمع. والجَمَرات الثلاثُ اللّوَاتي بمكّة يُرْمَيْنَ من ذلك أيضاً، لتَجَمُّعِ ما هناك من الحصى.

وأمّا جمرت العرب فقال قوم: إذا كان في القَبيل ثلاثمائة فارسٍ فهي جَمْرَةٌ. وقال قوم: كلُّ قبيلٍ انضمُّوا وحاربوا غيرَهُم ولم يُحالفوا سواهم فهُمْ جمْرة.

وكان أبو عبيدٍ يقول: جَمَراتُ العرب ثلاث: بنو ضَبَّة بن أُدّ، وبنو نُمير ابن عامر، وبنو الحارث بن كعب، فطَفِئَتْ منهم جمرتان، وبقيت واحدة، طَفِئَت ضبّة لأنها حَالفت الرِّباب، وطَفِئَتْ بنو الحارث لأنّها حالفت مَذْحِجاً، وبقيت نُميرٌ لم تَطْفَأ، لأنّها لم تُحَالِفْ.

ويقال: جَمّرَتِ المرأةُ شَعَْرها، إذا جمَعَتْهُ وعَقَدَتْهُ في قفائها([9]). وهذا جميرُ القوم أي مجتَمِعُهم. وقد أجْمَرَ القوم على الأمر اجتَمَعُوا. وابنُ جَميرٍ: اللّيلُ المظلم.

(جمز) الجيم والميم والزاء أصلٌ واحد، وهو ضَرْبٌ من السَّير. يقال: جَمَزَ البَعيرُ جَمْزاً([10]) وهو أشَدُّ من العَنَق. وسُمِّيَ بَعير النَّجَاشيِّ ([11]) جمّازاً، لسُرْعة سَيره. قال:

أنا النَّجاشيُّ على جَمَّازِ  *** حَادَ ابنُ حَسّانٍَ عن ارتجازِي([12])

وحِمَارٌ جَمَزَى أي سريع. قال:

كأنّي وَرَحْلِي إذا رُعْتُها *** على جَمَزَى جازئٍ بالرِّمالِ([13])

وشذّت عن هذا القياس كلمةٌ. يقال الجُمْزَة الكتْلةُ من التَّمْر([14]).

(جمس) الجيم والميم والسّين أصلٌ واحد، من جُمُوس الشَّيء. يقال: جَمَس الوَدَك إذا جَمَدَ. والجَمْسَة البُسْرَة إذا أرْطَبَتْ وهي بعد صُلْبَة.

(جمش) الجيم والميم والشين أصلٌ واحد، وهو جِنْسٌ من الحَلْق. يقال: جَمَشْت الشَّعر إذا حلقْتَه. وشَعَْرٌ جميشٌ. وفي الحديث: "إنْ رَأَيتَ شاةً بخَبْتِ الجَمِيش"، فالخَبْت المفازة، والجَمِيش الذي لا نَبْتَ به. وسنَةٌ جَمُوشٌ إذا احْتَلَقَت النَّبْت. قال رُؤبة:

* أوْ كاحتلاقِ النُّورَةِ الجميشِ([15]) *

ومما شذَّ عن الباب الجَمْش الحَلْبُ بأطراف الأصابع. والجَمْش: الصَّوْت.

(جمع) الجيم والميم والعين أصلٌ واحد، يدلُّ على تَضَامِّ الشَّيء. يقال جَمَعْتُ الشيءَ جَمْعاً. والجُمَّاع الأُشابَةُ من قبائلَ شتَّى. وقال أبو قيس([16]):

ثم تجلّت ولنا غاية  *** من بين جمعٍ غَير جُمَّاعِ([17])

ويقال للمرأة إذا ماتت وفي بطنها وَلَدٌ: ماتت بِجُمْع. ويقال هي أنْ تموت المرأة ولم يمسسها رجُلٌ. ومنه قول الدّهناء([18]) * "إنِّي منه بِجُمْعٍ".

والجامع: الأتانُ أوّل ما تَحمِل. وقدرٌ جِماعٌ وجامعة، وهي العظيمة. والجَمْع: كلُّ لونٍ من النّخل لا يُعرف اسمُه، يقال ما أكثر الجَمْعَ في أرضِ بني فلانٍ لنَخْلٍ خرجَ من النّوى. ويقال ضربته بِجُمْعِ كَفِّي وجِمْعُ كَفّي([19]). وتقول: نهبٌ مُجْمَع. قال أبو ذُؤَيب:

وكَأَنَّها بالجِزْعِ جِزْعِ نُبَايِعٍ *** وأولاتِ ذِي الخَرْجاءِ نهْبٌ مُجْمَعُ([20])

وتقول استَجْمَعَ الفَرسُ جَرْياً. وجَمْع: مكّة([21])، سمِّي لاجتماع النَّاسِ به وكذلك يوم [الجمعة([22])] . وأجمعت على الأمر إجماعاً وأجمعته. قال الحارث ابن حِلِّزَة:

أجمَعُوا أمرهُمْ بليلٍ فلمَّا *** أصبَحُوا أصبحَتْ لهمْ ضَوضاءُ([23])

ويقال فَلاَةٌ مُجْمِعَة([24]): يجتمع الناس فيها ولا يتفرَّقون خَوْفَ الضَّلال. والجوامع: الأغلال. والجَمْعاء من البهائم وغيرها: التي لم يذهَبْ من بدنها شَيء.

(جمل) الجيم والميم واللام أصلان: أحدهما تجمُّع وعِظَم الخَلْق، والآخر حُسْنٌ.

فالأوّل قولك أجْمَلْتُ الشّيءَ، وهذه جُمْلة الشّيء. وأجمَلْتُه حصّلته. وقال الله تعالى: {وقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلاَ نُزِّلَ عَلَيْهِ القُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً([25]) [الفرقان 32].

ويجوز أنْ يكون الجَمَل من هذا؛ لعِظَم خَلْقه. والجُمَّل: حَبْل غَليظ، وهو من هذا أيضاً. ويقال أجْمَلَ القومُ كثُرت جمالُهم. والجُمَاليّ: الرّجُل العظيم الخَلْق، كأنه شُبِّه بالجمل؛ وكذلك ناقةٌ جُمَالِيَّة. قال الفراء: (جِمَالاَتٌ) جمع جَمَل. والجِمَالات: ما جمع من الحِبال والقُلُوس([26]).

والأصل الآخر الجَمَال، وهو ضدُّ القبح. ورجلٌ جميل وجُمال([27]). قال ابن قتيبة: أصله من الجَمِيل وهو وَدَك الشَّحمِ المُذابِ. يراد أنَّ ماءَ السِّمَنِ يجري في وجهه. ويقال جَمَالَكَ أن تفَعَلَ كذا، أي اجْمُل ولا تَفْعَلْه. قال أبو ذؤيب:

جَمَالَكَ أيُّها القلبُ الجريحُ *** ستَلْقَى مَنْ تُحبُّ فتستريحُ([28])

وقالت امرأةٌ لابنتها: "لا تَجَمَّلِي وتَعَفَّفِي" أي كُلِي الجميلَ -وهو الذي ذكرناه من الشَّحم المذاب- واشربي العُفَافَة، وهي البقية من اللبن.

ــــــــــــــــــــــ

([1]) قصيدة البيت التالي مختلف في نسبتها إلى المسيب بن علس، وإلى الأعشى. وهي في ديوان الأعشى (نسخة رامبور بالهند) كما نبه العلامة الميمني في حواشي الخزانة (3: 216 سلفية). وقد وردت في نسخة (جابر) منسوبة إلى المسيب مخرومة مبتورة. وقد علل البغدادي هذا الخلاف بما نقله: "كان الأعشى راوية المسيب بن علس والمسيب خاله. وكان يطرد شعره ويأخذ منه".

([2]) قبله، كما في اللسان (جمى): * يا أم سلمى عجلي بخرس *

([3]) نسب إلى امرئ القيس في اللسان (جمح) برواية "جموحاً مروحا".

([4])أي يقال "جبح" بالباء بدل الميم. ولم ترد هذه المادة في المقاييس، وقد ذكرت في المجمل.

([5]) نسب إلى راجز من الجن في اللسان (جمح).

([6]) البيت في المجمل واللسان (جمح).

([7]) ديوان المتلمس 7 مخطوطة الشنقيطي واللسان (جمد). وفي اللسان: "ولا تقولن". ونبه على رواية أخرى، وهي:

حماد لها حماد ولا تقولي *** طوال الدهر ما ذكرت جماد

([8]) يقفلهم: يرجعهم. وفي الأصل: "يقلفهم"، تحريف.

([9]) الفقاء، بالمد : لغة في القفا. قالوا: ولذلك جمع على أقفية.

([10]) ويقال جمزى، أيضاً بالتحريك والقصر.

([11]) هو النجاشي الشاعر، كان معاصرا لحسان بن ثابت وكان يهجو الأنصار، فانبرى له حسان وابنه عبد الرحمن يهاجيانه. انظر الخزانة (2: 106-107).

([12]) البيتان في اللسان (جمز).

([13]) البيت لأمية بن أبي عائذ الهذلي كما في شرح السكري لأشعار الهذليين 184 ومخطوطة الشنقيطي 80 واللسان (جمز). ويروى: "إذا زعتها" بالزاي.

([14]) من التمر والأقط ونحو ذلك، والجمع جمز كغرف.

([15]) وكذا موضعه من الاستشهاد في المجمل واللسان، دون أن يسبق ذكره للنورة، وقبل ذلك بكلام طويل في اللسان: "ونورة جموش وجميش". وحق الاستشهاد أن يكون بعد هذا الكلام الذي فيه ذكر النورة. لكن هذا جاء. والبيت أيضاً في ديوان رؤبة 78.

([16]) هو أبو قيس بن الأسلت. وقصيدته في المفضليات (2: 83-86).

([17]) في اللسان: "حتى انتهينا"، وفي المفضليات: "حتى تجلت".

([18]) هي الدهناء بنت مسحل، امرأة العجاج. قالت للعامل: "أصلح الله الأمير، إني منه بجمع" أي عذراء. "وجمع" في المعنيين تقال بضم الجيم وكسرها.

([19]) بضم الجيم وكسرها.

([20]) من قصيدته العينية في أول ديوانه والمفضليات (2: 221). وفيهما وفي اللسان: "بالجزع بين نبايع وأولات ذي العرجاء". والخرجاء كذلك: موضع.

([21]) تصح على قراءتها بالإضافة؛ وإلا فإن جمعاً اسم للمزدلفة، ولم يذكر أحد أن جمعا هو مكة. وإنما أضافه إليها لتقارب هذه المواضع. وهكذا وردت العبارة في المقاييس والمجمل. وسائر المعاجم وكتب البلدان تنص أن جمعاً هو المزدلفة.

([22]) التكملة من المجمل.

([23]) من معلقته المعروفة.

([24]) في الأصل: "فلانة مجتمعة"، صوابه من المجمل واللسان.

([25]) من الآية 32 في سورة الفرقان. ووقعت الآية محرفة في الأصل إذا جاء أولها: "وقالوا لولا"، وجاء في اللسان (جمل 135): "لولا أنزل"، تحريف أيضاً:

([26]) القلوس: جمع قلس، بفتح القاف. وهو الحبل الغليظ من حبال السفن. وفي الأصل: "الجمال والفلوس" تحريف، وصوابه في المجمل واللسان.

([27]) بضم الجيم وتخفيف الميم وتشديدها أيضاً.

([28]) في ديوانه 68: "القلب القريح".

 

ـ (باب الجيم والنون وما يثلثهما)

(جنه) الجيم والنون والهاء ليس أصلا، ولا هو عندي من كلام العرب، إلا أنّ ناساً زعموا أن الجَُنَهَ([1]) الخيزُران. وأنشدوا:

في كَفه جُنَهيٌّ ريحه عَبِقٌ *** بكفِّ أَرْوَعَ في عِرْنينِهِ شَمَمُ([2])

(جني) الجيم والنون والياء أصلٌ واحد، وهو أَخْذُ الثَّمَرة من شجَرها، ثم يحمل على ذلك، تقول جَنيتُ الثَّمرةَ أجْنِيها، واجْتَنَيْتُها. وثمرٌ جَنِيٌّ، أي أُخِذَ لوَقْته. ومن المحمول عليه: جَنَيْتُ الجنايةَ أجْنِيها.

(جنأ) الجيم والنون والهمزة أصلٌ واحد، وهو العَطْف على الشيء والحُنُوّ عليه. يقال جَنِئَ عليه يَجْنَأُ جَنَأً، إذا احْدَوْدَب، ورجل أدنأ وأجنأ بمعنىً واحد. وتجانَأْتُ على الرّجُل، إذا عطَفْتَ عليه. والتُّرْسُ المُجْنَأُ مِنْ هذا. قال:

* ومُجْنَأٍ أسمَرَ قَرَّاعِ([3]) *

(جنب) الجيم والنون والباء أصلان متقاربان أحدهما: النّاحية، والآخر البُعْد.

فأمّا الناحية فالجَنَاب. يقال هذا من ذلك الجَناب، أي الناحية. وقعَدَ فلانٌ جَنْبَةً، إذا اعتزَل الناسَ. وفي الحديث: "عليكمُ بالجَنْبَةِ فإنه عَفاف".

ومن الباب الجَنْبُ للإنسان وغيره. ومن هذا الجَنْب الذي نُهِي عنه في الحديث: أن يَجْنُبَ الرجل مع فرسه عند الرِّهان فرساً آخَرَ مخافةَ أنْ يُسْبَق فيتحوَّل عليه. والجَنَبُ: أنْ يشتدّ عطش البعير حتَّى تلتصق رئتُهُ بجَنْبه. ويقال جَنِبَ يَجْنَبُ. قال:

* كأنَّهُ مُستَبَانُ الشَّكِّ أو جَنِبُ([4]) *

والمَِجْنَبُ: الخير الكثير، كأنه إلى جَنْب الإنسان. وجَنَبْت الدابّةَ إذا قُدْتَها إلى جنبك. وكَذلك جَنَبْتُ الأسير. وسُمِّي التُّرْسُ مِجْنَباً لأنه إلى جَنْب الإنسان.

وأمَّا البُعْد* فالجَنَابة. قال الشاعر([5]):

فلا تَحْرِمنّي نائلاً عن جَنابةٍ *** فإني امرؤٌ وَسْطَ القِبابِ غريبُ

ويقال إنَّ الجُنُب الذي يُجامِع أهْلَه مشتقٌّ من هذا؛ لأنه يبعدُ عما يقرُب منه غيرُه، من الصَّلاةِ والمسجد وغير ذلك.

ومما شذ عن الباب ريح الجَنُوب. يقال جُنِبَ القَومُ: أصابَتْهم ريحُ الجَنُوب؛ وأجنبوا، إذا دخلوا في الجَنُوب. وقولُهم جَنَّب القومُ، إذا قلّت ألبانُ إبلهم([6]). وهذا عندي ليس من الباب([7]). وإنْ قال قائل إنه من البُعْد، كأنَّ ألبانَها قلَّت فذهبَتْ، كان مذهَباً، وجَنْبٌ قبيلة، والنِّسبة إليها جَنْبِيٌّ. وهو مشتقٌّ مِن بعض ما ذكرناه.

(جنث) الجيم والنون والثاء أصلٌ واحد، وهو الأصل والإحكام. يقال لأصلِ كلِّ شيءٍ جِنْثُه. ثم يُفَرَّع منه، وهو الجُنْثِيّ([8])، وهو الزّراد؛ لأنه يُحكِم عَمَلَ الزّرَد. فأمّا قوله:

أحْكَمَ الجِنْثِيُّ مِنْ عَوْرَاتِها *** كلُّ حِرْباءٍ إذا أُكْرِه صَلّ([9])

فإنه أراد الزرّاد، أي أحكم حَرَابِيَّها، وهي المسامير. ومَن نصَبَ الجنثيّ أراد السيف، يجعل الفعل لكلّ حِرباء، ويكون معنى أحكم منَعَ. يقول: هو زَرَدٌ يمنع حِرباؤُهُ السيفَ أن يَعمل فيه. وقال الشاعر في السيف:

ولكنَّها سُوقٌ يكون بِياعُها *** بِجُنْثِيَّةٍ قد أخلصَتْهَا الصَّياقلُ([10])

(جنح) الجيم والنون والحاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المَيْلِ والعُدْوان. ويقال جنح إلى كذا، أي مالَ إليه. وسمِّي الجَناحانِ جَناحَيْنِ لميلهما في الشِّقَّين. والجُنَاح: الإثم، سمّي بذلك لمَيْلِه عن طريق الحقِّ.

وهذا هو الأصل ثمَّ يشتقّ منه، فيقال للطائفة([11]) من الليل جُنْح وجِنْح، كأنَّه شُبِّه بالجَناح، وهو طائفةٌ من جسم الطائر. والجوانح: الأضلاع: لأنها مائلة. وجُنِح البعيرُ إذا انكسرَتْ جَوانحهُ من حِمْلٍ ثقيل. وجَنَحَت الإبل في السيّر: أسرعت. فهذا من الجَنَاح، كأنَّها أعْمَلَت الأجنحة.

(جند) الجيم والنون والدال يدلُّ على التجمّع والنُّصرة. يقال هم جُنده، أي أعوانه ونُصّاره. والأجناد: أجناد الشّام وهي خمسة: دمشق، وحِمْصٌ، وقِنَّسْرِينُ، والأُردُنّ، وفِلَسطين. يقال لكلِّ واحدةٍ من هذه جُنْدٌ. وجَنَدٌ: بلدٌ([12]). والجَنَد: الأرضُ الغليظة فيها حجارةٌ بِيض؛ فهذا محتمل أن يكون من الباب، ويجوز أن يكون من الإبدال، والأصل الجَلَد.

(جنـز) الجيم والنون والزاء كلمةٌ واحدة. قال ابن دُريد: جَنَزْتُ الشَّيءَ أجْنِزُه جَنْزاً، إذا ستَرتَه، ومنه اشتقاق الجَنَازة([13]). فأمَّا الخليل فمذهبُه غيرُ هذا، قال: الجَنازة الميّت، [و] الشيءُ الذي ثقُل على القوم واغتَمُّوا به هو أيضاً جَنَازة. وقال:

وما كنت أخْشَى أن أكون جَنَازَةً *** عليكِ ومَنْ يَغْتَرُّ بالحَدَثَانِ([14])

قال: وأمّا الجِنَازة فهو خَشَبُ الشَّرْجَع. قال: ويقول العرب: رُمِي بجنازَتِه فمات([15]). قال: وقد جَرَى في أفواه النّاس الجَنَازَة، بفتح الجيم، والنَّحارِير يُنكرونه.

(جنس) الجيم والنون والسين أصلٌ واحد وهو الضَّربُ مِن الشَّيء. قال الخليل: كلُّ ضربٍ جِنْس، وهو من النَّاس والطَّير والأشياء جملة. والجمع أجْنَاس. قال ابن دريد: وكان الأصمعيّ يدفع قولَ العامّة: هذا مُجانِسٌ لهذا. ويقول: ليس بعربيٍّ صحيح. وأنا أقول: إنّ هذا غَلَط على الأصمعيّ؛ لأنه الذي وضع كتاب الأجناس، وهو أوّل من جاء بهذا اللَّقب في اللُّغة.

(جنف) الجيم والنون والفاء أصلٌ واحد وهو المَيْل. يقال جَنِفَ* إذا عَدَل([16]) وجار. قال الله تعالى جَلَّ ثناؤه: {فَمَنْ خَافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفَاً} [البقرة 182]. ورجلٌ أجْنَفُ إذا كان في خَلْقهِ مَيَلٌ، ويقال لا يكون ذلك إلاّ في الطُّول والانحناء. ويقال تجانَفَ عن كذا، إذا مال. قال:

تَجَانَفُ عَنْ جُلِّ اليَمَامَةِ ناقتي  *** وما عَدَلَتْ عن أهْلِهَا لِسِوائِكا([17])

ــــــــــــــــــــ

([1]) وكذا ورد في المجمل، والذي في سائر المعاجم "الجنهي" بلفظ المنسوب. وقد اختلف في ضبط هذا الأخير، فضبطه في القاموس باللفظ "كعرني" أي بضم ففتح. وذكر شارح القاموس أن الذي في نسخ الصحاح الجنهي بضم فتشديد النون مفتوحة. قال: "ووجد في نسخ التهذيب بفتح وتخفيف النون، كعربي، وهو الصواب كذلك، بخط الصغاني".

([2]) البيت للفرزدق يقوله في هشام بن عبد الملك كما في أمالي المرتضى (1: 48) وزهر الآداب

(1: 60) أو الحزين الكناني في عبد الملك بن مروان كما في ديوان الحماسة (2: 284) أو للفرزدق في علي بن الحسين، كما في العمدة (2: 110) وأمالي المرتضى. أو للعين المنقري كما في العمدة، أو لكثير بن كثير السهمي في محمد بن علي بن الحسين، كما في المؤتلف 169. أو لداود بن سلم في قثم بن العباس، كما في العمدة وانظر اللسان (جنه) والحيوان (3: 133).

([3]) لأبي قيس بن الأسلت. وصدره كما في اللسان والمفضليات (2: 85):

* صدق حسام وادق حده *

([4]) البيت لذي الرمة في ديوانه 10 والمجمل (جنب). وصدره:

* وثب المسحج من عانات معقلة *

([5]) هو علقمة بن عبدة الفحل. وقصيدة البيت في ديوانه 131 والمفضليات (2: 90). وانظر اللسان (جنب).

([6]) ومنه قول الجميح في المفضليات (1: 33) واللسان (جنب):

لما رأت إبلي قلت حلوبتها *** وكل عام عليها عام تجنيب

([7]) في الأصل: "الكتاب".

([8]) يقال بضم الجيم وكسرها.

([9]) البيت للبيد في ديوانه 15 طبع 1881 والمجمل واللسان (جنث).

([10]) البيت مع سابق له في اللسان (جنث).

([11]) في الأصل: "للطائفتين".

([12]) الجند، بالتحريك: أحد مخاليف اليمن.

([13]) نص الجمهرة (2: 92): "وزعم قوم أن منه اشتقاق الجنازة. ولا أدري ما صحته".

([14]) البيت لصخر بن عمرو، أخي الخنساء. انظر الشعر وقصته في الأغاني (13: 130- 131). والبيت في اللسان (جنز).

([15]) زاد في اللسان: "لأن الجنازة تصير مرميا فيها. والمراد بالرمي الحمل والوضع".

([16]) أي عدل عن الحق.

([17]) البيت للأعشى في ديوانه 66 واللسان (جنف، سوى) والخزانة (2: 59) والإنصاف 185. ومعظم الروايات: "جو اليمامة".

 

ـ (باب الجيم والهاء وما يثلثهما)

(جهو) الجيم والهاء والحرف المعتل يدلُّ على انكشافِ الشَّيء. يقال أجْهَتِ السّماءُ، أقلَعَتْ. ويقال خِباءٌ مُجْهٍ لا سِتْر عَليه. وجهِيَ البيتُ يَجْهَى، إذا خَرِبَ؛ وهُوَ جاهٍ. ويقال إن الجَهْوَةَ السَّهُ مكشوفةً.

(جهد) الجيم والهاء والدال أصلُهُ المشقَّة، ثم يُحمَل عليه ما يقارِبُه. يقال جَهَدْتُ نفسي وأجْهَدت والجُهْد الطَّاقَة. قال الله تعالى: {والَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إلاَّ جُهْدَهُمْ} [التوبة 79]. ويقال إنّ المجهود اللبن الذي أُخرِجَ زُبْده، ولا يكاد ذلك [يكونُ] إلاّ بمشقّةٍ ونَصَب. قال الشمّاخ:

تُضْحِ وقد ضَمِنَتْ ضَرّاتُها غُرَقاً *** مِنْ طَيِّبِ الطَّعْمِ حُلْوٍ غَيْرِ مَجْهُودِ([1])

ومما يقارب البابَ الجَهادُ، وهي الأرض الصُّلبة. وفلانٌ يَجْهَد الطّعامَ، إذا حَمَل عليه بالأكل الكثير الشديد. والجاهد: الشَّهْوان. ومَرْعىً جَهِيدٌ: جَهَدَهُ المالُ لِطِيبه فأكَلَه.

(جهر) الجيم والهاء والراء أصلٌ واحد، وهو إعلان الشَّيء وكَشْفُه وعُلُوّه. يقال جَهَرْتُ بالكلام أعلنتُ به. ورجلٌ جَهِير الصَّوت، أي عالِيهِ. قال:

أخاطِبُ جَهْراً إذْ لهُنَّ تَخَافُت*** وشَتَّانَ بينَ الجهْرِ والمَنْطِق الخَفْتِ([2])

ومن هذا الباب: جَهَرت الشّيءَ، إذا كان في عينك عظيماً. وجَهَرْت الرّجُل كذلك. قال:

* كأنَّما زُهاؤُه لِمَنْ جَهَرْ([3]) *

فأمّا العَيْن الجَهراءُ، فهي ([4]) التي لا تُبْصِر في الشمس. ويقال رأيْت جُهْرَ فلانٍ، أي هَيْئَتَه([5]). قال:

* وما غيَّبَ الأقوامُ تابِعةَ الجُهْرِ([6]) *

أي لن يقدِرُوا أن يغيّبوا من خُبْره وما كان تابعَ جُهْرِه([7]). ويقال جَهِيرٌ بَيِّنُ الجَهارة، إذا كان ذا منظرٍ. قال أبو النجم:

وأرَى البياضَ على النِّساء جَهَارَةً *** والعِتْقَُ أعرِفُهُ على الأَدْمَاءِ([8])

ويقال جَهَرْنا بني فلانٍ، أي صبَّحناهم على غِرَّة. وهو من الباب، أي أتيناهم صباحاً؛ والصبّاح جَهْر. ويقال للجماعة الجَهْراءَ. ويقال إنّ الجَهْراء الرّابية العريضة.

(جهز) الجيم والهاء والزاء أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يُعْتَقَدُ ([9]) ويُحوَى، نحو الجَِهَاز، وهو متاع البيت. وجهَّزتُ فلاناً تكلفّتُ جَِهازَ سفرِه. فأما قولهم للبعير إذا شَرَد: "ضرَبَ في جَِهازه" فهو مثلٌ، أي إنّه حَمل جَِهازه ومرّ. قال أبو عبيدة: في أمثال العرب: "ضَرَب فلانٌ في جهازه" يضرب هذا في الهِجران والتَّباعُد. والأصل ما ذكرناه.

(جهش) الجيم والهاء والشين أصلٌ واحد، وهو التهيُّؤ للبكاء. يقال جَهَش يَجْهَش وأجْهَش يُجْهِش، إذا تهيَّأ للبكاء. قال:

قامت تشكَّى إليَّ النَّفْسُ مُجْهِشَةً *** وقد حَمَلْتُكِ سبعاً بعد سبعِينا([10])

(جهض) الجيم والهاء والضاد أصلٌ واحد، وهو زَوَالُ الشَّيء عن مكانه بسُرعة. يقال أجْهَضْنا فلاناً عن الشّيء، إذا نَحَّيناه عنه وغلَبْناه عليه. وأَجْهَضَتِ النّاقة إذا ألقَتْ ولدَها، فهي مُجْهِضٌ. وأمّا قولهم للحديد القلب: إنّه لَجاهضٌ وفيه جُهوضة وجَهَاضة، فهو من هذا، أي كأنَّ قلبَه من حِدّته يزُولُ من مكانه.

(جهف) الجيم والهاء والفاء ليس أصلاً([11])، إنَّما هو من باب الإبدال. يقال اجتهفتُ الشّيءَ إذا أخَذْتَه بشِدّة. والأصل اجتحفْت([12]). وقد مضى ذكره.

(جهل) الجيم والهاء واللام أصلان: أحدهما خِلاف العِلْم، والآخر الخِفّة وخِلاف الطُّمَأْنِينة.

فالأوّل الجَهْل نقيض العِلْم. ويقال للمفازة التي لا عَلَمَ بها مَجْهَلٌ.

والثاني قولهم للخشبة التي يحرك بها الجَمْرُ مِجْهَل([13])*. ويقال استجهلت الرِّيحُ الغُصْنَ، إذا حرّكَتْه فاضطَرَب. ومنه قول النابغة:

دعاك الهَوَى واستجهلَتْك المنازلُ *** وكيف تَصَابِي المرءِ والشَّيبُ شاملُ([14])

وهو من الباب، لأنّ معناه استخفّتْك واستفزّتْك. والمَجْهَلة: الأمر الذي يحملك([15]) على الجهل.

(جهم) الجيم والهاء والميم يدلُّ على خلاف البَشاشة والطَّلاقة. يقال رجلٌ جهمُ الوجهِ أي كريهُهُ. ومن ذلك جَهْمة الليل وجُهْمتُه، وهي ما بين أوّلهِ إلى رُبُعه. ويقال جَهَمْتُ الرّجل وتجهَّمْتُه، إذا استَقْبَلتَه بوجه جَهْم. قال:

فلا تَجْهَمِينا أُمَّ عَمْرٍو فإنَّنا *** بِنَا داءُ ظَبْيٍ لم تَخُنْهُ عوامِله([16])

ومن ذلك قوله:

* وبلدةٍ تَجَهَّمُ الجَهُوما([17]) *

فإنّ معناه تَستَقبِلُه بما يكره. ومن الباب الجَهَام: السَّحاب الذي أراق ماءَه، وذلك أنّ خَيْرَه يقلُّ فلا يُسْتَشْرَف له. ويقال الجَهُوم العاجز؛ وهو قريب.

(جهن) الجيم والهاء والنون كلمةٌ واحدة. قالوا جارية جُهانَةٌ، أي شابّة. قالوا: ومنه اشتقاق جُهَيْنة.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل "تضحى" تحريف. على أن الرواية الجيدة: "تصبح". والغرق: جمع غرقة، بالضم، وهو القليل من اللبن خاصة. وفي الأصل: "غرفاً" تحريف. ويروى: "عرقاً" وهو بالتحريك: اللبن. والبيت في الديوان 23 واللسان (جهد، عرق، غرق)، وسيأتي في (عرق، غرق). وقبل البيت:

إن تمس في عرفط صلع جماجمه *** من الأسالق عاري الشوك مجرود.

([2]) البيت في اللسان (خفت).

([3]) البيت للعجاج، كما في الحيوان (3: 127). وهو في ديوانه 16 واللسان (جهر، وغر) وديوان المعاني (2: 71) والمخصص (6: 202).

([4])في الأصل: "وهي".

([5]) في الأصل: "جهرة فلان أي هيبته"، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) للقطامي. وصدره كما في ديوانه 76 واللسان ( جهر):

* شنئتك إذ أبصرت جهرك سيئاً *

([7]) وكذا ورد هذا التفسير في المجمل. وضبط البيت في اللسان برفع" الأقوام" و" تابعة". وقال في تفسيره: "ما" بمعنى الذي. يقول: ما غاب عنك من خبر الرجل فإنه تابع لمنظره. وأنث تابعة في البيت للمبالغة.

([8]) البيت في المجمل واللسان (جهر).

([9]) الاعتقاد هنا بمعنى الشراء والاقتناء.

([10]) البيت للبيد في ديوانه 46 طبع 1881 واللسان (جهش).

([11]) لم تذكر المادة في اللسان والجمهرة. وذكرها في القاموس.

([12]) في الأصل: "جحفت"، والوجه ما أثبت.

([13]) يقال مجهل ومجهلة، بكسر الميم فيهما، وجهيل وجهيلة.

([14]) ديوان النابغة 58 واللسان (جهل).

([15]) في الأصل: "يجهلك"، والصواب في المجمل.

([16]) لعمرو بن الفضفاض الجهني، كما في اللسان (جهم) برواية: "ولا تجهمينا". وسيأتي في (ظبي): "ولا تجهمينا". وأنشده في اللسان (ظبي) غير منسوب، برواية المقاييس. وعوامل الظبي: قوائمه.

([17]) بعده كما في اللسان (جهم):

* زجرتُ فيها عيهلا رَسوما *

 

ـ (باب الجيم والواو وما يثلثهما)

(جوي) الجيم والواو والياء أصلٌ يدلُّ على كراهة الشيء. يقال اجتَوَيْت البلادَ، إذا كرِهتَها وإنْ كنتَ في نَعْمةٍ، وجَوِيتُ. قال:

بَشِمْتُ بِنِيِّها وجَوِيْتُ عنها *** وعندي لو أردتُ لها دواءُ([1])

ومن هذا الجَوَى، وهو داءُ القلْب. فأمّا الجِوَاءُ فهي الأرض الواسعة، وهي شاذَّةٌ عن الأصل الذي ذكرناه.

(جوب) الجيم والواو والباء أصلٌ واحد، وهو خَرْقُ الشيء. يقال جُبْتُ الأرضَ جَوْبا، فأنا جائبٌ وجَوّابٌ. قال الجعدي([2]):

أتاك أبو ليلى يَجوبُ به الدُّجَى *** دُجَى الليل جَوّابُ الفلاةِ عَثَمْثَمُ([3])

ويقال:"هل عِندك جَائِبةُ خبرٍ" أي خبرٌ يجوب البلاد. والجَوْبَةُ كالغائط؛ وهو من الباب؛ لأنه كالخَرْق في الأرض. والجوْب: دِرعٌ تلبسُه المرأة، وهو مَجُوبٌ سمِّي بالمَصدر. والمجِْوَبُ: حديدةٌ يُجابُ بها، أي يُخْصَف.

وأصلٌ آخر، وهو مراجَعة الكلام، يقال كلمه فأجابَه جَواباً، وقد تجاوَبا مُجاوَبة. والمجابَةُ: الجواب. ويقولون في مَثَلٍ: "أساءَ سَمْعاً فأساء جابةً". وقال الكميتُ لقُضاعة في تحوُّلهم إلى اليمن:

وما مَنْ تَهتِفينَ لـه بِنَصْرٍ *** بِأسْرَعَ جابَةً لكِ مِنْ هَدِيلِ([4])

العرب تقول: كان في سفينة نوحٍ عليه السلام فَرْخٌ، فطار فوقع في الماء فغرق، فالطَّير كلها تبكي عليه. وفيه يقول القائل([5]):

فقلتُ أتَبكي ذاتُ شَجْو تذكّرتْ *** هَدِيلاً وقد أودى وما كانَ تُبَّعُ([6])

(جوت) الجيم والواو والتاء ليس أصلاً؛ لأنه حكايةُ صَوْتٍ، والأصواتُ لا تقاس ولا يقاس عليها. قال:

* كما رُعْتَ بالجَوْتِ الظِّماءَ الصَّوادِيا([7]) *

قال أبو عبيد: إنما كان الكسائيُّ ينشد هذا البيتَ لأجل النصب، فكان يقول: "كما رُعْتَ بالجَوْتَ" فحَكَى مع الألف واللام.

(جوح) الجيم والواو والحاء أصلٌ واحد، وهو الاستئصال. يقال جاحَ الشيءَ يَجُوحُهُ استأصله. ومنه اشتقاق الجائِحة.

(جوخ) الجيم والواو والخاء ليس أصلاً هو عندي؛ لأنّ بعضَه معرَّب، وفي بعضِه نَظر. فإنْ كان صحيحاً فهو جنسٌ من الخَرْقِ. يقال جَاخَ السَّيْلُ الوادِيَ يجُوخُه، إذا قلع أجرافَه. قال:

* فللصَّخْرِ من جَوْخِ السّيُولِ وجيبُ([8]) *

ذكره ابن دريد، وذكر غيره: تجوَّخَتِ البئرُ انهارَت.

والمعرّب من ذلك الجَوْخَان، وهو البيدر([9]).

(جود) الجيم والواد والدال أصلٌ واحد، وهو التسمُّح بالشيء، وكثْرةُ العَطاء. يقال رجلٌ جَوَادٌ بَيِّن الجُودِ، وقومٌ أجْواد. والجَوْد: المطر الغزير. والجَواد: الفرسُ الذّريع والسّريع، والجمع* جِيادٌ. قال الله تعالى إذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالعَشِيِّ الصَّافِنَاتُ الجِيَادُ} [ص 31]. والمصدر الجُودَة. فأمّا قولهم: فلانٌ يُجاد إلى كذا، [فـ] كَأنه يُساقُ إليه.

(جور) [الجيم والواو والراء] أصلٌ واحد، وهو المَيْل عن الطَّريق. يقال جارَ جَوْراً. ومن الباب طَعَنَه فجَوَّره أي صَرَعه. ويمكن أن يكون هذا من باب الإبدال، كأنَّ الجيم بدلُ الكاف. وأمَّا الغَيْث الجِوَرّ، وهو الغَزير، فشاذ عن الأصل الذي أصَّلناه. ويمكن أن يكون من باب آخَرَ، وهو من الجيم والهمزة والراء؛ فقد ذكر ابن السّكيت أنّهم يقولون هو جُؤَرٌ على وزن فُعَلٍ([10]). فإن كان كذا فهو من الجُؤَار، وهو الصَّوت، كأنه يصوِّت إذا أصاب. وأنشد:

* لا تَسْقِهِ صَيِّبَ عَزَّافٍ جُؤَرْ([11]) *

(جوز) الجيم والواو والزاء أصلان: أحدهما قطع الشيء، والآخَر وَسَط الشيء. فأمَّا الوَسَط فجَوْز كلِّ شيءٍ وَسَطه. والجَوْزَاء([12]): الشَّاة يبيضُّ وَسَطُها. والجوزاء: نجمٌ؛ قال قوم: سُمِّيت بها لأنها تَعترِض جَوْزَ السماء، أي وَسَطها. وقال قوم: سُمِّيت بذلك للكواكب الثلاثة التي في وَسَطها.

والأصل الآخَر جُزْت الموضع سِرْتُ فيه، وأجزته: خَلَّفْتُه وقطعته. وأَجَزْتُه نَفَذْتُه([13]) . قال امرؤ القيس:

فلما أجَزْنا ساحةَ الحيِّ وانْتَحى *** بنا بَطْنُ خبْتٍ ذي قِفَافٍ عَقَنْقَلِ([14])

وقال أوس بن مَغْرَاءَ:

* حتّى يقال أجِيزُوا آلَ صَفْوَانا([15]) *

يمدحهم بأنَّهُم يُجيزُون الحاجَّ. والجَوَاز: الماء الذي يُسْقاهُ المالُ من الماشية والحَرْث، يقال منه استجَزْت فلاناً فأجَازَني، إذا أسْقَاكَ ماءً لأرضِكَ أو ماشيتك. قال القطامي:

[وقالوا] فُقَيْمٌ قَيِّمُ الماءِ فاستجِزْ *** عُبادةَ إنّ المستَجيزَ على قتْرِ([16])

أي ناحية.

(جوس) الجيم والواو والسين أصلٌ واحد، وهو تخلُّل الشيء. يقال: جاسُوا خِلالَ الدِّيار يجُوسون. قال الله تعالى: {فَجَاسُوا خِلاَلَ الدِّيَارِ} [الإسراء 5]. وأما الجُوس فليس أصلاً؛ لأنه إتباع للجُوع؛ يقال: جُوعاً له وجُوساً له.

(جوظ) الجيم والواو والظاء أصلٌ واحدٌ لنعتٍ قبيح لا يُمْدَح به. قال قوم: الجَوَّاظ الكثير اللَّحْمِ المختالُ في مِشْيته. يقال: جَاظَ يَجُوظُ جَوَظاناً. قال:

* يعلو به ذا العَضَلِ الجَوَّاظا([17]) *

ويقال: الجوّاظ الأكولُ، ويقال الفاجر.

(جوع) الجيم والواو والعين، كلمةٌ واحدة. فالجوع ضِدّ الشّبَع. ويقال: عام مَجاعةٍ ومَجوعة([18]).

(جوف) الجيم والواو والفاء كلمةٌ واحدة، وهي جَوْفُ الشيء. يقال هذا جَوْفُ الإنسان، وجوفُ كلِّ شيء. وطَعْنَةٌ جائِفَةٌ، إذا وصلت إلى الجَوْفِ. وقِدْرٌ جَوْفاءُ: واسعةُ الجَوْفِ. وجَوْفُ عَيْرٍ: مكانٌ حماهُ رجل اسمه حِمار. وفي المثل: "أخْلَى مِنْ جَوْفِ عَيْر". وأصله رجلٌ كان يحمي وادياً لـه. وقد ذُكر حديثُهُ في كتاب العين.

(جول) الجيم والواو واللام أصلٌ واحد، وهو الدَّوَرَان. يقال جالَ يجول [جَوْلاً] وجَوَلاناً، وأجَلْتُه أنا. هذا هو الأصل، ثمّ يشتق منه. فالجُول: ناحية البئر، والبئر لها جوانِبُ يُدَارُ فيها. قال:

رَمَانِي بأمْرٍ كنتُ منه ووَالِدِي  *** بَرِيَّاً ومِنْ جُولِ الطّوِيّ رماني([19])

والمِجْوَلُ: الغَدير([20])، وذك أنّ الماء يَجُول فيه. وربما شُبِّهت الدِّرعُ به لصفاء لونها. والمِجْوَل: التُّرْس والمِجْوَل: قميصٌ يَجوُلُ فيه لابسُه. قال امرؤ القيس:

* إذا ما اسبكرَّتْ بَيْنَ دِرْعٍ ومِجْوَلِ([21]) *

ويقال لصغار المال جَوَلان، ذلك أنّه يَجُول بين الجِلَّة. وقال الفراء: ما لفُلانٍ جُولٌ، أي ماله رأيٌ. وهذا مشتقٌّ من الذي ذكرناه، لأنَّ صاحب الرأي يُدِيرُ رأيَهُ ويُعْمِلُه. فأمّا الجَوْلانُ فبلدٌ؛ وهو اسمٌ موضوعٌ. قال:

فآبَ مُضِلُّوهُ بِعَينٍ جَلِيَّةٍ *** وغُودِرَ بالجَوْلانِ حَزْمٌ ونائِلُ([22])

(جون) الجيم والواو والنون أصلٌ واحد. زعم بعض النحوييِّن أنَّ الجَون معرّب، وأنه اللون الذي يقوله الفُرْس "الكُونَهْ([23])" أي لون* الشيء. قال: فلذلك يقال الجَونُ الأسود والأبيض. وهذا كلامٌ لا معنى لـه. والجَوْن عند أهل اللُّغةِ قاطبةً اسمٌ يقع على الأسود والأبيض، وهو بابٌ من تسمية المتضادَّين بالاسم الواحد، كالنَّاهل، والظّنّ، وسائرِ ما في الباب.

والجَوْنَة: الشَّمسُ. فقال قومٌ: سمِّيت لبياضها. ومن ذلك حديث الدِّرع التي عُرضتْ على الحجّاج فكاد لا يراها لصفائها. فقال له بعضُ مَنْ حضره([24]): "إنّ الشّمس جَوْنةٌ"، أي صافيةٌ ذاتُ شعاعٍ باهر. وقال قومٌ: بل سُمِّيت جَوْنةً لأنّها إذا غابَتْ اسوادّت.

فأمّا الجُونَة فمعروفة، ولعلَّها أن تكون معرّبة؛ والجمع جُوَن. قال الأعشى:

* وكان المِصاعُ بما في الجُوَنْ([25]) *

_____________________

([1]) البيت لزهير في ديوانه 83 والمجمل واللسان (جوى). والنيّ بالكسر: مسهل النيء.

([2]) هو النابغة الجعدي يمدح ابن الزبير، كما في اللسان (عثم).

([3]) عنى بالعثمثم الجمل القوي الشديد.

([4]) البيت في اللسان (هدل).

([5]) هو نصيب، كما في اللسان (هدل).

([6]) أي وقد أودى الهديل ولم يكن تبع قد خلق.

([7]) البيت يروى لشاعرين. أحدهما عويف القوافي، وصدر بيته، كما في الخزانة (3: 86):

* دعاهن ردفي فارعوين لصوته *

والاخر سحيم عبد بني الحسحاس، وصدر بيته كما في الخزانة:

* وأوده ردفي فارعوين لصوته *

وأوده بالإبل: صاح بها. وأنشد البيت في اللسان (جوت) بدون نسبة.

([8]) هذا العجز في اللسان (جوخ) بدون نسبة. لكن أنشد بعده:

ألثت علينا ديمة بعد وابل *** فللجزع من جوخ السيول قسيب

ونسبه إلى حميد بن ثور، أو النمر بن تولب. وانظر الجمهرة (2: 63) وديوان حميد 51.

([9]) في الأصل: "الأندر"، صوابه من المجمل واللسان. وانظر المعرب للجواليقي 110.

([10]) في المجمل: "جور مثل نغر". وفي القاموس: "وجؤر كصرد". وفي اللسان (مادة جور): "جور" مضبوطاً بالقلم بضم الجيم وفتح الواو وتشديد الراء. وليس بشيء. لكنه في (مادة جأر) على الصواب. قال: "وغيث جؤر مثل نغر".

([11]) البيت لجندل بن المثنى، كما في اللسان (جأر). وأنشده في (جور) محرف الضبط. وقبله:  * يا رب رب المسلمين بالسور *

([12]) في الأصل: "والجوز تحريف.

([13]) ويقال أيضاً: "أنفذته". وفي اللسان: "أنفذت القوم إذا خرقتهم ومشيت في وسطهم. فإن جزتهم حتى تخلفهم قلت نفذتهم بلا ألف أنفذهم. قال: ويقال فيها بالألف".

([14])من معلقته. ويروى: "ذي حقاف".

([15])في الأصل: "صوفانا" تحريف. وصدر البيت في اللسان (جوز):

* ولا يريمون للتعريف موقفهم *

([16]) التكملة في أوله من ديوان القطامي 86 واللسان (جوز).

([17]) انظر ملحقات ديوان العجاج 82، وقد ذكر الناشر أن هذه الملحقات بعضها للعجاج وبعضها لرؤبة، وكذا اللسان (جوظ).

([18]) مجوعة، بفتح فضم، وبفتح فسكون ففتح.

([19]) البيت لابن أحمر، أو للأزرق بن طرفة بن العمرد الفراصي، كما في اللسان (جول).

([20]) لم يذكر هذا المعنى في اللسان والقاموس والجمهرة. وجاء في المجمل.

([21]) من معلقته وصدره:  * إلى مثلها يرنو الحليم صبابة *

([22]) البيت للنابغة في ديوانه 62 واللسان (ضلل).

([23]) لفظه في الفارسية "كونه" أو "كونا" بالكاف الفارسية المضمومة. انظر معجم استينجاس 1105، 1106.

([24]) هو أنيس الجرمي، كان فصيحاً. انظر اللسان (جون).

([25]) صدره كما في الديوان 15 واللسان (جون): * إذا هن نازلن أقرانهن *

 

ـ (باب الجيم والياء وما يثلثهما)

(جيأ) الجيم والياء والهمزة كلمتان من غير قياس بينهما. يقال جاء يجيء مجيئاً. ويقال جاءاني([1]) فجِئْتُه، أي غالبني بكثْرة المجيء [فغلبته([2])]. والجَيْئَة: مصدر جاء([3]). والجِئَةُ: مجتمع الماء حَوَالي الحِصْنِ وغيره. ويقال هي جيئة بالكسر والتثقيل.

(جيب) الجيم والياء والباء أصلٌ يجوز أن يكون من باب الإبدال. فالجَيْبُ جَيب القميص. يقال جِبْتُ القميص قوّرت جَيْبه، وجَيَّبْتُه جعلت له جَيباً.

وهذا يدلُّ أنّ أصله واو، وهو بمعنى خَرقْت([4]). وقد مضى ذكره.

(جيد) الجيم والياء والدال أصلٌ واحد، وهو العُنُق. يقال جِيدٌ وأجْيادٌ. والجَيَد: طولُ الجِيد. والجَيْداء: الطَّويلة الجِيد. وأما قول الأعشى :

* رجالَ إيادٍ بأجْيَادِها([5]) *

فيقال إنّها معربة وإنه أراد الأكسية([6]).

(جير) الجيم والياء والراء كلمةٌ واحدة. جَيْرِ بمعنى حَقّاً. قال:

وقالت قد أَسِيتَ فقلتُ جَيْرٍ *** أَسِيٌّ إنَّه من ذاكِ إنَّه([7])

فأمّا الجَيّار، وهو الصَّاروج، فكلمة مُعرَّبة. قال الأعشى:

* بطين وجَيّارٍ وكِلْسٍ وقَرْمَدِ([8]) *

وأما الجائر فَمَا يجدُه الإنسانُ في صدره من حرارةِ غيظٍ أو حزن؛ فهو من باب الواو، وقد مضى ذكره.

(جيز) الجيم والياء والزاء أصل يائه([9]) واو، وقد مضى ذِكرُه.

(جيس) الجيم والياء والسين أصل يائه واو، وقد مضى ذكرُه.

(جيش) الجيم والياء والشين أصلٌ واحد، وهو الثَّوَران والغَلَيان. يقال جاشت القِدْرُ تجيش جَيْشاً وجَيَشاناً. قال:

وجاشَتْ بهم يوماً إلى الليل قِدْرُنا *** تصكُّ حَرَابِيَّ الظُّهُورِ وتَدْسَعُ([10])

ومنه قولهم: جاشَتْ نَفْسُه، كأنّها غلَتْ. والجيش معروفٌ، وهو من الباب، لأنها جماعةٌ تَجِيش.

(جيض) الجيم والياء والضاد كلامٌ قليلٌ يدلُّ على جنسٍ من المشي([11]). يقال مشى مِشيةً جِيَضّاً([12])، وهي مِشْيةٌ فيها اختيال. وجاضَ يَجِيض، إذا مَرَّ مرورَ الفارِّ.

(جيل) الجيم والياء واللام يدلُّ على التجمّع. فالجِيل الجماعة. والجيل هذه الأُمَّة، وهم إخوان الدَّيْلَم، ويقال إيَّاهم أراد امرؤ القيس في قوله:

أطافَتْ به جِيلاَنُ عند جِدَادِه *** ورُدّد فيه الماءُ حَتّى تَحَيَّرا([13])

وأما الجَيألُ، وهي الضَّبُع، فليست من الباب.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل والمجمل: "جاءني" تحريف صوابه في اللسان. وقد خطأ صاحب القاموس الجوهري في "جاءاني" هذه، وقال: إن الصواب جايأني. ونقل الزبيدي عن ابن سيده أن ما ذكره الجوهري صحيح سماعاً، وإن كان "جاياني" هو القياس.

([2]) التكملة من المجمل واللسان والقاموس.

([3]) من المصادر التي جاءت على بناء اسم المرة وليست منه، مثل الرجفة والرحمة. والاسم الجيئة بالكسر.

([4]) في الأصل : "من خرقت".

([5]) صدره كما في ديوان الأعشى 53 واللسان (جلد، جود، جيد) والمعرب 112:

* وبيداء تحسب آرامها *

ويروى: "بأجلادها" و"بأجمادها".

([6]) قالوا: إنها معربة من "الجودياء" بمعنى الكساء. و"الجوديا" آرامية. انظر أدي شير 48.

([7]) البيت في اللسان (أسى) برواية: "إنني من ذاك إني". وروي في المغني لابن هشام برواية ابن فارس. انظر شرح شواهد المغني 125.

([8]) صدره كما في ديوان الأعشى 131: * فأضحت كبنيان التهامي شاده *

([9]) في الأصل، بابه.

([10]) لأوس بن حجر في ديوانه 11 واللسان (حرب). وحرابي الظهور: لحومها، جمع حرباء. وفي الأصل: "تصل"، صوابه بالكاف كما في الديوان واللسان.

([11]) في الأصل: "الشيء".

([12]) يقال: مشية جيض كهجف، وجيضى بوزن ما قبلها مع القصر.

([13]) ديوان امرئ القيس 92 واللسان (جيل).

 

 

ـ (باب الجيم والهمزة وما يثلثهما)

(جأب) الجيم والهمزة والباء حرفان: أحدهما يدلُّ على الكَسْب، يقال جَأبْتُ جَأباً، أي كَسَبْتُ وعَمِلت. قال:‏

* فاللهُ راء عَمَلي وجَأْبِي(1) *‏

والآخر من غير هذا، وهو الحمار من حُمُرِ الوحش الصُّلبُ الشّديد. المَغْرَةُ، يُهْمَزُ ولا يُهمز.‏

(جأث) الجيم والهمزة والثاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على الفَزَع. يقال جُئِثَ يُجْأَثُ، إذا أُفْزِعَ. وفي الحديث: "فجُئِثْتُ منه فَرَقاً(2)".‏

(جأز) الجيم والهمزة والزاء جنسٌ من الأدواء. قالو: الجَأْز كهيئة الغَصصِ الذي يأخذ في الصَّدر* عِنْد الغيظ. يقال جَئِزَ الرَّجُل.‏

(جأف) الجيم والهمزة والفاء كلمةٌ واحدةٌ تدلّ على الفَزَع. وكأنَّ الفاء [بَدَلٌ] من الثَّاء، يقال جُئِف الرّجُل مثل جُئِث.‏

ـــــــــــــــــ

(1) الرجز لرؤبة في ديوانه 169 واللسان (جأب).‏

(2) أي من جبريل حين رآه، صلى الله عليه وسلم.‏

 

ـ (باب الجيم والباء وما يثلهما)

(جبت) الجيم والباء والتاء كلمةٌ واحدة. الجِبْت: السّاحر، ويقال الكاهن.

(جبذ) الجيم والباء والذال ليس أصلاً؛ لأنه كلمةٌ واحدةٌ مقلوبة، يقال جَبَذْت الشّيء بمعنى جَذَبْتُه.

(جبر) الجيم والباء والراء أصلٌ واحد، وهو جِنْسٌ من العظَمة والعُلوّ والاستقامة. فالجَبَّار: الذي طَال وفاتَ اليد، يقال فرسٌ جَبَّارٌ، ونخلة جَبَّارَةٌ. وذو الجَُبُّورة وذو الجُبَُرُوت: الله جلّ ثناؤه. وقال:

فإنّكَ إن أغضَبْتَني غَضِبَ الحَصَى  *** عَليكَ وذُو الجَُـبُّورَةِ المتُغَطْرِفُ([1])

ويقال فيه جبريّة وجَبَرُوَّةٌ([2]) وجَُبَُروتٌ وجَُبُّورة. وجَبَرْت العظْم فجَبَر. قال:

* قد جَبَرَ الدِّينَ الإلهُ فَجَبَرْ([3]) *

ويقال للخَشَب الذي يُضَمُّ به العَظْمُ الكسيرُ جِبارة، والجمع جبائِر. وشُبِّه السِّوارُ فقيل له جِبارة. وقال:

وأرَتْكَ كَفّاً في الخِضا *** ب ومِعْصماً مِلْءَ الجِبَارَه([4])

ومما شذَّ عن الباب الجُبَار وهو الهَدَر. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "البِئْرُ جُبَارٌ، والمَعْدِنُ جُبار". فأمَّا البئر فهي العادِيّةُ القديمة لا يُعلم لها حافرٌ ولامالك، يقع فيها الإنسانُ أو غيره، فذلك ([5]) هدر. والمعدنُ جُبارٌ، قومٌ يحفرونه بِكِراءٍ فينهارُ عليهم، فذلك جُبارٌ، لأنّهم يعملون بِكِراء.

ويقال أجبرتُ فلاناً على الأمر، ولا يكون ذلك إلاّ بالقَهْر وجنسٍ من التعظم عليه.

(جبز) الجيم والباء والزاء ليس عندي أصلاً، وإن كانوا يقولون: الجَبيزُ الخُبز اليابس. وفيه نظر. وقال قوم: الجِبْزُ اللَّئيم. فإن كان صحيحاً فالزاء مبدلة من سِين.

(جبس) الجيم والباء والسين كلمةٌ واحدة: الجِبْس، وهو اللئيم، ويقال الجَبَان.

(جبع) الجيم والباء والعين، يقال إنّ فيه كلمتين: إحداهما الجُبَّاع من السِّهام: الذي ليس له ريشٌ وليس له نَصْل. ويقال الجُبَّاعة المرأة القصيرة.

(جبل) الجيم والباء واللام أصلٌ يطَّرد ويُقاس، وهو تجمُّع الشيء في ارتفاعٍ. فالجبل معروف، والجَبَل: الجماعة العظيمة الكثيرة. قال:

أما قريش فإنْ تلقاهُمُ أبداً *** إلاّ وهمْ خيرُ مَنْ يَحْفى وينتعِلُ

إلاَّ وهمْ جَبَلُ الله الذي قَصُرَتْ  *** عنه الجبالُ فَمَا سَاوَى به جَبَلُ

ويقال للناقة العظيمة السنام جَبَلَةٌ. وقال قوم: السّنَام نَفْسُه جَبْلةٌ وامرأةٌ جَبْلةٌ: عظيمة الخَلْق. وقال في الناقة:

وطَالَ السّنامُ على جَبْلَةٍ *** كخَلْقاءَ مِن هَضَباتِ [الصَّجَنْ([6])]

والجِبِلَّة: الخَلِيقة. والجِبِلُّ: الجماعة الكثيرة. قال الله تعالى: {وَلَقَدْ أَضَلَّ مِنْكُمْ جِبِلاًّ كَثِيراً} [يس 62]، و{جُبُلاًّ} أيضاً([7]). ويقال حَفَر القومُ فأجْبَلُوا، إذا بلغوا مكاناً صُلْباً.

(جبن) الجيم والباء والنون ثلاث كلماتٍ لا يقاس بعضُها ببعض. فالجُبْن: الذي يُؤكل، وربما ثقّلت نونُه مع ضم الباء. والجُبْن: صفة الجبان. والجَبينان: ما عن يمين الجبهةِ وشِمالها، كلُّ واحدٍ منهما جَبين.

(جبه) الجيم والباء والهاء كلمةٌ واحدة، ثمَّ يشبَّه بها. فالجبهة: الخيلُ. والجَبْهَة من الناس: الجماعةُ. والجَبهة: كوكبٌ، يقال هو جَبْهَة الأسد.ومن الباب قولهم جَبَهْنا الماء إذا وَرَدْناه وليست عليه قامةٌ ولا أداة. وهذا من الباب؛ لأنّهم قابَلُوه وليس بينهم ما يستعينون به على السَّقي. والعرب تقول: "لكل جَابِهٍ جَوْزَةٌ، ثم يُؤَذَّن". فالجابِهُ ما ذكرناه. والجَوْزة: قدر ما يَشْرَب ثَمَّ ويجوز([8]).

(جبي) الجيم والباء وما بعده من المعتلّ أصلٌ واحدٌ يدل على جَمْع الشيء والتجمُّع. يقال جَبَيْتُ* المالَ أجْبِيه جِبايةً، وجَبَيْتُ الماءَ في الحوض. والحوضُ نَفْسُه جابيةٌ. قال الأعشى:

تَروحُ على آلِ المُحَلَّق جَفْنَةٌ *** كجابية الشَّيخ العراقيِّ تَفْهَقُ([9])

والجَبَا، مقصورٌ: ما حولَ البئر. والجِبَا بكسر الجيم: ما جُمِع من الماء في الحوض أو غيره. ويقال له جِبْوَة وجِبَاوة. قال الكسائيّ: جَبَيْت الماءَ في الحوض جَِبىً([10]). وجَبَّى يُجَبّي، إذا سَجَدَ؛ وهو تَجَمُّعٌ.

(جبأ) الجيم والباء والهمزة أصلان: أحدهما التنحِّي عن الشيء. يقال جبأت عن الشيء، إذا كعَِعْتَ([11]). والجُبَّأُ، مقصور مهموز ([12]): الجبان. قال:

فما أنَا مِن رَيبِ المَنُونِ بجُبَّأٍ *** وما أنا مِن سَيب الإله بيائسِ([13])

ويقال جَبَأَتْ عَيني عن الشيء، إذا نَبَتْ. وربما قالوا هذه بضدِّه فقالوا: جَبَأتُ على القوم، إذا أشرَفْتَ عليهم.

ومما شذَّ عن هذا الأصل الجَبْءُ: الكمأةُ، وثلاثة أجْبُؤٍ. وأجْبأَتِ الأرض، إذا كثُرَتْ كمأتُها.

ومما شذَّ أيضاً قولهم: أجْبَأْتُ، إذا اشتريتَ زَرعاً قبل بُدُوِّ صَلاحه. وبعضُهم يقولـه بلا همزٍ. وروي في الحديث: "مَنْ أجْبَى فقد أرْبَى". وممكنٌ أن يكون الهمزُ ترك لَمَّا قُرِنَ بأربَى.

ــــــــــــــــــــ

([1]) لمغلس بن لقيط الأسدي، يعاتب رجلاً كان والياً على أضاخ. اللسان (جبر، غطرف).

([2]) جبرية، بفتح وبفتحتين، وبكسر وبكسرتين، وجبروة بفتحتين، وبفتح فسكون الراء وتشديد الواو.

([3]) مطلع أرجوزة للعجاج. ديوانه 15 واللسان (جبر).

([4]) للأعشى في ديوانه 112 واللسان (جبر). وفي الأصل: "وارتد". وفي الديوان: "وساعدا" بدل: "ومعصما".

([5]) في الأصل: "فكذلك".

([6]) للأعشى في ديوانه ص16 (واللسان جبل). وإثبات الكلمة الأخيرة مما سيأتي في (ضجن). وفي الديوان واللسان: "الحضن".

([7]) القراءة الأولى قراءة نافع وعاصم وأبي جعفر، والأخيرة قراءة روح. وقرأ ابن كثير وحمزة والكسائي ورويس وخلف وابن محيصن والحسن والأعمش: (جبلا) بضمتين وتخفيف اللام. وقرأ أبو عمرو وابن عامر بضم الجيم وسكون الباء وتخفيف اللام.

([8]) وأما يؤذن، فهو من قولهم أذنت الرجل تأذيناً: إذا رددته.

([9]) ديوان الأعشى 150 برواية: "نفى الذم عن آل المحلق"، واللسان (حلق، فهق، جبي) برواية المقاييس. ويروى: "كجابية السيح" كما في اللسان، وهو الماء الجاري. وانظر (فهق).

([10]) زاد المجمل في كلمة "مقصور".

([11]) في الأصل: "كعكعت" تحريف. ويقال كععت، بفتح العين وكسرها.

([12]) ويمد أيضاً مع التشديد فيقال: "جباء".

([13]) لمفروق بن عمرو الشيباني، يرثي إخوته قيساً والدعاء وبشراً، وكانوا قد قتلوا في غزوة بارق، وقبل البيت كما في اللسان (جبأ):

أبكي على الدعاء في كل شتوة *** ولهفي على قيس زمام الفوارس

 

 

ـ (باب الجيم والثاء وما يثلثهما)

(جثر) الجيم والثاء والراء كلمة فيها نظر. قال ابن دُريد: مكان جَثْرٌ: ترابٌ يَخلِطُه سَبَخٌ([1]).‏

(جثل) الجيم والثاء واللام أصلٌ صحيح يدلُّ على لِين الشيء. يقال شعر جَثْلٌ: كثيرٌ ليِّن. واجْثأَلَّ النبتُ: طال. واجْثَأَلَّ الطائر: نَفَشَ رِيشَه. ومما شذَّ عن الأصل: "ثكِلَتْه الجَثَل([2])" وهي أمُّه. ويقال الجَثْلَة: النَّملة السَّوْدَاء.‏

(جثم) الجيم والثاء والميم أصلٌ صحيح يدلُّ على تجمُّع الشيء. فالجُثْمان: شخص الإنسان. وجَثَم، إذا لَطِئ بالأرض. وجَثَم الطّائر يَجْثُِمُ. وفي الحديث: "نهى عن المُجَثَّمة"، وهي المصبورة على الموت.‏

ـــــــــــــــــــ

([1]) نص الجمهرة (2: 32): "الحثر مكان فيه تراب يخلطه سبخ".‏

([2])في أمثال الميداني: "ثكلتك الجثل".‏

 


ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله جيم)

وذلك على أضرب:

فمنه ما نُحِت من كلمتين صحيحتي المعنى، مطّردتَيِ القياس. ومنه ما أصله كلمةٌ واحدة وقد أُلحِق بالرُّباعي والخماسي بزيادةٍ تدخله. ومنه ما يوضع كذا وَضْعا. وسنفسر ذلك إن شاء الله تعالى.

فمن المنحوت قولهم للباقي من أصل السَّعَفة إذا قُطِعت (جُذمُور). قال:

باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أولـه جيم

بَنَانَتَيْنِ وجُذْمُوراً أُقِيمُ بها *** صَدْرَ القناةِ إذا ما آنَسُوا فَزَعا([1])

وذلك من كلمتين: إحداهما الجِذْم وهو الأصل، والأخرى الجِذْر وهو الأصل. وقد مرّ تفسيرهما. وهذه الكلمة من أدَلّ الدليل على صحّة مذهبنا في هذا الباب. وبالله التوفيق.

ومن ذلك قولهم للرجل إذا سَتَر بيديه طعامَه كي لا يُتَناوَل (جَرْدَبَ) من كلمتين: من جَدَب لأنه يمنع طعامه، فهو كالجَدْب المانع خَيْرَه، ومن الجيم والراء والباء، كأنه جعل يديه جراباً يَعِي الشيءَ ويَحويه. قال:

إذا ما كُنْتَ في قومٍ شَهَاوَى *** فلا تَجْعَلْ شِمالَكَ جَُرْدُبَانا([2])

ومن ذلك [قولهم] للرَّملة المشرفة على ما حولها (جُمْهُور). وهذا من كلمتين من جَمَرَ؛ وقد قلنا إنّ ذلك يدلُّ على الاجتماع، ووصفنا الجَمَرات من العرب بما مضى ذِكره. والكلمة الأخرى جَهَر؛ وقد قلنا إنّ ذلك من العلوّ. فالجمهور شيءٌ متجمِّعٌ عالٍ.

ومن ذلك قولهم لقرية النّمل (جُرثُومة). فهذا من كلمتين: من جَرَم وجَثَم، كأنه اقتَطَعَ من الأرض قطعةً فجثم فيها. والكلمتان قد مضتا بتفسيرهما.

ومن ذلك قولهم للرجل إذا صُرع (جُعْفِلَ). وذلك من كلمتين: من جُعِف *إذا صُرع، وقد مرّ تفسيره. وفي الحديث: "حتى يَكون انجعافُها مرة". ومن كلمة أخرى وهي جَفَل، وذلك إذا تجمَّع فذَهَب. فهذا كأنه جُمِع وذُهِب به. ومن ذلك قولهم للحَجَر وللإبل الكثيرة (جَلْمَدٌ). قال الشاعر في الحجارة:

جَلامِيدُ أملاءُ الأكُفِّ كأنها  *** رُؤوسُ رِجالٍ حُلِّقت في المواسِمِ([3])

وقال آخر في الإبل الجَلْمَد:

أو مائةٍ تُجْعَلُ أولادُها *** لَغْواً وعُرْضَ المائَةِ الجَلْمَدِ([4])

وهذا من كلمتين: من الجَلَد، وهي الأرض الصُّلبة، ومن [الجَُمَُد]، وهي الأرض اليابسة، وقد مرَّ تفسيرهما.

ومن ذلك قولهم للجمل العظيم (جُرَاهِمٌ جُرْهُم). وهذا من كلمتين من الجِرْم وهو الجَسَد، ومن الجَره وهو الارتفاع في تجمُّع. يقال سمِعْتُ جَرَاهِيَة القوم، وهو عالي كلامِهم دون السِّرّ.

ومن ذلك قولهم للأرض الغليظة (جَمْعَرَة). فهذا من الجمْع ومن الجمْر. وقد مضى ذكره.

ومن ذلك قولهم للطويل (جَسْرَبٌ). فهذا من الجَسْر وقد ذكرناه، ومن سَرَب إذا امتدَّ.

ومن ذلك قولهم للضخم الهامة المستدير الوجه (جَهْضَمٌ). فهذا من الجَهْم ومن الهَضَم. والهَضَم: انضمامٌ في الشيء. ويكون أيضاً من أهضام الوادي، وهي أعاليه. وهذا أقْيَسُ من الذي ذكرناه في الهَضَم الذي معناه الانضمام.

ومن ذلك قولهم للذاهب على وَجْهِه (مُجْرَهِدٌ). فهذا من كلمتين: من جَرَد أي انجرَدَ فمَرَّ، ومن جَهَد نَفْسَه في مُرُوره.

ومن ذلك قولهم للرّجُل الجافي المُتَنَفِّج([5]) بما ليس عنده (جِعْظَارٌ([6])). وهذا من كلمتين من الجَظِّ والجَعْظ، كلاهما الجافي، وقد فُسِّرَ فيما مضى([7]).

ومنه (الجِـنْعَاظ) وهو من الذي ذكرناه آنفاً والنون زائدة. قال الخليل: يقال إنه سيئ الخُلق، الذي يتسخَّط عند الطَّعام. وأنشد:

* جِنْعَاظَةٌ بأهلِهِ قد بَرَّحَا([8]) *

ومن ذلك قولهم للوحشيِّ إذا تَقَبَّض في وجاره (تَجَرْجَمَ)، والجيم الأولى زائدةٌ، وإنما هو من قولنا للحجارة المجتمعة رُجْمَةٌ. وأوضحُ من هذا قولهم للقَبْر الرَّجَم، فكأنَّ الوحشيَّ لمّا صار في وِجاره صار في قبرٍ.

ومنها قولهم للأرض ذات الحجارة (جَمْعَرة). وهذا من الجمرات، وقد قلنا إنّ أصلها تجمُّع الحجارة، ومن المَعِر وهو الأرض لا نبات به([9]).

ومنها قولهم للنهر (جَعْفر). ووجهه ظاهر أنه من كلمتين: من جَعَف إذا صَرَع؛ لأنه يصرع ما يلقاه من نباتٍ وما أشبهه، ومن الجَفْر والجُفْرَة والجِفار والأجْفَر وهي كالجُفَر.

ومن ذلك قولهم في صفة الأسد (جِرْفاسٌ) فهو من جَرَف ومن جرَس، كأنّه إذا أكل شيئاً وجَرَسه جَرَفَه.وأما قولهم للداهية (ذات الجنادِع) فمعلوم في الأصل الذي أصَّلناه أنّ النون زائدة، وأنه من الجَدْع، وقد مضى. وقد يقال إنّ جَنادع كلِّ شيءٍ أوائلُه، وجاءت جنادع الشرِّ.ومن ذلك قولهم للصُّلب الشديد (جَلْعَدٌ) فالعين زائدة، وهو من الجَلَد. وممكنٌ أنْ يكون منحوتاً من الجَلَعِ أيضاً، وهو البُروز؛ لأنه إذا كان مَكاناً صُلْباً فهو بارزٌ؛ لقلّةِ النبات به.ومن ذلك قولهم للحادِرِ([10]) السمين (جَحْدَلٌ) فممكن أن يقال إن الدال زائدةٌ، وهو من السِّقاء الجَحْل، وهو العظيم، ومن قولهم مَجدُول الخَلْق، وقد مضى. ومن ذلك قولهم ( تَجَرْمَزَ اللَّيلُ) ذهَبَ. فالزاء زائدة، وهو من تجرّم. والميم زائدةٌ في وجهٍ آخر، وهو من الجَرْز وهو القَطْع، كأنه شيءٌ قُطِعَ قَطْعاً؛ ومن رَمَزَ إذا تحرّكَ واضطرب. يقال للماء المجتمع المضطرب رَامُوزٌ. ويقال الرّاموز اسمٌ من أسماء البحر.

ومن ذلك (تَجَحْفَلَ القوم): اجتمعوا، وقولهم للجيش العظيم (جَحفَلٌ)، و(جَحْفَلة الفَرَس). وقياس هؤلاء الكلماتِ واحدٌ، وهو من كلمتين: من الحَفْل وهو الجَمْع، ومن الجَفْل، وهو تَجَمُّع([11]) الشيء في ذهابٍ. ويكون لـه وجه آخر: أن يكون من الجَفْل ومن الجَحْف، فإنهم يَجْحَفُون الشيءَ جحفاً. *وهذا عندي أصوبُ القولين.

 

- (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أولـه جيم)

ومن ذلك قولهم للبعير المنتفخ الجنبين (جَحْشَمٌ) فهذا من الجَشِمِ، وهو الجسيم العظيم، يقال: "ألقى عليَّ جُشَمَه"، ومن الجَحْش وقد مضى ذكره، كأنّه شُبّه في بعض قوّته بالجَحْش.

ومن ذلك قولهم للخفيف (جَحْشَلٌ([12])) فهذا مِمّا زيدت فيه اللام، وإنّما هو من الجَحْشِ، والجحشُ خفيف.

ومن ذلك قولهم للانقباض (تَجَعْثُم). والأصل فيه عندي أنّ العين فيه زائدة، وإنما هو من التجثم، ومن الجُثمان. وقد مضى ذكره.

ومن ذلك قولهم للجافي (جَرْعَب) فيكون الراء زائدة. والجَعَب: التَقَبُّض والجَرَع: التِواءٌ في قُوَى الحبل. فهذا قياسٌ مطرد.

ومن ذلك قولهم للقصير (جَعْبَر)، وامرأةٌ جَعْبَرة: قصيرة. قال:

* لا جَعْبَرِيَّاتٍ ولا طَهَامِلاَ([13]) *

فيكون من الذي قبله، ويكون الراء زائدة.

ومن ذلك قولهم للِثَّقيل الوَخِم (جَلَنْدَحٌ([14])). فهذا من الجَلْح([15]) والجَدْع، والنون زائدة. وقد مضى تفسير الكلمتين.

ومن ذلك قولهم للعجوز المُسِنّة (جَلْفَزِيزٌ). فهذا من جَلَزَ وجلف. أمّا جلز فمن قولنا مجلوز، أي مطويٌّ، كأنّ جسمَها طُوِي من ضُمْرها وهُزالها. وأمّا جَلَفَ فكأنّ لحمها جُلِفَ جَلْفاً أي ذُهِب به.

ومن ذلك قولهم للقاعد (مُجْذَئِرٌّ) فهذا مِنْ جَذَا: إذا قَعَد على أطراف قدمَيه. قال:

* وصَنّاجةٌ تَجْذُو على حَدِّ مَنْسِمِ([16]) *

ومن الذَّئر([17]) وهو الغَضْبان النّاشز. فالكلمة منحوتة من كلمتين.

ومن ذلك قولهم للعُسِّ الضَّخْم (جُنْبُل) فهذا ممّا زيدت فيه النون كأنّه جَبَل، والجَبَل كلمة وجْهها التجمُّع. وقد ذكرناها.

ومن ذلك قولهم للجافي (جُنادِفٌ) فالنون فيه زائدة، والأصل الجَدْفُ وهو احتقار الشَّيء؛ يقال جَدَف بكذا أي احتقر، فكأن الجُنادِفَ المحتقر للأشياء، من جفائه.

ومن ذلك قولهم للأكول (جُِرْضُِم). فهذا ممّا زيدت فيه الميم، فيقال [من] جَرَض إذا جَرَشَ وجَرَسَ. ومن رضَم أيضاً فتكون الجيم زائدة.

ومعنى الرّضم أن يَرضِمَ ما يأكله بَعضَه على بعضٍ.

ومن ذلك قولهم للجمل العظيم (جُخْدَُب)، فالجيم زائدة. وأصله من الخَدَب؛ يقال للعظيم خِدَبٌّ. وتكون الدال زائدةً؛ فإنّ العظيم جِخَبٌّ أيضاً. فالكلمة منحوتةٌ من كلمتين.

ومن ذلك قولهم للعظيم الصدر (جُرْشُعٌ) فهذا من الجَرْش، والجَرْش. صدر الشيء. يقال جَرْشٌ من اللَّيل، مثل جَرْس. ومن الجَشَع، وهو الحرص الشديد. فالكلمة أيضاً منحوتة من كلمتين.

ومن ذلك قولهم للجرادة (جُنْدَُبٌ). فهذا نونه زائدةٌ، و[هو] من الجَدْب؛ وذلك أنّ الجراد يَجْرُد فيأتي بالجدْب، وربما كَنَوا في الغَشْم والظُّلم بأمِّ جُنْدَُب، وقياسُه قياسُ الأصل. ومن ذلك قولهم للشيخ الهِمِّ (جِلْحابَة). فهذا من قولهم جَنَحَ ولَحَبَ. أمَّا الجَلَح فذَهابُ شَعَْر مقدَّم الرأس. وأمّا لحب فمن قولهم لُحِبَ لحمُهُ يُلْحَبُ، كأنه ذُهِبَ به. وطَرِيقٌ لَحْبٌ من هذا.

ومن ذلك قولهم للحجر (جَنْدَل). فممكنٌ أن يكون نونه زائدة، ويكون من الجَدْل وهو صلابةٌ في الشّيء وطَيٌّ وتداخُل، يقولون خَلْقٌ مَجْدُول. ويجوز أن يكون منحوتاً من هذا ومن الجَنَد، وهي أرضٌ صُلْبة. فهذا ما جاء على المقاييس الصحيحة.

ومما وُضِع وضْعاً ولم أعرِف له اشتقاقاً:

(المُجْلَنْظِي): الذي يستلقي على ظهره ويرفع رِجْلَيْهِ.

و(المجلَعِبُّ([18])): المضطجع. وسيلٌ مُجْلَعِبٌّ: كثير القَمْشِ.

و(المجْلَخِدّ): المستلقِي.

(وجَحْمظْت) الغلامَ، إذا شددتَ يديه إلى رجليه وطرحته([19]).

و(الجُخْدَُب): دُوَيْبّة، ويقال له جُخَادِبٌ، والجمع جَخَادِبُ.

و(الجُعْشُم([20])) الصغير البَدَن القليلُ اللَّحْم.

و(الجَلَنْفَعُ): الغليظ من الإبل [و(الجُخْدَُبُ): الجَمَل الضَّخْم([21])] قال:

* شَدّاخَةً ضَخْمَ الضُّلوعِ جَخْدَبا([22]) *

ويقال (اجْلَخَمَّ) القومُ، إذا استكبَرُوا. قال:

* نَضْرِبُ جَمْعَيْهِمْ إذا اجْلَخَمُّوا([23]) *

و(الجِعْثَنُ): أصول* الصِّلِّيان. و(الجَلْسَد): اسمُ صَنَم([24]). قال:

............... كما *** بَيْقَرَ مَنْ يَمْشِي إلى الجَلْسَدِ([25])

و(الجِرْسَام) السَُِّم الزُّعاف.

(تم كتاب الجيم)

ــــــــــــــ

([1]) البيت لعبد الله بن سبرة يرثي يده، وكانت قد قطعت في غزوات الروم. وقبل البيت كما في اللسان (جذمر) وأمالي القالي (1: 47):

فإن يكن أطربون الروم قطعها *** فإن فيها بحمد الله منتفعا

وفي الأصل: "أقيم به" وإنما الضمير للبنانتين والجذمور.

([2]) البيت في اللسان (جردب) وأمالي القالي (2: 54) والجمهرة (3: 298) بدون نسبة. وفي الجمهرة

(3: 414): "يمينك"، تحريف. "وجردبان" يقال بضم الجيم والدال وفتحهما. والحق أن الكلمة من الفارسي المعرب، وهي في الفارسية "كردهبان" أي حافظ الرغيف. و" كرده" هو الرغيف. انظر اللسان والمعرب 110 ومعجم استينجاس 1081.

([3]) البيت من أبيات لنافع بن خليفة الغنوي، في أمالي القالي (3: 116) .

([4]) البيت للمثقب العبدي، من أول قصيدة له في ديوانه مخطوطة دار الكتب رقم 565. وسيأتي في (لغو) وهو في اللسان (عرض). وقد أنشده في (جلمد) محرفاً غير منسوب.

([5]) "المتنفج" المفتخر بأكثر مما عنده كما في القاموس. وفي الأصل: "المنتفج" تحريف.

([6]) في الأصل: "جعظار"، صوابه من المجمل واللسان، وفي اللسان: عند الكلام على الجعظار: "وهو أيضاً الذي ينتفج بما ليس عنده مع قصر ". وفي أصل اللسان: "يتنفخ" والوجه ما أثبت.

([7]) في هذا التخريج تقصير، وذاك أنه لم يأت بكلمة فيها الراء. ولعله جعل الراء زائدة، كما سيأتي في تخريج بعض الكلمات.

([8]) بعده كما في اللسان (جنعظ):

إن لم يجد يوماً طعاماً مصلحا *** قبح وجهاً لم يزل مقبحا

([9]) ذهب بلفظ "الأرض" هنا إلى الموضع والمكان، كما ذهب الآخر في قوله:

فلا مزنة ودقت ودقها *** ولا أرض أبقل إبقالها

([10]) الحادر، بالحاء المهملة: الممتلئ لحماً وشحماً مع ترارة. وفي الأصل: "قولهم مجدول للجادر"، وفيه إقحام وتحريف.

([11]) في الأصل: "وهو إذا تجمع".

([12]) يقال: جحشل وجحاشل للخفيف السريع. قال:

لاقيت منه مشمعلا جحشلا *** إذا خببت في اللقاء هرولا

([13]) لرؤبة في ديوانه 121 واللسان (جعبر، قسس، طهمل). وقبله:

يمسين عن قس الأذى غوافلا *** ينطقن هوناً خردا بهاللا

([14]) في الأصل: "جلندع" بالعين، والصواب ما أثبت كما في المجمل واللسان والقاموس. وليس للجلندع ذكر في المعاجم.

([15])في الأصل "الجلع". وانظر التنبيه السابق.

([16]) للنعمان بن عدي بن نضلة، كما سبق في حواشي (جذو 439).

([17]) يقال: "ذئر وذائر" كلاهما للمذكر والمؤنث بلفظ واحد.

([18]) في الأصل: "مجعلب" صوابه بتقديم اللام.

([19]) كذا. وفي اللسان: "جحمظ الغلام شد يديه على ركبتيه" فقط. وفي القاموس: "الجحمظة.. وشد يدي الغلام على ركبتيه ليضرب، أو الإيثاق كيف كان".

([20]) في الأصل: "الجعثم"، صوابه بالشين.

([21]) هذه التكملة من المجمل كما جاء الكلام فيه على النسق الذي أوردته، وكما أن الاستشهاد التالي يتطلب إيرادها.

([22]) البيت لرؤبة كما في اللسان (جخدب). وليس في ديوانه. وبه استشهد الجوهري في الصحاح على أنه في صفة الجمل الضخم. وقد اعترض ابن بري بأن ليس كذلك، وإنما هو في صفة فرس. وقبله:

ترى لـه مناكباً ولببا *** وكاهلا ذا صهوات شرجبا

([23]) البيت للعجاج في ديوانه 63 واللسان (جلخم). وفي الأصل: "جميعهم"، تحريف.

([24]) قال ياقوت: "اسم صنم كان بحضرموت. ولم أجد ذكره في كتاب الأصنام لأبي المنذر هشام بن محمد الكلبي".

([25]) سبق الاستشهاد بهذا الجزء على تلك الصورة في مادة (بقر 280) حيث ذكرت في الحواشي نسبته وتمامه. وفي الأصل: "كما ينظر" تحريف.

 

مراجع التحقيق والضبط (1)

الآثار الباقية للبيروني. طبع ليبسك 1878.‏

الإتباع والمزاوجة لابن فارس. طبع غيسن 1906م.‏

إتحاف فضلاء البشر للدمياطي. طبع القاهرة 1359.‏

أخبار الظراف والمتماجنين لابن الجوزي. طبع دمشق 1347.‏

أدب الكاتب لابن قتيبة. طبع السلفية 1346.‏

إرشاد الأريب لياقوت. طبع دار المأمون 1355.‏

الأزمنة والأمكنة للمرزوقي. طبع حيدر أباد 1332.‏

أساس البلاغة للزمخشري. طبع دار الكتب 1341.‏

أسماء خيل العرب لابن الأعرابي. طبع ليدن 1928م.‏

الاشتقاق لابن دريد. طبع جوتنجن 1853م.‏

الإصابة لابن حجر. طبع القاهرة 1323.‏

الأصمعيات للأصمعي. طبع ليبسك 1902م.‏

الأضداد لابن الأنباري. طبع القاهرة 1325.‏

الأغاني لأبي الفرج. طبع محمد ساسي 1323.‏

الاقتضاب لابن السيد. طبع بيروت 1901م.‏

أمالي ثعلب. طبع دار المعارف 1369.‏

أمالي القالي. طبع دار الكتب المصرية 1344.‏

أمالي المرتضى. طبع القاهرة 1325.‏

إنباه الرواة للقفطي. مصورة دار الكتب المصرية برقم 2579 تاريخ.‏

الإنباه على قبائل الرواة، لابن عبد البر. طبع القاهرة 1350.‏

الأنساب للسمعاني. طبع ليدن 1912م.‏

الإنصاف لابن الأنباري 5 طبع القاهرة 1364.‏

أوجز السير لابن فارس. طبع بمباي 1311.‏

البداية والنهاية لابن كثير. طبع القاهرة 1358.‏

بغية الوعاة للسيوطي. طبع القاهرة 1326.‏

تاج العروس للزبيدي. طبع القاهرة 1306.‏

تاريخ بغداد للخطيب. طبع القاهرة 1349.‏

تذكرة الحفاظ للذهبي. طبع حيدر أباد 1333م.‏

تفسير أبي حيان. طبع القاهرة 1328.‏

تكملة شعر الأخطل. طبع الكاثوليكية ببيروت 1938م.‏

تمام فصيح الكلام لابن فارس. مخطوطة المكتبة التيمورية 523 لغة .‏

تنبيه البكري على أمالي القالي. طبع دار الكتب 1344.‏

تهذيب الألفاظ لابن السكيت. طبع بيروت 1895م.‏

تهذيب التهذيب لابن حجر. طبع حيدر أباد 1325.‏

ثمار القلوب للثعالبي. طبع القاهرة 1326.‏

الجمهرة لابن دريد. طبع حيدر أباد 1351.‏

جمهرة أشعار العرب. طبع بولاق 1308.‏

الحيوان للجاحظ. طبع الحلبي 1358-1366.‏

خزانة الأدب للبغدادي. طبع بولاق 1299.‏

الخصائص لابن جني. طبع القاهرة 1331.‏

الخيل لأبي عبيدة. طبع حيدر أباد 1358.‏

دمية القصر للباخرزي. طبع حلب 1348م.‏

ديوان الأخطل. طبع بيروت 1891.‏

ديوان الأعشى. طبع جاير 1927م.‏

ديوان الأفوه. مخطوطة دار الكتب المصرية برقم 12 ش أدب.‏

ديوان امرئ القيس. طبع القاهرة 1324.‏

ديوان أمية بن أبي الصلت. طبع بيروت 1353.‏

ديوان أوس بن حجر. طبع جاير 1892م.‏

ديوان جران العود. طبع دار الكتب 1350.‏

ديوان جرير. طبع القاهرة 1315.‏

ديوان حاتم. (من مجموع خمسة دواوين) طبع القاهرة 1293.‏

ديوان حسان. طبع القاهرة 1347.‏

ديوان الحطيئة. طبع مطبعة التقدم بالقاهرة.‏

ديوان الحماسة للبحتري. طبع القاهرة 1929م.‏

ديوان الحماسة لأبي تمام. طبع القاهرة 1331.‏

ديوان الحماسة لابن الشجري. طبع حيدر أباد 1345.‏

ديوان الخنساء. طبع بيروت 1895م.‏

ديوان أبي ذؤيب. طبع دار الكتب 1364.‏

ديوان ذي الرمة. طبع كمبردج 1919.‏

ديوان رؤبة. طبع ليبسك 1903م.‏

ديوان زهير. طبع دار الكتب 1363.‏

ديوان سلامة بن جندل. طبع بيروت 1910م.‏

ديوان الشماخ. طبع مطبعة السعادة.‏

ديوان طرفة. طبع قازان 1909م.‏

ديوان الطرماح. طبع ليدن 1928م.‏

ديوان عبيد بن الأبرص. طبع ليدن 1913م.‏

ديوان العجاج. طبع ليبسك 1903م.‏

ديوان علقمة الفحل (من مجموع خمسة دواوين) طبع القاهرة 1293.‏

ديوان عمر بن أبي ربيعة. طبع القاهرة 1311.‏

ديوان عنترة. طبع الرحمانية.‏

ديوان الفرزدق. طبع القاهرة 1354.‏

ديوان القطامي. طبع برلين 1902م.‏

ديوان قيس بن الخطيم. طبع ليبسك 1914م.‏

ديوان ابن قيس الرقيات: طبع فينا 1902م.‏

ديوان كثير. طبع الجزائر 1928م.‏

ديوان كعب بن زهير . مخطوطة دار الكتب برقم 11407ز.‏

ديوان الكميت. طبع ليدن 1904م.‏

ديوان لبيد. طبع فينا 1880 و 1881م.‏

ديوان المتلمس. مخطوطة الشنقيطي بدار الكتب برقم 598 أدب.‏

ديوان المعاني للعسكري. طبع القاهرة 1352.‏

ديوان النابغة (من مجموع خمس دواوين). طبع القاهرة 1293.‏

ديوان الهذليين. طبع دار الكتب 1324.‏

ديوان الهذليين نسخة الشنقيطي المخطوطة بدار الكتب برقم 6 ش أدب.‏

ذم الخطأ في الشعر. طبع القاهرة 1349.‏

رسالة التلميذ للبغدادي. نشرت بمجلة المقتطف عدد مارس 1945م.‏

الروض الأنف للسهيلي. طبع القاهرة 1332.‏

زهر الآداب للحصري. طبع القاهرة 1925م.‏

سيرة ابن هشام. طبع جوتنجن 1859م.‏

شذرات الذهب، لابن العماد. طبع القاهرة 1350.‏

شرح أشعار الهذليين للسكري. طبع لندن 1854م.‏

شرح بانت سعاد. طبع القاهرة 1321.‏

شرح شواهد المغني للسيوطي. طبع القاهرة 1322.‏

شرح المفضليات للأنباري. طبع بيروت 1930م.‏

شرح المقامات للشريشي. طبع بولاق 1300.‏

الشعر والشعراء لابن قتيبة. طبع القاهرة 1322.‏

شعراء النصرانية. طبع بيروت 1890م.‏

الصاحبي لابن فارس. طبع القاهرة 1328.‏

الصحاح للجوهري. طبع بولاق 1282.‏

صفوة الصفوة لابن الجوزي. طبع حيدر أباد 1355.‏

العقد لابن عبد ربه. طبع القاهرة 1331.‏

العمدة لابن رشيق. طبع القاهرة 1344.‏

عيون الأخبار لابن قتيبة. طبع دار الكتب 1343.‏

الغريب المصنف. مخطوطة دار الكتب المصرية برقم 121 لغة.‏

فقه اللغة للثعالبي. طبع الحلبي 1357.‏

القراءات الشاذة لابن خالويه. طبع القاهرة 1934م.‏

الكامل لابن الأثير. طبع بولاق 1290.‏

الكامل للمبرد. طبع ليبسك 1864م.‏

كتاب سيبويه. طبع بولاق 1316.‏

كشف الظنون لحاجي خليفة. طبع تركيا 1310.‏

الكنايات للجرجاني. طبع القاهرة 1326.‏

مجمع الأمثال للميداني. طبع القاهرة 1342.‏

المجمل لابن فارس. طبع القاهرة 1331.‏

المجمع المؤسس لابن حجر العسقلاني: مخطوطة دار الكتب برقم 75 مصطلح.‏

مجموع أشعار الهذليين. طبع ليبسك 1933م.‏

مختصر في المذكر والمؤنث لابن فارس. مخطوطة المكتبة التيمورية برقم 265 لغة.‏

المخصص لابن سيده. طبع بولاق 1318.‏

مرآة الجنان لليافعي. طبع حيدر أباد 1339.‏

المرصع لابن الأثير. طبع ديمار 1896م.‏

المزهر للسيوطي. طبع دار إحياء الكتب العربية 1364.‏

المعارف لابن قتيبة. طبع القاهرة 1353.‏

معجم البلدان لياقوت. طبع القاهرة 1323.‏

معجم الشعراء للمرزباني. طبع القاهرة 1354.‏

المعجم الفارسي الإنجليزي لاستينجاس. طبع لندن 1920م.‏

المعرب للجواليقي. طبع دار الكتب 1361.‏

المعلقات السبع للزوزني . طبع القاهرة 1340.‏

المعلقات العشر للتبريزي. طبع القاهرة 1343.‏

المفضليات للضبي. طبع المعارف 1361.‏

المعمرين للسجستاني. طبع القاهرة 1362.‏

مقالة كلا وما جاء منها في كتاب الله. طبع السلفية 1347.‏

مقامات الحريري. طبع القاهرة 1326.‏

الملاحن لابن دريد. طبع السلفية 1343.‏

الميسر والقداح لابن قتيبة. طبع السلفية 1343.‏

نزهة الألباء لابن الأنباري. طبع القاهرة 1294.‏

نسب الخيل لابن الكلبي. طبع ليدن 1928م.‏

نوادر أبي زيد. طبع بيروت 1894م.‏

النيروز لابن فارس. مخطوطة المكتبة التيمورية برقم 402 لغة.‏

وفيات الأعيان. طبع القاهرة 1310.‏

يتيمة الدهر. طبع دمشق 1303.‏

(1) لم أذكر هنا إلا ما ورد له ذكر في أثناء التحقيق والضبط بهذا الجزء.‏

وسيضاف في نهاية كل جزء من الأجزاء التالية ما يحتاج إليه التحقيق.‏=

ج2.معجم مقاييسُ اللّغة لأبي الحسين أحمد بن فارِس بن زكَرِيّا ( -395)

الجُزْءُ الثاني

بتحقيق وضبط: عبد السَّلام محمد هَارُون

كتاب الحاء:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق أوّ‏

ـ (باب الحاء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والسين وما يثلهما)‏

ـ (باب الحاء والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والضاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والواو وما معهما من الحروف في الثلاثي)‏

ـ (باب الحاء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والألف وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الحاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والتاء وما يثلثهما( ) )‏

ـ (باب الحاء والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الحاء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف)‏

كتاب الخاء:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب أوله خاء في المضاعف ‏

ـ (باب الخاء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والضاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والظاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والميم وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الخاء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الخاء والجيم وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله خاء)‏

كتاب الدال:

ـ (باب الدال وما بعدها في المضاعف والمطابق)‏

ـ (باب الدال والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والسين وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الدال والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب* الدال والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والنون وما يثلثهما في الثلاثي)‏

ـ (باب الدال والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والألف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الدال والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله دال)‏

كتاب الذّال:

ـ (باب الذال وما معها في الثنائي والمطابق)‏

ـ (باب الذال والراء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والقاف وما يثلثهما)

ـ (باب الذال والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال واللام وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والهاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الذال والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ذال( ))‏

كتاب الرّاء:

ـ (باب الراء وما معها في الثنائي والمطابق)‏

ـ (باب الراء والزاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والسين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والشين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والصاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والضاد وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والطاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والعين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والغين وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والفاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والقاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والكاف وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والميم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والنون وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراءِ والهاءِ وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والواو وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والياء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والهمزة وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والباء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والتاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والثاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والجيم وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والحاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والخاء وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والدال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء والذال وما يثلثهما)‏

ـ (باب الراء وما بعدها مما هو أكثر من ثلاثة أحرف)

مراجع التحقيق والضبط‏

 

كتاب الحاء:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب في المضاعف والمطابق أوّلُه حاء، وتفريعِ مقاييسه)

(حد) الحاء والدال أصلان: الأوّل المنع، والثاني طَرَف الشيء.

فالحدّ: الحاجز بَيْنَ الشَّيئين([1]). وفلان محدودٌ، إذا كان ممنوعاً. و"إنّه لَمُحارَفٌ محدود"، كأنه قد مُنِع الرِّزْقَ. ويقال للبوَّاب حَدّاد، لمنْعِه النَّاسَ من الدخول. قال الأعشى:

فَقُمنْا ولَمَّا يَصِحْ دِيكُنا *** إلى جَوْنَةٍ عند حَدّادِها([2])

 وقال النابغة في الحدّ والمنْع:

إلاّ سليمانَ إذْ قال المَلِيكُ له *** قُمْ في البرِيّة فاحدُدْها عن الفَنَد([3])

وقال آخر:

يا رَبِّ مَن كَتَمني الصِّعَادا([4]) ***

 فهَبْ لَهُ حَليلةً مِغْدادا

كانَ لها ما عَمِرَتْ حَدَّادَا

أي يكون بَوّابَها لئلا تَهْرُب. وسمِّي الحديدُ حديداً لامتناعه وصلابته وشدّته. والاستحداد: استعمال الحديد. ويقال حَدَّت المرأة على بَعْلها وَأَحَدَّتْ، وذلك إذا منعَتْ نَفْسَها الزِّينةَ والخِضاب. والمحادَّة: المخالَفَة، فكأنّه الممانعةُ. ويجوز أن يكون من الأصل الآخَر.

ويقال: مالي عن هذا الأمر حَدَدٌ ومُحْتَدٌّ، أي مَعْدَل وَمُمتَنَع. ويقال حَدَداً، بمعنى مَعَاذَ الله. وأصله من المَنْع. قال الكميت:

حَدَداً أن يكون سَيْبُك فِينا *** زَرِماً أو يَجِيئَنا تَمْصِيرا([5])

وحَدُّ العاصي سُمِّي حَدَّاً لأنّه يمنعه عن المعاوَدَة. قال الدّريديّ: "يقال هذا أمر حَدَدٌ، أي منيع([6])".

وأمّا الأصل الآخَر فقولهم: حدُّ السَّيف وهو حَرْفه، وحدُّ السِّكِّين. وحَدُّ الشَّراب: صلابته. قال الأعشى:

* وكأْسٍ كعَيْنِ الديك باكَرْتُ حَدَّها([7]) *

وحَدُّ الرَّجل: بأسُه. وهو تشبيه.

ومن المحمول الحِدّةَ التي تعتري الإنسان من النَّزق. تقول: حَدَدت على الرّجل أَحِدُّ حِدَّةً.

(حذ) الحاء والذال أصلٌ واحدٌ يدل على القَطْع والْخِفّة والسُّرعة، لا يشذُّ منه شيءٌ. فالحذُّ: القَطْعُ. والأَحَذُّ: المقطوع الذّنَب. ويقال للقطاةِ حَذّاءُ، لِقصَر ذَنَبها. قال:

حَذّاءُ مدْبِرةً سَكَّاءُ مُقْبِلةً *** للماء في النَّحر منها نَوْطَةٌ عَجَبُ([8])

  وأمْرٌ أحذّ: لا متعلّق فيه لأحَدٍ: قد فُرِع منه وأُحْكِم. قال:

إذا ما قَطعْنا رَمْلَةً وعَدَابَها *** فإنَّ لنا أمْراً أحذَّ غمُوسا([9])

  قال الخليل: الأحذّ:  الذي لا يتعلَّق به الشيء. ويسمَّى القلبُ أحَذّ. قال: وقصيدة حَذَّاءُ: لا يَتعلَّقُ بها من العيب شيءٌ لجَوْدتها. والحَذّاء: اليَمين المنكَرَة يُقْتَطَعُ بها الحقُّ([10]).

ومن هذا الباب في المُطابَق: قَرَبٌ حَذْحَاذٌ([11])، أي سريعٌ حثيث.

وفي حديث عُتْبةَ بن غَزْوان([12]): "إنَّ الدُّنْيا قد آذنَتْ بصُرْمٍ ووَلَّت حَذَّاءَ، ولم تَبْق منها صُبابةٌ إلاّ كصُبابة الإناء".

(حر)  الحاء والراء في المضاعف له أصلان:

فالأوّل ما خالف العُبودِيّة وبَرئ من العيب والنَّقص. يقال هو حُرٌّ بيِّنُ الْحَرُورِيّة والحُرّيّة. ويقال طِينٌ حُرٌّ: لا رمْل فيه. وباتَتْ فلانةُ بلَيْلَةِ حُرَّةٍ، إذا لم يصل إليها بَعْلُها في أوّلِ ليلَةٍ؛ فإنْ تمكَّن منها فقد باتَتْ بليلةِ شَيْبَاءَ. قال:

شُمْسٌ موانعُ كُلِّ لَيلةِ حُرَّةٍ *** يُخْلِفْنَ ظَنَّ الفاحش المِغْيارِ([13])

  وحُرُّ الدّار: وَسَطها. وحُمِل على هذا شيءٌ كثيرٌ، فقيل لولد الحيّة حُرٌّ. قال:

مُنطوٍ في جَوف ناموسِهِ *** كانطواء الحُرِّ بين السِّلامْ([14])

  ويقال لذكَر القَمَاريّ ساقُ حُرٍّ. قال حُمَيد:

وما هاج هذا الشَّوقَ إلاّ حمامةٌ *** دعَتْ ساقَ حُرٍّ تَرْحَةً وترنُّما([15])

  وامرأةٌ حُرّةُ الذِّفْرَى، أي حُرَّةُ مَجَالِ القرْط. قال:

والقُرْطُ في حُرَّةِ الذّفْرَى* مُعَلّقُهُ *** تباعَدَ الحَبْل منه فهو مضطربُ([16])

  وحُرُّ البَقْل: ما يُؤكلُ غيرَ مطبوخٍ. فأما قول طَرَفة:

لا يكُنْ حُبُّكِ داءً داخِلاً *** ليس هذا مِنكِ ماويَّ بحُرّْ([17])

  فهو من الباب، أي ليس هذا منك بحَسَن ولا جَميل. ويقال حَرَّ الرّجلُ يَحَرُّ، من الحُرِّيّة.

والثاني: خلاف البَرْد، يقال هذا يومٌ ذو حَرٍّ، ويومٌ حارٌّ. والحَرُور: الريح الحارّة تكون بالنهار واللَّيل. ومنه الحِرَّة، وهو العطَش. ويقولون في مَثَلٍ: "حِرَّةٌ تَحْتَ قِرَّةٍ([18]).

ومن هذا الباب: الحَرِير، وهو المحرور الذي تداخَلَهُ غيظٌ من أمرٍ نزل به. وامرأةٌ حريرة. قال:

خرجْنَ حَريراتٍ وأبديْنَ مِجْلداً *** وجالَتْ عليهنَّ المكتَّبَةُ الصُّفْرُ([19])

  يريد بالمكتّبة الصُّفْر القِداحَ.

والحَرَّة: أرض ذات حجارةٍ سوداء([20]). وهو عندي من الباب لأنَّها كأنّها محترقة. قال الكسائيّ: نهشل بن حَرِّيٍّ([21])، بتشديد الراء، كأنّه منسوب إلى الحَرّ. قال الكسائي: حَرِرتَ يا يومُ([22]) تَحَرّ وَحَرَرْتَ تَحِرّ، إذا اشتدَّ حَرُّ النَّهار.

(حز) الحاء والزّاء أصلٌ واحد، وهو الفَرْضُ في الشيءِ بحديدة أو غيرها، ثم يشتقُّ منه. تقول من ذلك: حزَزْت في الخشَبة حَزَّاً. وإذا أصاب مِرفَقُ البعير كِركِرتَه فأثَّر فيها، قيل به حازٌّ([23]). والحُزَّازُ: ما في النَّفس من غيظٍ؛ فإنّه يحزُّ القلبَ وغيرَه حزّا. قال الشمّاخ:

فلما شَرَاها فاضَت العَينُ عَبْرَةً *** وفي الصدر حُزَّازٌ من اللّوْمِ حامِزُ([24])

  والحَزَازَة من ذلك. وكلُّ شيءٍ حَكَّ في صدرك فقد حَزَّ. ومنه حديث عبد الله: "الإثْم حَزَّازُ القُلُوب([25])". [ و] من الباب الحَزيز، وهو مكانٌ غليظٌ مُنقاد، والجمع أحِزَّة. قال:

* بأَحِزَّةِ الثَّلَبُوتِ([26]) *

ومنه الحَزاز، وهو هِبْرِيَةٌ في الرأس. ويقال جئت على حَزَّةٍ مُنكَرة، أي حالٍ وساعةٍ. وما أُراه([27]) يقال في حالٍ صالحة. قال:

* وبأيِّ حَزِّ مُِلاَوَةٍ تَتَقَطَّعُ([28]) *

(حس) الحاء والسين أصلان: فالأول غلبة الشيء بقتل أو غيره، والثاني حكايةُ صوتٍ عند توجُّعٍ وشبهه.

فالأول الحَسُّ: القَتْل، قال الله تعالى: {إذْ تَحُسُّونَهُمْ بإذْنِه} [آل عمران 152]. ومن ذلك الحديث: "حُسُّوهم بالسيف حَسّاً". وفي الحديث في الجراد: "إذا حَسَّهُ البَرْدُ". والحَسِيس: القَتِيل([29]). قال الأفوه:  * وقد تَرَدَّى كلُّ قِرْنٍ حَسيسْ([30]) *

ويقال إن البَرْدَ مَحسَّةٌ للنَّبَاتِ. ومن هذا حَسْحَسْت الشيء من اللحم، إذا جعلْتَه على الجَمْرة؛ وحَشْحشْت أيضاً. ويقول العرب: افعل ذلك قبل حُساس الأيسار، أي قبل أن يُحسحِسوا من جَزُورهم، أي يَجْعَلُوا اللحم على النار.

ومن هذا الباب قولهم أحْسَسْتُ، أي عَلِمْتُ بالشيء. قال الله تعالى:{هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ} [مريم 98]. وهذا محمولٌ على قولهم قتلتُ الشيءَ عِلْما. فقد عاد إلى الأصل الذي ذكرناه. ويقال للمَشَاعر الخَمْسِ الحواسُّ، وهي: اللَّمس، والذَّوق، والشمَّ، والسمع، والبصر.ومن هذا الباب قولهم: من أين حَسِسْتَ هذا الخبر، أي تخبّرتَه.

ومن هذا الباب قولهم للذي يطرد الجوعَ بسخائه: حسحاس. قال:

واذكرْ حسيناً في النَّفير وقبله *** حَسَنا وعُتبة ذا الندى الحَسْحَاسا

  والأصل الثاني: قولهم حَسّ([31])، وهي كلمةٌ تقال عند التوجُّع. ويقال حَسِسْت له فأنا أحَسُّ، إذا رقَقْت له، كأنَّ قلبَك ألِمَ شفقةً عليه. ومن [الباب] الحِسُّ، وهو وجعٌ يأخذ المرأة عند وِلادِها. ويقال انحسَّت أسنانه: انقلعَتْ. وقال:

في مَعْدِنِ المُلْكِ القديم الكِرْسِ *** ليس بمَقْلُوعٍ ولا مُنْحَسِّ([32])

  ومن هذا الباب وليس بعيداً منه الحُسَاس، وهو سوءُ الخُلُق. قال:

رُبَّ شَرِيبٍ لك ذِي حُساسِ *** شِرابُه كالحَزِّ بالمَوَاسِي([33])

ويقال الحُساس الشُّؤم. فهذا يصلح أن يكون من هذا، ويصلح أن يكون من الأول لأنه يذهب بالْخيْر.

(حش) الحاء والشين أصلٌ واحد، *وهو نباتٌ أو غيرُه يَجفُّ، ثم يستعارُ هذا في غيره والمعنى واحد. فالحشيش: النبات اليابس. والحِشاش والمَِحَشُّ: وعاؤه. قال.

* بين حِشاشَيْ بازِلٍ جِوَرِّ([34]) *

وحِشَاشا الإنسانِ وغيره: جَنْباه، عن أبي مالك، كأنَّهما شُبِّها بحِشَاشَيِ الحشيش. والحُشَّةُ: القُنَّةُ تُنْبِتُ ويَبْيَضُّ فوقَها الحشيش([35]). قال:

* فالحُشَّة السَّوداء من ظهر العَلَم *

والمُحَشُّ من الناس: الصغير، كأنه قد يَبِس فصغُر. قال:

* قُبِّحْتَ مِن بَعْلٍ مُحَشٍّ مُودَنِ *

ويقال استحشَّتِ الإبلُ: دَقَّت أوظِفَتُها من عِظَمِها أو شَحْمها. ويقولون: اسْتَحَشَّ ساعِدُها كَفَّها، وذلك إذا عَظُم الساعد فاستُصْغِرت الكفُّ. قال:

إذا اصْمَأَلَّ أَخْدَعاه ابتَدَّا ***

إذا هما مَالاَ استَحَشَّا الخَدَّا

  ويقال حشَشْتُ النار، إذا أثقَبتَها، وهو من الأصل الذي ذكرناه، كأنّك جعلت ثَقُوبَها كالحشِيش لها تأكلُه. قال:

فما جبُنوا أنَّا نشُدُّ عليهمُ *** ولكنْ رأوْا ناراً تُحَشُّ وتُسْفَعُ([36])

  وحَشَّ الرجل سهمَه، إذا أَلزَقَ به قُذَذَه من نواحيه.

ومن الباب فرسٌ محشوش الظهر بجنْبَيه، إذا كان مُجْفَر الجنْبَين. قال:

من الحارِكِ محشوشٍ *** بجَنْبٍ مُجْفَرٍ رَحْبِ([37])

  وقول الهذليّ([38]):

في المزنيّ الذي حَشَشْتُ لـه *** مالَ ضَريكٍ تِلادُهُ نَكِدُ([39])

  فإنه يريد كثّرت به مالَ هذا الفقير. وذلك أنه أُسِرَ ففُدِي بماله.

ويقال حَُشَّت اليد([40])، إذا يَبِست، كأنها شُبِّهت بالحشيش اليابس. وأحشّت الحامِلُ، إذا جاوَزَتْ وقت الوِلادِ ويَبِس الولدُ في بطنها.

ومما شذ عن الباب الحُشَاشة: بقية النّفْس. قال:

أبَى الله أن يُبقي لنفسي حُشاشةً *** فصبراً لما قد شاء اَلله لي صبرا([41])

  (حص) الحاء والصاد في المضاعف أصول ثلاثة: أحدها النَّصيب، والآخر وضوحُ الشيء وتمكنُّه، والثالث ذهاب الشيء وقلّته.

فالأول الحِصّة، وهي النَّصيب، يقال أحصَصْتُ الرّجلَ إذا أعطيتَه حِصَّته.

والثاني قولهم حَصْحَصَ الشيءُ: وضَحَ. قال الله تعالى: {الآنَ حَصْحَصَ الحَقُّ} [يوسف 51].

ومن هذه الحصحصةُ: تحريكُ الشيءِ حتى يستمكن ويستقرّ.

والثالث الحَصُّ والحُصاص، وهو العَدْوُ. وانحَصَّ الشعْر عن الرأس: ذهَب. ورجلٌ أحَصُّ قليلُ الشعر. وحَصَّتِ البيْضةُ شعرَ رأسه. قال أبو قيس بن الأسلت:

قد حَصّتِ البَيضَةُ رأسي فما *** أطعَمُ نوماً غيرَ تَهجاعِ([42])

  والحصحصة: الذَّهاب في الأرض. ورجل أحَصُّ وامرأةٌ حَصّاءُ، أي مشْؤُومة. وهو من الباب، كأنَّ الخير قد ذهب عَنْها. ومن هذا الباب فلانٌ يَحُصّ، إذا كان لا يُجِير أحداً. قال:

أَحُصُّ ولا أُجِيرُ ومَن أُجِرْهُ *** فليس كمن يُدَلَّى بالغُرُورِ([43])

  والأَحَصَّانِ: العَبد والعَير؛ لأنهما يُماشِيان أثمانَها حتى يَهرَما فيُنْتَقصَ أثمانُها ويمُوتا.

ويقال سَنَةٌ حَصّاءُ: جرداءُ لا خَير فيها.

ومن الذي شذَّ عن الباب قولهم للوَرْس حُصّ. قال:

مُشَعْشَعَةً كأنَّ الحُصَّ فيها *** إذا ما الماءُ خالَطَها سَخِينا([44])

  (حض)  الحاء والضاد أصلان: أحدهما البَعْث على الشيء، والثاني القَرارُ المسْتَفِلُ.

فالأول حضَضْته على كذا، إذا حَضّضْتَه عليه وحَرّضْتَه. قال الخليل: الفرق بين الحضّ والحثّ أنّ الحثّ يكون في السير والسَّوْقِ وكلِّ شيءٍ، والحضّ لا يكون في سير ولا سَوْق. والثاني الحضيض، وهو قَرار الأرض. قال:

* نزَلْتُ إليه قائماً بالحَضِيضِ([45]) *

(حط)  الحاء والطاء أصلٌ واحد، وهو إنزال الشيء من عُلوّ. يقال حطَطْت الشيءَ أحُطّه حَطّاً. وقوله تعالى: {حِطَّةٌ} [البقرة 58، الأعراف 161]، قالوا: تفسيرها اللهم حُطّ عنا أوزارَنا.

ومن هذا الباب قولهم جاريةٌ مَحْطوطة المتْنين، كأنما حُطّ مَتْنَاهَا بالمِحَطِّ. قال:

بيضاءُ مَحْطوطَةُ المتْنَين بَهْكَنَةٌ *** رَيَّا الرّوادفِ لم تُمْغِل بأولادِ([46])

  ومن هذا الباب قولهم رجل حُطَائِطٌ، أي صغير قصير، كأنّه حُطَّ حَطَّا.

ومن هذا الباب قولُهم للنّجيبة السريعة* حَطوطٌ؛ كأنها لا تزال تحطُّ رَحْلاً بأرض([47]). ومما شذّ عن هذا القياس الحَطَاط: بَثْرَةٌ تكون بالوجْه. قال الهذليّ([48]):

ووجهٍ قد طرقْتُ أمَيْمَ صَافٍ *** أَسيلٍ غيرِ جَهْمٍ ذِي حَطاطِ

ويروى:

* كقَرنِ الشّمسِ ليس بذي حَطاطِ *

(حظ) الحاء والظاء أصل واحد، وهو النَّصيب والْجَدّ. يقال فلان أحظُّ من فلانٍ، وهو محظُوظٌ. وجمع الحظِّ أحاظٍ على غير قياس. قال أبو زيد: رجلٌ حظيظ جديد، إذا كان ذا حظٍّ من الرزق. ويقال حَظِظْتُ في الأمر أَحَظُّ. قال: وجمع الحَظّ أحُظٌّ([49]).

(حف)  الحاء والفاء ثلاثة أصول: الأول ضربٌ من الصَّوت، والثاني أن يُطيفَ الشيءُ بالشيء، والثالث شِدَّةٌ في العيش.

تفسير ذلك: الأول الحفيف* حفيفُ الشجرِ ونحوِه، وكذلك حفيفُ جَناح الطائر.

والثاني: قولهم حفّ القوم بفلانٍ إذا أطافُوا به. قال الله تعالى:{وَتَرَى المَلاَئِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ العَرْشِ} [الزمر 75]. ومن ذلك حِفافا كلِّ شيءٍ: جانباه. قال طَرَفة:

كَأَنّ جَناحَيْ مَضْرَحِيٍّ تَكنَّفا *** حِفَافَيْهِ شُكّاً في العَسيبِ بِمسْرَدِ([50])

  ومن هذا الباب: هو على حَفَفِ أمْرٍ أي ناحيةٍ منه، وكلُّ ناحيةِ شيءٍ فإنها تُطِيف به. ومن هذا الباب قولهم: "فلان يَحُفُّنا ويَرُفُّنا" كأنّه يشتمل علينا فيُعْطينا ويَمِيرُنا.

والثالث: الحُفُوف والحَفَف، وهو شدّة العيش ويُبْسُه. قال أبو زيد: حَفَّتْ أرضُنا وقَفَّتْ، إذا يبسَ بَقْلُها. وهو كالشَّظَف. ويقال: هم في حَفَفٍ من العَيش، أي ضيق ومحْلٍ، ثم يُجْرَى هذا حتى يقال رأسُ فلانٍ محفوفٌ وحافٌّ، إذا بَعُد عهدُه بالدُّهن، ثم يقال حَفَّت المرأةُ وجْهها من الشّعر. واحتفَفْتُ النبتَ إذا جَزَزْتَه.

(حق) الحاء والقاف أصلٌ واحد، وهو يدل على إحكام الشيء وصحّته. فالحقُّ نقيضُ الباطل، ثم يرجع كلُّ فرعٍ إليه بجَودة الاستخراج وحُسْن التّلفيق ويقال حَقَّ الشيءُ وجَبَ. قال الكسائيّ: يقول العرب: "إنك لتعرف الحَِقَّةَ عليك، وتُعْفي بما لدَيْكَ([51])". ويقولون: "لَمَّا عَرَف الحِقَّةَ منّي انْكَسَرَ".

ويقال حاقَّ فلانٌ فلاناً، إذا ادّعى كلُّ واحدٍ منهما، فإذا غَلَبَه على الحقِّ قيل حَقَّه وأحَقَّه. واحتَقَّ الناس من الدَّيْنِ، إذا ادَّعى كلُّ واحدٍ الحقَّ.

وفي حديث عليّ عليه السلام: "إذا بلغَ النِّساء نَصَّ الحقَاقِ فالعَصَبَةُ أوْلى".

قال أبو عبيدٍ: يريدُ الإدراكَ وبُلوغَ العقل. والحِقاقُ أن تقول هذه أنا أحقُّ، ويقولَ أولئك نحنُ أحقّ. حاقَقْتُه حِقاقاً. ومن قال "نَصَّ الحقائق" أراد جمع الحقيقة.

ويقال للرجُل إذا خاصَمَ في صغار الأشياء: "إنَّه لَنَزِقُ الحِقاق" ويقال طَعْنَةٌ مُحْتَقَّةٌ، إذا وصلَتْ إلى الجوف لشدَّتها، ويقال هي التي تُطعَن في حُقِّ الورِك. قال الهذلي([52]):

وَهَلاً وقد شرع الأسِنّةَ نحوَها *** مِن بين مُحْتَقٍّ بها ومُشَرِّمِ

  وقال قومٌ: المحتقُّ الذي يُقتَل مكانَه. ويقال ثوبٌ مُحَقَّقٌ، إذا كان محكم النّسج([53]). قال:

تَسَرْبَلْ جِلْدَ وَجهِ أبيك إنّا *** كفَيناك المحقَّقَة الرّقاقا([54])

  والحِقَّةُ من أولاد الإبل: ما استحقَّ أن يُحمَل عليه، والجمع الحِقاق. قال الأعشى:

وهمُ ما همُ إذا عزَّت الخَمْـ *** ـرُ وقامت زِقاقُهم والحِقاقُ([55])

  يقول: يباع زقٌّ منها بحِقّ([56]). وفلان حامِي الحقيقة، إذا حَمَى ما يَحقُّ عليه أن يحمِيه؛ ويقال الحقيقة: الراية. قال الهذليّ([57]):

حامِي الحقيقة نَسَّالُ الوَديقة مِعْـ *** ـتاقُ الوَسيقة لا نِكسٌ ولا وانِ([58])

  والأحقّ من الخيل: الذي لا يعْرَق؛ وهو من الباب؛ لأن ذلك يكون لصلابته وقوّته وإحكامه. قال رجلٌ من الأنصار([59]):

وأَقْدَرُ مُشرفُ الصَّهَواتِ ساطٍ *** كُمَيتٌ لا أحَقُّ ولا شَئيتُ([60])

  ومصدره الحَقَق. وقال قوم: الأقدر أن يسبقَ موضعُ *رِجليه موقعَ يديه. والأحقّ: أنْ يطبِّق هذا ذاك. والشئِيت: أن يقصر موقع حافر رجلَيه عن موقع حافر يديه.

والحاقَّة: القيامة؛ لأنها تحقّ بكل شيء. قال الله تعالى: {وَلكِنْ حَقَّتْ كلِمَةُ العَذَابِ عَلَى الكافِرِينَ} [الزمر 71]. والحَقْحَقَة أرفَعُ السَّير وأتْعَبُه للظَّهْر. وفي حديث مطرّف بن عبد الله لابنه([61]): "خَير الأمور أوساطُها، وشرُّ السَّير الحَقْحَقَة". والحُقُّ: مُلتقَى كلِّ عظمَين إلا الظهرَ؛ ولا يكون ذلك إلا صُلباً قوياً.

ومن هذا الحُقّ من الخشب، كأنه ملتقى الشيء وطَبَقُه. وهي مؤنّثة، والجمع حُقق. وهو في شعر رؤبة:

* تَقْطِيطَ الحُقَقْ([62]) *

ويقال فلانٌ حقيقٌ بكذا ومحقوقٌ به([63]). وقال الأعشى:

لَمَحْقوقةٌ أن تستجيبي لِصَوتِهِ *** وأنْ تعلمي أنّ المُعانَ مُوَفَّقُ

  قال بعضُ أهل العلم في قوله تعالى في قصة موسى عليه السلام: {حَقِيقٌ عَلَيَّ} [الأعرا ف 105]. قال: واجِبٌ عليّ. ومن قرأها {حَقيقٌ عَلَى} فمعناها حريصٌ عَلَى([64]).

قال الكسائي حُقّ لك أن تفعل هذا وحُقِقْتَ. وتقول: حَقَّاً لا أفعل ذلك، في اليمين.

قال أبو عبيدة: ويُدخلون فيه اللام فيقولون: "[لَحَقُّ] لا أفعل ذاك([65])"، يرفعونه بغير تنوين. ويقال حَقَقْتُ الأمرَ وأحقَقْتُه، أي كنتُ على يقينٍ منه. قال الكسائيّ: حَقَقْتُ حَذَرَ الرجُل وأحقَقْتُه: [فعلتُ([66])] ما كان يحذر. ويقال أحَقَّت الناقة من الرّبيع، أي سَمِنَت.

وقال رجلٌ لتميميٍّ: ما حِقَّةٌ حَقَّتْ عَلَى ثلاث حِقاقٍ؟ قال: هي بَكْرَةٌ معها بَكْرتان، في ربيع واحد، سمِنت قبل أن تسمنا ثم ضَبِعَتْ ولم تَضْبَعا([67])، ثم لَقِحت ولم تَلقَحا.

قال أبو عمرو: استحقّ لَقَحُها([68])، إذا وجب. وأحقَّت: دخلَتْ في ثلاث سنين. وقد بلغت حِقَّتها، إذا صارت حِقَّة. قال الأعْشَى:

بحِقّتها رُبِطَتْ في اللَّجِيـ *** ـنِ حتى السَّديسُ لها قد أَسَنّْ([69])

يقال أسَنَّ السِّنُّ نَبَتَ.

(حك)  الحاء والكاف أصلٌ واحد، وهو أن يلتقيَ شيئانِ يتمرّس كلُّ واحدٍ منهما بصاحبه. الحكُّ: حَكُّكَ شيئاً على شيء. يقال ما بقِيتْ في فيه حَاكَّة، أي سنّ. وأحكَّنِي رأسي فحكَكْته. ويقال حكَّ في صدري كذا: إذا لم ينشرح صدْرك له، كأنه شيء شكَّ صدرَك فتمرّس [به]. والحُكاكة: ما يسقط من الشيئين تحكُّهما. والحَكِيك: الحافر النَّحِيت([70]). ويقولون وهو أصل الباب: فلانٌ يتحكَّك بي، أي يتمرَّس.قال الفرّاء: إنه لحِكُّ شَرٍّ، وحِكُّ ضِغْنٍ([71]).

(حل) الحاء واللام لـه فروع كثيرة ومسائلُ، وأصلها كلُّها عندي فَتْح الشيء، لا يشذُّ عنه شيء.

يقال حلَلْتُ العُقدةَ أحُلُّها حَلاًّ. ويقول العرب: "يا عاقِدُ اذكُرْ حَلاًّ". والحلال: ضِدُّ الحرام، وهو من الأصل الذي ذكرناهُ، كأنه من حَلَلْتُ الشيء، إذا أبحْتَه وأوسعته لأمرٍ فيه([72]).

وحَلَّ: نزل. وهو من هذا الباب لأن المسافر يشُدّ ويَعقِد، فإذا نزلَ حَلّ؛ يقال حَلَلْتُ بالقوم. وحليل المرأة: بعلها؛ وحليلة المرء: زوجُه. وسُمِّيا بذلك لأن كلّ واحدٍ منهما يَحُلُّ عند صاحبه.

قال أبو عبيد: كل من نازَلَكَ وجاوَرَك فهو حَليل. قال:

ولستُ بأطْلَسِ الثَّوبينِ يُصْبِي *** حليلتَه إذا هدأ النِّيامُ([73])

  أراد جارتَه. ويقال سمِّيت الزوجةُ حليلةً لأن كلَّ واحدٍ منهما يحلُّ إزارَ الآخر. والحُلّة معروفة، وهي لا تكون إلا ثوبَين. وممكن أن يحمل على الباب فيقال لمَّا كانا اثنَينِ كانت فيهما فُرْجة.

ومن الباب الإحليل، وهو مَخرج البَول، ومَخرج اللَّبن من الضَّرْع.

ومن الباب تحلحل عن مكانه، إذا زال. قال:

* ثَهْلانَُ ذو الهَضَبَاتِ لا يتلحلحَلُ([74]) *

والحلاحِل: السيِّد، وهو من الباب ليس بمنْغَلق محرَّم كالبخيل المُحكم اليابس. والحِلَّة: الحيُّ النزول مِن العرب قال الأعشى:

لقد كانَ في شيبانَ لو كنت عالما *** قِبابٌ وحَيٌّ حِلّةٌ وقبائلُ([75])

  و*المَحَلَّة: المكانُ ينزِل به القومُ. وحيٌّ حِلاَلٌ نازلون. وحلَّ الدَّينُ وجب. والحِلُّ ما جاوزَ الحرم. ورجلٌ مُحِلٌّ من الإحلال، ومُحرِم من الإحرام. وحِلٌّ وحَلالٌ بمعنى؛ وكذلك في مقابلته حِرْم وحَرَام. وفي الحديث: "تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ميمونةَ وهما حَلاَلانِ". ورجلٌ مُحِلٌّ لا عَهْدَ له، ومحْرِم ذُو عَهْد. قال:

جَعَلْن القَنَان عن يمينٍ وحَزْنَه *** وكم بالقَنَانِ مِن مُحِلٍّ ومُحْرِم([76])

  وقال قوم: مِنْ محلٍّ يرى دمي حلالاً، ومحرِمٍ يراه حَرَاما.

والحُلاَّن: الجدي يُشقُّ له عن بطن أمّه. قال:

يُهدِي إليه ذِراعَ الجَفْر تَكْرِمَةً  *** إمّا ذبيحاً وإمّا كانَ حُلاَّنَا([77])

  وهو من الباب. وحَلّلْتُ اليمينَ أحَلِّلُها تحليلا([78]). وفعلتُ هذا تَحِلَّةَ القسَم، أي لم أفعل إلا بقدْرِ ما حَلَّلْتُ به قَسَمي أنْ أفعله ولم أبالِغْ. ومنه: "لا يموتُ لمؤمنٍ ثلاثةُ أولادٍ فتمسَّه النّارُ إلا تَحِلّةَ القَسَم". يقول: بقدر ما يبَرُّ الله تعالى قسمَه فيه من قوله: {وَإِنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُها[ [مريم 71]، أي لا يرِدُها إلا بقدر ما يحلِّلُ القَسَم([79])، ثم كثُر هذا في الكلام حتى قِيل لكلِّ شيء لم يبالَغْ فيه تحليلٌ؛ يقال ضربتُه تحليلاً، ووقعَتْ مَنَاسِمُ هذه الناقةِ تحليلاً، إذا لم تُبالغْ في الوقع بالأرض. وهو في قول كعب بن زهير:

* وقْعُهنَّ الأرضَ تحليلُ([80]) *

فأمّا قولُ امرئ القيس:

كبِكْرِ المقاناةِ البَياضَ بصُفرَةٍ *** غذاها نميرُ الماءِ غيرَ مُحَلَّلِ

  ففيه قولان: أحدهما أن يكون أراد الشيء القليل، وهو نحوُ ما ذكرناه من التَّحِلَّة. والقول الآخر: أن يكون غير مَنزولٍ عليه فيَفْسُد ويُكدَّر.

ويقال أحَلَّت الشاةُ، إذا نزل اللَّبن في ضَرْعِها من غير نَتاج. والحِلالُ: مَتاع الرَّحْل. قال الأعشى:

وكأنَّها لم تَلْقَ ستّةَ أشهر *** ضُرَّاً إذا وضَعَتْ إليك حِلاَلَها([81])

  كذا رواه القاسم بن مَعْن، ورواه غيره بالجيم.

والحِلال: مركَبٌ من مراكب النساء. قال:

* بَعِيرَ حِلالٍ غادَرَتْهُ مُجَعْفَلِ([82]) *

ورأيت في بعض الكتب عن سِيبويه: هو حِِلَّةَ الغَوْر، أي قَصْدَه. وأنشد:

سَرَى بعد ما غار النُّجومُ وبَعْدَما *** كأنّ الثرَيّا حِلَّةَ الغَور مُنْخُل([83])

  أي قصْدَه.

(حم) الحاء والميم فيه تفاوتٌ؛ لأنّه متشعب الأبواب جداً. فأحد أصوله اسوداد، والآخَر الحرارة، والثالث الدنوّ والحُضور، والرابع جنسٌ من الصوت، والخامس القَصْد.

فأمّا السواد الفحُمَمُ الفحم. قال طرفة:

أشَجَاكَ الرَّبْعُ أم قِدَمُهْ *** أمْ رمادٌ دارسٌ حُمَمُهْ([84])

  ومنه اليَحْموم، وهو الدُّخان. والحِمْحِمُ: نبتٌ أسود، وكلُّ أسوَدَ حِمْحِم.

ويقال حَمَّمْته إذا سَخَّمت وجهه بالسُّخام، وهو الفَحْم.

ومن هذا الباب: حَمَّمَ الفرْخُ، إذا طلع رِيشُه. قال:

* حَمَّم فَرخٌ كالشَّكير الجَعْدِ *

وأمّا الحرارة فالحَميم الماء الحارّ. والاستحمام: الاغتسال به. ومنه الحَمّ، وهي الأَلية تُذاب، فالذي يبقى منها بعد الذَّوْب حَمٌّ، واحدته حَمَّةٌ. ومنه الحَميم، وهو العَرَق. قال أبو ذؤيب:

فَأَبَى بدِرَّتِها إذا ما استُغْضِبَتْ *** إلاَّ الحميمَ فإِنّه يَتَبَضَّعُ([85])

  ومنه الحُمَام، وهو حُمَّى الإبل. ويقال أحمَّت الأرض [إذا صارت([86])] ذات حُمَّى. وأنشد الخليل في الحَمِّ:

ضُمَّا عليها جانِبَيْها ضَمَّا *** ضَمَّ عَجوزٍ في إناء حُمَّا

  وأمّا الدنُوّ والحضور فيقولون: أَحَمَّتِ الحاجةُ: حَضَرت، وأحَمَّ الأمرُ: دنا. وأنشد:

حَيِّيا ذلك الغَزَال الأَجَمَّا *** إن يكنْ ذلك الفراقُ أَحَمَّا([87])

  وأما الصوت فالحَمْحَمة حَمحمَةُ الفَرَس عند العَلْف.

وأمّا القَصْد فقولهم حَمَمْتُ حَمَّهُ، أي قَصَدْت قَصْدَه. قال طرفة:

جَعَلتْهُ حَمَّ كَلْكَلِها *** بالعَشِيِّ دِيمَةٌ تَثِمُهْ([88])

  ومما شذَّ عن هذه الأبواب قولهم: طلَّق الرّجُل امرأتَه وحَمَّمَها، إذا متَّعها بثَوْبٍ أو نحوه. قال:

أنتَ الذي وَهبتَ زيداً بعدما *** همَمْتُ بالعَجُوز* أنْ تُحَمَّما([89])

  وأمّا قولهم احتَمَّ الرّجلُ، فالحاء مبدلةٌ من هاء، وإنّما هو من اهتَمَّ.

(حن) الحاء والنون أصلٌ واحد، وهو الإشفاق والرّقّة. وقد يكون ذلك مع صوتٍ بتوجُّع. فحنين النّاقةِ: نِزاعُها إلى وطنها. وقال قوم: قد يكون ذلك من غير صوتٍ أيضاً. فأمَّا الصوت فكالحديث الذي جاء في حَنِين الجِذْع الذي كان يَستَنِد إليه رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلَّمَ، لمَّا عُمِل لـه المِنبرُ فتَرَك الاستنادَ إليه. والحنان: الرحمة. قال الله تعالى: {وَحَنَاناً مِنْ لَدُنَّا} [مريم 13]. وتقول: حَنَانَك أي رحمَتَك. قال:

مُجاوَِرَةً بَنِي شَمَجَى بنِ جَرْمٍ *** حَنَانَك رَبَّنَا يا ذَا الحَنانِ([90])

  وحنانَيْكَ، أي حناناً بعْدَ حنان، ورحمةً بعدَ رحمة. قال طرفة:

أبا مُنْذِرٍ أَفنَيْتَ فاستَبْقِ بعضنا *** حنانيكَ بعضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِن بعضِ([91])

  والحَنَّةُ: امرأة الرجُل، واشتقاقها من الحَنين لأنّ كلاًّ منهما يَحِنُّ إلى صاحبه. والحَنُون: ريحٌ إذا هَبَّت كان لها كحنين الإبل. قال:

* تُذَعْذِعُها مُذَعْذِعَةٌ حَنُونُ([92]) *

وقَوْسٌ حَنَّانَةٌ، لأنّها تَحِنُّ عند الإنْباض. قال:

وفي مَنْكِبي حَنّانَةٌ عُودُ نبْعةٍ *** تَخَيّرها لي سُوقَ مَكّةَ بائِعُ([93])

  ومما شذّ عن الباب طريقٌ حَنَّانٌ، أي واضح.

(حأ) الحاء والهمزة قبيلة. قال:

* طلبتُ الثأْرَ في حَكَمٍ وحاء([94]) *

(حب) الحاء والباء أصول ثلاثة، أحدها اللزوم والثَّبات، والآخر الحَبّة من الشيء ذي الحَبّ، والثالث وصف القِصَر.

فالأوَّل الحَبّ([95])، معروفٌ من الحنطة والشعير. فأما الحِبُّ بالكسر فبُروز الرّياحين، الواحدُ حِبَّة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في قومٍ: " يخرُجون من النَّار فيَنبتُون كما تنبت الحِبَّةُ في حَميلِ السَّيل".

قال بعض أهل العلم: كلُّ شيءٍ له حَبٌّ فاسم الحَبّ منه الحِبّة. فأمَّا الحِنطة والشعير فَحبٌّ لا غير.

ومن هذا الباب حَبَّة القلب: سُوَيداؤه، ويقال ثمرته.

ومنه الحَبَب وهو تَنَضُّد الأسنان. قال طرفة:

وإذا تَضْحك تُبدِي حَبَباً *** كرُضَابِ المِسْكِ بالماء الخَصِرْ([96])

  وأمّا اللزوم فالحُبّ والمَحبّة، اشتقاقه من أحَبَّه إذا لزمه. والمُحِبّ: البعير الذي يَحْسَِر فيلزمُ مكانَه. قال:

جَبَّتْ نِساءَ العالَمِينَ بالسّبَبْ *** فهُنَّ بعدُ كلُّهُنَّ كالمُحِبّْ([97])

  ويقال المحَبُّ بالفتح أيضاً. ويقال أحبَّ البَعير إذا قام([98]). قالوا: الإحباب في الإبل مثل الحِران في الدوابّ. قال:

* ضَرْبَ بَعيرِ السَّوْء إذْ أَحَبّا([99]) *

أي وقَف. وأنشد ثعلبٌ لأعرابيَّةٍ تقول لأبيها:

يا أَبَتا وَيْهاً أَبَهْ ***

حَسَّنْتَ إلاّ الرَّقَبَهْ([100])

فزيِّنَنْها يا أَبَهْ([101])

حَتَّى يجِيءَ الخَطَبَهْ

بإبلٍ مُحَبْحَبَهْ([102])

 معناه أنّها من سمنها تَقِف. وقد روي بالخاء "مُخَبخَبه"، وله معنى آخر، وقد ذكر في بابه. وأنشد أيضاً:

مُحِبٌّ كإحباب السَّقيم وإنَّما *** به أسَفٌ أن لا يَرَى مَن يُساوِرُه([103])

  وأَمّا نعت القِصَر فالحَبْحاب: الرجُل القصير. ومنه قول الهُذلي([104]):

دَلَجِي إذا ما اللَّيلُ جَـ *** ـنَّ على المُقَرَّنَةِ [الحَباحبْ

فالمقرّنة: الجبالُ([105])] يدنو بعضُها من بعضٍ، كأنّها قُرِنت. والحَباحِب: الصِّغار، وهو جمع حَبْحاب. وأظنُّ أنَّ حَبَاب الماءِ من هذا. ويجوز أن يكون من الباب الأوّل كأنّها حَبَّاتٌ. وقد قالوا: حَباب الماء: مُعْظَمه في قوله:

يشقُّ حَبابَ الماءِ حَيزومُها بها *** كما قَسَم التُّربَ المفاَيِلُ باليَدِ([106])

  والحُباحب: اسمُ رجلٍ، مشتقُّ من بعض ما تقدّم ذكره. ويقال إنّه كان لا يُنْتَفَع بناره، فنُسِبت إليه كلُّ نار لا يُنتَفع بها. قال النابغة:

تَقُدُّ السَّلوقيَّ المضاعَفَ نَسجُه *** ويُوقِدْن بالصُّفّاحِ نَار الحُباحبِ([107])

  ومما شذّ عن الباب الحُباب، وهو الحيَّة. قالوا: وإنما قيل الحُباب اسمُ شيطان لأن الحية شيطان. وأنشد:

تُلاعبُ مَثْنَى حَضْرميٍّ* كأنّهُ *** تمعُّجُ شيطان بذي خِرْوَعٍ قَفْرِ([108])

  (حت) الحاء والتاء أصلٌ واحد، وهو تساقُطُ الشيء، كالورق ونحوِه ويُحمل عليه ما يقارِبُه. فالحتُّ حتُّ الوَرَقِ من الغصن. وتحاتَّت الشجرة. ويقال حَتّهُ مائةَ سوْطٍ، أي عجَّلَها، كأن ذلك من حَتِّ الورق، وهو قريبٌ. ويقال فَرَسٌ حَتٌّ، أي ذَريعٌ يَحُتُّ العَدْوَ حَتّاً، والجمع أحْتَاتٌ. قال:

على حتِّ البُرَايةِ زَمْخَرِيِّ الـ *** ـسَّواعِدِ ظَلَّ في شَرْيٍ طُِوالِ([109])

وحُتَاتُ: اسمُ رجلٍ من هذا.

(حث) الحاء والثاء أصلان: أحدهما الحضُّ على الشيء، والآخر يَبيسٌ من يبيس الشيء.

فالأوَّل قولهم: حَثَثْتُه على [الشيء] أَحُثّه. ومنه الحَثِيث؛ يقال ولَّى حَثِيثاً، أي مسرِعاً. قال سَلامة:

ولَّى حثيثاً وهذا الشيبُ يطلُبه *** لو كان يدركه ركضُ اليعاقِيبِ([110])

  ومنه الحَثْحثَة، وهو اضطرابُ البرق في السَّحاب.

وأمّا الآخر فالحُثُّ وهو الحطام اليَبيس، ويقال الحُثّ الرّمل اليابس الخَشِن. قال:

* حتى يُرى في يابِس الثّرْياء حُثّ ([111]) *

(حج) الحاء والجيم أصولٌ أربعة. فالأول القصد، وكل قَصْدٍ حجٌّ. قال:

وأشهَدَُ مِن عَوْفٍ حُلولا كثيرةً *** يَحُجُّون سِبّ الزِّبرِقانِ المزَعْفَرا([112])

  ثم اختُصَّ بهذا الاسمِ القصدُ إلى البيت الحرام للنُّسُْك. والحَجِيج: الحاجّ. قال:

ذكرتُكِ والحجيجُ لهم ضجيجٌ *** بمكّةَ والقلوبُ لها وجيب

  ويقال لهم الحُِجُّ أيضاً. قال:

* حُِجٌّ بأسفَلِ ذي المجاز نزولُ([113]) *

وفي أمثالهم: "لَجَّ فَحَجَّ". ومن أمثالهم: "الحاجَّ أسْمَعْتَ"، وذلك إذا أفشَى السرّ. أي إنَّك إذا أسْمَعْت الحُجّاج فقد أسمعتَ الخلق.

ومن الباب المحَجَّة، وهي جَادَّة الطريق. قال:

ألا بَلِّغا عَنِّي حُرَيثاً رِسالةً *** فإنك عن قَصد المَحَجَّة أنكَبُ

  وممكن أن يكون الحُجَّة مشتقّةً من هذا؛ لأنها تُقْصَد، أو بها يُقْصَد الحقُّ المطلوب. يقال حاججت فلاناً فحجَجْته أي غلبتُه بالحجّة، وذلك الظّفرُ يكون عند الخصومة، والجمع حُجَج. والمصدر الحِجَاج.

ومن الباب حَجَجْت الشَّجَّة، وذلك إذا سَبَرْتَها بالمِيل، لأنك قصدت معرفةَ قَدْرِها. قال:

* يَحُجُّ مأمُومَةً في قعرها لَجَفٌ([114]) *

ويقال بل هو أن يصبّ على دَم الشَّجَّة السَّمن، فيظهرَ فيُؤخَذَ بقُطْنةٍ. قال أبو ذؤيب:

وصُبَّ عليها المِسْكُ حتى كأنَّها *** أسِيٌّ على أمِّ الدِّماغ حَجيجُ([115])

  والأصل الآخر: الحِجَّة وهي السّنَة. وقد يمكن أن يُجمع هذا إلى الأصل الأوّل؛ لأن الحجّ في السنة لا يكون إلا مرَّةً واحدة، فكأنَّ العام سُمِّي بما فيه من الحَجّ حِجّة. قال:

يَرُضْن صِعابَ الدُّرِّ في كل حِجَّةٍ *** ولو لم تكن أعناقُهن عَواطلا([116])

  قال قوم: أراد السّنَة؛ وقال قوم: الحِجَّة ها هنا: شَحْمة الأذن. ويقال بل الحِجَّة الخَرزَة أو اللؤلؤة تعلَّق في الأذن. وفي القولين نظرٌ.

والأصل الثالث: الحِجَاجُ، وهو العظْم المستدير حَولَ العَين. يقال للعظيمِ الحِجَاجِ أحَجُّ، جمع الحِجَاج أحِجَّة.

وزعم أبو عمرو أنّه يقال للمكان المتكاهف([117]) ومن الصَّخرة حجاج.

والأصل الرابع: الحَجْحَجة النُّكوص. يقال: حَمَلوا علينا ثمَّ حَجْحَجُوا. والمُحَجْحِج: العاجز. قال:

* ضَرْباً طَِلَخْفاً ليس بالمحَجْحِج([118]) *

ويقال أنا لا أُحَجْحِجُ في كذا، أي لا أشكّ. يقولون: لا تذهَبنَّ بك حَجْحجةٌ ولا لَجْلجة. ورَجُلٌ حَجْحجٌ([119]): فَسْلٌ.

ــــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "من الشيئين".

([2]) ديوان الأعشى 51 واللسان (حدد، جون). والجونة، بالفتح: الخابية المطلية بالقار.

([3]) ديوان النابعة 21 واللسان (حدد). والرواية المشهورة كما فيهما: "إذ قال الإله له".

([4]) البيت وتاليه في اللسان (غدد) برواية: "من يكتمني". والصعاد، هنا: جمع صعدة وهي من النساء المستقيمة القامة، كأنها صعدة قناة.

([5]) السيب: العطاء. وفي الأصل: "سيبك"، صوابه في المجمل واللسان. والزرم، بتقديم الزاي: القليل. وفي الأصل: "رزما" وفي المجمل واللسان: "وتحا أو مجبنا ممصورا". والتمصير: تقليل العطاء.

([6]) في الجمهرة (1: 58): "أي ممتنع"، وفي اللسان بدون نسبة إلى ابن دريد: "وهذا أمر حدد أي منيع حرام لا يحل ارتكابه".

([7]) عجزه كما في الديوان 137 واللسان (حدد): * بفتيان صدق والنواقيس تضرب *

([8]) نسب البيت في اللسان (حذذ، نوط) إلى النابغة. وأنشده في (سكك) بدون نسبة. ونسب في الأغاني

(8: 142) مع أربعة أبيات إلى العباس بن يزيد بن الأسود. قال: "هكذا ذكر ابن الكلبى، وغيره يرويها لبعض بني مرة". والنوطة، بالفتح: الحوصلة.

([9]) البيت ليزيد بن الخذاق الشّنّيّ العبدي، من قصيدة في المفضليات (2: 79). والعداب: الحبل من الرمل. والغموس: الغامض.

([10]) شاهده ما أنشده في اللسان (حذذ):

تزيدها حذاء يعلم أنه *** هو الكاذب الآتي الأمور البجاريا

([11]) يقال حذحاذٌ وحذاحذ، كعلابط. والقرب، بالتحريك: سير الليل لورد الغد.

([12]) زاد في اللسان: "أنه خطب الناس فقال في خطبته".

([13]) البيت للنابغة في ديوانه 36 واللسان والجمهرة (حرر).

([14]) البيت للطرماح في ديوانه 109 واللسان والمجمل (حرر). وهو في صفة صائد.

([15]) البيت في اللسان (5: 256). وأنشده في (5: 257) وذكر أن صواب الرواية: "في حمام ترنما". وبهذه الرواية الأخيرة ورد في المجمل.

([16]) البيت لذي الرمة في ديوانه 569 واللسان (حبل). و"معلقه" وردت في الأصل واللسان والديوان "معلقة" تحريف، إذ "القرط" مذكر. ومعلقه، أي موضع تعليقه. وفي الديوان واللسان: "تباعد الحبل منها". وفي شرح الديوان: "أي تباعد حبل العنق من القرط لأنها طويلة العنق". فالمعنى على رواية الديوان واللسان: تباعد حبلها؛ كما تقول قرت العين مني، أي عيني.

([17]) ديوان طرفة 63 واللسان (حرر).

([18]) هو دعاء، أي رماه الله بالعطش والبرد، أو بالعطش في يوم بارد.

([19]) البيت للفرزدق في ديوانه 217 واللسان (حرر). وقد سبق في مادة (جلد). وأنشده في اللسان (قرم) بدون نسبة وبرواية: "المقرمة الصفر".

([20]) كذا جاء وصف الحجارة بسوداء. وانظر تحقيقي لهذه المسألة في مجلة الثقافة 2151 ومجلة المقتطف عدد نوفمبر سنة 1944. وفي المجمل واللسان: "سود".

([21]) نهشل بن حَرِّيّ: شاعر مخضرم، أدرك معاوية، وكان مع علي في حروبه. الإصابة 8878 والخزانة  (1: 151).

([22]) في الأصل: "يا قوم" صوابه في المجمل واللسان. وضبط الفعل في القاموس: كمللت وفررت ومررت.

([23]) الكركرة: صدر كل ذي خف. وقد ضبطت العبارة في اللسان خطأ، وهي في القاموس على الصواب. وقد أضاف كل منهما كلمة "طرف" إلى "كركرته".

([24]) ديوان الشماخ 49 واللسان (حزز، حمز). ورواية الديوان: "من الوجد"، واللسان: "من الهم".

([25]) ويروى أيضاً: "حواز القلوب" أي يحوزها ويتملكها ويغلب عليها.

([26]) للبيد في معلقته. والبيت بتمامه:

بأحزة الثلبوت يربأُ فوقها *** قفر المراقب خوفها آرامها

([27]) في الأصل: "أرى".

([28]) لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 5 والمفضليات (2 : 323) واللسان (حزز، رزن) وصدره:  * حتى إذا جزرت مياه رزونه *

([29]) في الأصل والمجمل: "القتل"، صوابه في اللسان.

([30]) صدره كما في ديوان الأفوه 4 واللسان (حسس): * نفسي لهم عند انكسار القنا *

([31]) يقال بفتح الحاء، وكسر السين المشددة مع التنوين وعدمه، ويقال حسا، بفتح الحاء مع النصب. وكذلك حس، بكسر الحاء وكسر السين المشددة المنونة.

([32]) للعجاج في اللسان (حسس، كرس) وليس في ديوانه. والكرس، بالكسر: الأصل. ويروى: "الكريم الكرس".

([33]) الرجز في اللسان (حسس)، ونوادر أبي زيد 175. والمواسي: جمع موسى الحلاق.

([34]) الرجز في اللسان (حشش، جرر). وانظر أيضاً (جرر، مرر) وقد سبق إنشاده في (جر).

([35]) في القاموس "والحشة بالضم: القبة العظيمة". قال الزبيدي: "هكذا في سائر النسخ القبة بالموحدة. والصواب القنة بالنون، كما ضبطه الصاغاني عن ابن عباد".

([36]) البيت لأوس بن حجر في ديوانه 11 واللسان (حسس).

([37]) لأبي دواد الإيادي، كما في اللسان (حشش). ورواه أبو عبيدة في كتاب الخيل 86 لعقبة بن سابق.

([38]) هو صخر الغي، وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين 55 وشرح السكري للهذليين 13. والبيت في اللسان (حشش).

([39]) الذي حششت، ساقطتان من الأصل، وإثباتهما من اللسان وديوان الهذليين.

([40]) يقال: حشت وأحشت، بالبناء للفاعل والمفعول في كل منهما.

([41]) كذا ورد هذا العجز ويصح بقطع همزة لفظ الجلالة "الله".

([42]) قصيدة أبي قيس الأقيس في المفضليات (2: 83-86). والبيت في اللسان (حصص) برواية: "فما أذوق نوماً".

([43]) البيت لأبي جندب الهذلي، كما في اللسان (دلا). وقصيدته في شرح السكري للهذليين 87 ومخطوطة الشنقيطي 119.

([44]) لعمرو بن كلثوم في معلقته المشهورة.

([45]) لامرئ القيس في ديوانه 110. وصدره: * فلما أجن الشمس عني غيارها *

([46]) البيت للقطامي في ديوانه 7 واللسان (حطط، مغل).

([47]) شاهده قول النابغة في اللسان (حطط):

فما وخدت بمثلك ذات غرب *** حطوط في الزمام ولا لجون

([48]) هو المتنخل الهذلي، وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين 48 والقسم الثاني من مجموع أشعار الهذليين. ورواية البيت في اللسان (حطط):

ووجه قد جلوت أميم صاف *** كقرن الشمس ليس بذي حطاط

([49]) هذا في جمع القلة، ويقال في الكثرة حظوظ وحظاظ كرجال.

([50]) البيت من معلقته المشهورة. والمضرحي: النسر.

([51]) في اللسان: "المعفي الذي يصحبك ولا يتعرض لمعروفك". وأنشد:

فإنك لا تبلو امرأ دون صحبة *** وحتى تعيشا معفيين وتجهدا

([52]) هو أبو كبير الهذلي كما في اللسان (حقق)، وقصيدة البيت في نسخة الشنقيطي 76 الوهل: الفزع. وفي اللسان: "هلا وقد" تحريف. وقبل البيت:

فاهتجن من فزع وطار جحاشها *** من بين قارمها وما لم يقرم

([53]) وقيل: ثوب محقق: عليه وشي كصورة الحقق.

([54]) كلمة "جلد" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المجمل واللسان.

([55]) البيت في ديوان الأعشى 143.

([56]) في الأصل: "يقال يباع زق منها حق".

([57]) هو أبو المثلم الهذلي. وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين 94 والسكري 34.

([58]) السكري: "معتاق الوسيقة، وهي الطريدة، إذا طرد طريدة أنجاها من أن تدرك".

والبيت ملفق من بيتين. وفي ديوان الهذليين:

آبى الهضيمة ناب بالعظيمة متـ *** ـلاف الكريمة لا سقط ولا وان

حامي الحقيقة نال الوديقة معـ *** ـتاق الوسيقة جلد غير ثنيان

([59]) البيت يروى أيضاً لعدي بن خرشة الخطمي كما في اللسان (حقق، شأت).

([60]) سيأتي في (شأت). وهذه رواية أبي عبيد. ورواية الجمهرة (1: 63):

بأجرد من عتاق الخيل نهد *** جواد لا أحق ولا شئيت

([61]) في الأصل: "لأبيه" تحريف. وفي اللسان: "وتعبد عبد الله بن مطرف بن الشخير فلم يقتصد، فقال له أبوه: يا عبد الله، العلم أفضل من العمل، والحسنة بين السيئتين" الخ. ومطرف بن الشخير، هو مطرف بن عبد الله بن الشخير من كبار التابعين، توفي سنة 95. انظر تهذيب التهذيب، وصفة الصفوة.

([62]) قطعة من بيت له. وهو بتمامه كما في الديوان واللسان:

* سوى مساحيهن تقطيط الحقق *

أي إن الحجارة سوت حوافر الحمر من تقطيط الحقق وتسويتها.

([63]) قبله كما في ديوان الأعشى 149:

وإن امرأ أسرى إليك ودونه *** فياف تنوفات وبيداء خيفق

([64]) هذه قراءة الجمهور. وأما القراءة الأولى (عليّ) بتشديد الياء، فهي قراءة الحسن ونافع، وانظر إتحاف فضلاء البشر 227.

([65]) التكملة من الصحاح واللسان. وفي اللسان: "قال الجوهري: وقولهم لحق لا آتيك، هو يمين للعرب يرفعونها بغير تنوين إذا جاءت بعد اللام. وإذا أزالوا عنها اللام قالوا: حقاً لا آتيك. قال ابن بري: يريد لحق الله فنـزله منزلة لعمر الله. ولقد أوجب رفعه لدخول اللام كما وجب في قولك لعمر الله، إذا كان باللام".

([66]) التكملة من المجمل واللسان (حقق 333).

([67]) ضبعت الناقة ضبعاً، من باب فرح: اشتهت الفحل. وفي الأصل: "صنعت ولم تصنعا"، صوابه في اللسان (حقق 341) حيث ساق الخبر في تفصيل.

([68]) اللقح بالفتح والتحريك: اللقاح. ويقال أيضاً استحقت الناقة اللقاح.

([69]) رواية الديوان 16 واللسان (حقق): "حبست في اللجين".

([70]) أي المنحوت. وفي الأصل: "النجيب"، صوابه من المجمل واللسان.

([71]) لم يذكر في اللسان: وفي القاموس: "وحك شر وحكاكه، بكسرهما: يحاكه كثيرا".

([72]) في الأصل: "الأمر فيه".

([73]) البيت في المجمل واللسان (طلس، حلل). وأطلس الثوبين كناية عن أنه مرمي بالقبيح.

([74]) عجز بيت للفرزدق في ديوانه 717 واللسان (حلل). وصدره:

* فارفع بكفك إن أردت بناءنا *

وفي الديوان: "ثهلان ذا الهضبات" وقال ابن بري: "هذه من الرواية الصحيحة". وأقول: الرفع على الاستئناف صحيح أيضاً، جعله مثلا.

([75]) البيت في اللسان (حلل)، وقصيدته في الديوان 128.

([76]) البيت لزهير في معلقته. وفي الأصل: "ومن بالقنا في محل"، تحريف.

([77]) البيت لابن أحمر، كما في اللسان (حلن) والحيوان (5: 499 / 6: 142). وفاعل "يهدي" في بيت بعده، وهو:

عيط عطابيل لئن الرى وابتذلت *** معاطفا سابريات وكتانا

([78]) في الأصل: "أحلها حلا"، والسياق يقتضي المشدد.

([79]) في الأصل "يحل القسم"، والسياق يأباه.

([80]) البيت بتمامه:

تخدى على يسرات وهي لاحقة *** بأربع مسهن الأرض تحليل

([81]) الديوان ص24 برواية: "جلالها". وأنشده في اللسان (حلل).

([82]) لطفيل بن عوف الغنوي. وصدره كما في ديوانه 38 واللسان (حلل، جعفل) وأمالي القالي  (1: 104): والمخصص (7: 147): * وراكضة ما تستجن بجنة *

([83]) النص والشاهد في كتاب سيبويه (1: 201- 202). وفي الأصل: "حلة القوم" صوابه من المجمل وسيبويه. وفي سيبويه: "بعد ما غار الثريا". قال الشنتمري: "شبه الثريا في اجتماعها واستدارة نجومها بالمنخل".

([84]) ديوان طرفة 16 واللسان (حمم).

([85]) ديوان أبي ذؤيب 17 والمفضليات (2: 228) والمجمل واللسان (حمم). وفي الأصل: "استقضيت" صوابه من المجمل والديوان والمفضليات. وفي اللسان وإحدى روايتي الديوان: "إذا ما استكرهت".

([86]) التكملة من المجمل واللسان.

([87]) الأجم: الذي لا قرن له. وفي الأصل واللسان: "الأحما"، صوابه في المجمل.

([88]) في الديوان 16: "لربيع ديمة"، وفي اللسان: "من ربيع".

([89]) البيتان في اللسان (حمم، وثم).

([90]) البيت ملفق من بيتين في ديوان امرئ القيس 169- 170 وهما:

مجاورة بني شمجى بن جرم *** هوانا ما أتيح من الهوان

ويمنحها بنو شمجى بن جرم *** معيزهم حنانك ذا الحنان

وهذا البيت الأخير بهذه الرواية في اللسان (حنن 286).

([91]) ديوان طرفة 48 والمجمل واللسان (حنن). وأبو منذر كنية عمرو بن هند.

([92]) سيعيده في (زع). وهو عجز بيت للنابغة لم يرو في ديوانه. وصدره كما في اللسان (حنن، ذعع). * غشيت لها منازل مقفرات *

([93]) كلمة "لي" ليست في الأصل؛ وإثباتها من اللسان، وقال: "أي في سوق مكة".

([94]) كذا ورد ضبطه في اللسان (20: 334) على أنه عجز بيت. ولم أجد تتمته. وفي الجمهرة  (1: 172): "وبنو حاء ممدود بطن من العرب، وهم بنو حاء بن جشم بن معد، وهم حلفاء لبني الحكم بن سعد العشيرة".

([95]) قد جرى في الكلام على أن يجعل هذا أول أبواب معاني المادة، مع أنه ذكره هنا ثانيها.

([96]) ديوان طرفة 65 والمجمل واللسان (حبب). ورضاب المسك: قطعه.

([97]) البيتان في اللسان (حبب) وأمالي القالي (2: 19).

([98]) قام، بدون همزة كما في الأصل والمجمل. ومعناه وقف كما سيأتي.

([99]) لأبي محمد الفقعسي، كما في اللسان (حبب). وانظر الجمهرة (1: 25) والأصمعيات 7.

([100]) هذا البيت والثلاثة بعده في اللسان (جبب). كأنها تستوهب أباها ما تزين به عنقها.

([101]) في اللسان: "فحسننها".

([102]) هذا البيت والبيت الذي قبله رويا أيضاً في اللسان (خبب) برواية: "مخبخبة"، وهي العظيمة الأجواف، أو هي مقلوبة من "المبخبخة" التي يقال لها بخ بخ، إعجاباً بها. وروى في اللسان (جبب): "مجبجبة" أي ضخمة الجنوب.

([103]) البيت في أمالي ثعلب 369 برواية: "ما يساوره". وهو لأبي الفضل الكناني كما في الأصمعيات 76 طبع دار المعارف. برواية: "من يثاور".

([104]) هو الأعلم الهذلي. وقصيدة البيت في شرح السكري 55 ومخطوطة الشنقيطي 59. والبيت في المجمل واللسان (حبحب).

([105]) هذه التكملة التي تبدأ من نهاية البيت السابق، من المجمل.

([106]) البيت من معلقة طرفة بن العبد.

([107]) ديوان النابغة 7 واللسان (حبحب).

([108]) نسبه في الحيوان (4: 133) إلى طرفة، وليس في ديوانه. وانظر الحيوان (1: 153/ 6: 192) والمخصص (8: 109) واللسان (3: 153/ 17: 105). والرواية في المراجع: "تعمج" بتقديم العين، وهما بمعنى.

([109]) البيت للأعلم الهذلي، وقد سبق الكلام عليه في مادة (برو/ي 1: 233).

([110]) في الأصل: "وهذا الشيء"، صوابه في ديوان سلامة بن جندل 7 والمفضليات (1: 117).

([111]) الثرياء: الثرى. والبيت في اللسان (حثث).

([112]) البيت للمخبل السعدي، كما في اللسان (حجج، سبب) ويرى ابن بري أن صواب إنشاده: "وأشهد" بالنصب، لأن قبله:

ألم تعلمي يا أم عمرة أنني *** تخاطأني ربب الزمان لأكبرا

 ([113]) لجرير في ديوانه 476 واللسان (حجج). وصدره:

* وكأن عافية النسور عليهم *

وحج بضم الحاء، مثل بازل وبزل. وحج، بكسرها: اسم جمع للحاج.

([114]) لعذار بن درة الطائي، كما في اللسان (حجج، لجف، غرد). وعجزه:

* فاست الطبيب قذاها كالمغاريد *

([115]) ديوان أبي ذؤيب 58 واللسان (حجج، أسا)، وفي الأصل: "عليه المسك حتى كأنه" وإنما البيت في صفة امرأة.

([116]) البيت للبيد في ديوانه 22 طبع 1881 واللسان (حجج). وفي اللسان: "يرضن صعاب الدر، أي يثقبنه". في الأصل: "يرضعن" تحريف، صوابه من المراجع ومن  (عطل).

([117]) كذا. وفي اللسان والقاموس: تكهف صار فيه كهوف.

([118]) أنشده في اللسان (حجحج). وطلحفا، يقال بالحاء، بفتح الطاء واللام، وبكسر الطاء وفتح اللام. وفي الأصل: طلفخا"، تحريف.

([119]) في الأصل: "حجج"، صوابه من القاموس.

 

ـ (باب الحاء والدال وما يثلثهما)

(حدر) الحاء والدال والراء أصلان: الهبوط، والامتلاء.

فالأوّل حَدَرْتُ الشّيءَ إذا أَنزَلْتَه([1]). والحُدُور فعل الحادر. والحَدُور، بفتح الحاء: [المكان([2])] تَنْحَدِر منه.

والأصل الثاني قولُهم للشَّيء الممتلئ حادر. يقال عَينٌ حَدْرَة بَدْرَة: ممتلِئة. وقد مضى شاهدُه([3]). وناقةٌ حادرةُ العينين، إذا امتلأتَا. وسُمِّيت حَدْراء لذلك. ويقال الحيدرة الأسد* ويمكن أن يكون اشتقاقُه من هذا. ومنه حَدَر جلْدُه تورّم يحدُر حُدورا([4]). وأحدرتُه، إذ ضربتَه حتَّى تؤثر فيه. والحَدْرة، بسكون الدال: قُرْحةٌ تخرج بباطن جَفْن العين. ويقال [حَيٌّ([5])] ذو حُدورة، أي ذُو اجتماعٍ وكَثْرة. قال:

وإنِّي لَمِنْ قومٍ تصيدُ رِماحُهمْ *** غَداةَ الصَّباحِ ذَا الحُدُورة والحَرْدِ([6])

  والحُدْرَة: الصِّرمة([7])؛ سُمِّيت بذلك لتجمُّعها.

ومما شذَّ عن الباب الحادُور: القُرْط. ويُنشد:

* بائِنةُ المَنْكِبِ مِنْ حادُورِها([8]) *

(حدس) الحاء والدال والسين أصلٌ واحدٌ يُشْبه الرّمْي والسُّرعة وما أشبه ذلك. فالحَدْس الظنّ. وقياسُهُ من الباب، لأنّا([9]) نقول: رَجَم بالظّنّ، كأنّه رَمَى به. والحَدْس: سُرعة السَّير. قال:

* كأنّها مِنْ بَعْدِ سَيرٍ حَدْسِ([10]) *

ويقال حَدَس به الأرضَ حَدْساً، إذا صَرَعَهُ. قال:

...............ترى به *** من القوم مَحدُوساً وآخَرَ حادساً([11])

  ومنه أيضاً حَدَسْتُ في لَبَّةِ البعير، إذا وجَأْتَ في لَبَّتِه. وحدَسْتُ الشَّيءَ برِجْلي: وطئتُه. وحَدَسْت النّاقَة، إذا أنَخْتَها. وحَدَسْتُ بسهمي: رمَيت.

(حدق) الحاء والدال والقاف أصلٌ واحدٌ، [وهو الشيء] يحيط بشيء. يقال حَدَقَ القومُ بالرّجُل وأحدقوا به. قال:

المطعِمون بَنُو حَربٍ وقَدْ حَدَقَتْ *** بي المنيّةُ واستبطأتُ أنصارِي([12])

  وحَدَقَة العين مِن هذا، وهي السَّواد، لأنها تحيط بالصَّبِيّ([13])؛ والجمع حِداق. قال:

فالعين بَعْدَهمُ كأنّ حِداقَها *** سُمِلَتْ بشَوْكٍ فَهْيَ عَورٌ تَدْمَعُ([14])

  والتّحديق: شِدّة النّظر. والحديقة: الأرضُ ذاتُ الشجَر. والحِنْدِيقة: الحَدَقَة([15]).

(حدل) الحاء والدال واللام أصلٌ واحد، وهو المَيَل. يقال رجلٌ أحدَلُ، إذا كان في شِقِّه مَيَل، وهو الحَدَل. قال أبو عمرو: الأحدَل: الذي في مَنكِبَيه ورقَبَته انكبابٌ على صدره. ويقال قَوْسٌ مُحْدَلة وحَدْلاء، وذلك إذا تطامنَتْ سِيَتُها. والحَدْل: ضِدُّ العَدْل. قال أبو زيد: حَدَلَ عن الأمر يحدِل حَدْلاً. وإنه لَحدْلٌ غير عَدْل. ومما شذَّ عن الباب وما أدري أصحيحٌ هو أم لا، قولهم: الحَوْدل الذَّكر من القِرَدة([16]).

(حدم) الحاء والدال والميم أصلٌ واحد، هو اشتداد الحرّ. يقال احتدم النهار: اشتدّ حره. واحتدم الحرّ. واحْتَدَمَتِ النار. وللنار حَدَمةٌ، وهو شدّتها، ويقال صوت التهابِها. قال الخليل: أحْدَمَتِ الشمسُ [الشيءَ([17])] فاحتدم، واحتَدَم صدْرُه غيظاً. فأمّا احتِدام الدّم فقال قوم: اشتدت حُمْرَتُه حتى يسودَّ؛ والصحيح أن يشتدّ حرُّه([18]). قال الفرّاء: قِدْرٌ حُدَمَةٌ، إذا كانت سريعةَ الغَلْي؛ وهي ضدّ الصَّلُود.

(حدا) الحاء والدال والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو السَّوق. يقال حَدَا بإبله: زجَر بها وغَنَّى لها. ويقال للحمار إذا قَدَم أُتُنَه هو يَحْدُوها. قال:

* حادِي ثلاثٍ من الحُقبِ السّماحيج([19]) *

ويقال للسهم إذا مرَّ حَداه رِيشُه، وهَدَاه نَصْلُه. ويقال حَدَوْتُه على كذا، أي سُقْتُه وبعثتُه عليه. ويقال للشَّمال حَدْواء، لأنها تحدُو السحابَ، أي تسُوقُه.

قال العجاج:

* حَدْواء جاءَتْ مِنْ أعالي الطّورِ([20]) *

وقولهم: [فلان([21])] يتحدَّى فلانا، إذا كانَ يُبارِيه ويُنازِعُه الغَلَبة. وهو من هذا الأصل؛ لأنه إذا فعل ذلك فكأنه يحدوه على الأمر. يقال أنا حُدَيَّاكَ لهذا الأمر، أي ابرُزْ لي فيه. قال عمرو بن كلثوم:

* حُدَيَّا النَّاسِ كلِّهمُ جميعاً([22]) *

(حدأ) الحاء والدال والهمزة أصلٌ واحد: طائرٌ أو مشبَّه به. فالحِدَأَة الطائر المعروف، والجمع الحِدَأ. قال:

* كما تَدَانَى الحِدَأ الأُوِيُّ([23]) *

ومما يشبَّه به وغُيِّرتْ بعضُ حركاته الحَدَأَةُ، شِبهُ فأسٍ تُنقر به الحجارة. قال:

* كالحَدَأ الوَقيعِ([24]) *

ومما شذَّ عن الباب حَدِِئ* بالمكان: لَزِق.

(حدب) الحاء والدال والباء أصلٌ واحد، وهو ارتفاع الشيء. فالحَدَب ما ارتفع من الأرض. قال الله تعالى: {وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ} [الأنبياء 96]. والحَدَب في الظَّهر؛ يقال حَدِب واحدَوْدَب. وناقة حَدْباء، إذا بدت حراقفُها؛ وكذلك الحِدْبار([25]). يقال هُنّ حُدْبٌ حَدَابيرُ. فأمّا قولهم حَدِبَ عليه إذا عطَف وأشفق، فهو من هذا، لأنّه كأنّه جَنَأَ عليه من الإشفاق، وذلك شبيهٌ بالحَدَب.

(حدث) الحاء والدال والثاء أصلٌ واحد، وهو كونُ الشيء لم يكُنْ. يقال حدثَ أمرٌ بَعْد أن لم يكُن. والرجُل الحَدَثُ: الطريُّ السّن. والحديثُ مِنْ هذا؛ لأنّه كلامٌ يحْدُثُ منه الشيءُ بعدَ الشيء. ورجلٌ حدثٌ([26]): حَسَن الحديث. ورجل حِدْثُ نساءٍ، إذا كانَ يتحدَّث إليهنّ. ويقال هذه حِدِّيثى حَسَنَة، كخِطِّيبَى، يراد به الحديثُ.

(حدج) الحاء والدال والجيم أصلٌ واحد يقرُب من حَدَق بالشيء إذا أحاط به. فالتَّحديج في النظر مثل التَّحديق. ومن الباب الحِدْج: مركبٌ من مَراكب النِّساء. يقال حَدَجْتُ البعيرَ، إذا شددْتَ عليه الحِدج. قال الأعشى:

ألا قُلْ لَميْثاءَ ما بالُهَا *** أبِالليل تُحْدَجُ أجْمالُها([27])

  ومن الباب الحَدَجُ، وهو الحنظل إذا اشتدَّ وصَلُب، وإنما قُلنا ذلك لأنّه مستدير.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "حدرت بالشيء إذا نزلته"، صوابه من المجمل.

([2]) هذه التكملة من المجمل واللسان.

([3]) مضى في الجزء الأول (مادة بدر).

([4]) ويقال أيضاً حدر يحدر حدراً، من باب ضرب.

([5]) التكملة من المجمل واللسان.

([6]) في الأصل والمجمل: "ذو الحدورة" تحريف. والحرد: الغضب. وفي الأصل: "الحدر" صوابه في المجمل.

([7]) في اللسان: "والحدرة من الإبل، بالضم: نحو الصرمة".

([8]) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (حدر).

([9]) في الأصل: "أنا".

([10]) الرجز في المجمل واللسان (حدس).

([11]) جزء بيت لمعد يكرب كما في اللسان (حدس). وقد استشهد بهذا الجزء في المجمل. وأنشده ياقوت في (الحبيا) بدون نسبة محرفاً. وهو بتمامه:

بمعترك شط الحبيا ترى به *** من القوم محدوساً وآخر حادسا

    ومعد يكرب هذا هو غلفاء بن الحارث بن عمرو بن حجر آكل المرار الكندي. انظر الأغاني (11: 60، 62).

([12]) للأخطل في ديوانه 119 واللسان (حدق) برواية "المنعمون" فيهما.

([13]) في اللسان "الصبي: ناظر العين. وعزاه كراع إلى العامة".

([14]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 3 واللسان (حدق).

([15]) في الجمهرة (2: 123): "الحندوقة والحنديقة: الحدقة. ولا أدري ما صحته".

([16]) في الأصل: "القردان"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس.

([17]) التكملة من المجمل.

([18]) اقتصر في المجمل على القول الأول.

([19]) لذى الرمة في ديوانه 73 والمجمل واللسان (حدا). وصدره:

* كأنه حين يرمي خلفهن به *

([20]) ديوان العجاج والمجمل واللسان (حدا).

([21]) التكملة من المجمل.

([22]) من معلقته. وعجزه: * مقارعة بنيهم عن بنينا *

([23]) للعجاج في ديوانه 67 والمجمل واللسان (حدأ).

([24]) جزء من بيت للشماخ في ديوانه 56 واللسان (حدأ). وهو بتمامه:

يبادرن العضاه بمقنعات *** نواجذهن كالحدأ الوقيع

([25]) في الأصل: "الحدباء"، صوابه من المجمل وسياق القول.

([26]) يقال حدث، كفرح وندس، وحدث بالكسر.

([27]) ديوان الأعشى 116 والمجمل واللسان (حدج).

 

ـ (باب الحاء والذال وما يثلثهما)

(حذر) الحاء والذال والراء أصلٌ واحد، وهو من التحرُّز والتيقُّظ. يقال حَذِر يَحْذَر حَذَراً. ورَجُلٌ حَذِرٌ وحَذُورٌ وحِذْرِيانٌ: متيقِّظٌ متحرّز.‏

وحَذَارِ، بمعنى احذَرْ. قال:‏

* حَذَارِ من أرْماحِنا حَذَارِ(1) *‏

وقرئت: {وَإنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ(2)} [الشعراء 56]، قالوا: متأهِّبون. و(حَذِرُونَ): خائفون. والمحْذُورة: الفزَع. فأمّا الحِذْرِيَةُ فالمكانُ الغليظ: ويمكن أنْ يكون سُمّي بذلك لأنه يُحذَر المشْيُ عليه(3).‏

(حذق) الحاء والذال والقاف أصلٌ واحد، وهو القَطْع. يقال حَذَقَ السكِّين الشيءَ، إذا قطَعه. [قال]:‏

* فذلك سِكِّينٌ على الحَلْقِ حاذِق(4) *‏

ومن هذا القياس الرّجُل الحاذِق في صناعته، وهو الماهر، وذلك أنّه يَحْذِق الأمرَ يَقْطَعُه لا يدع فيه مُتَعلَّقا. ومنه حِذْق القرآن. ومن قياسِه الحُذَاقيُّ، وهو الفَصيحُ اللِّسان؛ وذلك أنّه يَفْصِل الأمورَ يَقطعها. ولذلك يسمَّى اللِّسان مِفْصَلاً. والباب كلُّه واحد.‏

ومن الباب حَذَقَ فاهُ الخلُّ إذا حَمَزَه، وذلك كالتَّقطيع يقَعُ فيه.‏

ــــــــــــــــ

(1) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (حذر). وأنشده ثعلب في أماليه 651.‏

(2) هذه قراءة ابن ذكوان، وهشام من طريق الداجواني، وعاصم، وحمزة، والكسائي وخلف. ووافقهم الأعمش. والباقون بحذف الألف. ومما يجدر ذكره أن كتابتهما في رسم المصحف (حذرون) بطرح الألف. انظر إتحاف فضلاء البشر 332.‏

(3) في الأصل: "بالمشي عليه".‏

(4) لأبي ذؤيب في ديوانه 151 واللسان (حذق). وصدره:‏

* يرى ناصحاً فيما بدا فإذا خلا *‏

 

ـ (باب الحاء والراء وما يثلثهما)

(حرز) الحاء والراء والزاء أصلٌ واحد، وهو من الحِفْظ والتَّحفظ يقال حَرَزْتُه([1]) واحترزَ هو، أي تحفَّظَ. وناسٌ يذهبون إلى أنّ هذه الزّاءَ مبدلةٌ مِن سين، وأنَّ الأصل الحَرْس وهو وجهٌ. وفي الكتاب الذي للخليل أنّ الحَرَزَ جَوْز محكوكٌ يُلعَب به، والجمع أحْراز. قلنا: وهذا شيءٌ لا يعرَّج عليه ولا مَعْنَى له.

(حرس) الحاء والراء والسين أصلان: أحدهما الحِفْظ والآخر زمانٌ.

فالأوّل حَرَسَه يَحْرُسُه حَرْساً. والحَرَس: الحُرَّاس. وأمَّا حُرِيسَة الجَبَل، التي جاءت في الحديث، فيقال هي الشاة يُدركها اللَّيل قَبْلَ أُوِيِّها إلى مأواها، فكأنها حُرِسَتْ هناك. وقال أبو عبيدة في حريسة الجبل: يجعلها بعضهم السَّرِقَة نفسَها؛ يقال حَرَس يَحْرِسُ حَرْساً، إذا سَرَق. وهذا إنْ صحَّ فهو قريبٌ من الباب؛ لأنَّ السارق يرقُب الشيء كأنّه يحرُسه حتَّى يتمكَّن منه. والأوّلُ أصحّ. وذلك قول أهل اللغة إنّ الحريسَةَ هي المحروسة. فيقول: "[ليس] فيما يحرس بالجبل قَطْع" لأنّه ليس بموضع* حِرْز.

(حرش) الحاء والراء والشين أصلٌ واحدٌ يرجع إليه فروعُ الباب. وهو الأثَر والتحزيز. فالحَرْش الأَثَر ومنه سمِّي الرجل حراشاً([2]). ولذلك يسمُّون الدِّينارَ أحْرَش لأنّ فيه خشونة. ويسمُّون الضبَّ أحْرَشَ؛ لأنَّ في جلده خشونةً وتحزيزاً.

ومن هذا الباب حَرَشْتُ [الضبّ([3])]، وذلك أنْ تمسح جُحْرَهُ وتحرّكَ يدَكَ حتَّى يَظن أنّها حيّة فيُخْرِج ذَنبَه فتأخذَه. وذلك المَسْح له أثَرٌ. فهو من القياس الذي ذكرناه. والحَرِيش: نوعٌ من الحيات أرقَطُ. وربَّما قالوا حيّة حَرْشاء، كما يقولون رَقْطاء قال:

بِحَرْشاءَ مِطْحَانٍ كأنّ فحيحَها *** إذا فَزِعَتْ ماءٌ هُرِيقَ على جمْرِ([4])

  والحَرْشاء: حَبَّة تنبُت شبيهةٌ بالخَرْدَلِ. قال أبو النجم:

* وانْحَتَّ مِن حَرشاءِ فَلْجٍ خَرْدَلهْ([5]) *

فأمّا قولُهم حَرَّشْت بينَهم، إذا أغرَيْتَ وألقيتَ العداوة، فهو من الباب؛ لأن ذلك كتحزيزٍ يقع في الصُّدور والقلوب.

ومن ذلك تسميتهم النُّقْبة، وهي أوَّل الجَرَب يَبْدُو، حَرْشاء. يقال نُقْبةٌ حَرْشاء، وهي الباِثرَة([6]) التي لم تُطْلَ. وأنشد:

وحَتَّى كأنِّي يتقي بي مُعَبَّدٌ *** به نُقْبة حَرْشاءُ لم تَلْقَ طاليا([7])

فأمّا قوله:

* كما تطايَرَ مَنْدُوفُ الحراشِين([8]) *

فيقال إنّه شيءٌ في القطن لا تدَيِّثُهُ المطارق([9])، ولا يكون ذلك إلاّ لخشونةٍ فيه.

(حرص) الحاء والراء والصاد أصلان: أحدهما الشّقّ، والآخر الجَشَع.

فالأول الحَرْصُ الشَّقُّ؛ يقال حَرَص القَصَّار الثوبَ إذا شقَّه. والحارِصَة من الشِّجاج: التي تشقُّ الجلد. ومنه الحرِيصة والحارِصَةُ، وهي السحابة التي تَقْشِر وجْهَ الأرض مِن شِدّة وَقْع مطرِها. قال:

* انهلالُ حريصَةٍ([10]) *

وأمّا الجَشَع والإفراط في الرَّغْبة فيقال حَرَصَ إذا جَشَع يَحْرُِص حِرْصا، فهو حريصٌ. قال الله تعالى: {إنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ} [النحل 37]. ويقال حُرِصَ المَرْعَى([11])، إذا لم يُتْرك منه شيء؛ وذلك من الباب، كأنّه قُشِر عن وجْه الأرض.

(حرض) الحاء والراء والضاد أصلان: أحدهما نبت، والآخَر دليلُ الذَّهاب والتّلَف والهلاك والضَّعف وشِبهِ ذلك.

أمَّا الأوّل فالحُرْض الأُشنان، ومُعالِجُه الحَرّاض. والإحْرِيض: العُصْفُر. قال:

* مُلْتَهِبٌ كلَهَبِ الإحْرِيضِ([12]) *

والأصل الثاني: الحَرَض، وهو المُشرِف على الهلاك. قال الله تعالى: {حَتَّى تَكُونَ حَرَضاً} [يوسف 85]. ويقال حَرَّضْتُ فلاناً على كذا. زعم ناسٌ أنّ هذا من الباب. قال أبو إسحاق البصريُّ([13]) الزَّجّاج: وذلك أنّه إذا خالف فقَدْ أفْسَد. وقوله تعالى: {حَرِّضِ المُؤْمِنِينَ عَلَى القِتَالِ} [الأنفال 65]، لأنهم إذا خالَفُوه فقد أُهلِكوا. وسائر الباب مقاربٌ هذا؛ لأنَّهم يقولون هو حُرْضَة، وهو الذي يُنَاوَلُ قِدَاحَ الميسر ليضرب بها.

ويقال إنّه لا يأكل اللحمَ أبداً بثَمن، إنّما يأكل ما يُعْطَى، فيُسمَّى حُرْضَةً، لأنه لا خَيرَ عنده.

ومن الباب قولُهم للذي لا يُقاتِل ولا غَنَاء عِنْدَه ولا سِلاح معَه حَرَض. قال الطرِمّاح:

* حُمَاةً للعُزَّلِ الأحراضِ([14]) *

ويقال حَرَض الشّيءُ وأحرضَهُ  غيره، إذا فَسَد وأفسَدهُ غيرُه. وأحْرَضَ الرّجُل، إذا وُلِد له [ولَدُ] سَوء. وربما قالوا حَرَضَ الحالبان النّاقَة، إذا احتلبا لبنَها كلَّه.

(حرف) الحاء الراء والفاء ثلاثة أصول: حدُّ الشيء، والعُدول، وتقدير الشَّيء.

فأمّا الحدّ فحرْفُ كلِّ شيء حدُّه، كالسيف وغيره. ومنه الحَرْف، وهو الوجْه. تقول: هو مِن أمرِه على حَرْفٍ واحد، أي طريقة واحدة. قال الله تعالى {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللهََ عَلَى حَرْفٍ} [الحج 11]. أي على وجه واحد. وذلك أنّ العبد يجبُ عليه طاعةُ ربِّه تعالى عند السرّاء والضرّاء، فإذا أطاعَه عند السّرّاء وعَصاه عند الضرّاء فقد عَبَدَه على حرفٍ. ألا تراه قال تعالى: {فَإِنْ أصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ} [الحج 11]. ويقال للناقةِ حَرْفٌ. قال قوم: هي الضامر، شبِّهت بحرف السَّيف. وقال آخرون: بل هي الضَّخْمة، شبِّهت بحرف الجبل، وهو جانبُه. قال أوس:

حَرْفٌ أخُوها أبوها مِن مُهَجَّنَةٍ *** وعَمُّها خالُها قوداءُ مِئشيرُ([15])

  وقال كعب بن زهير:

حرفٌ أخوها أبوها مِن مهجَّنةٍ *** وعَمُّها خالُها جرداءُ شِمْلِيلُ([16])

  والأصل الثاني: الانحراف عن الشَّيء. يقال انحرَفَ عنه يَنحرِف انحرافاً. وحرّفتُه أنا عنه، أي عدَلتُ به عنه. ولذلك يقال مُحَارَفٌ، وذلك إذا حُورِف كَسْبُه فمِيلَ به عنه، وذلك كتحريف الكلام، وهو عَدْلُه عن جِهته. قال الله تعالى: {يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ عَنْ مَواضِعِه([17])} [النساء 46، المائدة 13].

والأصل الثالث: المِحراف، حديدة يقدَّر بها الجِراحات عند العِلاج. قال:

إذا الطَّبيب بمِحْرافَيْهِ عالَجَها *** زادَتْ على النَّقْرِ أو تحرِيكِها ضَجَما([18])

  وزعم ناسٌ أنّ المُحارَفَ من هذا، كأنّه قُدِّر عليه رزقُه كما تقدَّر الجِراحةُ بالمحْراف.

ومن هذا الباب فلان يَحْرُف لِعياله، أي يكسِب. وأجْوَدُ مِن هذا أن يقال فيه إنّ الفاءَ مبدلةٌ من ثاء. وهو من حَرَثِ أي كَسَبَ وجَمَعَ. وربما قالوا أحْرَفَ فلانٌ إحرافاً، إذا نَما مالُه وَصَلُح. وفلان حَرِيفُ فلانٍ أي مُعامِلُه. وكل ذلك من حَرَفَ واحترف أي كسَب. والأصلُ ما ذكرناه.

(حرق) الحاء والراء والقاف أصلان: أحدهما حكُّ الشَّيء بالشيء مع حرارة والتهاب، وإليه يرجع فروعٌ كثيرة. والآخَر شيءٌ من البَدَن.

فالأول قولهم حَرَقْتُ الشيءَ إذا بردْتَ وحككْتَ بعضَهُ ببعض. والعرب تقول: "هو يَحْرُقُ عليك الأُرَّم غَيظاً"، وذلك إذا حكَّ أسنانَه بعضَها ببعض. والأُرَّم هي الأسنان. قال:

نُبِّئْتُ أحْماءَ سُليمَى إنَّما *** باتُوا غِضاباً يَحْرُقُون الأرَّمَا([19])

  وقرأ ناسٌ: {لَنَحْرُقَنَّهُ ثمَّ لِنَنْسِفَنَّه([20])} [طه 97]، قالوا: معناه لنبرُدنَّه بالمبارد. والحَرَق: النَّار. والحَرَقُ في الثَّوب([21]). والحَرُوقاء هذا الذي يقال لـه الحُرَّاق. وكلُّ ذلك قياسُه واحد.

ومن الباب قولهم للذي ينقطع شَعَْره وينسل حَرِقٌ. قال:

* حَرِقَ المَفَارِق كالبُراءِ الأعْفَرِ([22]) *

والحُرْقَانُ: المَذَح في الفخِذين، وهو من احتكاك إحداهما بالأخرى. ويقال فَرَسٌ حُرَاقٌ([23]) إذا كان يتحرَّق في عَدْوِه. وسَحابٌ حَرِقٌ، إذا كان شديدَ البَرْق. وأحْرَقَني النّاسُ بلَوْمهم: آذَوْني. ويقال إنّ المُحارقَةَ جِنسٌ من المباضعة. وماء حُرَاقٌ: مِلحٌ شديد المُلوحة.

وأمّا الأصل الآخر فالحارقة، وهي العَصب الذي يكون في الورِك. يقال رجلٌ محروقٌ، إذا انقطعت حارِقَتُه. قال:

* يَشُولُ بالمِحْجَنِ كالمحروقِ([24]) *

(حرك) الحاء والراء والكاف أًصلٌ واحد، فالحركة ضدُّ السكون. ومن الباب الحارِكانِ، وهما ملتقى الكتِفَين، لأنَّهما لا يزالان يتحرَّكان. وكذلك الحراكيك، وهي الحراقِفُ، واحدتها حَرْكَكَة.

(حرم) الحاء والراء والميم أصلٌ واحد، وهو المنْع والتشديد. فالحرام: ضِدُّ الحلال. قال الله تعالى: {وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيةٍ أَهْلَكنْاَهَا} [الأنبياء 95]. وقرئت: {وحِرْمٌ([25])}. وسَوْطٌ مُحرَّم، إذا لم يُلَيَّن بعدُ. قال الأعشى:

* تُحاذِر كَفِّي والقَطيعَ المُحَرَّمَا([26]) *

والقطيع: السوط، والمحرَّم الذي لم يمرَّن ولم يليَّنْ بعدُ. والحريم: حريم البئرِ، وهو ما حَولَها، يحرَّم على غير صاحبها أن يحفِر فيه. والحَرَمَانِ: مكة والمدينة، سمِّيا بذلك لحرمتهما، وأنّه حُرِّم أن يُحدَث فيهما أو يُؤْوَى مُحْدِثٌ. وأحْرَم الرّجُل بالحجّ، لأنه يحرُم عليه ما كان حلالاً له من الصَّيد والنساءِ وغير ذلك. وأحرم الرّجُل: دخل في الشهر الحرام. قال:

قَتَلُوا ابنَ عفّانَ الخليفةَ مُحْرِماً *** فمضى ولم أَرَ مثلَه مقتولا([27])

  ويقال المُحْرِم الذي* له ذِمَّة. ويقال أحْرَمْتُ الرّجُلَ قَمرْتُه، كأنَّك حرمْتَه ما طمِعَ فيه منك. وكذلك حَرِم هو يَحْرَم حَرَماً، إذا لم يَقْمُر. والقياس واحدٌ، كأنه مُنِع ما طَمِع فيه. وحَرَمْتُ الرّجلَ العطية حِرماناً، وأحرمْتُه، وهي لغة رديّة. قال:

ونُبِّئْتُها أحْرَمْت قَومَها *** لتَنْكِحَ في مَعْشرٍ آخَرِينا([28])

  ومَحارِم اللَّيل: مخاوفه التي يحرُم على الجبان أن يسلُكَها. وأنشد ثعلب:

واللهِ لَلنَّومُ وبِيضٌ دُمَّجُ ***  أَهْوَنُ مِن لَيْلِ قِلاصٍ تَمْعَجُ

مَحَارِمُ اللَّيلِ لَهُنّ بَهْرَجُ([29]) *** حِين يَنام الوَرَعُ المزَلَّجُ([30])

 ويقال من الإحرام بالحجِّ قوم حُرُمٌ وحَرَامٌ، ورجلٌ حَرَامٌ. ورجُلٌ حِرْمِيٌّ منسوب إلى الحَرَم. قال النابغة:

لِصَوْتِ حِرْمِيَّةٍ قالت وقد رحلوا *** هل في مُخِفِّيكُم من يَبتغي أَدَما([31])

  والحَرِيم: الذي حُرِّم مَسُّهُ فلا يُدْنَى منه.  وكانت العرب إذا حجُّوا ألقَوا ما عليهم من ثيابهم فلم يلبَسوها في الحرَم، ويسمَّى الثوبُ إذا حرّم لُبسه الحَريم. قال:

كَفى حَزَناً مَرِّي عليه كأنّهُ *** لَقىً بين أيدي الطائِفِين حريمُ([32])

  ويقال بين القوم حُرْمةٌ ومَحْرَُمة، وذلك مشتقٌّ من أنه حرامٌ إضاعتُه وترْكُ حِفظِه. ويقال إنّ الحَرِيمةَ اسمُ ما فات من كل همٍّ مطموعٍ فيه.

ومما شذَّ الحيْرَمَة: البقرة.

(حرن) الحاء والراء والنون أصلٌ واحد، وهو لزوم الشي للشيء لا يكادُ يفارقه. فالحِرَان في الدّابة معروف، يقال حَرَنَ وحَرُن. والمَحَارن من النَّحْل: اللواتي يلصَقْن بالشَُّهد فلا يبرحْن أو يُنْزَعْنَ. قال:

* صَوْتُ المحابِضِ يَنْزِعْن المَحَارِينا([33]) *

وكذلك قول الشماخ:

فما أرْوَى ولو كَرُمَتْ علينا *** بأدْنَى مِنْ موقَّفَةٍ حَرُونِ([34])

هي التي لا تبرح أعلَى الجبل. ويقال حَرَنَ في البيع فلا يزيد ولا ينقُص.

(حرو/ي) الحاء والراء وما بعدها معتل. أصول ثلاثة: فالأوّل جنس من الحرارة، والثاني القرب والقصد، والثالث الرُّجوع.

فالأوّل الحَرْوُ. من قولك وجَدْتُ في فمي حَرْوَة وحَرَاوةً، وهي حرارةٌ مِن شيءٍ يُؤْكل كالخردَل ونحوِه. ومن هذا القياس حَرَاةُ النار، وهو التهابها. ومنه الحَرَة الصَّوت والجَلَبةُ.

وأمّا القُرب والقَصْد فقولهم أنت حَرىً أنْ تفعل كذا. ولا يثنَّى على هذا اللفظ ولا يُجمَع. فإذا قلت حَرِيٌّ قلت حرِيّان وحريُّون وأحرياء للجماعة([35]). وتقول هذا الأمر مَحْراةٌ لكذا. ومنه قولهم: هو يتحرَّى الأمر، أي يقصِدُه.

ويقال إنَّ الحَرا مقصور: موضع البَيْض، وهو الأفحوص. ومنه تحرَّى بالمكان: تلبَّثَ. ومنه قولهم نزلتُ بِحَرَاهُ وَبِعَراه، أي بعَقْوتَه.

والثالث: قولهم حَرَى الشّيءُ يَحرِي حَرْياً، إذا رجع ونَقَص. وأحراه الزمانُ. ويقال للأفعى التي كَبِرت ونقص جسمُها حاريَةٌ. وفي الدعاء عليه يقولون: "رماهُ الله بأفعَى حاريةٍ"، لأنها تنقُص من مرور الزمان عليها وتَحْرِي، فذلك أخبثُ. وفي الحديث: "لما مات رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم جعل جسمُ أبي بكر يَحْرِي حتى لَحق به".

(حرب) الحاء والراء والباء أصولٌ ثلاثة: أحدها السّلْب، والآخر دويْبَّة، والثالث بعضُ المجالس.

فالأوَّل: الحَرْب، واشتقاقها من الحَرَب وهو السَّلْب. يقال حَرَبْتُه مالَه، وقد حُرِب مالَه، أي سُلِبَه، حَرَباً. والحريب: المحروب. ورجل مِحْرَابٌ: شجاعٌ قَؤُومٌ بأمر الحرب مباشرٌ لها. وحَريبة الرَّجُل: مالُه الذي يعيش به، فإذا سُلِبَه لم يَقُمْ بعده. ويقال أسَدٌ حَرِبٌ، أي من شدّة غضبِه كأنّه حُرِب شيئاً أي سُلِبه. وكذلك الرجل الحَرِب.

وأما الدويْبَّة [فـ] الحِرباء. يقال أرض مُحَرْبئة، إذا كثُر حِرباؤها. وبها شبِّه الحِرْباء، وهي مسامير الدُّروع. وكذلك حَرَابيّ المَتن، وهي لَحَماتُهُ.

والثالث: *المحراب، وهو صدر المجلس، والجمع محاريب. ويقولون: المحراب الغرفةُ في قوله تعالى: {فَخَرَجَ علَى قَوْمِهِ مِنَ المِحْراب} [مريم 11]. وقال:

رَبَّةُ مِحرابٍ إذا جئتُها *** لم ألقَها أوْ أَرتَقِي سُلَّمَا([36])

  ومما شذَّ عن هذه الأصول الحُرْبة. ذكر ابنُ دريد أنها الغِرارَة السَّوداء. وأنشد:

وصَاحبٍ صاحبتُ غيرِ أَبْعَدا *** تراهُ بين الحُرْبَتَينِ مَسْنَدَا([37])

  (حرت) الحاء والراء والتاء أصلٌ واحد، وهو الدَّلْك، يقال حَرَته حَرْتاً، إذا دلكه دَلْكاً شديداً.

(حرث) الحاء والراء والثاء أصلانِ متفاوتان: أحدهما الجمع والكَسْب، والآخر أنْ يُهْزَل الشيء.

فالأوّل الحَرْث، وهو الكَسْب والجمع، وبه سمِّي الرجل حارثاً. وفي الحديث: "احْرُثْ لدُنْياكَ كأنَّك تعيش أبداً، واعمَلْ لآخرتِك كأنك تموت غداً".

ومن هذا الباب حرث الزَّرع. والمرأة حرث الزَّوج؛ فهذا تشبيه، وذلك أنه مُزدَرَع ولده. قال الله تعالى: {نساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ} [البقرة 223]. والأحرِثة: مَجارِي الأوتار في الأفواق([38])؛ لأنّها تجمعها.

وأمّا الأصل الآخر فيقال حَرَثَ ناقتَه: هَزَلها؛ أحرثها أيضاً. ومن ذلك قول الأنصار لمّا قال لهم معاوية: ما فعلَتْ نواضحُكم؟ قالوا: أحْرثْنَاها يَوْمَ بَدْرٍ.

(حرج) الحاء والراء والجيم أصلٌ واحد، وهو معظم الباب وإليه مرجع فروعه، وذلك تجمُّع الشيء وضِيقُه. فمنه الحَرَج جمع حَرَجة، وهي مجتمع شجرٍ. ويقال في الجمع حَرَجات. قال:

أَيا حَرَجاتِ الحيِّ حِينَ تحمَّلوا *** بذي سَلَمٍ لا جادكُنَّ ربيعُ([39])

 ويقال حِراجٌ أيضاً. قال:

* عايَنَ حيَّاً كالحراج نَعَمُهْ([40]) *

ومن ذلك الحرَجَ الإثم، والحَرَج الضِّيق. قال الله تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ أنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً} [الأنعام 125]. ويقال حَرِجَتِ العينُ تَحرَج، أي تحارُ. وتقول: حَرِجَ عَلَيَّ ظُلمك، أي حرُم. ويقال أحْرَجَها بتطليقةٍ، أي حرّمَها. ويقولون: أكسَعَها بالمُحْرِجات، يريدون بثلاث تطليقات. والحَرَج: السَّرير الذي تُحمَل عليه الموتى. والمِحَفَّةُ حَرَجٌ. قال:

فإمّا تَرَيْنِي في رِحالةِ جابرٍ  *** على حَرَجٍ كالقَرّ تَخْفِق أكفاني([41])

  وناقة حَرَجٌ وحُرْجُوجٌ: ضامرة، وذلك تداخُلُ عظامِها ولحمِها. ومنه الحَرِجُ الرّجل الذي لا يكاد يبرحُ القتال.

ومما شذّ عن هذا الباب قولهم إنّ الْحِرْجَ الوَدَعة، والجمع أحراج. ويقال هو نَصيب الكلْب من لحم الصَّيْد. قال جحدر:

وتقدُّمي للَّيْثِ أرْسُفُ مُوثَقاً *** حتى أُكابِرَه على الأحْراجِ([42])

  ويقال الحِرْج الحِبالُ تُنْصَب. قال:

* كأنّها حرج حابلِ([43]) *

(حرد) الحاء والراء والدال أصولٌ ثلاثة: القصد، والغضَب، والتنحِّي.

فالأوَّل: القصد. يقال حَرَدَ حَرْدَهُ، أي قصد قصده، قال الله تعالى:

{وَغَدَوْا عَلَى حَرْدٍ قَادِرِينَ} [القلم 25]. [و] قال:

أقبل سَيْلٌ جاءَ مِنْ عِنْدِ اللهْ  *** يَحْرُدُ حَرْدَ الجَنَّةِ المُغِلّهْ([44])

  ومن هذا الباب الحُرُود: مبَاعر الإبل، واحدها حِرْد.

والثاني: الغضب؛ يقال حَرِدَ الرّجل غَضِبَ حَرْداً، بسكون الراء([45]). قال الطرمّاح:

* وابن سَلْمى على حَرْدِ([46]) *

ويقال أسَدٌ حارد. قال:

لعَلكِ يوما أن تَرَيْنِي كأنّما *** بَنِيَّ حوالَيَّ الليُوثُ الحوارِدُ([47])

  والثالث: التنحِّي والعُدول. يقال نَزلَ فلانٌ حريداً، أي منتحِّياً. وكوكب حَريد. قال جرير:

نَبْنِي على سَنَنِ العَدُوِّ بُيُوتَنَا *** لا نستجير ولا نحلُّ حَرِيدا([48])

  قال أبو زيد: الحريد ها هنا: المتحوِّل عن قومه. وقد حَرَدَ حُرُوداً. يقول إنَّا لا نَنْزِل في غير قومنا من ضعف وذِلّة؛ لقوّتنا وكثْرتنا. والمحرَّد من كل شيء: المعوَّج. وحارَدَتِ الناقة، إذ قلَّ لبنُها، وذلك أنّها عَدَلَتْ عمَّا كانت عليه من الدّرّ. وكذلك حارَدَت السنة إذا قَلّ مطرها. وحَبْلٌ مُحَرَّدٌ، إذا ضُفر فصارت لـه حِرفةٌ لاعوِجاجه.

(حرذ) الحاء والراء والذال ليس أصلاً، وليست فيه عربيةٌ صحيحة. وقد قالوا إنّ الحِرذَون دويْبَّة.

ـــــــــــــــــ

([1]) في القاموس: "وحرزه حفظه، أو هو إبدال والأصل حرسه".

([2]) في أسمائهم حراش، ككتاب، وحراش، كشداد.

([3]) التكملة في المجمل.

([4]) البيت في المجمل واللسان (حرش، طحن). والمطحان: المترحية المستديرة.

([5]) اللسان (حرش) والحيوان (4: 11) والجمهرة (2: 133).

([6]) في الأصل: "الناشرة"، صوابه في المجمل واللسان.

([7]) في الأصل: "حتى كأني شقي"، صوابه من المجمل واللسان.

([8]) أنشده في المجمل (حرش)، وذكر أن مفرده "حرشون". لكن ابن منظور أنشده في (حرشن).

([9]) ديثت المطارق الشيء: لينته. وفي الأصل: "لا تدشه المطارف". وفي المجمل: "لا يدبثه المطارق"، صوابهما ما أثبت من اللسان (ديث).

([10]) جزء من بيت للحادرة الذبياني في ديوانه 3 نسخة الشنقيطي، والمفضليات (1: 24)، واللسان (حرص). وهو بتمامه:

ظلم البطاح لـه انهلال حريصة *** فصفا النطاف لـه بعيد المقلع

([11]) في الأصل: "المعنى"، صوابه من المجمل.

([12]) البيت من أبيات أربعة في نوادر أبي زيد 222 واللسان (حرض).

([13]) هو أبو إسحاق إبراهيم بن السري بن سهل الزجاج، تلميذ المبرد، المتوفى سنة 311.

([14]) جزء من بيت له في ديوانه 86 واللسان (حرض). وهو بتمامه:

من يرم جمعهم يجدهم مراجيـ *** ـح حماة للعزل الأحراض

([15]) سبق إنشاد البيت والكلام عليه في مادة (أشر).

([16]) سبق الكلام على هذا البيت في حواشي مادة (أشر)

([17]) من الآية 46 في النساء، والآية 13 في المائدة. وفي الآية 41 من المائدة: (يحرفون الكلم من بعد مواضعه).

([18]) للقطامي في ديوانه 71 واللسان (حرف، ضجم). ويروى: "على النفر" بالفاء، وهو الورم أو خروج الدم. وفي الديوان: "حاولها" بدل: "عالجها".

([19]) الرجز في اللسان (حرق، أرم). وفي (أرم) توجيه كسر همزة "إنما" وفتحها.

([20]) هذه قراءة أبي جعفر من رواية ابن وردان، ووافقه الأعمش. وقرئ: (لنحرقنه) من الإحراق، وهي قراءة أبي جعفر من رواية ابن جماز، ووافقه الحسن. وباقي القراء: (لنحرقنه) من التحريق. انظر إتحاف فضلاء البشر 307.

([21]) في اللسان: "والحرق: أن يصيب الثوب احتراق من النار… ابن الأعرابي: الحرق: النقب في الثوب من دق القصار". وفي المجمل: "والحرق في الثوب من الدق".

([22]) لأبي كبير الهذلي، كما سبق في حواشي (برو/ي 234) من الجزء الأول، وصدره:

* ذهبت بشاشته فأصبح واضحا *

([23]) يقال: حراق، كزعاق، وحراق، كرمان.

([24]) لأبي محمد الحذلمي، كما في اللسان (فتق، صفق). وأنشده أيضاً في اللسان (حرق) بدون نسبة. وانظر أمالي ثعلب 232.

([25]) هي قراءة حمزة والكسائي وأبي بكر وطلحة والأعمش وأبي عمرو. وانظر سائر القراءات في تفسير أبي حيان (6: 338).

([26]) في (قطع): "تراقب كفي". وصدره كما في ديوان الأعشى 201 واللسان (حرم):

* ترى عينها صغواء في جنب مؤقها *

([27]) للراعي كما في خزانة الأدب (1: 503) واللسان (حرم) وجمهرة أشعار العرب 176. وهذا الإنشاد يوافق ما في المجمل. ورواية سائر المصادر: "ودعا فلم أر مثله".

([28]) البيت من أبيات لشقيق بن السليك، أو ابن أخي زر بن حبيش، في اللسان (حرم).

([29]) الأبيات في المجمل، والأول والثاني منهما في اللسان (دمج)، والأخيران فيه (حرم، زلج). البهرج: المباح. والورع بالفتح: الجبان. والمزلج: الدون الذي ليس بتام الحزم.

([30]) يروى أيضاً "مخارم الليل" أي أوائله. وهي رواية اللسان (خرم).

([31]) ديوان النابغة 67 والمجمل واللسان (حرم). المخف: الخفيف المتاع. والأدم: الجلد.

([32]) المجمل واللسان (حرم). وفي الأخير: "كرى عليه" وانظر السيرة 129.

([33]) لابن مقبل في اللسان (حبض، حرن). وصدره: * كأن أصواتها من حيث تسمعها *

([34]) ديوان الشماخ 91 واللسان (وقف، حرن).

([35]) وكذلك إذا قلت حر، كشج؛ ثنيته أو جمعته.

([36]) لوضاح اليمن في اللسان (حرب) والأغاني (6: 43) والجمهرة (1: 219).

([37]) البيتان في اللسان (حرب).

([38]) الأفواق: جمع فوق، بالضم؛ وهو من السهم موضع الوتر. وفي الأصل: "الأفراق" تحريف.

([39]) البيت للمجنون كما في الحيوان (5: 173) والأغاني (1: 17).

([40]) للحجاج في ديوانه 64 واللسان (حرج).

([41]) لامرئ القيس في ديوانه 126 واللسان (حرج، قرر)، وسيعيده في (قر).

([42]) البيت في اللسان (حرج).

([43]) جزء من بيت في اللسان (حرج) وهو بتمامه:

وشر الندامى من تبيت ثيابه *** مجففة كأنها حرج حابل

  وفي الأصل: "كأنها حرج نابل وحابل"، صوابه في المجمل واللسان.

([44]) الشطران في اللسان (حرد). ونسبهما التبريزي في التهذيب لحسان.

([45]) وبتحريكها أيضاً، والتسكين أكثر.

([46]) في المجمل:               * وابن أبي سلمى على حرد *

ولم أعثر على هذا الشعر في ديوان الطرماح.

([47]) للفرزدق في ديوانه 172 والحيوان (3: 97) وعيون الأخبار (4: 122) ومعاهد التنصيص (1: 102).

([48]) ديوان جرير 173 واللسان (حرد).

 

ـ (باب الحاء والزاء وما يثلثهما)

(حزق) الحاء والزاء والقاف أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء. ومن ذلك [الحِزقُ]: الجماعات. قال عنترة:

* حِزَقٌ يَمانِيَةٌ لأعجمَ طِمْطِمِ([1]) *

والحَزيقة من النَّخل: الجماعة. ومن ذلك الحُزُقَّة: الرجُل القصير، وسمِّي بذلك لتجمُّع خَلْقه. والحَزْق: شدُّ القوس بالوَتَر. والرجل المتحزِّق: المتشدِّد على [ما] في يديه بُخْلا. ويقولون: الحازق الذي ضاق عليه خُفُّهُ. والقياس في الباب كله واحد.

(حزك) الحاء والزاء والكاف كلمةٌ واحدة أُراها من باب الإبدال وأنها ليست أصلاً. وهو الاحتزاك، وذلك الاحتزام بالثَّوب. فإمّا أن يكون الكاف بدلَ ميم، وإما أن يكون الزاء بدلاً من باء وأنه الاحتباك. وقد ذكر الاحتباك في بابه.

(حزل) الحاء والزاء واللام أصلٌ واحد، وهو ارتفاع الشيء. يقال احْزَأَلَّ، إذا ارتفع. واحزألَّتِ الإبلُ على متن الأرض في السَّير: ارتفعت. واحزألَّ الجبلُ: ارتفع في السَّراب.

(حزم) الحاء والزاء والميم أصلٌ واحد، وهو شدُّ الشيءِ وجمعُه، قياسٌ مطرد. فالحزم: جَودة الرأي، وكذلك الحَزَامة، وذلك اجتماعُه وألاّ يكون مضطرِباً منتشِراً والحزام للسَّرج من هذا. والمتحزِّم: المُتلبّب. والحُزْمَة من الحطب وغيره معروفة([2]). والحَيزُوم والحَزِيم: الصّدر؛ لأنّه مجتَمَع عِظامه ومَشَدُّها.

يقول العرب: شددتُ لهذا الأمر([3]) حَزِيمي. قال أبو خِراش يصفُ عُقابا:

رَأت قَنَصاً على فَوْتٍ فَضَمّت *** إلى حيزومها ريشاً رطيبا([4])

  أي كاد الصَّيد يفوتها. والرطيب: الناعم. أي كسرت جناحَها حين رأت الصيد لتنقضَّ. وأمّا قول القائل:

* أعددْتُ حَُزْمَةَ وهي مُقْرَبَةٌ([5]) *

فهي فرسٌ، واسمُها مشتقٌ مما ذكرناه. والحَزَم كالغَصَص في الصّدر، يقال حَزِمَ يَحْزَم حَزَماً؛ ولا يكون ذلك إلا من تجمُّع شيء هناك. فأمّا الحَزْمُ من الأرض فقد يكون من هذا، ويكون من أن يقلب النون ميما والأصل حَزْن، وإنما قلبوها ميما لأنّ الحَزْم، فيما يقولون، أرفع من الحزن.

(حزن) الحاء والزاء والنون أصلٌ واحد، وهو خشونة الشيء وشِدّةٌ فيه. فمن ذلكَ الحَزْن، وهو ما غلُظ من الأرض. والحُزْن معروف، يقال حَزَنَنِي الشيءُ يحزُنُني؛ وقد قالوا أحزَنني. وحُزَانتك: أهلُك ومن تتحزَّن له.

(حزو/ي) الحاء والزاء والحرف المعتل أصلٌ قليل الكَلِم، وهو الارتفاع. يقال حَزَا السّرابُ الشيءَ يحزُوهُ، إذا رفعَه. ومنه حَزَوْتُ الشيءَ وحَزَيته إذا خَرَصْته([6]). وهو من الباب؛ لأنّك تفعل ذلك ثم ترفعُه ليُعلم كم هو.

وقد جعلوا في هذا من المهموز كلمةً فقالوا: حَزَأْتُ الإبلَ أحزَؤُها حَزءاً، إذا جمعتَها وسُقْتها؛ وذلك أيضاً رفْعٌ في السَّير. فأمّا الحَزاء فَنبْتٌ.

(حزب) الحاء والزاء والباء أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء. فمن ذلك الحِزب الجماعة من النّاس. قال الله تعالى: {كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ} [الروم 32]. والطائفة من كلِّ شيءٍ حِزْبٌ. يقال قرأَ حِزْبَهُ من القرآن. والحِزْباء: الأرض الغليظة([7]). والحَزَابِيَةُ: الحِمار المجموع الخَلْق.

ومن هذا الباب الحيزبُون: العجوز، وزادوا فيه الياء والواو والنون، كما يفعلونه في مثل هذا، ليكون أبلغ في الوصف الذي يريدونه.

(حزر) الحاء والزاء والراء أصلان: أحدهما اشتداد الشيء، والثاني جنسٌ من إعْمال الرّأْي.

فالأصل الأول: الحَزَاوِرُ، وهي الرّوابي، واحدتها حَزْوَرَة. ومنه الغلام الحَزْوَر([8]) وذلك إذا اشتدّ وقوِي، والجمع حزاورة. ومن* ذلك  حَزَرَ اللَّبنُ والنّبيذُ، إذا اشتدّت حُموضته. وهو حازر. قال:

* بَعْدَ الذي عَدَا القُروصَ فَحَزَرْ([9]) *

وأما الثالث فقولهم: حزَرتُ الشيء، إذا خرصْتَه، وأنا حازر. ويجوز أن يحمل على هذا قولُهم لخيار المال حَزَرَات. وفي الحديث: "أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم بَعَثَ مُصدِّقاً فقال: لا تأخُذْ مِن حَزَرات أموال الناس شيئاً. خُذِ الشّارِفَ والبَكْرَ وذا العيب". فالحَزرات: الخيار، كأنّ المصدِّق يَحزُِرُ فيُعمِل رأيَه فيأخذُ الخِيار([10]).

ـــــــــــــــ

([1]) صدره كما في المعلقات:  * تأوي له قلص النعام كما أوت *

([2]) في الأصل: "معرفة".

([3]) في الأصل: "هذا الأمر"، صوابه في المجمل.

([4]) البيت من قصيدة لـه في ديوان الهذليين نسخة الشنقيطي 70 والقسم الثاني من مجموع أشعار الهذليين 57.

([5]) صدر بيت لحنظلة بن فاتك الأسدي، في اللسان (حزم). وعجزه:

* تقفي بقوت عيالنا وتصان *

وحزمة، بضم الحاء كما في الأصل والقاموس والمخصص (6: 198)، وضبطت في اللسان ونسب الخيل لابن الكلبي بفتحها.

([6]) الخرص: تقدير الشيء بالظن. وفي الأصل: "حرضته"، تحريف.

([7]) يقال حزباء في الجمع، والمفردة حزباءة.

([8]) يقال في وصف الغلام حزور كجعفر، وحزور كعملس.

([9]) أنشده أيضاً في المجمل. والقروص، مصدر لم يرد في المعاجم المتداولة.

([10]) في اللسان وجه آخر للاشتقاق، قال: "سميت حزرة لأن صاحبها لم يزل يحزرها في نفسه كلما رآها".

 

ـ (باب الحاء والسين وما يثلهما)

(حسف) الحاء والسين والفاء أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يتقشَّر عن شيء ويسقط. فمن ذلك الحُسَافة، وهو ما سَقَط من التمر والثَّمَر. ويقال انحسف الشّيءُ، إذا تفتَّت في يدك. وأمَا الحَسيفَة، وهي العداوة، فجائزٌ أن يكون من هذا الباب. والذي عندي أنها من باب الإبدال، وأنّ الأصل الحسيكة؛ فأُبدلت الكاف فاءً. وقد ذكرت الحسيكة وقياسُها بعد هذا الباب. ويقال الحَسَفُ الشَّوك، وهو من الباب.

(حسك) الحاء والسين والكاف من خشونة الشيء، لا يخرج مسائله عنه. فمن ذلك الحَسَكُ، وهو حَسَك السَّعدانِ([1])، وسمِّي بذلك لخشونته وما عليه مِن شَوك. ومن ذلك الحَسِيكة، وهي العداوة وما يُضَمّ في القلب من خشونة. ومن ذلك الحِسْكِك([2]). وهو القُنفُذ. والقياس في جميعه واحد.

(حسل) الحاء والسين واللام أصلٌ واحد قليلُ الكلِم، وهو ولد الضبّ، يقال له الحِسْلُ والجمع حُسُول. ويقولون في المثل: "لا آتِيك [سِنَّ الحِسْل"، أي لا آتيك([3])] أبداً. وذلك أنّ الضب لا يسقط له سِنٌّ. ويكنى الضّبُّ أبا الحِسل. والحسِيل: ولد البقر، لا واحِدَ له من لفظه. قال:

* وهنّ كأذنابِ الحَسِيلِ صوادرٌ([4]) *

(حسم) الحاء والسين والميم أصلٌ واحد، وهو قَطْع الشّيء عن آخره. فالحَسْم: القطع. وسُمِّي السيفُ حُساماً. ويقال حسامُه حَدّهُ، أيُّ ذلك كان فهو من القَطْع. فأما قوله تعالى: {وَثَمَانِيَةَ أيَّامٍ حُسُوماً} [الحاقة 7]، فيقال هي المتتابعة. ويقال الحسوم الشّؤم. ويقال سمِّيت حُسوماً لأنها حسمت الخيرَ عن أهلها. وهذا القول أقْيَس لما ذكرناه. ويقال للصبيّ السيِّئ الغذاء([5]) محسومٌ، كأنه قُطِع نماؤُه لَمَّا حُسِم غذاؤه. والحَسْم: أن تقطَعَ عِرقاً وتكويه بالنار كي لا تسيل دمُه. ولذلك يقال: احْسِم عنك هذا الأمر، أي اقطعه واكفِهِ نفسَك.

(حسن) الحاء والسين والنون أصلٌ واحد. فالحُسن ضِدُّ القبح. يقال رجلٌ حسن وامرَأة حسناءُ وحُسّانَةٌ. قال:

دارَ الفَتاةِ التي كُنّا نقولُ لها *** يا ظبيةً عُطُلاً حُسّانَة الجِيدِ([6])

  وليس في الباب إلاّ هذا. ويقولون: الحسَن: جَبَل، وحَبْلٌ من حبال الرمل. قال:

لأمِّ الأرضِ وَيْلٌ ما أجَنَّتْ *** غداةَ أضَرَّ بالحَسَنِ السبيلُ([7])

  والمحاسنُ من الإنسان وغيره: ضدُّ المساوي. والحسن من الذراع: النصف الذي يلي الكوع، وأحسَِبه سمّي بذلك مقابلةً بالنِّصف الآخر؛ لأنّهم يسمُّون النصف الذي يلي المِرفَق القبيح، وهو الذي يقال له كَِسْرُ قبيحٍ. قال:

لو كنتَ عيْراً كنتَ عَيْرَ مذَلَّةٍ *** ولو كنت كِسْراً كنت كَِسْرَ قبيحِ([8])

  (حسو/ي) الحاء والسين والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ، ثم يشتقّ منه. وهو حَسْو الشيء المائع، كالماء واللبن وغيرهما؛ يقال منه حَسَوْت اللّبن وغيره حَسْواً. ويقال في المثل:

* لمثل ذا كنتُ أحَسِّيك الحُسى *

*والأصل الفارسُ يغذو فرسَه بالألبان يحسّيها إيّاه، ثمّ يحتاج إليه في طلبٍ أو هرب، فيقول: لهذا كنتُ أفعلُ بك ما أفعل. ثم يقال ذلك لكلِّ من رُشِّح لأمر. والعرب تقول في أمثالها: "هو يُسِرُّ حَسْواً في ارتغاء"، أي إنّه يُوهِم أنّه يتناول رغوةَ اللبن، وإنّما الذي يريده شُربُ اللّبنِ نَفْسِه. يضرب ذلك لمن يَمكُر، يُظهِر أمراً وهو يريد غيره. ويقولون: "نَومٌ كحَسْو الطائر" أي قليل. ويقولون: شَرِبْتُ حَسْوَاً وحَساءً. وكان يقال لابن جُدْعانَ حاسي الذَّهَب، لأنّه كان لـه إناءٌ من ذهب يحسُو منه. والحِسْيُ: مكانٌ إذا نُحِّيَ عنه رملُه نَبَع ماؤُه. قال:

تَجُمُّ جُمومَ الحِسْي جاشت غُرُوبُه *** وبَرَّدَهُ من تحتُ غِيلٌ وأبْطَحُ([9])

  فهذا أيضاً من الأول كأنَّ ماءَه يُحسَى.

ومما هو محمولٌ عليه احتسيت الخَبَر وتحسَّيت مثل تحسَّسْت، وحَسِيت بالشيء مثل حَسِسْتُ. وقال:

سوى أنّ العِتاقَ من المطايا *** حَسِينَ به فهنَّ إليه شُوسُ([10])

  وهذا ممكنٌ أن يكون أيضاً من الباب الذي يقلبونه عند التضعيف ياء، مثل قصَّيْتُ أظفاري، وتقضَّى البازي، وهو قريبٌ من الأمرين وحِسْيُ الغَميِم: مكانٌ.

(حسب) الحاء والسين والباء أصول أربعة:

فالأول: العدّ. تقول: حَسَبْتُ الشيءَ أحْسُبُه حَسْباً وحُسْباناً. قال الله تعالى: {الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ} [الرحمن 5]. ومن قياس الباب الحِسْبانُ الظنّ، وذلك أنَّه فرق بينه وبين العدّ بتغيير الحركة والتّصريف، والمعنى واحد، لأنّه إذا قال حسِبته كذا فكأنّه قال: هو في الذي أعُدُّه من الأمور الكائنة.

ومن الباب الحَسَبُ الذي يُعَدُّ من الإنسان. قال أهل اللغة: معناه أن يعد آباءً أشرافاً.

ومن هذا الباب قولهم: احتسب فلانٌ ابنَه، إذا مات كبيراً([11]). وذلك أنْ يَعُدّه في الأشياء المذخورة لـه عند الله تعالى. والحِسْبة: احتسابك الأجرَ. وفلان حَسَنُ الحِسْبة بالأمر، إذا كان حَسَن التدبير؛ وليس من احتساب الأجر. وهذا أيضاً من الباب؛ لأنه إذا كان حسنَ التدبير للأمر كان عالماً بِعِدَادِ كل شيءٍ وموضِعِه من الرأْي والصّواب. والقياسُ كله واحد([12]).

والأصل الثاني: الكِفاية. تقول شيء حِسَابٌ، أي كافٍ([13]). ويقال: أحسَبْتُ فلاناً، إذا أعطيتَه ما يرضيه؛ وكذلك حَسَّبْته. قالت امرأة([14]):

ونُقْفِي ولِيدَ الحيِّ إن كان جائعاً *** ونُحْسِبه إن كان ليسَ بجائِع

  والأصل الثالث: الحُسْبَانُ، وهي جمع حُسبانَةٍ، وهي الوِسادة الصغيرة. وقد حسَّبت الرّجلَ أُحَسِّبه، إذا أجلسته عليها ووسَّدْتَه إياها. ومنه قول القائل:

* غداة ثَوَى في الرّمْلِ غيرَ مُحَسَّبِ([15]) *

وقال آخر([16]):

يا عامِ لو قدَرَتْ عليكَ رِماحُنا *** والرّاقصاتِ إلى مِنَىً فالغَبْغَبِ

لَلَمسْتَ بالوكْعاء طعنةَ ثائرٍٍ *** حَرّانَ أو لثوَيْتَ غيرَ مُحسَّبِِ([17])

  ومن هذا الأصل الحُسبْان: سهامٌ صغار يُرْمى بها عن القسيِّ الفارسية، الواحدة حُسبانة. وإنما فرق بينهما لصِغَر هذه و[كبر] تلك.

ومنه قولهم أصاب الأرض حُسبان، أي جراد. وفُسِّرَ قوله تعالى: {وَ يُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَاناً مِنَ السَّمَاء} [الكهف 40]، بالبَرَد.

والأصل الرابع: الأحسب الذي ابيضَّت جِلدتُه من داءٍ ففسدت شَعرته، كأنَّه أبرص. قال:

يا هِنْدُ لا تَنْكحي بُوهَةً *** عليه عقيقتُه أحْسَبا([18])

  وقد يتّفق في أصول الأبواب هذا التفاوتُ الذي تراه في هذه الأصول الأربعة.

(حسد) الحاء والسين والدال أصلٌ واحد، وهو الحَسَد.

(حسر) الحاء والسين والراء أصلٌ واحد، وهو من كَشْف الشيء. [يقال حَسَرت عن الذراع([19])]، أي كشفته. والحاسر: الذي لا دِرْع عليه ولا *مِغْفَر. ويقال حَسَرْتُ البيتَ: كنستُه. ويقال: إن المِحْسَرَة المِكْنَسَة. وفلان كريم المَحْسَر، أي كريم المخبر، أي إذا كشفْتَ عن أخلاقه وجدتَ ثَمَّ كريماً. قال:

أرِقَتْ فما أدرِي أَسُقْمٌ طِبُّهَا *** أم من فراق أخٍ كريم المَحْسَر([20])

  ومن الباب الحسرةُ: التلهُّف على الشيء الفائت. ويقال حَسِرْتُ عليه حَسَراً وحَسْرَةً، وذلك انكشافُ أمرِه في جزعه وقلَّة صبره. ومنه ناقةٌ حَسْرَى إذا ظلَعَتْ. وحَسَر البصر إذا كَلَّ، وهو حسير، وذلك انكشافُ حاله في قلّة بَصَره وضَعْفه. والمُحَسَّرُ، المُحَقَّر، كأنّه حُسر، أي جُعِل ذا حَسْرَة. وقد فسّرناها.

ـــــــــــــــــــ

([1]) حسك السعدان، ثمره، وهو خشن يعلق بأصواف الغنم.

([2]) في الأصل: "الحيسك"، تحريف. ويقال للقنفذ حسكك كزبرج، وحسيكة كسفينة.

([3]) التكملة من المجمل. ونحوها في اللسان.

([4]) للشنفرى في المفضليات (1: 109) واللسان (حسل). وعجزه:

* وقد نهلت من الدماء وعلت *.

([5]) في الأصل: "الانداء"، صوابه من المجمل واللسان.

([6]) للشماخ في ديوانه 21 واللسان (حسن).

([7]) لعبد الله بن عنمة الضبي في اللسان (حسن) ومعجم البلدان (الحسنان) والحماسة.

([8]) قال ابن بري: "البيت من الطويل، ودخله الخرم في أوله. و منهم من يرويه: أو كنت كسراً، والبيت على هذا من الكامل". انظر اللسان (قبح) والمقاييس (قبح).

([9]) للمرقش الأصغر، من قصيدة في المفضليات (2: 41). وكذا جاءت الرواية في المجمل. وفي المفضليات: "وجرده من تحت"، أي كشفه وعراه من الشجر.

([10]) لأبي زبيد الطائي، كما في اللسان (حسا، حسس)، وأمالي القالي (1: 176).

([11]) وإذا فقده صغيراً لم يبلغ الحلم قيل: افترطه افتراطا.

([12]) في الأصل: "كلمة واحدة".

([13]) وبه فسر قوله تعالى: (عطاء حسابا).

([14]) من بني قشير، كما في اللسان (حسب). وأنشده أيضاً في (قفا).

([15]) أنشد هذا العجز في المجمل واللسان (حسب).

([16]) هو نهيك الفزاري، يخاطب عامر بن الطفيل، كما في اللسان (حسب). وفي معجم البلدان (رسم الغبغب) أنه "نهيكة الفزاري".

([17]) الوكعاء: الوجعاء، وهي الدبر. وفي اللسان "بالوجعاء" وفي المعجم "بالرصعاء".

([18]) لامرئ القيس في ديوانه 154 واللسان (بوه، عقق، حسب). وقد سبق في (بوه).

([19]) التكملة من المجمل.

([20]) في الأصل: "الكريم"، صوابه في المجمل، حيث أنشد العجز. والطب، بالكسر الشأن والعادة.

 

ـ (باب الحاء والشين وما يثلثهما)

(حشف) الحاء والشين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَخَاوة وضعف وخلوقة.

فأوّل ذلك الحَشَف، وهو أردأ التَّمر. ويقولون في أمثالهم: "أَحَشَفاً وسُوءَ كِيلَة"، للرَّجُل يجمع أمرين ردِيَّين. قال امرؤ القيس:

كأنَّ قلوبَ الطيرِ رَطباً ويابساً *** لدى وَكرها العُنَّابُ والحَشَفُ البالي([1])

  وإنما ذكر قلوبَها لأنها أطيبُ ما في الطير، وهي تأتي فراخها بها. ويقال حَشِفَ([2]) خِلْفُ الناقة، إذا ارتفع منه الّلبن. والحشيف: الثَّوب الخَلَق. وقد تَحَشَّف الرَّجلُ: لَبِسَ الحشيف. قال:

يُدنـي الحَشيفَ عليها كي يواريَها *** ونَفْسَها وهو للأطمار لَبَّاس([3])

  والحَشَفة: العجوز الكبيرة، والخميرة اليابسة([4])، والصخرة الرِّخْوَة حَوْلها السهلُ من الأرض.

(حشك) الحاء والشين والكاف أصلٌ واحد، وهو تجمُّع الشيء. يقال حَشَكْت النَّاقةَ، إذا تركتَها لا تحلبُها فتجمَّع لبنُها، وهي محشوكة. قال:

* غَدَت وهي مَحْشوكَةٌ حافلٌ([5]) *

وَحَشَكَ القوم، إذا حَشَدُوا. وحَشَكَت([6]) السّحابة: كثُر ماؤُها. ومنه قولهم للنّخلة الكثيرة الحَمْل حاشك. وحَشَكت السّماء: أتَتْ بمطرها. وربَّما حملوا عليه فقالوا: قوسٌ حاشكة، وهي الطَّرُوحُ البعيدةُ المَرمى. وحَشّاك: نَهْر.

(حشم) الحاء والشين والميم أصلٌ مشترك، وهو الغَضَب أو قريبٌ منه.

قال أهل اللغة. الحِشْمَة: الانقباضُ والاستحياء. وقال قومٌ: هو الغضب. قال ابن قُتيبة: رُوِي عن بعض فصحاء العرب: إن ذلك مما يُحْشِمُ بني فلانٍ، أي يغضبهم. وذكر آخر أن العرب لا تعرِفُ الحشمةَ إلاَّ الغضب، وأنَّ قولهم لحشَمِ الرجل خدمه، إنما معناه أنّهم الذين يَغْضب لهم ويغْضَبون له.

قال أبو عبيدٍ: قال أبو زيد: حَشَمْتُ الرجل أحْشِمه وأحْشَمْتُه، وهو أن يجلس إليك فتُؤذيَهُ وتُسمعه ما يكره. وابن الأعرابي يقول: حَشَمْتُه فَحَشم، أي أخجلته. وأحشمته: أغضبته. وأنشد:

لَعَمْرُكَ إنْ قُرْصَ أبي خُبَيبٍ *** بطيءُ النُّضْجِ مَحشومُ الأكيل([7])

  (حشن) الحاء والشين والنون أصلٌ واحد، وهو تغيُّر الشيء بما يتعلّق به من درن. ثمّ يشتق منه:

فأمّا الأول فقولهم فيما رواه الخليل: حَشنَ السِّقاء، إذا حُقِنَ لبناً ولم يُتَعهَّدْ بغسلٍ فتغيَّرَ ظاهرُه وأنتَنَ. وأمَّا القياس فقال أبو عبيد: الحِشْنة، بتقديم الحاء على الشين: الحقد. وأنشد:

ألاَ لا أرَى ذا حِشْنَةٍ في فؤاده *** يُجَمجِمُها إلاّ سَيَبْدُو دفينُها([8])

  قال غيره: ومن ذلك قولهم: قال([9]) فلانٌ لفلان حتَّى حشَّن صدرَه.

(حشو/ي) الحاء والشين وما بعدها معتلٌ أصلٌ واحد، وربما هُمِزَ فيكون المعنيان متقاربين أيضاً. وهو أن يُودَع الشيءُ وعاءً باستقصاء. يقال حشوتُه أحشوه حَشْوا. وَحِشْوَة الإنسان والدابة: أمعاؤه. ويقال [فلانٌ] من حِشْوة بني فلانٍ، أي من رُذَالهم. وإنما قيل ذلك لأن الذي تحشى به الأشياءُ لا يكون من أفخر المَتاع بل أدْونِه.

والمِحْشى: ما تحتشي([10]) به المرأة، تعظِّم* به عَجِيزتها، والجمع المحاشِي. قال:

* جُمَّاً غَنيّاتٍ عن المَحاشِي([11]) *

والحشا: حشا الإنسان، والجمع أحشاء. والحشا: الناحية، وهو من قياس الباب، لأنّ لكلّ ناحيةٍ أهلاً فكأنّهم حشَوها. يقال: ما أدري بأيّ حشاً هو. قال:

* بأيِّ الحَشَا أمسى الخليطُ المبايِنُ([12]) *

ومن المهموز وهو من قياسِ الباب غيرُ بعيدٍ منه، قولهم: حشأتُه بالسَّهم أحشَؤُه، إذا أصبتَ به جَنْبَه. قال:

فَلأَحْشأَنّكَ مِشْقَصاً *** أوْساً أُوَيْسُ من الهَبَالهْ([13])

  ومنه حَشَأْتُ المرأةَ، كناية عن الجِماع.

والحَشَا، غير مهموز: الرَّبْو، يقال حَشِي يَحْشَى حشاً، فهو حَشٍ كما ترى. فأمّا قول النابغة:

جَمِّعْ مِحاشَكَ يا يزيدُ فإِنَّنِي *** أعددتُ يربوعاً لكم وتميما([14])

  فله وجهان: أحدهما أن يكون ميمُه أصليَّة، وقد ذكر في بابه. والوجه الآخر أن يكون الميم زائدةً ويكون مِفْعَلاً من الحَشو، كأنه أراد اللفيف والأُشابة، وكان ينبغي أن يكون مِحْشَىً، فَقَلب.

(حشب) الحاء والشين والباء قريبُ المعنى مما قبله. فيقال الحَوْشَب العظيم البطن. قال:

وتجرُّ مُجْرِيَةٌ لها *** لحمي إلى أجْرٍ حواشِبْ([15])

والحوشب: حَشْو الحافر، ويقال بل هو عظمٌ في باطن الحافر بين العصَب والوظيف. قال رؤبة:

* في رُسُغٍ لا يَتَشكَّى الحوشَبا([16]) *

(حشد) الحاء والشين والدال قريب المعنى من الذي قبلَه. يقال حَشَد القوم إذا اجتمعوا وخفُّوا في التعاوُن. وناقة حشُودٌ: يسرعُ اجتماعُ اللبَن في ضرعها. والحَشْدَ: المحتشدون. وهذا وإن كان في معنى ما قبلَه ففيه معنىً آخر، وهو التّعاوُن. ويقال عِذقٌ حاشِدٌ وحاشك: مجتمِعُ الحَمْل كثيرُهُ.

(حشر) الحاء والشين والراء قريبُ المعنى من الذي قبلِه، وفيه زيادةُ معنىً، وهو السّوق والبعثُ والانبعاث.

وأهل اللغة يقولون: الحشر الجمع مع سَوْقٍ، وكلُّ جمعٍ حَشْر. والعرب تقول: حَشرَتْ مالَ بني فلانٍ السنةُ كأنّها جمعته، ذهبت به وأتَتْ عليه. قال رؤبة:

وما نجا من حَشْرِها المحشوشِ *** وحْشٌ ولا طمشٌ من الطُّموشِ([17])

  ويقال أُذُنٌ حَشْرَةٌ، إذا كانت مجتمِعة الخَلْق. قال:

لها أذُنٌ حَشْرَةٌ مَشْرَةٌ *** كإعْلِيط مَرْخٍ إذا ما صَفِرْ([18])

  ومن أسماء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "الحاشر"، معناه أنّه يحشر النّاس على قدمَيه، كأنّه يقدُمُهم يوم القِيامة وهم خلْفه. ومحتملٌ أن يكون لَمَّا كان آخِرَ الأنبياء حُشِر النّاس في زمانه.

وحشرات الأرض: دوابُّها الصغار، كاليرابيع والضِّباب وما أشبهها، فسمِّيت بذلك لكثرتها وانسياقها وانبعاثها. والحَشْوَرُ من الرّجال: العظيم الخَلْق أو البطنِ.

وممّا شذّ عن الأصل قولهم للرجل الخفيف حَشْرٌ. والحَشْر من القُذَذ: ما لَطُف. وسِنانٌ حَشْرٌ، أي دقيق؛ وقد حَشَرْته.

ـــــــــــــــــــ

([1]) ديوان امرئ القيس 70.

([2]) وكذا ضبط بكسر الشين في المجمل، وفي اللسان بالفتح.

([3]) في المجمل: "ونفسه".

([4]) ذكر هذين المعنيين في المجمل، وذكرا في القاموس، وفاتا صاحب اللسان.

([5]) عجزه كما في اللسان (حشك): * فراح الذئار عليها صحيحا *

([6]) في الأصل: "حشدت"، تحريف.

([7]) البيت في المجمل واللسان (حشم).

([8]) البيت في المجمل واللسان (حشن).

([9]) كذا وردت هذه الكلمة.

([10]) في الأصل: " ما تحشى"، صوابه ما أثبت.

([11]) الجم: جمع جماء، وهي الكثيرة اللحم. وفي الأصل: "جمعا"، صوابه من المجمل.

([12]) للمعطل الهذلي من قصيدة في مخطوطة الشنقيطي من الهذليين 108. وأشده في اللسان: (حشا) وصدره: * يقول الذي أمسى إلى الحرز أهله *

([13]) البيت لأسماء بن خارجة كما في اللسان (حشا، أوس، هبل).

([14]) ديوان النابغة 70 واللسان (حشا).

([15]) لحبيب بن عبد الله، المعروف بالأعلم الهذلي. انظر ما سبق في حواشي (1: 447).

([16]) ديوان العجاج 74 واللسان والمجمل (حشب).

([17]) ديوان رؤبة 78 واللسان (حشر، طمش) والمقاييس (طمش).

([18]) للنمر بن تولب كما في اللسان (حشر)، ونبه على صحة هذه النسبة في (علط) بعد أن ذكر نسبته إلى امرئ القيس، وسيعيده في المقاييس (علط).

 

 


ـ (باب الحاء والصاد وما يثلثهما)

(حصف) الحاء والصاد والفاء أصلٌ واحد، وهو تشدُّدٌ يكون في الشيءِ وصلابةٌ وقوَّة. فيقال لرَكانة العقْل حصافة، وللعَدْوِ الشديد إحصاف. يقال فرسٌ مِحْصَفٌ وناقة مِحْصافٌ. ويقال كتيبة محصوفةٌ، إذا تَجمَّع أصحابُها وقلّ الخَلَل فيهم. قال الأعشى:

تأوِي طوائِفُها إلى مَحْصُوفة *** مكروهةٍ يخشى الكماةُ نِزالَها([1])

  ويقال "مخصوفة"، وهذا له قياسٌ آخر وقد ذكر في بابه. ويقال استحصَفَ على بني فلانٍ الزّمانُ، إذا اشتدّ. وفرْجٌ مستحصِفٌ. وقال:

وإذا طعنتَ طعنتَ في مستَحْصِفٍ *** رابي المَجَسَّةِ بالعبير مُقَرْمَدِ([2])

  والحَصَف: بَثْر صِغارٌ يَستحصِف لها الجِلْد.

(حصل) الحاء والصاد واللام أصلٌ واحد منقاس، وهو جمع الشيء، ولذلك سمِّيت حَوصلةُ *الطائر؛ لأنّه يجمع فيها. ويقال حصَّلت الشيءَ تحصيلا. وزعم ناسٌ من أهل اللغة أنّ أصل التحصيل استخراجُ الذهب أو الفضّة من الحجر أو من تراب المَعدِن؛ ويقال لفاعله المحصِّل. قال:

ألا رجلٌ جزاهُ الله خيراً *** يدلُّ على محصِّلة تُبِيتُ([3])

  فإن كان كذا فهو القياسُ، والباب كلُّه محمول عليه.

والحَصَل: البلح قبل أن يشتدّ ويظهر ثَفارِيقُه، الواحدةُ حَصَلة. قال:

* ينحَتُّ منهُنّ السَّدَى والحَصْلُ([4]) *

السّدَى: البَلَح الذاوي، الواحدة سَداة. وهذا أيضاً من الباب، أعني الحصَل، لأنه حُصِّل من النخلة.

ومما شذّ عن الباب وما أدري ممّ اشتقاقه، قولهم: حَصِلَ الفرسُ، إذا اشتكى بَطْنَهُ عن أكل التُّراب.([5])

(حصم) الحاء والصاد والميم أصلٌ قليل الكَلِم، إلاّ أنه تكسُّر في الشيء، يقال: انحصم العود، إذا انكسر. قال ابن مُقْبل:

وبيَاضاً أحدثَتْه لِمَّتِي *** مثلَ عيدانِ الحَصاد المنحَصِمْ([6])

  ومما اشتقّ منه حُصام([7]) الدّابة، وهو رُدَامه. والقياس قريب.

(حصن) الحاء والصاد والنون أصلٌ واحد منقاس، وهو الحفظ والحِياطة والحِرز. فالحِصن معروف، والجمع حصون. والحاصِن والحَصَان: المرأة المتعفِّفة الحاصنةُ فرْجَها. قال:

فَمَا ولَدتْنِي حاصِنٌ رَبَعِيّةٌ *** لئن أنا مالأْتُ الهوى لاتِّباعِها([8])

  وقال حسّان في الحَصان:

حَصَانٌ رَزَانٌ ما تُزَنُّ برِيبَةٍ *** وتُصبح غَرْثَى من لحوم الغَوافِل([9])

  والفعل من هذا حَصُن. قال أحمد بن يحيى ثعلب: كلّ امرأةٍ عفيفة فهي مُحْصَنة ومُحْصِنة، وكل امرأة متزوِّجةٍ فهي محصَنة لا غير. قال: ويقال لكلِّ ممنوعٍ مُحْصَن، وذكر ناسٌ أنّ القُفْل يسمَّى مُحْصَناً. ويقال أحْصَنَ الرّجُل فهو مُحْصَنٌ. وهذا أحدُ ما جاء على أفعل فهو مُفْعَل.

(حصو/ي) الحاء والصاد والحرف المعتل ثلاثة أصول: الأول المنع، والثاني العَدُّ والإطاقة، والثالث شيءٌ من أجزاء الأرض.

فالأوَّل الحصو. قال الشيبانيّ: هو المنع؛ يقال حصوته أي منعته. قال:

ألا تخافُ الله إذْ حَصَوْتني *** حقِّي بلا ذنبٍ وإذْ عَنَّنْتَني([10])

  والأصل الثاني: أحصيت الشيءَ، إذا عَدَدْته وأطْقته. قال الله تعالى: {عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ} [المزمل 20]. وقال تعالى: {أَحْصَاهُ اللهُ وَنَسُوهُ} [المجادلة 6].

والأصل الثالث: الحصى، وهو معروف. يقال أرضٌ مَحْصاةٌ، إذا كانت ذاتَ حصَى. وقد قيل حَصِيتْ تَحْصَى.

ومما اشتقّ منه الحصاة؛ يقال ما له حصاةٌ، أي ما له عقل. وهو من هذا؛ لأن في الحصى قوةً وشدّة. والحصاة: العقل، لأنّ به تماسُكَ الرّجل وقوّة نفسه. قال:

وإنّ لسانَ المرءِ مالم تكن له *** حَصاةٌ على عَوْراته لدَلِيلُ([11])

  ويقال لكلِّ قطعةٍ من المسك حَصَاة؛ فهذا تشبيهٌ لا قياس.

وإذا هُمِز فأصْله تجمُّع الشيء؛ يقال أحصأتُ الرّجلَ، إذا أروَيته من الماء، وحَصِئَ هو. ويقال حَصأ الصبيُّ من اللبن، إذا ارتضَعَ حتى تمتلئَ مَعِدته، وكذلك الجَدْي.

(حصب) الحاء والصاد والباء أصلٌ واحد، وهو جنسٌ من أجزاء الأرض، ثم يشتقّ منه، وهو الحصباء، وذلك جنسٌ من الحَصَى. ويقال حَصَبْتُ الرّجلَ بالحَصبَاء. وريحٌ حاصب، إذا أتَتْ بالغُبار. فأمّا الحَصْبَةُ فَبثْرةٌ تخرج بالجَسدِ، وهو مشبَّه بالحَصْباء. فأمَّا المُحَصَّب بمِنىً فهو موضع الجِمار. قال ذو الرمة:

أرى ناقتي عند المحصَّب شاقَها *** رَواحُ اليَمانِي والهديلُ المُرجَّعُ([12])

  يريد نفر اليمانينَ حين ينْصرفون. والهديل هاهنا: أصوات الحمام. أراد أنّها ذَكَرت الطير في أهلها فحنّت إليها.

ومن الباب الإحصاب: أن يُثِير الإنسانُ الحصَى في عَدْوِه. ويقال أرض مَحْصَبَةٌ، ذاتُ حَصْباء. فأمّا قولُهم حَصَّب القوم عن صاحبهم *يُحَصِّبون، فذلك تَوَلِّيهِمْ عنه مسرِعين كالحاصب، وهي الريح الشديدة. فهذا محمولٌ على الباب.

ويقال إنّ الحصِبَ من الألبان الذي لا يُخرِج زُبدَه، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنه كأنه من بَرْده يشتدّ حتى يصير كالحصباء فلا يُخرج زُبْداً([13]).

(حصد) الحاء والصاد والدال أصلان: [أحدهما] قطْع الشيء، والآخر إحكامه. وهما متفاوتان.

فالأول حصدتُ الزّرعَ وغيرَه حَصْدا. وهذا زمَنُ الحَصاد والحِصاد. وفي الحديث: "وهَلْ يكُبُّ الناسَ على مَناخِرِهم في النار إلا حصائدُ ألسنتهم". فإن الحصائد جمع حَصِيدة، وهو كلُّ شيءٍ قيل في الناس باللِّسان وقُطِع به عليهم. ويقال حَصَدْتُ واحتصَدْت، والرجل محتصِد. قال:

إنما نحنُ مِثلُ خامةِ زَرْعٍ *** فمتى يَأْنِ يَأْتِ محتصِدُهْ([14])

  والأصل الآخر قولهم حَبْلٌ مُحْصَدٌ، أي مُمَرٌّ مفتول.

ومن الباب شجرةٌ حَصْداء، أي كثيرة الورق؛ ودِرْع حصداء: مُحْكَمة؛ واستحصدَ القومُ، إذا اجتَمَعوا.

(حصر) الحاء والصاد والراء أصلٌ واحد، وهو الجمع والحَبْس والمنع. قال أبو عمرو: الحَصِير الجَنْبُ. قال الأصمعيّ: الحصير ما بين العِرْق الذي يظهر في جنب البعير والفَرَس معترضاً، فما فوقه إلى منقطع الجنب فهو الحصير. وأيَّ ذلك [كان] فهو من الذي ذكرناه من الجَمْع، لأنّه مجمع الأضلاع.

والحَِصر: العَيُّ، كأنَّ الكلام حُبِس عنه ومُنِع منه. والحَصَر: ضِيقُ الصَّدْر. ومن الباب([15]) الحُصْر، وهو اعتقال البَطْن؛ يقال منه حُصِر وأُحْصِر. والناقة الحَصُور، وهي الضيِّقة الإحليل؛ والقياس واحد. فأمَّا الإحصار فأن يُحْصَرَ الحاجُّ عن البيت بمرضٍ([16]) أو نحوه. وناسٌ يقولون: حَصَره المرض وأحصره العدُوّ.

وروى أبو عبيدٍ عن أبي عمرو: حَصَرَني الشيء وأحصرني، إذا حبَسني، وذكر قول ابنِ ميّادة:

وما هَجْرُ ليلَى أن تكون تباعدَتْ *** عَليكَ ولا أَنْ أَحْصَرتْكَ شُغُولُ([17])

  والكلام في حَصَره وأحصره، مشتبهٌ عندي غايةَ الاشتباه؛ لأنّ ناساً يجمعون بينهما وآخرون يَفْرِقون، وليس فَرْقُ مَنْ فَرَقَ بينَ ذلك ولا جَمْعُ مَن جمعَ ناقضاً القياسَ الذي ذكرناه، بل الأمرُ كلُّه دالٌّ على الحبْس.

ومن الباب الحَصُور الذي لا يأتي النِّساء؛ فقال قوم: هو فَعول بمعنى مفعول، كأنّه حَصِر أي حُبِس. وقال آخرون: هو الذي يأبَى النساء([18]) كأنّه أحجَمَ هو عنهنَّ، كما يقال رجل حَصُورٌ، إذا حَبَس رِفدَه ولم يُخْرِجْ ما يخرجه النّدامَى. قال الأخطل:

وشاربٍ مُرْبِحٍ بالكأسِ نادَمَني *** لا بالحَصُور ولا فيها بِسَوَّارِ([19])

  ومن الباب الحَصِر بالسِّرّ، وهو الكتوم له. قال جرير:

ولقد تَسقَّطَنِي الوُشاةُ فصادَفُوا *** حَصِراً بِسرِّكِ يا أمَيْمَ ضَنِينا([20])

  والحصير في قولـه عز وجل: {وَجَعَلْنَا جَهَنَّمَ للكافِرِينَ حَصِيراً} [الإسراء 8]، وهو المحْبِس. والحصير في قول لبيد:

* لَدَى بابِ الحَصيرِ قيامُ([21]) *

هو الملك. والحصَار: وِسادةٌ تحشَى وتجعل لقادمة الرَّحْل؛ يقال احتَصَرْت البعير احتصارا([22]).

 

ــــــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 27 واللسان (حصف). وفي الديوان: "إلى مخضرة".

([2]) للنابغة الذبياني في ديوانه 32، والبيت ملفق من بيتين وهما:

وإذا طعنت في مستهدف *** رابى المجسة بالعبير مقرمد

وإذا نزعت نزعت من مستحصف *** نزع الحزور بالرشاء المحصد

([3]) البيت لعمرو بن قعاس المرادي، كما في الخزانة (1: 459) وكتاب سيبويه (1: 359). وأنشده في اللسان (حصل) بدون نسبة. وفي "رجل" أوجه الإعراب الثلاثة.

([4]) الثفاريق: جمع ثفروق، بضم الثاء المثلثة، وهو قمع البسرة والتمرة. وفي الأصل واللسان: "تغاريقه"، تحريف. وفي المخصص (11: 121): "إذا استبان البسر ونبت أقماعه وتدحرج قيل حصل النخل، وهو الحصل".

([5]) استشهد به في اللسان والمخصص على تسكين الصاد للضرورة، وأنشده كذلك في اللسان (سدا).

([6]) البيت في اللسان (حصم).

([7]) هذا اللفظ مما لم يرد في المعاجم المتداولة. والدابة، يذكر ويؤنث.

([8]) نسب في الحماسة بشرح المرزوقي 208 إلى إياس بن قبيصة الطائي.

([9]) ديوان حسان 324 واللسان (حصن، رزن). يقوله في شأن أم المؤمنين عائشة.

([10]) لبشير الفريري، كما في اللسان (حصى).

([11]) لكعب بن سعد الغنوي، كما في اللسان (حصى). ونبه الأزهري إلى طرفة، وهو في ديوانه ص52.

([12]) ديوان ذي الرمة 345 واللسان (هدل).

([13]) لم يذكر "الحصب" في اللسان. وفي القاموس: "وككتف: اللبن لا يخرج زبده من برده".

([14]) للطرماح في ديوانه 113 واللسان (خوم). وكلمة "مثل" ساقطة من الأصل. وإثباتها مما سيأتي في

(خام 237) واللسان. وفي الديوان:

إنما الناس مثل نابتة الزر *** ع متى يأن يأت محتصده

([15]) في الأصل: "وهو من الباب".

([16]) في الأصل: "عرض"، صوابه من المجمل.

([17]) البيت في المجمل واللسان (شغل).

([18]) في الأصل: "يأتي النساء".

([19]) ديوان الأخطل 116 واللسان (6: 2، 51).

([20]) ديوان جرير 578 واللسان (حصر)، وورد محرفا في اللسان.

([21]) البيت بتمامه كما في ديوان لبيد 29:

ومقامة غلب الرقاب كأنهم *** جن لدى طرف الحصير قيام

([22]) وكذلك يقال حصره وأحصره.

 


ـ (باب الحاء والضاد وما يثلثهما)

(حضل) الحاء والضاد واللام كلمةٌ واحدة ليست أصلاً ولا يقاس عليها؛ يقال حَضِلَت النخلةُ، إذا فسد أصولُ سَعَفِها.

(حضن) الحاء والضاد والنون أصلٌ واحد يقاس، وهو حِفْظ الشيء وصِيانته. فالحِضْن ما دون الإبط إلى الكَشْحِ؛ يقال احتضَنْت الشيءَ جعلتُه في حِضْني. فأمَّا قول الكميت:

ودَوِّيَّةٍ أنفذْتُ حِضْنَيْ ظَلاَمِها *** هُدُوَّاً إذا ما طائر الليل أبصرا

  فإنَّه يريد قَطْعَهُ إيَّاها. وطائر [الليل]: الخفّاش. ونَواحي كلِّ شيء أحضانُه.

ومن الباب *حَضَنَتِ المرأة ولدَها، وكذلك حضنَت الحمامةُ بيضَها. والمُحْتَضَن: [الحِضْن([1])]. قال:

عَريضةِ بَُوْصٍ إذا أدبَرَتْ *** هَضيمِ الحشا عَبْلَةِ المحتضَنْ([2])

  فأمَّا حَضَنٌ فجبلٌ بنجْد، وهو أوّل نجد. والعرب تقول: "أنْجَدَ مَنْ رأى حَضَناً". ويقال امرأةٌ حَضُون بيِّنة الحِضان([3]). فأما قولهم حضَنْت الرَّجُلَ عن الرّجل، إذا نحَّيته عنه، فكلمةٌ مشكوك فيها، ووجدتُ كثيراً من أهل العلم يُنْكرونها. فإنْ كانت صحيحةً فالقياس فيها مطَّرد، كأنَّ الشيء حُضِن عنه وحُفِظَ ولم يمكَّن منه. ومصدره الحَضْنُ والحَضانة. ويقال الحَضَن العاجُ في قول القائل:

تبَسَّمتْ عن وَميضِ البرق كاشرةً *** وأبرزَتْ عن هجان اللَّونِ كالحَضَنِ([4])

ويقال إنّ الحَضَن أصلُ الجبل. فإن كان ما ذكرناه من العاج صحيحاً فهو شاذٌ عن الأصل.

(حضي) الحاء والضاد والحرف المعتل أصل واحد، وهو هَيْج الشيء،   ويكون في النار خاصّة. يقال حَضَوْت النارَ، إذا أوقدتَها. والعود الذي تُحرّك به النار مِحضاءٌ ممدود. ويقال حضأتها أيضاً بالهمز، والعود مِحْضَأ على مِفْعَل، وربما مدُّوه؛ والأول أجود.

(حضب) الحاء والضاد والباء أصلان: الأول ما تُسْعَرُ به النار، والثاني جنسٌ من الصَّوْت.

فالأوَّل قولـه جلَّ ثناؤُه: {حَضَْبُ جَهنَّمَ([5])} [الأنبياء 98]، قالوا: هو الوَقُود بفتح الواو. ويقال لما تُسعر النار به مِحْضَب. وينشد بيت الأعشى:

فلا تَكُ في حَرْبِنا مِحْضباً *** لتجعَلَ قومَكَ شَتَّى شُعُوبا([6])

  والصوت كقولهم لصوت القَوسِ حُضْبٌ، والجمع أحضاب. فأما قولهم إنَّ الحِضْب الحيّة ففيه كلامٌ، وإن صحّ فإنّه شاذٌّ عن الأصل.

(حضج) الحاء والضاد والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على دناءة الشيء وسُقوطه وذَهابه عن طريقة الاختيار. يقول العرب: انحضج الرّجُل وغيره إذا وقع بجَنْبه، وحضَجْت أنا به الأرضَ. ويقال: هذه إحدى حضَجَاتِ فلانٍ، أي إحدى سَقَطاتِه. وذلك في القول والفِعل([7]). والحِضْج: ما يَبقى في حياض الإبل من الماء، والجمع أحضاج. ويقال للدَّنِيِّ من الرجال حِضْج. وحَضَجْتُ الثَّوْبَ، إذا ضربته بالمِحْضاج عند غَسلك إيَّاه، وهي تلك الخشبة.

وأمّا قولهم للزِّقِّ الضخم حِضاج فهو قريبٌ من الباب؛ لأنه يتساقط. فأمّا قولهم حضَجْت النّار أوقدتُها، فيجوز أن يكون من الباب، ويمكن أن يكون من باب الإبدال.

(حضر) الحاء والضاد والراء إيراد الشيء، ووروده ومشاهدته. وقد يجيء ما يبعد عن هذا وإن كان الأصل واحداً.

فالحَضَرُ خلاف البَدْو. وسكون الحَضَر الحِضارة([8]). قال:

فمن تكن الحَِضارةُ أعجبَتْهُ *** فأيَّ رجالِ باديةٍ ترانَا([9])

  قالها أبو زيدٍ بالكسر، وقال الأصمعي هي الحَضارة بالفتح. فأمّا الحُضْر الذي هو العَدْوُ فمن الباب أيضاً، لأن الفرسَ وغيرَه يُحْضِرَان ما عندهما من ذلك، يقال أَحْضَرَ الفرس، وهو فرس مِحْضِيرٌ سريع الحُضْرِ، ومِحْضار. ويقال حاضَرْتُ الرّجلَ، إذا عدوتَ معه. وقول العرب: "اللبنُ مَحضُور" فمعناه كثير الآفة، ويقولون إنَّ الجانَّ تحضُره. ويقولون: "الكُنُف محضورة". وتأوَّلَ ناسٌ قولـه تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ. وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ} [المؤمنون 97- 98]، أي أن يُصيبوني بسُوء. والبابُ كله واحد، وذلك أنّهم يَحْضُرُونه بسوء. ويقال للحاضر وهي([10]) الحيّ العظيم. قال حسان:

لنا حاضِرٌ فَعْم وبادٍ كأنَّه *** قطينُ الإلهِ عزّةً وتكرُّما([11])

  ويروي ناسٌ:

.................... كأنَّه *** شماريخ رَضوى عِزَّةً وتكرُّما

  وأنكرت قريشٌ ذلك وقالوا: *أيُّ عزَّةٍ وتكرمٍ لشماريخ رَضْوَى. والحضيرة: الجماعة ليست بالكثيرة. قال:

يَرِدُ المياهَ حَضيرةً ونفيضةً *** وِرْدَ القطاةِ إذا اسمأَلّ التّبَُّعُ([12])

  ويقال المحاضَرة المغالبة، وحاضرتُ الرجل: جاثيتُه عند سلطان أو حاكم. ويقال ألقت الشاةُ حضِيرتَها، وهي ما تُلْقِيه بَعد الولَد من المَشيمة وغيرها. وهذا قياسٌ صحيح، وذلك أنّ تلك الأشياء تُسَمَّى الشُّهُود، وقد ذكرت في بابها.

وحَضْرَةُ الرّجُل: فِناؤه. والحَضيرة: ما اجتمع من المِدّة في الجُرح. ويقال: حَضَرت الصلاة، ولغة أهل المدينة حَضِرت. وكلهم يقول تحضُر. وهذا من نادر ما يجيء من الكلام على فَعِل يفعُل. وقد جاءت فيه من الصحيح غير المعتل كلمةٌ واحدة وقد ذكرت في بابها([13]). ويقال رجل حَضِرٌ إذا كان لا يصلُح للسّفَر. وهذا كقولهم رجلٌ نَهِرٌ، إذا كان يصلحُ لأعمال النّهار دونَ الليل. قال:

* لست بليليًّ ولكني نَهِرْ([14]) *

ويقولون: إنّ الحَضْرَ شحمةٌ في المَأْنة([15]) وفوقَها. وممّا شذّ عن الباب الحَضْر، وهو حصنٌ، في قول عديّ:

وأخُو الحَضْر إذ بَنَاهُ وإذ دِجْـ *** ـلةُ تُجبَى إليه والخابورُ([16])

  ومن الشاذّ، ويجوز أن يحمل على ما قبلَه حَضَارِ([17])، وهو كوكب. والعرب تقول: "حَضَارِ والوزنُ مُحْلِفان"؛ وذلك أنَّ الناس يحلفون عليهما أنهما سُهَيْل([18]) لأنهما يشبهانه. والمُحْلِف: الشيء الذي يُحْوِج إلى الحَلْفِ. قال:

كُمَيْتٌ غيرُ مُحْلِفةٍ ولكن *** كلون الوَرْسِ عُلّ به الأديم([19])

  وحِضارُ الإبل: بِيضُها. قال الهذليّ:

* شُومُها وحِضارُها([20]) *

ـــــــــــــــ

([1]) هذه التكملة من المجمل واللسان.

([2]) للأعشى في ديوانه 15 واللسان (بوص، حضن). وقد سبق في (بوص).

([3]) الحضون من الإبل والغنم والنساء: ما كان أحد خلفيه أو ثدييه أكبر من الآخر.

([4]) البيت في اللسان (حضن)، وعجزه في المجمل.

([5]) قرأ الجمهور بالصاد المهملة، محركة وساكنة. وقرأ ابن عباس بالضاد المعجمة المفتوحة. وروي عنه إسكانها. انظر تفسير أبي حيان (6: 340).

([6]) ملحقات ديوان الأعشى 236 واللسان (حضب). وفي تفسير أبي حيان: "فتجعل".

([7]) في الأصل: "والفضل".

([8]) يقال سكن بالمكان يسكن سكنى وسكونا: أقام.

([9]) هو القطامي، كما سبق في حواشي (بدو).

([10]) كذا ورد في الأصل ولعله "ويقال الحاضر هو" .

([11]) ديوان حسان 370 واللسان (حضر).

([12]) للحادرة الذبياني من قصيدة في ديوانه والمفضليات (1: 41) ونسب في اللسان (حضر، نفض،سمأل، تبع) إلى سلمى الجهنية.

([13]) كذا. ولم يعين موضع ذكرها. وقد ذكر ابن خالويه خمسة أحرف جاءت على فعل يفعل وهي: دمت أدوم، ومت أموت، وفضل يفضل، ونعم ينعم، وقنط يقنط انظر (ليس في كلام العرب) ص 13.

([14]) أنشده في اللسان (نهر) وكتاب سيبويه (2: 91) والمخصص (9: 51).

([15]) المأنة: الطفطفة، وهي الخاصرة. وقيل المأنة السرة وما حولها، وقيل لحمة تحت السرة إلى العانة. وجاء في اللسان: "والحضر شحمة في العانة وفوقها".

([16]) معجم البلدان في رسم (الحضر).

([17]) في الأصل: "الحضار"؛ تحريف، صوابه في اللسان والمجمل.

([18]) في الأصل: "بهما سهيل"، صوابه في المجمل.

([19]) البيت للكلحبة العرني من قصيدة في المفضليات (1: 31) ولسلمة بن الخرشب فيها أيضاً (1: 38). وأنشده في اللسان (2: 386/ 4: 280/ 10: 401/ 11: 94).

([20]) قطعة من بيت لأبي ذؤيب، وهو بتمامه كما في الديوان 25 واللسان (حضر):

فلا تشتري إلا بربح، سباؤها *** بنات المخاض شومها وحضارها

 

ـ (باب الحاء والطاء وما يثلثهما)

(حطم) الحاء والطاء والميم أصلٌ واحد، وهو كَسْر الشيء. يقال حطمت الشيءَ حَطْماً كسرتُه. ويقال للمتكسَّر في نفسه حَطِم. ويقال للفرس إذا تهدَّم لطول عمره حَطِمٌ. ويقال بل الحَطَمُ داءٌ يصيب الدابّة في قوائمها أو ضَعْفٌ. وهو فرسٌ حَطِم. والحُطْمة: السنة الشديدة؛ لأنها تَحْطِم كلّ شيء. والحُطَم: السوَّاق يَعنف، يحطِم بعضَ الإبل ببعض. قال الراجز:

* قد لفَّها الليلُ بسَوَّاقٍ حُطَمْ *

وسمِّيت النارُ الحُطَمةَ لِحَطْمِها ما تَلْقَى. ويقال للعَكَرة من الإبل حُطَمَة لأنها تحطِم كلَّ شيءٍ تلقاه. وحُطْمة السَّيل: دُفَّاعُ مُعظَمِهِ. وهذا ليس أصلاً؛ لأنه مقلوب من الطُّحْمة. فأما الحطيم فممكنٌ أن يكون من هذا، وهو الحِجْر، لكثرة من ينْتابُه، كأنه يُحْطَم.

(حطأ) الحاء والطاء والهمزة أصلٌ منقاس، وهو تطامُن الشَّيءِ وسقوطُه. يقال حَطَأْتُ الرجل بالأرض: ضربته. والحُطيئة: الرجل القصير. قال ثعلب: سمِّي الحُطيئة لدَمامَته.

قال أبو زيد: الحطِيء من الرّجال مثال فَعيل: الرُّذَال. قال ابن عباس: "أَخَذَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بقَفائي فحطأني حَطْأةً وقال: اذهبْ فادعُ لي فلاناً". يقول: دَفَعني دَفْعة. ويقال حَطَأَتِ القِدْرُ بزَبَدِها: رمَت. ويقال حطأ الرجُل المرأةَ: جامَعَها.

(حطب) الحاء والطاء والباء أصلٌ واحد، وهو الوَقود، ثمّ يحمل عليه ما يشبَّه به. فالحطب معروف. يقال حطبت أحْطِب حَطْبا. قال امرؤ القيس:

إذا ما ركبنا قال وِلْدانُ أهلنا *** تعالَوا إلى أن يأتي الصيدُ نَحْطِبِ

  ويقال للمخلِّط في كلامِهِ "حاطب لَيْل". ويقال حَطَبَنِي عَبْدي، إذا أتاك بالحَطَب. قال:

خَبٌّ جَرُوزٌ وإذا جاعَ بَكَى *** لا حَطَبَ القَوْمَ ولا القَوْمَ سَقَى([1])

  ويقال مكان حَطِيبٌ: كثير الحَطَب. ويقال ناقة مُحَاطِبَةٌ، تأكل الشَّوكَ اليابسَ. وقالوا في قوله تعالى: {وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الحَطَبِ} [المسد 4]، هي كنايةٌ عن النميمة. يقال حَطَبَ فلانٌ بفلانٍ: سَعَى به. ويقال إنَّ الأحطبَ الشديدُ الهُزال وكذلك* الحَطِب، كأنَّه شُبِّه بالحطب اليابس. وقوله في النميمة يشهد لـه قولُ القائل:  

من البِيض لم تُصْطَد على حَبْلِِ لأمة *** ولم تَمْشِِ بين النَّاسِ بالحطب الرطْبِِ([2])

ــــــــــــــــــــــ

([1]) للجليح الراجز، انظر ديوان الشماخ 107. وقد نسب في اللسان (حطب) إلى الشماخ.

([2]) في اللسان "على ظهر لأمة". وأنشد عجزه في (حظر) برواية: "بالحظر الرطب".

 

ـ (باب الحاء والظاء وما يثلثهما)

(حظو/ي) الحاء والظاء وما بعده [من] حرف معتلّ أصلان: أحدهما القرب من الشيء والمنزلة، والثاني جنس من السلاح.

فالأوَّل قولهم رَجُلٌ حَظِيٌّ إذا كان له منزلةٌ وحُظوةٌ. وامرأةٌ حَظِيَّةٌ. والعرب تقول: "إلا حَظِيَّةً فلا أَلِيّةً". يقول: إن لم يكنْ لكِ حُظْوَةٌ فلا تُقَصِّرِي أن تتقرَّبي. يقال ما ألوت، أي ما قصَّرْت.

وأما الأصل الآخر فالحِظاء: جمع حَِظْوةٍ، وهو سهمٌ صغير لا نَصْلَ له يُرمَى به. قال بعضُ أهلِ اللغة: يقال لكلِّ قضيبٍ نابتٍ في أصلِ شجرةٍ([1]) حَظْوَة، والجمع حَظَوات. قال أوس:

تَعَلَّمَهَا في غِيلِها وهي حَظْوَةٌ *** بوادٍ به نَبْعٌ طُِوَالٌ وحِثْيَلُ([2])

  وإذا عُيِّر الرّجلُ بالضّعف قيل له: "إنما نَبْلُك حِظاءٌ". ويقال لِسهام الصّبيان حِظاءٌ. ومنه المثل: "إحدى حُظَيَّاتِ لُقْمان"، قال أبو عبيد: الحُظَيّات المرامي، وهي السّهام التي لا نِصال لها.

(حظر) الحاء والظاء والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على المنْع. يقال حظرت الشيء أحْظُرُه حَظْراً، فأنا حاظِرٌ والشيء محظور. قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً} [الإسراء 20]. والحِظَارُ: ما حُظِر على غنمٍ أو غيرها بأغصانٍ أو شيءٍ من رَطْبٍ شجر أو يابس، ولا يكاد يفعل ذلك إلاّ بالرَّطْب منه ثم يَيْبس. وفاعل ذلك المحتَظِرُ. قال الله تعالى: {فَكَانُوا كَهَشِيمِ المُحْتَظِر} [القمر 31]، أي الذي يعمل الحظيرةَ للغنم ثم ييبَس ذلك فيتهشَّم. ويقال جاء فلان بالحَظِر الرَّطْب، إذا جاء بالكَذِبِ المستشنَع. ويقال هو يوقد في الحَظر، إذا كان يَنُِمّ وقد مضى شاهده([3]).

(حظل) الحاء والظاء واللام أصلٌ واحد، وهو قريب من الذي قبله. فالحَظْل: الغَيْرة ومَنْع المرأة من التصرّف والحركة. [قال([4])]:

* فيحظُِل أو يَغارُ([5]) *

قال أبو عبيد: حظلت عليه مثل حَظَرْتُ. ويقال في قوله "فيحظُِل أو يَغَار" إنه التّقتير. وأحْرِ أن يكون هذا أصحّ، لأنّه قال "أو يغار". والتقتير يرجع إلى الذي ذكرناه من المنْع. والدّليل على ذلك قولهم حَظَلان وحظْلان. قال:

تُعَيِّرُني الحِظْلانَ أمُّ مُغلِّسٍ *** فقلت لها لم تَقذفيني بِدائيا([6])

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "في أصل أو شجرة"، صوابه في المجمل واللسان.

([2]) ديوان أوس بن حجر 19 واللسان (حثل).

([3]) يشير إلى الشاهد الذي ورد في نهاية مادة (حطب).

([4]) هذه التكملة من المجمل.

([5]) من بيت للبختري الجعدي يصف رجلا غيوراً. وهو بتمامه في اللسان (حظل):

فما يخطئك لا يخطئك منه *** طبانية فيحظل أو يغار

([6]) لمنظور الدبيري، كما في اللسان (حظل) من أبيات رواها القالي أيضاً في الأمالي (2: 212). وفي الأمالي: "أم محلم".

 

 

ـ (باب الحاء والفاء وما يثلثهما)

(حفل) الحاء والفاء واللام أًصلٌ واحد، وهو الجمع. يقال حَفَل النّاسُ واحتفَلوا، إذا اجتمعوا في مجلسهم. والمجلِس مَحْفِل. والمحفَّلة: الشاة قد حُفِّلت؛ أي جُمع اللّبنُ في ضَرعها. ونُهِي عن التَّصريةِ والتَّحفيل. ويقال لا تَحْفِل به، أي لا تُبالِهِ؛ وهو من الأصل، أي لا تتجمَّع. وذلك أنّ من عَراه أمرٌ تجمَّع له.

فأمَّا قولهم لحُطام التِّبن حُفالة فليس من الباب، إنّما هو من باب الإبدال؛ لأنّ الأصلَ حُثالة، فأبدلت الثاء فاءً.

ومن الباب رجلٌ ذو حَفْلَةٍ، إذا كان مبالِغاً فيما أخذ فيه، وذلك أنّه يتجمّع له رأياً وفِعلاً. وقد احتَفَل لهم، إذا أحسن القيام بأمرهم. ويقال احتَفَل الوادِي بالسّيل. فأمّا قولهم تحفّل، إذا تزيّنَ، فهو من ذلك أيضاً لأنه يجمعُ لنفسه المحاسِن.

فأمّا قولهم حَفَلْتُ الشيءَ، إذا جلوتَه، فمن الباب، والقياسُ صحيح؛ وذلك أنّه يجمع ضَوءَه ونُورَه بما يَنفيه من صَدئه. قال بشر:

رَأَى دُرَّةً بيضاء يَحْفِل لَوْنَها *** سُخامٌ كغِربان البريرِ مُقَصَّبُ([1])

   والمُقَصَّب* المجعَّد. وأراد بالدّرّة امرأةً. يحفل لونَها [سخام([2])]، يعني الشعر يزيدها بسوادِه بياضاً، وهذا كأنّه جلاها، وهو من الكلام الحسن جدّاً.

(حفن) الحاء والفاء والنون كلمةٌ واحدة، منقاسٌ، وهو جمعُ الشيء في كفٍّ أو غير ذلك. فالحَفْنَة: مِلءُ كفَّيك من الطَّعام. يقال حَفَنْتُ الشيءَ حَفْنَاً بيديَّ. ومنه حديث أبي بكر: "إنّما نحن حَفْنَةٌ من حَفنات الله تعالى"، معناه أنَّ الله تعالى إذا شاء أدخل خلْقه الجنّةَ، وأنَّ ذلك يسيرٌ عنده كالحَفْنَةِ. ويقال احتَفنْتُ الشيءَ لنفسي، إذا أخذتَه. ويقال الحُفْنة إنّها الحُفْرة؛ فإن صحَّ فمحتملٌ الوجهين: أحدهما أن يكون من باب الإبدال، فتجعل النون بدلَ الراء. ويجوز أن يكون من الباب الذي ذكرناه، لأنّها تَجمَع الشيءَ([3]) من ماءٍ أو غيرِه. والحَفّانُ ليس من هذا الباب، وقد مضى ذِكره([4]) لأنَّ النون فيه زائدة.

(حفي) الحاء والفاء وما بعدهما معتلٌّ ثلاثةُ أصول: المنع، واستقصاء السُّؤال، والحَفَاء خِلافُ الانتِعال.

فالأوّل: قولُهم حفَوت الرّجُلَ من كل شيءٍ، إذا منعتَه.

وأمّا الأصل الثاني: فقولهم حَفِيتُ إليه في الوصيّة بالغْت. وتحفّيت به: بالغت في إكرامه، وأحفَيْت. والحفيّ: المستقصِي في السّؤال. قال الأعشى:

فإنْ تسألي عنِّي فيا رُبَّ سائلٍ *** حَفِي عن الأعشى به حيث أصْعَدا([5])

  وقال قوم، وهو من الباب حَفِيتُ بفلان وتحفَّيت، إذا عُنِيتَ به. والحَفيّ: العالم بالشيء.

والأصل الثالث: الحفا مقصور، مصدر الحافي. ويقال حَفِي الفرسُ: انسحجَ حافرُه. وأحْفَى الرَّجُل: حفِيَتْ دابّتُه. قال الكسائيّ: حَافٍ بيِّن الحِفْية والحِفَاية. وقد حَفِي يحفَى، وهو الذي لا خُفّ في رجليه ولا نَعل.

فأَمّا الذي حَفِيَ مِن كثرة المشي فإنّه حَفٍ بيِّن الحَفاء، مقصور.

فأمّا المهموز فالحفأ مقصور، وهو أصل البَرديّ الأبيض الرّطب؛ وهو يؤكل. وفُسِّر على ذلك قوُله صلى الله عليه وآله وسلم: "ما لم تحتفِئُوا بها فشأنكم بها([6])". ويقال احتفأته، إذا اقتلعتَه.

(حفت) الحاء والفاء والتاء ليس أصلاً، والكلام فيه يقِلُّ. فالحَفَيْتَأ: الرجل القصير.

(حفث) الحاء والفاء والثاء شيءٌ يدلُّ على رخاوةٍ ولين. يقال حَفِثُ الكرِشِ لِفَحِثِها([7]). والحُفَّاث: حية لا تضرّ ولا تُخَاف. قال:

أيُفايِشُونَ وقد رأوا حُفّاثَهم *** قد عَضَّهُ فَقَضى عليه الأشجعُ([8])

  ويقال للرجُل إذا غضب: "قد احرنْفَش حُفَّاثُه".

(حفد) الحاء والفاء والدال أصلٌ يدلُّ على الخِفَّة في العمل، والتجمُّع. فالحفَدة: الأعوان؛ لأنّه يجتمع فيهم التجمّع والتخفُّف، واحدُهم حافد. والسُّرْعة إلى الطاعة حَفْدٌ، ولذلك يقال في دعاء القنوت: "إليك نسعى ونَحْفِدُ". قال:

* يا ابنَ التي على قَعُودٍ حَفَّادْ([9]) *

ويقال في قولـه تعالى: {وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً} [النحل 72]، إنّهم الأعوان-وهو الصحيح- ويقال الأَختَانُ، ويقال الحَفدةُ ولدُ الوَلدَ. والمِحْفَد: مكيالٌ يكال به. ويقال في باب السرعة والخفّة سيفٌ محتفِد، أي سريع القطع. والحفَدانُ: تدارُك السَّير.

(حفر) الحاء والفاء والراء أصلان: أحدهُما حَفْر الشّيء، وهو قلعه سُفْلا؛ والآخَر أوَّل الأمر.

فالأوَّل حفَرتُ الأرض حَفْرا. وحافِر الفَرسِ من ذلك، كأنّه يحفر به الأرض. ومن الباب الحَفْرَ في الفَم، وهو تآكل الأسنان. يقال حفَر فُوه يَحْفر حَفْراً([10]). والحَفَر: التُراب المستخرَج من الحُفْرَة، كالهَدَم؛ ويقال هو اسمُ المكان الذي حُفِر. قال:

* قالوا انتَهْينا وهذا الخندَقُ الحَفَرُ([11]) *

ويقال أحفَرَ المُهْرُ للإثْناء والإرباع، إذا سقَطَ بعضُ أسنانه لنَباتِ ما بَعدَه. ويقال: ما مِن حاملٍ إلاّ والحمل يَحْفِرها، إلاّ *الناقة فإنَّها تسمَن عليه. فمعنى يحفِرها يُهْزِلها.

والأصل الثاني الحافرة، في قوله تعالى: {أَئِنَّا لَمَرْدُودُونَ في الحَافِرَةِ} [النازعات 10]، يقال: إنه الأمر الأوَّل، أي أنحْيا بعدما نموت. ويقال الحافرةُ من قولهم: رجع فلانٌ على حافرته، إذا رجع على الطريق الذي أخَذَ فيه، ورجع الشَّيْخُ([12]) على حافرته إذا هَرِم وخَرِف. وقولهم: "النَّقْد عند الحافِرِ" أي لا يزُول حافرُ الفرس حتَّى تَنْقُدني ثمنَه. وكانت لكرامتها عندَهم لا تُباع نَسَاءً. ثم كثُر ذلك حتَّى قيل في غير الخيل أيضاً.

(حفز) الحاء والفاء والزاء كلمةٌ واحدةٌ تدلّ على الحثّ وما قرب منه. فالحفْزُ: حثُّك الشيء مِن خلفه. [والرّجُلُ([13])] يحتفز في جلوسه إذا أراد القيام، كأنَّ حاثّاً حَثّهُ ودافعاً دفعهُ. يقال: الليل يسوقُ النهارَ ويحفِزه. ويقال حَفَزْت الرجُلَ بالرُّمح. وسُمِّي الحَوفزانُ من ذلك بقلة([14]). قال:

ونحنُ حَفَزْنا الحوفزانَ بطعنةٍ *** سقتْه نَجيعاً من دمِ الجوف أَشْكلا([15])

  (حفس) الحاء والفاء والسين ليس أصلاً. يقال للرجل القصير حيفس([16]).

(حفش) الحاء والفاء والشين أصلٌ واحد يدلُّ على الجمع. يقال هم يَحْفِشون عليك، أي يُجْلِبون. وحَفَشَ السَّيلُ الماء من كلِّ جانب إلى مستنقع واحد. قال:

عشِيَّةَ رُحْنا وراحُوا لَنَا *** كما مَلأَ الحافشاتُ المَسِيلا([17])

  ويقال جاء الفرس يَحفِشُ، أي يأتي بجريٍ بعد جري. والحفش([18]): بيت صغير: وسمِّي بذلك لاجتماعِ جوانبه؛ ويقال لأنه يُجمع فيه الشيء. وتحفّشت المرأةُ للرَّجُل، إذا أظهرت له وُدَّاً؛ وذلك أنها تتحفَّل له، أي تتجمَّع.

(حفص) الحاء والفاء والصاد ليس أصلاً، ولا فيه لغة تنقاس. يقال للزَّبِيل من جُلودٍ حَفْص. ويقال للدَّجاجة أمَّ حَفْصة. ويقال إنَّ ولدَ الأسد حَفْصٌ. وفي كلِّ ذلك نظرٌ.

(حفض) الحاء والفاء والضاد أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على سقوط الشيء وخُفُوفِه([19]). فالحَفَض مَتاع البيت؛ ولذلك سمِّي البعير الذي يحمله حَفَضاً. والقياسُ ما ذكرناه؛ لأنّ الأحفاض تسمَّى الأسقاط. ويقال حفَضْت العُود، إذا حنيتَه. قال الراجز:

* إمَّا تَرَىَ دَهْراً حَنانِي حَفْضا([20]) *

قال الأصمعيُّ: حفضتُ [الشيء([21])] وحَفَّضْتُه، بالتخفيف والتشديد، إذا ألقيتَه. وأنشد:

* إمَّا تَرَىْ دَهْراً حناني حَفْضا *

فمعناه ألْقاني. والأحفاض في قول عمرو بن كلثوم:

ونحن إذا عِمَادُ الحيِّ خَرَّت *** على الأحفاضِ تمنَعُ مَنْ يَلِينا([22])

  هي الإبل أوَّلَ ما تُركَب. ويقال بل الأحفاض عُمُد الأخبية.

(حفظ) الحاء والفاء والظاء أصلٌ واحد يدلُّ على مراعاةِ الشيء. يقال حَفِظْتُ الشيءَ حِفْظاً. والغَضَبُ: الحفيظة؛ وذلك أنّ تلك الحالَ تدعو إلى مراعاة الشيء. يقال للغَضَب الإحفاظ؛ يقال أحفَظَنِي أي أغضَبَني. والتحفظ: قلّة الغَفلة. والحِفاظ: المحافَظة على الأمور.

ــــــــــــــــــــ

([1]) سبق البيت والكلام عليه في (مادة بر).

([2]) التكملة في المجمل.

([3]) في الأصل: "تجمع بالشيء".

([4]) سهو منه أو سقط من النسخة، فإنه لم يذكر "الحفان" في مادة (حف).

([5]) ديوان الأعشى 102 واللسان (حفا).

([6]) الذي في المجمل: "ما لم تحتفئوا بها بقلا".

([7]) الفحث: القبة ذات الأطباق من الكرش.

([8]) البيت لجرير في ديوانه 244 واللسان (حفث، فيش). وسيعيده (فيش).

([9]) البيت في المجمل (حفد).

([10]) حفر، من باب ضرب، ويقال أيضاً من باب تعب، وهو أردأ اللغتين.

([11]) أنشد هذا العجز في المجمل (حفر).

([12]) في الأصل: "الشي"، صوابه في المجمل.

([13]) التكملة من المجمل.

([14]) كذا. ولعل في الكلام نقصاً. وفي المجمل. "لأن بساط بن قيس حفزه بالرمح".

([15]) البيت لسوار بن حبان المنقري، كما في اللسان. ويخطئ من ينسبه لجرير.

([16]) يقال بوزن صيقل وهزبر.

([17]) البيت في المجمل واللسان برواية: "فراحوا إلينا".

([18]) يقال بالكسر والفتح والتحريك، وجمعه أحفاش وحفاش.

([19]) في الأصل: "وخفوضه". والحفوف: القلة. وفي اللسان: "وإنه لحفض علم" أي قليله رثه، شبه علمه في قلته بالحفض".

([20]) لرؤبة في ديوانه 80 واللسان (حفض). وسيأتي في (عرش).

([21]) التكملة من المجمل.

([22]) البيت من معلقته المشهورة.

 

 

 


ـ (باب الحاء والقاف وما يثلثهما)

(حقل) الحاء والقاف واللام أصلٌ واحد، وهو الأرض وما قاربه. فالحَقْل: القَرَاح الطيِّب. ويقال: "لا يُنبت البَقْلةَ إلا الحَقْلة". وحَقِيلٌ: موضع. قال:

* مِن ذِي الأبارق إذْ رعَيْنَ حَقِيلا([1]) *

والمُحاقلة التي نُهِي عنها([2]): بيعُ الزّرعِ في سنبُله بحنطةٍ أو شعير.

ومن الباب قولهم: حَقِل الفرسُ، في قول بعضهم، إذا أصابَه وجَعٌ في بطْنه من أكل التراب. والأصل الأرض.

ويقال حَوْقَل الشَّيْخ، إذا اعتمد بيديه على خَصره إذا مشى؛ وهي الحوقلة. وكأنَّ ذلك مأخوذٌ من قُربِهِ من الأرض. وأمّا قولهم للقارورة حَوقَلَة، فالأصل الحَوْجَلَة. ولعل الجيم أبدِلت قافا.

(حقم) الحاء والقاف والميم لا أصلٌ ولا فرع. يقولون: الحَقْم طائر([3]).

(حقن) الحاء والقاف *والنون أصلٌ واحد، وهو جَمْع الشيء. يقال لكلّ شيءٍ [جُمِعَ([4])] وشُدَّ حقين. ولذلك سُمِّي حابسُ اللبن حاقنا. ويقال اللبن الحَقِين الذي صُبَّ حليبُه على رائِبه. والحواقن: ما سفَل عن البطن. وقال قوم: الحاقنتان ما تحت الترقوَتَين.

(حقو) الحاء والقاف والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو بعضُ أعضاء البدن. فالحَِقْو الخَصْر ومَشَدّ الإزار. ولذلك سمِّي ما استدقّ من السهم مما يلي الرّيشَ حَقواً. فأمّا الحديث "أن رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم أعطى النساء اللواتي غَسَّلْنَ ابنَتَه حَقْوَةً" فجاء في التفسير أنّه الإزار، وجمعه حِقِيّ، فهذا إنما سمِّي حِقواً لأنه يشدّ به الحَِقْو. وأما الحَقْوة فوجعٌ يصيب الإنسانَ في بطنه؛ يقال منه حُقِيَ الرّجلُ فهو مَحْقوٌّ.

(حقب) الحاء والقاف والباء أصلٌ واحد، وهو يدلّ على الحبْس. يقال حَقِب العام، إذا احتبس مطرُه. وحَقِب البعيرُ، إذا احتبسَ بولُه.

ومن الباب الحَقَبُ: حبلٌ يُشَدّ به الرحْلُ إلى بطْن البعير، كي لا يجتذبه التَّصدير. فأمّا الأحقبُ، وهو حِمار الوحش، فاختُلِف في معناه، فقال قوم: سمِّي بذلك لبياض حَِقْويه. وقال آخرون: لدقّة حِقوَيه. والأنثى حَقْباء. فإنْ كان هذا من الباب فلأنه مكانٌ يشد بحِقاب، وهو حبلٌ. ويقال للأنثى حَقباء. قال:

* كأنّها حَقْباء بلقاءُ الزّلَقْ([5]) *

ومن الباب الحقيبة، وهي معروفة. ومنه احتقب فلانٌ الإثم، كأنه جمعَه في حقيبةٍ. واحتقَبَه من خَلفه: ارتدفَه. والمُحْقَِب: المُرْدَفِ. فأمّا الزمان فهو حِقْبة والجمع حِقَب. والحُقْبُ ثمانون عاماً، والجمع أحقاب، وذلك لما يجتمع فيه من السّنين والشّهورِ. ويقال إنَّ الحِقابَ جبلٌ. ويقال للقارَةِ الطويلة في السماء حقباء. قال:

* قد ضَمَّها والبَدَن الحِقابُ([6]) *

(حقد) الحاء والقاف والدال أصلان: أحدهما الضِّغن، والآخر ألاَّ يُوجد ما يطلب.

فالأوّل الحِقْد، ويجمع على الأحقاد. والآخَر قولُهم أحقَدَ القومُ، إذ طلبوا الذَّهَبةَ في المعدِن فلم يجدُوها.

(حقر) الحاء والقاف والراء أصلٌ واحد، استصغارُ الشيء. يقال شيءٌ حقير، أي صغير. وأنا أحتقرهُ: أي أستصغره. فأمّا قولهم لاسم السماء "حاقورة([7])" فما أراه صحيحاً. وإن كان فلعلّه اسم مأخوذٌ كذا من غير اشتقاق.

(حقط) الحاء والقاف والطاء ليس أصلاً، ولا أحسب الحَيْقُطانَ، وهو ذكر الدُّرَّاج، صحيحاً.

(حقف) الحاء والقاف والفاء أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على مَيَل الشيء وعِوَجه: يقال احقوقَف الشيءُ، إذا مال، فهو مُحْقَوْقِفٌ وحَاقِفٌ. ومن ذلك الحديث: "أنه مرَّ بظبيٍ حاقِفٍ في ظلِّ شجرة" فهو الذي قد انحنى وتثنَّى في نَوْمِه. ولهذا قيل للرَّمل المنحني حِقْف، والجمع أحقاف. قال:

فلما أجزْنَا ساحةَ الحيِّ وانتحى *** بنا بَطْنُ خبتٍ ذي حِقافٍ عَقَنْقَلِ([8])

  ويروى: "ذي قِفاف". وقال آخر:

* سَمَاوةَ الهِلالِ حَتى احقوقَفا([9]) *

ــــــــــــــــــــ

([1]) سبق الكلام على البيت في (برق). وصدره: * وأفضن بعد كظومهن بحرة *

([2]) في الأصل: "عن".

([3]) في اللسان: "ضرب من الطير يشبه الحمام. وقيل هو الحمام. يمانية".

([4]) التكملة من المجمل.

([5]) البيت لرؤبة في ديوانه 104 واللسان (حقب، زلق).

([6]) من رجز في اللسان (حقب)، وصواب روايته: "وضمها"؛ لأن قبله:

* قد قلت لما جدت العقاب *

وجاء إنشاده على الصواب في المجمل.

([7]) لم تذكر في اللسان. وفي القاموس أنها  السماء الرابعة.

([8]) لامرئ القيس، في معلقته.

([9]) للعجاج ديوانه 84 والمجمل واللسان (حقف).

 

 

ـ (باب الحاء والكاف وما يثلثهما)

(حكل) الحاء والكاف واللام أصلٌ صحيح منقاس، وهو الشيءُ لا يُبينُ. يقال إنّ الحُكْل الشيءُ الذي لا نُطْقَ لـه من الحيوان، كالنمل وغيره. قال:

لو كنتُ قد أوتِيتُ عِلْمَ الحُكْل *** علمَ سليمانٍ كلامَ النّملِ([1])

  ويقال في لسانه حُكْلَةٌ، أي عُجمة. ويقال أحْكَلَ عليَّ الأمرُ، إذا امتنَعَ وأشْكَل.

وممّا شذّ عن الباب قولهم للرجل القصير حَنْكَل([2]).

(حكم) الحاء والكاف والميم أصلٌ واحد، وهو المنْع. وأوّل ذلك الحُكْم، وهو المَنْع من الظُّلْم. وسمِّيَتْ حَكَمة الدابّة لأنها تمنعُها يقال حَكَمْت الدابةَ وأحْكَمتها. ويقال: حكَمت السَّفيهَ وأحكمتُه، إذا أخذتَ على يديه. قال جرير:

*أبَنِي حَنيفة أحْكِمُوا سُفهاءَكم *** إنّي أخاف عليكم أن أغْضَبَا([3])

  والحِكمة هذا قياسُها، لأنها تمنع من الجهل. وتقول: حكَّمت فلاناً تحكيماً منعتُه عمّا يريد. وحُكِّم فلانٌ في كذا، إذا جُعل أمرُه إليه. والمحكَّم: المجرِّب المنسوب إلى الحكمة. قال طرفة:

ليت المحكَّمَ والموعوظَ صَوْتَكُما *** تحتَ التُّرَاب إذا ما الباطلُ انكشَفَا([4])

  أراد بالمحكَّم الشيخَ المنسوبَ إلى الحكمة. وفي الحديث: "إنّ الجنة للمحكَّمين"([5]) وهم قومٌ حُكِّمُوا مخيَّرين بين القَتل والثّبات على الإسلام وبين الكفر، فاختارُوا الثّباتَ على الإسلام مع القتل، فسُمُّوا المحكمين.

(حكي) الحاء والكاف وما بعدها معتلٌّ أصلٌ واحد، وفيه جنس من المهموز يقاربُ معنى المعتلّ والمهموز منه، هو إحكام الشيء بعَقْدٍ أو تقرير.

يقال حَكَيْتُ الشيءَ أحْكيه، وذلك أن تفعلَ مثلَ فعل الأوّل. يقال في المهموز: أحْكَأْت العُقدة، إذا أحكمتَها. ويقال: أحكأتُ ظَهْرِي بإزاري، إذا شددتَه. قال عديّ:

أجْلَ أنّ الله قد فضّلكم *** فوق مَن أحكأ صُلْباً بإزارِ([6])

وقال آخر:

وأحْكَأَ في كَفَّيَّ حَبْلي بِحبْلِهِ *** وأَحْكَأَ في نعلي لرجلٍ قِبَالَها([7])

  (حكر) الحاء والكاف والراء أصلٌ واحد، وهو الحَبْس. والحُكْرة: حَبْسُ الطعام مَنتظراً لغَلائه، وهو الحُكْر، وأصله في كلام العرب الحَكَر، وهو الماء المجتمع، كأنّه احْتُكِر لقلَّته.

(حكد) الحاء والكاف والدال حرفٌ من باب الإبدال. يقال للمَحْتِد المَحْكِد. وقد فسِّر في بابه.

ــــــــــــــــ

([1]) لرؤبة في ديوانه 128. ونسب في اللسان (حكل) للعجاج. وانظر الحيوان (4: 8).

([2]) في اللسان والمجمل:" الحوكل"، وهما صحيحان.

([3]) لجرير في ديوانه 50 واللسان (حكم).

([4]) ليس البيت في ديوان طرفة، وهو في المجمل واللسان (حكم). وذكروا أن المحكم؛ بكسر الكاف الذي حكم الحوادث وجربها، وبفتحها الذي حكمته وجربته: والمعنى واحد. وصوتكما، نصب لأنه أراد عاذلي كفا صوتكما.

([5]) ويروى أيضاً بكسر الكاف، أي الذين أنصفوا من أنفسهم.

([6]) يصف جارية، كما في اللسان (1: 51/2: 18/5: 74-75/ 13: 12/ 18: 208). وانظر أمالي ثعلب 240.

([7]) عجزه في المجمل.

 

 

ـ (باب الحاء واللام وما يثلثهما)

(حلم) الحاء واللام والميم، أصولٌ ثلاثة: الأول ترك العَجَلة، والثاني تثقُّب الشيء، والثالث رُؤية الشيء في المنام. وهي متباينةٌ جدَّاً، تدلُّ على أنَّ بعضَ اللغةِ ليس قياساً، وإن كان أكثرُه منقاساً.

فالأوّل: الحِلْم خلافُ الطَّيش. يقال حَلُمْتُ عنه أحلُم، فأنا حليمٌ.

والأصل الثاني: قولهم حَلِمَ الأَديمُ إذا تثَقَّبَ وفسَدَ؛ وذلك أنْ يقع فيه دوابُّ تفسدُه. قال:

فإنَّكَ والكتابَ إلى عَلِيّ *** كدابِغَةٍ وقد حَلِمَ الأديمُ([1])

  والثالث قد حَلَمَ في نومه حُلْماً وحُلُماً. والحَلَم: صغار القِرْدَان. والحَلَمَةُ: دويْبَّة.

والمحمول على هذا حَلَمَتا الثَّدْي. فأما قولهم تحلم إذا سَمِن، فإنّما هو امتلأ، كأنَّه قرادٌ ممتلئ. قال:

* إلى سَنَةٍ قِرْدَانُها لم تَحَلَّمِ([2]) *

ويقال بعيرٌ حليم، أي سمين. قال:

* من النَّيِّ في أصلابِ كلِّ حليمِ([3]) *

والحالُوم: شيء شبيه بالأَقِط. وما أُراه عربياً صحيحاً.

(حلن) الحاء واللام والنون إن جعلتَ النُّون زائدة فقد ذكرناه فيما مضى، وإن جعلت النونَ أصلية فهو فُعَّال، وهو الْجَدْي([4])، وليست الكلمة أصلاً يُقاس. وقد مضى في بابه.

(حلو) الحاء واللام وما بعدها معتلٌّ، ثلاثة أصول: فالأوّل طِيب الشيء في مَيْل من النّفس إليه، والثاني تحسين الشيء، والثالث-وهو مهموز- تَنْحِيَة الشيء.

فالأوّل الحُلْو، وهو خلاف المرّ. يقال استحليت الشيءَ، وقد حلا في فمي يحلو، والحَلْوَاء الذي يؤكل يمدّ ويقصر. ويقال حَلِيَ بعيني يَحْلَى. وتحالت المرأة إذا أظهرت حلاوةً، كما يقال تباكى وتعالى، وهو إبداؤه للشَّيء لا يخفَى مثلُه. قال أبو ذؤيب:

فشأنَكَها إنِّي أمينٌ وإنَّني *** إذا ما تَحَالَى مِثْلُها لا أَطُورُها([5])

  ومن الباب حَلَوْتُ الرجلَ حُلْوَاناً، إذا أعطيتَه ونهى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن حُلوان الكاهن، وما يُجعل له على كِهانته. قال أوس:

كَأَنِّي حَلَوْتُ الشِّعْرَ يومَ مدحتُه *** صَفَا صخْرةٍ صَمَّاء يَبْسٍ بِلالُها([6])

  والحُلوان أيضاً *أن يأخذ الرجلُ من مَهر ابنتِه لنفْسه. وذلك عارٌ عند العرب. قالت امرأةٌ تمدح زوجها:

* لا يأخذُ الحُلوانَ من بناتِيا([7]) *

والأصل الثاني: الحُلِيّ حُلِيُّ المرأة، وهو جمع حَلْيٍ، كما يقال ثَدْيٌ وَثُدِيٌّ، وظَبْيٌ وظُبِيٌّ. وحلَّيت المرأة. وهذه حِلية الشيءِ أي صفتُه. ويقال حِلْية السيف، ولا يقال حُلِيّ السيف.

والأصل الثالث: وهو تنحية الشيء، يقال حَلأّتُ الإبل عن الماء؛ إذا طردتَها عنه. قال:

* مُحَلأٍ عَنْ سَبيل الماءِ مَطرودِ([8]) *

ويقال لما قُشِر عن الجلد الحُلاءة مثل فُعالة؛ يقال منه حَلأتُ الأديم قشرتُه. والحَلُوء على فَعول: أن تَحُكّ حجراً [على حجرٍ([9])] يَكتحِل بحُكاكتهما الأرْمد([10]). ويقال منه أحلأْت الرّجُل. ويقال حلأت الأرض، إذا ضربتَها.

ومما شذ عن الباب حَلأَه مائةَ دِرهم، إذ نَقَده إيّاها؛ وحلأَه مائةَ سَوط.

(حلب) الحاء واللام والباء أصلٌ واحد، وهو استمداد الشيء.

يقال الحلَب حَلَب الشَّاءِ وهو اسمٌ ومصدر، والمِحْلب: الإناء يُحْلَب فيه. والإحلابة: أن تحلُب لأهلك وأنت في المرعى، تبعثُ به إليهم. تقول أَحلبهُم إحْلاباً. وناقة حَلوبٌ: ذات لبن؛ فإذا جعلتَ ذلك اسماً قلت هذه الحلوبةُ لفلان. وناقةٌ حَلْبَانة مثل الحَلوب. ويقال أحلبْتُك: أعنتك على حَلب الناقة. وأحلب الرجلُ، إذا نُتِجَت إبلُه إناثاً، وأَجْلَبَ إذا نُتجت ذُكوراً؛ لأنها تُجْلَب أولادُها فتباع.

ومن الباب وهو محمولٌ عليه المُحْلِب، وهو الناصر. قال:

أشارَ بِهمْ لمعَ الأصمِّ فأقبلوا *** عرانين لا يأتيه للنصر مُحْلِبُ([11])

  وذلك أنْ يجيئَك ناصراً من غير قومك؛ وهو من الباب لأنِّي قد ذكرت أنه من الإمداد والاستمداد.

والحَلْبة: خيلٌ تجمع للسِّباق من كل أوب، كما يقال للقوم إذا جاؤوا من كل أوب للنُّصرة: قد أَحْلَبُوا.

(حلت) الحاء واللام والتاء ليس عندي بأصلٍ صحيح. وقد جاءت فيه كليمات؛ فالحلتيت صمغ. يقال حَلَتَ دَيْنَه: قضاه؛ وحَلتَ فلاناً، إذا أعطاه، وحَلَتَ الصوفَ: مَرَقَهُ.

(حلج) الحاء واللام والجيم ليس عندي أصلاً. يقال حَلَجَ القطنَ. وحَلَجَ الخبزةَ: دَوَّرَها. وحَلَجَ القوم يَحْلجون ليلتهم، إذا سارُوها. وكلُّ هذا مما يُنظر فيه.

(حلز) الحاء واللام والزاء أصلٌ صحيح. يقال للرَّجُل القصير حِلِّزٌ، ويقال هو السيئ الخُلُق. ويقال الحَلْز؛ القَشْر؛ حلزت الأديمَ قشرتهُ. قال ابن الأعرابيّ: ومنه الحارث بن حِلِّزة.

(حلس) الحاء واللام والسين أصلٌ واحد، وهو الشيء يلزمُ الشيءَ. فالحِلْس حِلْس البعير، وهو ما يكون تحت البِرْذَعة. أحْلَسْتُ فلاناً يَميناً، وذلك إذا أمررتَها عليه؛ ويقال بل ألزمتُه إيّاها. واستَحْلَسَ النَّبت إذا غَطَّى الأرض، وذلك أن يكون لها كالحِلْس. وقد فسّرناه. وبنُو فلانٍ أحلاسُ الخيل، وهم الذين يَقْتنونها ويلزَمون ظهورَها. ولذلك يقول الناس: لَسْتَ مِنْ أحلاسها. قال عبد الله بن مسلم([12]): أصله من الحِلس. قال: والحلْس أيضاً: بساطٌ يبسط في البيت. ويقولون: كن حِلْسَ بيتك، أي الزمْه لُزوم البساط. والحَلس: الرجل الشجاع [والحريص([13])]، وذلك أنّه من رغابته يلزم ما يؤكل.

(حلط) الحاء واللام والطاء أصلٌ واحد: وهو الاجتهاد في الشيء بحلفٍ أو ضجَر([14]). ويقال أحلط، إذا اجتَهد وحَلَف. قال ابنُ أحمر:

فكُنَّا وهم كابنَيْ سُباتٍ تفرَّقا *** سِوىً ثم كانا مُنْجِداً وتَهامِيَا

فألقى التِّهامِي منهما بلَطَاتِهِ *** وأحلَطَ هذا لا أَريمُ مَكانيا

 و"لا أعود ورائيا([15])".

ومن الباب قولهم: "أوّل العِيّ الاختلاط، وأسوأ القول الإفراط([16])". فالاختلاط: *الغضَب.

 

(حلف) الحاء واللام والفاء أصلٌ واحد، وهو الملازمة. يقال حالف فلانٌ فلانا، إذا لازَمَه. ومن الباب الحَلِفُ؛ يقال حَلَف يحلِفُ حَلِفاً؛ وذلك أنّ الإنسان يلزمه الثّبات عليها. ومصدره الحَلِف والمحلُوف أيضاً. ويقال هذا شيء مُحْلِفٌ إذا كان يُشَكُّ فيه فيُتَحالف عليه. قال:

كميتٌ غير مُحْلِفةٍ ولكن *** كلون الصِّرف عُلَّ به الأديمُ([17])

  ومما شذّ عن الباب قولهم: هو حليف اللِّسان، إذا كانَ حَديدَهُ. ومن الشاذّ الحلفاء، نبت، الواحدة حَلفْاءَة.

(حلق) الحاء واللام والقاف أصول ثلاثة: فالأوّل تنحية الشعَْر عن الرأس، ثم يحمل عليه غيره. والثاني يدلُّ على شيءٍ من الآلات مستديرة. والثالث يدلُّ على العلوّ.

فالأوّل حَلقْتُ رأسِي أحلِقُه حَلْقا. ويقال للأكسية الخَشِنَة التي تحلِق الشّعر من خُشونتها مَحَالق. قال:

* نَفْصَكَ بالمَحَاشِئِِ المَحَالِقِ([18]) *

ويقولون: احتلقَت السنةُ المال، إذا ذهبَتْ به.

ومن المحمول عليه حَلِق قضيبُ الحمار، إذا احمرّ وتقشّر. و[قيل] إنما قيل حَلِق لتقشُّره لا لاحمراره.

والأصل الثاني الحَلْقة حلْقة الحديد. فأمّا السِّلاحُ كلُّه فإنّما يسمى الحَلَقة([19]).

والحِلْق([20]): خاتَم المُلْك، وهو لأنّه مستدير. وإبلٌ مُحَلَّقَة: وسْمُها([21]) الحَلَقُ. قال:

* وذو حَلَقٍ تَقْضِي العواذيرُ بينَهُ([22]) *

العواذير: السِّمات.

والأصل الثالث حالِقٌ: مكانٌ مُشْرِف. يقال حَلَّق، إذا صار في حالق. قال الهذلي:

فلو أنّ أمِّي لم تلدْني لحلّقتْ *** بِيَ المُغْرِبُ العنقاءُ عند أخِي كلْبِ

  كانت أمّه كلبيّة، وأسَرَه رجلٌ من كلب وأراد قتلَه، فلما انتسب له حيّ سبيلَه. يقول: لولا أنّ أمي كانت كلبيةً لهلكْتُ. يقال حلّقَت به المُغْرب([23])، كما يقال شالَت نعامتُه. وقال النابغة:

إذا ما غزَا بالجَيْش حَلّق فوقَه *** عصائبُ طيرٍ تهتدي بعصائبِ([24])

  وذلك أنّ النُّسور والعِقبانَ والرّخَم تتْبع العساكر تنتظر القتلى لتقع عليهم. ثم قال:

جوانحُ قد أيقنَّ أنّ قبيلَه *** إذا ما التقى الجمعانِ أوّلُ غالِبِ

  (حلك) الحاء واللام والكاف حرفٌ يدلّ على السّواد. يقال "هو أشدُّ سواداً من حَلَك الغراب" يقال: هو سواده ويقال هو أسودُ حُلْكُوك.

ـــــــــــــــــــ

([1]) للوليد بن عقبة، يحض معاوية على قتال علي. اللسان (حلم).

([2]) صدره كما في ديوان أوس بن حجر 28 واللسان (حلم):

* لحينهم لحيَ العصا فطردنهم *

([3]) النَّي، بالفتح: الشحم، أراد به شحم العظام ونقيها. وكذا ورد في المجمل. وفي اللسان:

فإن قضاء المحل أهون ضيعة *** من المخ في أنقاء كل حليم

([4]) في الأصل: "الجري"، تحريف.

([5]) البيت من قصيدة في ديوان أبي ذؤيب 154. وأنشده في اللسان (حلا) بلفظ "فشأنكما" تحريف، صوابه هنا وفي الديوان. وفي الأصل: "إني لعين"، صوابه من اللسان والديوان. وقبل البيت:  خَليلي الذي دلى لغيّ خليلتي *** فكلا أراه قد أصاب عرورها

([6]) في الأصل: "يبسا بلالها"، صوابه من ديوان أوس 24 واللسان.

([7]) في اللسان: "من بناتنا".

([8]) لإسحاق بن إبراهيم الموصلي. وصدره كما في اللسان (حلأ):

* لحائم حام حتى لا حوام به *

([9]) التكملة من المجمل.

([10]) في الأصل: "يتحكك بحكاكتها الأرمد"، تحريف.

([11]) لبشر بن أبي خازم في اللسان (حلب).

([12]) هو أبو محمد عبد الله بن مسلم بن قتيبة. وكثيراً ما يذكره باسم "القتبي".

([13]) التكملة من القاموس، وهو ما يقتضيه التعليل التالي.

([14]) في الأصل: "بعلق أو صخر".

([15]) وبهذه الرواية ورد في المجمل واللسان (حلط).

([16]) هذا من كلام علقمة بن علاثة، كما في اللسان.

([17]) للكحلبة اليربوعي، من أبيات في المفضليات (1: 31).

([18]) لعمارة بن طارق يصف إبلاً، كما في اللسان. وقبله: * ينفضن بالمشافر الهدالق *

([19]) في المجمل: "والسلاح كله يسمى الحلقة بفتح اللام".

([20]) هذا بكسر الحاء. وأنشد في المجمل واللسان:

وأعطى منا الحلق أبيض ماجد *** رديف ملوك ما تغب نوافله

([21]) في الأصل: "واسمها"، تحريف.

([22]) صدر بيت لأبي وجزة السعدي في اللسان (عذر، حلق). وهذه الرواية تطابق رواية اللسان (عذر). وفي المجمل واللسان (حلق): "تقضي العواذير بينها". فالتذكير على ظاهر اللفظ. والتأنيث على تأويل ذي الحلق بالإبل. وعجز البيت: * يلوح بأخطار عظام اللقائح *

([23]) في الأصل: "بي المغرب".

([24]) في ديوان النابغة 4: * إذا ما غزوا بالجيش حلق فوقهم *

 

 

ـ (باب الحاء والميم وما يثلثهما)

(حمد) الحاء والميم والدال كلمةٌ واحدة وأصلٌ واحد يدلّ على خلاف الذمّ. يقال حَمِدْتُ فلاناً أحْمَدُه. ورجل محمود ومحمّد، إذا كثُرت خصاله المحمودة غيرُ المذمومة. قال الأعشى يمدح النعمان بن المنذر، ويقال إنه فضّله بكلمته هذه على سائر مَن مدحه يومئذ:

إليك أبيتَ اللّعنَ كانَ كَلاَلُها *** إلى الماجد الفَرْعِ الجَوادِ المُحَمَّدِ([1])

  ولهذا [الذي] ذكرناه سمِّي نبينا مُحَمَّداً صلى الله عليه وآله وسلم. ويقول العرب: حُمَاداك أن تفعلَ كذا، أي غايتُك وفعلُك المحمودُ منك غيرُ المذموم. ويقال أحمَدْتُ فلاناً، إذا وجدتَه محموداً، كما يقال أبخلْتُه إذا وجدتَه بخيلا، وأعجزته [إذا وجدتَه] عاجزاً. وهذا قياسٌ مطّردٌ في سائر الصفات. وأهْيَجْت المكانَ، إذا وجدتَه هائجاً قد يبِس نباتُه. قال:

* وأهْيَج الخَلْصاءَ من ذات البُرَقْ([2]) *

فإنْ سأل سائلٌ عن قولهم في صوت التهاب النار الحَمدَة؛ قيل له: هذا ليس من الباب؛ لأنه من المقلوب وأصله حَدَمة. وقد ذكرت في موضعها.

(حمر) الحاء والميم والراء أصلٌ واحدٌ عندي، وهو من الذي يعرف بالحُمْرة. وقد يجوز أن يُجعَل أصلين: أحدهما هذا، والآخر جنسٌ من الدوابّ.

فالأوّل الحُمْرة في الألوان، وهي معروفة. والعرب *تقول: "الحسن أحمر" يقال ذلك لأنّ النفوسَ كلَّها لا تكاد تكره الحمرة. وتقول رجل أحمر، وأحامر([3]) فإن أردت اللونَ قلت حُمر. وحجّة الأحامرة قول الأعشى:

إنّ الأحامرةَ الثلاثة أهلكَتْ *** مالي وكنت بهنّ قِدْما مُولَعا([4])

  ذهب بالأحامرة مذهب الأسماء، ولم يَذهب بها مذهبَ الصفات. ولو ذهب بها مذهب الصفات لقال حُمْرٌ. والحمراء: العَجَم، سُمُّوا بذلك لأنّ الشّقْرة أغلبُ الألوان عليهم. ومن ذلك قولهم لعليّ رضي الله عنه: "غلبَتْنا عليك هذه الحمراء". ويقال موتٌ أحمرُ، وذلك إذا وُصِف بالشدّة. وقال عليّ: "كُنّا إذا احمرّ البأسُ اتقّينا بِرسولِ الله صلى الله عليه وسلم، فلم يكن أَحَدٌ منا أقربَ إلى العَدُوّ منه".

ومن الباب قولهم: وَطْأةٌ حمراء؛ وذلك إذا كانتْ جديدة؛ ووَطْأة دهماء، إذا كانت قديمةً دارسة. ويقال سنةٌ حمراء شديدة، ولذلك يقال لشدة القيْظ حَمَارَّة. وإنَّما قيل هذا لأنّ أعجبَ الألوان إليهم الحمرة. إذا كان كذا وبالغُوا([5]) في وصفِ شيءٍ ذكروه بالحُمْرة، أو بلفظةٍ تشبه الحمرة.

فأمّا قولُهم للذي لا سلاحَ معه أحمر، فممكن [أن يكون] ذلك تشبيهاً لـه بالعجم، وليست فيهم شجاعة مذكورة كشجاعة العرب. وقال:

* وتَشْقَى الرّماحُ بالضَّياطرةِ الحُمْرِ([6]) *

الضياطرة: جمع ضَيْطار، وهو الجبان العظيم الخَلْق الذي لا يُحسن حملَ السِّلاح. قال:

تعرَّضَ ضَيطارُو فُعالةَ دونَنا *** وما خَيْرُ ضَيطارٍ يقلِّب مِسطَحا([7])

  وقولهم غيث حِمِرٌّ، إذا كان شديداً يقشِر الأرض. وهو من هذا الذي ذكرناه من باب المبالغة.

وأمّا الأصل الثاني فالحِمار معروف، يقال حمار وحَمير وحُمُر وحُمُرات، كما يقال صعيد وصُعُد وصُعُدات. قال:

إذا غَرّد المُكَّاء في غير روضةٍ *** فويلٌ لأهل الشَّاء والحُمُراتِ([8])

  يقول: إذا أجدبَ الزّمانُ ولم تكن روضة فغرَّد([9]) في غير روضةٍ، فويلٌ لأهل الشاء والحمرات.

وممّا يحمل على هذا الباب قولُهم لدويْبّة: حِمارُ قَبَّانٍَ. قال:

يا عجبَا لقد رأيتُ عجَبَا *** حمارَ قَبَّانٍَ يسوقُ أرنبا([10])

ومنه الحِمار، وهو شيءٌ يُجعَل حول الحوض لئلا يسيل ماؤُه، والجمع حمائر. قال الشاعر:

ومُبْلِد بين مَوْمَاةٍ بمَهْلُِكَةٍ *** جاوزتُه بِعَلاةِ الخَلْق عِلْيَانِ([11])

كأنَّما الشَّحْطُ في أعلى حمائرِه *** سَبائبُ الرَّيْط مِن قزٍّ وكَتَّانِ([12])

  وأما قولهم للفرَس الهجينِ مِحْمَرٌ فهو من الباب. [ومن الباب] الحِماران، وهما حجَران يجفَّف عليهما الأقِط، يسمَّيان مع الذي فوقهما العلاة([13]). قال:

لا تنفع الشاوِيّ فيهما شاتُه *** ولا حِمارَاه ولا عَلاَتُه([14])

  والحمارة: حجارة تنصب حولَ البيت، والجمع حمائِر. قال:

* بَيْتَ حُتوفٍ أُرْدِحَتْ حمائرُه([15]) *

وأما قولهم: "أخلَى من حوفِ حمارٍ" فقد ذُكر حديثه في كتاب حرف العين.

(حمز) الحاء والميم والزاء أصلٌ واحد، وهو حدَّة في الشيء كالحَرافة وما أشبهها. فالحَمْزَة حَرافَة في الشيء. يقال شرابٌ يحمِزُ اللسانَ. ومنه الحَمْزة، وهي بقلةٌ تَحْمِز اللسان، وقال أنس بن مالك: "كنّاني رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ببقلةٍ كنت اجتنيتُها"؛ وكان يكنّى با حمزة. وقال الشماخ يصف رجلاً باع [قوساً] وأسِفَ عليها:

فلما شَرَاها فاضَتِ العَين عَبْرَةً *** وفي القلب حَُزَّازٌ من اللّوم حامِزُ([16])

  فأما قولهم للذكّي القلبِ اللوذعيِّ حَمِيز، وهو حَميز الفؤاد، فهو من الباب؛ لأن ذلك من الذكاء والحدّة، والقياس فيه واحد.

(حمس) الحاء والميم والسين أصلٌ واحد يدلُّ على الشدَّة. فالأحمس: الشّجاع. والحَمَس والحماسة: الشجاعة والشِّدَّة. ورجلٌ حَمِسٌ. قال:

* ومِثْلي لُزَّ بالحَمِسِ الرَّئيسِ([17]) *

ويقال: "بالحَمِس البئيس". ويقال تحمَّس الرجُل: تعاصَى. والحُمْس قريش؛ لأنهم كانوا يتحمَّسون في دينهم، أي يتشدَّدون. وقال بعضهم: الحُمْسة الحُرْمة، وإنما سُموا حُمْساً لنزولهم بالحرَم. ويقال عام أحْمَسُ، إذا كان شديداً. وأَرَضُونَ أحامسُ: شديدةٌ. وزعم ناسٌ أنّ الحَميس التَّنُّور. وقال آخرون: هو بالشين معجمة. وأيَّ ذلك كانَ فهو صحيحٌ؛ لأنه إن كان من السين فهو من الذي ذكرناه ويكون من شدة التهاب نارِه؛ وإن كان بالشين فهو من أحمشتُ النارَ والحربَ.

(حمش) الحاء والميم والشين أصلان: أحدهما التهاب الشيء وهَيْجه، والثاني الدِّقّة.

فالأول قولهم: أحمشتُ الرَّجُل: أغضبتُه. واستحمش الرجلُ، إذا اتّقَدَ غضباً([18]). قال:

* إني إذا حَمَّشَني تحميشي([19]) *

ومن الباب حَمَشْت الشيء: جمعتُه.

والأصل الثاني قولهم للدقيق القوائم حَمْش، وقد حَمَُشَتْ قوائمُه. ومن الباب قولهم: لِثَةٌ حَمْشةٌ: قليلة اللّحم.

(حمص) الحاء والميم والصاد ليس أصلاً يقاس عليه، وما فيه قياسٌ ويجوز أن يكون مِن جفافٍ في الشيء. ويقولون: انْحَمَصَ الوَرَم، إذا سَكَنَ. هذا أصحَّ ما فيه. والحَمَصِيصُ: بقلةٌ.

(حمض) الحاء والميم والضاد أصل واحدٌ صحيح، وهو شيءٌ من الطعوم. يقال شيءٌ حامض وفيه حُموضة. والحَمْض من النَّبْت ما كانت فيه ملوحة. والْخُلّة ما سوى ذلك. والعرب تقول:  الْخُلّة خبز الإبل والحَمْض فاكهتُها. وإنما تَحَوَّلُ إلى الحَمْض إذا مَلّت الخُلّة. وكلُّ هذا من النّبت. وليس شيءٌ من الشجر العظام بحَمْضٍ ولا خُلّة.

(حمط) الحاء والميم والطاء ليس أصلاً ولا فرعاً، ولا فيه لغةً صحيحة، إلا شيءٌ من النبت أو الشجر. يقال لجنسٍ من الحيَّات شيطان الحَمَاطِ. من المحمول عليه قولُهم: أصبْتُ حَماطةَ قلبِه، أي سواد قلبه، كما يقولون حبَّة قلبه، والحماطة، فيما يقال: وجَعٌ في الحلْق. وليس بذلك الصحيح. فإنْ صحَّ فهو محمولٌ على نبتٍ لعلَّ له طعماً حامزاً.

فأما قولهم الحَمَطيط والحِمْطاط، فالأوَّل نبت، والثاني دودٌ يكون في العُشب منقوشٌ بألوان، فمما لا معنى لذكرِه.

(حمق) الحاء والميم والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على كَساد الشيء. والضّعفِ والنُّقصان. فالحُمْق: نقصان العقل. والعرب تقول: انحمق الثوبُ. إذا بَلِي. وانحمقت السُّوق: كسدت.

(حمل) الحاء والميم واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إقلال الشيء. يقال حَملْتُ الشيء أحمِلُه حَمْلاً. والحَمْل: ما كان في بطنٍ أو على رأس شجرٍ. يقال امرأةٌ حامل وحاملة. فمن قال حامل قال هذا نعت لا يكون إلا للإناث. ومن قال حاملة بناه على حَمَلَتْ فهي حاملة. قال:

تَمَخَّضَتِ المَنونُ لـه بيومٍ *** أنَى ولكلِّ حامِلةٍ تِمامُ([20])

  والحِمْل: ما كان على ظهرٍ أو رأسٍ. والحَمَالة: أن يحمل الرجلُ ديةً ثم يسعى عليها، والضَّمانُ حَمَالة، والمعنى واحد، وهو قياسُ الباب.

ومما هو مضافٌ إلى هذا المعنى المرأة المُحْمِل، وهي التي تنزِل لبنَها من غير حَبَل. يقال أحْمَلَت تُحْمِل إحْمالا. ويقال ذلك للناقة أيضاً. والحُمُول: الهوادج، كان فيها نساءٌ أو لم يكن. وتحامَلْتُ، إذا تكلَّفْتَ الشيءَ على مشقّةٍ. وقال ابن السكيت في قول الأعشى:

لا أعرفنّك إنْ جدَّت عداوتُنا *** والتُمِس النصرُ منكم عِوض تُحتَمَلُ([21])

  إنَّ الاحتمال الغضب. قال: ويقال احْتُمِل، إذا غَضِب. وهذا قياسٌ صحيح، لأنهم يقولون: احتملَه الغضب، وأقلّه الغضب، وذلك* إذا أزعجه. والحِمالة والمِحْمل عِلاقة السَّيف. ومنه قول امرئ القيس:

* حتى بلّ دمعِيَ مِحْملي([22]) *

والحَمُولة: الإبل تُحمَل عليها الأثقال، كان عليها ثِقْل أو لم يكن. والحَمولة: الإبل بأثقالها، والأثقالُ أنفُسها حَمُولة. ويقال أحمَلْتُ فلاناً، إذا أعنْتَه على الحمل. وحَمِيل السَّيل: ما يَحمله من غُثائه. وفي الحديث: "يخرج من النار قومٌ فيَنْبتون كما تنبت الحِبَّة في حميل السّيل([23])". فالحَميل: ما حمله السّيلُ من غُثاء. ولذلك يقال للدّعِيّ حَميل. قال الكميت يعاتب قُضاعة في تحوُّلهم إلى اليمين:

عَلامَ نَزلتمُ من غير فَقرٍ *** ولا ضَرَّاءَ منزلة الحَميلِ([24])

  فأمّا قولهم الأحمال- وهم من بني يَربوع، وهم ثعلبة وعمرو والحارث أبو سَلِيط وصُبَيْر- فيقال إنّ أمَّهم حملتهم على ظهرٍ في بعض أيّام الفَزَع، فسُمُّوا الأحمال. وإيّاهم أرادَ جريرٌ بقوله:

أبَنِي قُفَيرةَ مَن يُوَرِّع وِرْدَنا *** أم مَن يقومُ لِشدّةِ الأحمالِ([25])

  ويقال أدَلّ عليَّ فحمَلتُ إدلاله واحتَملتُ إدلالَه، بمعنىً. وقال:

أدلّتْ فلم أحمِلْ وقالت فلم أُجِبْ *** لعَمْرُ أبيها إنّني لظَلُومُ([26])

والقياس مطّردٌ في جميع ما ذكرناه. فأمّا البَرَقُ فيقال له حَمَلٌ، وهو مشتقٌّ من الحَمْل، كأنّه يقال حَمَلَتِ الشاةُ حَمْلاً، والمحمول حَمْل وحَمَلٌ كما يقال نفَضتُ الشيء نَفْضاً والمنفوض نَفَض، وحسَبت الشيء حَسْباً. والمحسُوبُ حَسَبٌ، وهو باب مستقيم. ثم يشبه بهذا فيقال لبُرج من بروج السماء حَمَل. قال الهذليّ([27]):

كالسُّحُل البِيض جلا لونَها *** سَحُّ نِجاءِ الحَمَلَ الأَسْوَل

ــــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 132 واللسان (حمد).

([2]) البيت لرؤبة في ديوانه 105.

([3]) أي في جمع أحمر بهذا المعنى.

([4]) ملحقات ديوان الأعشى 247، واللسان (حمر).

([5]) كذا. ولعل وجه الكلام: "وكان العرب إذا بالغوا". وفي اللسان: "والعرب إذا ذكرت شيئاً بالمشقة والشدة. وصفته بالحمرة".

([6]) لخداش بن زهير، كما في اللسان (ضطر). وصدره: * وتركب خيلاً لا هوادة بينها *

([7]) البيت لمالك بن عوف النصري، كما في اللسان (ضطر). وفعالة: كناية عن خزاعة.

([8]) البيت في اللسان (مكا) وأمالي القالي (2: 32)، وسيعيده في (مكو).

([9]) في الأصل: "يغرد فعرد".

([10]) الرجز في اللسان (حمر، قبب، قبن).

([11]) سبق إنشاد البيت والكلام عليه في (بلد).

([12]) في اللسان (حمر): * سبائب القز من ريط وكتان *

([13]) في المجمل: "والعلاة فوقهما"، وفي اللسان: "حجران ينصبان يطرح عليهما حجر رقيق يسمى العلاوة".

([14]) الرجز لمبشر بن هذيل بن فزارة الشمخي، كما في اللسان.

([15]) من رجز لحميد الأرقط، كما في اللسان (حمر). وأنشد هذا البيت أيضاً في اللسان (ردح).وقبله:  * أعد للبيت الذي يسامره *

([16]) سبق البيت والكلام عليه في (حزز).

([17]) في اللسان (ربس، وقي): "الربيس" بالياء. صدره: * ولا أتقي الغيور إذا رآني *

([18]) في الأصل: "إذا اتقدوا واتقد".

([19]) لرؤبة في ديوانه 77. وأنشده في اللسان (حمش) بدون نسبة.

([20]) البيت لعمرو بن حسان، كما في اللسان (منن، حمل).

([21]) ديوان الأعشى 46 ومعلقات التبريزي 285.

([22]) جزء من بيت لامرئ القيس في معلقته. وهو بتمامه:

ففاضت دموع العين مني صبابة *** على النحر حتى بل دمعي محملي

([23]) سبق الحديث والكلام عليه في (حب).

([24]) البيت في اللسان (حمل).

([25]) ديوان جرير 468 واللسان والمجمل (حمل).

([26]) كلمة "إنني" ساقطة من الأصل، وإثباتها من المجمل واللسان.

([27]) هو المتنخل الهذلي، كما في ديوان الهذليين ص45 من مخطوطة الشنقيطي واللسان (حمل).

 

 


ـ (باب الحاء والنون وما يثلثهما)

(حنو) الحاء والنون والحرف المعتل أصلٌ واحدٌ يدلّ على تعطّف وتعوُّج. يقال حنَوْتُ الشيءَ حَنْواً وحَنَيْتُه، إذا عطفتَه حَنْياً. وحِنْوُ السرج سمِّي بذلك أيضاً، وجمعه أحناء. ومنه حنَتِ المرأة على ولدها تحنُو، وذلك إذا لم تتزوَّجْ مِن بعد أبيهم، وهو من تعطُّفها عليهم. وناقةٌ حنْواء: في ظهرها احديدابٌ. وانحنَى الشيءُ ينحني انحناءً. والمَحْنِية: منعرَج الوادي. وأمّا الْحَنوَة والحِنّاء(1) فَنْبتَان معروفان، ويجوز أن يكون ذلك شاذّاً عن الأصل.‏

(حنب) الحاء والنون والباء أصلٌ واحدٌ يدلّ على الذي دلّ عليه ما قبله، وهو الاعوجاج في الشيء. فالمُحَنَّبُ: الفرسُ البعيدُ ما بين الرّجلين من غير فَحَجٍ؛ وذلك مدحٌ. ويقال إنّ الحنَب اعوجاجٌ في السّاقين. قال الخليل في تحنيب الخيل إنه إنما يوصف بالشدّة، وليس في ذلك اعوجاجٌ. وهذا خلافُ ما قاله أهلُ اللغة.‏

(حنث) الحاءُ والنون والثاء أصلٌ واحد، وهو الإثْم والحَرَج. يقال حَنِثَ فلانٌ في كذا، أي أثِمَ. ومن ذلك قولهم: بلغ الغلام الحِنْثَ، أي بلغ مبلغاً جَرى عليه القلمُ بالطّاعة والمعصية، وأُثبتت عليه ذنوبُه. ومن ذلك الحِنْث في اليمين، وهو الخُلْف فيه. فهذا وجه الإثم. وأمّا قولهم فلان يتحنّث من كذا، فمعناه يتأثّم. والفرق بين أَثِمَ وتَأَثّم، أن التأثُّم التنحِّي عن الإثم، كما يقال حَرج وتحرّج؛ فحَرِجَ وقع في الحَرَج، وتَحَرَّج تنحّى عن الحَرج. وهذا في كلماتٍ معلومةٍ قياسُها واحد.‏

ومن ذلك التحنّث وهو التعبُّد. ومنه الحديث: "أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يأتِي غار حراء فيتحنَّث فيه الليالي ذوَاتِ العدد".‏

(حنج) الحاء والنون والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على الميل والاعوجاج. يقال حنَجْت الحبلَ، إذا فتلْتَه؛ وهو محنوجٌ. وحنَجت الرجلَ عن الشيء: أملتُه عنه. وأَحْنَجَ فلانٌ عن الشيء: عدَل. *فأمّا قولهم للأصل حِنْجٌ فلعلّه من باب الإبدال. وإن كان صحيحاً فقياسُه قياسٌ واحد؛ لأن كلَّ فرعٍ يميل إلى أصله ويرجع إليه.‏

(حنذ) الحاء والنون والذال أصلٌ واحد، وهو إنضاج الشيء. يقال شِواءٌ حَنِيذٌ، أي مُنْضَج، وذلك أن تحمى الحجارة وتُوضَعَ عليه حتى ينضَج. ويقال حنَذت الفرسَ، إذا استحضرتَه شَوطاً أو شوطين(2)، ثم ظاهَرْتَ عليه الْجِلالَ حتى يعرَق. وهذا فرسٌ محنوذٌ وحنيذ. وأما قولهم حَنَذٌ، فهو بلد. قال:‏

تأبَّرِي يا خَيْرَةَ النخيل  *** تأبَّري من حَنَذٍ فَشُولي(3)‏

ويقولون: "إذا سقيتَ فاحْنِذْ(4)" أي أقِلَّ الماءَ وأكثِرِ النبيذَ. وهو من الباب أيضاً؛ لأنَّها تبقى بحرارتها إذا لم تُكْسَر بالماء.‏

(حنر) الحاء والنون والراء كلمةٌ واحدة، لولا أنها جاءت في الحديث لما كان لِذِكرها وجه. وذلك أنَّ النون في كلام العرب لا تكاد تجيء بعدها راء. والذي جاء في الحديث: "لَوْ صلَّيتُم حتى تَصيروا كالحنائر(5)" فيقال إنَّها القسي، الواحدة حَنِيرة. وممكن أن يكون الراء كالملصقة بالكلمة، ويرجع إلى ما ذكرناه من حنيت الشيءَ وحنوْته.‏

(حنش) الحاء والنون والشين أصلٌ واحد صحيحٌ وهو من باب الصَّيد إذا صدتَه. وقال أبو عمرو: الحَنَش كلُّ شيءٍ يُصاد من الطير والهوام وقال آخرون: الحنَش الحيّة وهو ذلك القياس. فأمّا قولهم حَنَشْت الشيء، إذا عطفْتَه، فإن كان صحيحاً فهو من باب الإبدال. ولعله من عَنشْت أو عنَجْت.‏

(حنط) الحاء والنون والطاء ليس بذلك الأصل الذي يقاس منه أو عليه، وفيه أنَّه حَبٌّ أو شبيهٌ به. فالحنطة معروفة. ويقال للرَّمْث إذا ابيضَّ وأدرَكَ قد حَنِط. وذكر بعضُهم أنه يقال أحمر حانط، كما يقال أسود حالكٌ. وهذا محمولٌ على أن الحنطة يقال [لها] الحمراء. وقد ذُكِر.‏

(حنف) الحاء والنون والفاء أصلٌ مستقيم، وهو المَيَل. يقال للذي يمشي على ظُهور قدمَيه أحْنَفُ. وقال قومٌ- وأراه الأصحَّ- إنّ الحَنَفَ اعوجاجٌ في الرجل إلى داخل. ورجل أحنف، أي مائل الرِّجْلين، وذلك يكون بأن تتدانى صدورُ قدمَيه ويتباعد عقِباه. والحنيف: المائل إلى الدين المستقيم. قال الله تعالى:‏

{وَلكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً} [آل عمران 67]، والأصل هذا، تم يُتَّسع في تفسيره فيقال الحنيف النّاسك، ويقال هو المختون، ويقال هو المستقيم الطريقة. ويقال هو يتحنَّف، أي يتحرَّى أقومَ الطرِيق(6).‏

(حنق) الحاء والنون والقاف أصلٌ واحد، وهو تضايُق الشيء. يقال الضُّمَّر مَحانيق. وإلى هذا يرجع الحَنَق في الغيظ، لأنه تضايقٌ في الخُلُق من غير نَُدحة ولا انبساط. قال الشاعر في قولهم مُحْنَق:‏

ما كان ضَرَّك لو مَننْتَ وربما ***  مَنَّ الفتى وهو المغيظ المُحْنَق(7)‏

(حنك) الحاء والنون والكاف أصل واحد، وهو عضوٌ من الأعضاء ثم يحمل عليه ما يقاربُه من طريقة الاشتقاق. فأصل الحَنَك حَنَكُ الإنسان، أقصى فمه. يقال حَنَّكْت الصّبيّ، إذا مضَغت التمر ثم دلكتَه بحنكه، فهو مُحَنّك؛ وحَنَكْته فهو محنوك. ويقال: "هو أشدُّ سواداً من حَنَك الغراب" وهو منقاره، وأمّا حَلَكه فهو سواده. ويقال احتنك الجرادُ الأرضَ، إذا أتى على نبْتها؛ وذلك قياس صحيح، لأنه يأكل فيبلغ حنكَه.‏

ومن المحمول عليه استئصال الشيء، وهو احتناكه، ومنه في كتاب الله تعالى: {لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إلاَّ قَلِيلاً(8)} [الإسراء 62]. أي أُغوِيهم كلَّهم، كما يُستأْصَل الشيءُ، إلا قليلا.‏

فإن قال قائل: فنحن نقول: حنّكته التّجارُب، واحتَنَكتْه السِّنُّ *احتناكاً، ورجلٌ محتَنَك، فمن أي قياسٍ هو؟ قيل لـه: هو من الباب؛ لأنّه التناهِي في الأمر والبلوغُ إلى غايته، كما قلنا: احتنَكَ الجرادُ النّبت، إذا استأصله، وذلك بلوغُ نهايته. فأما القِدُّ الذي يجمعُ عَرَاصِيف الرّمْل؛ فهو حُنْكة. وهذا على التشبه بالحنك، لأنه منضمٌّ متجمع. ويقال حَنَكْتُ الشيءَ إذا فهمتَه. وهو من الباب، لأنك إذا فهِمتَه فقد بلغتَ أقصاه. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) حق الحناء أن تكون في مادة (حنن). ويقال فيها "حنان" أيضاً.‏

(2) استحضر الفرس: أعداه. واحتضر الفرس، إذا عدا.‏

(3) الرجز في المجمل واللسان (حنذ). وهو لأحيحة بن الجلاح، كما في معجم البلدان.‏

(4) يقال بوصل الألف وقطعها.‏

(5) تمامه في اللسان: "ما نفعكم ذلك حتى تحبوا آل رسول الله". وهو من حديث أبي ذر.‏

(6) في المجمل: "أقوم الطرق".‏

(7) البيت من مرثية لقتيلة بنت الحارث بن كلدة، ترثي بها أخاها النضر بن الحارث. انظر حماسة أبي تمام‏  (1: 400) والسيرة 539 جوتنجن. قال السهيلي في الروض الأُنُف (2: 119): "والصحيح أنها بنت النضر لا أخته". وبهذه النسبة وردت في حماسة البحتري 443 واللسان (حنق) والإصابة 884 من قسم النساء. وجعل الجاحظ في البيان (3: 236) هذا الشعر لليلى بنت النضر بن الحارث.‏

(8) من الآية 62 في سورة الإسراء. وفي الأصل: "إلا قليلاً منهم"، تحريف.‏

 

 

ـ (باب الحاء والواو وما معهما من الحروف في الثلاثي)

(حوي) الحاء والواو وما بعده معتلٌّ أصل واحد، وهو الجمع يقال حوَيْتُ الشيءَ أحويه حَيَّاً([1])، إذا جمعتَه. والحَوِيَّة: الواحدةُ من الحوايا، وهي الأمعاء، وهي من الجمع. ويقولون للواحدة حاوياء. قال:

كأنّ نقيضَ الحَبِّ في حاويائِه *** فحيحُ الأفاعي أو نقيضُ العقارِبِ([2])

  والحَوِيَّةُ: كساءٌ يحوَّى حولَ سَنام البعير ثم يُركَب. والحيُّ من أحياء العرب. والحِواء: البيت الواحد، وكلُّه من قياس الباب.

(حوب) الحاء والواو والباء أصلٌ واحد يتشعّب إلى إثم، أو حاجة أو مَسكَنة، وكلها متقاربة. فالحُوبُ والحَوْب: الإثم. قال الله تعالى: {إنَّهُ كانَ حُوباً كَبِيراً} [النساء 2]، و{حَوْباً كَبيراً([3])}. والحَوْبة: ما يَأثم الإنسانُ في عقوقه، كالأمِّ ونحوها. وفلان يتحوّب من كذا، أي يتأثم. وفي الحديث: "ربِّ تقبّلْ توبَتي، واغفِرْ حَوبتي". ويقال التحوُّب التَّوجُّع. قال طُفيل:

فذُوقُوا كما ذُقْنا غَداةَ مُحَجَّرٍ *** من الغيظ في أكبادنا والتحوُّبِ([4])

  ويقال: أَلْحَقَ [الله([5])] به الحَوْبة، وهي الحاجةُ والمَسْكنة.

فإنْ قيل: فما قياس الحَوْباء، وهي النَّفس؟ قيل لـه: هي الأصلُ بعينه؛ لأنّ إشْفَاق([6]) الإنسان على نفسه أغلبُ وأكثر.

فأما قولهم في زجر الإبل. حُوْبُِ، فقد قُلْنا إنّ هذه الأصوات والحكاياتِ ليست مأخوذةً من أصلٍ. وكلُّ ذي لسانٍ عربيٍّ فقد يمكنه اختراعُ مثل ذلك، ثم يكثُرُ على ألسنة الناس.

فأمّا الحَوأب فهو مذكور في بابه([7]).

(حوت) الحاء والواو والتاء أصلٌ صحيح منقاس، وهو من الاضطراب والرَّوَغان، فالحُوت العظيم من السّمَك، وهو مضطربٌ أبداً غير مستقرّ. والعرب تقول: حاوَتَنِي فلانٌ، إذا راوغَني. ويُنشَد هذا البيت:

ظَلّت تُحاوِتُني رَمْدَاءُ داهِيَةٌ *** يوم الثويَّةِ عن أهلي وعن مالي([8])

  (حوث) الحاء والواو والثاء قِيلٌ غيرُ مطَّردٍ ولا متفرّع. يقولون: إنّ الحَوْثَاءَ الكبدُ وما يليها. وينشدون:

* الكِرْشَ والحَوْثاء والمَرِيّا([9]) *

وجاريةٌ حَوْثاء: سمينة. قال:

* وهْيَ بِكْرٌ غريرةٌ حَوْثاءُ *

وتركهم حَوْثاً بَوْثاً. إذا فرَّقَهم. وكل هذا متقاربٌ في الضّعف والقِلّة، ويقولون اسْتَبَثْتُ الشيءَ واستَحثْتُه، إذا ضاع في ترابٍ فطلبتَه.

(حوج) الحاء والواو والجيم أصلٌ واحد، وهو الاضطرار إلى الشيء، فالحاجة واحدة الحاجات. والحَوْجاء: الحاجة. ويقال أحْوَجَ الرّجُلُ: احتاجَ. ويقال أيضاً: حاجَ يَحُوج([10])، بمعنى احتاجَ. قال:

غَنِيتُ فلَم أرْدُدْكمُ عند بُِغْيَةٍ *** وحُجْتُ فلم أكدُدْكمُ بالأصابعِ([11])

  فأمَا الحاجُ فضربٌ من الشَّوك، وهو شاذٌّ عن الأصل.

(حوذ) الحاء والواو والذال أصلٌ واحد، وهو من الخفّة والسُّرعة وانكماشٍ([12]) في الأمر. فالإحْواذ السَّير السريع. ويقال حاذَ الحمارُ أُتُنَه يحُوذها، إذا ساقَها بعُنْف. قال العجاج:

* يحُوذُهُنَّ وله حُوذِيُّ([13]) *

والأحوذيُّ: الخفيف في الأمور، الذي حَذِقَ الأشياءَ وأتْقَنَها. وقالت عائشة في عمر: "كان واللهِ أحوَذِيَّاً نسيجَ وَحْدِه". والأحوذِيّان: جناحا القطاة. قال:

* على أحوذِيَّينِ استقلّت([14]) *

ومن الباب استحوَذَ عليه الشيطان، وذلك إذا غَلَبَه وساقَه إلى ما يريد من غَيِّه.

ومن الشاذّ عن الباب أيضاً أنهم يقولون: هو خفيفُ الحاذِ. ويُنشِدون:

خفيف الحاذِ نَسّال القيافي *** وعَبْدٌ للصَّحَابة غيرَ عَبْدِ([15])

  ومن الشاذّ عن الباب: الحاذُ، وهو شجرٌ.

(حور) الحاء والواو والراء ثلاثة أصول: أحدها لون، والآخَر الرُّجوع، والثالث أن يدور الشيء دَوْراً.

فأما الأول فالحَوَر: شدّةُ بياض العينِ في شدّةِ سوادِها. قال أبو عمرو: الحَوَر أن تسودَّ العين كُلُّها مثلََُ الظباء والبقر. وليس في بني آدمَ حَوَرٌ. قال وإنما قيل للنساء حُورُ العُيون، لأنهن شُبِّهن بالظِّباء والبقر قال الأصمعيّ: ما أدري ما الحَوَر في العين. ويقال حوّرت الثيابَ، أي بيّضْتُها، ويقال لأصحاب عيسى عليه السلامُ الحواريُّون؛ لأنهم كانوا يحوِّرون الثِّياب، أي يبيّضونها. هذا هو الأصل، ثم قيل لكلِّ ناصر حَوَاريٌّ. قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الزُّبير ابنُ عمَّتي وحَوارِيَّ من أمّتي". والحَوَاريّات: النِّساء البيض. قال:

فقُلْ للحَوَاريّاتِ يبكين غيرَنا *** ولا يَبْكِنا إلا الكلابُ النوابحُ([16])

  والحُوَّارَى من الطَّعام: ما حُوِّر، أي بُيِّض. واحورَّ الشيءُ: ابيضّ، احوراراً. قال:

يا وَرْدَُ إني سأموتُ مَرَّهْ *** فمَنْ حَليفُ الْجَفْنَةِ المُحوَرَّهْ([17])

  أي المبيَّضَة بالسَّنَام. وبعضُ العرب يسمِّي النَّجم الذي يقال لـه المشترِي "الأحورَ".

ويمكن أن يحمل على هذا الأصل الحَوَرُ، وهو ما دُبِغ من الجلود بغير القَرَظ ويكون ليِّنا، ولعل ثَمَّ أيضاً لوناً. قال العجّاج:

بِحجِنَاتٍ يتثقَّبْنَ البُهَرْ *** كأنما يَمْزِقْنَ باللحم الحَوَرْ([18])

  يقول: هذا البازي يمزّق أوساطَ الطير، كأنه يَمْزِق بها حَوَراً، أي يُسرع في تمزيقها.

وأمّا الرجوع، فيقال حارَ، إذا رجَع. قال الله تعالى: {إنَّهُ ظَنَّ أَنْ لَنْ يَحُورَ. بَلَى} [الانشقاق 14- 15]. والعرب تقول: "الباطلُ في حُورٍ" أيْ رَجْعٍ ونَقْصٍ، وكلُّ نقص ورجوع حُورٌ. قال:

* والذّمُّ يبقَى وزادُ القَومِ في حُورِ([19]) *

والحَوْر: مصدر حار حَوْراً رَجَع. ويقال: " [نعوذ بالله([20])] من الحَوْر بعد الكَوْر". وهو النُّقصان بعد الزيادة.

ويقال: "حارَ بعد ما كارَ([21])". وتقول: كلَّمتُه فما رجَعَ إليّ حَوَاراً وحِوَاراً ومَحُورَةً وحَوِيراً.

والأصل الثالث المِحْور: الخشبةُ التي تدور فيها المَحَالة. ويقال حَوّرْتُ الخُبْزَةَ تحويراً، إذا هيّأتها وأدَرْتَها لتضعَها في المَلَّة.

ومما شذَّ عن الباب حُِوار الناقة، وهو ولدُها.

(حوز) الحاء والواو والزاء أصلٌ واحد، وهو الجمع والتجمّع، يقال لكلِّ مَجْمَعٍ وناحيةٍ حَوْزٌ وحَوْزَة. وحَمَى فلانٌ الحَوْزَة، أي المَجْمع والناحية. وجعلته للمرأةُ مثلاً لما ينبغي أن تحمِيَه وتمنعَه، فقالت:

فَظَلْتُ أَحْثي التُّرْبَ في وجهه *** عنِّي وأحمِي حَوْزةَ الغائِبِ([22])

  ويقال تَحوّزَت الحيةُ، إذا تلوّتْ. قال القُطامي:

تَحَيَّزُ مِنِّي خشيةً أن أَضِيفَها *** كما انحازت الأفعى مخافةَ ضاربِ([23])

  وكلُّ مَن ضمَّ شيئاً إلى نفسه فقد حازَهُ حَوْزاً. ويقال لطبيعة الرجُل حَوْزٌ. والحُوزِيُّ من الناس: الذي يَنْحازُ عنهم ويعتزلهم. ويروى بيت العجّاج:

* يحوزُهنّ ولَهُ حُوزيّ([24]) *

وهو الحِمار يجمع أتُنَهُ ويسوقُها. والأحْوَزِيُّ من الرجال مثل الأحوذيّ والقياس واحد.

(حوس) الحاء والواو والسين أصلٌ واحد: مخالطة الشيء ووطؤُه. يقال حُسْتُ الشيءَ حَوْساً. والتحوُّس، كالتردّد في الشيء، وهو أنْ يُقِيم مع إرادة السفَر، وذلك إذا عارضَه ما يشغلُه. قال:

* سِرْ قَدْ أَنَى لك أيُّها المُتحوِّسُ([25]) *

ويقال الأحْوسُ الدائم الركْض([26])، والجريءُ الذي* لا يهوله شيء. قال:

* أحْوَسُ في الظلماء بالرُّمْحِ الخَطِلْ([27]) *

وهو حوّاس بالليل.

(حوش) الحاء والواو والشين كلمة واحدةٌ. الحُوش الوَحْش. يقال للوحشيِّ حُوشِيٌّ. وقال عمرُ في زهيرٍ: "كان لا يعاظِل بين القوافي، ولا يتبع حُوشِيَّ الكلام، ولا يمدَحُ الرّجلَ إلا بما فيه". قال القتبيّ: الإبل الحُوشيّة منسوبةٌ إلى الحُوش، وإنها فُحولُ نَعَم الجِنِّ، ضَرَبتْ في بعض الإبل فنُسِبتْ إليها. قال رؤبة:

*جَرَّت رحانا مِن بلاد الحُوشِ([28]) *

وأظنُّ أنَّ هذا من المقلوب، مثل جَذَبَ وجَبَذَ. وأصل الكلمة إن صَحّت فمن التجمُّع والجَمْع، يقال حُشْتُ الصّيدَ وأَحَشْتُه، إذا أخذْتَه من حَوَالِه([29]) وجمعتَه لتَصْرفه إلى الحِبالة. واحتَوَشَ القومُ فلاناً: جعَلُوه وَسْطهم. ويقال تَحَوَّشَ عنِّي القوم: تنحَّوا. وما ينحاش فلانٌ مِن شيءٍ، إذا لم يتجمَّعْ له؛ لقلّة اكتراثِه به. قال:

وبَيْضاءَ لا تَنحاشُ مِنّا وأمُّها *** إذا ما رأتْنَا زِيل مِنّا زَوِيلُها([30])

  ويقال إنّ الحُوَاشَةَ الأمْرُ يكون فيه الإثمُ؛ وهو من الباب، لأن الإنسان يتجمَّع منه ويَنْحاش. وأنشد:

أردْتَ حُواشةً وجهِلْتَ حَقّاً *** وآثَرْتَ الدُّعابَةَ غير راضِ([31])

  ويقال الحُواشَة الاستحياء؛ وهو من الأصل، لأن المستحيي يتجمَّع من الشيء. والحَوْشُ: أن يأكل الإنسانُ من جوانب الطعام حتى يَنْهَكه([32]). والحائِش: جماعة النَّخْل، ولا واحدَ له.

(حوص) الحاء والواو والصاد كلمة واحدةٌ تدلُّ على ضِيق الشيء. فالحَوْص الخِياطة؛ حُصْت الثّوبَ حَوْصاً، وذَلك أن يُجمَع بين طرَفَيْ ما يُخاط. والحَوَصُ: ضِيقُ مُؤْخِر العينين في غَوْرها. ورجلٌ أحوص. ويقال بل الأحوص الضيِّق إحدى العَينَيْن.

(حوض) الحاء والواو والضاد كلمةٌ واحدةٌ، وهو الهَزْم في الأرض. فالحَوْض حَوْض الماء. واستَحْوَضَ الماءَ: اتَّخَذ لنفسه حَوْضاً. والمُحَوَّض، كالحوض يُجعل للنخلة تشربُ منه. ويقال فلانٌ يُحوِّض حَوَاليْ فُلانة، إذا كان يهواها. ويقال للرّجل المهزوم الصَّدْرِ: حوض الحِمار؛ وهو سَبٌّ.

(حوط) الحاء والواو والطاء كلمةٌ واحدة، وهو الشيء يُطِيفُ بالشيء. فالحَوْط مِن حاطَه حَوْطاً. والحِمار يَحُوط عانَتَه: يجمعُها. وحَوَّطت حائطاً. ويقال إنَّ الحُوَاطَةَ([33]) حَظِيرةٌ تتَّخذ للطعام. والحَوْطُ: شيءٌ مستدير تعلقهُ([34]) المرأةُ على جَبِينها، مِن فِضَّة.

(حوق) الحاء والواو والقاف أصلٌ واحد يقْرُب من الذي قبلَه. فالحََُوق: ما استدارَ بالكَمَرة. والحَوْق: كَنْس البَيت. والمِحْوَقة: المِكْنَسة. والحُواقَة: الكُنَاسَة.

(حوك) الحاء والواو والكاف، ضمُّ الشيء إلى الشيء. ومن ذلك حَوْك الثَّوْبِ والشّعر.

(حول) الحاء والواو واللام أصلٌ واحد، وهو تحرُّكٌ في دَوْرٍ. فالحَوْل العام، وذلك أنه يَحُول، أي يدور. ويقال حالتِ الدّارُ وأحالَتْ وأحْوَلتْ: أتى عليها الحول. وأحْوَلْتُ أنا بالمكان وأحَلْتُ، أي أقمتُ به حَوْلاً. يقال حال الرجل في متنِ فرسه يَحُول حَوْلاً وحُؤُولاً، إذا وثَبَ عليه، وأحال أيضاً. وحال الشخصُ يَحُول، إذا تحرَّك، وكذلك كلُّ متحوِّلٍ عن حالة. ومنه قولهم استَحَلْتُ الشخصَ، أي نظرتُ هَلْ يتحرَّك. والحِيلَة والحَويلُ والمُحاوَلَة مِنْ طَريقٍ واحد، وهو القياسُ الذي ذكرناه؛ لأنه يدور حوالَيِ الشيء ليُدْرِكَه. قال الكميت:

وذاتِ اسْمَين والألوانُ شَتَّى *** تُحَمَّق وهي بَيِّنَةُ الحَوِيلِ([35])

  ذات اسمَين: رَخمة؛ لأنها رخَمَةٌ وأَنُوق. تحمَّق وهي ذاتُ حِيلةٍ؛ لأنها تكون بأعالي الجبال، وتَقْطَع في أول القواطِع وترجعُ في أوَّلِ الرَّواجع وتحبُّ ولدها وتَحضُن بيضَها، ولا تمكِّن إلا زوجَها([36]). والحُوَلاء: ما يخرج من الولد؛ وهو مُطيفٌ.

(حوم) الحاء والواو والميم* كلمةٌ واحدة تقرُب من الذي قبلها، وهو الدَّوْر بالشيء يقال حام الطائرُ حَوْلَ الشيءِ يحوم. والحَوْمَةُ: مُعظَم القتال، وذلك أنهم يُطِيف بَعضُهم بِبَعض. والحَوْم: القطيع الضَّخم من الإبل. والحَوْمانة: الأرض المستديرة، ويقال يُطيفُ بها رمل.

ـــــــــــــــ

([1]) يقال حواه حيا، وحواية كسحابة.

([2]) لجرير في ديوانه 83 واللسان (حوى). وانظر ما سيأتي في (فح).

([3]) قرأ الجمهور بضم الحاء، والحسن بفتحها.

([4]) ديوان طفيل 14 والمجمل واللسان (حوب).

([5]) التكملة من المجمل واللسان.

([6]) في الأصل: "اشتقاق" تحريف.

([7]) سيذكره في باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف.

([8]) أنشده في المجمل واللسان (حوت). والثوية، بفتح فكسر، ويقال أيضاً بالتصغير: موضع قريب من الكوفة.

([9]) قبله كما في اللسان (حوث): * إنا وجدنا لحمها طريا *

([10]) يقال حاج يحوج ويحيج.

([11]) للكميت بن معروف الأسدي، كما في اللسان. ويروى: "وحجت" بالكسر.

([12]) في الأصل: "والكماش".

([13]) ديوان العجاج 71. وأنشده في اللسان (حوذ) بدون نسبة.

([14]) البيت بتمامه كما في اللسان:

على أحوذيين استقلت عليهما *** فما هي إلا لمحة فتغيب

([15]) هو كما قيل: "سيد القوم خادمهم". والبيت في اللسان (حوذ).

([16]) لأبي جلدة اليشكري، كما في اللسان والمؤتلف والمختلف للآمدي 79. وهو في الأخير برواية: "فقل لنساء المصر".

([17]) الرجز لأبي مهوش الأسدي، كما في اللسان. وترجمة أبي المهوش في الخزانة (3: 86). وورد: ترخيم وردة، وهي امرأته.

([18]) ديوان العجاج 17 واللسان (مزق، حور).

([19]) لسبيع بن الخطيم. وصدره كما في اللسان:

* واستعجلوا عن خفيف المضغ فازدردوا *

([20]) التكملة من المجمل واللسان.

([21]) في الأصل: "كان" تحريف، وإنما هي كار، بمعنى زاد.

([22]) البيت في اللسان (حوز، أيا).

([23]) يصف عجوزاً استضافها فجعلت تروغ عنه. ضفت الرجل: نزلت به ضيفا. والبيت في الديوان 52 واللسان (حوز، ضيف). ورواية الديوان:

فردت سلاماً كارها ثم أعرضت *** كما انحاشت الأفعى مخافة ضارب

([24]) ديوان العجاج 71 واللسان (حوز). وقد سبق في مادة (حوذ).

([25]) صدر بيت للمتلمس (حوس). وعجزه: * فالدار قد كادت لعهدك تدرس *

([26]) في الأصل: "الدائم الركض والجري الركض". والكلمتان الأخيرتان مقحمتان.

([27]) البيت في المجمل واللسان (حوس).

([28]) ديوان رؤبة 78 والحيوان (1: 155/ 6: 218) واللسان (حوش).

([29]) يقال من حواله وحواليه، وحوله وحوليه.

([30]) لذي الرمة في ديوانه 454 واللسان (8: 180/ 13: 337/ 20: 165) والحيوان (5: 574).

([31]) روايته في اللسان (حوش):

غشيت حواشة وجهلت حقاً *** وآثرت الغواية غير راض

([32]) في الأصل: "حتى ينكهه"، صوابه من المجمل.

([33]) في الأصل: "الحوصة"، صوابه من المجمل واللسان.

([34]) في الأصل: "تعلقها".

([35]) في الحيوان (7: 18) واللسان (حول): "كيسة الحويل".

([36]) انظر الحيوان (7: 19).

 

 

ـ (باب الحاء والياء وما يثلثهما)

(حي) الحاء والياء والحرف المعتل أصلان: أحدهما خِلاف المَوْت، والآخر الاستحياء الذي [هو] ضِدُّ الوقاحة.

فأمّا الأوّل فالحياة والحَيَوان، وهو ضِدُّ الموت والمَوَتَان. ويسمَّى المطرُ حياً لأن به حياةَ الأرض. ويقال ناقةٌ مُحْي ومُحْيِيَةٌ: لا يكادُ يموت لها ولد. وتقول: أتيتُ الأرضَ فأحييْتُها، إذا وجَدْتَها حَيَّةَ النّباتِ غَضَّة.

والأصل الآخَر: قولهم استحييت منه استِحياءً. وقال أبو زيد: حَيِيتُ مِنه أَحيا، إذا استحيَيْتَ. فأمَّا حَياء النّاقة، وهو فَرْجُها، فيمكن أن يكون من هذا، كأنَّه محمولٌ على أنَّه لو كان ممن يستحيي([1]) لكان يستحيي من ظهوره وتكشُّفه.

(حيث) الحاء والياء والثاء ليست أصلاً؛ لأنَّها كلمةٌ موضوعة لكلِّ مكانٍ، وهي مبهمة، تقول اقعد حيثُ شئت، وتكون مضمومة. وحكى الكسائي فيها الفتحَ أيضاً.

(حيد) الحاء والياء والدال أصلٌ واحد، وهو المَيْل والعُدول عن طريق الاستواء. يقال حادَ عن الشيء يَحِيدُ حَيْدَةً وحُيوداً. والحَيُودُ: الذي يَحِيد كثيراً، ومثله الحَيَدى على فَعَلى. قال الهذلي([2]):

أو أصْحَمَ حامٍ جَرامِيزَهُ *** حَزَابِيةٍ حَيَدَى بالدِّحالِ

  الحَيْد: النادر من الجَبَل، والجمع حُيُودٌ وأحياد. والحُيُود: حيود قَرْن الظَّبي، وهي العُقَد فيه، وكلُّ ذلك راجعٌ إلى أصل واحد.

(حير) الحاء والياء والراء أصلٌ واحد، وهو التردُّد في الشيء. من ذلك الحَيْرة، وقد حار في الأمر يَحِير، وتحيَّر يتحير. والحَيْرُ والحائِر: الموضع يتحيّر فيه الماء. قال قيس([3]):

تَخْطُو على بَرْدِيّتين غذاهُما *** غَدِق بساحَةِ حَائر يَعْبوبِ

  ويقال لكلِّ ممتلئٍ مستَحِيرٌ، وهو قياسٌ صحيح، لأنه إذا امتلأ تردّد بعضُه على بعض، كالحائر الذي يتردّد فيه [الماء] إذا امتلأ. قال أبو ذؤيب:

* واستحارَ شَبابُها([4]) *

(حيز) الحاء والياء والزاء ليس أصلا؛ لأن ياءه في الحقيقة واوٌ. من ذلك الحيِّز الناحية. وانحاز القوم، وقد ذكر في بابه.

(حيس) الحاء والياء والسين أصلٌ واحد، وهو الخليط. قال أبو بكر: حِسْتُ الحبْلَ إذا فتَلْتَه، أحِيسُه حَيْسا. وهذا أصلٌ لما ذكرناه، لأنه إذا فتلَه تداخلَت قواه وتخالَطت. والحَيْس معروفٌ، وهو من الباب، لأنه أشياء تُخْلَط. قال أبو عُبيدٍ فيما رواه، للذي أحدَقَتْ به الإماء من كل وجهٍ، محيوس. قال: شُبِّه بالحَيْس.

(حيص) الحاء والياء والصاد أصلٌ واحد، وهو المَيْل في جَوْرٍ وتلدُّد. يقال حَاصَ عن الحقِّ يَحِيص حَيْصاً، إذا جارَ. قال:

* وإنْ حاصَتْ عن المَوْتِ عامرُ([5]) *

ويَرْوُون:

* بميزانِ صِدْقٍ ما يَحِيص شعيرةً([6]) *

ومن الباب قولهم: وقَعُوا في حَيْص بَيْص، أي شدّة. قال الهُذلي:

قد كُنْتُ خَرّاجاً ولوجاً صَيْرفاً *** لم تَلْتَحِصْنِي حَيْصَ بَيْصَ لَحَاصِ([7])

  (حيض) الحاء والياء والضاد كلمة واحدة. يقال حاضَتْ السَّمُرَةُ إذا خرج منها ماءٌ أحمر. ولذلك سمِّيت النُّفَساء حائضاً، تشبيهاً لدمها بذلك الماء.

(حيط) الحاء والياء والطاء ليس أصلاً، وذلك أن أصله في الحِياطة والحِيطة والحائطِ كلَّه الواوُ. وقد ذُكر في بابه.

(حيف) الحاء والياء والفاء أصلٌ *واحد، وهو المَيْل. يقال [حاف] عليه يَحِيفُ، إذا مالَ. ومنه تحيفْتُ الشيءَ، إذا أَخذْتَه من جوانبه، وهو قياسُ الباب لأنه مال عَنْ عُرْضِه إلى جوانبه.

(حيق) الحاء والياء والقاف كلمةٌ واحدة، وهو نُزولُ الشيء بالشيء، يقال حاق به السُّوءُ يَحِيق. قال الله تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ المَكْرُ السَّـيِّئُ إلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر 43].

(حيك) الحاء والياء والكاف أصلٌ واحد، وهو جِنسٌ من المَشْي، يقال حاك هو يَحِيك في مَشْيه حَيَكاناً، إذا حرّك مَنْكِبَيه وجسدَه. ومنه الحَيْك،

وهو أخذُ القول في القَلْب. يقال ما يَحِيك كلامُك في فلانٍ. وإنما قلت إنه منه، لأنَّ المشْيَ أخْذٌ في الطريق الذي يُمشَى فيه.

ومن هذا الباب: ضرَبَه فما أحاك فيه السَّيف، إذا لم يأخُذْ فيه.

(حين) الحاء والياء والنون أصلٌ واحد، ثم يحمل عليه، والأصل الزمان. فالحِينُ الزَّمان قليلُه وكثيرُه. ويقال عامَلْتُ فلاناً [مُحَايَنَةً([8])]، من الحِين. وأحيَنْتُ بالمكان([9]): أقمتُ به حيناً. وحاز حِينُ كذا، أي قرُب. قال:

وإنَّ سُلُوِّي عن جميلٍ لَساعةٌ *** من الدّهر ما حانت ولا حان حِينُها([10])

  ويقال حَيَّنْتُ الشاة، إذا حَلَبْتَها مرة بعد مرة. ويقال حَيَّنْتُها جعلت لها حيناً. والتأفين: أن لا تجعل لها وقتاً تحلبُها فيه. قال المُخَبّل:

إذا أُفِنَتْ أرْوَى عِيالَكَ أَفْنُها *** وإن حُيِّنَت أربَى على الوَطْبِ حِينُها([11])

  وقال الفراء: الحِين حِينانِ، حينٌ لا يُوقَف على حَدِّه، وهو الأكثر، وحينٌ ذكره الله تعالى: {تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ} [إبراهيم 25]. وهذا محدودٌ لأنه ستّة أشهر.

وأما المحمول على هذا فقولهم للهلاك حَيْنٍ، وهو من القياس، لأنه إذا أَتَى. فلا بد له من حين، فكأنه مسمَّى باسم المصدر.

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "يستحق".

([2]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي، كما في اللسان ( صحم، جرمز، حزب، حيد). وقصيدته في شرح السكري للهذليين 180 ومخطوطة الشنقيطي 79.

([3]) يعني قيس بن الخطيم. والبيت في ديوانه 6. وعجزه في اللسان والتاج (عبب).

([4]) قطعة من بيت له في ديوانه 71 واللسان (حير). وتمامه:

ثلاثة أعوام فلما تجرمت *** تقضى شبابي واستحار شبابها

([5]) الشطر في المجمل (حيص).

([6]) صدر بيت لأبي طالب بن عبد المطلب. وقد أنشد هذا الصدر في اللسان (حصص): "ما يحص شعيرة". وفي السيرة 175: "لا يخيس". وفي الروض الأنف (1: 177): "لا يخس". وتمامه في الأخيرين:  * له شاهد من نفسه غير عائل *

([7]) سبق إنشاد عجزه في (بيص). والبيت لأمية بن أبي عائد الهذلي. انظر ما مضى في حواشي (بيص). وسيأتي في (لحص).

([8]) التكملة من المجمل.

([9]) في الأصل: "وأحنت المكان"، صوابه من المجمل واللسان.

([10]) البيت لبثينة صاحبة جميل. اللسان (حين). قال ابن بري: "لم يحفظ لبثينة غير هذا البيت".

([11]) البيت في اللسان (16: 158، 292)، وقد سبق بدون نسبة في (أفن).

 

 

ـ (باب الحاء والألف وما يثلثهما في الثلاثي)

اعلم أنّ الألِف في هذا الباب لا يخلو أن يكون من واوٍ أو ياء. والكلمات التي تتفرع في هذا الباب فهي مكتوبةٌ في أبوابها، وأكثرها في الواو، فلذلك تركنا ذِكرَها في هذا الموضع. والله تعالى أعلم.‏

 

 

ـ (باب الحاء والباء وما يثلثهما)

(حبج) الحاء والباء والجيم ليس عندي أصلاً يعوّل عليه ولا يُفَرّع منه، وما أدري ما صحّة قولهم: حَبَجَ العَلَمُ بَدَا، وحَبَجَت النارُ: بدَتْ بَغْتَةً. وحَبِجَت الإبل، إذا أكلت العَرفَج فاشتكت بطونَها، كلُّ ذلك قريبٌ في الضَّعف بعضُه مِن بعض. وأما حَبَجَ بها، فالجيم مبدلةٌ من قاف.

(حبر) الحاء والباء والراء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد، وهو الأَثرُ في حُسْنٍ وبَهاء. فالحَبَار: الأثَر. قال الشاعر([1]) يصف فرساً:

ولم يقلِّبْ أرضَها البَيْطارُ *** ولا لِحَبْليه بها حَبَارُ

 ثم يتشعَّب هذا فيُقال للذي يُكتَب به حِبرٌ، وللذي يَكتُب بالحبر حِبرٌ وحَبرٌ، وهو العالِم، وجمعه أحبار. والحَِبْر: الجمال والبهاء. ويقال ذو حَِبْرٍ وسَِبْرٍ. وفي الحديث: "يخرج من النار رجلٌ قد ذَهب حَِبْرُه وسَِبْرُه". وقال ابن أحمر:

لبِسْنا حِبْرَهْ حتى اقتُضِينا *** لأعمالٍ وآجالٍ قُضِينا([2])

  والمُحَبَّر: الشيء المزَيَّن. وكان يقال لطُفيلٍ الغنويِّ محبِّر؛ لأنه كان يحبّر الشعر ويزيِّنه.

وقد يجيء في غير الحُسْنِ أيضاً قياساً. فيقولون حَبِر الرجلُ، إذا كان بجلده قروحٌ فبرِئتْ وبقيت لها آثار. والحَِبْر([3]): صُفرة تعلُو الأسنان. وثوبٌ حَبِيرٌ من الباب الأول: جديدٌ حَسَن. والحَبْرَةُ: الفرح. قال الله تعالى: {فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ} [الروم 15]، ويقال قِدْحٌ مُحبَّر، أجيد بَرْيُه. وأرضٌ مِحبارٌ: سريعة النبات. والحَبِير من السحاب: الكثير الماء.

ومما شذَّ عن الباب قولهم: ما فيه حَبَرْبَرٌ، أي شيءٌ. والحُبَارَى: طائر ويقولون: "مات فلانٌ كَمَدَ الحُبَارَى" وذلك أنها تُلقِي ريشَها مع إلقاء سائر* الطيرِ ريشَه، ويُبطئ نباتُ ريشها. فإذا طار الطير ولم تَقْدِر هي على الطَّيران ماتت كَمَداً. قال:

وزَيدٌ ميِّتٌ كَمَد الحُبارَى *** إذا ظعنت هُنَيْدةُ أو مُلِمُّ([4])

  أي مقاربٌ. وقال الراعي في الحُبارى:

حلفتُ لهم لا يحسبون شَتِيمَتِي *** بعَيْنَيْ حُبارَى في حِبالةِ مُعْزِبِ([5])

رأتْ رجلاً يسعى إليها فحملقَتْ *** إليه بمَأْقي عينها المتقلِّبِ

تنوشُ برجليها وقد بَلّ ريشَها *** رَشاشٌ كغِسْلِ الوفرة([6])

  المُعْزِب([7]): الصائد؛ لأنه لا يأوي إلى أهله. وحَمْلقَتْ: قَلَبت حملاقَ عينِها. والمعنى أن شتمكم إيّاي لا يذهب باطلاً، فأكون بمنزلةِ الحبارى التي لا حيلة عندها إذا وقعت في الحِبالة إلا تقليبُ عينها. وهي من أذَلّ الطير. وتنوشُ برجليها: تضربُ بهما. والغِِسْل: الخِطمى. يريد سلحَتْ على ريشها. ومثلُه قول الكُميت:

وَعِيدَ الحُبارَى من بعيدٍ تنفَّشت *** لأزرقَ مَعْلولِ الأظافير بالخَضْبِ([8])

  (حبس) الحاء والباء والسين. يقال حَبَسْتُه حَبْساً. والحَبْس: ما وُقِف. يقال أَحْبَسْتُ فرساً في سبيل الله ([9]). والحِبْسُ: مَصنعةٌ للماء، والجمع أحباس.

(حبش) الحاء والباء والشين كلمةٌ واحدة تدلُّ على التجمُّع. فالأحابيشُ: جماعات يتجمَّعون من قبائلَ شتَّى. قال ابن رَوَاحةَ:

وجئنا إلى موجٍ من البحر زاخرٍ *** أحابِيشَ منهم حاسرٌ ومُقَنَّعُ([10])

  (حبص) الحاء والباء والصاد ليس أصلاً. ويزعمون أنّ فيه كلمةً واحدة.

ذكر ابن دريد([11]): حَبَصَ الفَرَسُ، إذا عدا عدْواً شديداً.

(حبض) الحاء والباء والضاد أصلان: أحدهما التحرّك، والآخَرَ النقص.

فالحَبَضُ: التحرُّك، ومنه الحابض، وهو السَّهم الذي يقع بين يدي رامِيهِ، وذلك نقصانه على الغرض([12]). ويقال حَبَضَ ماءُ الرّكِيَّة: نَقَص.

ويقال من الثاني: أحْبَض فلانٌ بِحقِّي إحباضاً، أي أبطله. وأمَّا المحابض، وهي المَشاوِر: عيدانٌ تُشْتار بها العَسَل([13])، فممكن أن يكون من الأول. قال ابن مُقبِل:

كأنَّ أصواتَها من حيثُ تسمعُها *** صَوْتُ المحابض ينْزعِن المَحارينا([14])

  (حبط) الحاء والباء والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بطلانٍ أو ألَمٍ. يقال: أحبط اللهُ عملَ الكافر، أي أبطله.

وأمّا الألَم فالحَبَط: أن تأكل الدَّابةُ حَتَّى تُنْفَخ لذلك بطنُها. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "إنّ مما يُنبِت الرَّبيعُ ما يقتُل حَبَطاً أو يُلِمّ".

وسُمِّي الحارثُ الحَبَِطَ([15]) لأنّه كان في سفرٍ؛ فأصابه مثلُ هذا. وهم هؤلاء الذين يُسَمَّوْن الحَبِطَاتِ من تميم.

ومما يقرب من هذا الباب حَبِطَ الجِلدُ، إذا كانت به جراحٌ فَبَرَأت وبقيتْ بها آثارٌ.

(حبق) الحاء والباء والقاف ليس عندي بأصلٍ يُؤخَذُ به ولا معنى له. لكنهم يقولون حبَّق متاعَه، إذا جمعه. ولا أدري كيف صحَّتُه.

(حبك) الحاء والباء والكاف أصل منقاسٌ مطّرِد؛ وهو إحكام الشَّيء في امتدادٍ واطِّراد. يقال بعيرٌ مَحْبُوكُ القَرَى، أي قويُّه. ومن الاحتباك الاحتباء، وهو شد الإزار؛ وهو قياس الباب.

وحُبُك السماء في قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْحُبُكِ} [الذاريات 7]، فقال قومٌ: ذاتِ الخَلْق الحَسن المُحْكَم. وقال آخرون: الحُبُك الطرائق، الواحدة حَبِيكة. ويراد بالطّرائِق طرائِق النُّجوم.

ويقال كساءٌ مُحَبَّكٌ، أي مخطَّط.

(حبل) الحاء والباء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتداد الشيء. ثمّ يحمل عليه، ومَرْجِع الفروع مرجعٌ واحد. فالحبل الرَّسَن، معروف، والجمع حِبال. والحبل: حبل العاتق. والحَبل: القطعة من الرّمل يستطيل.

والمحمول عليه الحَبْل، وهو العهد. قال الأعشى:

وإذا تُجَوِّزها حبالُ قبيلةٍ *** *أخذت من الأخرى إليك حبالَها([16])

  ويريد الأمانَ وعُهودَ الخََُِفارة. يريد أنّه يُخفَر من قبيلةٍ حتّى يصل إلى قبيلةٍ أخرى، فتخفر هذه حتّى تبلغ. والحِبالة: حِبالة الصائد. ويقال احتَبَلَ الصّيدَ، إذا صادَهُ بالحبالة. قال الكميت:

ولا تجعلوني في رجائِيَ وُدَّكُمْ *** كَراجٍ على بيض الأنوق احتبالَها([17])

  لا تجعلوني كَمنْ رجا مَن لا يكون؛ لأنّ الرخَمَة لا يُوصَل إليها، فمَنْ رجا أن يَصِيدَها على بيضها فقد رجا ما لا يكون.

وأمّا قول لبيد:

ولقد أغْدُو وما يُعْدِمُني *** صاحبٌ غَيْرُ طويلِ المحْتَبَلْ([18])

  فإنّه يريد بمحتَبَلِهِ أرساغَه، لأنّ الحبلَ يكون فيها إذا شُكِلَ.

ويقال للواقف مكانَه لا يفرّ. "حَبِيلُ بَرَاحٍ"، كأنّه محبولٌ، أي قد شُدّ بالحِبال. وزعم ناسٌ أنّ الأسدَ يقال له حَبِيلُ بَرَاحٍ.

ومن المشتق من هذا الأصلِ الحِبْل، بكسر الحاء، وهي الداهية. قال:

فلا تَعْجَلِي يا عَزَّ أنْ تتفهَّمِي *** بنُصْحٍ أتَى الواشونَ أم بِحُبولِ([19])

  ووجْهُهُ عندي أنّ الإنسان إذا دُهِي فكأنّه قد حُبِل، أي وقع في الحِبالة، كالصَّيد الذي يُحبَل. وليس هذا ببعيدٍ.

ومن الباب الحَبَل، وهو الحَمْل، وذلك أن الأيّام تَمْتَدُّ به. وأمّا الكَرْم فيقال له حَبْلة وحَبَلَة، وهو من الباب، لأنه في نباتِهِ كالأرشية. وأما الحُبْلَة فثمر العِضاه. وقال سعد بن أبي وقّاص: "كنا نَغزُو مع النبيِّ صلى الله عليه وآله وسلم وما لنا طعامٌ إلاّ الحُبْلَة وورق السَّمُر". وفيما أحسب أنّ الحُبْلَة، وهي حَلْي يُجعَل في القلائد، من هذا، ولعلَّه مشبَّه بثمرِهِ. قال:

ويَزِينها في النَّحر حَلْيٌ واضِحٌ *** وقلائدٌ من حُبْلَةٍ وسُلوسِ([20])

  (حبن) الحاء والباء والنون أصلٌ واحدٌ، فيه كلمتان محمولةٌ إحداهما على الأخرى. فالحِبْن كالدُّمَّل في الجَسد، ويقال بل الرّجُل الأحْبَن الذي به السِّقْي([21]). والكلمة الأُخْرى أمُّ حُبَيْن، وهي دابّة قدرُ كفِّ الإنسان.

(حبو) الحاء والباء والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو القُرْب والدنُوّ؛ وكل دانٍ حابٍ. وبه سُمِّي حَبِيُّ السَّحاب، لدنُوِّه من الأفق. ومن الباب حبَوْتُ الرّجلَ، إذا أعطيتَه حُبْوة وحِبْوة، والاسم الحِباء. وهذا لا يكون إلا للتألُّف والتقريب. ومنه احتَبَى الرّجُل، إذا جَمَع ظَهْرَه وساقَيه بثوبٍ، وهي الحِبوة والحُبْوة أيضاً، لغتانِ. والحابي: السهم الذي يزحَفُ إلى الهَدَف. والعرب تقول: حبَوْت للخَمْسِينَ، إذا دنوتَ لها. وذكر الأصمعيُّ كلمةً لعلها تبعُد في الظاهر من هذا الأصل قليلاً، وليست في التحقيق بعيدة قال: فلان يَحْبُو ما حَوْلَه، أي يحميه ويَمنعُه. قال ابنُ أحمر:

وراحَتِ الشَّوْلُ ولم يَحْبُها *** فَحْلٌ ولم يَعْتَسَّ فيها مُدِرّْ([22])

  ويقال، وهو القياس المطَّرِد، إنّ الحِبَى مقصور مكسور الحاء: خاصّةُ المَلِك، وجمعه أحْبَاء. وقال بعضهم: بل الواحد حَبَأٌ مهموز مقصور. وسمي بذلك لقُربه ودُنُوِّه. فلم يُخْلِفْ من الباب شيءٌ. والله أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) الأولى أن يقول "الراجز"، وهو حميد الأرقط، كما في اللسان (حبر). وانظر ما سيأتي في "قلب".

([2]) البيت في المجمل واللسان (حبر).

([3]) يقال بالفتح والكسر وبكسرتين.

([4]) لأبي الأسود الديلي كما في الحيوان (5: 445). وانظر الأغاني (11: 117) واللسان

(5: 232).

([5]) في الأصل: "المغرب"، والسباق يقتضي ما أثبت.

([6]) كذا ورد البيت منقوصاً.

([7]) في الأصل: "المغرب"، تحريف.

([8]) البيت في الحيوان (5: 452).

([9]) يقال حبسه وأحبسه وحبسه بالتشديد، اللسان والقاموس.

([10]) البيت في المجمل (حبش).

([11]) الجمهرة (1: 223).

([12]) كذا. ولها وجه.

([13]) في اللسان: "والعرب تذكر العسل وتؤنثه. وتذكيره لغة معروفة والتأنيث أكثر".

([14]) البيت في اللسان (حبض، حرن)، وسبق عجزه في (حرن).

([15]) هو الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم. انظر اللسان (9: 141) حيث تجد مع هذا قولاً آخر في الحبطات.

([16]) ديوان الأعشى 24 والمجمل واللسان (جعل).

([17]) في الأصل: "ولا تحبكوني"، صوابه في الحيوان (7: 20) ونهاية الأرب (10: 208).

([18]) ديوان لبيد 14 طبع 1881 واللسان (حبل). وأعدمني الشيء: لم أجده.

([19]) البيت لكثير، كما في المجمل واللسان (حبل).

([20]) البيت لعبد الله بن سليم الغامدي، كما في اللسان (سلس، حبل)، وانظر المفضليات (1: 114). وفي الأصل: "ويزينه"، صوابه من المجمل واللسان. وعجزه في (سلس).

([21]) السقي، بالفتح والكسر: ماء أصفر يقع في البطن.

([22]) لم يعتس فيها مدر: أي لم يطف فيها حالب يحلبها. وفي الأصل: "ولم يغلس"، صوابه في المجمل واللسان (حبا).

 

 

ـ (باب الحاء والتاء وما يثلثهما([1]))

(حتر) الحاء والتاء والراء أصلانِ: أحدهما إطافةُ الشيء بالشيء واستدارةٌ مِنه حَوْلَه، والثاني تقليلُ شيءٍ وتزهيدُه.

فالأوّل الحَتَارُ: ما استدار بالعَين من باطن الجَفْن، وجمعه حُتُرٌ. وحَتَار الظُّفْر: ما أحاط به. ومن الباب الحَتَار، وهو هُدْب الشِّقّة وكِفَّتها، والجمع حُتُر. قال أبو زيدٍ الكلابيُّ: الحُتُر ما يُوصَل بأسفل الخِباء إذا ارتفع عن الأرض وقَلَصَ ليكونَ سِتْرا. ويقال حَتَرْتُ البيتَ. وقال بعض أهل اللغة: الحتر تحديق العين عند النظر إلى الشَّيء([2]). وقال حَتِرَ يحتِرِ حَتْراً؛ وهو قياس الباب. ومن الباب أحْتَرْتُ العُقْدةَ، إذا أحكمتَ عقْدَها *وهو من الأوّل؛ لأنّ العَقْد لا يكون إلاّ وقد دار شيءٌ على شيء.

والأصل الثاني: أحترتُ القَومَ ولِلقومِ، إذا فَوَّتَّ عليهم طعامَهم. قال الشنفرى:

وأُمَُِّ عِيالٍ قد شهدْتُ تقُوتُهم *** إذا أطعَمَتْهم أحْتَرَتْ وأقلّتِ([3])

  ويقال الحُتْرَة الوَكِيرة([4]). يقال حَتِّرْ لنا. وليس ببعيد؛ لأنَّ الوَكيرة أقلُّ الولائم والدّعوات. ويقولون: إنّ الحَتْرَة رضْعَة([5]). ويقولون: ما حَتَرْتُ اليومَ شيئاً أي ما ذُقْت. قال الشاعر:

أنتمُ السّادة الغُيوث إذا البا *** زِلُ لم يُمْسِ سَقْبُها محتُورا([6])

  يقول: لم يكن لها لبنٌ كثير، ولا لها لبنٌ قليل ترضعُه سَقْبَها.

(حتأ) الحاء والتاء والهمزة كلمةٌ واحدة ليست أصلاً، وأظنُّها من باب الإبدال وأنها مبدلة من كافٍ. يقولون أَحْتَأْتُ الثَّوبَ إحتاءً، إذا فَتَلْتَه([7]). ظناً أنه من الإبدال([8]) فمن أحكَأْت العُقدة. وقد مضى تفسير ذلك. ويقول…

(حتم) الحاء والتاء والميم، ليس عندي أصلاً، وأكثر ظنِّي أنه أيضاً من باب إبدال التاء من الكاف، إلاّ أنّ الذي فيه من إحكام الشيء. يقال: حتم عليه، وأصله على ما ذكرناه حَكَم، وقد مضى تفسيره.

والحاتم: الذي يقضي الشَّيء. فأمّا تسميتُهم الغُرَابَ حاتِماً فمن هذا، لأنهم يزعمون أنه يَحتِم بالفراق. وهو كالحُكْم منه. قال:

ولقد غَدَوْتُ وكنتُ لا *** أغْدُو على وَاقٍ وحاتِمْ([9])

  وفي الباب كلمةٌ أخرى ويقرب أيضاً من باب الإبدال. ويقولون الحُتَامة: ما بقي من الطَّعام على المائدة - وهذا عندي من باب الطاء لأنّه شيءٌ لا يتحَتَّم([10]) أي يتفتَّت ويتكسَّر. وقد مرَّ تفسيرُه.

(حتد) الحاء والتاء والدال أصلٌ واحد، وهو استِقرار الشَّيءِ وثباتُهُ. فالحَتْد: المُقَام بالمَكَان. حَتَد يَحْتِد. ومنه المَحْتِدُ، وهو الأصل؛ يقال: هو في مَحتِدِ صِدق. والحُتُد: العين لا ينقطع ماؤُها، وهو قياس الباب.

(حتن) الحاء والتاء والنون أصل واحد يدلُّ على تساوي الأشياء. فالحَتِن: القِرْن؛ يقال هما حَِتْنان أي سِيَّان. وتَحَاتَنُوا، إذا تساوَوْا. ويقال وقعت النَّبْلُ في الهدَف حَتَْنَى. على فَعَْلََى، إذا تقاربَتْ مواقِعُها. وكل شيء لا يخالف بعضُه بعضاً فهو محتَتِنٌ.

(حتف) الحاء والتاء والفاء كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها؛ وذلك أنّه إلا يُبنى منها فِعل، وهو الحَتْف، وجمعه حُتوف، وهو الهلاك.

(حتل) الحاء والتاء واللام ليس هو عندي أصلاً، وما أحُقُّ أيضاً ما حكَوْه فيه، وهو يدلُّ على القِلَّة والصِّغر. يقولون: الحَوْتَل الغلام حين يُرَاهِق([11]). ويقولون: لِفراخ القطا حَوْتَل. وهذا عندي تصحيفٌ، إنما هو حَوْتك بالكاف، وقد ذُكِر. ويقال حَتَلَ له: أعطاه. وليس بشيء.

(حتك) الحاء والتاء والكاف يدلُّ على مقاربةٍ وصِغَر. فالحَتْك: أن يقارب الخَطْو ويُسرِع رَفْع الرِّجل ووضْعَها. وهو صحيح من الكلام معروفٌ. ويُبْنَى منه الحَتَكان، وهو غير الحَيَكان. والحواتِك: صغار النَّعام. والحوتك: القصير.

(حتو) الحاء والتاء والحرف المعتل بعده أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على شدَّةٍ. فالحَتْو: العَدْوُ الشديد، يقال حتا يحتو حَتْواً. والحَتْو: كفُّكَ هُدْبَ الكِساء، تقول حَتَوْتُه. فأمّا الحَتِيُّ فيقال: إنّه سَويق المُقْلِ، وهو شاذ. وقد يجوز أن يُقْتَاسَ([12]) لـه بابٌ فيه بعض الخُشونة. قال الهذلي([13]):

لا دَرَّ درِّيَ إنْ أطعمْتُ نازلَكُم *** قِرْفَ الحَتِيِّ وعندي البرُّ مكنُوزُ

ـــــــــــــــــــ

([1]) وردت مواد هذا الباب غير منسوقة على النسق الذي جرى عليه.

([2]) لم يرد هذا المعنى في المعاجم المتداولة، إلا في الجمهرة (2: 3). وذكر في فعله يحتِر ويحتُر بكسر التاء وضمها.

([3]) البيت في اللسان (حتر)، وذكره بدون نسبة في المجمل. وقصيدة الشنفرى في المفضليات

(1: 106-110).

([4]) هي طعام يصنع عند بناء البيت.

([5]) في اللسان: "الرضعة الواحدة". وفي المجمل: "ويقال إن الحترة رضعة كافية".

([6]) البيت في المجمل (حتر).

([7]) في المجمل: "إذا فتلته فتل الأكسية".

([8]) كذا وردت هذه العبارة.

([9]) البيت للمرقش. وانظر تحقيق نسبته في حواشي الحيوان (3: 436) واللسان (حتم).

([10]) في الأصل: "عظيم"، والوجه ما أثبت. انظر اللسان (حتم 4).

([11]) لم يذكر في اللسان. وذكر في القاموس.

([12]) في الأصل: "يقتلس".

([13]) البيت للمتنخل الهذلي، كما في القسم الثاني من أشعار الهذليين 87 ونسخة الشنقيطي من الهذليين 46. وانظر باقي الكلام على نسبته في حواشي الحيوان (5: 285).

 

 

ـ (باب الحاء والثاء وما يثلثهما)

(حثر) الحاء والثاء والراء أصلٌ واحد، يدلُّ على تَحَبُّبٍ في الشيءِ وغِلَظ. ويقال حَثِرَتْ عَيْنُ الرجل حَثَراً، إذا غَلُظَتْ أجفانُها مِن بكاءٍ([1]) أو رَمد. وحَثِرَ العَسَل، إذا تحبَّبَ. والحَوْثَرَة: بعضُ أعضاءِ *الرَّجُل([2]). وليس من قياس الباب. والحواثر: قومٌ من عبد القيس. وحُثارة التّبْنِ: حُطامه.

([حثو/ي]) الحاء والثاء والحرف المعتل يدل على ذَرْو الشَّيءِ الخَفيف السبيح([3]). من ذلك الحَثَا، وهو دُقاق التِّبْن. قال:

وأغبَرَ مَسْحولِ التُّرَابِ تَرَى له *** حَثاً طردَتْه الرِّيح من كل مَطْرَد

  وقال الراجز:

* كأنّه غِرارَةٌ مَلأَى حَثَا([4]) *

ويقال حَثَا التُّرابَ يَحْثُوه. قال:

الحُصْنُ أدْنَى لو تريدِينَه *** من حَثْوِكِ التُّربَ على الراكبِ([5])

  ويقال حَثَى يَحْثِي حَثْياً. وهو أفصح. قال:

* أَحْثِي على دَيْسَمَ مِن جَعْدِ الثَّرى([6]) *

ويقال أرضٌ حَثْواء: حثيرة التّراب.

(حثل) الحاء والثاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على سُوء وحَقَارة. فحُثالة البُرِّ: ردِيُّه. وحُثالة الدُّهن وما أشبهه: ثُفْلُهُ. والمُحْثَل: السيِّئ الغِذاء. قال متمم:

وأرْمَلَةٍ تمشِي بأشْعَثَ مُحْثَلٍ *** كفَرخ الحُبارَى رأسُه قد تَصَوَّعا([7])

  شبَّهه بفرخ الحُبارَى لأنه قبيحُ المنظر منَتَّفُ الرِّيش.

(حثم) الحاء والثاء والميم يدلُّ على شدّةٍ. فالحَثْمَة: الأكَمَة، وبها سمِّيت حجر

المرأة "حَثْمة". وقال بعضُ أهل اللُّغة: حثَمتُ الشَّيءَ حثْماً: دلكتُه([8]).

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "من كل بكاء".

([2]) هي الحشفة، رأس الذكر.

([3]) كذا ورد في الأصل.

([4]) البيت من أبيات أربعة في اللسان (حثا) بدون نسبة. ونسب في ديوان الشماخ 107 إلى الجليج ابن شميذ.

([5]) المعروف في روايته، كما في المجمل واللسان (حثا، حصن): "لو تآييته". تآييته: قصدته.

([6]) أنشده في المجمل. وكذا أنشده ابن دريد في الجمهرة (2: 265)، ونقله عنها في اللسان محرفاً. وديسم: اسم من الأسماء، ترك صرفه للشعر.

([7]) البيت في اللسان (حثل) والمفضليات (2: 66).

([8]) قاله ابن دريد في الجمهرة (2: 35)، وقال: "وليس بثبت".

 

 

ـ (باب الحاء والجيم وما يثلثهما)

(حجر) الحاء والجيم والراء أصل واحد مطَّرد، وهو المنْع والإحاطة على الشيء. فالحَجْر حَجْر الإنسان، وقد تكسر حاؤه. ويقال حَجَر الحاكمُ على السَّفيه حَجْراً؛ وذلك منْعُه إيَّاه من التصرُّف في ماله. والعَقْل يسمَّى حِجْراً لأنّه يمنع من إتيانِ ما لا ينبغي، كما سُمِّي عَقْلاً تشبيهاً بالعِقال. قال الله تعالى: {هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر 5]. وحَجْرٌ: قصبَة اليمامة.

والحَجَر معروف، وأحسَِب أنَّ البابَ كلَّه محمولٌ عليه ومأخوذ منه، لشدَّته وصلابته. وقياسُ الجمْع في أدنى العدد أحجار، والحجارة أيضاً له قياس، كما يقال: جمل وجِمالة، وهو قليل. والحِجْر: الفرس الأنثى؛ وهي تصانُ ويُضَنُّ بها. والحاجرُ: ما يُمْسك الماءَ من مكانٍ منْهَبِط، وجمعه حُجْرانٌ([1]). وحَجْرة القوم: ناحية دارهم وهي حِماهُم. والحُجْرة من الأبنية معروفة. وحجَّر القَمَرُ، إذا صارت حولَه دارةٌ.

ومما يشتقُّ من هذا قولهم: حَجَّرْتُ عينَ البعير، إذا وسمْتَ حولَها بميسمٍ مستدير. ومَحْجِر العَين: ما يدور بها، وهو الذي يظهر من النِّقاب. والحِجْر: حطِيم مَكَّة، هو المُدَار بالبيت. والحِجْر: القرابة. والقياس فيها قياس الباب؛ لأنها ذِمامٌ وذِمارٌ يُحمَى ويُحفَظ. قال:

يُرِيدُونَ أن يُقْصُوهُ عَنِّي وإنّه *** لَذُو حَسَبٍ دانٍ إليّ وذو حِجْرِ([2])

  والحِجْر: الحرام. وكان الرجل يَلقَى الرجلَ يخافُه في الأشهُر الحُرُم، فيقول: حِجْراً؛ أي حراما؛ ومعناه حرامٌ عليك أن تنالَني بمكروه، فإذا كان يومُ القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب فيقولون: {حِجْراً مَحْجُوراً} [الفرقان 22]، فظنُّوا أنّ ذلك ينفعهم في الآخرة كما كان ينفعهُم في الدُّنيا. ومن ذلك قول القائل:

حَتى دَعَوْنا بأَرحامٍ لهم سَلَفَتْ *** وقال قائلُهم إنِّي بحاجُورِ([3])

  والمحاجر: الحدائق: واحدها مَحْجِر. قال لبيد:

* تُرْوِي المَحَاجِرَ بازلٌ عُلْكومُ([4]) *

(حجز) الحاء والجيم والزاء أصلٌ واحدٌ مطَّرد القياس، وهو الحَوْلُ بين الشيئين. وذلك قولهم: حَجَزْتُ بين الرجلين وذلك أن يُمنَع كلُّ واحدٍ منهما مِن صاحبه. والعرب تقول "حَجَازَيْك" على وزن حَنانَيْك، أي احْجُِزْ بينَ القوم وإنما سمِّيت الحجازُ حجازاً لأنها حَجَزَت بين نجدٍ والسَّراة. وحُجْزَة الإزار: مَعْقِده. وحُجْزة السراويل: موضع التِّكَّة. وهذا على التَّشبيه والتمثيل، كأنه حجز بين الأعلى والأسفل. ويقال: "كانت بينَ القوم رِمِّيَّا* ثم صارت إلى حِجِّيزَى"، أي ترامَوْا  ثم تحاجَزُوا. فأما قول القائل:

رِقاقُ النِّعال طيِّبٌ حُجُزَاتُهُمْ *** يُحَيَّوْنَ بالرِّيحانِ يومَ السباسبِ([5])

  وهي جمع حُجْزة، كنايةٌ عن الفُروج، أي إنهم أَعِفّاء.

(حجف) الحاء والجيم والفاء كلمةٌ واحدة لا قياس، وهي الحَجَفَة، وهي الترس الصَّغير يُطارَق بين جِلْدين وتُجعَل منهما حَجَفة. والجَمْع حَجَفٌ. قال:

أيمنَعُنا القومُ ماءَ الفرات *** وفينا السُّيوفُ وفينا الحَجَفْ([6])

  (حجل) الحاء والجيم واللام ليس يتقارَبُ الكلامُ فيه إلا من جهةٍ واحدة فيها ضعف، يقال على طريقة الاحتمال والإمكان إنه شيءٌ يطيف بشيء. فالحِجْل الخَلْخال، وهو مُطِيفٌ بالسَّاق. والحَجَلة: حَجَلة العَرُوس. ومرّ فلانٌ يَحْجُِلُ في مِشْيته، أي يَتبختر. وهو قياسُ ما ذكرناه، كأنه يُدور على نفْسه. وتحجيل الفَرَس: بياضٌ يُطيف بأرساغه. والحَوْجلَة: القارورة. قال الراجِز([7]):

كأنَّ عينَيْهِ من الغُؤُورِ ***

قَلْتَانِ في صَفْحِ صَفاً منْقُورِ

أذاكَ أم حَوْجَلَتَا قَارُورِ

 وقال علقمة:

* كأَنَّ أعيُنَها فيها الحواجيلُ([8]) *

ومما شذّ عن الباب الحَجَلُ، هذا الطائر. ومن الباب قول الأصمعيّ: حجَّلت العينُ: غارت.

(حجم) الحاء والجيم والميم أصلٌ واحد، وهو ضربٌ من المنْع والصَّدْف([9]). يقال أحجَمْتُ عن الشيء، إذا نكَصْتَ عنه. وحُجِمَ البعيرُ، إذا شُدَّ فمُه بأدَمٍ ولِيف.

ومما شذَّ عن الباب الحَوْجَمَة: الوردة الحمراء، والجمع حَوْجَم. والحَجْم: فِعل الحاجم.

(حجن) الحاء والجيم والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مَيَل. فالحَجَن اعوجاجُ الخشبة وغيرها. والمِحْجَن: خشبةٌ أو عصا معَقّفة الرأس. واحتجَنْتُ بها الشيءَ: أخَذْتُه. ويقال للمخاليب المعقّفة حَجِنات. قال العجّاج:

* بحَجِناتٍ يتثَقَّبْن البُهَرْ([10]) *

وهي الأوساط. وأَحْجَنَ الثُّمام: خرجت خُوصَتُه؛ ولعلَّها تكونُ حَجْناء. واحتجَنْتُ الشيءَ لنفسي، وذلك إمالتُك إيّاه إلى نَفْسك. ويقولون: احتجن عليه حَجْنة، كما يقال حَجَرَ عليه.

ومن الباب قولهم غَزْوةٌ حَجُونٌ، وذلك إذا أظهرْتَ غَيْرَها ثم مِلْتَ إليها([11]). ويقال غزاهم غَزْواً حَجُوناً.

(حجا) الحاء والجيم والحرف المعتل أصلان متقاربان، أحدهما إطافةُ الشيءِ بالشيء وملازمتُه، والآخر القصد والتعمُّد.

فأما الأول فالحَجْوَةُ وهي الحَدَقة، لأنها مِن أَحْدَقَ بالشيء. ويقال لنواحي البلاد وأطرافِها المحيطةِ بها أَحْجاءٌ قال ابنُ مُقْبِل:

لا يحْرِز المرءَ أَحْجاءُ البلادِ ولا *** يُبنَى له في السَّمواتِ السّلاليمُ([12])

  ومحتملٌ أن يكون من هذا الباب الحَجَاة، وهي النُّفَّاخة تكون على الماء من قَطْر المطر، لأنها مستديرة.

والأصل الثاني قولهم: تحجَّيت الشيءَ، إذا تحرَّيْتَه وتعمّدتَه. قال ذو الرمة:

* فجاءَتْ بأغْباشٍ تَحَجَّى شَرِيعةً([13]) *

ويقولون حَجِيتُ بالمكان وتحجَّيت به. قال:

* حيث تَحَجّى مُطرِقٌ بالفالِقِ([14]) *

والحَجْوُ بالشيء: الضَّنُّ به؛ يقال حَجِئتُ به أي ضَنِنْت. وبه سمِّي الرجل حَجْوة. وحَجَأت به: فرحت. وقد قلنا إنّ البابين متقاربان، والقياس فيهما لمن نَظَرَ قياسٌ واحد.

فأمّا الأُحجِيَّة والحُجَيَّا، وهي الأُغلُوطة يتعاطاها الناس بينهم، يقول أحدهم: أُحاجيك ما كذا؛ فقد يجوز أن يكون شاذّاً عن هذين الأصلين، ويمكن أن يُحمَل عليهما، فيقال أحاجيك، أي اقصُدْ وانظُرْ وتعمَّد لِعِلم ما أسألك عنه.ومنه أنتَ حَجٍ أن تفعل كذا، كما تقول حرِيٌّ.

(حجب) الحاء والجيم والباء أصل واحد، وهو المنع. يقال حجبته عن كذا، أي منَعتُه. وحِجابُ الجَوْف: ما يَحْجُبُ بين الفُؤاد وسائر الجَوْف. والحاجبان العظمان فوق العينين بالشّعَْر واللّحم. *وهذا على التشبيه، كأنهما تحجبان شيئاً يصل إلى العينين. وكذلك حاجبُ  الشّمس، إنما هو مشبَّهٌ بحاجب الإنسان. وكذلك الحَجَبة: رأس الوَرِك، تشبيهٌ أيضاً لإشرافِهِ.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "حجرات".

([2]) البيت لذي الرمة في ديوانه 260 واللسان والمجمل (حجر). لكن رواية الديوان: "فأخفيت شوقي من رفيقي". وفي الديوان واللسان: "لذو نسب".

([3]).البيت في المجمل واللسان (حجر).

([4]) سيعيده في ص362. وصدره كما في ديوانه 94 واللسان (حجر).

* بكرت به جرشية مقطورة *

وفي الأصل: "بلوى المحاجر"، صوابه في المجمل واللسان والديوان.

([5]) للنابغة في ديوانه 9 واللسان (حجز، سبسب). والسباسب: يوم عيد عند النصارى. وفي الأصل: "السبائب"، تحريف.

([6]) البيت من أبيات رواها نصر بن مزاحم في وقعة صفين 184.

([7]) هو العجاج. ديوانه 27 واللسان (حجل).

([8]) لم يرد في ديوان علقمة. وأنشده في اللسان (حجل) بدون نسبة.

([9]) يقال صدف عن الشيء يصدف صدفاً وصدوفاً.

([10]) ديوان العجاج 17.

([11]) في اللسان: "الغزوة الحجون: التي تظهر غيرها ثم تخالف إلى غير ذلك الموضع وتقصد إليها".

([12]) البيت في المجمل واللسان (حجا).

([13]) في الديوان: 536: "تحرى شريعة". وعجزه كما في الديوان واللسان (حجا):

* تلادا عليها رميها واحتبالها *

([14]) الفالق: اسم موضع. والبيت لعمارة بن أيمن الربائي، كما في اللسان (حجا 181). وقد أنشده في نهاية مادة (فلق) بدون نسبة.

 

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف)

وقد مضى فيما تقدم من هذا الكتاب أنّ الرباعيَّ وما زاد يكون منحوتاً، [و] موضوعاً كذا وضعاً من غير نحت.

فمن المنحوت من هذا الباب (الحُرْقُوف): الدابة المهزول، فهذا من حرف وحقف. أمّا الحَرْف فالضَّامر مِن كلِّ شيء، وقد مرَّ تفسيره. وأما حقف فمنه المُحْقَوْقِف، وهو المنحنِي، وذلك أنَّه إذا هُزِلَ احدَوْدَب، كما يقال في الناقة إذا كانت تلك حالها حَدْباءُ حِدْبار.

ومنه (الحُلْقُوم) وليس ذلك منحوتاً ولكنّه مما زيدت فيه الميم، والأصْل الحلْق، وقد مرَّ. والحَلْقَمة: قطع الحُلْقُوم.

ومنه (المُحَلْقِنُ) من البُسْر، وذلك أنْ يبلُغ الإرطاب ثلُثَيْه. وهذا ممّا زِيدت فيه النون، وإنما هو من الحَلْق، كأنّ الإرْطاب إذا بلغ ذلك الموضعَ منه فقد بَلَغَ إلى حَلْقِه. ويقال له الحُلْقَان، الواحدة حُلْقَانة.

ومنه (حَرْزَقْتُ)([1]) الرّجلَ: حبستُه، وهذا منحوتٌ من حَزَقَ وحَرَزَ، من قولهم أحرزت الشيء فهو حريز. والحَزْقُ فيه ضربٌ من التشديد، كما يقال حَزَقْتُ الوَتَرَ وغيرَه. قال الأعشى:

* بِسَاباطَ حتَّى ماتَ وهو مُحَرْزَقُ([2]) *

ومنه (الحبجر([3]))، وهو الوتر الغليظ، ويقال في غير الوتر أيضاً، والحاء فيه زائدة، وإنما الأصل الباء والجيم والراء. وكلُّ شديد عظيمٍ بَجْرٌ وبُجْر. وقد مَرَّ.

ومنه (الحِسْكل): الصِّغار مِن كلِّ شيء. وهذا ممّا زِيدت فيه الكاف، وإنما الأصل الحِسْل. يقال لولد الضبِّ حسْل.

ومنه (الحَقَلَّد([4]))، وهو البخيل الشديد، واللام فيه زائدة. وهو من أحقد القومُ، إذا لم يصِيبوا من المَعْدِن شيئاً. ويقال الحَقَلّدُ الآثِم([5]). فإن كان كذا فاللام أيضاً زائدة، وفيه قياسٌ من الحِقْد، والله أعلم.

ومنه (الحَذْلَقة)، وأظنُّها ليست عربيةً أصلية، وإنما هي مولَّدة واللام فيها زائدة. وإنما أصله الحِذْق. والحَذْلقة: ادّعاء الإنسان أكثَرَ مما عنده، يريد إظهار حِذْق بالشيء.

ومن ذلك (احرَنْجَمَت) الإبل، إذا ارتدَّ بعضُها على بعض. واحرنجم القومُ، إذا اجتمعوا. وهذه فيها نون وميم، وإنما الأصل الحَرَجُ، وهو الشجر المجتمع الملتف، وقد مرّ اشتقاقُهُ وقياسُه.

ومن ذلك رجل (مُحَصْرَمٌ): قليلُ الخَيْر. والأصل أنّ الميم زائدة، وإنما هو من الحَصُور والحَصِر.

ومن هذا الباب (الحِصْرِم). ومنه (الحِثْرِمَة) وهي الدائرة التي تحت الأنف وَسَطَ الشفةِ العُلْيا. وهذه منحوتةٌ من حَثَم وثرم. فحثم من الجمع؛ وثَرَم من أن ينثرم الشيء.

ومن ذلك (الحِنْزَقْرَة)، وهو القَصير. وهذا من الحزق والحَقْر، مع زيادة النون. فالحَقْر من الحَقارة والصِّغر، والحزق كأن خَلْقَه حُزِق بعضُه إلى بعض.

ومن ذلك (الحَلْبَس)، وهو الشُّجاع. وهذا منحوتٌ من حَلَسَ وحَبَسَ. فالحِلْس: اللازم للشيء لا يفارقه، والحَبْس معروف، فكأنه حَبَس نَفْسه على قِرْنه وحَلِسَ به لا يفارقُه. ومثله: (الحُلابِس). قال الكميت:

فلما دنَتْ للكاذَتَيْنِ وأحْرَجَت *** به حَلْبَساً عند اللِّقاء حُلابِسا([6])

  ومن ذلك (تَحَتْرَشَ) القومُ: حَشَدُوا، والتاء فيه زائدة، وإنما الأصل الحرش والتحريش، وقد مرَّ. وفيه أيضاً أن يكون من حَتَر، وأصله حَتَار الخَيمة وما أطاف بها من أذيالها، فكذلك *هؤلاء تجمَّعُوا وأطافَ بعضُهم ببعض، فقد صارت الكلمة إذاً من باب النحت.

ومن ذلك (الحَوْأَبُ): الوادي الواسع العَُرض، والحاء فيه زائدة، وإنّما

الأصل الوأْب، والوأْبُ الواسع المقعَّر من كلِّ شيء.

ومن ذلك (الحُمَارِس)، وهو الرّجُل الشّديد. وهذه منحوتةٌ من كلمتين، من حَمَس ومَرَس. فالمَرِسُ المتمرِّس بالشيء، والحمَِسُ الشديد. وقد مضى شرْحُه.

ومن ذلك (المُحدْرَج)، وهو المفتول حتَّى يتداخَلَ بعضُه في بعض فَيَمْلاَسَّ وهي منحوتةٌ من كلمتين، من حدر ودرج. فحدر فَتَل، ودَرَج من أدرجت.

ومن ذلك (حَضْرَمَ) في كلامه حَضْرَمَةً، فقد قيل كذا بالضّاد. فإنْ كانت صحيحةً فالميم زائدة، كأنه تَشَبَّهَ بالحاضرة الذين لا يُقيمونَ إعرابَ الكلام. والحَضْرَمة: مخالفة الإعراب واللَّحنُ.

ومن ذلك (المُحَمْلَج)، وهو الحَبْلُ الشَّديد الفَتْل. وهذا عندِي من حمج، فاللام زائدة. فحمج جنسٌ من التّشديد، نحو حَمّج الرّجلُ عينَيه إذا حَدَّق وأحَدَّ([7]) النّظَر. وقد مضى ذكره. وعلى هذا يحمل (الحِمْلاج)، وهو مِنْفاخُ الصَّائغ. والحملاج: قَرْنُ الثَّور. قال رؤبة في المحَمْلَج:

* مُحَمْلَجٌ أُدْرِجَ إدراجَ الطَّلَقْ([8]) *

وهذا ما أمكَنَ استخراجُ قياسِه من هذا الباب. أمّا الذي هو عندنا موضوعٌ وضعاً فقد يجوز أن يكون لـه قياسٌ خَفِيَ علينا موضعُه. والله أعلم بذلك.

فمن ذلك (الحَِنْدِيرَة، والحُنْدُورة): الحَدَقة، والحَِنْدِيرة أجود؛ كذا قال أبو عبيد.

والحَرْقَفَةُ: عَظْم الْحَجَبَة، وهو رأس الورِك.

ومنه (الحِمْلاق) وهو ما غطّتْه الجفونُ من بياض المُقْلة. ويقال حَمْلَق، إذَا فَتَح عينَه ونَظَر نَظَراً شديداً.

و(الحُرْقُوص) دويْبَّة. و(الحَبَلَّقُ): جماعة الغنَم. و(الحَبَرْكَى): الطويل الظَّهر القصير الرِّجْلين. و(الحُرْجُل): الطويل. و(الحَرْجَفُ): الرِّيح الباردة. و(الحَشْرَجَة): تردُّد صوت النَّفَس. و(الحَشْرَجَة): حُفَيْرة تُحفَر كالحِسْيِ. و(الحَشْرَجُ): كوزٌ صغير. و(حَرْشَفُ) السِّلاحِ: ما زُيِّن به.

و ( الحَفَلَّج): الرَّجُل الأفْحَج. و(الحيفس([9])): القصير. وكذلك (الحَفَيْسَأ).

و(الحَزَوَّر): الغلام اليافع. و(الحَزْوَرَةُ): تلٌّ صغير.

(والحَنَاتِم): سحائب سُودٌ. وكلُّ أسودَ حَنْتمٌ. وكذلك الخُضْرُ عِند العرب سُودٌ، ومنها سمّيت الجِرَار حَناتِمَ، وكانت الجِرارُ في الجاهليَّة خُضْراً، فسمَّتْها العربُ حَنَاتم.

(وحَبَوْكَر([10])): الدَّاهية.

ويقال (احْبَنْطَى)، إذا انتفَخَ كالمُتَغضِّب. وهذه الكلمة قد مرَّ قياسُها في الحَبَط.

ويقال مالِي من هذا الأمر (حُنْتَالٌ([11]))، أي بُدٌّ.

و(الحُنْظَب): الذَّكر من الجَرَاد. و(الحُرْبُث([12])): نبتٌ. و(حَضاجِرُ): الضَّبع. (والْحَزَنْبَلُ) و(الحَبْرَكَل): القصير.

والأصل في هذه الأبواب أنَّ كلَّ ما لم يصحَّ وجهُه من الاشتقاق الذي نذكره فمنظورٌ فيه، إلاّ [ما] رواه الأكابر الثقات. والله أعلم.

(تم كتاب الحاء)

ـــــــــــــ

([1]) يقال حرزق، بتقديم الراء، وحزرق بتقديم الزاي، وهما بمعنى.

([2]) ديوان الأعشى 147 واللسان (حزرق)، وقد نص فيه على رواية "محرزق". وصدره:

* فذاك وما أنجى من الموت ربه *

([3]) يقال على وزان قمطر ودرهم.

([4]) الحقلد، كعملس. وفي الأصل: "الحلقد" وليس مراداً، إذ الحلقد كزبرج: السيئ الخلق الثقيل الروح، ومثله الحقلد بوزن زبرج.

([5]) في الأصل: "الحلقد"، وانظر التنبيه السابق. وفي قول زهير:

تقيّ نقيّ لم يكثر غنيمة *** بنكهة ذي قربى ولا بحقلد

([6]) البيت في اللسان (كوز، حلبس). والكاذتان: ما نتأ من اللحم أعالي الفخذ. وأحرجت بالحاء المهملة، وفي الأصل: "أخرجت"، تحريف.

([7]) في الأصل: "وأشد".

([8]) ديوان رؤبة 104 واللسان (حملج).

([9]) في الأصل: "الحفيس". وصوابه الحيفس، بفتح الحاء والفاء، وكهزبر.

([10]) يقال للداهية حبوكر، وأم حبوكر، وحبوكرى، وأم حبوكرى، وأم حبوكران، والحبوكرى.

([11]) يقال حنتأل وحنتال، بالهمز وبدونه.

([12]) في الأصل: "الحرتب"، وفي المجمل: "الحربت"، والوجه ما أثبت.

 

 


كتاب الخاء:

ـ (باب ما جاء من كلام العرب أوله خاء في المضاعف والمطابق والأصم([1]))

(خد) الخاء والدال أصلٌ واحدٌ، وهو تأسُّلُ الشَّيءِ وامتدادُه إلى السُّفل. فمن ذلك الْخَدّ خدّ الإنسان، وبه سُمِّيت المِخَدّة. والخَدُّ: الشَّقّ. والأخاديد: الشُّقوق في الأرض. والتخدُّد: تخدُّد اللَّحم من الهُزال. وامرأة متخدِّدة: مهزولة. والخِدَادُ: مِيسمٌ من المياسِم، ولعلَّه يكون في الخدّ؛ يقال منه بعيرٌ مخدود.

(خر) الخاء والراء أصلٌ واحدٌ، وهو اضطرابٌ وسُقوطٌ مع صوتٍ. فالخَريرُ: صوتُ الماء. وعينٌ خَرّارة. وقد خَرَّتْ تخُِرّ. ويقال للرّجُل إذا اضطرَبَ بطنُه قد تخَرْخَر. وخَرَّ، إذا سقَطَ. قال أبو خراش، يصفُ سيفا:

بِهِ أدَعُ الكَمِيَّ على يدَيْهِ *** يخُِرُّ تخالُه نَسْراً قَشِيبا([2])

  قشيبٌ: قد خلِطَ له السّمُّ بِطُعْم؛ يقال قَشَب له، إذا خَلَطَ له السّمّ. وإنَّما يُفْعَل ذلك ليُصادَ به، ومثله لطفيل:

كساهَا رَطيبَ الرِّيشِ مِن كلِّ ناهضٍ *** إلى وَكْرِه وكلِّ جَوْنٍ مُقَشَّبِ([3])

  المقَشَّب: نَسْرٌ قد جُعِل له القَِشْبُ في الجِيَف ليُصادَ. ناهِضٌ: حديثُ السّنّ. والنَّسر إذا كَبِرَ اسوَدّ. وتقول: خرّ الماءُ الأرضَ: شَقّها. والأخِرَّةُ، واحدها، خَرير، وهي أماكنُ مطمئنَّةٌ بين الرَّبْوَين تنقاد. وقال الأحمر:

سمِعت [بعض] العرب ينشد بيتَ لبيدٍ:

* بأخِرَّة الثَّلَبُوتِ([4]) *

والخُرُّ من الرَّحى: الموضع الذي تُلقَى فيه الحنطة. وهو قياس الباب؛ لأنَّ الحبَّ يَخُِرّ فيه. وخُرُّ الأذُن: ثَقْبُها: مشبَّهٌ بذلك.

(خز) الخاء والزاء أصلان: أحدهما أنْ يُرَزَّ شيءٌ في آخر، والآخر جنسٌ من الحيوان.

فالأوّل الخزُّ خَزُّ الحائط، وهو أن يشوَّك. ويقال خَزَّهُ بسهمٍ، إذا رماه به وأثبَتَه فيه. وطعَنَهُ بالرُّمح فاختَزَّهُ([5]). قال ابن أحمر:

* حتَّى اختْزَزْتُ فؤادَه بالمِطْرَدِ([6]) *

فأمّا قولُهم بعيرٌ خُزَخِزٌ، أي شديد، فهو من الباب؛ لأنَّ أعضاءهَ كأنّها خُزَّت خَزَّاً، أي أُثبِتَتْ إثباتاً.

والأصل الثاني: الخُزَز: الذّكَر من الأرانب، والجمع خِزّانٌ. قال:

وبنو نُويجِيَةَ اللَّذُونَ كأنهم *** مُعْطٌ مُخَدَّمَةٌ من الخِزَّانِ([7])

  (خس) الخاء والسين أصلان: أحدهما حقارة الشيء، والآخر تداوُلُ الشيء.

فالأوّل: الخسيس: الحقير؛ يقال خَسَّ الرجُل نفسُه وأخَسَّ، إذا أتَى بفعلٍ خسيس. ومن هذا الباب جاوَزَتِ النّاقةُ خَسِيسَتَها، إذا جاوَزَتْ سِنّ الحِقّة والجَذَعةِ والثَّنِيَّةِ ولحِقَت بالبُزُول. وهو القياس؛ لأنّ كلَّ هذه الأسنانِ دونَ البُزُول.

والأصل الثاني قول العرب: تَخَاسَّ القَوْمُ الأمرَ، إذا تداوَلُوه وتسابَقُوه، أيُّهم يأخذُه([8]). ويقال: هذه الأمورُ خِساس بينهم، أي دُوَل. قال ابن الزّبعرى:

والعطيّات خِساسٌ بينهم *** وبناتُ الدّهرِ يلعَبْنَ بكُلّ([9])

  (خش) الخاء والشين أصلٌ واحد، وهو الوُلوج والدُّخول. يقال: خَشَّ الرّجُلُ في الشّرّ: دخل. ورجل [مِخَشٌّ: ماضٍ([10])] جَريءٌ على اللَّيل. والخَشَّاء: موضِعُ الدَّبْرِ؛ لأنّه ينخشُّ فيه. قال ذو الإصبع:

إمَّا تَرَى نَبْلَهُ فخَشْرَمُ خَشَّـ *** ـاءَ إذا مُسّ دَبْرُه لَكعَا([11])

  ومن الباب الخَشْخاش: الجماعة؛ لأنَّهم قومٌ يجتمعون ويتداخَلون. قال الكميت:

* وهَيْضَلُها الخشخاشُ إذْ نزلوا([12]) *

والخشُّ: أن تجعل الخِشاش في أنْف البعير. يقال خَشَشْتُه فهو مخشوشٌ، ويكون مِن خَشَب. وخَشاش الأرض([13]): دوابُّها. فأمّا الرجُل الخَِشاشُ الصغيرُ الرأسِ فيقال بالفتح والكسر. وهو القياس، لأنّه ينْخَشُّ في الأمر بحقه. قال طرفة:

أنا الرَّجُلُ الضّربُ الذي تعرفونني *** خَِشاش كرأسِ الحَيّة المُتَوَقّدِ([14])

  ومن الباب، وهو في الظاهر يبعُد من القياس، الخُشَشَاوانِ: عظمان ناتيان خلْفَ الأذُنين. ويقال للواحد خُشَّاء([15]) أيضاً. ولم يجيء في كلام العرب فُعْلاء مضمومة الفاء ساكنة العين إلاّ هذه وقُوباء، والأصل فيها التحريك.

(خص) الخاء والصاد أصلٌ مطّرد منقاس، وهو يدلُّ على الفُرْجة والثُّلمة. فالخَصَاص الفُرَج بين الأثافيّ. ويقال للقمر: بدا من خَصَاصة السّحاب. قال ذو الرُّمّة:

أصَابَ خَصَاصَهُ فبَدَا كليلاً *** كَلاَ وانغلَّ سائِرُه انغِلالا([16])

  والخَصَاصة: الإملاق. والثُّلْمة في الحال.

ومن الباب خَصَصْت فلاناً بشيءٍ خَصُوصِيَّةً، بفتح الخاء([17])، وهو القياس لأنّه *إذا أُفرِد واحدٌ فقد أوقَع فُرْجَةً بينه وبين غيره، والعموم بخلاف ذلك. والخِصِّيصى: الخَصوصية.

(خض) الخاء والضاد أصلان: أحدهما قِلَّة الشيء وسَخافته، والآخر الاضطراب في الشَّيءِ مع رطوبةٍ.

فالأول الخَضَض: [الخرز([18])] الأبيض يَلْبَسُه الإماء. والرّجُل الأحمق خَضَاض. ويقال للسَّقَط من الكلام خَضَضٌ. ويقال: ما على الجارية خَضَاضٌ، أي ليس عليها شيءٌ من حَلْيٍ. والمعنى أنّه ليس عليها شيءٌ حَتَّى الخَضَض الذي بدأْنا بذكره. قال الشاعر:

ولو بَرَزَتْ من كُفَّةِ السّتْرِ عاطلاً *** لُقلتَ غَزَالٌ ما عليه خَضَاضُ([19])

  وأمّا الأصل الآخَر فتَخَضْخض الماء. والخَضْخاض: ضربٌ من القَطِران. ويقال نبت خُضَخِضٌ، أي كثير الماء. تقول: كأنّه يتخضخضُ من رِيِّه.

وقد شّذ عن الباب حرفٌ واحدٌ إن كان صحيحاً، قالوا: خاضَضْتُ فلاناً إذا بايعتَه مُعارَضة([20]). وهو بعيدٌ من القياس الذي ذكرناه.

(خط) الخاء والطاء أصلٌ واحد؛ وهو أثَرٌ يمتدُّ امتداداً. فمن ذلك الخطُّ الذي يخطُّه الكاتب. ومنه الخطّ الذي يخطُّه الزَّاجر. قال الله تعالى: {أَوْ أَثَارَةٍ مِنْ عِلْمٍ} [الأحقاف 4]، قالوا: هو الخَطُّ. ويُروَى: "إنّ نبيّاً من الأنبياء كان يَخُطّ فمن خَطَّ مِثلَ خَطِّه عَلِمَ مثلَ عِلْمه". ومن الباب الخِطَّة الأرض يختطُّها المرءُ لنفسه؛ لأنّه يكون هناك أثرٌ ممدود. ومنه خَطُّ اليمامة، وإليه تُنسَب الرِّماحُ الخَطِّيّة. ومن الباب الخُطَّة، وهي الحال؛ ويقال هو بخُطَّةٍ سَوْء، وذلك أنه أمرٌ قد خُطَّ له وعليه. فأمّا الأرضُ الخطيطة، وهي التي لم تُمْطَر بينَ أرضينِ ممطورَتَين، فليس من الباب، والطاء الثانية زائدة، لأنَّها من أخطأ، كأنَّ المطر أخْطَأَها. والدليل على ذلك قولُ ابن عبّاس: "خَطَّأَ اللهُ نَوْءَها"، أي إذا مُطِر غيرُها أخْطَأَ هذه المطرُ فلا يُصيبُها.

وأمّا قولهم: "في رأس فلانٍ خُطْيةٌ([21])" فقال قوم: إنَّما هو خُطَّة. فإن كان كذا فكأنّه أمرٌ يُخَطّ ويؤَثَّر، على ما ذكرناه.

(خف) الخاء والفاء أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يخالف الثِّقَل والرَّزانة. يقال خَفَّ الشّيءُ يَخِفُّ خِفَّةً، وهو خفيف وخُفَافٌ. ويقال أَخَفَّ الرّجُل، إذا خَفّت حالُه. وأخَفَّ، إذا كانت دابّتُه خفيفةً. وخَفَّ القومُ: ارتحلوا. فأمّا الخُفُّ فمن الباب لأنّ الماشيَ يَخِفُّ وهو لابِسُه. وخُفُّ البَعير منه أيضاً. وأمّا الخُفُّ في الأرض وهو أطول من النَّعل([22]) فإنّه تشبيهٌ. [وَ] الخِفُّ: الخَفِيف. قال:

يزِلُّ الغُلامُ الخِفُّ عَنْ صَهَواتِهِ *** ويُلْوِي بأثواب العَنيفِ المُثقَّلِ([23])

  فأمّا أصوات الكلاب([24]) فيقال لها الخَفْخفة، فهو قريبٌ من الباب.

(خق) الخاء والقاف أصلٌ واحد، وهو الهَزْم في الشَّيء والخَرْق. فمن ذلك الأُخْقُوق، ويقال الإخْقِيق، وهو هَزْم في الأرض، والجمع الأخاقيق. وجاء في الحديث: "في أخاقِيقِ جُِرْذانٍ". والإخْقاق: اتَّساع خَرْق البَكَرة. ومن هذا قولُهم: أتانٌ خَقُوقٌ، إذا صوَّت حياؤُها. ويقال للغَديرِ إذا نَضَبَ وجَفَّ ماؤُه وتَقَلفَعَ([25]): خَُقٌّ([26]). قال:

* كأَنَّما يَمْشِين في خَُقّ يَبَسْ([27]) *

(خل)  الخاء واللام أصلٌ واحد يتقارب فروعُه، ومرجعُ ذلك إمَّا إلى دِقَّةٍ أو فُرْجة. والبابُ في جميعِها متقاربٌ. فالخِلال واحد الأخِلَّة. ويقال فلانٌ يأكل خِلَلَه وخُلالته، أي ما يُخْرِجُه الخِلالُ من أسنانه. والخَلُّ خَلُّكَ الكِساءَ على نفسك بالخِلال. فأمّا الخليلُ الذي يُخَالُّك، فمِن هذا أيضاً، كأنَّكما قد تخالَلتُما، كالكِساء الذي يُخَلُّ.

ومن الباب الرجل الخَلُّ، وهو النَّحيف* الجِسم. قال:

* إمّا تَرَيْ جِسْمِيَ خَلاًّ قد رَهَنْ([28]) *

وقال الآخر:

فاسقِنيها يا سوادَ بن عمروٍ *** إنَّ جِسمي بَعْدَ خالي لَخَلُّ([29])

  ويقال لابن المَخَاض خَلٌّ، لأنه دقيق الجسم. والخَلُّ: الطَّريق في الرَّمل لأنّه يكون مُستَدِقّاً. ومنه الخَلاَل، وهو البَلَح.

فأمَّا الفُرجة فالخَلَل بينَ الشَّيئين. ويقال خَلَّل الشيءَ، إذا لم يَعُمّ. ومنه الخَلَّة الفَقْر؛ لأنه فُرْجة في حالِه. والخليل: الفقير، في قوله:

وإنْ أتاهُ خليلٌ يومَ مَسْغَبَةٍ *** يقولُ لا غائبٌ مالي ولا حَرَِمُ([30])

  والخِلَّة: جَفْن السَّيف، والجمعُ خِلَلٌ. فأما الخِلَل وهي السُّيور التي تُلْبَسُ ظُهورَ السِّيَتَيْنِ([31]) فذلك لدِقَّتها، كأنَّ كلّ واحدةٍ منها خِلّة([32]). والخَلّ: عِرْقٌ في العُنُق مُتَّصلٌ بالرأس. والخَلْخَال من الباب أيضاً، لدقّتِه.

(خم) الخاء والميم أصلان: أحدهما تغيُّر رائحةٍ، والآخر تنقية شيء. فالأول: قولُهم خَمَّ اللّحمُ، إذا تغيَّرَتْ رائحتُه. والثاني: قولُهم خُمّ البيتُ إذا كُنِسَ. وخُمَامة البئرِ: ما يُخَمُّ من تُرابها إذا نُقِّيت. وبيتٌ مخمومٌ: مكنوس. ويقال هو مخموم القلبِ، إذا كان نقيَّ القَلْب من كل غِشٍّ ودَخَْل.

(خن) الخاء والنون أصلٌ واحد، وهو حكايةُ شيءٍ من الأصوات بضعف. وأصله خَنَّ، إذا بكى، خنيناً. والخَنْخَنَةُ: أن لا يُبِين الكلامَ. ويقال الخُنان في الإبل كالزُّكام في الناس. والْخُنّة كالغُنّة. ويقال الخنين: الضَّحِك الخفيّ. ويقولون إنّ المَخَنّة الأنف. فإنْ كان كذا فلأنه موضع الخُنّة، وهي الغُنّة. ويقال وطئ مَِخَنَّتَه، أي أذلَّه([33])، كأنه وضع رجلَيه على أنفه.

(خأ) الخاء والهمزة الممدودة ليست أصلاً ينقاس، بل ذُكِر فيه حرفٌ واحد لا يُعرَف صحته. قالوا: خاءِبك علينا، أي اعجَل. وأنشدُوا للكميت:

* بِخاءِبك الحَقْ يَهْتِفُون وحَيَّ هَلْ([34]) *

(خب) الخاء والباء أصلان: الأول [أن] يمتدّ [الشيء] طولاً، والثاني جنسٌ من الخِداع.

فالأول الخَبيبة والْخُبَّةُ: الطريقة تمتدُّ في الرَّمل. ثم يشبّه بها الخِرْقَة التي تُخْرَقُ طُولاً. ويُحمَل على ذلك الخَبِيبة من اللَّحم، وهي الشَّرِيحة منه.

وأما الآخَر فالخِبُّ الخِداع، والخَِبُّ الخَدَّاع. وهذا مشتقٌّ من خَبَّ البَحْرُ اضطَرَبَ. وقد أصابهم الخِبُّ.

ومن هذا الخَبَبُ: ضربٌ من العَدْو. ويقال جاء مُخِبَّاً. ومنه خَبَّ النّبتُ، إذا يَبِس وتقلَّع([35])، كأنه يَخُبّ، توهَّم أنه يمشي. قال رؤبة:

* وخَبَّ أطرافُ السَّفَا على القِيَقْ([36]) *

والخَبخَبة: رخاوةُ الشيءِ واضطرابُه. وكل ذلك راجعٌ إلى ما ذكرناه؛ لأنَّ الخَدَّاع مضطربٌ غيرُ ثابت العَقْدِ على شيء صحيح. فأما ما حكاه الفرّاء: [لي([37])] من فلانٍ خَوَابُّ، وهي القَرابات، واحدها خابٌّ، فهو عندي من الباب الأول؛ لأنّه سَبَبٌ يمتدُّ ويتّصل. فأما قولهم "خبْخِبوا عنكم من الظهيرة"، أي أَبرِدُوا فليس من هذا، وهو من المقلوب، وقد مرَّ.

(خت) الخاء والتاء ليس أصلاً؛ لأنّ تاءه مبدلةٌ من سين. يقال خَتِيتٌ: أي خسيس. وأَخَتَّ الله حَظَّه، أي أخَسَّه. وهذا في لغة مَنْ يقول:

مررت بالنَّات، يريد بالناس. وذكروا أنَّهم يقولون: أخَتَّ فلانٌ: استَحْيا. فإن كان صحيحاً فمعناه أنه أتَى بشيء ختيتٍ يَستحيي منه. وأنشدوا:

فمَنْ يكُ مِنْ أوائِلِه مُخِتّاً *** فإنَّكَ يا وليدُ بهم فخورُ([38])

  أي لا تأتي أنت من أوائلِك بخَتيت.

(خث) الخاء والثاء ليس أصلاً ولا فرعاً صحيحاً يُعَرَّج عليه، ولكنّا نذكُر ما يذكرونه. يقولون: الخُثّ ما أُوخِفَ من أخْثاء البقر وطلِي به شيء، وليس هذا بشيء، ويقال الخُثُّ: غُثَاء السَّيل إذا تركَه السيلُ فيبِس واسوَدَّ.

(خج) الخاء والجيم أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وخفّةٍ في غير استواء. فيقال ريحٌ *خَجُوجٌ، وهي التي تلتَوِي في هُبوبها. وكان الأصمعيُّ يقول: الخَجُوج الشديدة المَرِّ. ويقال إنّ الخجخجة الانقِباض  والاستحياء. وقالوا: خَجْخَجَ الرّجُل، إذا لم يُبدِ ما في نفسه. ويقال اختَجَّ الجملُ في سَيره، إذا لم يستقِمْ. ورجل خَجَّاجَة ([39]): أحمق. والبابُ كلُّه واحد.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "والمطابق أولاً". وانظر ما سبق في كتاب الثاء.

([2]) من قصيدة في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 57، ونسخة الشنقيطي 70. والبيت في اللسان (قشب). ويروى: "به ندع".

([3]) ديوان طفيل 13 برواية: "كُسِيْنَ ظهار الريش".

([4]) من بيت في معلقة لبيد ويروى: "بأحزة". والبيت بتمامه:

بأخرة الثلبوت يربأ فوقها *** قفر المراقب خوفها آرامها

 ([5]) في الأصل: "فاختز"، تحريف، صوابه في المجمل واللسان.

([6]) في المجمل واللسان: "لما اختززت". وصدره في الاشتقاق 318:

* نبذ الجوار وضل هدية روقه *

([7]) المخدمة: التي في ساقها عند موضع الرسغ بياض. والبيت في المجمل.

([8]) في الأصل: "إياهم يأخذوه". والكلمة ذكرت في القاموس ولم ترد في اللسان.

([9]) الحق أن البيت ملفق من بيتين، وهما كما في السيرة 616 جوتنجن:

والعطيات خساس بينهم *** وسواء قبر مثر ومقل

 كل عيش ونعيم زائل *** وبنات الدهر يلعبن بكل

([10]) التكملة من اللسان.

([11]) البيت في المجمل واللسان (خشش، لكع)، وسيعيده في (لكع).

([12]) قطعة من بيت في اللسان (خشش، فلق). وهو بتمامه:

في حومة الفيلق الجأواء إذ ركبت *** قيس وهيضلها الخشخاش إذ نزلوا

 وقد استشهد بهذه القطعة بدون نسبة في اللسان (هضل).

([13]) ظاهر قوله أنه يعني ضبط الخشاش، بالفتح. وفي المجمل: "وخشاش الأرض بالفتح: دوابها".

([14]) البيت في معلقة طرفة.

([15]) يقال خشاء. وخششاء.

([16]) ديوان ذي الرمة 434. كلا، أي كسرعة قولك: "لا".

([17]) ويقال بضمها أيضاً، كما في اللسان والقاموس.

([18]) التكملة من المجمل واللسان.

([19]) أنشده أيضاً في المجمل. وجاء في اللسان برواية: "ولو أشرفت".

([20]) وكذا في تصحيحات القاموس. وفي بعض نسخه: "معاوضة". واللفظ وتفسيره لم يرد في اللسان.

([21]) روي في اللسان (خطط): "خطية" بالياء، ثم قال: "والعامة تقول: في رأسه خطية. وكلام العرب هو الأول".

([22]) في اللسان: "والخف في الأرض أغلظ من النعل".

([23]) لامرئ القيس في معلقته المشهورة.

([24]) في المجمل: "وخفخفة الكلاب أصواتها عند الأكل".

([25]) ذكروا أن "القلفع"، كزبرج ودرهم: ما يتفلق من الطين ويتشقق. ولم يذكر هذا الفعل في اللسان والقاموس في مادة (قلفع) وذكر في اللسان في مادة (خقق) عند تفسيره "الخق".

([26]) ضبط في اللسان والقاموس بالفتح. وضبط في الأصل والمجمل بالضم. وزاد في المجمل: "ويقال خق أيضاً"، يعني بفتح الخاء.

([27]) البيت في المجمل واللسان (خقق).

([28]) البيت في اللسان (رهن). والراهن، بالراء: المهزول.

([29]) البيت ينسب إلى تأبط شراً، أو ابن أخته الشنفرى، أو خلف الأحمر. انظر حماسة أبي تمام  (1: 342) واللسان (خلل).

([30]) البيت لزهير في ديوانه (153) واللسان (خلل، حرم).

([31]) السيتان: مثنى سية، وهي ما عطف من طرف القوس. وفي الأصل: "الستين".

([32]) في الأصل: "خلالة".

([33]) في اللسان: "ووطئ مِخَنتهم ومَخَنتهم، أي حريمهم".

([34]) صدره كما في اللسان (20: 334): * إذا ما شحطن الحاديين سمعتهم *

وانظر أمالي ثعلب 554.

([35]) في المجمل واللسان والقاموس: خب النبت، ، إذا طال وارتفع.

([36]) ديوان رؤبة 105 والمجمل. وفي الديوان: "واستن أعراف السفا".

([37]) التكملة من المجمل واللسان.

([38]) البيت للأخطل في ديوانه 206 واللسان (ختت).

([39]) يقال للأحمق خجاجة وخجخاجة أيضاً.

 

 

ـ (باب الخاء والدال وما يثلثهما)

(خدر) الخاء والدال والراء أصلان: الظُّلْمة والسَّتر، والبطء والإقامة.

فالأولُ الخُدَارِيّ الليلُ المُظلِم. والخُدَاريَّة: العُقابُ، لِلونها. قال:

خُدَارِيَّةٍ فَتْخاءَ ألْثَقَ ريشَها *** سَحابةُ يومٍ ذي أهاضيبَ مَاطِرِ([1])

  ويقال اليومُ خَدِرٌ. والليلة الخَدِرة: المظلِمة الماطرة وقد أَخْدَرْنا، إذا أظَلَّنا المطر. قال:

فيهِنَّ بَهْكَنَةٌ كأنّ جَبِينَها *** شَمْسُ النَّهار ألاحَها الإخْدارُ([2])

  وقال:

* ويَسْتُرُونَ النَّار من غير خَدَرْ([3]) *

ومثله أو قريبٌ منه قول طرفة:

* كالمَخَاض الجُرْبِ في اليَومِ الخَدِرْ([4]) *

ومن الباب الخِدْرُ خِدر المرأة. وأسَدٌ خادر، لأنَّ الأجمةَ له خِدْرٌ.

والأصل الثاني: أخْدَرَ فلانٌ في أهلِه: أقام فيهم. قال:

كأنَّ تحتِي بازِياً رَكَّاضا *** أَخْدَرَ خَمْساً لم يَذُقْ عَضَاضا([5])

  ومن الباب خَدَرَ الظَّبْيُ: تخلَّف عن السِّرب([6]). ويقال الخادر المتحيِّر.

ومن الباب خَدِرت رِجْلُه. وخَدِر الرّجُل، وذلك مِن امْذِلالٍ يعتريه([7]).

قال طرفة:

جازَتِ اللَّيلَ إلى أرحُلِنا *** آخِرَ اللَّيل بيَعْفُورٍ خَدِرْ([8])

  يقول: كأنَّه ناعِسٌ. ويقال للحُمُر بَنَاتُ أخدَرَ، وهي منسوبةٌ إليه، ولهذا تسمَّى الأخدريَّة.

(خدش) الخاء والدال والشين أصلٌ واحد، وهو خَدْشُ الشيءِ للشيء. يقال خَدَشْتُ الشيءَ خدشاً؛ وجمع الخَدْش خُدُوش. ويقال لأطراف السَّفَا الخادشَة؛ لأنّها تَخْدِش. ويقال لكاهل البعير [مِخْدَش([9])]؛ لقلّة لحمِه، وتخديشِه فَمَ مُتَعرِّقِه.

(خدع) الخاء والدال والعين أصلٌ واحد، ذكر الخليلُ قياسَه. قال الخليل. الإخداع إخفاءُ الشَّيء. قال: وبذلك سُمِّيت الخِزانة المُِخْدع. وعلى هذا الذي ذكر الخليلُ يجري البابُ. فمنه خَدَعْتُ الرَّجُلَ خَتَلْتُه. ومنه: "الحرب خُدَعَةٌ" و"خُدْعَةٌ"([10]). ويقال خَدَع الرِّيقُ في الفم، وذلك أنَّه يَخْفَى في الحَلْق وَيغِيب. قال:

* طيِّبَ الرِّيق إذا الرِّيقُ خَدَعْ([11]) *

ويقال: "ما خَدَعَتْ بِعَيْنَيْ نَعْسَةٌ"، أي لم يدخل المنامُ في عيني. قال:

أرِقْتُ فلم تَخْدَع بعينَيَّ نعْسةٌ *** ومن يَلْق ما لاقيتُ لابدَّ يأرَقِ([12])

  والأخدع: عِرْقٌ في سالفة العُنُق. وهو خفيّ. ورجل مخدوعٌ: قُطع أخدَعُه. ولفلان خُلُقٌ خادِعٌ، إذا تخلَّق بغير خُلُقه. وهو من الباب؛ لأنه يُخفِي خلاف ما يُظهره. ويقال: إنَّ الخُدَعَة الدّهرُ، في قوله:

* يا قوم مَنْ عاذِرِي مِن الخُدعَهْ([13]) *

وهذا على معنى التَّمثيل، كأنّه يغَرّ ويَخدَع. ويقال: غُولٌ خَيْدَعٌ، كأنها تَغتال وتَخدع. وزعم ناسٌ أنّهم يقولون: دينارٌ خادع، أي ناقص الوزْن. فإنه كان كذا فكأنَّه أرَى التَّمامَ وأخفى النُّقصانَ حتَّى أظهره الوزنُ. ومن الباب الخَيْدَعُ، وهو السَّراب([14])، والقياس واحد.

(خدف) الخاء والدال والفاء أصلٌ واحد. قال ابن دريد([15]): "الخَدْف السُّرْعة في المشْي، ومنه اشتقاق خِنْدِفَ".

(خدل) الخاء والدال واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الدِّقَّة واللِّين. يقال امرأة خَدْلَةٌ، أي دقيقةُ العِظام وفي لحمها امتلاء، وهي بَيِّنَة الخَدَل والْخَدَالة. وذُكر عن السِّجستاني عِنَبَة خَدْلةٌ، أي ضَئِيلة([16]).

(خدم) الخاء والدال والميم أصلٌ واحدٌ منقاس، وهو إطافة الشَّيء بالشيء. فالخَدَم *الخلاخيل، الواحد خَدَمة. قال:

* يَبْحَثْنَ بَحْثَاً كمُضِلاَّتِ الخَدَمْ([17]) *

والخَدْماء: الشَّاةُ تبيضُّ أوظِفَتُها. والمُخَدَّم: موضع الْخِدام من السَّاق. وفرسٌ مخدَّم، إذا كان تحجيلُه مستديراً فوق أَشاعِرِهِ. قال الخليل: الخَدَمةُ سيْرٌ محْكَم مثل الحَلقْة، تُشَدُّ في رُسْغ البعير ثم تشدُّ إليه سَرِيحة النّعْل. قال: وسمِّي الخلخال خَدَمَةً بذلك. والوَعِل الأرَحُّ المُخَدَّم: الواسع الأظلاف الذي أحاط البياضُ بأوظِفته. قال:

* تُعيي الأرَحَّ المخدَّما([18]) *

ومن هذا الباب الخِدْمة. ومنه اشتقاق [الخادم]؛ لأنَّ الخادمَ يُطيف بمخدومه.

(خدن) الخاء والدال والنون أصلٌ واحد، وهو المصاحَبَة. فالخِدْن: الصّاحب. يقال: خادنْتُ الرّجُلَ مخادنَةً. وخِدْنُ الجارية محدِّثُها.

قال أبو زيد: خادنت الرّجلَ صادقته. ورجل خُدَنةٌ: كثير الأخْدان.

(خدب) الخاء والدال والباء أصلان: أحدهما اضطرابٌ في الشيء ولِينٌ، والآخَر شقٌّ في الشيء.

فالأوّل الخَدَب وهو الهَوَج، وفي أخبار العرب: "كان بنَعامَةَ خَدَب([19])" أي هَوَج؛ ولعلَّ ذلك في حروبه، ويدلُّ على ما ذكرناه. ومنه بَعِيرٌ خِدَبٌّ، يكون ذلك في كثرةِ لَحمٍ وإذا كثُر اللَّحْمُ لان واضطرَبَ.

ويقال من الأوّل رجلٌ أخْدَبُ وامرأةٌ خَدْباء. وقال الأصمعيّ: دِرْعٌ خَدْباء: ليِّنة. قال:

* خَدْباءُ يحْفِزُها نِجَادُ مُهنَّدٍ([20]) *

ويقال خَدَبَ، إذا كَذَب؛ وذلك أنَّ في الكذِبِ اضطراباً، إذْ كان غيرَ مستقيم. وشيخ خِدَبٌّ، وُصِفَ بما وُصِفَ به البعير. قال بعضُهم: إنَّ في لسانه خَدَباً، أي طولا.

وأمّا الأصل الآخر فالخَدْبُ بالنّاب: شقُّ الجِلْد مع اللحم. ويقال ضربة خَدْباء، إذا هَجَمَت على الجوف. والخَدْب: الحَلْب الشَّديد، كأنَّه يريد شقَّ الضَّرع بشدّة حَلْبه.

ومما شذّ عن هذا الباب قولهم: "أَقْبِلْ على خَيْدَبتِك" أي طريقك الأوّل. قال الشيبانيّ: الخَيدب الطَّريق الواضح. وإن صحّ هذا فقد عاد إلى القياس؛ لأنّ الطريق يشق الأرض.

(خدج) الخاء والدال والجيم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على النقصان. يقال خَدَجَت الناقة، إذا ألقَتْ ولدَها قبل النِّتاج. فإنْ ألقَتْه ناقصَ الخَلْق ولِتمام الحَمْل فقد أخْدَجَت. قال ابنُ الأعرابيّ: أخْدَجَت الصَّيْفَةُ: قَلَّ مطرُها. وفي الحديث: "كلُّ صلاة لم يُقْرَأ فيها بفاتحة الكتاب فهي خِدَاجٌ".

ــــــــــــــــــ

([1]) البيت لسلمة بن الخرشب الأنماري، من قصيدة في المفضليات (1: 34-36).

([2]) البيت لعمارة، كما في اللسان (خدر 314). وفيه "أكلها الإخدار"، أي أبرزها. وقد روي عجزه في اللسان (خدر 313) برواية "ألاحها الإخدار" كما هنا.

([3]) في الأصل: "ويشترون"، صوابه في المجمل واللسان (خدر).

([4]) البيت في ديوانه 66 واللسان (خدر، عضض).

([5]) الرجز في المجمل واللسان (خدر).

([6]) في الأصل: "الترب".

([7]) الامذلال: الفترة والخدر.

([8]) ديوان طرفة 63 واللسان (خدر). وسيعيده في ص 372.

([9]) التكملة من اللسان.

([10]) ويقال أيضاً "خدعة" بالفتح.

([11]) لسويد بن أبي كاهل في المفضليات (1: 189) واللسان (خدع). وصدره:

* أبيض اللون لذيذاً طعمه *

([12]) هو أول قصيدة للممزق العبدي في الأصمعيات 47، وهو في اللسان (خدع).

([13]) صدر بيت للأضبط بن قريع، في المعمرين 8. وعجزه فيه:

* والمسى والصبح لا فلاح معه *

وجعله في الخزانة ( 4: 579) نقلاً عن أمالي القالي ( 1: 108)، وكذا أمالي ثعلب 480 واللسان (خدع)، عجزاً لبيت للأضبط . وصدره في هذه المصادر:

* أذود عن حوضه ويدفعني *

([14]) في الأصل: "التراب" تحريف.

([15]) في الجمهرة (2: 201).

([16]) ذكر في القاموس ولم يرد في اللسان.

([17]) أضللن الخدم أي فقدنها. وقد سبق إنشاد البيت في ( بحث).

([18]) قطعة من بيت للأعشى في ديوانه 203 واللسان (خدم). وهو بتمامه:

ولو أن عز الناس في رأس صخرة *** ململمة تعيي الأرح المخدما

([19]) نعامة: لقب بيهس الفزاري، أحد محمقي الحرب. انظر الحيوان (4: 413) والأغاني (21: 122) والخزانة (3: 272) والميداني في: "ثكل أرأمها ولدا".

([20]) لكعب بن مالك الأنصاري. وعجزه كما في اللسان (خدب):

* صافي الحديدة صارم ذي رونق *

 

 

ـ (باب الخاء والذال وما يثلثهما)

(خذع) الخاء والذال والعين يدلُّ على قَطْع الشيء؛ يقال خَذَّعَهُ بالسَّيف، إذا ضربَه. ورُوِي بيتُ أبي ذؤيب:

* وكِلاهُما بَطَلُ الِّلقاءِ مُخَذَّعُ([1]) *

أي كأنه قد ضُرِب بالسَّيف مِراراً. ويقال نباتٌ مخذَّعٌ، إذا أُكِل أعلاه. وصَحَّفهُ ناس فقالوا مُجدَّع. وليس بشيءٍ.

(خذف)  الخاء والذال والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرمْي. يقال خَذَفْت بالحصاة، إذا رميتَها من بين سَبَّابَتَيْك. قال:

كأنَّ الحَصَى مِن خَلْفِها وأَمامِها *** إذا نجَلَتْهُ رجلُها خَذْفُ أَعْسَرَا([2])

  والمِخْذَفة، هي التي يُقال لها المِقْلاع. ويقال أتانٌ خَذُوفٌ، أي سمينة. قال أبو حاتم: قال الأصمعيّ: يُراد بذلك أنّها لو خُذِفَتْ بحَصاة لدخَلَتْ في بطنها من كثرة الشَّحم. وهذا الذي يحكيه عن هؤلاء الأئمّة وإن قلّ فهو يدلُّ على صحّة ما نَذهب إليه من هذه المقايَسات، كالذي ذكرناه آنفاً عن الخليل في باب الإخدَاع، وكما قاله الأصمعيُّ في الأتانِ الخَذوف.

والخَذَفَانُ: ضربٌ من [سير] الإبل([3]) وهو بِتَرَامٍ قليل.

(خذق)  الخاء والذال والقاف ليس أصلاً، وإنّما فيه كلمةٌ من باب الإبدال. يقال خَذَق الطّائر، إذا ذَرَقَ. وأراه *خَزَق، فأُبدِلت الزاءُ ذالاً.

(خذل)  الخاء والذال واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تَرْك الشَّيء والقُعود عنه. فالخِذْلان: تَرك المَعُونة. ويقال خَذَلَتِ الوحْشيَّةُ: أقامَتْ على وَلَدِها؛  وهي خَذُول. قال:

خَذُولٌ تُراعِي رَبْرَباً بخَميلةٍ *** تَنَاوَلُ أَطرافَ البَريرِ وترتَدِي([4])

  ومن الباب تخاذَلَتْ رِجلاه: ضَعُفَتَا. من قوله:

* وخَذُولِ الرِّجْل من غير كَسَحْ([5]) *

وقال آخر([6]):

* صَرْعى نوؤُها متخاذِلُ *

ورجلٌ خُذَلة، للَّذي لا يزال يَخْذُلُ.

(خذم)  الخاء والذال والميم يدلُّ على القَطْع. يقال خَذَمْتُ الشَّيء: قطعتُه. [و] سيفٌ مِخْذَمٌ. والخَذْماء: العنْز تنشقُّ أذُنُها عَرْضاً من غير بيْنُونة. والخَذَم: السُّرْعة في السَّير؛ وهو من الباب.

(خذا)  الخاء والذال والحرف المعتل والمهموز يدلُّ على الضَّعف واللِّين. يقال خَذَا الشيءُ يَخْذُو خذْواً: استرخى. وخذِي يخْذَى. وينَمَةٌ خَذْواءُ: ليِّنة، وهي بَقْلة. وأُذُنٌ خَذْواءُ: مسترخيَة. ويُكْرَهُ من الفَرَس الخَذَا في الأذُن.

ومن الباب خَذِئْت وخَذَأْت أخْذَأ، إذا خضَعْت له خُذُوءاً وخَذْأً. ويقال استخذَيْت واستخذَأْت، لغتان، وهم إلى ترك الهمز فيها أمْيَل. وقد قال كثيّر:

فما زِلْتُمُ بالناس حتَّى كأنَّهم *** مِنْ الخَوف طَيْرٌ أخْذَأَتْها الأجادلُ

  فهمز. يقال أخذَيْتُ فلاناً، أي أذلَلتْهُ.

ــــــــــــــــــ

([1]) ديوان أبي ذؤيب 18 والمفضليات (2: 228). وصدره فيهما وفي اللسان:

* فتناديا وتوافقت خيلاهما * وقد سبق إنشاد هذا العجز في (1: 330).

([2]) لامرئ القيس في ديوانه 98 واللسان (خذف، نجل).

([3]) في المجمل: "والخذفان: ضرب من السير".

([4]) لطرفة في معلقته.

([5]) للأعشى في ديوانه 163 واللسان (خذل). وصدره: * كل وضاح كريم جده *

([6]) هو جعفر بن علبة. انظر الحماسية رقم 4 وما سيأتي في (نوي).

 

 

ـ (باب الخاء والراء وما يثلثهما)

(خرز)  الخاء والراء والزاء يدلُّ على جَمْع الشَّيء إلى الشيء وضَمِّه إليه. فمنه خَرْزُ الجِلْدِ. ومنه الخَرَزُ، وهو معروف، لأنه يُنْظم ويُنْضَدُ بعضُه إلى بعض.

وفَقَار الظَّهر خَرَزٌ لانتظامه، وخَرَزاتُ الملك، كان الملك منهم كلمَّا مَلَكَ عاماً زِيدت في تاجه خَرَزة؛ ليُعلَم بذلك عددُ سِنِي مُلْكِه. قال:

رَعَى خَرَزاتِ المُلْكِ عِشرين حِجَّة *** وعشرين حَتى فادَ والشيب شاملُ([1])

  (خرس)  الخاء والراء والسين أصولٌ ثلاثة: الأول جِنْسٌ من الآنية، والثاني عدم النُّطق، والثالث نوعٌ من الطعام.

فالأوّل: الخَِرْسُ بسكون الراء، وهو الدَّنُّ، ويقال لصانِعِه الخَرّاس.

والثاني: الخَرَسُ في اللِّسَان، وهو ذَهاب النُّطق. ويُحمَل على ذلك فيقال كتيبة خَرْساء، إذا صَمَتَتْ من كثرة الدُّروع، فليس لها قعْقعةُ سِلاح. ويقال لبنٌ أخْرَسٌ: خاثِرٌ لا صوتَ له في الإناء عند الحَلْب. وسحابةٌ خَرْساءُ: ليس فيها رعد.

والثالث: الخُرْس والخُرْسة، وهو طعامٌ يتَّخَذ للوالِدِ من النِّساء([2])، وتلكَ خُرسَتُها. قال:

إذا النُّفَساءُ لم تُخَرَّسْ بِبِكْرِها *** طَعاماً ولم يُسْكَتْ بِحِتْرٍ فَطِيمُها([3])

  وزعم ناسٌ أنَّ البِكْرَ تُدْعى في أوَّل حَمْلها خَرُوساً. وأنشدوا:

شرُّكمْ حَاضرٌ ودَرُّكُمُ دَ *** رُّ خَرُوسٍ من الأرانب بِكْرِ([4])

  ويقال الخَروس القليلةُ الدَّرِّ.

(خرش)  الخاء والراء والشين أصلٌ واحدٌ، يدل على انتفاخٍ في الشيء وخُرُوق.

الأصلُ الخِرشاءُ، وهو سَلْخُ الحيّة، ثم يشبَّه به كلُّ شيءٍ يكون فيه تلك الصِّفة، فيقال للرُِّغوة: الخِرشاء. قال مزرِّد:

إذا مَسَّ خِرشَاءَ الثُّمَالةِ أنفُه *** ثَنَى مِشْفَريه للصَّريح فأقْنَعَا([5])

  ويقال طلعت الشَّمسُ في خِرْشَاءَ، أي في غَبَرَة. وألَقى الرّجُل خَراشِيَّ صدرِه، أي بُصاقاً خاثراً. فهذا هو الأَصل.

فأمّا قولهم كلبُ خِرَاشٍ، فهو عندنا من باب الإبدال، قال الراجز:

كأنّ طُبْيَيْهَا إذا ما دَرَّا ***

كَلْبَا خِرَاشٍ خُورِشا فَهَرَّا

  ويجوز أن يكون من خَرَشْتُ الشيءَ، إذا خدشْتَه؛ وهو من الأوّل كأنّه إذا خُرِش نَفَر ورَبَا وتخرّق*. فأمّا قولهم اخترشت الشيءَ، إذا كسَبْته، فهو عندنا أيضاً من باب الإبدال، إنّما هو اقترش. وقد ذُكِر في بابه. وكان ابنُ الأعرابيّ يقول: اختَرَش كَسَبَ. وكان يروي كلاماً تلك([6]): "رُبَّ ثَدْيٍ افترش، ونهب اخْتَرَش، وضبٍّ احتَرَش". وغيره يَروِي: "ونهبٍ اقترش". والخِراش: سِمَةٌ خفيفة. والخَرَشة: ضربٌ من الذُّباب، ولعلّه مِن بعض ما مضى ذكرُه.

(خرص)  الخاء والراء والصاد أصولٌ متباينة جدَّاً.

فالأوّل الخَرْص، وهو حَزْرُ الشَّيء، يقال خَرَصْتُ النَّخْلَ، إذا حَزَرْتَ ثمرَه. والخرَّاصُ: الكذاب، وهو من هذا، لأنّه يقول ما لا يعلم ولا يَحُقُّ.

وأصلٌ آخر، يقال للحَلْقة من الذَّهب خُرْصٌ.

وأصلٌ آخر، وهو كل ذي شُعْبَةٍ من الشَّيء ذي الشُّعَب. فالخَريص من البحر: الخليجُ منه. والخُِرْص: كل قضيبٍ من شجرة، وجمعُه خِرصان. قال:

ترَى قِصَد المُرَّانِ تُلْقَى كأنّه *** تذرُّعُ خِرصانٍ بأيدي الشَّواطِبِ([7])

  ومن هذا الأصل تسميتُهم الرُّمحَ الخُِرْص. قال:

*عَضَّ الثِّقافِ الخُرُصَ الخطيَّا([8]) *

ومنه الأخراصُ، وهي عيدانٌ تكون مع مُشْتار العَسَل.

وأصلٌ آخر، وهو الخَرَصُ، وهو صفة الجائع المقرور، يقال خَرِصَ خَرصاً.

(خرض)  الخاء والراء والضاد. زعم ناسٌ أنّ الخريضَ الجاريةُ الحديثة السنِّ الحسنة. وهذا ممّا لا يعوَّل على مثله، ولا قياسَ له.

(خرط)  الخاء والراء والطاء أصلٌ واحدٌ منقاسٌ مطَّرد، وهو مُضيُّ الشَّيء، وانسلاله. وإليه يرجعُ فروع الباب، فيقال اخترطْتُ السيفَ مِن غِمْده، وخَرَطت عن الشَّجرةِ ورقَها، وذلك أنّك إذا فعلْتَ ذلك فكأنَّ الشجرةَ قد انسلَّت منه. وقال قومٌ: الخَرْط قشْر العُود؛ وهو من ذلك. والخَرُوط من الدوابّ: الذي يَجْتَذِبُ رَسَنَه من يد مُمْسِكه ويمضي. ويقال اخروَّط بهم السَّير، إذا امتدَّ. والمخروط: الرجل الطَّويل الوجْه([9]). واستخْرَط الرجل [في([10])] البكاء، وذلك إذا ألحَّ ولجَّ فيه مستمرَّا. والخَرَط: داءٌ يصيب ضَرْع الشاة فيخرُج لبنُها متعقِّداً كأنه قِطَع الأوتار. وهي شاةٌ مُخْرِطٌ([11])، فإنْ كان ذلك عادتَها فهي مِخْراط. ويقال المخَاريط الحيّاتُ إذا انسلخَتْ جلودُها. قال:

إنّي كسانِي أبو قابُوسَ مُرْفَلَةً *** كأنّها سَلْخُ أبْكارِ المخاريطِ([12])

  [و] رجلٌ خَرُوطٌ: مُتَهَوِّرٌ يركبُ رأسَه، وهو القياس. ويقال انخرَط علينا، إذا انْدرَأ بالقول السَّيِّئ، وانخرَط جسمُ فلانٍ، إذا دَقَّ، وذلك كأنّه انسلَّ من لحمه انسلالاً. ويقال خرَطْتُ الفحل في الشَّول، إذا أرسلتَه فيها.

(خرع)  الخاء والراء والعين أصلٌ واحدٌ، وهو يدل على الرَّخاوة، ثم يُحْمل عليه. فالْخِرْوَع نباتٌ ليِّنٌ؛ ومنه اشتقاق المرأة الخَرِيع، وهي الليِّنة. وكان الأصمعي يُنكِر أن يكون الخَريعُ الفاجرةَ، وكان يقول: هي التي تَثَنَّى من اللِّين. ويقال لمِشْفَر البعير إذا تدلَّى خَريع. قال:

خَريعَ النَّعو مضطربَ النَّواحِي *** كأخلاق الغَرِيفة ذا غُضُونِ([13])

  وأخذه من عتيبة بن مرداس في قوله:

تكفُّ شَبَا الأنْيابِ عنها بمشفرٍ *** خَريعٍ كسِبْت الأحوَرِيِّ المُخَصَّرِ([14])

  والخَرَع: لينٌ في المفاصل. ويقال الخُرَاع جُنون النّاقة؛ وهو من الباب. وممَّا حمل على الخَرْع الشَّقُّ، تقول خَرعته فانخَرَع. واختَرَع الرجُل كَذِباً، أي اشتقّه. وانخرَعَتْ أعضاءُ البعير، إذا زَالتْ مِن مواضعها. ويقال المُخَرَّع المختلف الأخلاق. وفيه نظرٌ، فإنْ صحَّ فهو من خُرَاعِ النُّوق([15]). ويقال خَرِعَتِ النّخلةُ، إذا ذَهَبَ كَرَبُها، تَخْرَعُ.

(خرف)  الخاء والراء والفاء أصلان: أحدهما أن يُجْتَنَى الشيءُ، والآخَرُ الطَّريق.

فالأوّل قولهم اخترفْتُ الثَّمرة، إذا اجتَنَيْتَها. والخريف: الزَّمان الذي يُخْتَرَف* فيه الثِّمار. وأرضٌ مخروفة: أصابها مطرُ الخَريف. والمِخْرَف: الذي يُجْتَنَى فيه. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله: "عائِد المريض على مَخارف الجنّة حتى يرجع([16])". والعرب تقول: اخْرُفْ لنا، أي اجْنِ. والمَخْرَف بفتح الميم: الجماعة من النَّخْل. وقال بعضُ أهلِ اللغة: إن الخَروفَ يسمَّى خَروفاً لأنّه يَخْرُف مِن هاهنا وهاهنا.

والأصل الآخر: المَخْرَفَة: الطريق. وفي الحديث: "تُرِكتُم على مثل مَخْرَفَةِ النَّعَمِ"، أي على الطَّريق الواضح المستقيم. وقال:

فضربْتَهُ بأفَلَّ تحسَِبُ إثْرَهُ *** نَهْجاً إبان بِذي فَرِيغٍ مَخْرَفِ([17])

  ومن هذا الباب الإخْرَافُ، وهو أنْ تُنْتَج الناقةُ في مثل الوقت الذي حَمَلتْ فيه. وهو القياس: لأنّها كأنّها لزمت ذلك القَصْدَ فلم تعوّج عنه.

وبقيت في الباب كلمةٌ هي عندنا شاذّة من الأصل، وهو الْخَرَف، والخَرَف: فسادُ العَقْل من الكبر.

(خرق) الخاء والراء والقاف أصلٌ واحد، وهو مَزق الشَّيء وجَوْبُه، إلى ذلك يرجع فروعه. فيقال: خَرَقْتُ الأرضَ، أي جُبْتُها. واخترَقَتِ الرِّيح الأرضَ، إذا جابَتْها. والمخْتَرَق: الموضع الذي يَخترقه الرِّياح. قال رؤبة:

* وقاتِمِ الأعماق خاوِي المخْتَرَقْ([18]) *

والخَرْق: المَفَازة، لأنّ الرّياح تخترقُها. والخِرْق: الرجُل السخِيّ، كأنَّه يتخرَّق بالمعروف. والخرْق: نقيض الرِّفق، كأنَّ الذي يفعلُه مُتَخًَرِّق. والتَّخَرُّق: خَلْقُ الكذب. وريحٌ خرقاءُ: لا تدوم في الهبوب على جهةٍ. والخَرْقاء: المرأة لا تُحسِن عملاً. قال:

خَرْقاءُ بالخَير لا تَهْدِي لِوجْهَتِهِ *** وهْي صَناعُ الأذى في الأهل والجارِ

  والخَرقاء من الشَّاءِ وغيرها: المثقوبة الأذُن. وبعيرٌ أخرق: يقع مَنْسِمُه بالأرض قبلَ خُفِّه. والخِرْقة معروفةٌ، والجمع خِرَق. وذو الخِرَقِ الطُّهويُّ سمِّي بذلك لقوله:

* عليها الرِّيش والخِرَقُ([19]) *

والخِرْقة من الجراد: القطعة. قال:

قد نَزَلَتْ بساحةِ ابنِ واصلِ *** خِرْقةُ رِجْلٍ من جرادٍ نازلِ([20])

  قال الفرَّاء: يقال: "مررتُ بِخَرِيقٍ من الأرض بين مَسْحَاوين"، وهي التي اتَّسعت واتَّسع نباتها. والجمع خُرُق. قال:

* في خُرقٍ تَشْبَعُ مِنْ رَمْرَامِها([21]) *

ومن الباب الخَرَق، وهو التحيُّر والدَّهَش. ويقال خَرِق الغزالُ، إذا طافَ به الصَّائد فدَهِش ولَصِق بالأرض. ويقال مثل ذلك تشبيهاً: خَرِق الرَّجُل في بيته؛ إذا لم يَبرَح. والخُرَّقُ: طائرٌ يلصَق بالأرض. ثم يُتَّسعُ في ذلك فيقال الخَرَقُ الحَياء. وحُكِي عن بعض العرب: "ليس بها طُولٌ يَذِيمُها، ولا قِصرٌ يُخرقُها"، أي لا تستحْيِي منه فتَخْرَق. والمخاريق: [ما تلعب به الصِّبيان من الخِرق المفتولة([22])]. قال:

* مخاريقٌ بأيدِي لاعبينا([23]) *

(خرم) الخاء والراء والميم أصلٌ واحد، وهو ضرب من الاقتطاع. يقال خَرَمْتُ الشَّيءَ. واختَرمَهُم الدَّهر. وخُرِم الرجُل، إذا قُطِعَتْ وتَرَةُ أنفِه، لا يبلُغ الجدْعَ. والنَّعت أخرمُ. وكلُّ مُنْقَطَعِ طَرَفِ شيءٍ مَخْرِم. يقال لمنقطَعِ أنف الجبل مَخْرِم.

والخوْرَمة: أرنبة الإنسان؛ لأنَّها منقطَع الأنف وآخره. وأَخْرَمُ الكتف: طرف عَيْرِه([24]). ويمينٌ ذاتُ مخارِمَ، أي ذاتُ مخارج، واحدها مَخْرِم؛ وذلك أنّ اليمين التي لا يمكن تأوُّلها بوجهٍ ولا كفّارةٍ فلا مخرج لعينها، ولا انقطاع لحكمها، فإذا كانت بخلاف ذلك فقط صارت لها مخارِم، أي مخارجُ ومنافذ، فصارت كالشَّيء فيه خروق. قال:

لا خير في مالٍ عليه ألِيَّةٌ *** ولا في يمينٍ غيرِ ذاتِ مَخارِمِ

  يريد التي لا كَفَّارة لها، فهي محْرجة مضيّقة. والخَوْرم: صخرةٌ فيها خُروق. ومما يجري كالمثل والتشبيه، قولهم: "تَخرَّم زَنْد فلان"، إذا سكنَ غضبُه.

(خرب)  الخاء والراء والباء أصلٌ يدل على التثلُّم والتثقُّب. فالخُرْبةُ: الثُّقْبة. والعبد الأخرَب: المثقوب الأذن*. والخُرْبُ: ثَقْب الورِك. والخُرْبة: عُروة المزادة.

ومن الباب، وهو الأصل، الخَراب: ضدّ العمارة. والخُرْب: منقَطَع الجُمْهور من الرَّمل. فأمَّا الخارب فسارقُ الإبل خاصَّةً؛ وهو القياس، لأن السَّرِق. إيقاع ثُلْمةٍ في المال.

ومما شذَّ عن الباب الخَرَب، وهو ذكر الحُبارى، والجمع خِرْبان. وأَخْرُب: موضعٌ. [قال]:

خَرجنا نُغالي الوحش بينَ ثُعَالةٍ *** وبين رُحَيَّاتٍ إلى فَجِّ أَخْرُبِ([25])

  (خرت)  الخاء والراء والتاء أصلٌ يدلُّ على تثقُّبٍ وشِبْهه. فالخُرْت: ثَقْب الإبرة والأخرات: الحَلَقَ في رؤوس النُّسُوع. والخِرِّيتُ: الرجلُ الدّليلُ الماهر بالدَّلالة. وسُمِّي بذلك لشقِّه المَفازةَ، كأنّه يدخُل في أخْرَاتِها([26]). ويقال خَرَتْنا الأرض، إذا عَرَفْناها فلم تَخْفَ علينا طرقُها.

(خرث)  الخاء والراء والثاء كلمةٌ واحدة، وهو أَسقاط الشَّيء. يقال لأسقاط أثاث البيت خُرْثِيٌّ. قال:

* وعَادَ كلُّ أثاثِ البيت خُرْثِيّا *

(خرج)  الخاء والراء والجيم أصلان، وقد يمكن الجمعُ بينهما، إلاّ أنّا سلكْنا الطّريقَ الواضح. فالأول: النّفاذُ عن الشَّيء. والثاني: اختلافُ لونَين.

فأمّا الأول فقولنا خَرَج يخرُج خُروجاً. والخُرَاج بالجسد. والخَراج والخَرْج: الإتاوة؛ لأنّه مالٌ يخرجه المعطِي. والخَارجيُّ: الرَّجل المسوَّد بنفْسه، من غير أن يكون له قديم، كأنّه خَرَجَ بنفسه، وهو كالذي يقال:

* نفْسُ عصامٍ سوّدَتْ عِصاما([27]) *

والخُروج: خُروج السحابة؛ يقال ما أحسن خُروجَها. وفلان خِرِّيجُ فلانٍ، إذا كان يتعلَّم منه، كأنّه هو الذي أخرجَه من حدِّ الجهل. ويقال ناقة مُخْتَرِجَةٌ، إذا خرجت على خِلْقة الجَمل. والخَرُوج: الناقةُ تخرُج من الإبل، تبرُك ناحية؛ وهو من الخُروج. والخَرِيج فيما يقال: لُعبةٌ لِفتيان العرب، يقال فيها: خَرَاجِ خَرَاجِ. قال الهذلي([28]):

أرِقْتُ لـه ذاتَ العِشاءِ كأنّه *** مخاريقُ يُدعَى بينهن خَرِيجُ

  وبنو الخارجِيَّة: قبيلة، والنِّسبة إليه خارجيٌّ.

وأمّا الأصل الآخر: فالخَرَجُ لونانِ بين سوادٍ وبياض؛ يقال نعامةٌ خَرْجاءُ وظليمٌ أخرج. ويقال إِنّ الخَرْجاء الشّاة تبيضّ رِجْلاها إلى خاصرتها.

ومن الباب أرض مخَرَّجَة، إذا كان نَبْتُها في مكانٍ دونَ مكان.

وخَرّجت الراعيةُ المَرْتَعَ، إذا أكلَتْ بعضاً وتركَتْ بعضاً. وذلك ما ذكرناه من اختلاف اللّونين.

(خرد)  الخاء والراء والدال أصلٌ واحدٌ، وهو صَوْن الشَّيْء عن المَسِيس. فالجارية الخَريدة هي التي لم تُمَسَّ قطُّ. وحكى ابنُ الأعرابيّ: لؤلؤةٌ خريدة: لم تُثْقَب. قال وكلُّ عذْراءَ فهي خريدة. وجاريةٌ خَرُودٌ: خَفِرَةٌ؛ وهي من الباب. قال ابن الأعرابيِّ: أخردَ الرّجُلُ: إذَا أقلَّ كلامَه. يقال: مالك مُخْرِداً. وهو قياسُ ما ذكرناه؛ لأنّ في ذلك صَوْنَ الكلام واللسان.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) للبيد يذكر الحارث بن أبي شمر الغساني. انظر ديوانه 32 طبع 1881 واللسان (خرز). والكلمتان الأوليان من عجز البيت ساقطتان من الأصل.

([2]) يقال للمرأة والدة على الفعل، ووالد على النسب، كما يقال لابن وتامر. وفي الأصل: "للولد من النساء".

([3]) البيت للأعلم الهذلي كما في اللسان (خرس، حتر). والرواية فيه: "غلاماً" بدل "طعاماً".

([4]) البيت لعمرو بن قمينة، كما في الحيوان (5: 73). وأنشده في اللسان (خرس) بدون نسبة.

([5]) البيت في المجمل واللسان (خرش).

([6]) كذا وردت هذه الكلمة. وفي المجمل: "وفي كلام بعضهم: رب ثدي افترشته، ونهب اخترشته، وضب احترشته".

([7]) البيت لقيس بن الخطيم في ديوانه 12 والمجمل واللسان (خرص).

([8]) لحميد بن ثور. وقبله كما في اللسان (خرص). * يعض منها الظلف الدئيا *

([9]) في الأصل: "الواحد"، صوابه من المجمل واللسان.

([10]) التكملة من اللسان والقاموس، وهي ساقطة من الأصل والمجمل أيضاً.

([11]) في الأصل: "مخرطة"، صوابه من المجمل واللسان.

([12]) البيت في اللسان (رفل)، وعجزه في المجمل.

([13]) البيت للطرماح في ديوانه 179 واللسان (خرع، غرف، نعا). وقبله:

تمر على الوراك إذا المطايا *** تقايست النجاد من الوجين

([14]) أنشده في اللسان (خرع، حور).

([15]) في الأصل: "وهو من الذي من خراع النوق".

([16]) ليس شاهداً للمخرف الذي يجتنى فيه، بل هو شاهد لما سيأتي أن المخرف جماعة النخل.

([17]) لأبي كبير الهذلي من قصيدة في نسخة الشنقيطي من الهذليين 61. وأنشده في اللسان (خرف، فرغ). وسيعيده في (فرغ) برواية: "فأجزته".

([18]) ديوان رؤبة 104.

([19]) البيت بتمامه كما في اللسان:

لما رأت إبلي هزلى حمولتها *** جاءت عجافا عليها الريش والخرق

([20]) الرجز في اللسان (خرق) والمخصص (8: 174) والجمهرة (2: 213). وكلمة "خرقة" ساقطة من الأصل.

([21]) من رجز لأبي محمد الفقعسي. اللسان (خرق 364).

([22]) هذه التكملة من اللسان.

([23]) عجز بيت لعمرو بن كلثوم في معلقته. وصدره: * كأن سيوفنا منا ومنهم *

([24]) العير بالفتح: العظم الناتئ. وفي الأصل: "غيره"، تحريف.

([25]) البيت لامرئ القيس، كما في معجم البلدان (أخرب).

([26]) الأخرات: جمع خرت، بضم الخاء وفتحها، وفي الأصل: "أخرتها"، تحريف.

([27]) عصام هذا، هو عصام بن شهر الجرمي، حاجب النعمان بن المنذر. انظر اللسان (عصم) والاشتقاق 317. وبعده في اللسان:

وعلمته الكرَّ والإقداما *** وصيرته ملكا هماما

([28]) هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوانه 53.

 

 

ـ (باب الخاء والزاء وما يثلثهما)

(خزع)  الخاء والزاء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على القَطْع والانقِطاع. يقال تَخَزَّعَ فلانٌ عن أصحابه، إذا تخلّف عنهم في السَّير؛ ولذلك سمِّيت خُزاعةُ؛ لأنهم تخزَّعوا عن أصحابهم وأقاموا بمكَّة([1]). وهو قول القائل:

فلما هبَطْنا بطْنَ مَرٍّ تخزّعت *** خُزاعَةُ عَنَّا بالحلول الكَراكِر([2])

  ويقال تخزّعْنا الشَيءَ بيننا، أي اقتسمناه قِطَعا. والخَوْزعة: رَمْلة تنقطع من مُعْظم الرِّمال.

(خزف)  الخاء والزاء والفاء ليس بشيءٍ. فالخَزَفُ هذا المعروفُ، ولسنا ندري أعربيٌّ هو أمْ لا. قال ابنُ دريد([3]): الخَزْف الخَطْر باليَد عند المشْي. وهذا من أعاجيب أبي بَكر.

(خزق)  الخاء والزاء والقاف أصلٌ، وهو يدلُّ على نَفاذِ الشَّيء المرمِيّ به أو ارتزازِه. فالخازِق من السِّهام المُقَرْطِس، وهو الذي يرتَزّ في قِرطاسه. وخَزَق الطّائر: ذَرَق. والخَزْق: الطَّعْن. والقياس واحد.

(خزل)  الخاء والزاء واللام* أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانقطاع والضَّعف. يقال خَزَلْتُ الشيءَ: قطعتُه. وانخَزَل فُلانٌ: ضعُف.

(خزم)  الخاء والزاء والميم أصلٌ يدلُّ على انثقاب الشَّيء. فكلُّ مثقوبٍ مخزومٌ. والطَّير كلُّها مخزُومة؛ لأنَّ وَتَرَاتِ أنفها مخزُومة. ولذلك يقال نَعام مُخَزَّمٌ. قال:

* وأرفَعُ صوتي للنَّعام المُخَزّمِ([4]) *

وخَزَمْت الجَرادَ في العُود: نَظَمْته. وخَزمْتُ البعيرَ، إذا جعلْتَ في وَتَرَةِ أنْفه خِزَامةً من شَعْر. وعلى هذا القياسِ يسمَّى شجرةٌ من الشَّجر خَزَمة؛ وذلك أنّ لها لِحاءً يُفتَل منه الحِبال، والحبال خِزامات.

وقد شذَّ عن الباب الخَزُومة: البقرة([5]). وَكلمةٌ أخرى، يقال خازَمْتُ الرّجُلَ الطّريقَ، وهو أن يأخُذَ في طريقٍ ويأخُذَ([6]) هو في غيرِه حتَّى يلتقِيا في مكانٍ واحد. وأخْزَمُ: رجلٌ. فأمَّا قولهم إنّ الأخْزَم الحيَّة الذكرُ، فكلامٌ فيه نظَر.

(خزن)  الخاء والزاء والنون أصلٌ يدلُّ على صيانة الشَّيءِ. يقال خزَنْتُ الدِّرهَم وغيرَه خَزْناً؛ وخزَنتُ السِّرَّ. قال:

إذا المرءُ لم يخْزُنْ عليه لِسَانََُهُ *** فليس على شَيءٍ سِواهُ بخَزَّانِ([7])

  فأمّا خَزِنَ اللّحمُ: تغيَّرَتْ رائحتُه، فليس من هذا، إنما هذا من المقلوب والأصل خنِزَ. وقد ذُكِر في موضعه. قال طرَفة في خزِن:

ثم لا يَخْزَنُ فينا لحمُها *** إنَّما يَخْزَنُ لحمُ المُدَّخِرْ([8])

  (خزو)  الخاء والزاء والحرف المعتل أصلان: أحدهما السياسة، والآخر الإبعاد.

فأمَّا الأول فقولهم خَزَوتُهُ، إذا سُسْتَه. قال لبيد:

* واخْزُهَا بالبِرِّ لله الأجَلّ([9]) *

وقال ذو الأصبع:

لاهِِ ابنُ عَمِّكَ لا أفْضَلْتَ في حسبٍ *** عَنِّي ولا أنتَ دَيّانِي فتخزونِي([10])

  وأمَّا الآخَر فقولُهم: أخزَاهُ الله، أي أبعَدَه ومَقَتَه. والاسم الخِزْي. ومن هذا الباب قولهم خَزِي الرّجل: استحيا مِن قُبْحِ فعله خَزَايةً، فهو خَزيان؛ وذلك أنّه إذا فعل ذلك واستحيا تباعَدَ ونأى. قال جرير:

وإنّ حِمىً لم يَحْمِهِ غيرُ فُرْتَنَى *** وغيرُ ابنِ ذِي الكِيرَيْنِ خَزْيانُ ضائعُ([11])

  (خزب)  الخاء والزاء والباء يدلُّ على وَرَم ونتُوّ في اللّحم. يقال خَزِبَت الناقةُ خَزَباً، وذلك إذا وَرِم ضَرْعُها. والأصل قولهم لحمٌ خزِبٌ: رَخْصٌ. وكلُّ لحمةٍ رَخْصَةٍ خَزِبَة.

(خزر)  الخاء والزاء والراء أصلان. أحدهما جِنْسٌ [من] الطَّبيخ([12])، والآخر ضِيقٌ في الشَّيء.

فالأوّل الخَزِيرُ، وهو دقيقٌ يُلْبَكُ بشَحْم. وكانت العربُ تعَيِّر آكِلَه([13]).

والثاني الخَزَر، وهو ضيق العَيْنِ وصِغَرُها. يقال رجلٌ أخْزَرُ وامرأةٌ خَزْراءُ. وتخازَرَ الرّجُل، إذا قبَض جفنَيه ليحدِّد النّظَر. قال:

* إذا تخازَرْتُ وما بي مِن خَزَرْ([14]) *

ــــــــــــــــــ

([1]) في السيرة 59 جوتنجن ومعجم البلدان (مر) أنهم أقاموا بمر الظهران. وهو موضع على مرحلة من مكة.

([2]) البيت لعوف بن أيوب الأنصاري، كما في السيرة ومعجم البلدان (مر). وقد نسب في اللسان (خزع) إلى حسان بن ثابت. وانظر ديوان حسان 208.

([3]) الجمهرة (2: 216).

([4]) البيت لأوس بن حجر، كما في الحيوان (4: 395) وليس في ديوانه. وصدره:

* وينهى ذوي الأحلام عن حلومهم *

([5]) هي بلغة هذيل. ومنه قول أبي ذرة الهذلي:

إن ينتسب ينسب إلى عرق ورب *** أهل خزومات وشحاج صخب

([6]) في الأصل: "واحد".

([7]) البيت لامرئ القيس في ديوانه 125. وفي اللسان بدون نسبة: "فليس على شيء سواه بخازن".

([8]) ديوان طرفة 69 واللسان (خزن).

([9]) ديوان لبيد 12 طبع 1881 والمجمل واللسان (خزا). وصدره:

* غير أن لا تكذبنها في التقى *

([10]) المفضليات (1: 158، 160) والمجمل واللسان (خزا). وسيأتي في (لاه).

([11]) ديوان جرير 370 والمجمل واللسان (خزا).

([12]) في الأصل: "البطيخ"، تحريف.

([13]) منه قول جرير:

وضع الخزير فقيل أين مجاشع *** فشحا جحافله جراف هبلع

([14]) الرجز لعمرو بن العاص، في وقعة صفين 421 وكذا في اللسان (مرر) قال: "وهو المشهور. ويقال إنه لأرطاة بن سهية تمثل به عمرو". وانظر اللسان (خزر) والمخصص (14: 180) وأمالي القالي (1: 96).

 

 

ـ (باب الخاء والسين وما يثلثهما)

(خسف)  الخاء والسين والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على غموض وغُؤور، وإليه يرجعُ فُروع الباب. فالخَسْف والخَسَف([1]). غموضُ ظاهرِ الأرض. قال الله تعالى: {فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ الأَرْضَ} [القصص 81].

ومن الباب خُسوفُ القَمَر. وكان بعضُ أهل اللُّغة يقول: الخُسوف للقمر، والكُسوف للشمس. ويقال بئرٌ خَسِيفٌ([2])، إذا كُسِرَ جِيلُها([3]) فانهارَ ولم يُنتَزَحْ ماؤُها. قال:

* قَليذَمٌ من العَياليم الخُسُفْ([4]) *

وانخسفَت العينُ: عمِيَتْ. والمهزول يسمَّى خاسفاً؛ كأنّ لحمَه غارَ ودخَل. ومنه: بات على الخَسْفِ، إذا باتَ جائعاً، كأنّه غاب عنه ما أرادَه مِن طعام. وَرضِيَ بالخَسْفِ، أي الدنِيّة. ويقال: وقَع النّاسُ في أخاسِيفَ من الأرض، وهي اللّينة تكاد تَغْمُِضُ لِلينها.

وممّا حُمِل على الباب قولُهم للسحاب الذي [يأتي([5])] بالماء الكثير خَسِيفٌ، كأنَّه شُبِّه بالبئر التي ذكرناها. وكذلك قولهم ناقة خَسِيفة([6])، أي غزيرة. فأمّا قولهم إنّ الخَسْفَ الجَوزُ المأكول* فما أدري ما هُو.

(خسق)  الخاء والسين والقاف ليس أصلاً؛ لأنَّ السِّين فيه مُبدلةٌ من الزاء، وإنّما يُغَيَّر اللّفظُ ليغيَّر بعضُ المعنى. فالخازق من السِّهام: الذي يرتزُّ إذا أصابَ الهدف. والخاسق: الذي يتعلَّق ولا يرتَزُّ. ويقولون-والله أعلم بصحته- إنّ الناقة الخَسُوقَ السيِّئةُ الخُلُق.

(خسل)  الخاء والسين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ضَعْفٍ وقِلَّةِ خَطَر. فالمَخْسُول: المرذول. ورجالٌ خُسَّلٌ مثل سُخَّل، وهم الضُّعَفاء. والكواكب المخسولة: المجهولة التي لا أسماء لها. قال:

ونحنُ الثُّرَيّا وجوزاؤُها *** ونحنُ السّماكانِ والمِرْزَمُ

وأنتُم كواكبُ مَخْسُولةٌ *** تُرَى في السّماء ولا تُعْلَمُ([7])

  (خسأ)  الخاء والسين والهمزة يدلُّ على الإبعاد. يقال خَسَأْتُ الكلبَ. وفي القرآن: {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلاَ تُكَلِّمُونِ} [المؤمنون 108]، كما يقال ابعُدوا.

(خسر)  الخاء والسين والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على النَّقْص. فمن ذلك الخُسْر والخُسْران، كالكُفْر والكُفْران، والفُرْق والفُرْقان. ويقال خَسَرْتُ المِيزانَ وأخْسَرْتُه، إذا نقَصْتَه. والله أعلم.

ـــــــــــــــ

([1]) كذا في الأصل مع الضبط. والذي في المعاجم المتداولة: الخسف والخسوف.

([2]) في الأصل: "هو خسيف"، صوابه من المجمل واللسان.

([3]) جيل البئر، بالكسر، وكذا جالها وجولها: جدارها وجانبها. وفي الأصل والمجمل والجمهرة واللسان: "جبلها" تحريف، صوابه ما أثبت.

([4]) لأبي نواس في مرثية خلف الأحمر. انظر ديوانه 132 والحيوان (3: 493) ومحاضرات الراغب (1: 49/ 2: 236).

([5]) التكملة من المجمل.

([6]) وكذا في المجمل. لكن في اللسان والقاموس "خسيف" بطرح الهاء.

([7]) البيتان في المجمل واللسان (خسل، سخل)، إذ يروى فيه "مسخولة". وأنشد البيت الثاني في الأزمنة والأمكنة (2: 373).

 

 

ـ (باب الخاء والشين وما يثلثهما)

(خشع)  الخاء والشين والعين أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على التَّطامُن. يقال خَشَع، إذا تطامَنَ وطأْطأَ رأسَه، يخشَع خُشوعاً. وهو قريبُ المعنى من الخضوع، إلاّ أنّ الخُضوع في البدَن والإقرارُ بالاستخذاء، والخشوعَ في الصَّوتِ والبصر. قال الله تعالى: {خَاشِعَةً أبْصَارُهُمْ} [القلم 43، المعارج 44]. قال ابنُ دريد: الخاشِع المستكينُ والرَّاكع. يقال اختشعَ فلانٌ، ولا يقال اختَشَع بَصرُه. ويقال: خَشَع خَراشِيَّ صدْرِه، إذا ألْقى بُزاقاً لزِجاً. والخُشْعَة: قِطعةٌ من الأرض قُفٌّ قد غلبَتْ عليه السُّهولة. يقال قُفٌّ خاشع: لاطِئٌ بالأرض. قال ابنُ الأعرابيّ: بلدةٌ خاشعة: مُغْبَرَّة. قال جريرٌ:

لَمّا أتى خبرُ الزُّبَيْرِ تواضعت *** سُورُ المدينةِ والجبالُ الخُشَّعُ([1])

  قال الخليل. خَشَعَ سَنامُ البَعير، إذا ذهَبَ إلاّ أقله.

(خشف)  الخاء والشين والفاء يدلُّ على الغُموض والسَّتْر وما قارب ذلك. فالخُشَّاف: طائرُ الليل، معروف([2]). والمِخْشَف: الرّجل الجَريء على الليّل. ويقال خَشَفَ يَخْشِفُ خُشُوفاً، إذا ذهَبَ في الأرض وهو قياس الباب. والأخْشَف: البعير الذي غطَّى جلدَه الجربُ؛ لأنّه إذا غطَّاه فقد سَتَره. وسيف خَشِيفٌ: ماضٍ، في ضريبَتِه غُموضٌ([3]). والخشْفَة: الصَّوت ليس بالشديد.

ومما شذَّ عن الأصل الخَُِشْف: وهُوَ الغَزَال. وهو صحيح. ويقولون-والله أعلم- إنَّ الخشيف الثَّلج ويبيس الزَّعفَران([4]). وخشَفْت رأسَه بالحجر، إذا فضخْته. فإنْ كان هؤلاء الكلماتُ الثّلاثُ صحيحةً فقياسُها قياسٌ آخر، وهو من الهشْمِ والكَسْر.

(خشل)  الخاء والشين واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حَقارة وصِغَر. قالوا: الخَشْل الرديُّ مِن كلِّ شيء. قالوا: وأصلُه الصِّغار من المُقْل، وهو الخَشْل. الواحدة [خَشلْة]. قال الشَمّاخ يصف عُقَاباً ووكْرَه:

تَرَى قِطَعاً من الأحناش فيه *** جماجِمُهنَّ كالخَشَلِ النَّزِيعِ([5])

  يقول: إنّ في وكره رؤوسَ الحيّات. ويقال لِرُؤوس الحَلي، من الخلاخيل والأسورة خَشْل. وهذا على معنى التشبيه، أو لأنَّ ذلك أصغرُ ما في الحَلْي. وكان الأصمعيُّ يفسِّر بيت الشماخ على هذا.

قال: وشبّه رؤوس [الأحناش] بذلك، وهو أشْبَه. ويقال إنّ الخَشْل البَيْض إذا أخرج ما في جَوْفه. فإن كان هذا صحيحاً فلا شيءَ أحقَرُ من ذلك. وهو قياس الباب.

(خشم)  الخاء والشين والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على ارتفاعٍ. فالخَيْشوم: الأنف. والخَشَم: داءٌ يعتَرِيه. والرجل الغليظُ الأنْفِ خُشَام. والمُخَشَّم: الذي ثار([6]) الشَّرابُ في خَيشومه فسَكِر. وخياشيم الجِبال: أنوفُها.

وشذَّت عن الباب كلمةٌ إن كانت صحيحة. قالوا: خَشِم اللّحمُ تغيّر.

(خشن)  الخاء والشين و*النون أصلٌ واحد، وهو خلافُ اللِّين. يقال شيءٌ  خَشِنٌ. ولا يكادُون يقولون في الحجَر إلاَّ الأخْشَن. قال:

* [و] الحجرُ الأخْشَنُ والثِّنَايَهْ([7]) *

واخشَوْشَنَ الرَّجُل، إذا تماتَنَ وترك التُّرْفَةَ. وكتيبة خشناءُ، أي كثيرة السِّلاح.

(خشي)  الخاء والشين والحرف المعتل يدلُّ على خَوف وذُعْر، ثمّ يحمل عليه المجاز. فالخَشيَة الخَوْف. ورجلٌ خَشْيَانُ. وخاشانِي فلانٌ فخشَيْتُه، أي كنتُ أشّد خَشْيةً منه.

والمجاز قولهم خَشِيت بمعنى عَلِمت. قال:

ولقد خَشِيت بأنَّ مَن تَبِعَ الهُدى *** سكَنَ الجِنَانَ مع النبيِّ محمدِ([8])

أي علِمتُ. ويقال هذا المكانُ أخْشَى من ذلك، أي أشدُّ خوفاً.

ومما شذَّ عن الباب، وقد يمكن الجمعُ بينهما على بُعدٍ، الخَشْوُ: التمر الحَشَف. وقد خَشَتِ النَّخلةُ تَخْشُو خَشْواً. والخَشِيُّ من اللّحم([9]): اليابسُ.

(خشب)  الخاء والشين والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خشونةٍ وغِلَظ. فالأخْشَب: الجبَلُ الغليظ. ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم، في مكّة: "لا تَزُول حَتَّى يَزُولَ أخْشَبَاها". يريد جبلَيْها. وقول القائل يصف بعيراً:

* تَحْسَب فَوقَ الشَّوْلِ مِنْه أخْشَبَا([10]) *

فإنّه شبَّهَ ارتفاعَه فوق النُّوق بالجبَل. والخَشِيب السيف الذي بُدِئَ طَبعُه؛ ولا يكون في هذه الحال إلاّ خَشِناً. وسهمٌ مخْشوبٌ وخشيبٌ، وهو حين يُنْحَتُ. وجَمَلٌ خشيب: غليظ. وكلُّ هذا عندي مشتقٌّ من الخشَب. وتخشَّبت الإبل، إذا أكَلَتِ اليبيسَ من المرعَى. ويقال جَبْهةٌ خَشْبَاءُ: كريهة يابسة ليست بمستوية. وظَليمٌ خشيبٌ: غليظ. قال أبو عُبيد: الخشيبُ السَّيفُ الذي بُدِئَ طبعُه؛ ثمّ كثُر حتَّى صار عندهم الخشيبُ الصقيلَ.

(خشر)  الخاء والشين والراء يدلُّ على رداءةٍ ودُونٍ. فالخُشَارة: ما بقي [على] المائدةِ، ممّا لا خيرَ فيه. يقال خَشَرْتُ أَخْشِر خَشْراً، إذا بَقّيت الرَّدِيّ([11]). ويقال الخُشَارة من الشَّعير: ما لا لُبَّ لـه، فهو كالنُّخَالة. وإنّ فُلاناً لَمِنْ خُشارة النّاس، أي رُذَالِهم.

ـــــــــــــــــ

([1]) انظر خزانة الأدب (2: 166).

([2]) وهو الذي يقال له الخفاش.

([3]) في الأصل: "في ضريبته غموض فيها".

([4]) ذكر في القاموس ولم يذكر في اللسان.

([5]) ديوان الشماخ 61 واللسان (خشل).

([6]) في الأصل والمجمل: "سار"، صوابه في اللسان.

([7]) انظر ما سبق في مادة ثني (1: 391)، وكذا اللسان (خشن).

([8]) البيت في المجمل واللسان (خشى).

([9]) في اللسان والمجمل: "من الشجر".

([10]) وكذا في اللسان والمخصص (10: 77)، فالضمير في "منه" للبعير، لكن في المجمل "منها"، وضمير هذه للنوق.

([11]) في المجمل: "خشرت ذاك إذا أبقيته"، والمعنيان مذكوران في اللسان.

 

 

ـ (باب الخاء والصاد وما يثلثهما)

(خصف)  الخاء والصاد والفاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على اجتماعِ شيءٍ إلى شيء. وهو مطّرِدٌ مستقيم. فالخَصْف خَصْفُ النَّعْل، وهو أن يُطَبَّق عليها مثلُها. والمِخْصَف: الإشْفَى والمِخْرزُ. قال الهذلي([1]):

حَتَّى انتهَيْتُ إلى فِراشِ عَزِيزةٍ *** سَوداءَ رَوْثَةُ أَنفِها كالمِخْصَفِ([2])

  يعني بِفراشِ العَزيزة عُشَّ العُقَاب.

ومن الباب الاختصاف، وهو أن يأخذ العُرْيانُ على عَوْرته ورقاً عريضاً أو شيئاً نحْوَ ذلك يَسْتَتِرُ به. والخَصِيفة: اللَّبنُ الرائبُ يُصَبُّ عليه الحليب.

ومن الباب، وإن كانا يخْتلفانِ في أنّ الأوّل جَمْعُ شيءٍ إلى شيء مطابقةً، والثاني جَمْعه إليه من غير مطابقة، قولُهم حَبْلٌ خَصِيفٌ: فيه سوادٌ وبياض. قال بعضُ أهلِ اللُّغة: كل ذي لونينِ مجتمعين فهو خَصِيفٌ. قال: وأكثر ذلك السَّوادُ والبياضُ . وفرس أَخْصَفُ، إذا ارتفَعَ البلَق من بطنه إلى جنْبَيه.

ومن الباب الخَصَفةُ، وهي الجُلَّةُ من التَّمْرِ؛ وتكون مخصوفةً. قال:

* تَبِيعُ بَنِيهَا بالخِصافِ وبالتَّمْرِ([3]) *

ومن الذي شذَّ عن هذه الجملة قولُهم للنّاقة إذا وضعت حَمْلَها بعد تسعة أشهر: خَصَفَتْ تخْصِف خِصافاً؛ وهي خَصُوفٌ.

(خصل)  الخاء والصاد واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على القَطْعِ والقِطعةِ من الشَّيء، ثم يُحمَل عليها تشبيهاً ومجازاً. فالخَصْل القَطْع. وسيف مِخْصَل: قطَّاع([4]). والخُصْلة من الشَّعَْر معروفة. والخَصِيلة: كلُّ لحمةٍ فيها عَصَبٌ. هذا هو الأصل.

وممّا حُمِل عليه الخُصَل* أطراف الشّجرِ المتدلّيةُ. ومن هذا الباب الخَصْل في الرِّهان، وذلك أن تُحْرِزَه. والذي يحرزُه طائفةٌ من الشيء. ثمَّ قيل: في فلانٍ خَصْلةٌ حَسَنةٌ وسيِّئة. والأصل ما ذكرناه.

(خصم)  الخاء والصاد والميم أصلان: أحدهما المنازعة، والثاني جانبُ وِعاءٍ.

فالأوّل الخَصْمُ الذي يُخاصِم. والذّكرُ والأنثى فيه سواءٌ. والخِصام: مصدرُ خاصمتُه مُخاصَمةً وخِصاماً. وقد يجمع الجمعُ على خُصومٍ. قال:

* وقد جَنَفَتْ عَلَيَّ خُصُومِي([5]) *

والأصل الثاني: الخُصْم جانب العِدْل الذي فيه العُرْوة. ويقال إنّ جانب كلِّ شيءٍ خُصْمٌ. وأخْصامُ العين: ما ضُمَّتْ عليه الأشفار. ويمكن أنْ يُجمَع بين الأصلين فيردَّ إلى معنىً واحد. وذلك أنّ جانِبَ العِدل مائلٌ إلى أحد الشقيْنِ، والخَصْم المنازِعُ في جانبٍ؛ فالأصل واحدٌ.

(خصن)  الخاء والصاد والنون ليس أصلاً. وفيه كلمةٌ واحدة إن صَحَّت. قالوا: الخَصِين: الفأس الصَّغيرة.

(خصي)  الخاء والصاد والحرف المعتل كلمةٌ واحدةٌ لا يُقاسُ عليها إلاّ مجازاً، وهي قولُهم خَصَيتُ الفَحْل خَصْياً. و"برِئْتُ إليك من الخِصاء". ومعنى خَصَيْت فعلٌ مشتقٌّ من الخُصْي؛ وهو إيقاعٌ به، كما يقال ظَهَرْتُه وبطنته، إذا ضربتَ ظهْرَه وبطنَه. فكذلك خَصَيْته: نزعت خُصْيَيْه.

(خصب)  الخاء والصاد والباء أصلٌ واحد، وهو ضدُّ الجَدْب. مكانٌ مُخْصِبٌ: خَصِيبٌ. ومن الباب الخِصَاب: نَخْل الدَّقَل([6]).

(خصر)  الخاء والصاد والراء أصلان: أحدهما البَرْد، والآخر وسَط الشَّيء.

فالأوّل قولُهم خَصِر الإنسانُ يَخْصَر خَصَراً، إذا آلَمهُ البَرد في أطرافه. وخَصِر يومنا خَصراً، أي اشتدَّ برْدُه. ويومٌ خَصِرٌ. قال حسان:

رُبَّ خالٍ لِيَ لو أبْصَرْتِهِ *** سَبِطِ المِشيْةِ في اليومِ الخَصِرْ([7])

  وأمَّا الآخَر فالخَصْر خَصْرِ الإنسانِ وغيره، وهو وَسَطُه المستدِقُّ فوق الورِكين. والمُخَصَّر: الدقيق الخَصْر. ومنه النَّعلُ المُخَصَّرَة. وأما المِخْصَرَةُ فقضيبٌ أو عصا يكون مع الخاطب إذا تكلَّم؛ والجمعُ مَخاصر. قال:

* إذا وصَلُوا أيمانَهُمْ بالمخاصرِ([8]) *

وإنّما سُمِّيت بذلك لأنّها تُوازِي خَصْر الإنسان. والمخَاصَرة: أن يأخذ الرجل [بيَدِ آخرَ([9])] ويتماشَيانِ ويَدُ كلِّ واحدٍ منهما عندَ خَصْرِ صاحبِه. قال:

ثُمَّ خاصَرْتُها إلى القبَّة الخَضْـ *** ـرَاءِ تمشِي في مَرْمَرٍ مَسْنُونِ([10])

  وخَصْر الرّمْل: وسَطَه. قال:

أَخَذْنَ خُصُورَ الرّمْلِ ثمَّ جَزَعْنَه *** على كُلِّ قَيْنِيٍّ قَشيبٍ وَمُفْأَمِ([11])

  والاختصار في الكلام: تَرْكُ فُضولِه واستيجاز معانيه. وكان بعضُ أهل اللغة يقول الاختصار أخْذُ أوساط الكلامِ وتَرْكُ شُعَبِه. ويقال إنّ المخاصرةَ في الطَّريق كالمخَازَمَة([12]). وقد ذُكِر. والله أعلم.

ــــــــــــــــــ

([1]) هو أبو كبير الهذلي، من قصيدة لـه في ديوان الهذليين 64 نسخة الشنقيطي. والبيت منسوب إليه في اللسان (روث، عزز، خصف).

([2]) الروثة: المنقار. وفي الأصل: "لوثة"، صوابه من المصادر المتقدمة.

([3]) عجز بيت للأخطل في ديوانه 131 واللسان (خصف). وصدره:

* فطاروا شقاف الأنثيين فعامر *

([4]) في اللسان أنه لغة في "المقصل". فهو من باب الإبدال.

([5]) قطعة من بيت للبيد  في اللسان (جنف). وهو بتمامه:

إني امرؤ منعت أرومة عامر *** ضيمي وقد جنفت عليّ خصومي

([6]) الخصاب: جمع خصبة، بالفتح. والدقل؛ بالتحريك: ضرب من التمر رديء.

([7]) ديوان حسان 205 واللسان (خصر). وقبله:

سألت حسان من أخواله *** إنما يسأل بالشيء الغمر

قلت أخوالي بنو كعب إذا *** أسلم الأبطال عورات الدبر

([8]) صدره كما في اللسان (حصر):

* يكاد يزيل الأرض وقع خطابهم *

وجاء في شعر صفوان الأنصاري في البيان والتبيين (1: 38):

ولا الناطق النخار والشيخ دغفل *** إذا وصلوا أيمانهم بالمخاصر

([9]) التكملة من المجمل واللسان.

([10]) لأبي دهبل الجمحى، كما في اللسان (خصر) والأغاني (6: 157). ويروى لعبد الرحمن بن حسان.

([11]) أنشد صدره في المجمل واللسان. ولعله رواية في بيت معلقة زهير:

ظهرن من السوبان ثم جزعنه *** على كل قيني قشيب ومفأم

([12]) المخازمة، بالخاء المعجمة والزاي. وفي الأصل: "كالمخارمة"، وفي المجمل: " كالمخادمة"، صوابهما في اللسان (خزم).

 

 

ـ (باب الخاء والضاد وما يثلثهما)

(خضع)  الخاء والضاد والعين أصلان: أحدُهما تطامُنٌ في الشَّيء، والآخرُ جنسٌ من الصَّوت.

فالأوّل الخُضُوع. قال الخَليل. خضع خُضوعاً، وهو الذلُّ والاستخذاء. واختَضَع فلانٌ، أي تذلَّل وتقاصر. ورجلٌ أخْضَعُ وامرأةٌ خَضْعاءُ، وهما الرّاضِيانِ بالذُّلِّ. قال العجاج:

وصرتُ عبداً للبَعوضِ أخْضَعَا *** يَمَصُّنِي مَصَّ الصَّبِيِّ المُرْضِعا([1])

  وقال غيره: خَضَعَ الرّجلُ، وأخْضَعَهُ الفقرُ. ورجلٌ خُضَعةٌ: يَخْضَعُ لكلِّ أحَد. قال الشَّيبانيّ: الخَضَع انكبابٌ في العُنُق إلى الصَّدْر؛ يقال رجُلٌ أخْضَع وعُنُقٌ خَضْعاء. قال زهير:

وَرْكاءُ مُدْبِرةً كَبْدَاءُ مُقْبِلَةً *** قوْداءُ فيها إذا استعرضْتَها خَضَعُ([2])

  قال بعض الأعراب: الخَضَعُ في الظِّلمانِ: انثناءٌ في أعناقها. قال أبو عمرو: *المُختضِع من اللواحم المتطامِنُ رأسُه إلى أسفلِ خُرطومِه. قال النابغة([3]):

أهْوَى لها أمْغَرُ السَّاقين مختضِعٌ *** خُرطومُه من دِماء الصَّيدِ مختضبُ

  قال ابنُ الأعرابيّ: الأخضع المتطامِن. ومنه حديث الزبير: "أَنّه كان أخْضَعَ أشعَر". قال أبو حاتم: الخُِضْعانُ([4]) أنْ تخضَع الإبلُ بأعناقِها في السَّير، وهو أشدُّ الوَضْع. قال: ويقال أَخْضَعَه الشَّيبُ وخَضَعَه. قال: ويقال اختضَع الفحلُ النّاقةَ، وهو أنْ يُسَانَّها([5]) ثم يَخْتَضِعها إلى الأرض بكلكَلِه. ويقال خضَع النَّجمُ، إذا مالَ للمغيب. قال امرؤ القيس:

بَعَثْتُ إليها والنجومُ خواضعٌ *** بِلَيْلٍ حِذاراً أنْ تَهُبَّ وتُسْمَعَا

  قال ابن دريد: خَضَع الرّجلُ وأخْضَع، إذا لانَ كلامُه. وفي الحديث: "نهى أنْ يُخضِع الرّجلُ لغير امرأته" أي يليِّن كلامه.

وأمّا الآخر فقال الخليل: الخَيْضعَةُ: التفافُ الصَّوت في الحربِ وغيرِها. ويقال هو غُبَار المعركة.

وهذا الذي قِيل في الغُبار فليس بشيء؛ لأنه لا قِياسَ له، إلا أن يكون على سبيلِ مجاوَرَةٍ. قال لبيدٌ في الخَيْضعة:

* الضاربُونَ الهامَ تحتَ الخَيْضَعَهْ([6]) *

قال قومٌ: الخْيضعة مَعركةُ القِتال؛ لأنّ الأقران يَخضعُ فيها بعضٌ لبعضٍ. وقد عادت الكلمةُ على هذا القول إلى الباب الأول.

قال ابنُ الأعرابيّ: وقع القومُ في خَيْضَعةٍ، أي صَخَب واختلاطٍ. قال ابنُ الأعرابيّ: والخَضِيعة الصَّوتُ الذي يُسمَع مِن بطن الدابّة إذا عدَتْ، ولا يُدرَى ما هُوَ، ولا فِعْلَ من الخضيعة. قال الخليل الخَضِيعة ارتفاعُ الصَّوت في الحرب وغيرِها، ثمَّ قِيل لما يُسمَع من بطن الفرس خَضِيعة. وأنشد:

كأنّ خَضِيعةَ بطنِ الجوَا *** دِوعْوَعةُ الذِّئبِ في فَدْفَدِ([7])

  قال أبو عمرو: ويقال خَضَع بطنُه خَضِيعةً، أيْ صوّتَ.

قال بعضهم: الخَضُوع من النساء: التي تَسمَع لخواصرهَا صلصلةً كصوتِ خَضِيعة الفرَس. قال جندل([8]):

ليست بسَوداءَ خَضُوعِ الأعْفاجْ *** سِرْداحةٍ ذاتِ إهابٍ مَوَّاجْ

  قال أبو عبيدة: الخَضِيعتانِ لحمتانِ مجوَّفتان في خاصِرَتي الفرس، يدخلُ فيهما الرّيح فيسمعُ لهما صوتٌ إذا تَزَيَّد في مَشْيِه. قال الأصمعيّ: يقال: "للسِّياط خَضْعَةٌ، وللسُّيوف بَضْعة". فالخَضْعة: صوتُ وقْعِها، والبَضْعَةُ: قَطْعُها اللَّحم.

(خضف)  الخاء والضاد والفاء ليس أصلاً ولا شغل به([9]). ويقولون خَضِف إذا خَضَم([10]). والخَضَفُ: البِطِّيخ، فيما يقولون.

(خضل)  الخاء والضاد واللام أصلٌ واحد يدلُّ على نَعْمةٍ ونَدى. يقال أخْضَلَ المطرُ [الأرضَ] فهو مُخْضِلٌ، والأرض مُخْضَلَةٌ. واخضلَّ الشَّيءُ: ابتلّ. والخَضِلُ: النَّبات الناعم. ويقال إنّ الخضيلةَ الرَّوضة. ويقال لامرأة الرّجُل خُضُلَّتُه([11])، وهو من هذا وذلك، كما سُمِّيَت طَلَّةً، لأنّها كالطّلِّ في عَينِه. وكل نِعمة خُضُلّة. قال:

إذا قلتُ إنّ اليومَ يومُ خَضُلّةٍ *** ولا شرْزَ لاقيتُ الأمورَ البَجَارِيا([12])

  (خضم)  الخاء والضاد والميم أصلان: جنسٌ من الأكل، والآخَر يدلُّ على كثرةٍ وامتلاء.

فالأوّل الخَضْم، وهو المضغ بأقصى الأضراس. وفي الحديث: "تَخْضِمون ونَقْضَمُ، والموعد الله".

والأصل الآخَر: الخِضَمُّ: الرجُل الكثير العطيَّة. والخِضَمُّ: الجَمْع الكثير. قال:

* فاجتَمَع الخِضَمُّ والخِضَمُّ([13]) *

وأما المِسَنّ([14]) فيقال له الخِضَمُّ تشبيهاً، وإنّما ذاك من قياس الباب؛ لأنّه يُسقى ماءً كثيراً. وحُجَّتُه قول أبي وجْزة:

* على خِضَمٍّ يُسَقَّى الماءَ عَجّاجِ([15]) *

ومن الباب الخُضُمَّة، وهي عَظْمة الذّراع، وهو مُسْتَغْلَظُها. ويقال إنّ *مُعظم كلِّ شيء خُضُمَّةٌ.

(خضن)  الخاء والضاد والنون أصلٌ واحد صحيح. فالمُخَاضَنة: المُغازلة. قال الطرمّاح:

وألقتْ إليَّ القولَ منهنَّ زَوْلةٌ *** تُخَاضِنُ أوْ ترنُو لِقولِ المُخَاضِنِ([16])

   (خضب)  الخاء والضاد والباء أصلٌ واحدٌ، وهو خَضْبُ الشَّيء. يقال خضبت اليدَ وغيرَها أخْضِبُ. ويقال للظليم خاضِبٌ، وذلك إذا أكَلَ الرَّبيعَ فاحمرَّ ظُنْبوباه أو اصفَرَّا. قال أبو دُوَاد:

له ساقا ظليم خا *** ضبٍ فُوجِئَ بالرُّعْبِ([17])

  ولا يقال إلاّ للظَّليم، دُونَ النعامة. يقال: امرأةٌ خُضَبَةٌ: كثيرة الاختضاب. ويقال [خَضَبَ] النّخلُ، إذا اخضرَّ طَلْعُه. وقال بعضهم: خضب الشجر يَخْضب([18]) إذا اخْضَرَّ؛ واخضَوْضَب. والكَفُّ الخَضيبُ: نجم؛ وهذا على التَّشبيه. وأَمّا الإجَّانة وتسميتُهم إيّاها المِخْضَب فهو في هذا؛ لأنّ الذي يُخْضَب به يكون فيها([19]).

(خضد)  الخاء والضاد والدال أصلٌ واحدٌ مطّرِدٌ، وهو يدلُّ على تَثَّنٍّ في شيءٍ ليِّن. يقال انخضد العُود انخِضاداً، إذا تَثَنَّى من غير كَسْر. وخَضَدتُه: ثَنَيْتُه. وربَّما زادُوا في المعنى فقالوا: خَضَدْتُ الشجرةَ، إذا كَسَرت شوكتَها. ونباتٌ خَضيدٌ. والأصلُ هو الأوَّل؛ لأنّ الخضيد هو الرّيَّان الناعم الذي يتثنَّى لِلِينه. فأما قولُ النَّابغة:

يَمُدُّهُ كلُّ وادٍ مُتْرَعٍ لجِبٍ *** فيه رُكامٌ من اليَنْبُوتِ والخَضَدِ([20])

فإنّه يقال: الخَضَد ما قُطِع من كلِّ عُودٍ رَطْب. ويقال خَضَدَ البعيرُ عُنقَ البعير، إذا تقاتَلا فَثَنى أحدُهما عُنُقَ الآخَر.

(خضر)  الخاء والضاد والراء أصلٌ واحد مستقيم، ومحمولٌ عليه. فالخُضرة من الألوان معروفة. والخَضْراء: السَّماء، لِلَونها، كما سُمِّيت الأرضُ الغَبراء. وكتيبةٌ خضراءُ، إذا كانت عِلْيَتُها([21]) سواد الحديد، وذلك  أنّ كلَّ ما خالَفَ البياضَ فهو في حَيِّز السَّواد؛ فلذلك تداخلت هذه الصفاتُ، فيسمى الأسودُ أخضَر. قال الله تعالى في صفة الجنَّتين: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن 64] أي سَوداوان. وهذا من الخضرة؛ وذلك أن النّبات الناعم الريَّانَ يُرَى لشدّة خُضرته من بُعدٍ أسود. ولذلك سُمِّي سَوادُ العِراق لكثرة شجرِه. والخُضْر: قومٌ سُمُّوا بذلك لسواد ألوانهم. والخُضرة في شِيات الخَيل: الغُبرة تخالطها دُهْمة. فأَمّا قوله:

وأنا الأخضرُ مَن يعرفني *** أخْضَرُ الجلدة في بيتِ العربْ([22])

  فإنه يقول: أنا خالصٌ؛ لأنّ ألوان العرب سُمْرَةٌ([23]). فأمّا الحديثُ: "إيّاكم وخَضْرَاءَ الدِّمَن" فإنّ تلك المرأة الحسناء في منبِت سَوْءٍ، كأنّها شجرةٌ ناضرة في دِمْنة بَعر. والمخاضَرة: بيع الثِّمار قبل بدُوِّ صلاحِها؛ وهو منهيٌّ عنه. وأمّا قولهم: "خُضْر المَزَاد" فيقال إنّها التي بقيت فيها بقايا ماءٍ فاخضرّت من القِدم، ويقال بل خُضْرُ المزاد الكُروش.

ويقال إن الخَضَارَ البقلُ الأوّل.

فأما قوله: "ذهب دمُه خِضْراً"، إذا طُلّ. فأَحسَِبه من الباب. يقول: ذهب دمُه طرِيَّاً كالنَّبات الأخضر، الذي إذا قُطِع لم يُنتفَع به بعدَ ذلك وبَطَل وذَبُل.

فأمّا قولهم إنَّ الخَضار اللَّبنُ الذي أُكثِر ماؤُه، فصحيحٌ، وهو من الباب؛ لأنّه إذا كان كذا غَلَبَ الماءُ، والماء يسمَّى الأسمر. وقد قلنا إنّهم يسمُّون الأسْوَدَ أخضرَ، ولذلك يسمَّى البحرُ خُضارة.

ــــــــــــــــــ

([1]) ديوان العجاج 82 واللسان (خضع).

([2]) قبله في ديوان زهير 237:

لقد لحقت بأولى القوم تحملني *** لما تذاءب للمشبوبة الفزع

([3]) ليس في ديوانه.

([4]) بالضم، كالغفران والكفران، وبالكسر، كالوجدان.

([5]) يقال سان البعير الناقة يسانها مسانة وسنانا: عرضها للتنوخ ليسفدها.

([6]) البيت من أرجوزة للبيد في ديوانه 7-8 وأمالي ثعلب 449 والخزانة (4: 117).

وانظرها مع قصتها في الخزانة وأمالي المرتضى (1: 134- 147) والحيوان (5: 173) والأغاني  (14: 91-92) والعمدة (1: 27).

([7]) نسب في اللسان (خضع) لامرئ القيس.

([8]) هو جندل بن المثنى الطهوي، أحد رجازهم.

([9]) كذا في الأصل.

([10]) خضم، بالخاء والضاد المعجمتين، أي ضرط. ومثله "حصم" بالمهملتين. وفي الأصل: "خصم"، تحريف. وفي المجمل "حبق".

([11]) قال بعض سجعة فتيان العرب: "تمنيت خضلة، ونعلين وحلة".

([12]) لمرداس الدبيري، كما في اللسان (خضل، شرز). وفي الأصل: "ولا شر"، صوابه في المجمل واللسان. والشرر: الشديدة من شدائد الدهر.

([13]) للعجاج في ديوانه 63 واللسان (خضم). وبعده: * فخطموا أمرهم وزموا *

([14]) المسن: الذي يسن عليه الحديد ونحوه. وأخطأ بعض اللغويين فجعله المسن من الإبل.

([15]) صدره كما في اللسان (خضم): * حرى موقعة ماج البنان بها *

([16]) ديوان الطرماح 164 واللسان (خضن). وفي صلب الديوان:

وألقت إليّ القول عنهن زولة *** تلاحن أو ترنو لقول الملاحن

    وهذه الرواية أيضاً في اللسان (لحن).

([17]) البيت يروى من قصيدة لعقبة بن سابق في كتاب الخيل لأبي عبيدة 157-160 ونسب إلى أبي دؤاد في اللسان (خضب) وكلمة "خاضب" ساقطة من الأصل.

([18]) يقال، من بابي ضرب وتعب، وكذا خضب، بالبناء للمفعول.

([19]) في الأصل: "فيكون فيها".

([20]) ديوان النابغة 26 واللسان (خضد، نبت).

([21]) في المجمل: "إذا غلب عليها لبس الحديد".

([22]) البيت للمفضل بن العباس اللهبي كما في رسائل الجاحظ 71 والكامل 143 ليبسك ومعجم المرزباني 309 وكنايات الجرجاني 51 والأضداد 335. ونسب في اللسان (خضر) إلى عتبة بن أبي لهب، وفي رسائل الجاحظ أيضاً إلى عمر بن عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي.

([23]) في المجمل: "السمرة".

 

 

ـ (باب الخاء والطاء وما يثلثهما)

(خطف)  الخاء والطاء والفاء أصلٌ واحدٌ مطّرِد منقاس، وهو استلابٌ في خفّة. فالخَطْف الاستلاب. تقول. خَطِفْتُه أخْطَفُه، وخَطَفْتُه أخطِفُه. وبَرْقٌ خاطفٌ لنور الأبْصار. قال الله تعالى: {يَكَادُ البَرْقُ يَخْطَِفُ أَبْصَارَهُم([1])} [البقرة 20]، والشيطان يخطَِف السَّمع، إذا استرق. قال الله تعالى: {إلاَّ مَنْ خَطِفَ الخَطْفَة} [الصافات 10]. ويقال للشيطان: "الخَطّاف"، وقد* جاء هذا  الاسم في الحديث:([2]). وجمل خَيْطَفٌ: سريع المَرّ. وتلك السُّرعة الخَيْطَفى. قال:

* وعَنَقاً باقِي الرَّسيم خَيْطفا([3]) *

وبه سُمِّي الخَطَفى، والأصل فيه واحد؛ لأنّ المسرعَ يقلُّ لُبْث قوائمه على الأرض، فكأنّه قد خَطَِف الشَّيء. ويقال هو مُخْطَفُ الحَشَا، إذا كان منطوِيَ الحشا. وذلك صحيحٌ؛ لأنّه كأنّ لحمَه خُطِف منه فرقَّ ودَقَّ. فأما قولهم: رمَى الرمِيَّة فأَخطَفَها؛ إذا أخطأها، فمْمكنٌ أن يكون من الباب، [وممكنٌ أن يكون] الفاءُ بدلاً من الهمزة. قال:

* إذا أصابَ صَيْدَهُ أو أخْطَفَا([4]) *

والخُطّاف: طائر، والقياس صحيح، لأنّه يخطَف الشيءَ بمِخلبه. يقال لمخاليب السِّباع خطاطيفها. قال:

إذا عَلِقَتْ قِرْناً خَطَاطيفُ كَفِّهِ *** رأى الموتَ بالعينَين أسودَ أحْمَرا([5])

  والخطّاف: حديدةٌ حَجْناء؛ لأنه يُخْتَطف بها الشيء، والجمع خطاطيف. قال النابغة:

خطاطيفُ حُجْنٌ في حبالٍ مَتينةٍ *** تُمَدُّ بها أيدٍ إليكَ نوازعُ([6])

  (خطل)  الخاء والطاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استرخاءٍ واضطراب، قياسٌ مطرد. فالخَطَل: استرخاءُ الأذُن. يقال أذُنٌ خَطْلاء، وثَلَّةٌ خُطْلٌ، وهي الغنم المسترخِيةُ الآذان. قال:

إذا الهَدَفُ المِعْزالُ صوَّب رأسَه *** وأعجبَهُ ضَفْوٌ من الثَّلةِ الخُطْلِ([7])

  ورُمْحٌ خَطِلٌ: مضطرِب. ويقال للأحمق خَطِلٌ. والخَطَل: المنطقُ الفاسد.

وزعم ناسٌ أنّ الجوادَ يسمَّى خَطِلاً، وذلك لسُرعته إلى العطاء. ويقال امرأةٌ خَطَّالةٌ: ذاتُ رِيبة، وذلك لخَطَلها. والأصل واحدٌ.

(خطم)  الخاء والطاء والميم يدلُّ على تقدُّمِ شيءٍ في نُتُوٍّ يكون فيه. فالمَخَاطم الأنوف، واحدها مَخْطِم. ورجلٌ أخطمُ: طويلُ الأنف. والخِطَام للبعير سُمِّي بذلك لأنّه يقع على خَطْمه. ويقال إنّ الخُطْمة([8]) رَعْنُ الجَبَل. فهذا هو الباب.

وقد شذت كلمةٌ واحدة، قالوا: بُسْرٌ مُخَطَّمٌ، إذا صارت فيه خُطوط.

(خطو/أ)  الخاء والطاء والحرف المعتلّ والمهموز، يدلُّ على تعدّي الشيء، والذَّهاب عنه. يقال خَطوتُ أخطو خَُطوة. والخُطْوة: ما بين الرِّجْلين. والخَطْوة: المرَّة الواحدة.

والخَطَاءُ من هذا؛ لأنّه مجاوزة حدِّ الصواب. يقال أخطأ إذا تعدّى الصَّواب. وخَطِئ يخطأُ، إذا أذْنب، وهو قياسُ الباب؛ لأنه يترك الوجه الخَيْرَ.

(خطب)  الخاء والطاء والباء أصلان: أحدهما الكلامُ بين اثنين، يقال خاطبهُ يُخاطِبه خِطاباً، والخُطْبة من ذلك. وفي النِّكاح الطّلَب أن يزوّج، قال الله تعالى:{لاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساء} [البقرة 235]. والخُطْبة: الكلام المخطوب به. ويقال اختطب القومُ فلاناً، إذا دعَوْه إلى تزوج صاحبتهم. والخطب: الأمرُ يقع؛ وإنما سُمِّي بذلك لِمَا يقع فيه من التَّخاطب والمراجعة.

وأمّا الأصل الآخرَ فاختلافُ لونَين. قال الفرَّاء: الخَطْبَاء: الأتان التي لها خَطٌّ أسودُ على مَتْنِها. والحمار الذكر أخْطَبُ. والأخطَب: طائر؛ ولعله يختلِف عليه لونان. قال:

* إذا الأخْطَبُ الدَّاعِي على الدَّوْح صَرْصَرا([9]) *

والخُطْبان: الحنْظَلُ إذا اختلف ألوانُه. والأخطَبُ: الحمار تعُلوه خُضْرة. وكلُّ لونٍ يشبه ذلك فهو أخْطَبُ.

(خطر)  الخاء والطاء والراء أصلان: أحدهما القَدْر والمكانة، والثاني اضطرابٌ وحركة.

فالأوّل قولهم لنظير الشيء خَطِيرُهُ([10]). ولِفلانٍ خَطَرٌ، أي منزلةٌ ومكانة تناظرُه وتصلُح لمِثْله.

والأصل الآخر قولهم: خَطر البعير بذنبه خَطَراناً. وخَطَرَ ببالي كذا خَطْراً، وذلك أن يمرَّ بقلبه بسرعةٍ لا لُبْثَ فيها ولا بُطْء. ويقال خَطَر في مِشْيَته. ورجلٌ خَطَّارٌ بالرُّمح، أي مَشَّاءٌ بِهِ([11]) طعّان. قال:

* مَصاليتُ خَطّارون بالرُّمح في الوغَى([12]) *

ورمح خَطّارٌ: ذُو اهتِزازٍ. *وخَطَر الدّهر خَطرَانَهُ، كما يقال ضَرَب ضَرَبانَه. والخَطْرة: الذِّكرة. قال:

بينما نحنُ بالبَلاكِثِ فالقا *** عِ سِراعاً والعِيسُ تهوِي هُوِيَّا([13])

خَطَرَتْ خَطْرَةٌ على القلب مِن ذِكـ *** ـراكِ وَهْناً فما استطعتُ مُضِيّا

ــــــــــــــــــ

([1]) قراءة فتح الطاء أعلى، ونسب في اللسان قراءة الكسر إلى يونس. وانظر تفسير أبي حيان  (1: 89-90).

([2]) هو حديث علي: "نفقتك رياء وسمعة للخطاف".

([3]) البيت لعوف، جد جرير بن عطية بن عوف، وبهذا لقب "الخطفى".

([4]) للعماني الراجز، كما في اللسان (خطف) وقبله: * فانقض قد فات العيون الطرفا *

([5]) لأبي زبيد الطائي، كما في اللسان (خطف).

([6]) ديوان النابغة 55 واللسان (خطف).

([7]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 43 واللسان (هدف، عزل، صفا). وسيعيده في (ضفو) ويروى: "المعزاب" بالباء بدل اللام، وهما بمعنى.

([8]) لم ترد هذه الكلمة في اللسان والقاموس. ووردت في الأصل والمجمل بهذا الضبط.

([9]) صدره كما اللسان (خطب، مرر): * ولا أنثني من طيرة عن مريرة *

([10]) يقال هو خطير له وخطر أيضاً.

([11]) كتب في الأصل"مشابه".

([12]) ورد هذا الصدر في المجمل واللسان.

([13]) نسب في الحماسة (2: 73) واللسان (بلكث) إلى بعض القرشيين. وفي حواشي اللسان: هو أبو بكر بن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة. ونسبه ياقوت في معجم البلدان إلى كثير.

 

 

ـ (باب الخاء والظاء وما يثلثهما)

(خظي) الخاء والظاء والياء ليس في الباب غيره، وهو يدلُّ على اكتنازِ الشَّيء. ولا يكادُ يقال هذا إلاّ في اللَّحم؛ يقال خَظِي لحمُه، إذا اكتَنَز(1). ولحمه خَظَا بَظَا. ورجلٌ خَظَوَانٌ: ركِب لحمُه بعضُه بعضاً.‏

ــــــــــــــــ

(1) في اللسان: "قال ابن فارس: خظي وخظى بالفتح أكثر".‏

 

 

ـ (باب الخاء والعين وما يثلثهما)

اعلم أنّ الخاء لا يكاد يأتلف مع العين إلاّ بدخيل، وليس ذلك في شيءٍ أصلاً. فالخَيْعَل: قميصٌ لا كُمَّىْ له(1). قال:‏

* عَجوزٌ عليها هِدْمِلٌ ذاتُ خَيْعَلِ(2) *‏

والخَيْعل: الذِّئب، والغُول. ويقال الخَيْعامَة نَعْتُ سَوْءٍ للرَّجُل. ولا مُعوَّل على شيءٍ من هذا الجِنْسِ، لا ينقاس.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) في الأصل: "لا كم له"، والوجه ما أثبت من اللسان. وفي المجمل: "لا كمين له". والمألوف في عبارة اللغويين التعبير الذي تحذف فيه النون، ينظر فيه إلى أن اللام كالمقحمة، لا يعتد بها في هذا الموضع. وانظر ما سيأتي في ص253 س8.‏

(2) لتأبط، كما في اللسان (هدمل). وصدره:‏  * نهضت إليها من جثوم كأنها *‏

 

 

ـ (باب الخاء والفاء وما يثلثهما)

(خفق)  الخاء والفاء والقاف أصلٌ واحد يرجع إليه فروعُه، وهو الاضطراب في الشَّيء. يقال خفَق العلم يَخْفُِق. وخفق النّجم، وخفق القلبُ يخفُِق خفقاناً. قال:

كأنّ قطاةً عُلِّقت بجنَاحِها *** على كبِدي مِن شِدّةِ الخفقانِ([1])

  ويقال أخْفَقَ الرّجلُ بثوبه، إذا لَمَعَ به. ومن هذا الباب الخَفْق، وهو كلُّ ضربٍ بشيءٍ عريض. يقال خَفَقَ الأرضَ بنَعله. ورجل خَفّاق القَدَمِ، إذا كان صدرُ قدمِه عريضاً. والمِخْفَقُ: السَّيف العريض. ويقال إنّ الخَفْقَة المفازةُ([2])، وسمِّيت بذلك لأنّ الرياح تختفِق فيها.

ومن الباب ناقة خفيقٌ: سريعة([3]). وخَفَقَ السّرابُ؛ اضطربَ. وخفَق الرّجُل خَفْقةً، إذا نَعَس. والخافقانِ: جانِبا الجَوِّ. وامرأةٌ خَفّاقة الحشا، أي خمِيصة البَطْن، كأنَّ ذلك يضطرب. وأمّا قولهم أَخفق الرجل، إذا غَزَا ولم يُصِب شيئاً، فيمكن أن يكون شاذّاً عن الباب، ويمكن أن يقال: إذا لم يُصِبْ فهو مضطربُ الحال؛ وهو بعيد. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "أيُّما سَرِيَّةٍ غَزَتْ فأخفقَتْ كان لها أجرُها مَرَّتَين". وقال عنترة:

فيُخفِق مَرَّةً ويُفِيد أُخْرى *** ويَفجَع ذا الضغائن بالأرِيبِ([4])

  (خفي)  الخاء والفاء والياء أصلان متباينان متضادّان. فالأوّل السَّتْر، والثاني الإظهار.

فالأوّل خَفِيَ الشَّيءُ يخفَى؛ وأخفيته، وهو في خِفْيَة وخَفاءٍ، إذا ستَرْتَه، ويقولون: بَرِحَ الخَفَاء، أي وَضَحَ السِّرُّ وبدا ويقال لما دُونَ رِيشات الطائر العشر، اللواتي في مقدم جناحه: الخوافي. والخوافي: سَعَفاتٌ يَلِين قَلْب النَّخلة والخافي: الجنّ. ويقال للرّجُل المستترِ مستخْفٍ.

والأصل الآخر خفا البرقُ خَفْواً، إذا لمع، ويكون ذلك في أدنى ضعف. ويقال خَفَيْتُ [الشَّيءَ] بغَيْر ألِفٍ، إذا أظهرتَه. وخَفَا المطَرُ الفَأر من جِحَرَتهنّ: أخْرجَهن. قال امرؤ القيس:

خَفاهُنّ من أَنْفَاقِهنّ كأنَّما  *** خَفاهُنَّ وَدْقٌ من سَحابٍ مُركبِ([5])

  ويقرأ على هذا التأويل: {إنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أَخْفِيها([6])} [طه 15] أي أُظهِرُها.

(خفت)  الخاء والفاء والتاء أصلٌ واحدٌ، وهو إسرارٌ وكتمان. فالخَفْتُ: إسرار النُّطْق. وتخافَتَ الرّجُلانِ. قال الله تعالى: {يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ} [طه 103]. ثم قال الشاعر:

أُخاطِبُ جَهْراً إذْ لهنّ تَخافُتٌ *** وشَتَّانَ بينَ الجَهْرِ وَالمَنْطِق الخَفْتِ([7])

  (خفج)  الخاء والفاء والجيم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الاستقامة. فالأخفج: الأعوج الرِّجْل؛ والمصدر الخَفَج، ويقال إنَّ الخَفَج* الرِّعدة. وهو ذاك القياس.

(خفد)  الخاء والفاء والدال أصلٌ واحد، وهو من الإسراع. يقال خَفَدَ الظليم: أسرع في مَرِّه. ولذلك سُمِّي خَفيْدَداً.

(خفر)  الخاء والفاءُ والراءُ أصلان: أحدهما الحياء، والآخَر المحافظة أو ضِدُّها.

فالأوّل الخَفَرُ. يقال خَفِرَت المرأةُ: استحيت، تَخفَر خَفراً، وهي خَفِرَةٌ. قال:

* زَانَهنّ الدَّلُّ والخَفَرُ *

وأمّا الأصل الآخر فيقال خفَرْتُ الرّجُل خُفْرةً، إذا أَجَرْتَه وكنتَ له خَفيراً. وتَخَفَّرْتُ بفلانٍ، إذا استَجَرْتَ به. ويقال أخفَرْتُه، إذا بَعَثْتَ معه خفيراً.

وأمّا خِلافُ ذلك فأخفَرتُ الرّجُلَ، وذلك إذا نقضْتَ عَهده. وهذا كالباب الذي ذكرناه في خفَيت وأخفيت.

(خفع)  الخاء والفاء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على التزاق شيءٍ بشيء لِضُرٍّ يكون. يقال انخَفَعَ الرَّجل على فراشه، إذا لَزِق به مِن مرض. ويقال خَفعَ الرَّجُل، إذا التزق بطنُه بظهْره. ومنه قول جرير:

* رَغداً وضَيْفُ بني عِقالٍ يُخْفَعُ([8]) *

وذكر ناسٌ: انخفَعت كَبِدُه من الجوع، إذا انقطعت. وأنشدوا هذا البيتَ؛ وهو قريبٌ من الأوّل. وقال بعضهم: الأخفع الرجل الذي كأنَّ به ظَلْعاً إذا مشَى. ويقال: الخَوْفَع الواجم المكتئِب. ويقال خفَعتُه بالسَّيف، إذا ضربتَه به. والقياس واحد.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت لعروة بن حزام من قصيدة في ديوانه نسخة الشنقيطي بدار الكتب المصرية، ورواها القالي في النوادر 158-162. وعدتها تسعة أبيات ومائة.

([2]) شاهده قول العجاج: * وخفقة ليس بها طوئي *

([3]) في الأصل: "ناقة خفيق سريع"، محرف.

([4]) البيت في اللسان (خفق) برواية: "ويصيد أخرى".

([5]) ديوان امرئ القيس 86 واللسان (خفى) ونوادر أبي زيد 9 والقالي (1: 211) والمخصص  (10: 46).

([6]) هذه قراءة أبي الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد، ورويت عن ابن كثير وعاصم وسائر القراء بضم الهمزة. تفسير أبي حيان (6: 232).

([7]) البيت في اللسان (خفت)، وقد سبق في (جهر 1: 487). وفي الأصل: "اخافت" تحريف.

([8]) ديوان جرير 449 واللسان (خفع). وصدره: * يمشون قد نفخ الخزير بطونهم *

 

 

ـ (باب الخاء واللام وما يثلثهما)

(خلم)  الخاء واللام والميم أصلٌ واحد يدل على الإلْفِ والمُلازَمة. فالخِلْم: كِناس الظّبى، ثمَّ اشتقَّ منه الخِلْم، وهو الخِدْن. والأصل واحد.

(خلو)  الخاء واللام والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على تعرِّي الشَّيء من الشيء. يقال هو خِلْوٌ من كذا، إذا كان عِرْواً منه. وخَلَتِ الدار وغيرُها تخلُو. والخَلِيّ: الخالي من الغَمّ. وامرأةٌ خَلِيَّة: كنايةٌ عن الطَّلاق، لأنّها إذا طُلّقت فقد خَلَتْ عن بعلها. ويقال خلا لِيَ الشّيءُ وأخلى. قال:

أعاذلَََُ هل يأتِي القَبَائلَ حظُّها *** مِن الموتِ أم أخْلَى لنا الموتُ وَحْدَنا([1])

  والخَلِيّة: الناقة تُعطَف على غير ولدِها، لأنّها كأنّها خَلَتْ من ولدها الأول. والقرون الخالية: الموَاضِي. والمكان الخَلاء: الذي لا شيءَ به. ويقال ما في الدار أحدٌ خلا زَيْدٍ وزيداً، أي دَع ذِكرَ زيدٍ، اخْلُ من ذكر زيد. ويقال: افعَلْ ذاكَ وخَلاَك ذَمٌّ، أي عَدَاك وخلَوْت منه وخلا منك.

ومما شذَّ عن الباب الخَلِيَّة: السفينة، وبيت النَّحل. والخَلا: الحشيش. وربَّما عبَّرُوا عن الشيء الذي يخلُو من حافِظِه بالخَلاة، فيقولون: هو خَلاَةٌ لكذا([2])، أي هو مِمَّن  يُطْمَع فيه ولا حافِظَ له. وهو من الباب الأوّل.

وقال قوم: الخَلْيُ القَطْع، والسيف يَخْتَلِي، أي يقتَطع. فكأنَّ الخلا سُمِّي بذلك لأنّه يُخْتَلى، أي يُقْطَع.

ومن الشاذّ عن الباب: خلا به، إذا سَخِر به.

(خلب)  الخاء واللام والباء أصولٌ ثلاثة: أحدها إمالة الشيء إلى نفسك، والآخر شيءٌ يشمل شيئاً، والثالث فسادٌ في الشيء.

فالأوّل: مِخْلب الطائر؛ لأنه يَخْتلِب به الشيءَ إلى نَفْسه. والمِخْلب: المِنْجل لا أسنانَ لـه. ومن الباب الخِلاَبَة: الخِداع، يقال خَلَبَه بمنطقِه. ثمَّ يحمل على هذا ويُشتقُّ منه البَرْق الخُلَّب: الذي لا ماءَ معه، وكأنّه يَخْدَع، كما يقال للسَّراب خادعٌ.

وأما الثاني: فالخُلْبُ اللِّيف، لأنه يشمل الشّجرة. والخِلْب، بكسر الخاءِ: حِجاب القَلْب، ومنه قيل للرجل: "هو خِلْبُ نِساءٍ"، أي يحبُّه النساء.

والثالث: الخُلْب، وهو الطِّين والحمْأَة، وذلك ترابٌ يفسده. ثم يشتقّ منه امرأةٌ خَلْبَنٌ، وهي *الحَمْقَاء. وليست من الخِلابة. ويقال للمهزولة خَلْبَنٌ أيضاً.

فأمَّا الثوب المخلَّب فيقولون: إنّه الكثيرُ الألوان، وليس كذلك، إنَّما المُخَلَّبُ الذي نُقِش نقوشاً على صورِ مَخَالِيبَ، كما يقال مُرَجَّلٌ للذي عليه صُوَرُ الرِّجال([3]).

(خلج)  الخاء واللام والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على لَيٍّ وفَتْلٍ وقِلّةِ استقامة. فمن ذلك الخليجُ، وهو ماء يَمِيل مَيْلَةً عن مُعْظَم الماءِ فيستقرُّ. وخليجا النَّهر أو البحر: جناحاه([4]). وفلان يتخلَّج في مِشيته، إذا كان يتمايَلُ. ومن ذلك قولهم: خَلَجنِي عن الأمر، أي شَغَلني، لأنَّه إذا شغله عنه فقد مال به عنه. والمخلوجة: الطَّعنة التي ليست بمستوِية، في قول امرئ القيس:

نَطْعُنُهُم سُلْكَى ومخلوجةً *** كَرَّكَ لأْمَيْنِ على نابِل([5])

  فالسُّلْكَى: المستوية. والمخلوجة: المنحرفة المائلة.

ومنه قولهم: خَلَجْتُ الشّيءَ من يده، أي نزعتُه. وخالَجْت فُلاناً: نازعتُه. وفي الحديثِ في قراءة القرآن: "لَعَلَّ بَعضَكُم خالجنِيها([6])". والخليج: الرَّسَن، سُمِّي بذلك لأنّه يُلوَى لَيّاً ويُفْتَل فَتْلاً. قال:

وباتَ يُغَنِّي في الخليجِ كأنَّه *** كُمَيْتٌ مُدَمَّىً ناصعُ اللَّونِ أَقْرَحُ([7])

  ويقال خلجَتْه الخوالجُ، كما يقال عَدَتْه العَوادِي. وأما قولُ الحطيئة:

* بمخلُوجةٍ فيها عن العَجْزِ مَصْرَِفُ([8]) *

فإنّه يصِفُ الرَّأي، وشبَّهَه بالحبل المحكَم المفتول. فهذا إذاً تشبيهٌ. ويجوز أن يكون لمَّا قيل: فيها عن العَجز مصرفٌ، جعلَها مخلوجة، لأنّه قد عُدِل بها عن العَجز.

فأمّا قولهم: خُلِجَتِ النَّاقةُ، وذلك إذا فطَمتْ ولدها فقَلَّ لبنُها، فهو من الباب، لأنّه عُدِلَ بها عن ولدها وعدَل ولَدُها عنها. ويقال سحابٌ مخلوجٌ: متفرِّق. فإن كان صحيحاً فهو من الباب، لأنّ قِطعةً منه تميل عن الأُخرى. والخَلَجُ: فسادٌ وداءٌ([9]). وهو من الباب.

(خلد)  الخاء واللام والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثبات والملازمَة، فيقال: خَلَدَ: أقام، وأخلَدَ أيضاً. ومنه جَنَّةُ الخُلْدِ. قال ابن أحمر:

خَلَدَ الحبيبُ وبادَ حاضِرُهُ *** إلاَّ مَنازِلَ كلُّها قَفْرُ

  ويقولون رجلٌ مُخْلَدٌ ومُخْلِد([10])، إذا أبطأ عنه المشِيب. وهو من الباب، لأنَّ الشَّباب قد لازمَه ولازَمَ هو الشباب. ويقال أخْلَدَ إلى الأرض إذا لَصِق بها. قال الله تعالى: {وَلَكِنَّهُ أخْلَدَ إلَى الأَرْضِ} [الأعراف 176]. فأما قوله تعالى: {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلّدُونَ} [الإنسان 19]، [فهو] من الخُلْد، وهو البقاء، أي لا يموتون. وقال آخرون: من الخِلَد، والخِلَدُ: جمع خِلَدة وهي القُرْط. فقوله: {مُخَلّدُونَ} أي مقرَّطون مشنَّفون. قال:

ومخَلّدَاتٌٍ باللُّجَينِ كأنَّما *** أعجازُهُنَّ أَقاوِزُ الكُثْبَان([11])

  وهذا قياسٌ صحيح، لأنّ الخِلَدةَ ملازمةٌ للأُذُن.

والخَلَد: البال، وسمِّي بذلك لأنّه مستقرٌّ [في] القلب ثابتٌ.

(خلس)  الخاء واللام والسين أصلٌ واحد، وهو الاختطاف والالتماع. يقال اختلَسْتُ الشَّيءَ. وفي الحديث: "لا قَطْعَ في الخُلْسَة". وقولهم: أَخْلَسَ رأسُه، إذا خالَطَ سوادَه البياضُ، كأنَّ السوادَ اخْتُلِس منه فصارَ لُمَعاً. وكذلك أخْلَسَ النّبتُ، إذا اختلط يابسُه برطْبِه.

(خلص)  الخاء واللام والصاد أصل واحد مطَّرِد، وهو تنقيةُ الشَّيء وتهذيبُه. يقولون: خلَّصتُه من كذا وخَلَصَ هو. وخُلاصة السَّمْنِ: ما أُلقِيَ فيه من تَمْرٍ أو سَويق ليخلُصَ به.

(خلط)  الخاء واللام والطاء أصلٌ واحد مخالفٌ للباب الذي قَبلَه، بل هو مُضَادٌّ لـه. تقول: خلَطْت الشَّيءَ بغيره فاختلط. ورجل مِخْلَطٌ، أي حَسَن المداخَلة للأمورِ. وخِلافُه المِزْيل. قال أوس:

وإن قالَ لي ماذا تَرَى يستشيرُني *** يَجدُني ابنُ عَمِّي مِخْلَطَ الأمر مِزْيَلاَ([12])

  والخليط: المجاوِر. ويقال: الخِلْط السّهمُ ينبُتُ عودُه على عِوَجٍ، فلا يزالُ يتعوّجُ وإن قُوِّم. وهذا من الباب؛ لأنّه ليس يُخَالَط في الاستقامة. ويقال استَخْلَط *البعيرُ، وذلك أن يَعْيا بالقَعْو على النّاقة([13]) ولا يَهتدِي لذلك، فيُخْلَطَ له ويُلْطَف له.

(خلع)  الخاء واللام والعين أصلٌ واحد مطرّد، وهو مُزايَلة الشَّيء الذي كان يُشتَمَل به أو عليه. تقول: خلعتُ الثّوبَ أخْلَعُهُ خَلْعاً، وخُلِع الوالي يُخْلَعُ خَلْعاً. وهذا لا يكادُ يقال إلاّ في الدُّون يُنْزِل مَن هو أعلى منه، وإلاّ فليس يُقال خَلَع الأميرُ واليَه على بلدِ كذا. ألاَ ترى أنّه إنما يقال عزَله. ويقال طلَّقَ الرَّجُل امرأته. فإن كان ذلك من قبَل المرأة يقال خالعَتْه وقد اختَلَعَتْ([14])؛ لأنّها تَفتدِي نفسَها منه بشيءٍ تبذلُه لـه. وفي الحديث: "المختلِعات هنَّ المنافقات" يعني([15]) اللواتي يخالِعْن أزواجهنَّ من غير أنْ يضارَّهُنّ الأزواج. والخالِع: البُسر النَّضِيج([16])، لأنَّه يَخْلَع قِشرَهُ من رُطوبته. كما يقال فَسَقَتِ الرُّطَبَة، إذا خرجَتْ مِن قشرها.

ومن الباب خَلَعَ السُّنْبُلُ، إذا صار له سَفاً، كأنَّه خلعَه فأخرجَه. والخليع: الذي خَلَعه أهلُه، فإِن جَنَى لم يُطْلَبُوا بجِنايته، وإنْ جُنِيَ عليه لم يَطْلُبوا به. وهو قوله:

ووادٍ كجوف العَيْرِ قفرٍ قطعتُه *** به الذّئبُ يعوِي كالخليع المُعيَّلِ([17])

  والخليع: الذِّئبُ، وقد خُلِع أيّ خَلْعٍ! ويقال الخليع الصائد. ويقال: فلانٌ يتخلَّعُ في مِشيتِه، أي يهتزُّ، كأنَّ أعضاءَه تريد أن تتخلَّع([18]). والخالع: داءٌ يُصِيب البعير. يقال به خالعٌ، وهو الذي إذا بَرَك لم يقدِرْ على أن يثُور. وذلك أنَّه كأنَّه تخلَّعت أعضاؤُه حتَّى سقطت بالأرض. والخَوْلَع. فَزَعٌ يعترِي الفُؤادَ كالمسِّ؛ وهو قياسُ الباب، كأنَّ الفؤادَ قد خُلِع. ويقال قد تخالَعَ القومُ، إذا نَقَضُوا ما كان بَينهم من حِلْف.

(خلف)  الخاء واللام والفاء أصولٌ ثلاثة: أحدُها أن يجيءَ شيءٌ بعدَ شيءٍ يقومُ مقامَه، والثاني خِلاف قُدَّام، والثالث التغيُّر.

فالأوّل الخَلَف. والخَلَف: ما جاء بعدُ. ويقولون: هو خَلَفُ صِدْقٍ من أبيه. وخَلَف سَوْءٍ من أبيه. فإذا لم يذكُروا صِدقاً ولا سَوْءاً قالوا للجيِّد خَلَف وللرديِّ خَلْف. قال الله تعالى: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ} [الأعراف 169، مريم 59]. والخِلِّيفَى: الخِلافة، وإنَّما سُميِّت خلافةً لأنَّ الثَّاني يَجيءُ بَعد الأوّلِ قائماً مقامَه. وتقول: قعدتُ خِلافَ فُلانٍ، أي بَعْده. والخوالفُ في قوله تعالى: {رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الخَوَالِفِ} [التوبة 87، 93] هنَّ النِّساء، لأنَّ الرِّجال يغِيبُون في حُروبهم ومغاوراتِهِمْ وتجاراتِهم وهنّ يخلُفْنهم في البيوت والمنازل. ولذلك يقال: الحيُّ خُلُوفٌ، إذا كان الرِّجال غُيَّباً والنِّساء مُقيماتٍ. ويقولون في الدعاء: "خَلَف اللهُ عليك" أي كانَ الله تعالى الخليفة عليك لمن فَقَدْتَ مِن أبٍ أو حميم. و"أَخْلَف الله لك" أي عوَّضك من الشيء الذاهب ما يكُونُ يقومُ بَعده ويخلُفه. والخِلْفة: نبتٌ ينبت بعد الهشيم. وخِلْفَةُ الشجرِ: ثمرٌ يخرُج بَعد الثَّمر. قال:

ولها بِالماطِرُونَ إذا *** أكَلَ النّملُ الذي جَمَعَا([19])

خِلْفَةٌ حتَّى إذا ارتَبَعَتْ *** سَكَنَتْ من جِلَّق بِيَعَا([20])

  وقال زهيرٌ فيما يصحّح([21]) جميعَ ما ذكرناه:

بها العِينُ والآرامُ يَمشِينَ خِلْفَةً *** وأطلاؤُها يَنْهَضْنَ من كلِّ مَجْثَم([22])

يقول: إذا مرَّتْ هذه خَلفَتْها هذه.

ومن الباب الخَلْف([23])، وهو الاستِقاء، لأنَّ المستقِيَينِ يتخالفانِ، هذا بَعْدَ ذا، وذاك بعد([24]) هذا. قال في الخَلْف:

لِزُغْبٍ كأولاد القَطا راثَ خَلْفُها *** على عاجِزَاتِ النَّهضِ حُمْرٍ حواصلُه([25])

  يقال: أخْلَفَ، إذا استَقَى.

والأصل الآخر خَلْفٌ([26])، وهو غير قَدّام. يقال: هذا خلفي، وهذا قدّامي. وهذا مشهورٌ. وقال لبيد:

فَغَدَتْ كِلاَ الفَرْجَينِ تَحْسَِبُ أنّه *** مَولَى المخافةِ خَلْفُها وأَمامُها

ومن الباب الخِلْف، الواحد من أخلاف الضَّرع. وسمِّي بذلك لأنّه يكون خَلْفَ ما بعده.

وأمّا الثالث *فقولهم خَلَف فُوه، إذا تغيَّرَ، وأخْلَفَ. وهو قولُه صلى الله عليه وآله وسلم: "لَخُلُوفُ فم الصائم أطيَبُ عند الله من ريح المِسْك". ومنه قول ابن أحمر:

بانَ الشَّبابُ وأخْلفَ العُمْرُ *** وتنكَّرَ الإخوانُ والدَّهرُ

  ومنه الخِلاف في الوَعْد. وخَلَفَ الرَّجُلُ عن خُلق أبيه: تغيَّر. ويقال الخليف: الثَّوب يَبلَى وسطُه فيُخرَج البالي منه ثم يُلْفَق، فيقال خَلَفْتُ الثَّوبَ أخْلُفُه. وهذا قياسٌ في هذا وفي البابِ الأوّل.

ويقال وعَدَني فأخلفْتُه، أي وجدته قد أخلفَني. قال الأعشى:

أَثْوَى وقَصَّرَ لَيْلَهُ ليُزَوّدا *** فَمَضَى وأخلَفَ من قُتَيْلَةَ موعِدا([27])

  فأمّا قولُه:

* دَلْوايَ خِلْفانِ وساقياهما([28]) *

فمن أنَّ هذِي تخلُف هَذِي. وأمّا قولهم: اختلفَ النَّاسُ في كذا، والناس خلْفَةٌ أي مختلِفون، فمن الباب الأوّل؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم يُنَحِّي قولَ صاحبه، ويُقيم نفسَه مُقام الذي نَحّاه. وأمّا قولهم للناقة الحامل خَلِفَةٌ فيجوز أن يكون شاذّاً عن الأصل، ويجوز أن يُلْطَف له فيقالَ إنّها تأتي بولدٍ، والولدُ خَلَفٌ. وهو بعيد. وجمع الخَلِفة  المخَاض، وهُنَّ الحوامل.

ومن الشاذِّ عن الأصول الثلاثة: الخَلِيفُ، وهو الطّريقُ بين الجبلَين. فأمّا الخالفة من عَُمَُد البيت، فلعلَّه أن يكون في مؤخّر البيت، فهو من باب الخَلْف والقُدّام. ولذلك يقولون: فلانٌ خالِفَةُ أهلِ بيته، إذا كان غير مقدَّمٍ فيهم.

ومن باب التغيُّر والفسادِ البَعيرُ الأخلَفُ، وهو الذي يمشِي في شِقٍّ، من داءٍ يعتريه.

(خلق)  الخاء واللام والقاف أصلان: أحدهما تقدير الشيء، والآخر مَلاسَة الشيء.

فأمّا الأوّل فقولهم: خَلَقْت الأديم للسِّقاء، إذا قَدَّرْتَه. قال:

لم يَحْشِمِ الخالقاتِ فَرْيَتُها *** ولم يَغِضْ من نِطافِها السَّرَبُ([29])

  وقال زهير:

ولأَنْت تَفْرِي ما خلَقْت وبَعـ *** ـضُ القَوم يخلُق ثمَّ لا يَفْرِي

  ومن ذلك الخُلُق، وهي السجيَّة، لأنّ صاحبَه قد قُدِّر عليه. وفلانٌ خَليق بكذا، وأَخْلِقْ به، أي ما أخْلَقَهُ، أي هو ممَّن يقدَّر فيه ذلك. والخَلاقُ: النَّصيب؛ لأنّه قد قُدِّرَ لكلِّ أحدٍ نصيبُه.

ومن الباب رجلٌ مُخْتَلَقٌ: تامُّ الخَلْق. والخَلْق: خَلْق الكذِب، وهو اختلاقُه واختراعُه وتقديرُه في النَّفس. قال الله تعالى: {وتَخْلُقُونَ إفْكاً} [العنكبوت 17].

وأمّا الأصل الثاني فصخرة خَلْقَاء، أي مَلْساء. وقال:

قد يَتْرُكُ الدَّهرُ في خَلْقَاءَ راسِيَةٍ *** وَهْياً ويُنزِل منها الأعْصَمَ الصَّدعا([30])

ويقال اخلَوْلَقَ السَّحابُ: استَوَى. ورسمٌ مخْلَولِقٌ، إذا استوى بالأرض. والمُخلَّق: السّهم المُصْلَح.

ومن هذا الباب أخْلَقَ الشَّيءُ وخَلُِق، إذا بَلِيَ. وأخلقْتُهُ أنا: أبليتُه. وذلك أنَّه إذا أخْلَقَ امْلاسَّ وذهب زِئْبِرُه. ويقال المُخْتَلَق من كلِّ شيء: ما اعتدَلَ. قال رُؤبة:

* في غِيل قَصْبَاءَ وخِيسٍ مُخْتَلَقْ([31]) *

والخَلُوق معروفٌ، وهو الخِلاَق أيضاً. وذلك أنّ الشيء إذا خُلِّق مَلُسَ. ويقال ثوبٌ خَلَقٌ ومِلحَفَةٌ خَلَق، يستوي فيه المذكَّر والمؤنث. وإنما قيل للسَّهم المُصلَح مُخَلَّقٌ لأنّه يصير أملس. وأمّا الخُلَيْقاءُ في الفَرَس كالعِرنين من الإنسان.

ـــــــــــــــ

([1]) لمعن بن أوس المزني، كما في اللسان (خلا).

([2]) لم يرد هذا التعبير في المعاجم المتداولة صريحاً. وأصل الخلاة الطائفة من الخلا. وفي اللسان: "وقول الأعشى:

وحولي بكر وأشياعها *** ولست خلاة لمن أوعدن

    أي لست بمنزلة الخلاة يأخذها الآخذ كيف يشاء، بل أنا في عز ومنعة".

([3]) ويقال أيضاً "ممرجل" للذي عليه صور المراجل. و"مرحل" بالحاء المهملة، للذي عليه صور الرحال.

([4]) في المجمل: "وجناحا النهر: خليجاه".

([5]) من قصيدة في ديوانه 148-150.

([6]) في الحديث "أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى بأصحابه صلاة جهر فيها بالقراءة، وقرأ قارئ خلفه فجهر، فلما سلم قال: لقد ظننت أن بعضكم خالجنيها"، أي نازعني القراءة. اللسان.

([7]) لتميم بن مقبل كما في اللسان (خلج). وأنشده في المجمل.

([8]) صدره كما في الديوان 110 واللسان (خلج): * وكنت إذا دارت رحى الأمر رعته *

([9]) الخلج: فساد في ناحية البيت. والخلج أيضاً أن يشتكي الرجل لحمه وعظامه من عمل يعمله أو طول مشي وتعب. اللسان.

([10]) لم تذكر المعاجم الضبط الأول. وتعليله فيما بعد دليل على صحتها عنده.

([11]) البيت في اللسان (خلد، قوز). وقد ضبط "مخلدات" في الأصل بكسرتين وضمتين.

([12]) في ديوان أوس 20: "يجدني ابن عم"، والرواية هنا مستقيمة. وقبله:

ألا أعتب ابن العم إن كان ظالما *** وأغفر عنه الجهل إن كان أجهلا

([13]) في الأصل: "بالقفو على الناقة" صوابه بالعين، وهو أن يرسل نفسه عليها.

([14]) في الأصل: "اختلعها". والذي في المعاجم المتداولة "خلعها" و"اختلعت هي".

([15]) في الأصل: "فمن"، وأثبت ما في اللسان.

([16]) في الأصل: "النصح".

([17]) لامرئ القيس في معلقته.

([18]) في الأصل: "كأنه أعضاءه يريد أن يتخلع".

([19]) البيت لأبي دهبل الجمحي، كما في الحيوان (4: 10) والخزانة (3: 279). وبعضهم ينسبه إلى الأحوص، كما في الكامل 218. وفي حواشيه "أبو الحسن: الصحيح أنه ليزيد يصف جارية". وهذه النسبة الأخيرة هي التي ذكرها ياقوت في رسم "الماطرون".

([20]) في جميع المصادر المتقدمة: "خرفة" بالراء، وهو اسم لكل ما يجتنى. ولم يرد البيت في اللسان (خلف، خرف، ربع، جلق). ورواية "خلفة" وردت في المخصص (11: 9).

([21]) في الأصل: "يصح".

([22]) البيت من معلقته المشهورة.

([23]) الخلف، بالفتح، ومثله "الخلفة" بالكسر.

([24]) في الأصل :" بعدها"

([25]) للحطيئة في ديوانه 39 واللسان (خلف 435). راث: أبطأ. وفي الأصل: "القطارات" تحريف. وفي الديوان: "راث خلقها" بالقاف، وفسره السكري بقوله: "أي أبطأ شبابها" ثم نبه على رواية الفاء، ونسبها إلى أبي عمرو.

([26]) في اللسان: "وهي تكون اسماً وظرفاً. فإذا كانت اسماً جرت بوجوه الإعراب، وإذا كانت ظرفاً لم تزل نصباً على حالها".

([27]) ديوان الأعشى 150 واللسان (ثوى، خلف)، وقد سبق في ثوي (1: 393).

([28]) البيت في نوادر أبي زيد 95.

([29]) البيت للكميت كما في المجمل، وليس في قصيدته التي على هذا الوزن من الهاشميات.

([30]) للأعشى في ديوانه 73 واللسان (خلق).

([31]) ديوان رؤبة 106. وأنشده في المخصص (11: 56).

 

 

ـ (باب الخاء والميم وما يثلثهما في الثلاثي)

(خمج)  الخاء والميم والجيم يدلُّ على فتورٍ وتغيُّر. فالخَمَج في الإنسان: الفتور. يقال أصبَحَ فلانٌ خَمِجاً، أي فاتِراً. وهو في شعر الهُذَليّ([1]):

* أخْشَى دُونَه الخَمَجَا([2]) *

ويقولون خَمِجَ اللّحمُ، إذا تغيَّر وأرْوَحَ.

(خمد)  الخاء والميم والدال أصلٌ واحد، يدلُّ على سكونِ الحركة والسُّقوط. خَمَدَتِ النارُ خُموداً، إذا سكَنَ لَهبُها. وخَمَدَت الحُمَّى إذا سكَنَ وهَجُها. ويقال للمُغْمَى عليه: خَمَدَ([3]).

(خمر)  الخاء والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على التغطية، والمخالطةِ في سَتْر. فالخَمْرُ: الشَّراب المعروف. قال *الخليل: الخمر معروفةٌ؛ واختمارُها: إدراكُها وغَليانُها. ومخمِّرها: متَّخِذها. وخُمْرتها: ما غَشِيَ المخمورَ من الخُمار والسُّكْر في قَلْبه. قال:

لَذٌّ أصابَتْ حُمَيَّاها مَقَاتِلَهُ *** فلم تكَدْ تَنْجَلِي عن قَلْبِه الخُمَرُ([4])

  ويقال به خُمارٌ شَديد. ويقولون: دَخَلَ في خَُمار الناسِ وخَمَرِهم، أي زحْمتهم. و"فلانٌ يَدِبُّ لفُلانٍ الخَمَر"، وذلك كناية عن الاغتيال. وأصلُه ما وارَى الإنسان من شجرٍ. قال أبو ذؤيب:

فليتَهُمُ حَذِرُوا جَيشَهُم *** عَشِيَّةَ همْ مثلُ طَيْرِ الخَمَرْ([5])

  أَي يُختلون ويُستَتَر لهم. والخِمار: خِمار المرأة. وامرأةٌ حسنَة الخِمْرَة، أي لُبْس الخِمار. وفي المثل: "العَوَانُ لا تُعَلَّم الخِمْرة". والتخمير: التغطية. ويقال في القوم إذا توارَوْا في خَمَرِ الشَّجر: قد أخْمَرُوا. فأمّا قولهم: "ما عِندَ فُلانٍ خَلٌّ ولا خَمْرٌ" فهو يجري مَجرى المثل، كأنّهم أرادوا: ليس عِنده خيرٌ ولا شَرّ. قال أبو زيد: خامَرَ الرّجُل المكانَ، إذا لزِمه فلم يَبْرح. فأمَّا المخمّرة من الشاءِ فهي التي يبيضُّ رأسها مِن بين جسدِها. وهو قياسُ الباب؛ لأنَّ ذلك البياضَ الذي برأسها مشبّهٌ بخِمار المرأة. ويقال خمَّرتُ العجينَ، وهو أنْ تتركَه فلا تستعملَه حتَّى يَجُود. ويقال خَامَرَهُ الدّاء، إذا خالط جوفَه. وقال كثيِّرٌ:

هَنيئاً مَريئاً غَيْرَ داءٍ مُخَامِرٍ *** لِعَزَّةَ من أعراضِنا ما اسْتَحَلَّتِ([6])

  قال الخليل: والمستَخْمَر([7]) بلغة حِمْيَر: الشَّرِيك. ويقال دخَلَ في الخَمَر، وهي وَهْدَةٌ يختفي فيها الذِّئبُ ونحوهُ. قال:

ألا يا زَيدُ والضَّحاكَُ سَيْراً *** فقد جاوزْتُما خَمَرَ الطَريقِ([8])

  ويقال اختَمَرَ الطِّيبُ، واخْتَمَرَ العَجين([9]). ووجدت منه خُمْرَةً طيِّبة وخَمَرَةً، وهو الرّائحة. والمخامَرة: المقارَبة([10]). وفي المثل: "خامِرِي أُمَّ عامِرِ"، وهي الضَّبع. وقال الشَّنْفَرى:

فلا تدفِنُوني إنَّ دفْنِي مُحَرَّمٌ *** عليكُمْ ولكن خَامِرِي أمَّ عامرِ([11])

  أي اترُكُوني لِلَّتِي([12]) يقال لها: "خامِرِي أُمَّ عامر". والخُمْرة: شيءٌ من الطِّيب تَطَّلِي به([13]) المرأةُ على وجهها ليحسُن به لونُها. والخُمْرة: السّجَّادة الصَّغيرة. وفي الحديث: "أنه كان يسجدُ على الخُمْرة".

ومما شذَّ عن هذا الأصل الاستخمار، وهو الاستعباد؛ يقال استخمرت فلاناً، إذا استعبدتَه. وهو في حديث مُعاذ: "من استَخْمَر قوماً"، أي استعبَدَهم.

(خمس)  الخاء والميم والسين أصلٌ واحد، وهو في العدد. فالخمسة معروفة. والخمس([14]): واحدٌ من خَمْسَةٍ. يقال خَمَسْتُ القومَ: أخذْتُ خمس أموالِهم، أخْمُسُهم. وخَمَسْتُهم: كنتُ لهم خامساً، أخْمِسُهُم. والخِمْس: ظِمْءٌ من أظماء الإبل. قال الخليل: هو شُرْب الإِبلِ اليومَ الرابعَ من يَومَ صَدَرَتْ؛ لأنهم يَحسُبون يومَ الصَّدَر. والخميس: اليوم الخامسُ من الأسبوع، وجمعُه أَخمِساءُ وأخمِسَةٌ، كقولك نصيبٌ وأنصِباءُ [وأنصِبة([15])]. والخُماسِيُّ والخُماسيّة: الوَصيف والوصيفةُ طولُه خمسةُ أشبار. ولا يقال سُدَاسِيٌّ ولا سُباعيٌّ إذا بلغ ستّةَ أشبارٍ أو سبعةً. وفي غير ذلك الخُماسيُّ ما بلغ خَمسةً، وكذلك السداسيُّ والعُشاريّ. والخَميس والمخمُوس من الثِّياب: الذي طولُه خَمسُ أذرُع. وقال عَبِيد:

هاتيك تحمِلُني وأبْيضَ صارماً *** ومُذَرَّباً في مارِنٍ مَخْموسِ([16])

  يريد رُمْحاً طولُه خمسُ أذرع.

وقال مُعاذٌ لأهل اليمن: "ايتوني بخَميسٍ أو لَبِيسٍ آخُذُه منكم في الصَّدَقة([17])". وقد قيل إنّ الثوبَ الخميسَ سمِّي بذلك لأنّ أوّلَ من عمِله مَلِكٌ باليمن كان يقال له الخِمْس. قال الأعشى:

يَوْماً تَراها كمثل أردية الـ *** ـخِمْسِ ويَوْماً أديمَها نَغِلا([18])

  ومما شذَّ عن الباب الخَمِيس، وهو الجَيْش الكثير. ومن ذلك الحديثُ: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لما أشْرَفَ على خَيْبر قالوا: محمدٌ والخَمِيس"، يريدون الْجَيْش.

(خمش)  الخاء والميم والشين أصلٌ *واحد، وهو الخَدْشُ وما قارَبَه.

يقال خَمَشْتُ خَمْشاً. والخُمُوش: جمع خَمْشٍ. قال:

هاشمٌ جَدُّنا فإِن كُنْتِ غَضْبى *** فامْلَئِي وجهَكِ الجميلَ خُمُوشا([19])

  وَالخموش: البعوض. قال:

كأنَّ وَغَى الخَمُوش بجانبيهِ *** وَغَى رَكْبٍ أُمَيْمَُ ذَوِي زِياطِ([20])

  والخُمَاشَة من الجِراحة والجمع خُماشاتٌ: ما كان منها ليس له أرْشٌ معلوم.   وهو قياس الباب، كأنَّ ذلك يكونُ كالخَدْشِ.

(خمص)  الخاء والميم والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على الضُّمْر والتّطامُن. فالخميص: الضّامر البَطْن؛ والمصدر الخَمَْص. وامرأةٌ خُمْصانةٌ: دقيقة الخَصْرِ. ويقال لباطن القَدَم الأخْمَص. وهو قياسُ الباب، لأنّه قد تداخَل. ومن الباب المَخْمَصة، وهي المجاعة؛ لأنَّ الجائِع ضامرُ البطْن. ويقال للجائع الخميص، وامرأةٌ خميصة قال الأعشى:

تَبِيتون في المَشْتَى مِلاءً بطونُكُمْ *** وجاراتُكم غَرْثى يَبِتْن خمائصا([21])

  فأمّا الخَمِيصة فالكِساء الأسودُ. وبها شَبَّه الأعشى شَعْرَ المرأة:

إذا جُرِّدَتْ يوماً حَسِبْتَ خَميصةً *** عليها وجرْيالَ النَّضيرِ الدُّلامِصا([22])

  فإنْ قيل: فأينَ قِياسُ هذا من الباب؟ فالجواب أنّا نقول على حَدِّ الإمكان والاحتمال: إنّه يجوز أن يسمَّى خميصةً لأنّ الإنسانَ يشتمِل بها فيكون عند أخْمَصِهِ، يريد به وسطَه. فإن كان ذلك صحيحاً وإلاَّ عُدَّ فيما شذَّ عن الأصل.

(خمط)  الخاء والميم والطاء أصلان: أحدهما الانجراد والمَلاسَة، والآخَر التسلُّط والصِّيَال.

فأمّا الأوّل فقولهم: خَمَطْتُ الشّاةَ، وذلك [إذا] نزعْتَ جلدَها وشويتَها. فإن نُزِع الشّعر فذلك السَّمْط. وأصل ذلك من الخَمْط، وهو كلُّ شيءٍ لا شَوكَ له.

والأصل الثاني: قولُهم تخمَّطَ الفَحلُ، إذا هاج وهَدَرَ. وأصلُه مِن تخمّط البحرُ، وذلك خِبُّه والتطامُ أمواجِه.

(خمع)  الخاء والميم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على قلّة الاستقامة، [و] على الاعوجاج. فمن ذلك خَمَعَ الأعرجُ. ويقال للضِّباع الخوامع؛ لأنّهنّ عُرْجٌ. والخِمعْ: اللِّص. والخِمع: الذِّئب. والقياسُ واحدٌ.

(خمل)  الخاء والميم واللام أصلٌ واحد يدل على انخفاضٍ واسترسالٍ وسُقوطٍ. يقال خَمَلَ ذكرُه يخمُل خُمولا. والخامل: الخفيّ؛ يُقال: هو خامِل الذِّكر؛ والأمرُ الذي لا يعرَف ولا يُذكَر. والقول الخامل: الخَفِيض. وفي حديثٍ: "اذكُروا الله ذِكراً خاملا". والخَميلة: مَفْرَجٌ من الرَّمْل في هَبْطةٍ، مَكْرَمَةٌ للنَّبات. قال زُهير:

* شَقائِقَ رمْلٍ بينهنَّ خَمائلُ([23]) *

وقال لبيد:

باتَتْ وأسْبَلَ واكِفٌ من دِيمَةٍ *** يُروي الخَمائِلَ دائماً تَسجامُها([24])

  والخَمْل، مجزوم: خَمْل القطيفة والطِّنْفِسة. ويقال لريش النَّعام خَمْل. وذلك قياسُ الباب؛ لأنّه يكون مسترسِلا ساقطاً في لينٍ.

فأمّا الخُمال فقال قوم: هو ظَلْعٌ يكون في قوائم البعير. فإن كان كذا فقياسُه قياسُ الباب؛ لأنّه لعَلَّه عن استرخاء. وقال الأعشى في الخُمال:

لم تُعَطَّفْ على حُِوارٍ ولم يَقْـ *** ـطَعْ عُبيدٌ عروقَها مِن خُمالِ([25])

ـــــــــــــــــــ

([1]) هو ساعدة بن جؤية الهذلي. انظر نسخة الشنقيطي من الهذليين 87 والجزء الثاني من مجموع أشعار الهذليين 37 ليبسك، واللسان (خمج).

([2]) البيت بتمامه: ولا أقيم بدار الهون إن ولا *** آتي إلى الخدرِ أخشى دونه الخمجا

([3]) في المجمل: "وخمد الرجل: مات أو أغمي عليه".

([4]) البيت في اللسان (خمر 340).

([5]) ديوان أبي ذؤيب 150.

([6]) قصيدة البيت في أمالي القالي (2: 107-110)، والأغاني (8: 37-38)، وتزيين الأسواق 41، 42.

([7]) الذي في اللسان والقاموس أن المستخمر: المستعبد. وذكر في اللسان أنها لغة أهل اليمن. وانظر آخر هذه المادة.

([8]) كذا ضبطت "سيرا" في الأصل. ويصح أن يقرأ "سيرا" بأمر الاثنين.

([9]) في الأصل: "والخمير العجين"، محرف. وفي اللسان: "قد اختمر الطيب والعجين".

([10]) في الأصل: "المقابرة"، صوابه من المجمل واللسان.

([11]) للشعر قصة في الأغاني (21: 89) ومقدمة الشعر والشعراء لابن قتيبة. وانظر حماسة أبي تمام  (1: 188) والحيوان (6: 450) والمخصص (13: 258) والأزمنة والأمكنة (1: 293).

([12]) في الأصل: "للمتى"، تحريف.

([13]) في الأصل: "تطليه".

([14]) الخمس، بالضم، وبضمتين، وبالكسر أيضاً.

([15]) التكملة من المجمل.

([16]) ديوان عبيد بن الأبرص 43 واللسان (خمس 371). وفي الديوان: "ومحربا في مارن".

([17]) في اللسان: "الخميس الثوب الذي طوله خمس أذرع، كأنه يعني الصغير من الثياب".

([18]) ديوان الأعشى 155 واللسان (خمس، نغل). ويروى: "كأردية العصب".

([19]) للفضل بن عباس بن عتبة بن أبي لهب، يخاطب امرأته. واللسان (خدش) والعمدة (1: 111).

([20]) البيت للمتنخل الهذلي، كما في القسم الثاني من أشعار الهذليين 93 واللسان (8: 188/ 20: 277). وانظر شرح الحيوان (5: 403).

([21]) في ديوان الأعشى 109: "وجاراتكم جوعى".

([22]) ديوان الأعشى 108 واللسان (خمص). وفي الديوان: "وجريالاً يضيء دلامصا".

([23]) صدره كما في ديوانه 295: * نشزن من الدهناء يقطعن وسطها *

([24]) البيت من معلقة لبيد.

([25]) ديوان الأعشى 9 واللسان (حمل).

 

 

ـ (باب الخاء والنون وما يثلثهما)

(خنب)  الخاء والنون والباء أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على لِينٍ ورَخاوةٍ. ويقال جاريةٌ خَنِبةٌ: رخِيمَةٌ غَنِجة. ورجل خِنّاب، أي ضَخْمٌ في عَبَالَةٍ. وحكى بعضُهم عن الخليل أنّه قال: هو خِنَّأْبٌ مكسور الخاء شديدةُ النّون مهموزة. وهذا إنْ صح عن الخليل فالخليلُ ثقةٌ، وإلا فهو على ما ذكرناه من غير همز. ويقال الخِنَّاب من الرجال: الأحمق المتصرِّف، يختلج هكذا مرَّةً وهكذا مَرَّةً. وقال الخليل: الخنَّاب الضَّخم المَنْخَر. والخِنَّابَة: الأرنبةُ الضخمة. وقال:

أَكوِي ذَوِي* الأضغانِ كَيّاً مُنْضِجا *** منهمْ وذَا الخِنَّابةِ العَفَنْجَجَا([1])

  ومما لم يذكره الخليلُ، وهو قياسٌ صحيح، قولهم خَنَبَتْ رِجْلُه، أي وَهَنَتْ، وأَخْنَبْتُها أنا أوهنْتُها. قال:

أبِي الذي أخْنَبَ رِجْلَ ابن الصَّعِقْ *** إذْ صارت الخيلُ كعِلْبَاءِ العُنُقْ([2])

  (خنا)  الخاء والنون وما بعدها معتلٌّ، يدلُّ على فَسادٍ وهَلاك. يقال لآفات الدهر خَنىً. قال لبيد:

* وقَدَرْنا إنْ خَنَى الدَّهْرِ غَفَلْ([3]) *

وأخنَى عليه الدّهر: أهلكَه. قال:

* أخنَى عليها الذي أخْنَى على لُبَدِ([4]) *

والخَنَا من الكلام: أفحشُه. يقال خنا يخنو خَناً، مقصور. ويقال أخْنَى فلانٌ في كلامِه.

(خنث)  الخاء والنون والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على تكسُّرٍ وتثَنٍّ. فالخَنِث: المسترخِي المتكسِّر. ويقال خَنَثْتُ السِّقاءَ، إذا كسَرْتَ فمه إلى خارج فشرِبْتَ منه. فإن كسَرْتها إلى داخل فقد قَبَعْتَه. وامرأةٌ خُنُثٌ: مُتَثَنِّيةٌ.

(خنز)  الخاء والنون والزاء كلمةٌ واحدةٌ من باب المقلوب، ليست أصلاً. يقال خَنِزَ اللحم خَنَزاً، إذا تغيَّرَتْ رائحتُه وخَزِن. وقد مَضَى.

(خنس)  الخاء والنون والسين أصلٌ واحد يدلُّ على استخفاءٍ وتستُّر. قالوا: الخَنْس الذهاب في خِفْية. يقال خَنسْتُ عنه. وأخْنَسْتُ عنه حقَّه. والخُنَّس: النُّجوم تَخْنِس في المَغيب. وقال قوم: سُمِّيت بذلك لأنّها تَخفَى نهاراً وتطلُع ليلاً. والخنّاس في صِفة الشَّيطان؛ لأنّه يَخْنِسُ إذا ذُكر الله تعالى. ومن هذا الباب الخَنَسُ في الأنف. انحِطاط القصَبة. والبقرُ كلُّها خُنْسٌ.

(خنط)  الخاء والنون والطاء كلمةٌ ليست أصلاً، وهي من باب الإبدال. يقال خَنَطَهُ: إذا كَرَبَه، مثلُ غَنَطه، وليس بشيء.

(خنع)  الخاء والنون والعين أصلٌ واحد يدلُّ على ذُلٍّ وخضوع وضَعَةٍ، فيقال: خضع لـه وخَنَع. وفي الحديث: "إنّ أخْنَعَ الأسماء([5])" أي أذَلَّها. ويقال أخنَعْتني إليه الحاجة، إذا ألجأتْه إليه وأذلّتْه لـه. ومن الباب الخانع: الفاجر. يقال: اطَّلَعْتُ منه على خَنْعَةٍ، أي فَجْرة. وهو قوله:

* ولا يُرَوْنَ إلى جاراتِهمْ خُنُعا([6]) *

ومنه قول الآخر:

لَعَلَّكَ يوماً أن تُلاقَى بِخَنْعةٍ *** فَتَنْعَبَ مِن وادٍ عليك أشائمُه([7])

  وخُنَاعة: قبيلة.

(خنف)  الخاء والنون والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على مَيَلٍ ولِين. فالخَنُوفُ: النّاقةُ الليِّنة اليدينِ في السَّير. والمصدر الخِناف. قال الأعشى:

وأذْرَتْ برِجْلَيْها النَّفِيَّ وراجَعَتْ *** يداها خِنافاً ليِّناً غيرَ أجرَدَا([8])

  قالوا: والخِناف أيضاً في العُنق: أن تُمِيلَه إذا مُدّ بزِمامها. والخَنيف: جنسٌ من الكَتّان أردأ ما يكونُ منه. وفي الحديث: "تَخَرَّقَتْ عَنَّا الخُنُف، وأحرَقَ بطونَنا التَّمر". وقال:

عَلى كالخَنِيفِ السَّحْقِ يَدعُو به الصَّدَى *** له قُلُبٌ عُفَّى الحِياضِ أُجُونُ([9])

  (خنق)  الخاء والنون والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على ضيقٍ. فالخانق: الشِّعْب الضَّيِّق. وقال بعضُ أهل العلم: إنَّ أهل اليَمن يسمُّون الزُّقاق خانقاً. والخَنِق مصدر خَنَقَه يخنِقُه خَنِقاً([10]). قال بعض أهل العلم: لا يقال خَنْقاً. والمِخْنَقَةُ: القِلادة.

ــــــــــــــــــ

([1]) البيتان في اللسان (خنب، عفج).

([2]) الرجز لتميم بن العمود بن عامر بن عبد شمس، وكان العمود طعن يزيد بن الصعق فأعرجه. قال ابن بري: وقد وجدته أيضاً في شعر ابن أحمر الباهلي. اللسان (خنب).

([3]) صدره كما في ديوانه 13 طبع 1881 واللسان (خنا):

* قال هجدنا فقال طال السرى *

([4]) البيت للنابغة في ديوانه 17 واللسان (خنا). وصدره:

* أمست خلاء وأمسى أهلها احتملوا *

([5]) في اللسان "إن أخنع الأسماء إلى الله تبارك وتعالى من تسمى باسم ملك الأملاك".

([6]) صدره كما في ديوان الأعشى 85 واللسان (خنع):

* هم الخضارم إن غابوا وإن شهدوا *

([7]) أنشده في المجمل.

([8]) ديوان الأعشى 102 واللسان (خنف) برواية "أجدت برجليها نجاء" في الديوان، و"النجاء" في اللسان.

([9]) عفى: جمع عاف، كغاز وغزى. والأجون، بالضم: جمع أجين. وفي اللسان (خنف): "له قلب عادية وصحون".

([10]) كذا ضبط في الأصل بكسر النون من "الخنق" و"خنقا" على اللغة الصحيحة، وهي التي ذكرها صاحب القاموس، قال "خنقه خنقاً ككتف". وأما صاحب اللسان فذكر اللغتين، قال: "الخنق، بكسر النون مصدر قولك: خنقه يخنقه خَنْقاً وخَنِقاً".

 


 ـ (باب الخاء والواو وما يثلثهما)

(خوي)  الخاء والواو والياء أصلٌ واحد يدلُّ على الخُلوِّ والسُّقوط. يقال خَوَتِ الدّارُ تخوي. وخَوَى النّجم، إذا سقَط ولم يكنْ عند سقوطه مَطر؛ وأخْوَى أيضاً. قال:

وأَخْوَتْ نَجُومُ الأخْذِ إلاّ أنِضَّةً *** أنِضَّةَ محْلٍ ليس قاطِرُها يُثْرِي([1])

  وخَوَّتِ النّجومُ تخوِيةً، إذا مالت للمَغِيب. وخَوَّتِ  الإبلُ تخويةً، إذا خُمِصَتْ بُطونُها. وخَويت المرأةُ خَوَىً، إذا لم *تأكلْ عند الولادة. ويقال خَوَّى الرّجلُ، إذا تجافى في سجوده، وكذا البعيرُ إذا تجافى في بُروكه. وهو قياس الباب؛ لأنّه إذا خوَّى في سجودِه فقد أخلَى ما بين عضُده وجَنْبِه. وخَوَّتِ المرأةُ عند جلوسها على المِجْمر. وخوَّى الطائر، إذا أرسل جناحَيه. فأمَّا الخَوَاةُ فالصَّوت. وقد قلنا إنّ أكثر ذلك لا ينقاس، وليس بأصلٍ.

(خوب)  الخاء والواو والباء أُصَيْلٌ يدلُّ على خُلوٍّ وشِبهه. يُقال أصابتهم خَوْبةٌ، إذا ذهب ما عندهم ولم يبق شيءٌ. والخَوْبَةُ: الأرض لا تُمطَرُ بين أرضَينِ قد مُطرَتَا؛ وهي كالخَطِيطة.

(خوت)  الخاء والواو والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على نفاذٍ ومرور بإِقدامٍ. يقال رجُلٌ خَوّاتٌ، إذا كان لا يبالِي ما رَكِبَ من الأمور. قال:

لا يَهْتَدِي فيه إلا كلُّ منصلِتٍ *** من الرِّجال زَمِيعِ الرَّأْي خَوّاتِ([2])

  هذا هو الأصل. ثمّ يقال خاتَت العُقَاب، إذا انقضَّت؛ وهي خائتة. قال أبو ذؤيب:

فألقَى غِمْدَهُ وهَوَى إليهم *** كما تَنْقَضُّ خائتةٌ طَلُوبُ([3])

  ويقال: مازالَ الذِّئبُ يَخْتاتُ الشّاةَ بعد الشّاة، أي يَخْتِلُها ويَعُدو عليها. فأمَّا ما حكاه ابن الأعرابيّ من قولهم خاتَ يَخُوتُ إذا نَقَض عهدَه، فيجوز أن يكون من الباب، كأنّه نَقَض ومرَّ في نَهْجِ غَدْرِه. ويجوز أن يكون التّاء مبدلةً من سين، كأنَّه خاس، فلما قُلبت السين تاءً غُيِّر البناء([4]) من يَخِيس إلى يَخُوت.

ومن ذلك خاتَ الرّجلُ وأنْفَضَ، إذا ذَهَبَتْ مِيرتُه. وهو من السين. وكذلك خات الرّجُل إذا أسنَّ. فأمّا قولهم إنّ التَّخوُّتَ التنقُّص فهو عندنا، من باب الإبدال، إمَّا أن يكون من التخوُّن أو التخوّف([5])، وقد ذُكِرا في بابهما. ويقال فلانٌ يتخوَّتُ حديثَ القومِ ويختاتُ، إذا أَخَذَ منه وتَحَفَّظَ.

ومن الباب الأول هم يَخْتَاتونَ اللَّيل، أي يسِيرون ويَقطَعون.

(خوث)  الخاء والواو والثاء أُصَيلٌ ليس بمطّرد ولا يقاسُ عليه. يقولون خَوِثتِ المرأةُ، إذا عظُم بَطْنُها. ويقال بل الخَوْثاء النَّاعمة. قال:

عَلِقَ القَلْبَ حبُّها وهَواها *** وهي بِكْرٌ غَرِيرةٌ خَوْثاءُ([6])

  (خوخ)  الخاء والواو والخاء ليس بشيء. وفيه الخَوْخُ، وما أُراه عربيّاً.

(خود)  الخاء والواو والدال أُصَيلٌ فيه كلمةٌ واحدة. يقال خَوَّدُوا في السَّير. وأصله قولهم خَوَّدْتُ الفحلَ تخويداً، إذا أرسلتَه في الإناث. وأنشد:

وخُوِّدَ فَحْلُها من غَيرِ شَلٍّ *** بِدارِ الرِّيف تخويدَ الظَّليمِ([7])

  كذا أنشده الخليل. ورواه غيرُه: "وخَوَّد فَحْلُها".

(خوذ)  الخاء والواو والذال ليس أصلاً يطّرد، ولا يُقاس عليه، وإنّما فيه كلمة واحدة مُختلَفٌ في تأويلها. قالوا: خاوَذْتُه، إذا خالفْتَه. وقال بعضهم: خاوذتُه وافَقْتُه. ويقولون: إنّ خِواذَ الحُمَّى أن تأتِيَ في وقتٍ غير معلوم.

(خور)  الخاء والواو والراء أصلان: أحدهما يدلُّ على صوت، والآخَر على ضَعْف.

فالأوّل قولُهم خار الثَّور يخور، وذلك صوتُه. قال الله تعالى:{فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ} [طه 88].

وأمّا الآخر فالخَوَّار: الضعيفُ مِن كلِّ شيء. يقال رُمْحٌ خوّارٌ، وأرضٌ خَوّارةٌ، وجمعه خُورٌ. قال الطِّرِمّاح:

أنا ابنُ حماةِ المَجْد من آلِ مالك *** إذا جعلَتْ خُور الرِّجال تَهِيعُ([8])

  وأما قولهم للناقة العزِيزة خَوّارةٌ والجمع خُورٌ، فهو من الباب؛ لأنّها إذا لم تكن عَزُوزاً- والعَزُوز: الضيِّقة الإحليل، مشتقّة من الأرض العَزَاز- فهي حينئذ خَوّارةٌ، إذْ كانت الشّدَّة قد زايلَتْها.

(خوس)  الخاء والواو والسين أصلٌ واحد يدلُّ على فسادٍ. يقال خاسَت الجِيفَةُ في أوّلِ ما تُرْوِحُ؛ فكأنَّ ذلك كَسَدَ حتَّى فَسَد. ثمّ حُمِل على هذا فقيل: خاسَ بعَهْده، إذا أخْلَف وخان. قالوا: و*الخَوْسُ الخِيانة.  وكلُّ ذلك قريبٌ بعضُه من بعض. وهذه كلمةٌ يشترك فيها الواو والياء، وهما متقاربان، وحَظّ الياء فيها أكثر، وقد ذكرت في الياء أيضاً.

(خوش)  الخاء والواو والشين أصلٌ يدلُّ على ضمْر وشِبهه. فالمتخوِّش: الضامر، ولذلك تسمَّى الخاصِرتان الخَوْشَينِ.

(خوص)  الخاء والواو والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على قِلّةٍ ودِقّة وضِيق. من ذلك الخَوَصُ في العين، وهو ضِيقُها وغُؤورها. والخُوص: خُوص النَّخلةِ دقيقٌ ضامر. ومن المشتقّ من ذلك التخوُّص، وهو أخْذُ ما أعطيتَه الإنْسانَ وإن قَلّ. يقال: تخوَّصْ منه ما أعطاك وإنْ قَلَّ. قال:

يا صَاحِبَيَّ خَوِّصَا بسَلِّ *** مِنْ كُلِّ ذاتِ لَبَنٍ رِفَلِّ([9])

  يقول: قرِّبا إبلَكُما شيئاً بَعد شَيء، ولا تَدَعَاهَا تَدَاكُّ على الحَوْض([10]). قال:

يا ذائِدَيْها خَوِّصا بإرسالْ *** ولا تَذُوداها ذِيادَ الضُّلاَّلْ([11])

  وقال آخَر([12]):

أقُول للذَّائِدِ خوِّصْ برَسَلْ *** إنِّي أخاف النائِباتِ بالأُوَلْ

  وأمّا قولُهم: أخْوَصَ العَرْفَج، فهو مشتق مِن أخْوَصَ النَّخْل، لأنّ العَرْفَج إذا تَفَطَّرَ صار له خُوصٌ.

(خوض)  الخاء والواو والضاد أصلٌ واحد يدلُّ على توسُّطِ شيء ودُخولٍ. يقال خُضْتُ الماءَ وغيرَه. وتخاوَضوا في الحديثِ والأمرِ، أي تفاوَضُوا وتداخَل كلامُهم.

(خوط)  الخاء والواو والطاء أُصَيلٌ يدلُّ على تَشعُّبِ أغصان. فالخُوط الغُصْن، وجمعه خِيطان. قال:

* على قِلاصٍ مِثْلِ خِيطانِ السَّلَمْ([13]) *

(خوع)  الخاء والواو والعين أصلٌ يدلُّ على نَقْص ومَيَل. يقال خوَّع الشَّيءَ، إذا نَقَصَه. قال طرَفة:

وجاملٍ خَوَّعَ من نِيبِه *** زَجْرُ المعلَّى أُصُلاً والسَّفِيحْ([14])

  خَوَّع: نَقَص. يعني بذلك ما يُنْحَر منها في المَيْسِر.

والخَوْع: مُنْعَرج الوادِي. والخُوَاع: النَّخِير. وهذا أقْيَس من قولهم إنّ الخَوْع: جبلٌ أبْيَض.

(خوف)  الخاء والواو والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على الذُّعْرِ والفزَع. يقال خِفْتُ الشّيءَ خوفاً وخِيفةً. والياء مبدَلةٌ من واو لمكان الكسرة. ويقال خاوَفَني فلانٌ فخُفْتُه، أي كنتُ أشدَّ خوفاً منه. فأمّا قولهم تخوَّفْتُ الشَّيءَ، أي تنقّصتُه، فهو الصحيح الفصيح، إلا أنّه من الإبدال، والأصلُ النّون من التنقُّص، وقد ذُكِر في موضعه.

(خوق)  الخاء والواو والقاف أُصَيلٌ يدلُّ على خُلوِّ الشّيء. يقال مفازةٌ خَوْقاء، إذا كانت خاليةً لا ماءَ بها ولا شيء. والخَوْق: الحَلْقة من الذَّهب، وهو القياسُ؛ لأنَّ وسَطه خالٍ.

(خول)  الخاء والواو واللام أصلٌ واحد يدلُّ على تعهُّد الشَّيء. مِن ذلك: "إنَّه كان يتخوَّلُهم بالموعظة([15])"، أي كان يتعَّدُهم بها. وفلان خَوْلِيُّ مالٍ، إذا كان يُصلِحه. ومنه: خَوَّلك اللهُ مالاً، أي أعطاكَه؛ لأنّ المال يُتَخوَّل، أي يُتَعَهَّد. ومنه خَوَلُ الرّجُل، وهم حَشَمُه. أصله أنَّ الواحدَ خائل، وهو الرَّاعي. يقال فُلانٌ يَخُول على أهله، أي يَرعَى عليهم. ومن فصيح كلامهم: تخوَّلت الرِّيح الأرضَ، إذا تصرَّفَتْ فيها مرّةً بعد مرّة.

(خون)  الخاء والواو والنون أصلٌ واحد، وهو التنقص. يقال خانَه يخُونه خَوْناً. وذلك نُقصانُ الوَفاء. ويقال تخوَّنَني فلانٌ حَقِّي، أي تنقَّصَني. قال ذو الرُّمَّة:

لا بَلْ هُو الشَّوقُ من دارٍ تَخَوَّنَها *** مَرَّاً سحابٌ ومَرَّاً بارِحٌ تَرِبُ([16])

  ويقال الخَوَّانُ: الأسَد. والقياسُ واحد. فأمّا الذي يقال إنهم كانوا يسمُّون في العربيّة الأولى الرّبيع الأوَّل [خَوَّاناً([17])]، فلا معنى له ولا وجهَ للشُّغْل به. وأما قول ذي الرُّمَّة:

لا يَنْعَشُ الطَّرْفَ إلاَّ ما تَخَوَّنَهُ *** داعٍ يُنادِيهِ باسمِ الماءِ مَبْغومُ([18])

  فإنْ كان أراد بالتخوُّن التعهُّدَ كما قاله بعضُ *أهل العلم، فهو من باب الإبدال، والأصل اللام: تخوَّلَه، وقد مضى ذِكرُه. ومِنْ أهل العلم من يقول: يريد إلاّ ما تَنَقَّصَ نومَه دُعاءُ أمِّه له.

وأمَّا الذي يؤكل عليه، فقال قومٌ: هو أعجميٌّ. وسمعت عليَّ بنَ إبراهيمَ القَطَّان يقول: سُئِل ثعلبٌ وأنا أسمَعُ، فقِيل يجُوز أنْ يُقال إن الخُِوان يسمَّى خُِوانا لأنّه يُتخوَّن ما عليه، أي يُنْتَقَص. فقال: ما يَبْعُد ذلك. والله تعالى أعلم.

ـــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (خوى، أخذ، نضض) والأزمنة والأمكنة (1: 185). وقد سبق إنشاده في (أخذ 1: 70).

([2]) البيت في المجمل واللسان (خوت).

([3]) ديوان أبي ذؤيب 95.

([4]) في الأصل: "النساء".

([5]) في الأصل: "والتخوف".

([6]) لأمية بن حرثان بن الأسكر، كما في اللسان (خوث). وأنشده في المجمل.

([7]) البيت للبيد في ديوانه 8 طبع 1880 واللسان (خور). وفي الديوان واللسان: "بدار الريح"، أي مبادرة ومسابقة للريح الباردة.

([8]) ديوان الطرماح 154 واللسان (خور، هيع). وفي الأصل: "من آل هاشم" تحريف، صوابه من المراجع وما سيأتي في (هيع). والطرماح طائي، ومالك من أجداده، وهو مالك بن أبان ابن عمرو بن ربيعة ابن جرول بن ثعل بن عمرو بن الغوث بن طيئ.

([9]) الرجز في اللسان (خوص) برواية: "من كل ذات ذنب".

([10]) تداك على الحوض: تزدحم عليه.

([11]) الرجز لأبي النجم، كما في اللسان (خوص).

([12]) هو زياد العنبري، كما في اللسان (خوص).

([13]) من رجز لجرير في ديوانه 52. وفي الأصل: "على قلائص"، والمجمل: "على فلان" تحريف.

([14]) في الأصل: "وحامل خوع من بنته"، صوابه في اللسان (خوع). ورواية الديوان: "من نبته" أي نسله. وقد أشار إلى هذه في اللسان.

([15]) في اللسان: "وفي الحديث: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتخولنا بالموعظة. أي يتعهدنا بها مخافة السأم علينا".

([16]) ديوان ذي الرمة 2 واللسان (خون).

([17]) هذه التكملة من المجمل. وفي الجمهرة (4: 489): "وشهر ربيع الأول وهو خوان، وقالوا خوان"، الأخير بوزن رمان. وفي الجمهرة (3: 244): "وخوان: اسم من أسماء الأيام في الجاهلية". وانظر الأزمنة والأمكنة (1: 280).

([18]) ديوان ذي الرمة  واللسان (نعش، خون، بغم).

 

 

ـ (باب الخاء والياء وما يثلثهما)

(خيب)  الخاء والياء والباء أصلٌ واحد يدلُّ على عدم فائدةٍ وحِرمانٍ. والأصل قولهم للقِدْحِ الذي لا يُورِي: هو خَيّاب. ثمّ قالوا: سَعَى في أمرٍ فخابَ، وذلك إذا حُرِم([1]) فلم يُفِدْ خيْراً.

(خير)  الخاء والياء والراء أصله العَطْف والميْل، ثمَّ يحمل عليه. فالخَير: خِلافُ الشّرّ؛ لأنَّ كلَّ أحدٍ يَمِيلُ إِليه ويَعطِف على صاحبه. والخِيرَةُ: الخِيار. والخِيرُ: الكَرمُ. والاستخارة: أن تَسْألَ خيرَ الأمرين لك. وكل هذا من الاستخارة، وهي الاستعطاف. ويقال استخرتُه. قالوا: وهو من استِخارة الضّبُع، وهو أن تَجْعلَ خشبةً في ثُقْبَةِ بيتها حتى تَخرُج من مكانٍ إلى آخَر. وقال الهذليّ([2]):

لعَلَّكَ إِمَّا أُمُّ عمروٍ تبدَّلَتْ *** سواكَ خليلاً شاتِمِي تَستخِيرُها

  ثم يُصَرّف الكلامُ فيقال رجلٌ خَيِّرٌ وامرأةٌ خَيِّرة: فاضلة. وقومٌ خِيارٌ وأخيار… في صلاحها([3])، وامرأةٌ خَيْرةٌ في جَمالها وميسَمِها. وفي القرآن: {فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسَانٌ} [الرحمن 70ٍ]. ويقال خايَرْتُ فلاناً فَخِرْتُه. وتقول: اخْتَرْ بَني فُلاَنٍ رَجُلا. قال الله تعالى: {واختارَ مُوسَى قومَهُ سَبْعِينَ رَجُلاً} [الأعراف 154]. تقول هو الخِيرَة خَفيفة، مصدر اختار خِيرَةً، مثل ارتاب رِيبَة.

(خيس)  الخاء والياء والسين أُصَيلٌ يدلُّ على تذليلٍ وتليين. يقال خيَّستُه، إذا لَيَّنْتَهُ وذلَّلته. والمُخيَّس: السِّجن. قال:

تجَلّلْتُ العَصَا وعلمتُ أنِّي *** رَهِينُ مُخَيَّسٍ إِن يَثْقَفُونِي

  وأمّا قولُهم خاسَ بالعهد فقد ذكرناه في الواو. والكلمة مشتركة. ومن الغريب في هذا الباب، قولُهم: قَلَّ خَيْسُه، أي غَمُّه. والخِيسُ: الشجر الملتَفُّ.

(خيص)  الخاء والياء والصاد كلمةٌ مشترَكة أيضاً؛ لأنّ للواوِ فيها حَظّاً([4])، وقد ذكرت في الخوص. فأمّا الياء فالخَيْصُ: النَّوالُ القَليل. قال الأعشى:

لَعَمرِي لئن أمْسى من الحيِّ شاخِصا *** لقد نالَ خيْصاً من عُفَيرَةَ خائصا([5])

  والباب كُّله في الواو والياء واحدٌ.

ومن الشاذّ -والله أعلم بصحّته- قولُهم وَعِلٌ أخْيَصُ، إذا انتصَبَ أحدُ قَرنَيه وأقْبلَ الآخَر على وجهه.

(خيط)  الخاء والياء والطاء أصلٌ واحد يدلُّ على امتدادِ الشَّيء في دِقّةٍ، ثم يحمل عليه فيقال في بعض ما يكون منتصِباً. فالخَيْط معروفٌ. والخَيط الأبيض: بياضُ النهار. والخيط الأسود: سوادُ الليل. قال الله تعالى: {حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الخَيْطُ الأَبْيضُ مِنَ الخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الفَجْرِ} [البقرة آية 187]. ويقال لما يَسِيلُ من لُعاب الشَّمس: خَيْطُ باطلٍ. قال:

غَدَرتُم بعَمروٍ يا بَنِي خَيْطِ باطِلٍ *** ومثلُكُمُ بَنى البُيوتَ على غَدْرِ

  فأمّا قولُهم للّذي بَدا الشَّيبُ في رأسه خُيِّطَ، فهو من الباب، كأنَّ البادِيَ من ذلك مشبَّهٌ بالخُيُوط. قال الهذلي([6]):

* حَتَّى تخَيَّطَ بالبَيَاضِ قُرُونِي([7]) *

ويقال نعامة خَيْطاءُ؛ وخَيَطُها طُول عُنُقِها. والْخِياطة معروفةٌ، فأمَّا الْخِيط بالكسر، فالجماعةُ من النَّعام؛ وهو قياس الباب؛ لأنّ المجتمِع يكون كالذي خِيطَ بعضُه إلى بعض. وأمَّا قولُ الهذليّ([8]):

تَدَلّى عليها بين سِبٍّ وَخَيْطَةٍ *** *بِجَرْدَاء مثلِ الوَكْفَ يَكبُو غُرابُها

  فقد قيل إنّ الخَيْطة الحَبْل. فإن كان كذا فهو القياس المطَّرِد. وقد قيل الخَيْطة الوتد. وقد ذكرنا أنّ هذا ممَّا حمل على الباب؛ لأنّ فيه امتداداً في انتصاب.

(خيف)  الخاء والياء والفاء أصلٌ واحد يدل على اختلافٍ. فالخَيَف: أن تكون إحدى العينَين من الفَرَس زرقاءَ والأُخْرى كَحْلاء. ويقال: النَّاس أخْيافٌ، أي مختلِفون. والخَيْفَان: جرادٌ تصير فيه خطوطٌ مختلِفة. والْخَيْف: ما ارتَفَع عن مَسِيل الوادي ولم يبلُغْ أن يكون جبلاً، فقد خالَفَ السّهلَ والجبَل. ومن هذا الْخَيْف: جِلْدُ الضَّرع، مشبّهٌ بخَيْف الأرض. وناقَةٌ خَيْفَاءُ: واسعةُ جِلْد الضَّرع. وبعيرٌ أخيَفُ: واسع جلد الثِّيل. فأمّا الخِيفُ فجمع خِيفَةٍ، وليس من هذا الباب، وقد ذكر في باب الواو بعد الخاء، وإنّما صارت الواو ياءً لكسرةِ ما قبلها. وقال:

فلا تَقْعُدَنّ على زَخَّةٍ *** وتُضْمِرَ في القَلْبِ وجْداً وخِيفا([9])

  (خيل)  الخاء والياء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ في تلوُّن. فمن ذلك الخَيَال، وهو الشَّخص. وأصله ما يتخيَّلُه الإنسان في مَنامه؛ لأنّه يتشبّه ويتلوّن. ويقال خَيَّلْتُ للنّاقة، إذا وضَعْتَ لولدِها خيالاً يفزَّع منه الذِّئب فلا يقرُبه. والخَيْل معروفة. وسمِعت مَن يَحْكِي عن بِشر الأسديّ عن الأصمعي قال: كنتُ عند أبي عمرو بن العَلاء، وعنده غلامٌ أعرابيٌّ فسُئل أبو عمرو: لم سمِّيت الخيلُ خيلاً؟ فقال: لا أدرِي. فقال الأعرابيُّ: لاخْتيالِها. فقال أبو عمرو: اكتُبوا. وهذا صحيحٌ؛ لأنّ المختالَ في مِشيتِه يتلوَّن في حركته ألواناً. والأخْيَلُ: طائرٌ، وأظنُّه ذا ألوانٍ، يقال هو الشِّقِرَّاق. والعرب تتشاءم به. يقال بعير مَخْيُولٌ([10])، إذا وقع الأخيلُ على عجُزِه فقَطَّعه. وقال الفرزدق:

إذا قَطَناً بَلَّغْتِنِيهِ ابنَ مُدْرِكٍ *** فَلاقَيتِ مِن طَير الأشائم أخْيَلا([11])

  يقول: إذا بلّغْتِني هذا الممدوحَ لم أُبَلْ بهلَكتك؛ كما قال ذو الرُّمّة:

إذا ابنَ أبي مُوسى بِلالاً بَلغْتِهِ *** فقامَ بفأسٍ بين وُِصْلَيْكِ جازِرُ([12])

  وقال الشمّاخ:

إذا بلّغْتِنِي وحَمَلْتِ رَحْلي *** عَرَابَةَ فاشرَقِي بدَمِ الوَتينِ([13])

  ويقال تخيَّلت السَّماء، إذا تهيّأَتْ للمطَر، ولابدّ أنْ يكون عند ذلك تغيُّرُ لونٍ. والمَخيلة: السَّحابة([14]). والمخيلة([15]): التي تَعِد بمَطَرٍ. فأمّا قولهم خَيَّلْتُ على الرّجُل تَخييلاً، إذا وجَّهتَ التّهمَة إليه، فهو من ذلك؛ لأنّه يقال: يشبه أن يكون كذا يُخَيَّلُ([16]) إليّ أنّه كذا، ومنه تخيَّلْت عليه تخيُّلاً، إذا تفَرَّسْتَ فيه([17]).

(خيم)  الخاء والياء والميم أصلٌ واحد يدلُّ على الإقامة والثَّبات. فالخَيْمة معروفة؛ والخَيْم: عيدانٌ تُبنَى عليها الخَيْمة. قال:

* فلم يَبْقَ إلاّ آلُ خيْمٍ مُنَضَّدٍ([18]) *

ويقال خَيَّم بالمكان: أقامَ به. ولذلك سمِّيت الخَيْمة. والخِيم: السجِيَّة، بكسر الخاء، لأنّ الإنسانَ يُبنَى عليها ويكون مرجعُه أبداً إليها.

ومن الباب قولُهم للجبان خائم، لأنَّه من جُبنِه لا حَرَاك به. ويقال قد خَامَ يَخِيم. فأمّا قولُه:

رَأَوْا فَتْرَةً بالسَّاقِ مِنِّي فحاوَلُوا *** جُبُورِيَ لما أنْ رأَوْنِي أَخِيمُها([19])

  فإنّه أرادَ رَفْعها، فكأنّه شبّهها بالخَيْم، وهي عِيدانُ الخَيْمة.

فأمّا الألف التي تجيء بعد الخاء في هذا الباب، فإنّها لا تخلو من أن تكون من ذوات الواو [أو] من [ذوات] الياء. فالخال الذي بالوجه هو من التلوُّن الذي ذكرناه. يقال منه رجل مَخِيلٌ ومخُول. وتصغير الخال خُيَيْلٌ فيمن قال مَخِيل، وخُوَيْلٌ فيمن قال مَخُول. وأما خالُ الرَّجُل أخو أُمِّه فهو من قولك خائل مالٍ، إذا كان يتعهَّدُه. وخالُ الجيش: لواؤُه، وهو إمّا من تغيُّرِ* الألوان، وإمّا أن الجيشَ يُراعونَه وينظُرون إليه كالذي يتعهَّد الشيء. والخال: الجبل الأسود فيما يقال، فهو من باب الإبدال.

(خام)  وأما الخاء والألف والميم فمن المنقلب عن الياء. الخامَةُ: الرّطْبة من النّبات والزّرْع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "مَثَلُ المؤمِنِ مَثَلُ الخامَة من الزّرع"([20]). وقال الطرمّاح:

إنّما نحن مثل خامةَ زَرْعٍ *** فَمتى يَأنِ يَأْتِ مُحْتَصِدُهْ([21])

  فهذا من الخائم، وهو الجبان الذي لا حَرَاك به.

وأمّا الخاء والألف والفاء فحرف واحدٌ، وهو الخافَةُ، وهي الخَريطة من الأدَم يُشتار فيها العسَل. فهذه محمولةٌ على خَيْف الضَّرع، وهي جِلدتُه. والقياس واحد.

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "جرم" بالجيم.

([2]) هو خالد بن زهير الهذلي. انظر ديوان الهذليين (1: 157) واللسان (خير).

([3]) في الكلام نقص، يدل عليه ما في اللسان: "قال الليث: رجل خير وامرأة خيرة: فاضلة في صلاحها. وامرأة خيرة في جمالها وميسمها".

([4]) في الأصل: "لأن الواو فيها خطأ"، تحريف.

([5]) ديوان الأعشى 108 واللسان (خيص)، وهو مطلع قصيدة له.

([6]) هو بدر بن عامر الهذلي. انظر شرح السكري للهذليين 128 ونسخة الشنقيطي 98 واللسان (خيط 170).

([7]) صدره كما في المراجع المتقدمة:  * تالله لا أنسى منيحة واحد *

([8]) هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوانه 79 واللسان (خيط، سبب، وكف).

([9]) البيت لصخر الغي الهذلي. ديوان الهذليين 2: 74 واللسان (خوف 448، زخخ 498). وسيأتي في زخ.

([10]) هذا اللفظ مما لم يرد في المعاجم المتداولة.

([11]) ديوان الفرزدق 701 واللسان (خيل).

([12]) ديوان ذي الرمة 253 وخزانة الأدب (1: 455).

([13]) ديوان الشماخ 92.

([14]) في الأصل: "السحاب". وفي اللسان: "المخيلة بفتح الميم: السحابة، وجمعها مخايل".

([15]) المخيلة هذه بضم الميم وكسر الخاء، وبضمها وفتح الخاء وكسر الياء المشددة.

([16]) في الأصل: "الخيل".

([17]) في المجمل: "إذا تفرست فيه الخير". وانظر للكلام على بقية هذه المادة، نهاية المادة التي تليها.

([18]) صدر بيت للنابغة، في اللسان (خيم، عثلب). وعجزه:*وسفع على آس ونؤي معثلب*

([19]) في اللسان (خيم): "رأوا وقرة".

([20]) تمامه كما في اللسان: "تميلها الريح مرة هكذا ومرة هكذا".

([21]) ديوان الطرماح 113 واللسان (خوم). وقد سبق في (حصد) ص 71 من هذا الجزء.

 

 

ـ (باب الخاء والباء وما يثلثهما)

(خبت) الخاء والباء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على خُشوع: يقال أَخْبَتَ يخبِتُ إخباتاً، إذا خشَع. وأخْبَتَ لله تعالى. قال عزّ ذكره: {وَبَشِّرِ المُخْبِتِين} [الحج 34]، وأصلُه من الخَبْت، وهو المفازة لا نباتَ فيها.

ومن ذلك الحديث: "ولو بِخَبْتِ الجَمِيش([1])". ألا تراه سمَّاها جَميشاً، كأنّ النَّباتَ قد جُمِشَ منها، أي حُلِق.

(خبث)  الخاء والباء والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف الطّيّب. يقال خبيثٌ، أي ليس بطيِّب. وأخْبَثَ، إذا كانَ أصحابُه خُبثاء. ومن ذلك التعوُّذ مِن الخبيث المُخْبِث. فالخبيث في نفسه، والمُخْبِث الذي أصحابُه وأعوانُه خُبَثاء.

(خبج)  الخاء والباء والجيم ليس أصلاً يُقاس عليه، وما أحسَِب فيه كلاماً صحيحاً. يقال خَبَجَ، إذا حَصَمَ([2]). وربما قالوا: خَبَجَه بالعصا، أي ضربه. ويقولون إنّ الخَبَاجاءَ من الفُحول: الكثير الضِّرَاب، وهذا كما ذكرناه، إلاّ أنْ يصحّ الحديث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "إذا أُقيمت الصلاة ولّى الشيطان وله خَبَجٌ كَخَبَج الحِمار". فإن صحّ هذا فالصحيح ما قاله عليه الصلاة والسلام، بآبائنا وأُمَّهاتنا هُو!

(خبر)  الخاء والباء والراء أصلان: فالأول العِلم، والثاني يدل على لينٍ ورَخاوة وغُزْرٍ.

فالأول الخُبْر: العِلْم بالشَّيءِ. تقول: لي بفلان خِبْرَةٌ وخُبْرٌ. والله تعالى الخَبير، أي العالِم بكلِّ شيء. وقال اللهُ تعالى: {وَلاَ يُنَبِّئكَ مِثْلُ خبِيرٍ} [فاطر 14].

والأصل الثاني: الخَبْراء، وهي الأرض الليِّنة. قال عَبيدٌ يصف فرساً:

* سَدِكاً بِالطَّعْنِ ثَبْتاً في الخَبارِ *

والخَبِير: الأكّار، وهو مِن هذا، لأنّه يُصْلِح الأرضَ ويُدَمِّثُها ويلَيِّنها. وعلى هذا يجري هذا البابُ كلُّه؛ فإنهم يقولون: الخبير الأكّار، لأنه يخابر الأرض، أي يؤاكِرُها. فأمّا المخابرة التي نُهِيَ عنها فهي المزارعة بالنِّصف لها [أو] الثّلث أو الأقلِّ([3]) من ذلك أو الأكثر. ويقال له: "الخِبْرُ، أيضاً. وقال قوم: المخابَرة مشتقٌّ من اسم خَيْبر.

ومن الذي ذكرناه من الغُزْر قولُهم للناقة الغزيرة: خَبْرٌ. وكذلك المَزَادة العظيمة خَبْرٌ؛ والجمع خُبور.

و[من] الذي ذكرناه من اللِّين تسميتُهم الزَّبَدَ([4]) خبِيراً. والخَبير: النَّبات الليِّن. وفي الحديث: "ونَسْتَخْلِبُ الخَبير([5])".

والخَبير: الوَبَر. قال الراجز:

*حتَّى إذا ما طار من خَبِيرِها([6]) *

ويقال مكانٌ خَبِرٌ، إذا كان دفيئاً كثيرَ الشَّجَر والماء([7]). وقد خَبِرَت الأرضُ. وهو قياسُ الباب.

ومما شذَّ عن الأصل الخُبْرَةُ، وهي الشّاة يَشتريها القومُ يذبحونها ويقتسِمون لحمها. قال:

إذا ما جعلْتَ الشّاةَ للقوم خُبْرةً *** فشَأْنَكَ إنِّي ذاهبٌ لشُؤُوني

  (خبز)  الخاء والباء والزاء أصلٌ واحد يدلُّ على خَبْط الشيء باليد.تخبَّزَت الإِبلُ السَّعْدَانَ، إذا خَبطَتْه بأيديها. ومن ذلك خَبَزَ الخَبَّازُ الخُبْز. قال:

لا تَخْبِزَا خَبْزاً وبُسَّا بَسّاً *** ولا تُطِيلا بِمُناخٍ حَبْسا([8])

  ويقال: الخَبْزُ ضَرْب البعير بيديه الأرضَ.

(خبس)  الخاء* والباء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على أخْذ الشيء قهراً وغَلَبة. يقال تَخَبَّسْتُ الشَّيءَ: أخذْتُه. وذلك الشيءُ خُبَاسَة. والخُباسة: المَغْنَم؛ يقال اختبَس الشَّيءَ: أخذَه مُغالَبة. وأسدٌ خَبُوس. قال:

ولكِنِّي ضُبارِمَةٌ جَموحٌ *** على الأقرانِ مُجْتَرِئٌ خَبُوسُ([9])

  (خبش)  الخاء والباء والشين ليس أصلاً. وربَّما قالوا: خَبَش الشّيءَ: جَمَعه. وليس هذا بشيء.

(خبص)  الخاء والباء والصاد قريبٌ من الذي قبله. يقولون خَبَص الشَّيءَ: خَلَطه.

(خبط)  الخاء والباء والطاء أصلٌ واحد يدلُّ على وطْءٍ وضَرب. يقال خَبَط البعير الأرضَ بيده: ضربَها. ويقال خَبَطَ الورَقَ من الشَّجَر، وذلك إذا ضربَه ليسقُط. وقد يُحمَل على ذلك، فيقال لداءٍ يُشبه الجنونَ: الخُبَاط، كأنَّ الإنسان يتخبَّط. قال الله تعالى: {إلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ المَسّ} [البقرة 275]. ويقال لما بَقِيَ مِن طعامٍ أو غيرِه: خِبْطة. والخِبْطة: الماء القليل؛ لأنّه يتخبَّط فلا يمتنع. فأمَّا قولهم اختبط فلانٌ [فلاناً] إذا أتاهُ طالباً عُرْفهُ، فالأصل فيه أنَّ الساريَ إليه أو السائر لابدّ من أن يختبط الأرضَ، ثم اختُصِر الكلامُ فقيل للآتي طالباً جَدْوَى: مُخْتَبِط. ويقال إنّ الخِبْطة: المَطْرةُ الواسعةُ في الأرض. وسمِّيت عندنا بذلك لأنّها تَخْبِط الأرضَ تَضرِبُها. وقد روى ناسٌ عن الشَّيباني، أنَّ الخابط النائم، وأنشدوا عنه:

* يَشْدَخْنَ باللّيل الشُّجاع الخابِطا([10]) *

فإنْ كان هذا صحيحاً فلأنَّ النائم يخبِط الأرضَ بجِسمه، كأنَّه يضربُها به.ويجوز أن يكون الشُّجاع الخابطُ إنَّما سُمِّي به لأنَّه يُخْبَط، تَخبِطه المارّةُ، كما قال القائل:

تُقطِّعُ أعناقَ التُّنَوِّطِ بالضُّحى *** وتَفْرِسُ بالظَّلْمَاءِ أَفعى الأجارِعِ([11])

  فأمَّا الخِباط فسِمَةٌ في الفَخِذ([12])، وسمِّي بذلك لأنَّ الفخذ تُخبَطُ به.

(خبع)  الخاء والباء والعين ليس أصلاً؛ وذلك أنَّ العين فيه مبدلة من همزة. يقال خَبَأْتُ الشيءَ وخبَعْتُه. ويقال خَبَع الرَّجُل بالمكان: أقام به. وربَّما قالوا: خبَعَ الصبيُّ خُبوعاً، وذلك إذا فُحِم من البُكاء. فإن كان صحيحاً فهو من الباب، كأن بكاءه خُبِئَ.

(خبق)  الخاء والباء والقاف أُصَيلٌ يدلُّ على الترفُّع. فالخِبِقَّى: جنْسٌ من مرفوع السَّير. قال:

* يَعْدُو الخِبِقّى والدِّفِقَّى مِنْعَبُ([13]) *

ومن الباب الخِبَقُّ والخِبِقُّ: الرجل الطَّويل، وكذلك الفَرَس.

(خبل)  الخاء والباء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على فساد الأعضاء. فالخَبَل: الجُنون. يقال اختبله الجنّ. والجّنيُّ خابل، والجمع خُبَّل. والخَبَل: فساد الأعضاء. ويقال خُبِلت يده، إذا قُطِعت وأُفسِدَت. قال أوس:

أبَنِي لُبَيْنَى لستمُ بيدٍ *** إلا يداً مَخبولةَ العَضُدِ([14])

  أي مُفْسَدة العضُد. ويقال فُلانٌ خَبَالٌ على أهله، أي عَنَاء عليهم لا يُغْنِي عنهم شيئاً. وطِينة الخَبَال الذي جاء في الحديث([15])، يقال إنّه صَدِيد أهل النّار.

ومما شذّ عن الباب الإخبال، ويقال هو أن يجعل الرّجُل إبلَه نِصفين، يُنتِج كلَّ عام نصفاً، كما يُفعل بالأرض في الزّراعة. ويقال الإخبال أن يُخْبِل الرّجلَ، وذلك أن يُعِيرَه ناقةً يركبُها، أو فرساً يغزُو عليه. ويُنشد في ذلك قولُ زهير:

هُنالك إن يُستَخْبَلُوا المالَ يُخْبِلُوا *** وإن يُسألوا يُعْطُوا وإن يَيْسِرُوا يُغْلُوا([16])

(خبن)  الخاء والباء والنون أُصَيْلٌ واحد يدلُّ على قَبْض ونقص. يقال خَبَنْت الشَّيءَ، إذا قبَضْته. وخَبَنْت الثوبَ، إذا رفعتَ ذَلاذِلَه حتّى يتقلَّص بعد أن تَخِيطه وتكُفَّه. والخُبْنَةُ: ثِبَان الرّجُل([17])؛ وسمِّي بذلك لأنَّه يُخبَن فيه الشّيء. تقول: رفَعَه في خُبْنَتِه. وفي الحديث: "فليأكُلْ منها ولا يَتَّخِذْ* خُبْنَةً([18])". ويقال إنّ الخُبْنَ من المَزَادة ما كان دون المِسْمَع. فأمّا قولهم خَبَنْت الرّجل، مثلُ غبَنْته، فيجوز أن يكون من الإبدال، ويجوز أن يكون من أنّه إذا غَبنَه فقد اختبَنَ عنه من حَقِّه.

(خبأ)  الخاء والباء والحرف المعتل والهمزة يدلُّ على سَتْرِ الشّيء. فمن ذلك خبأْت الشيء أخبَؤه خَبْأً. والخُبَأَةُ: الجارية تُخْبَأُ. ومن الباب الخِباء؛ تقول أخبَيْتُ إخباءً، وخَبَّيْتُ، وتخبَّيْت، كلُّ ذلك إذا اتخذْتَ خِباءً.

ــــــــــــــــ

([1]) الحديث بتمامه كما في الإصابة 5978 "عن عمرو بن يثربي قال: شهدت خطبة النبي صلى الله عليه وسلم بمنى، وكان فيما خطب به أن قال: لا يحل لامرئ من مال أخيه إلا ما طابت به نفسه. فقلت: يا رسول الله، أرأيت لو لقيت غنم ابن عمي فاجتزرت منها شاة هل علي في ذلك شيء؟ قال: إن لقيتها تحمل شفرة وزناداً فلا تهجها". ويبدو أنه سقط من نسخة الإصابة ما ورد في اللسان، وهو "إن لقيتها تحمل شفرة وزناداً بخبت الجميش فلا تهجها".

([2]) حصم، بالمهملتين، أي ضرط.

([3]) في الأصل: "أو أقل".

([4]) الزبد، هنا، بالتحريك. بعضهم يخص الخبير بزبد أفواه الإبل.

([5]) نستخلب، بالخاء المعجمة، أي نقطع، كما في اللسان (خلب، خبر). وفي الأصل: "نستحلب". بالحاء المهملة، تحريف. قال في اللسان (خبر): "شبه بخبير الإبل، وهو وبرها؛ لأنه ينبت كما ينبت الوبر".

([6]) لأبي النجم العجلي، كما في اللسان (خبر، غرر).

([7]) هذا التفسير لم يرد في غير المجمل من المعاجم المتداولة. وفي اللسان بعد ذكر "الخبراء": "يقال خبر الموضع بالكسر فهو خبر".

([8]) الرجز للهفوان العقيلي. انظر شرح الحيوان (4: 490).

([9]) لأبي زبيد الطائي، كما في اللسان (خبس). والضبارمة: الجريء، وفي الأصل: "ضبارة" محرف، صوابه من اللسان والمجمل.

([10]) البيت لأباق الدبيري كما في اللسان (خبط). وقد صحف "أباق" في اللسان "بدباق"، بصوابه ما أثبت من اللسان (مرط). وفي القاموس (أبق): "وكشداد: شاعر دبيري".

([11]) البيت في اللسان (نوط).

([12]) زاد في اللسان: طويلة عرضا، وهي لبني سعد، أي من سمات إبلهم.

([13]) البيت في اللسان (خبق).

([14]) في الأصل: "أبني أبينا"، صوابه من المجمل وديوان أوس بن حجر واللسان (خبل). على أن رواية عجز البيت في الأصل والمجمل واللسان غير مستقيمة، والبيت من قصيدة مضمومة الروي، وهو في الديوان:

أبني لبينى لستم بيد *** إلا يد ليست لها عضد

([15]) هو حديث: "من أكل الربا أطعمه الله من طينة الخبال يوم القيامة".

([16]) ديوان زهير 112 والمجمل واللسان (خبل).

([17]) الثبان، ككتاب: الموضع الذي يحمل فيه من الثوب. نحو أن يعطف ذيل قميصه فيجعل فيه شيئاً. وفي الأصل: "ثبات"، وفي المجمل: "التبان"، وفي اللسان: "ثياب الرجل"، صواب كل أولئك ما أثبت.

([18]) سبق في مادة (ثبن) برواية: "ولا يتخذ ثبانا".

 

 

ـ (باب الخاء والتاء وما يثلثهما)

(ختر)  الخاء والتاء والراء أصلٌ يدلُّ على تَوانٍ وفُتُورٍ. يقال تَخَتَّرَ الرجلُ في مِشيته، وذلك أن يَمشي مِشْية الكَسْلان. ومن الباب الخَتْر، وهو الغَدْر، وذلك أنّه إذا خَتَر فقد قعَد عن الوفاء. والخَتَّار: الغَدَّار. قال الله تعالى: {وَمَا يَجْحَدُ بِآياتِنَا إلاَّ كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} [لقمان 32].

(ختع)  الخاء والتاء والعين أصلٌ واحد يدلُّ على الهجوم والدّخولِ فيما يَغِيب الداخلُ فيه. فيقول خَتَع الرجل خُتُوعاً، إذا ركب الظُّلْمة.

ومن الباب الخَيْتَعَة: قطعةٌ مِن أدمٍ يلُفُّها الرَّامِي على يده عند الرَّمي.

ويُحمَل على ذلك، فيقال للنَّمِرة الأنثى الخَتْعَة؛ وذلك لجُرأتها وإقدامها. وقال العجّاجُ([1]) في الدليل الذي ذكرناه:

* أَعْيَتْ أَدِلاَّءَ الفلاة الخُتَّعَا([2]) *

(ختل)  الخاء والتاء واللام أُصَيل فيه كلمةٌ واحدة، وهي الخَتْل، قال قومٌ: هو الخَدْع. وكان الخليل يقول: تخاتَلَ عن غَفْلةٍ.

(ختن)  الخاء والتاء والنون كلمتان: إحداهما خَتْن الغُلام الذي يُعْذَر. والخِتان: موضع القَطْع من الذَّكَر([3]).

والكلمة الأُخرى الخَتَن، وهو الصِّهر، وهو الذي يتزوَّج في القوم.

(ختم)  الخاء والتاء والميم أصلٌ واحد، وهو بُلوغ آخِرِ الشّيء. يقال خَتَمْتُ العَمَل، وخَتم القارئ السُّورة. فأمَّا الخَتْم، وهو الطَّبع على الشَّيء، فذلك من الباب أيضاً؛ لأنّ الطَّبْع على الشيءِ لا يكون إلاّ بعد بلوغ آخِرِه، في الأحراز. والخاتَم مشتقٌّ منه؛ لأنّ به يُختَم. ويقال الخاتِمُ، والخاتام، والخَيْتام. قال:

* أخذْتِ خاتامِي بغيرِ حَقِّ([4]) *

والنبي صلى الله عليه وسلم خاتَِمُ الأنبياء؛ لأنّه آخِرُهم. وخِتام كلِّ مشروبٍ: آخِرُه. قال الله تعالى: {خِتَامُهُ مِسْكٌ} [المطففين 26]، أي إنّ آخرَ ما يجِدونه منه عند شُربهم إياه رائِحَةُ المسك.

(ختا)  الخاء والتاء والحرف المعتل والمهموز ليس أصلاً، وربّما قالوا: اختَتَأْتُ له اختِتاءً، إذا ختلْتَه([5]).

ــــــــــــــــــــ

([1]) كذا. والصواب أنه "رؤبة". وقصيدة البيت في ديوانه 87-93.

([2]) ديوان رؤبة 89 واللسان (ختع) حيث نسب البيت إلى رؤبة.

([3]) هذا مذهب من يخصص الختان للذكور، والخفض للإناث. ومن جعل الختان لهما زاد: "وموضع القطع من نواة الجارية".

([4]) ويروى: "خيتامي" كما في اللسان. وقبله: * يا هند ذات الجورب المنشق *

([5]) في الأصل: "إذا أختلت"، صوابه من المجمل واللسان.

 

 

ـ (باب الخاء والثاء وما يثلثهما)

(خثر) الخاء والثاء والراء أصلٌ يدلُّ على غِلَظٍ في الشّيءِ مع استِرخاء. يقال خَثُِر اللّبنُ، وهو خاثر. وحكى بعضهم: خَثِر فلانٌ في الحيِّ، إذا أَقام فلم يكَدْ يبرح. وليس هذا بشيء.‏

(خثل) الخاء والثاء واللام كلمةٌ واحدةٌ لا يقاس عليها. قال الكِسائيّ: خَثَلة البَطْن: ما بين السُّرّة والعانة؛ ويقال خَثْلَة، والتخفيف أكثر(1).‏

(خثم) الخاء والثاء والميم ليس أصلاً. وربَّما قالوا لِغلَظ الأنف الخَثَم، والرّجلُ أخثَم.‏

(خثا) الخاء والثاء والحرف المعتل ليس أصلاً. وربّما قالوا امرأةٌ خَثْوَاءُ: مستَرخِية البطن. وواحدُ الأخثاء خِثْيٌ. وليس بشيء. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــــ

(1) في المجمل: "ويقال حثله بالتخفيف، وهو أكثر". يراد بالتخفيف سكون الثاء.‏

 

 

ـ (باب الخاء والجيم وما يثلثهما في الثلاثي)

(خجل) الخاء والجيم واللام أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وتردُّد. حكَى بعضُهم: عليه ثوبٌ خَجِلٌ، إذا لم يكن [تقطيعُه] تقطيعاً* مستوِياً، بل كان مضطرباً عليه عند لُبْسه. ومنه الخَجَل الذي يعتري الإنسانَ، وهو أن يَبقى باهتاً لا يتحدَّث. يقال منه: خَجِل. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم للنِّساءِ: "إنّكُنّ إذا جُعْتُنّ دَقِعْتُنّ، وإذا شَبِعْتُنّ خَجِلْتُنّ" . قال الكميت:‏

ولَمْ يَدْقَعُوا عندما نابَهُم *** لِوَقْعِ الحروب ولم يَخْجَلُوا(1)‏

يقال في خَجِلتُنّ: بَطِرْتُنّ وأَشِرْتُنّ؛ وهو قياس الباب. ويقال منه خَجِلَ الوادِي، إذا كثُر صوتُ ذُبابه. ويقال أخْجَلَ الحَمْضُ: طالَ؛ وهو القياس؛ لأنّه إذا طالَ اضطرب.‏

(خجا) الخاء والجيم والحرف المعتل أو المهموز ليس أصلاً. يقولون رجل خُجَأَةٌ، أي أحمق. وخَجَأَ الفحلُ أُنْثَاه، إذا جامَعَها. وفحلٌ خُجَأَةٌ: كثير الضِّراب.‏

ـــــــــــــــــــــ

(1) البيت في اللسان (خجل). وسيأتي في (دقع).‏

 

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله خاء)

من ذلك (الخَلْجَم)، وهو الطَّويل، والميم زائدة، أصله خلج. وذلك أنّ الطويل يتمايَلُ، والتخلُّج: الاضطراب والتّمايُل، كما يقال تخلَّج المجنون.

ومنه (الخُشَارِم)، وهي الأصوات، والميم والراء زائدتان، وإنَّما هو من خَشَّ([1]).

وكذلك (الخَشْرَم): الجماعة من النَّحْل، إنَّما سمِّي بذلك لحكاية أصواتِه.

ومن ذلك (الخِضْرِم)، وهو الرجُل الكثير العطيَّة. وكلُّ كثيرٍ خِضْرِمٌ. والراء فيه زائدة، والأصل الخاء [والضاد] والميم. ومنه الرجل الخِضَمّ، وقد فسرناه.

ومن ذلك (الخُبَعْثِنَة)، وهو الأسد الشديد، وبه شُبِّه الرجُل، والعين والنون فيه زائدتان، وأصله الخاء والباء والثاء.

ومنه (الخَدَلَجَّة)، وهي الممتلئة الساقَين والذراعين، والجيم زائدة، وإنَّما هو من الخَدَالة. وقد مضى ذِكره.

ومنه (الخِرْنِق) وهو ولد الأرنب. والنون [زائدة]، وإنَّما سمِّي بذلك لضَعفه ولُزوقِهِ بالأرض([2]). من الخَرَق، وقد مَرَّ. ويقال أرضٌ مُخَرْنِقةٌ. وعلى هذا قولهم: خَرنَقَتِ النَّاقةُ، إذا كثُر في جانِبيْ سَنامها الشّحم حتَّى تراه كالخَرانِقِ.

ومنه رجل (خَلَبُوتٌ([3])) أي خَدَّاع. والواو والتاء زائدتان، إنما هو من خَلَب.

ومنه (الخَنْثَر([4])): الشَّيء الخسيس يبقَى من متاعِ القوم في الدار إذا تحمَّلوا.

وهذا منحوتٌ من خَنَثَ وخثر. وقد مرَّ تفسيرهما.

ومنه (المُخْرَنْطِم): الغضبان. وهذه منحوتةٌ من خطم وخرط؛ لأنّ الغَضُوب خَرُوطٌ راكبٌ رأسَه. والخَطْم: الأنف؛ وهو شَمَخ بأنفِه. قال الراجز في المخْرنْطِم:

يا هَيْءَ مالي قَلِقَتْ مَحَاوِرِي([5])

وصار أمثالَ الفَغَا ضرائرِي([6])

مُخْرَنْطِماتٍ عُسُراً عَوَاسِرِي

 

  قوله قلقت محاوِري، يقول: اضطربَتْ حالي ومصايِر أمري. والفَغَا: البُسر الأخضر الأغبر. يقول: انتفخن من غضبهن. ومخرنْطِمات: متغضِّبات. وعواسِرِي: يطالبْنَني بالشيء عند العُسْر. و(المخرَنْشِم) مثل المخرنطم، ويكون الشين بدلاً من الطاء.

ومن ذلك (خَرْدَلْتُ) اللحم: قَطّعته وفرّقته. والذي عندي في هذا أنّه مشبَّه بالحبّ الذي يسمَّى الخَرْدَل، وهو اسمٌ وقع فيه الاتّفاق بين العرب والعجَم، وهو موضوعٌ من غير اشتقاق. ومن قال (خَرْذَل) جعل الذال بدلاً من الدال.

و(الخُثَارِمُ): الذي يتطيَّر، والميم زائدةٌ لأنّه إذا تطيّر خَثِرَ وأقام. قال:

ولستُ بهيَّابٍ إذا شَدَّ رحلَه *** يقول عَدانِي اليومَ واقٍ وحاتمُ

ولكنني أَمضِي على ذاك مُقْدِماً *** إذا صَدَّ عن تلك الهَناتِ الخُثارِمُ([7])

  ومنه (الخُلابِس): الحديثُ الرّقيق. ويقال خَلْبَسَ قلبَه: فَتَنَه. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: خلَب وخلَس، وقد مضى.

ومن ذلك (الخنْثَعْبَة([8])) الناقة الغزيرة. وهي منحوتةٌ من كلمتين من خَنَثَ وثَعَبَ، فكأنّها ليّنة الخِلْف* يَثْعَبُ باللبن ثَعْباً.

ومنه (الخُضَارِع([9])) قالوا: هو البخيل([10]). فإن كان صحيحاً فهو من خضع وضرع، والبخيل كذا وصفُه.

ومنه (الخَيْتَعُور)، ويقال هي الدُّنيا. وكلُّ شيءٍ يتلوَّنُ ولا يدوم على حالٍ خيتعورٌ. والخَيتعور: المرأة السيِّئة الخُلُق. والخَيتعور: الشّيطان. والأصل في ذلك أنَّها منحوتةٌ من كلمتين: من خَتَرَ وخَتَعَ، وقد مضى تفسيرهما.

ومنه (الخَرْعَبَة) و(الخُرْعُوبة)، وهي الشابّة الرَّخْصَة الحَسنة القَوام. وهي منحوتةٌ من كلمتين: من الخَرَع وهو اللِّين، ومن الرُّعْبوبة([11])، وهي الناعمة. وقد فُسّر في موضعه. ثم يُحمَل على هذا فيقال جَمَلٌ خُرْعُوبٌ: طويلٌ في حُسْن خَلْق. وغُصْنٌ خُرْعُوبٌ: مُتَثَنٍّ. [قال]:

* كخُرْعُوبَة البانَةِ المُنْفَطِرْ([12]) *

ومنه (خَرْبَقَ) عملَه: أفسدَه. وهي منحوتةٌ من كلمتين من خَرَب وخَرِق. وذلك أنّ الأخرقَ: الذي لا يُحسِن عمله. وخَرَبَه: إذا ثَقَبه. وقد مضى.

وأمَّا قولهم لذكَر العَناكب (خَدَرْنَق) فهذا من الكلام الذي لا يُعوَّل على مثله، ولا وجه للشُّغْل به.

و[أمّا] قولهم للقُرْطِ (خَربَصِيص) فالباء زائدة، لأنّ الخُِرص الحَلْقة. وقد مرَّ. قال في الخَربصيص:

جَعَلَتْ في أخْراتِها خَرْبصيصاً *** مِنْ جُمَانٍ قد زان وجهاً جميلاً([13])

  ويقولون (خَلْبَصَ) الرّجُلُ، إذا فرّ. والباء فيه زائدة، وهو من خَلَصَ. وقال:

لمّا رآنِي بالبَرَاز حصْحَصا *** في الأرض منِّي هرَباً وخَلْبَصَا([14])

  ويقولون (الخَنْبَصَة): اختلاط الأمر. فإن كان صحيحاً فالنون زائدة، وإنّما هو من خبص، وبه سُمِّي الخَبيص.

و(الخُرطُوم) معروف، والراء زائدة، والأصل فيه الخطم، وقد مرّ. فأمّا الخمر فقد تُسمَّى بذلك. ويقولون: هو أوّلُ ما يَسِيل عند العَصْر. فإن كان كذا فهو قياسُ الباب؛ لأنّ الأوّلَ متقدِّم.

ومن ذلك اشتقاقُ الخَطْم والخِطام. ومن الباب تسميتُهم سادةَ القوم الخراطيمَ.

ومن ذلك (الخُنْطُولة): الطائِفة من الإبل والدّوابّ وغيرِها. والجمع حناطيل. قال ذو الرُّمَّة:

دَعَتْ مَيّةَ الأعْدَادُ واستبدَلَتْ بها *** خَناطِيلَ آجالٍ من العِينِ خُذَّلِ([15])

  والنون في ذلك زائدة؛ لأنّ في الجماعات إذا اجتمعتْ الاضطرابَ وتردُّدَ بعضٍ على بعض.

ومن ذلك (تَخَطْرَفَ) الشَّيءَ، إذا جاوزَه. وهي منحوتةٌ من كلمتين: خطر وخطف؛ لأنّه يَثِبُ كأنّه يختطِف شيئاً. قال الهُذَليّ([16]):

فماذا تَخَطْرَف من حالقٍ *** ومن حَدَبٍ وحِجابٍ وَجالِ([17])

  ومن ذلك (الخُذْروف)، وهو السَّريع في جَرْيِه، والرّاء فيه زائدة، وإنَّما هو من خَذَف، كأنّه في جريه يتخاذف، كما يقال يتقاذَفُ إذا ترامَى. والخُدْروف: عُوَيْدٌ أو قصبةٌ يُفْرض في وسطه([18]) ويشدُّ بخيطٍ إذا مُدّ دارَ([19]) وسمعتَ له حفيفا. ومن ذلك تركت اللّحمَ خَذَاريفَ، إذا قطّعته، كأنَّك شبَّهتَ كلَّ قطعةٍ منه بحصاةِ خَذْف.

وأمَّا (الخَنْدَريس) وهي الخمر، فيقال إنّها بالرومية، ولذلك لم نَعْرِض لاشتقاقها. ويقولون: هي القديمة؛ ومنه حنطةٌ خندريسٌ: قديمة.

و(المُخْرَنْبِق): الساكت، والنون والباء زائدتان، وإنما هو من الخَرَق وهو خَرَق الغزال [ولُزوقُه([20])] بالأرض خوفاً. فكأنَّ الساكت خَرِقٌ خائفٌ.

ويقولون: ناقةٌ بها (خَزْعال([21]))، أي ظَلْع. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: من خَزَل أي قطع، وخَزعَ أي قطع. وقد مرّا.

ومما وُضِع وضعاً وقد يجوز أن يكون عند غيرنا مشتقاً. رجلٌ (مُخَضْرَمُ) الحسبِ، وهو الدعِيُّ. ولحمٌ مخضْرَم: لا يُدرَى أمن ذكرٍ هو أو من أنثى.

ومنه المرأة (الخَبَنْداةُ([22]))، وهي التامَّة القَصَب.

و(الخَيْعل): قميصٌ لا كُمَّىْ له. قال تَأَبّط([23]):

* عَجوزٌ عليها هِدْمِلٌ ذاتُ خَيْعَلِ([24]) *

و(الخناذيذ)* الشَّماريخ من الجِبال الطِّوال. والخنذيذ: الفَحْل. والخنذيذ: الخَصِيُّ.

و(الخَنْشَلِيل): الماضي.

و(الخَنْفَقِيق): الداهية. و(الخُوَيْخِيَة): الداهية. قال:

وكلُّ أُناسٍ سوف تَدخُل بينَهم *** خُوَيْخِيَةٌ تصفرُّ منها الأناملُ([25])

  (والخُنْزُوانة): الكِبْر. و(الخَيزُرانة): سُكّانُ السّفينة.

و(الخازِبازِ): الذُّبابُ، أو صوتُه. والخَازِبازِ: نَبْتٌ. والخازباز: وجعٌ يأخُذ الحلق. قال:

* يا خَازِبازِ أَرْسِلِ اللَّهازِمَا([26]) *

و(الخَبَرْنَجُ): الحَسَن الغِذاء.

ومما اشتُقَّ اشتقاقاً قولُهم للثَّقيل([27]) الوخِم القبيح الفَحَج (خَفَنْجَلٌ). وهذا إنَّما هو من الخفج وقد مضى، لأنّهم [إذا] أرادوا تشنيعاً وتقبيحاً زادوا في الاسم.

وممّا وضِع وضْعاً (الخَرْفَجَة): حُسْنُ الغِذاء. وسَرَاويلُ مُخَرْفَجَةٌ، أي واسعة.

وأمّا (الخَيْسَفُوجة): سُكَّان السَّفينة، فمن الكلام الذي لا يُعَرَّج على مِثْله.

وأمّا قولُهم للقديم (خُنَابِسٌ) فموضوعٌ([28]) أيضاً لا يُعرف اشتقاقُه. قال:

* أبَى اللهُ أنْ أَخْزَى وعِزٌّ خُنابِسُ([29]) *

والله أعلمُ بالصَّواب.

( تم كتاب الخاء )

ــــــــــــــــــ

([1]) الخشخشة: صوت السلاح. وقد أهمل ابن فارس هذا الأصل في مادة (خش) وجعله هنا أصلاً.

([2]) في الأصل: "ولزوم بالأرض". وانظر مادة (خرق).

([3]) ويقال أيضاً "خلبوب" بالباء الموحدة في آخره.

([4]) فيه خمس لغات، يقال بفتح الخاء والنون مع كسر الثاء وفتحها، وكجعفر، وزبرج، وقنفذ.

([5]) ياهيء مالي: كلمة أسف وتلهف. قال الجميح:

يا هيء مالي من يعمر يفنه *** مر الزمان عليه والتقليب

([6]) هذا البيت في اللسان (فغا).

([7]) الشعر لخثيم بن عدي، المعروف بالرقاص الكلبي. انظر الحيوان وحواشيه (3: 437).

([8]) الخنثعبة، بتثليث الخاء مع سكون النون والعين وفتح الثاء. وفي الأصل: "الخثعبة" تحريف.

([9]) في الأصل: "الخثارع"، صوابه بالضاد المعجمة، كما في الجمهرة (3: 394) واللسان والقاموس.

([10]) الأدق في تفسيره ما ورد في اللسان: "البخيل المتسمح وتأبى شيمته السماحة". وفي الجمهرة والقاموس: البخيل المتسمح". وأنشد في الجمهرة واللسان:

خضارع رد إلى أخلاقه *** لما نهته النفس عن إنفاقه

([11]) في الأصل: "الرعوبة"، تحريف.

([12]) لامرئ القيس في ديوانه 8 واللسان (خرعب، بره). وصدره:

* برهرهة رودة رخصة *

([13]) الأخرات: جمع خرت، بالضم والفتح، وهو الثقب في الأذن. وفي الأصل: "أخراسها" محرف.

([14]) الرجز لعبيد المري، كما في اللسان (خلبص).

([15]) ديوان ذي الرمة 503 واللسان (خنطل، عدد). دعتها الأعداد، أي ارتحلت إلى حيث الأعداد، وهي المياه التي لا تنقطع، واحدها عد. استبدلت بها، أي استبدلت الدار بمية تلك الوحوش. وسيعيد إنشاده في (دعو).

([16]) هو أمية بن أبي عائذ الهذلي. وقصيدة البيت في شرح السكري 180 ونسخة الشنقيطي 97.

([17]) الحدب، بالمهملة: المكان المشرف. والحجاب: ما حجبك وارتفع. وفي الأصل: "جدب وحجال"، صوابه من أشعار الهذليين.

([18]) يفرض، أي يحز. وفي الأصل: "يعرض" صوابه بالفاء كما في المجمل واللسان.

([19]) وكذا في المجمل واللسان في موضع. وفي موضع آخر: "فإذا أمر دار".

([20]) التكملة مما سبق في (خرق) وكذا (الخرنق) ص248.

([21]) هو أحد ما جاء على فعلال مفتوح الفاء من غير ذوات التضعيف. والآخر "الفهقار" حكاه ثعلب. انظر اللسان (خزعل) والمزهر (2: 52).

([22]) يقال خبنداة وبخنداة أيضاً بمعناه.

([23]) يريد تأبط شرا. انظر ما سبق في حواشي ص 200 من هذا الجزء.

([24]) صدره كما سبق في الحواشي * نهضت إليها من جثوم كأنها *

([25]) للبيد في ديوانه 28 طبع 1881 واللسان (خوخ).

([26]) البيت في اللسان (خوز).

([27]) في الأصل: "الثقل".

([28]) في الأصل: "فموضع"، تحريف.

([29]) للقطامي في ديوانه 28 واللسان (خنبس). وصدره: * وقالو عليك ابن الزبير فلذ به *

 

 

كتاب الدال:

ـ (باب الدال وما بعدها في المضاعف والمطابق)

(در)  الدال والراء في المضاعف يدلُّ على أصلين: أحدهما تولُّد شيء عن شيء، والثاني اضطرابٌ في شيء.

فالأوّل الدَّرُّ دَرُّ اللَّبَن. والدَِّرَّة دَِرّة السّحاب: صَبُّه. ويقال سَحابٌ مِدْرارٌ. ومن ذلك قولهم: "لله دَرُّه"، أي عمله، وكأنّه شُبِّه بالدَّر الذي يكونُ من ذوات الدّرّ. ويقولون في الشَّتْم: "لا دَرّ دَرُّه" أي لا كَثُر خَيره. ومن الباب: دَرّت حَلُوبةُ المسلمين، أي فَيْئُهم وخَراجهم. ولهذه السُّوق دِرَّة، أي نَفَاق، كأنّها قد دَرَّت. وهو خلاف الغِرار. قال:

ألا يا لَقومي لا نَوَارُ نَوارُ

ولِلسُّوق منها دِرَّةٌ وغِرارُ

  ومن هذا قولهم: استدرَّتِ المِعْزَى استدراراً، إذا أرادت الفحلَ، كأَنّها أرادت أنْ يَدِرَّ لها ماءُ فَحْلِها.

وأمَّا الأصل الآخرُ فالدّرِيرُ من الدوابّ: الشديدُ العَدْو السريعُهُ. قال:

دَرِيرٌ كَخُذْرُوف الوَلِيد أَدَرَّهُ *** تَتَابُعُ كَفَّيْه بخَيطٍ مُوَصَّلِ([1])

  والدُّرْدُرُ: مَنابت أسنانِ الصبِيّ. وهو من تَدَرْدَرَتِ اللحمةُ تَدَرْدُراً، إذا اضطربَتْ، ودَرْدَر الصبيُّ الشَّيءَ، إذا لاكَهُ، يُدَرْدِرُه.

وَدَرَرُ الرِّيح: مَهَبُّها. ودَرَرُ الطَّريق: قَصْدُهُ؛ لأنّه لا يخلو مِن جاءٍ وذاهب. والدُّرُّ: كبار اللُّؤلؤ، سمِّي بذلك لاضطرابٍ يُرَى فيه لصفائه، كأنّه ماءٌ يضطرب. ولذلك قال الهذليّ([2]):

فجاء بها ما شِئْتَ مِن لَطَمِيَّةٍ *** يَدُوم الفُراتُ فوقَها ويموجُ([3])

  يقول: كأنَّ فيها ماءً يموج فيها، لصفائها وحسنها.

والكوكب الدُّرّيّ: الثاقب المُضِيء. شُبِّه بالدُّر ونُسب إليه لبياضه.

(دس)  الدال والسين في المضاعف والمطابق أصلٌ واحد يدلُّ على دُخول الشيءِ تحت خفاءٍ وسِرّ. يقال دَسَسْتُ الشَّيءَ في التُّراب أدُسُّه دَسّاً. قال الله تعالى: {أَيُمْسِكُه عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ في التُّرابِ} [النحل 59]. والدّسَّاسة: حيَّة صَمَّاء تكون تحت التراب.

فأمّا قولهم دُسَّ البَعيرُ ففيه قولان، كلُّ واحدٍ منهما من قياس الباب.

فأحدُهما أن يكون به قليل من جَرَب. فإن كان كذا فلأنّ ذلك الجربَ كالشَّيء الخفيف المُنْدَسّ. والقول الآخَر، هو أن يُجعل الهِنَاءُ على مَسَاعِرِ البعير. ومن الباب* الدَّسيس([4]). وقولهم: "العِرْق دَسَّاس"؛ لأنَّه يَنْزِع في خَفَاءٍ ولُطف.

(دظ)  الدّال والظاء ليس أصلاً يعوَّل عليه ولا يَنْقَاس منه. ذكروا عن الخليل أنَّ الدَّظَّ الشَّلُّ([5])؛ يقال دظَظْناهم، إذا شَلَلْناهم. وليس ذا بشيءٍ.

  (دع)  الدال والعين أصلٌ واحد مُنقاسٌ مطّرد، وهو يدلُّ على حركة ودَفْع واضطراب. فالدَّعُّ: الدفع؛ يقال دَعَعْتُه أَدُعُّه دَعَّاً. قال الله تعالى: {يَوْمَ يُدَعُّونَ إلى نَارِ جهَنَّمَ دعّاً} [الطور 13]. والدَّعْدَعَةُ: تحريك المِكيال ليستوعب الشَّيءَ. والدَّعْدَعةُ: عَدْوٌ في التِواء. ويقال جَفْنةٌ مدَعدَعة. وأصلُه ذاك، أي أنَّها دُعدِعَتْ حتّى امتلأَتْ.

فأمّا قولُهم الدَّعْدَعَةُ زَجْر الغنم، والدَّعدعةُ قولُك للعاثر: دَعْ دَعْ، كما يقال لَعاً، فقد قلنا: إنَّ الأصواتَ وحكاياتِها لا تكاد تنقاس، وليست هي على ذلك أصولاً.

وأمّا قولهم للرجل القصير دَعْدَاعٌ، فإن صحّ فهو من الإبدال من حاءٍ([6]): دَحْدَاح.

(دف)  الدال والفاء أصلان: أحدهما [يدُلّ] على عِرَضٍ في الشَّيء، والآخَر على سُرعة.

فالأوَّل الدَّفُّ، وهو الجَنْب. ودَفَّا البعيرِ: جنباه. قال:

له عُنُقٌ تُلْوِي بما وُصِلَتْ به *** ودَفّانِ يَشْتَفَّانِ كلَّ ظِعانِ([7])

   ويقال سَنَامٌ مُدَفِّفٌ، إذا سقَط على دفّيِ البعير. والدَّفّ والدُّفّ: ما يُتلهَّى به. والثاني دَفّ الطّائرُ دفيفاً، وذلك أن يَدُفَّ على وجه الأرض، يحرِّك جناحَيْه ورجلاه في الأرض. ومنه دفَّتْ علينا من بَنِي فلان دَافَّةٌ، تدِفّ دفيفا. ودَفِيفُهم: سَيْرهم([8]). وتقول: داففْتُ الرّجُلَ، إذا أجْهزْتَ عليه دِفَافاً ومُدَافَّة. ومن ذلك حديثُ خالدِ بن الوليد: "من كان معه أسيرٌ فليُدَافَِّه"، أي  ليُجْهِزْ عليه. وهو من الباب؛ لأنَّه يعجِل الموتَ عليه.

(دق)  الدال والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على صِغَر وحَقارة. فالدَّقيق: خِلافُ الجَليل. يقال: ما أدَقَّنِي فُلانٌ ولا أَجَلَّني، أي ما أعطاني دقيقةٌ ولا جَليلة. وأدقَّ فُلانٌ وأجلّ، إذا جاء بالقليل والكثير. قال:

سَحوحٍ إذا سَحَّتْ هُمُوع إذا هَمَتْ *** بكَتْ فأَدَقَّتْ في البُكَا وأجَلَّتِ([9])

  والدّقيق: الرجل القليل الخَير. والدَّقيق: الأمر الغامض. والدقيق: الطَّحين. وتقول: دققتُ الشَّيْءَ أدُقُّه دَقاًّ.

وأمّا الدَّقْدَقة فأصواتُ حوافر الدوابّ في تردُّدها. كذا يقولون. والأصل عندنا هو الأصل، لأنَّها تدقّ الأرضَ بحوافرها دَقّاً.

(دك)  الدال والكاف أصلان: أحدهما يدلُّ على تطامُن وانسطاحٍ. من ذلك الدكّان، وهو معروف. قال العَبْدِيّ([10]):

* كدُكّان الدَّرابِنَة المَطِينِ([11]) *

ومنه الأرضُ الدَّكَّاءُ: وهي الأرض العريضة المستوية. قال الله تعالى:{جَعَلَهُ دَكَّاءَ} [الكهف 98]. ومنه النَّاقة الدّكّاء، وهي التي لا سَنامَ لها.

قال الكسائيّ: الدُّكُّ من الجبال: العِراضُ، واحدها أدَكُّ. وفرس أدَكُّ الظّهر، أي عريضُهُ.

والأصل الآخر يقرب من باب الإبدال، فكأنَّ الكاف فيه قائمةٌ مَقام القاف. يقال دكَكْت الشيء، مثل دقَقته، وكذلك دكَّكته. ومنه دُكَّ الرَّجُل فهو مدكوكٌ، إذا مَرِض. ويجوز أن يكون هذا من الأوَّل، كأنَّ المرض مَدَّه وبَسَطَه؛ فهو محتملٌ للأمرين جميعاً.

 

والدَّكْدَاك من الرّمل كأنه قد دُكَّ دَكّاً، أي دُق دَقّاً. قال أهلُ اللغة: الدَّكداك من الرَّمل: ما التَبَد بالأرض فلم يرتفِع. ومن ذلك حديثُ جرير بن عبد الله حين سأله رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن منزلِهِ بِبيشة، فقال: "سَهْلٌ * ودَكْداكٌ، وسَلَمٌ وأرَاكٌ".

ومن هذا الباب: دَكَكت التُّرابَ على الميّت أدُكّه دَكَّاً، إذا هِلْتَهُ عليه. وكذلك الرّكِيَّة تدفِنها. وقيل ذلك لأنَّ الترابَ كالمدقوق.

ومما شذّ عن هذين الأصلين قولهم، إن كان صحيحاً: أَمَةٌ مِدَكَّةٌ: قويّةٌ على العمل. ومن الشاذّ قولهم: أقمت عنده حولاً دكيكا، أي تامّاً.

(دل)  الدال واللام أصلان: أحدهما إبانة الشيء بأمارةٍ تتعلّمها، والآخَر اضطرابٌ في الشيء.

فالأوَّل قولهم: دلَلْتُ فلاناً على الطريق. والدليل: الأمارة في الشيء. وهو بيِّن الدَّلالة والدِّلالة.

والأصل الآخَر قولهم: تَدَلْدَل الشَّيءُ، إذا اضطرَبَ. قال أوس:

أمْ مَن لحَيٍّ أضاعوا بعضَ أمرِهِمُ *** بَيْنَ القُسوط وبين الدِّينِ دَلْدَالِ([12])

  والقُسوط: الجَوْر. والدِّين: الطّاعة.

ومن الباب دَلال المرأة، وهو جُرْأتها في تغَنُّجٍ وشِكْلٍ، كأنَّها مخالِفَةٌ وليس بها خِلاف. وذلك لا يكون إلاّ بتمايُلٍ واضطراب. ومن هذه الكلمة: فلانٌ يُدِلُّ على أقرانِهِ([13]) في الحرب، كالبازي يُدِلُّ على صيده.

ومن الباب الأوّل قولُ الفرّاء عن العرب: أدَلّ يُدِلّ، إذا ضَرَبَ بقَرابَةٍ([14]).

(دم)  الدال والميم أصلٌ واحد يدلُّ على غِشْيان الشَّيء، مِن ناحيةِ أنْ يُطْلَى به. تقول دَممْتُ([15]) الثَّوبَ، إذا طليتَه أيَّ صِبْغ، وكلُّ شيءٍ طُلِي على شيءٍ فهو دِمام([16]). فأمّا الدّمدمة فالإهلاك. قال الله تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهمْ} [الشمس 14]. وذلك لِمَا غَشّاهم به من العذاب والإهلاك. وقِدْرٌ دميمٌ: مطلِيَّة بالطِّحال. والدَّامَّاء: جُحْر اليربوع، لأنّه يدُمُّه دمّاً، أي يُسَوِّيه تسويةً.

فأمَّا قولهم رجلٌ دميمُ الوجه فهو من الباب، كأنّ وجهَه قد طلِيَ بسوادٍ أو قُبْحٍ. يقال دَمَّ وجههُ يَدُِمّ دَمامةً، فهو دميم.

وأمَّا الدَّيْمُومَة، وهي المَفَازة لا ماءَ بها، فمن الباب؛ لأنّها كأنَّها في استوائها قد دُمَّت، أي سُوِّيت تسويةً، كالشَّيء الذي يُطلى بالشيء. والدَّمادِم من الأرض: رَوَابٍ سَهْلَةٌ.

(دن)  الدال والنون أصلٌ واحد يدلّ على تطامُنٍ وانخفاض. فالأدَنُّ: الرجل المنحنِي الظَّهر. يقال منه قد دَنِنْتَ دَنَناً. ويقال بيتٌ أدنّ، أي متطامِنٌ. وفرسٌ أدَنّ، أي قصير اليدين. وإذا كان كذلك كان منْسجُهُ منْخفضاً([17]). ومن ذلك الدَّنْدَنَة، وهو أنْ تُسمَع من الرَّجل نَغْيَةٌ لا تُفْهَم، وذلك لأنّه يخفِض صوتَه بما يقوله ويُخفيه. ومنه الحديث: "فأمَّا دَنْدَنَتُكَ ودندنةُ مُعاذٍ فلا نُحْسِنُهُمَا([18])".

ومما يقارب هذا القياسَ وليس هو بعينه قولهم للسيف الكَليل: دَدَانٌ([19]). ومما شذَّ عن الباب الدَّيْدَن، وهي العادة.

ومما يقاس على الأصل الأول الدِّنْدِنُ، وهو ما اسودَّ من النّبات لِقدَمه.

(ده)  الدال والهاء ليس أصلاً يُقاس عليه ولا يُفرَّع منه، وإنّما يجيء في قولهم تَدَهْدَهَ الشيءُ، إذا تدحرَج؛ فكأنَّ الدَّهْدَهَةُ الصَّوتُ التي يكون منه هناك. وقد قلنا إنَّ الأصواتَ لا يُقاس عليها.

ويقولون: ما أدرِي أيُّ الدَّهْدَاءِ([20]) هو، أيْ أيُّ الناس هو؟ والدَّهْدَاهُ: الصِّغار من الإبل. ويقال الدَّهْدَهانُ: الكثيرُ من الإِبل.

وممّا يدلُّ على ما قُلناه أنّ هذا ليس أصلاً، قول الخليل في كتابه: وأمّا قول رؤبة:

* وقُوَّلٌ إلاّ دَهٍ فَلاَ دَهِ([21]) *

فإنّه يقال إنّها فارسية، حَكَى قولَ دايَتِه([22]). والذي قاله الخليل فعلى ما تراه، بعد قولـه في أول الباب: دَهٍ كلمةٌ كانت العرب تتكلّم بها، إذا رأى أحدُهم ثَأرَه يقول له "يا فلانُ إلاّ دَهٍ فلا * دَهٍ"، أي إنّك إنْ لم تَثْأَرْ به الآن لم تثأَرْ به أبداً وفي نحو ذلك من الأمر. وهذا كله مما يدلُّ على ما قلناه.

(دو)  الدال والحرف المعتل بعدها أو المهموز، قريبٌ من الباب الذي قبله. فالدَّوُّ والدَّوِّيّة المفازة. وبعضهم يقول: إنَّما سمِّيت بذلك لأنّ الخالي فيها يسمع كالدّوِيّ، فقد عاد الأمرُ إلى ما قلناه من أنّ الأصواتَ لا تُقاس. قال الشاعر في الدَّوِّيّة:

وَدوِّيّةٍ قفرٍ تَمَشَّى نَعَامُها *** كَمَشْيِ النَّصارى في خِفاف اليَرَنْدَجِ ([23])

  ومن الباب الدّأْدَأَةُ: السَّير السريع. والدأدأة: صوتُ وَقْع الحجارة في المَسِيل. فأمّا الدآدئ فهي ثلاثُ ليالٍ في آخِر الشهر، قبل ليالي المُِحاق. فله قياسٌ صحيح؛ لأن كلّ إناءٍ قارَبَ أن يمتلئَ فقد تدأدأ. وكذلك هذه الليالي تكُونُ إذا قاربَ الشّهرُ أن يكمُل. فأمّا قولُ مَن قال سُمِّيت دآدِئَ لظَلْمتها، فليس بشيءٍ ولا قياسَ له.

وأمّا الدَّوادِي فهي أراجيح الصِّبيان، وليس بشيء.

(دب)  الدال والباء أصلٌ واحد صحيح مُنقاس، وهو حركةٌ على الأرض أخفُّ من المشْي. تقول: دَبَّ دبيباً. وكلُّ ما مَشى على الأرض فهو دابة. وفي الحديث: "لا يَدخُل الجنَّةَ دَيْبُوبٌ ولا قَلاّع". يُراد بالدَّيبوب النَّمام الذي يدِب بين النّاس بالنمائم. والقَلاَّع: الذي يَشِي بالإنسان إلى سُلطانه ليَقلَعه عن مرتبةٍ له عندَه. ويقال ناقة دَبُوبٌ، إذا كانت لا تَمْشي من كثرة اللّحم إلاّ دَبيباً. ويقال ما بالدار دِبِّيٌّ ودُبِّيٌّ، أي أحدٌ يدِبّ. ويقال طَعنةٌ دبُوب([24])، إذا كانت تَدِبُّ بالدّم. قال الهذَليّ([25]):

* بصَفْحتهِ دَبُوبٌ تَقْلِسُ([26]) *

ويقال ركب فلانٌ دُبَّة فُلانٍ، وأخَذَ بدُبّته، إذا فعل مِثل فِعلِه، كأنّه مَشى مِثل مشيه. والدُّبَّاء([27]): القَرْع. ويجوز أن يكون شاذّاً، ومحتملٌ أن يكون سمِّي بذلك لملاسَته، كأنّه يَخِفُّ إذا دُحْرِجَ. قال امرؤ القيس:

إذا أقْبلَتْ قلتَ دُبَّاءَةً *** من الخُضْرِ مَغْمُوسَةًٌ في الغُدُرْ([28])

  وأمَّا الدَّبَبُ في الشّعَْرِ فمن باب الإبدال؛ لأنَّ الدال فيه مبدلةٌ من زاءٍ. والأدْبَبُ من الإبل: الأزبُّ. وفي الحديث-إنْ صحّ-: "أيَّتُكُنَّ صاحبة الجَمَل الأدْبَب([29])". وأمَّا الدَّبُوب، فيقال إنّه الغار البعيد القَعْر([30]). وليس هذا بشيء.

(دث)  الدال والثاء كلمةٌ واحدة، وهو المَطَر الضَّعيف([31]).

(دج)  الدال والجيم أصلان: أحدهما كشِبه الدَّبيب، والثاني شيءٌ يُغَشِّي ويغطِّي.

فالأوَّل قولهم: دَجَّ دَجيجاً([32]) إذا دبّ وسَعَى. وكذلك الداجُّ الذين يسعَون مع الحاجِّ في تجاراتهم. وفي [الحديث([33])]: "هؤلاء الدّاجُّ ولَيسُوا بالحاجّ". فأمَّا حديث أنس: "ما تركت من حاجَةٍ ولا داجَة" فليس من هذا الباب، لأنَّ الدَّاجَة مخفّفة، وهي إِتْباعٌ للحاجَة. وأما الدَِّجاجَة فمعروفةٌ: لأنَّها تُدَجْدِجُ، أي تَجِيء وتذهَب. والدَّجاجة: كُبَّةُ المِغْزَل. فإن كان صحيحاً فهو على معنى التشبيه. وكذلك قولهم: لفلانٍ دَجاجة، أي عيالٌ. وهو قياسٌ؛ لأنَّهم إليه يدِجُّون.

وأمّا الآخَر فقولهم تَدَجْدَج الليل: إذا أظْلَم. وليلٌ دَجُوجيّ. ودَجَّجت السماء تدجيجاً: تغيَّمت. وتدَجْدَجَ الفارسُ بشِكَّته، كأنَّه تغطَّى بها. وهو مدجِّج ومدَجَّج. وقولهم للقُنْفذ مُدَجَِّج([34]) من هذا. قال:

ومُدَجَِّجٍ يَعدُو بشِكّته *** محمَرَّةٍ عيناهُ كالكَلْبِ([35])

  وأمّا قولهم للنّاقة المنبسطة على الأرض دَجَوْجَاةٌ، فهو من الباب، لأنّها كأنها تُغَشِّي الأرض.

(دح)  الدال والحاء أصلٌ واحد يدلُّ على اتساع وتبسُّط. تقول العرب: دحَحْتُ البيت وغيرَه، إذا وسَّعته*. واندَحَّ بطنُه، إذا اتَّسع. قال أعرابيّ: "مُطِرْنا لليلتين بقيتا من الشّهر، فاندحَّتِ الأرضُ كَلأً". ويقال دَحَّ الصَّائدُ بيتَه، إذا جَعَلَه في الأرض. قال أبو النَّجم:

* بيْتاً خَفِيّاً في الثَّرَى مَدْحُوحَا([36]) *

ومن الباب الدَّحْدَاح: القصير، سمِّي لتطامُنِه وجُفُورِه([37]). وكذلك الدُّحَيْدِحَةُ. قال:

أغَرَّكِ أَنَّني رجلٌ دميم *** دُحَيْدِحَة وأنَّكِ عَيْطَمُوسُ([38])

  (دخ)  الدال والخاء ليس أصلاً يُفَرّع منه، لكنّهم يقولون: دخدَخْنا القومَ: أذْلَلْناهم، دَخدَخةً. وذكر الشَّيبانيّ أنَّ الدخدخة الإعياء. فأما الدَُّخُّ فقد ذُكِر في بابه، وهو الدُّخان. قال:

* عند سُعَارِ النّارِ يَغْشَى الدَُّخَّا([39]) *

(دد)  الدال والدال كلمةٌ واحدة. الدَّدُ: اللهو واللَّعِب. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما أنَا مِن دَدٍ ولا الدَّدُ مِنِّي([40])".

ويقال: دَدٌ، وَدَداً، ودَدَنٌ. قال:

أيُّها القلبُ تَعَلَّلْ بدَدَنْ *** إنَّ همِّي في سَمَاعٍ وَأَذَنْ([41])

  ودَد([42])-فيما يقال- اسمُ امرأةٍ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــ

([1]) لامرئ القيس في معلقته. والرواية المشهورة: "أمره" بدل: "أدره".

([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي. انظر ديوانه 50-62 (واللسان، دوم).

([3]) وكذا رواية الديوان 57. وفي اللسان: "تدور البحار فوقها وتموج".

([4]) لم يفسره. والدسيس: إخفاء المكر. والدسيس أيضاً: من تدسه ليأتيك بالأخبار كالمتجسس. والدسيس: الصنان الذي لا يقلعه الدواء، والدسيس: المشوي. والدسيس: المرائي بعمله، يدخل مع القراء وليس قارئاً.

([5]) جعله في اللسان لغة أهل اليمن.

([6]) كلمة "من" ليست في الأصل. وفي الأصل: "جاء".

([7]) البيت لكعب بن زهير كما في اللسان (شفف). وهو في اللسان (ظعن) بدون نسبة وسيعيده في (شف).

([8]) في الأصل: "سيرتهم"، تحريف. وفي المجمل: "ودفيفهم: سير في لين".

([9]) في الأصل: "هموع إذا حرات همت وادقت"، وأصلحته مستضيئاً بما سبق في مادة (جل) من الجزء الأول 418.

([10]) هو المثقب العبدي. وقصيدة البيت في المفضليات (2: 88-92).

([11]) صدره كما في المفضليات واللسان (دكك، دربن، طين):

* فأبقى باطلي والجد منها *

([12]) ديوان أوس بن حجر 23 واللسان (دلل). قال: "وقوم دلدال، إذا تدلدلوا بين أمرين فلم يستقيموا".

([13]) الأقران: جمع قرن، بالكسر. وفي الأصل: "على امرأته"، وهو من عجيب التحريف.

([14]) في الأصل: "بقراته"، صوابه من المجمل.

([15]) في الأصل: "دمدمت"، تحريف.

([16]) ويقال "دم" أيضاً بتشديد الميم، للطلاء.

([17]) منسج الفرس، كمنبر ومجلس: ما بين العرف وموضع اللبد.

([18]) هو كلام أعرابي، سأله رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما تقول في التشهد؟" قال: "أسأل الله الجنة وأعوذ به من النار، فأما دندنتك ودندنة معاذ فلا نحسنهما".

([19]) الحق أن هذه الكلمة في مادة (ددن) لا (دن).

([20]) يقال أي الدهداء، وأي الدهدا، بالمد والقصر.

([21]) قبله كما في الديوان 166 واللسان (دهده): * فاليوم قد نهنهني تنهنهني*

([22]) الداية: الظئر، كلاهما عربي فصيح. وفي الأصل: "دابته" تحريف. وفي اللسان: "يقال إنها فارسية، حكى قول ظئره". والظئر: المرضعة لغير ولدها.

([23]) البيت للشماخ في ديوانه 11 برواية: "وداوية". وهي لغة ثالثة صحيحة. والبيت أيضاً في اللسان (دوا، ردج).

([24]) في الأصل: "ناقة ربوب"، صوابه في المجمل.

([25]) هو أبو قلابة الهذلي. وقصيدة البيت في بقية أشعار الهذليين 15 وديوان الهذليين نسخة الشنقيطي 106.

([26]) البيت بتمامه كما في المرجعين السابقين:

واستجمعوا نفراً وزاد جنابهم *** رجل بصفحته دبوب تقلس

([27]) اختلف اللغويون في "الدباء" فجعله الزمخشري في (دبأ) وصاحب القاموس في (دبب) وصاحب اللسان في (دبي).

([28]) ديوان امرئ القيس 16 واللسان (دبي).

([29]) قيل أظهر التضعيف لموازنة الكلام. والحديث بتمامه أن رسول الله قال: "ليت شعري، أيتكن صاحبة الجمل الأدبب، تخرج فتنبحها كلاب الحوأب".

([30]) ورد في المجمل والقاموس: "الدبوب: الغار القعير". وأغفله صاحب اللسان.

([31]) هذا تفسير للدث بالفتح.

([32]) في الأصل: "دجيجاً وكذلك"، والكلمة الأخيرة مقحمة.

([33]) التكملة من المجمل.

([34]) في المخصص (8: 95): "المدجج والمدجج: الدلدل من القنافذ". وأنشد البيت.

([35]) البيت لعامر بن الطفيل كما في الحيوان (1: 313). وأنشده المبرد في الكامل 609: "ومدججا".

([36]) البيت في المجمل واللسان (دحح).

([37]) الجفور: مصدر جفر، ولم يصرح اللغويون بهذا المصدر إلا في قولهم: جفر الفحل جفورا إذا عجز عن الضراب. وفي الأصل: "جفون". وأراه محرفاً عن "الجفور". والجفر: الصبي إذا انتفخ لحمه وأكل وصارت له كرش.

([38]) أنشده في اللسان (دحح) برواية:

أغرك أنني رجل جليد *** دحيدحة وأنك علطميس

    والعيطموس من النساء: التامة الخلق. والعلطميس: الضخمة الشديدة.

([39]) في الأصل: "يخشى الدخا" صوابه من اللسان والتاج (دخخ) وأمالي ثعلب 451 وأمالي الزجاجي 78 والخزانة (3: 104) وقد نقل البغدادي نسبة الرجز إلى العجاج، وليس في ديوانه المطبوع. وسيعيده ابن فارس في (درن).

([40]) في الأصل: "ولا دد مني"، صوابه من المجمل واللسان.

([41]) البيت لعدي بن زيد، كما في اللسان (أذن، ددن).

([42]) في كل ثنائي من أعلام الإناث لغتان: الصرف، وعدمه.

 

 

ـ (باب الدال والراء وما يثلثهما)

(درز)  الدال والراء والزاء ليس بشيء، ولا أحسب العربَ قالت فيه. إلاّ أنَّ ابنَ الأعرابيّ حُكِي أنه قال: يقول العرب للسِّفْلة: هم أولادُ دَرْزَة، كما تقول للُّصوص وأشباهِهم: بنو غَبْرَاء. وأنشد:

* أولادُ دَرْزَةَ أسلموكَ وطارُوا([1]) *

(درس)  الدال والراء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاء وخفضٍ وعَفَاءٍ. فالدَّرْس: الطَّريق الخفيّ. يقال دَرَسَ المنزلُ: عفا. ومن الباب الدَّرِيس: الثّوب الخَلَق. ومنه دَرَسَتِ المرأةُ: حاضَت. ويقال إنَّ فرجَها يكنّى أبا أَدْرَاس([2]) وهو من الحَيْض. ودَرَسْتُ الحَنْطَة وغيرَها في سُنْبُلها. إذا دُسْتَها. فهذا محمولُ على أنّها جُعِلت تحتَ الأقدام، كالطَّريق الذي يُدرْس ويُمشَى فيه. قال:

* سَمْرَاءَ مما دَرَسَ ابنُ مِخْرَاقْ([3]) *

والدَّرْس: الجَرَب القليل يكون بالبَعير.

ومن الباب دَرَسْتُ القُرآنَ وغيرَه. وذلك أنّ الدّارِسَ يتتبَّع ما كان قرأ، كالسَّالك للطريق يتَتبَّعُه.

ومما شذَّ عن الباب الدِّرْوَاس: الغليظ العُنق من النّاسِ والدّوابّ.

(درص)  الدار والراء والصاد ليس أصلاً يُقاس عليه ولا يفرَّع منه، لكنّهم يقولون الدِّرص ولدُ الفأرة، وجمعهُ دِرَصَةٌ. ويقولون: وقع القوم في أُمِّ أدْرَاصٍ، إذا وقعوا في مَهْلَََُِكَة. وهو ذاك الأوّل؛ لأنّ الأرض الفارغَة يكون فيها أدراص. قال:

وما أمُّ أدراصٍ بأرضٍ مَضَلَّةٍ *** بأغْدَرَ مِن قيسٍ إذا اللَّيلُ أَظلما([4])

ويقولون للرّجُل إذا عَيَّ بأمرِه: "ضَلَّ دُرَيْصٌ نَفَقَهُ".

(درع)  الدال والراء والعين أصلٌ واحد، وهو شيءٌ [من اللِّباس] ثم يُحمَل عليه تشبيهاً. فالدِّرع دِرْعُ الحديد مؤنثة، والجمع دُروع وأدراع. ودِرْع المرأة: قميصُها، مذكّر.

وهذا هو الأصل. ثمَّ يقال: شاةٌ دَرْعاء، وهي التي اسوَدَّ رأسُها وابيضَّ سائرُها. وهو القياس؛ لأنَّ بياضَ سائِر بدنِها كدرعٍ لها قد لبِسَتْهُ. ومنه الليالي الدُّرَْع، وهي ثلاثٌ تسودّ أوائلُها ويبيضُّ سائرُها، شُبِّهت بالشَّاة الدَّرْعاء. فهذا مشبَّهٌ بمشبَّهٍ بغيره.

ومما شذَّ عن الباب الاندراعُ: التقدُّمُ في السير. قال:

* أَمامَ الخَيْل تَنْدَرِعُ اندرَاعا([5]) *

(درق)  الدال والراء والقاف ليس هو عندي أصلاً يُقاس عليه. لكن الدَّرَقَة معروفة، والجمع دَرَق وأدْراق. قال رؤبة:

* لو صَفَّ أدْرَاقاً مَضَى من الدّرَقْ([6]) *

والدَّرْدَق: صِغار الإِبل، وأطفالُ الوِلْدان.

(درك)  الدال والراء والكاف أصلٌ واحد، وهو لُحوق الشَّيء بالشّيء ووُصوله إليه. يقال أدْرَكْتُ *الشّيءَ أُدْرِكُه إدراكاً. ويقال فرس دَرَكُ الطريدةِ، إذا كانت لا تَفوتُه طريدة. ويقال أدرك الغلامُ والجارية، إذا بلَغَا. وتدارَكَ القومُ: لَحِق آخرُهم أوّلَهم. وتدارَكَ الثَّرَيَانِ، إذا أدرك الثَّرَى الثاني المَطَرَ الأوّل. فأمَّا قوله تعالى: {بَلِ ادَّارَكَ عِلْمُهُمْ فِي الآخِرَة} [النمل 66]، فهو من هذا؛ لأنَّ عِلْمَهم أدركَهم في الآخرة حين لم ينفَعْهم.

والدَّرَك: القطعة من الحَبْل تُشَدُّ في طَرَف الرِّشاء إلى عَرْقُوَة الدَّلو؛ لئلاَّ يأكلَ الماءُ الرِّشاء. وهو وإن كان لهذا فبِهِ تُدرَك الدَّلْو([7]).

ومن ذلك الدَّرَك، وهي منازِل أهل النار. وذلك أن الجنّة [درجاتٌ، والنَّار([8])] دركات. قال الله تعالى: {إنَّ المُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} [النساء 145]، وهي منازلُهم التي يُدْرِكونها ويَلْحَقُون بها. نعوذُ بالله منها!

(درم)  الدار والراء والميم أصلٌ يدلُّ على مقاربةٍ ولِين. يقال دِرْعٌ درِمَةٌ، أي ليِّنة مُتَّسقة. والدَّرَمان: تقارُبُ الخَطْو. وبذلك سمِّي الرَّجُل دارماً.

ومن الباب الدَّرَم، وهو استواءٌ في الكَعْب تحت اللَّحم حتَّى لا يكونُ له حَجْم. يقال له كَعْبٌ أدْرَمُ. قال:

قامتْ تُرِيكَ خَشْيةً أن تَصْرِما *** سَاقاً بخَنْدَاةً وكَعْباً أدْرَما([9])

ويقال دَرِمَتْ أسنانُه؛ وذلك إذا انسحَجَتْ ولانت غُرُوبُها.

ومن هذا قولُهم أدْرَمَ الفَرَسُ، إذا سقَطَتْ سِنُّه فخرَجَ من الإثْناء إلى الإرباع. والدَّرَّامة: المرأة القصيرة. وهو عندنا مُقارَبَة الخطْو؛ لأنَّ القصيرة كذا تكون. قال:

مِن البِيض لا دَرَّامةٌ قَمَلِيَّةٌ *** تبُذُّ نِساءَ الحيِّ دَلاًّ وَمِيسَمَا([10])

ثم يشتقّ من هذا الذي ذكرناه ما بَعدَه. فبَنُو الأدرَم: قَبيلة. قال:

* إنَّ بَنِي الأَدْرَمِ لَيْسُوا مِنْ أحَدْ *

ودَرِمٌ: اسمُ رجلٍ في قول الأعشى:

* كما قِيل في الحيِّ أوْدَى دَرِمْ([11]) *

وهو رجلٌ من شيبان قُتِل ولم يُدرَكْ بثأرِه.

(درن)  الدال والراء والنون أصلٌ صحيح، وهو تقادُمٌ في الشَّيء مع تغيُّرِ

لَون. فالدَّرِين: اليَبِيسُ الحَوْليّ. ويقال للأرض المجْدبة: أمُّ دَرِينٍ. قال:

تَعَالَيْ نُسَمِّطْ حُبَّ دعْدٍ ونَغْتَدِي *** سواءَيْنِ والمرعَى بأُمِّ دَرِينِ([12])

  يقول: تعالَيْ نلزَمْ حُبَّنَا وأرضَنا وعَيْشَنَا.

ومن الباب الدَّرَن، وهو الوسَخ. ومنه دُرَيْنَةُ، وهو نعتٌ للأحمق([13]). فأمّا قولُهم إنَّ الإدْرَوْنَ الأصلُ فكلامٌ قد قِيل، وما ندري ما هُو([14]).

(دره)  الدال والراء والهاء ليس أصلاً؛ لأن الهاء مبدلة من همزة. يقال: دَرَأ أي طلع، ثم يقلب هاءً؛ فيقال دَرَهَ. والمِدْرَه: لسان القوم والمتكلِّم عنهم.

(دري)  الدال والراء والحرف المعتلّ والمهموز. أمّا الذي ليس بمهموزٍ فأصلان: أحدهما قَصْد الشيء واعتمادُهُ طلَباً، والآخَر حِدَّةٌ تكون في الشَّيء. وأمّا المهموز فأصلٌ واحد، وهو دَفْع الشَّيء.

فالأول قولُهم: ادّرَى بنُو فلانٍ مكانَ كذا، أي اعتمدوه بغَزْوٍ أو غارة قال:

أتتنا عامرٌ من أرض رَامٍ *** مُعَلَّقةَ الكنائنِ تَدَّرِينا([15])

  والدّرِيَّة: الدّابّة التي يَستَتِرُ بها الذي يَرمِي الصَّيدَ ليصيده. يقال منه دَرَيت وادَّرَيْت. قال الأخطل:

وإنْ كُنْتِ قد أقصَدْتِنِي إذ رميِتِني *** بسَهمِكِ والرَّامي يَصِيدُ ولا يَدْرِي([16])

  قال ابنُ الأعرابيّ: تدرَّيت الصّيدَ، إذا نظرْتَ أين هُوَ ولم تَرَهُ بَعدُ([17]). ودريتُه: ختَلْتُه. فأمّا قوله تدرَّيت أي تعلَّمت لدريته([18]) أين هو، والقياسُ واحد. يقال دَرَيتُ الشَّيءَ، والله تعالى أدرانيهِ. قال الله تعالى: {قُلْ لَوْ شَاءَ اللهُ ما تَلَوْتُهُ عَلَيْكُمْ وَلاَ أَدْرَاكُمْ بِهِ} [يونس 16]، وفلانٌ حَسَنُ الدِّرْيَة، كقولك حسن الفِطْنة.

والأصل الآخَر قولهم للذي يُسَرَّحُ به الشَّعَْر ويُدْرَى: مِدْرىً؛ لأنّه محدَّد. ويقال شاةٌ مُدْرَاةٌ([19]): حديدة القَرْنَين. ويقال تَدَرَّت المرأةُ، إذا  سرَّحَتْ  شعرَها. ويقال إنّ المِدْرَيَيْنِ طُِبْيَا الشَّاةِ([20]). و*قد يُستعمل في أخلاف النّاقة. قال حُميدٌ:

* تجودُ بِمدْرَيَيْنِ([21]) *

وإنّما صارا مدْرَيَيْنِ لأنّهما إذا امتَلأَا تحدّدَ طَرَفاهما.

وأما المهموز قولهم دَرَأْتُ الشَّيءَ: دفعتُه. قال الله تعالى: {وَيَدْرَأُ عَنْها الْعَذَابَ} [النور 8]. قال:

تقولُ إذا دَرَأْتُ لها وَضِِيني *** أهذا دينُهُ أبداً ودِيني([22])

  ومن الباب الدَّرِيئة: الحلقة التي يُتعلَّم عليها الطَّعْن. قال عمرو([23]):

ظلِلْتُ كَأنِّي للرِّماحِ دَرِيئَةٌ *** أُقاتِلُ عن أبناء جَرْمٍ وفَرَّتِ

  يقال: جاء السَّيل دَرْءًا، إذا جاءَ من بلدٍ بعيد. وفلان ذُو تُدْرَأٍ، أي قويٌّ على دفْع أعدائه عن نفْسه. قال:

وقد كنتُ في الحربِِ ذا تُدْرَأٍٍ *** فلم أُعْطَ شيئاً ولم أُمْنَعِِ([24])

  ودَرَأَ فلانٌ، إذا طَلَع مفاجَأةً، وهو من الباب، كأنّه اندرَأ بنفسه، أي اندفع([25]). ومنه دارأْتُ فلاناً، إذا دافَعْتَه. وإذا ليّنْت الهمزة كان بمعنى الخَتْل والخِداع، ويرجعُ إلى الأصل الأوَّل الذي ذكرناه في دَرَيت وادَّريت. قال:

فماذا يَدّرِي الشُّعَراءُ منِّي *** وقد جاوزتُ حَدَّ الأربعينِ([26])

  فأما الدّرْءُ، الذي هو الاعوجاج؛ فمن قياسِ الدّفْع؛ لأنّه إذا اعوجَّ اندفَعَ من حدّ الاستواء إلى الاعوجاج. وطريق ذو دَرْءٍ، أي كُسور وجِرَفَةٍ([27])، وهو من ذلك. ويقال: أقَمْت من دَرْئهِ، إذا قوَّمْتَه. قال:

وكنّا إِذا الجَبَّار صعَّرَ خدَّه *** أَقَمنا لـه مِن دَرْئِه فتقوَّما([28])

  ويقولون: دَرَأَ البَعيرُ، إذا وَرِم ظَهْره. فإن كان صحيحاً فهو من الباب؛ لأنّه يندفعُ إذا وَرِم. ومن الباب: أدرأَتِ النّاقةُ فهي مُدْرِئٌ، وذلك إذا أرخَتْ ضَرْعَها عند النِّتاج.

(درب)  الدار والراء والباء الصّحيح منه أصلٌ واحد، وهو أن يُغْرَى بالشّيءِ ويلزمه. يقال دَرِبَ بالشّيء، إذا لزِمَه ولصق به. ومن هذا الباب تسميتُهم العادةَ والتّجرِبة دُرْبَة. ويقال طَيْرٌ دَوَارِبُ بالدِّماء، إذا أُغْرِيَت. قال الشاعر([29]):

يصاحِبْنَهم حتَّى يُغِرْنَ مُغارَهم *** مِن الضّاريات بالدّماءِ الدّوارِب

  وَدَرْبُ المدينة معروف، فإنْ كان صحيحاً عربيّاً فهو قياسُ الباب؛ لأنّ النّاسَ يَدْرَبُون به قصداً لـه. فأما تَدَرْبَى الشّيءُ، إذا تَدَهْدَى، فقد قيل([30]). والدّرْبانِيّة: جنسٌ من البقر. والدّردابُ: صوت الطَّبل. فكلُّ هذا كلامٌ ما يُدْرَى ما هو.

(درج)  الدار والراء والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على مُضِيِّ الشّيءِ والمُضيِّ في الشّيء. من ذلك قولُهم دَرَجَ الشّيءُ، إذا مَضَى لسبيله. ورجَع فُلانٌ أدراجَه، إذا رَجع في الطّريق الذي جاء منه. ودَرَج الصَّبيُّ، إذا مَشَى مِشْيته. قال الأصمعيّ: دَرَجَ الرجُلُ، إذا مَضَى ولم يُخْلِفْ نَسْلاً. ومَدَارج الأكمَة: الطُّرق المعترِضة فيها. قال:

تَعَرّضي مَدَارِجاً وسُومِي *** تعرُّضَ الجَوْزاءِ للنُّجوم([31])

  فأمّا الدُّرج لبعض الأصوِنة والآلات، فإن كان صحيحاً فهو أصلٌ آخَرُ يدلُّ على سَترٍ وتَغْطية. من ذلك أدْرَجْتُ الكتابَ، وأدْرَجْتُ الحَبْل. قال:

* مُحَمْلَجٌ أُدْرِجَ إدْراجَ الطّلَقْ([32]) *

ومن هذا الباب الثاني الدُّرْجة، وهي خِرَقٌ تُجعَل في حياء النّاقة ثم تُسَلُّ، فإذا شمّتْها الناقةُ حسِبتْها ولدَها فعطفَتْ عليه. قال:

* ولم تُجعَلْ لها دُرَجُ الظِّئارِ([33]) *

(درد)  الدال والراء والدال أُصَيْلٌ فيه كلامٌ يسير. فالدَّرَدُ من الأسنان: لصوقُها بالأسناخ وتأكُلُ ما فَضَل منها. وقد دَرِدَتْ وهي دُرْدٌ. ورجلٌ أدْرَدُ وامرأةٌ درداء.

(درح)  الدال والراء والحاء أُصَيلٌ أيضاً. يقولون للرجل القصير: دِرْحايَة، ويكون مع ذلك ضَخْماً. قال:

* عَكَوَّكاً إذا مَشَى دِرحايَهْ([34]) *

والله أعلم.

ــــــــــــــــــــــ

([1]) البيت لبعض الشراة، وهو حبيب بن خدرة الهلالي، يخاطب زيد بن علي، وكان خرج معه خياطون من أهل الكوفة فتركوه وانهزموا. انظر ثمار القلوب 215 والكامل 709-710. قال:

يابا حسين لو شراة عصابة *** صبحوك كان لوردهم إصدار

يابا حسين والجديد إلى بلى *** أولاد درزة أسلموك وطاروا

([2]) يقال أبو أدراس، وأبو دراس أيضاً، بالدال المكسورة.

([3]) الرجز لابن ميادة؛ كما في اللسان (درس). وقبل البيت:

* هلا اشتريت حنطة بالرستاق *

([4]) ينسب البيت إلى طفيل الغنوي، ولقيس بن زهير، ولشريح بن الأحوص. انظر اللسان (درص) وملحقات ديوان طفيل ص64.

([5]) للقطامي في ديوانه 42 برواية: "أمام الركب". وصدره: * قطعت بذات ألواح تراها *

([6]) ديوان رؤبة 108.

([7]) في الأصل: "فيه تدرك الدلو".

([8]) تكملة ضرورية. وفي المجمل: "والنار دركات والجنة درجات".

([9]) للعجاج في ديوانه 57 واللسان (درم، بخند) وفي الديوان: "رهبة أن تصرما".

([10]) في الأصل والمجمل: "ومبسما"، صوابه من اللسان (درم، قمل).

([11]) صدره كما في ديوان الأعشى 31 واللسان (درم): * ولم يود من كنت تسعى له *

([12]) البيت في اللسان (درن، سمط).

([13]) ذكر في اللسان أنه لغة أهل الكوفة.

([14]) أورد له صاحب اللسان قول القلاخ:

ومثل عتاب رددناه إلى *** إدرونه ولؤم أصه على

([15]) لسحيم بن وثيل الرياحي، كما في اللسان (دري). في الأصل: "يدرينا"، تحريف.

([16]) ديوان الأخطل 128 واللسان (دري). وقبله، وهو مطلع القصيدة:

ألا يا اسلمي يا هند هند بني بدر

وإن كان حيانا عدىً آخر الدهر

([17]) في الأصل: "ولم يره بعده".

([18]) كذا. ولعله: "دريت الشيء أي علمت بدريته".

([19]) هذا اللفظ ومعناه لم يرد في المعاجم المتداولة سوى المجمل.

([20]) وهذا اللفظ بمعناه لم يرد أيضاً في المعاجم المتداولة سوى المجمل.

([21]) لم أجد هذه القطعة في ديوان حميد بن ثور الذي أعده العلامة الميمني للنشر، وهو محفوظ بالقسم الأدبي بدار الكتب المصرية، ولعله من شعر حميد الأرقط.

([22]) البيت للمثقب العبدي، كما في اللسان (درأ، وضن)، وقصيدته في المفضليات (2: 87-92).

([23]) عمرو بن معد يكرب. وقصيدة البيت الآتي في الأصمعيات 17-18 منسوبة إلى دريد بن الصمة. ونسبتها إلى عمرو بن معد يكرب في الحماسة (1: 44-45). وانظر اللسان (درأ).

([24]) البيت للعباس بن مرداس كما في اللسان (درأ) والخزانة (1: 73) حيث أنشد في الأخيرة قصيدة البيت.

([25]) في الأصل: "إذا اندفع".

([26]) لسحيم بن وثيل الرياحي، من أبيات في الأصمعيات 73. والبيت في اللسان (دري).

([27]) الجرفة، كعنبة: جمع جرف، بالضم وبضمتين، وهو ما تجرفته السيول وأكلته من الأرض. وفي الأصل: "حرفة"، تحريف.

([28]) البيت للمتلمس في ديوانه ص1 مخطوطة الشنقيطي واللسان (درأ).

([29]) هو النابغة الذبياني، والبيت التالي من القصيدة الأولى في ديوانه ص4.

([30]) لم يذكر في اللسان والجمهرة، وذكر في القاموس مع المهموز"تدربأ".

([31]) الرجز لعبد الله ذي البجادين، دليل النبي صلى الله عليه وسلم كما في اللسان (درج).

([32]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 104 واللسان (حملج)، وقد سبق في ص146.

([33]) لعمران بن حطان. وصدره: * جماد لا يراد الرسل منها *

([34]) الرجز لدلم أبي زعيب العبشمي، كما في اللسان (عكك). وقبله في اللسان (درج، دعك): * إما تريني رجلاً دعكايه *

 

 

ـ (باب الدال والسين وما يثلثهما في الثلاثي)

(دسم)  الدال والسين والميم أصلان: أحدهما يدلُّ على سَدّ الشيء، والآخر يدلُّ على تلطخ الشّيء بالشيء.

فالأوّل الدِّسام، وهو سِدَادُ كلِّ شَيء. وقال قومٌ: دَسَم البابَ: أغلَقَه.

والثاني الدَّسَم معروف، وسمِّي بذلك لأنّه يلطَّخ بالشّيء. والدُّسْمة: الدّنيءُ، من الرِّجال الرديّ. وسمِّي بذلك لأنّه كالملطَّخ بالقبيح. ويقال للغادِرِ: هو دَسِم الثياب، كأنّه قد لُطِّخ بقبيح. قال:

يا ربِّ إنّ الحارثَ بن الجَهْمِ([1]) *** أَوْذَمَ حَجّاً في ثِيابٍ دُسْمِ

  ومن التّشبيه قولهم: دَسَمَ المطرُ الأرضَ، إذا قلَّ ولم يبلُغْ أن يُبلَّ الثَّرى. ومما شذّ عن الباب: الدّيْسَم، وهو ولد الذِّئب من الكلبة. والدّيسم أيضاً: النبات الذي يقال له: "بُستَانْ أفْرُوز([2])". ويقال إن الدّيسمة الذَّرّة([3]).

(دسو/ا)  الدال والسين والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاءٍ وسَتْر. يقال دَسَوْتُ الشّيءَ أدْسُوه، ودسَا يدسُو، وهو نقيض زَكَا. فأمّا قوله تعالى: {وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا} [الشمس 10]، فإنّ أهل العلم قالوا: الأصل دَسَّسَهَا، كأنَّه أخفاها، وذلك أنَّ السَّمْحَ ذا الضِّيافةِ يَنزِل بكلِّ بَراز، وبكل يَفَاع؛ ليَنْتابَه الضِّيفَانُ، والبَخيلَ لا ينزِلُ إلاَّ في هَبْطَةٍ أو غامض، فيقول الله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا. وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسّاهَا} [الشمس 9- 10]، أي أخفاها، أو أغْمَضها. وهذا هو المعوَّل عليه. غير أنّ بعضَ أهلِ العِلم قال: دَسّاها، أي أغواها وأغراها بالقَبيح. وأنشد:

وأنتَ الذي دَسّيْتَ عَمْراً فأصبحتْ *** حلائلُه منه أَرامِلَ ضُيَّعَا([4])

  (دست)  الدال والسين والتاء ليس أصلاً، لأنّ الدّسْت الصَّحراء وهو فارسيٌّ معرَّب([5]). قال الأعشى:

قد علمَتْ فَارِسٌ وحِمْيرُ والـْ *** أَعْرابُ بالدّسْتِ أيُّكُمْ نَزَلا([6])

  (دسر)  الدال والسين والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الدَّفْع. يقال دَسَرْتُ الشّيءَ دَسْرَا، إذا دَفَعتَه دَفْعاً شديداً. وفي الحديث([7]): "ليس في العَنْبَر زَكاةٌ، إنّما هو شيءٌ دسرَه البَحرُ"، أي رماهُ ودفع بِه. وفي حديث عُمَر [رضي الله عنه]: "إنّ أخْوَفَ ما أخافُ عليكم أن يُؤخَذ الرّجلُ([8]) فيُدْسَر كما تُدسَر الجَزور"، أي يُدفَع.

ومن الباب: دَسَره بالرُّمْح، ورُمْحٌ مِدْسَرٌ ([9]). قال:

عَنْ ذي قَدَامِيسَ لُهَامٍ لو دَسَرْ([10])

برُكْنِهِ أرْكَان دَمْخٍ لاَنْقَعَرْ([11])

  أي لو دَفَعَها. ويقال للجمل الضّخْم القويّ: دَوْسَريٌّ([12]). ودَوْسَر: كتيبةٌ([13])؛ لأنّها تدفع الأعداء.

ومما شذَّ عن الباب وهو صحيحٌ: الدِّسارُ: خَيْطٌ من ليفٍ تُشَدّ به ألواحُ السَّفينة، والجمع دُسُرٌ. قال الله تعالى: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر 13].ويقال الدُّسُر: المَسامير.

(دسع)  الدال والسين والعين أصلٌ يدلُّ على الدَّفْع. يقال دسَعَ البعيرُ بجِرَّتِه، إذا دَفَع بها. والدَّسْع: خُروج الجِرَّة. والدَّسِيعة: كَرَمُ فِعْلِ الرّجل في أموره. وفلانٌ ضَخْم الدَّسيعة، يقال هي الجَفْنة، ويقال المائدة. وأيُّ ذلك كانَ فهو من الدَّفْع والإعطاء.

ومنه حديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، في كتابه بينَ قريشٍ والأنصار: "إنّ المؤمنين أيديهم على من بَغَى عليهم([14]) أو ابتغَى دَسيعةَ ظُلْم" فإنّه أراد الدّفْعَ أيضاً. يقول: ابتغى دفْعاً بظُلْم. وفي حديثٍ آخر: "يقول الله تعالى: يا ابنَ آدمَ ألَمْ أجعلْك تَرْبَعُ وَتَدْسَع". فقوله تَرْبَعُ، أي تأخذ المِرباع؛ وقوله تدسع، أي تدفع وتُعطِي العطاءَ الجزيل.

(دسق)  الدال والسين والقاف أُصَيلٌ يدلُّ على الامتلاء. يقال ملأت الحوضَ حَتَّى دَسِقَ، أي امتلأَ حتى ساح ماؤُه*. والدَّيْسق: الحوض الملآنُ. ويقال الدَّيْسَق: تَرَقْرُق السَّراب على الأرض.

 

ـــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان (وذم، دسم): * لا هم إن عامر بن جهم *

([2]) بالفارسية. ويقال أيضاً "بستان أبروز" بالباء المفخمة. معجم استينجاس 185. ولم يذكر هذا الاسم في اللسان والقاموس، مع حرص الأخير على إيراد نظائره.

([3]) الذرة: واحدة الذر، وهو ضرب من صغار النمل. وقد ضبط في اللسان والقاموس بضم الذال وفتح الراء المخففة، وهو ضبط غير صحيح. انظر الحيوان (6: 380).

([4]) هو لرجل من طيء. وقد جعل في اللسان "عمرا" قبيلة من القبائل. وأنشده:

وأنت الذي دسيت عمرا فأصبحت *** نساؤهم منهم أرامل ضيع

([5]) لم يذكر صاحب اللسان "الدست" بالمهملة، وذكرها بالشين المعجمة فحسب، وكان أجدر به أن يذكر التي بالسين المهملة. أما صاحب القاموس فذكر المادتين. وأصلها الفارسية بالشين المعجمة. وانظر معجم استينجاس.

([6]) ديوان الأعشى 157 واللسان (دشت) والمعرب للجواليقي 138.

([7]) هو حديث ابن عباس وقد سئل عن زكاة العنبر.

([8]) في اللسان: "الرجل المسلم البريء عند الله".

([9]) لم يذكر في اللسان والقاموس. وفي المجمل: "ورجل مدسر".

([10]) في المجمل واللسان (دسر): "كهام"، تحريف. وفي (قدمس): "بذي قداميس".

([11]) في اللسان (دمخ): "تركته"، تحريف. وفي معجم البلدان: "لا تقر"، محرف كذلك.

([12]) ويقال أيضاً دوسر، ودوسراني، ودواسري.

([13]) اسم كتيبة كانت للنعمان بن المنذر. اللسان.

([14]) في الأصل: "اتقى عليهم"، صوابه من اللسان.

 

 


ـ (باب الدال والعين وما يثلثهما)

(دعو)  الدال والعين والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو أن تميل الشَّيءَ إليك بصوتٍ وكلامٍ يكون منك. تقول: دعوت أدعُو دعاءً. وَالدَّعوة إلى الطَّعام بالفتح، والدِّعوة في النَّسب بالكسر. قال أبو عبيدة: يقال في النَّسب دِعوة، وفي الطعام دَعوة. هذا أكثرُ كلام العرب إلاّ عَدِيَّ الرِّباب، فإنّهم ينصبون الدّالَ في النّسب ويكسرونها في الطَّعام. قال الخليل: الادِّعاء أن تدَّعِيَ حقّاً لك أو لغيرك. تقول ادَّعَى حقّاً أو باطلاً. قال امرؤ القيس:

لا وأبيكِ ابنةَ العامِرِ ***يِّ لا يدَّعِي القومُ أنِّي أَفِرّ([1])

والادِّعاء في الحرب: الاعتِزاء، وهو أنْ تقول: أنا ابنُ فُلاَنٍ قال:

* ونجِرُّ في الهَيْجَا الرّماحَ ونَدَّعِي([2]) *

وداعِية اللَّبن: ما يُترَك في الضَّرع ليدعُوَ ما بعدَه. وهذا تمثيلٌ وتشبيه. وفي الحديث أنّه قال للحالِب: "دَعْ داعِيَةَ اللَّبن". ثمّ يُحمل على الباب ما يُضاهِيه في القياس الذي ذكرناه، فيقولون: دَعَا الله فلاناً بما يَكرَهُ؛ أي أنزل به ذلك قال:

* دَعَاكِ الله من ضَبُعٍ بأفْعَى([3]) *

لأنَّه إذا فَعَل ذلك بها فقد أماله إليها.

وتداعَت الحِيطان، وذلك إذا سقط واحدٌ وآخَرُ بَعده، فكأنَّ الأوَّل دعا الثاني. وربَّما قالوا: داعَيْناهَا عليهم، إذا هدمْناها، واحداً بعد آخَر. ودَوَاعِي الدَّهر: صُروفه، كأنّها تُميل الحوادث. ولبني فُلانٍ أُدْعِيَّةٌ يتداعَوْن بها، وهي مثل الأغلوطة، كأنّه يدعو المسؤول إلى إخراج ما يعمِّيه عليه. وأنشد أبو عبيد عن الأصمعي:

أُداعِيك ما مُسْتَصْحَبَاتٌ مع السُّرَى *** حِسانٌ وما آثارُها بحِسانِ([4])

  ومن الباب: ما بالدَّار دُعْوِيٌّ، أي ما بها أَحَدٌ، كأنّه ليس بها صائحٌ يدعُو بصِياحه.

ويُحمَل على الباب مجازاً أنْ يقال: دعا فُلاناً مَكَانُ كذا، إذا قَصَد ذلك المكان، كأنَّ المكانَ دعاه. وهذا من فصيح كلامهم. قال ذو الرّمّة:

دَعَتْ مَيَّةَ الأعدادُ واستبدلَتْ بها *** خَناطيلَ آجالٍ من العِين خُذَّلِ([5])

  (دعق)  الدال والعين والقاف أصلٌ واحد يدلُّ على التأثير في الشَّيءِ والإذلال له. يقال للمكان الذي تَطَؤُه الدوابُّ وتؤثِّر فيه بحوافرها: دَعَقٌ. قال رُؤبة:

* في رَسْمِ آثارٍ ومِدْعاسٍ دَعَقْ([6]) *

ومن الباب: شَلَّ إبلَهُ شَلاًّ دعْقاً، إذا طرَدَهَا. وأغارَ غارةً دعقا. وخيلٌ مَدَاعِيقُ. قال:

* لا يَهُمُّون بإدْعاقِ الشَّلَلْ([7]) *

(دعك)  الدال والعين والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على تمريس الشيء. يقال دَعَكَ الجِلْد وغيرَه، إذا دَلَكَه. وتداعَكَ الرَّجُلانِ في الحرب، إذا تحرَّش كلُّ واحدٍ منهما بصاحبه. ويقولون: الدُّعَكُ، على فُعَلٍ: الرجلُ الضَّعيف. وأنشدوا لحسان([8]):

* وأنت إذا حارَبُوا دُعَكْ([9]) *

(دعم)  الدال والعين والميم أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يكون قياماً لشيءٍ ومِساكاً. تقول: دَعَمْتُ الشّيءَ أدعِمُهُ دَعْماً، وهو مدعومٌ. والدِّعامتانِ: خشبَتَا البَكَرة. ودِعامةُ القوم: سيِّدهم. ويقال لا دَعْم بِفلانٍ، أي لا قُوَّةَ له ولا سِمَن. قال الراجز:

لا دَعْمَ بي لكن بِلَيْلَى الدَّعْمُ *** جاريةٌ في وَرِكَيْها شَحْمُ([10])

  ودُعْمِيٌّ: اسمٌ مشتقٌّ مِن هذا.

(دعب)  الدال والعين والباء أَصلٌ يدلُّ على امتدادٍ في الشيء وتَبَسُّط. فالدُّعْبُوب: الطريق السهل. وربَّما قالوا: فرسٌ دُعْبُوبٌ، إذا كان مديداً. وقياس الدُّعابة من هذا؛ لأنّ ثَمَّ تبسُّطاً وتندُّحاً.

(دعث)  الدال والعين والثاء كلمةٌ واحدة([11]) وهي الدِّعْثُ* وهو الحقد.

(دعج)  الدال والعين والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على لونٍ أسودَ. فمنه الأدعَج، وهو الأسْوَد. والدَّعَج في العين: شِدَّة سوادها في شدَّة البياض.

(دعد)  الدال والعين والدال ليس بشيء. وربَّما سَمَّوا المرأة "دَعْدَ".

(دعر)  الدال والعين والراء أَصلٌ واحد يدلُّ على كراهةٍ وأذىً، وأصله الدُّخَان؛ يقال عُودٌ دَعِرٌ، إذا كان كثيرَ الدُّخان. قال ابنُ مُقبِل:

باتَتْ حواطِبُ لَيلَى يلتمسْن لها *** جَزْل الجذَى غَيْرَ خَوَّارٍ ولا دَعِرِ([12])

  ومن ذلك اشتقاق الدَّعارة في الخُلُق. والدَّعَر: الفَساد. والزَّنْد الأدْعَر: الذي قُدِح به مِراراً فاحترَقَ طَرَفُه فصار لا يُورِي. وداعِرٌ: فحلٌ تنسب إليه الداعِرِيّة.

(دعز)  الدال والعين والزاء ليس بشيءٍ، ولا مُعَوَّلَ على قولِ من يقول: إنّه الدَّفْعُ والنِّكاح.

(دعس)  الدال والعين والسين أُصَيلٌ. وهو يدلُّ على دفْع وتأثيرٍ. فالمداعَسَة: المطاعَنَة؛ لأنّ الطّاعن يدفَع المطعونَ. ورُمْحٌ مِدْعَسٌ ورِماحٌ مداعِسُ. والدَّعْس: النِّكاح؛ وهذا تشبيهٌ. والدَّعْس: الأثر، وهو ذاك؛ لأنَّ المؤثِّر يدفع ذلك الشيءَ حين يؤثَّر فيه.

(دعص)  الدال والعين والصاد أصلٌ يدلُّ على دِقّة ولين. فالدِّعْصُ: ما قلَّ ودقَّ من الرمل. والدَّعْصاء: الأرضُ السَّهْلة. ومن الباب: تَدَعَّصَ اللَّحمُ، إذا بالغ في النُّضْجِ. ويقولون أدْعَصَه الحَرُّ، إذا قتلَه، كأنَّه أنضجَه فقتلَه.

(دعض)  الدال والعين والضاد ليس بشيء([13]).

(دعظ)  الدال والعين والظاء ليس بشيء. ويقولون: الدَّعظ: النِّكاح([14]).

ـــــــــــــــــ

([1]) ديوان امرئ القيس 4. وفيه: "فلا وأبيك" بدون الخرم.

([2]) للحادرة الذبياني. انظر المفضليات (1: 43). وصدره كما فيها:

* ونقي بآمن مالنا أحسابنا *

وقد سبق في (جر 1: 214). وأنشده في اللسان (جرر).

([3]) نظيره في اللسان (قيس، دعا):

دعاك الله من قيس بأفعى *** إذا نام العيون سرت عليكا

والقيس: الذكر. وأنشد الجاحظ في الحيوان (1: 176/ 4: 258):

رماك من الله أير بأفعى *** ولا عافاك من جهد البلاء

([4]) في المجمل واللسان (دعا): "ما مستحقبات".

([5]) سبق البيت ص252.

([6]) ديوان رؤبة 106 واللسان (دعق، دعس).

([7]) البيت للبيد، وليس في ديوانه، وسيعيده في (شل، عور). وهو في اللسان (دعق). وفي البيت كلام. وصدره: * في جميع حفاظي عوراتهم *

([8]) البيت التالي ليس في ديوان حسان. ونسبه في اللسان (دعك) إلى عبد الرحمن بن حسان يقوله في ولد لعمرو بن الأهتم كان مليح الصورة وفيه تأنيث.

([9]) جزء من بيت. وهو وسابقه:

قل للذي كاد لولا خط لحيته *** يكون أنثى عليه الدر والمسك

هل أنت إلا فتاة الحي إن أمنوا *** يوماً وأنت إذا ما حاربوا دعك

([10]) البيتان في اللسان (دعم).

([11]) الحق أن في المادة كلمات ومعاني كثيرة. منها الوطء الشديد، وأول المرض. وهذان بالفتح. والدعث، بالكسر: بقية الماء في الحوض.

([12]) البيت في اللسان (دعر، جذا).

([13]) هي مادة أهملت، ولم ترد في المعاجم المتداولة، ومثلها كثير، ولست أدري لم رسم لها، مخالفاً بذلك عادته.

([14]) في الأصل: "ويقولون لولد النكاح عظ"، وهذا تحريف ناشئ من اضطراب عين الناسخ حيث زاد الواو، وأخر "عظ" عن موضعها بعد الدال.

 

 

ـ (باب الدال والغين وما يثلثهما)

(دغل)  الدال والغين واللام أصلٌ يدلُّ على التباسٍ والتواءٍ من شيئين يتدَاخلان. من ذلك الدَّغَلُ، وهو الشَّجَر الملتفّ. ومنه الدَّغَل في الشَّيء، وهو الفساد. ويقولون أَدْغَلَ في الأمر، إذا أدْخَلَ فيه ما يخالِفُه.

(دغم)  الدال والغين والميم أصلان: أحدُهما من باب الألوان، والآخر دخولُ شيءٍ في مَدْخَلٍ ما.

فالأوَّل الدُّغمة في الخيل: أن يخالِف لونُ الوجه لونَ سائر الجسَد. ولا يكون إلا سَواداً. ومن أمثال العرب: "الذِّئْبُ أدْغَمُ". تفسير ذلك أنَّه أدغَمُ ولَغَ أو لم يَلَغْ. فالدُّغْمة لازمةٌ له، فربَّما قيل قد وَلَغَ وهو جائع. يضرب هذا مثلاً لَمنْ يُغْبَط بما لم ينَلْه. ومن هذا الباب دَغمَهم الحرُّ، إذا غشِيَهم؛ لأنّه يغيِّر الألوان.

والأصل الآخر: قولُهم أدغَمْتُ اللِّجام في فم الفرس، إذا أدخَلْتَه فيه. ومنه الإدغام في الحُروف. والدَّغْم: كَسْرُ الأنف [إلى([1])] باطنِه هَشْماً.

(دغر)  الدال والغين والراء أصلٌ واحد، وهو الدَّفْع والتَّقَحُّمُ في الشَّيء، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم للنِّساء: "لا تُعذِّبْنَ أولادَكُنَّ بالدَّغْرِ". فالدَّغْر: غَمْزُ الحَلْق من العُذْرة([2])، والعُذْرة: داءٌ يَهِيج في الحَلْق من الدَّم، ويقال هُوَ مَعْذُور. قال جرير:

غَمَزَ ابنُ مُرَّة يا فَرزْدَقُ كَيْنَها *** غَمَزَ الطّبيبِ نغَانِغَ المَعذُورِ([3])

  ودَغَرْت القومَ، إذا دخَلْتَ عليهم. وكلامٌ لهم، يقولون: "دَغْراً لاَصَفَّاً([4])"،  يقول: ادْغُروا عليهم، لا تُصَافُّوهُم. والدَّغرة: الخَلْسَة؛ لأنَّ المختلِس يدفع نفْسَه على الشيء. وفي الحديث: "لا قَطْعَ في الدَّغْرة".

(دغص)  الدال والغين والصاد، كلمةٌ تقال للَّحْمة التي تموج فوقَ رُكبة البَعير: الدّاغصة.

(دغش)  الدال والغين والشين ليس بشيء. وهم يَحْكُون: دَغَشَ عليهم([5]).

(دغف)  الدال والغين والفاء ليس بشيء، إلاّ أنّ ابنَ دُريد([6]) زعم أنّ الدَّغْف الإكثارُ من أخْذ الشّيء.

ـــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل واللسان.

([2]) فسر الحديث في اللسان بهذا التفسير وبتفسير آخر فانظره.

([3]) ديوان جرير 194 واللسان (عذر، كين)، وسيعيده في (عذر، كين، نغ).

([4]) يقال أيضاً "دغرى لاصفى"، كلاهما بوزن دعوى.

([5]) ذكر في اللسان أنها لغة يمانية. وقد خالف ابن فارس نهجه في إيراد هذه المادة بعد سابقتها وقد جرى على هذه المخالفة في المجمل أيضاً.

([6]) في الجمهرة (2: 286).

 

 

ـ (باب* الدال والفاء وما يثلثهما)

(دفق)  الدال والفاء والقاف أصلٌ واحد مطَّردٌ قياسُه، وهو دفْع الشَّيء قُدُما. من ذلك: دَفَقَ الماءُ، وهو ماءٌ دافق. وهذه دُفْقَةٌ مِن ماء.

ويُحمَل قولُهم: جاؤوا دُفْقَةً واحدة، أي مرَّةً واحدة. وبعيرٌ أدفَقُ، إذا بانَ مِرْفَقاه عن جَنبَيه. وذلك أنَّهما إذا بانا عنه فقد اندفعا عنه واندفَقا. والدِّفَقُّ، على فِعَلٍّ، من الإبل: السريع. ومشى فلان الدّفِقَّى، وذلك إذا أسرَعَ. قال أبو عبيدة: الدِّفِقَّى أقْصَى العَنَق. ومنه حديث الزّبرقان: "تمشي الدّفِقَّى، وتجلسُ الهَبَنْقَعَة". ويقال سيلٌ دُفَاقٌ: يملأ الوَادِي. ودَفَقَ الله رُوحَه، إذا دُعِي عليه بالموت.

(دفل)  الدال والفاء واللام ليس أصلاً، وإن كان قد جاء فيه الدِّفْلَى، وهو شَجَرٌ.

(دفن)  الدال والفاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على استخفاءٍ وغموض([1]). يقال دُفنَ الميّتُ، وهذه بئرٌ دَفْنٌ: ادَّفَنَتْ. فأما الادِّفانُ فاستِخفاء العَبْد لا يريد الإباق الباتَّ. وقال قومٌ: الادّفان: إبَاقُ العَبد وذَهابه على وَجهِه. والأوَّل أجْوَد؛ لما ذكرناه من الحديث. والداء الدَّفين: الغامض الذي لا يُهْتدَى لوَجهِه. والدَّفُون: الناقة تَبرُكُ مع الإبل فتكونُ وَسْطَهنّ. والدَّفَنِيُّ: ضَربٌ من الثِّياب. وسمعتُ بعضَ أهلِ العلم يقولون: إنَّه صِبغ يُدْفن في صِبغٍ يكون أشبَعَ منه.

(دفأ)  الدال والفاء والهمزة أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف البَرْد. فالدِّفء: خِلاف البرد. يقال دَفُؤَ يومنا، وهو دفيءٌ. قال الكلابيّ: دَفِئٌ. والأوَّل أعرف في الأوقات، فأمّا الإنسان فيقال دَفِئَ فهو دَفَآنُ وامرأةٌ دَفْأَى. وثوبٌ ذو دِفْءٍ ودَفاء. وما عَلَى فلان دِفْءٌ ، أي ما يدفئه. وقد أدفأني كذا، واقعُد في دِفءِ هذا الحائط، أي كِنِّه.

ومن الباب الدَّفَئِيُّ من الأمطار، وهو الذي يجيء صيفاً. والإبل المُدْفَأَة: الكثيرة؛ لأنَّ بعضَها تُدفئ بعضاً بأنفاسها. قال الأمويّ: الدِّفء عند العرب: نِتاج الإبل وألبانُها والانتفاعُ بها. وهو قوله جلَّ ثناؤه: {لَكُمْ فِيها دِفْءٌ ومَنَافِعُ} [النحل 5]. ومن ذلك حديثُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "لنا مِن دِفئهم [وصِرَامِهِمْ([2])] ما سلّموا بالميثاق". ومن الباب الدَّفَأُ: الانحناء. وفي صفة الدّجّال: "أنّ فيه دَفَأً" أي انحناء. فإنْ كان هذا صحيحاً فهو من القياس؛ لأنَّ كلَّ ما أدفَأَ شيئاً فلا بدّ من أن يَغْشاه ويجْنَأَ عليه([3]).

(دفا)  الدال والفاء والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على طولٍ في انحناءٍ قليل فالدَّفَا: طُول جناح الطّائر. يقال طائرٌ أَدْفَى. وهو من الوُعول: ما طال قَرْناه. ويقال للنَّجيبة الطَّويلة العُنق: دَفْواء. والدَّفواء: الشَّجَرة العظيمة الطَويلة. ومنه الحديث: "أنّه أبصَرَ شجرةً دَفْواءَ تُسمَّى ذاتَ أنْواط". ويقال للعُقَاب دَفْواء، وذلك لِطُول مِنقارها وعَوَجه. ويقال تَدَافَى البعيرُ تَدَافِياً، إذا سار سيراً متجافِيا.

(دفر)  الدال والفاء والراء أصلٌ واحد، وهو تغيُّر رائحةٍ. والدَّفَر: النَّتْن. يقولون للأَمَة: يَا دَفَارِ. والدُّنيا تسمَّى أمَّ دَفْرٍ. وكتيبةٌ دَفْرَاءُ، يُراد بذلك روائحُ حديدِها.

وقد شذت عن الباب كلمةٌ واحدة إن كانت صحيحة، يقولون: دَفَرْتُ الرّجلَ عنِّي، إذا دفعْتَه([4]).

(دفع)  الدال والفاء والعين أصلٌ واحد مشهور، يدلُّ على تنحيَة الشيء. يقال دَفَعْتُ الشّيءَ أدفعُه دفْعا. ودافع الله عنه السُّوءَ دِفاعا. والمدفَّع: الفقير؛ لأن هذا يدافِعُه عند سؤالِهِ([5]) إلى ذلك. وهو قوله:

والنّاس أعداءٌ لكُلِّ مدفَّعٍ *** صِفْرِ اليدَينِ وإخوةٌ للمُكْثِرِ

  وإيّاه أراد الشَّاعرُ بقوله:

ومَضروب يئنُّ بغير ضربٍ *** يُطاوِحُه الطرافُ* إلى الطِّرافِ([6])

  والدُّفْعة من المطر والدّم وغيرِه. وأما الدُّفَّاع فالسَّيل العظيم. وكل ذلك مشتقٌّ من أنَّ بعضَه يدفَعُ بعضاً. والمدفَّع: البعير الكريم، وهو الذي كلما جِيءَ به ليُحمَل عليه أُخِّر وجِيء بغيره إكراماً له. وهو في قول حُميد:

* وقرّبن للتَّرْحالِ كُلَّ مُدَفَّعٍ([7]) *

ـــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "استحقاق غموض"، تحريف.

([2]) التكملة من المجمل واللسان.

([3]) جنأ عليه يجنأ وفي الأصل: "يحنأ عليه".

([4]) ذكر في اللسان أنها لغة يمانية.

([5]) في الأصل: "عنه سواله".

([6]) في الأصل: "تطاوحه إلى الطراب الطراب"، وفيه تحريف وتشويه. والطراف: بيت من أدم.

([7]) في الأصل: "للرجال"، ولا يستقيم به الوزن. وفي اللسان: "وقربن للأظعان" مع نسبة هذا الجزء إلى ذي الرمة. ووجدت في ديوان ذي الرمة 457:

وقربن للأحداج كل ابن تسعة *** تضيق بأعلاه الحوية والرحل

 

 

 

ـ (باب الدال والقاف وما يثلثهما)

(دقل) الدال والقاف واللام ليس بأصلٍ يُقاس عليه، ولا له فروعٌ. وإنَّما يقال دَقَلُ السَّفينة. والدَّقَل: أردأ التَّمْر. وذُكِر عن الخليل، ولا أَدري أصحيحٌ عنْهُ ذلك أمْ لا: دَوْقَلَ الرَّجُل لنَفْسه، إذا اختَصَّها بشيءٍ من المأكول.‏

(دقس) الدال والقاف والسين قريب(1)، إلا أنَّهم يقولون: الدُّقْسَة: دُوَيْبَّة. ويقولون: دَنْقَسَ الرجُلُ دَنقْسةً، وربَّما قالوا بالشين، إذا نظرَ بمُؤْخِرِ عينَيه، وليس هذا من أصيلِ كلام العرب. وكذلك الدال والقاف والشين. وذكروا أن أبا الدُّقَيش(2) سُئِل عن معنى كُنْيته فقال: لا أدري، هي أسماءٌ نسمعها فنتسمَّى بها. وما أقرَبَ هذا الكلامَ من الصِّدْق. وذكر السِّجِستانيّ أنَّ الدُّقْشَة دُوَيْبَّة رَقْطاء، وأنَّ الدَّقْش النَّقْش. وكل ذلك تعلُّلٌ، وليس بشيء.‏

(دقم) الدال والقاف والميم أُصَيل فيه كلمة. يقال: "دَقَم أسنانَه: كَسرها.‏

(دقي) الدال والقاف والياء كلمةٌ واحدة. دَقِيَ الفَصيل دَقىً، إذا بَشِمَ عن اللَّبن. والذّكرُ دَقٍ والأنثى دَقِيَةٌ.‏

(دقر) الدال والقاف والراء أصل يدل على ضعفٍ ونقصان. فالدَّقارير: الأباطيل. والدواقير- فيما يقال- جمع دَوْقَرَةٍ، وهي غائطٌ من الأرض لا يُنْبِت. والدِّقْرَارة: الرجُل النَّمَّام. والدِّقرار: التُّبَّان. وقياسُه قياسُ الباب، لنُقْصانه.‏

(دقع) الدال والقاف والعين أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على الذّلّ. وأصله الدَّقْعاء، وهو التراب. يقال دَقَِعَ الرَّجل: لَصِِقَ بالتراب ذُلاًّ. وقال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، للنِّساء: "إنَّكُنَّ إذا جُعتُنّ دَقَِعْتُنّ، وإذا شبِعتن خجِلْتُنَّ" فالدّقَع هذا. قال الكميت:‏

ولَم يَدْقَعُوا عند ما نابهُمْ *** لوَقْعِ الحُروبِ ولم يَخْجَلُوا(3)‏

والمَدَاقيعِ مِن الإبل: التي تأكل النَّبْتَ حتى تلصِقَهُ بالأرض، من الدَّقعاء(4). والداقعُ من الرّجال: الذي يطلُب مَدَاقَّ الكَسْب. وفي بعض اللغات: "رماهُ اللهُ بالدَّوْقَعَة"، وهي فوعلة من الدَّقَع.‏

ـــــــــــــــــــ

(1) كذا في الأصل.‏

(2) أبو الدقيش: أحد الأعراب الفصحاء الذين أخذت عنهم اللغة. انظر فهرست ابن النديم 70. قال: "أبو الدقيش القناني الغنوي". وفي الأصل: "أبو الدهس"، تحريف. انظر اللسان (دقش).‏

(3) سبق البيت في مادة (خجل) ص247. والخجل في البيت والحديث بمعنى الأشر والبطر.‏

(4) في الأصل: "حتى تلصق الدقعاء"، صوابه من المجمل. وفي اللسان: "حتى تلصقه بالدقعاء، لقلته".‏

 

 

ـ (باب الدال والكاف وما يثلثهما)

(دكل([1]))  الدال والكاف واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تعظُّم. يقال تدكَّل الرّجل، إذا تعظّم في نفسه، ومنه الدَّكَلة: القوم لا يُجِيبون السُّلطان مِن عِزِّهم.

(دكن)  الدال والكاف والنون أصَيلٌ يدلُّ على تنضِيد شيءٍ إلى شيء. يقال دَكَنْتُ المَتَاع، إذا نَضَّدْتَ بعضَه فوق بعض. ومنه اشتقاق الدُّكَّان، وهو عربيٌّ. قال العبديّ([2]):

فأبْقَى باطِلِي والجِدُّ منها *** كدُكّانِ الدَّرابِِنَةِ المَطِينِ([3])

  (دكع)  الدال والكاف والعين كلمةٌ واحدة، وهي قولُهم لداءٍ يأخُذُ الخيلَ والإبلَ في صُدورها: دُكَاعٌ. قال القطاميّ:

ترى مِنهُ صُدورَ الخَيلِ زُوراً *** كأنَّ بها نُحازاً أو دُكاعَا([4])

ويقولون: هو السُّعال.

(دكأ)  الدال والكاف والهمزة كلمةٌ [واحدة] تَدَاكَأَ القومُ، إذا ازْدَحَمُوا.

(دكس)  الدال والكاف والسين أُصَيلٌ يدلُّ على غِشْيان الشّيء بالشيء. قال ابنُ الأعرابيّ. الدُّكاس: ما يَغْشى الإنسانَ من النُّعاس. قال:

كأنَّه من الكَرَى الدُّكَاسِ *** باتَ بِكأسَيْ قَهوةٍ يُحاسِي([5])

  ويقال: الدَّوْكس: العدد الكثير. وقال: الدَّكَس: تراكُبُ الشيءِ بعضه على بعض. وذُكر عن الخليل أنّ الدَّوْكس الأسد، فإِنْ كان صحيحاً فهو من الباب؛ لجرأته وغِشْيانِهِ* الأهوال.

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "دكم"، والكلام في مادة "دكل" كما ترى. وإليك مادة (دكم) من المجمل: "الدكم: كسر الشيء بعضه على بعض".

([2]) هو المثقب العبدي، وقصيدة البيت في المفضليات (2: 87-92) ومنتهى الطلب (1: 299-301).

([3]) انظر المرجعين السابقين واللسان (دكك، دربن، طين). وقد سبق إنشاده في (دك). وبين اللغويين خلاف في أصل مادة (الدكان).

([4]) ديوان القطامي ص38 والمجمل واللسان (دكع).

([5]) الرجز في المجمل واللسان (دكس).

 

 

ـ (باب الدال واللام وما يثلثهما)

(دلم)  الدال واللام أصلٌ يدلُّ على طولٍ وتَهدُّل في سواد. فالأدلم من الرِّجال: الطويل الأسود؛ وكذلك هو من الجِمال والجِبال. وزعم ناسٌ أن الدَّيلم: سوادُ اللّيل وظُلْمته. فأمَّا قول عنترة:

* زَوْرَاءَ تَنْفِرُ عَنْ حِيَاضِ الدَّيْلَمِ([1]) *

فيقال إنّهم الأعداء. فإن كان كذا فالأعداء يُوصَفون بهذا. قال الأعشى:

* هم الأعداء فالأكبادُ سُودُ([2]) *

وقال قومٌ: الديلم مكانٌ أو قبيلٌ. ويقال: جاء بالدَّيْلَم، أي بالدَّاهية. وهذا تشبيهٌ. والدَّلَمُ: الهَدَلُ في الشَّفَة.

(دله)  الدال واللام والهاء أُصَيلٌ يدلُّ على ذَهاب الشّيء. يقال ذهب دَمُ فُلانٍ دَلْهاً، أي بُطْلاً. وَدَلَّهَ عقلَه الحُبُّ وغيرُه، أي أذهب.

(دلي)  الدال واللام والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على مقارَبة الشَّيء ومداناتِه بسُهولةٍ ورِفْق. يقال: أدلَيْتُ الدّلوَ، إذا أرسلْتَها في البئر، فإذا نَزَعْتَ فقد دَلَوْت. والدَّلْو: ضَربٌ من السَّير سهلٌ. قال:

* لا تَعْجَلا بالسَّيْرِ وادلُوَاها([3]) *

والدَّلاَة: الدَّلوُ أيضاً، ويُجْمع على الدِّلاء. فأمَّا قولـه:

آليت لا أُعطي غلاماً أبداً *** دَلاتَه إنِّي أُحِبُّ الأسودا([4])

  فإنّه أراد بِدَلاتِه سَجْلَه ونَصِيبَه من الوُدّ. والأسودُ ابْنهُ.

ويقال أدلى فلانٌ بحجَّته، إذا أتى بها. وأدلى بمالِهِ إلى الحاكم: إذا دَفعَه إليه. قال جلَّ ثناؤه: {وَتُدْلُوا بِهَا إلى الحُكَّامِ} [البقرة 188].

ويقال دلَوْتُ إليه بفلانٍ: استشفعت به إليه. ومن ذلك حديث عمر في استسقائه بالعباس: "اللهمَّ إنّا نتقرَّبُ إليك بعَمِّ نبيِّك، وقَفِيَّةِ آبائه، وكُبْرِ رِجاله. ودلَوْنا به إليك مستَشْفِعِين".

ويحمل على هذا قولهم: جاء فلانٌ بالدَّلْو، أي الدَّاهية. وأنشد:

يحمِلْن عَنْقَاءَ وعَنقَفِيرا([5])

والدَّلْوَ والدَّيْلَمَ والزَّفيرا([6])

  ويقال: دَالَيتُ الرّجلَ، إذا داريتَه([7]). ويقال هو دَلاَّءُ مالٍ، إذا كان سائِس مالٍ وخائِلَه.

(دلب)  الدال واللام والباء ليس بشيء. والدُّلْبُ فيما يقال: شَجَرٌ([8]).

(دلث)  الدال واللام والثاء أصلٌ يدلُّ على الاندفاع. يقال لمدَافع السيل المدالث؛ الواحد مَدْلَثٌ. والناقة الدِّلاث: السريعة. يقال اندلَثَتِ النّاقةُ

تندَلِثُ اندلاثاً. وحكى بعضُهم: دلَثَ الشَّيخُ، مثل دَلَف. ويقال اندلَثَ فُلانٌ على فُلانٍ، إذا اندرَأَ عليه وانصبَّ.

(دلج)  الدال اللام والجيم أصلٌ يدلُّ على سَيرٍ ومَجيءٍ وذَهاب. ولعلَّ ذلك أكثرَ ما كان في خُِفْيَةٍ. فالدَّلَج: سَيْر اللَّيل. ويقال أَدْلَجَ القومُ، إذا قطعوا الليلَ كلَّه سيراً؛ فإِنْ خرَجُوا مِن آخِر الليل فقد ادَّلجوا، بتشديد الدال. ويقال إنَّ أبا المُدْلِج([9]) القُنْفذ، ويزعُمون أنَّ أكثرَ حركتِه باللَّيل. والدَّوْلج: السَّرب. والدَّوْلَج: كِناس الوحشيّ. وهو قياسُ الباب؛ لأنّهما يُستخفَى فيهما.

ثم يُحمَل على الباب، فيقال للذي يأخذ الدَّلو من رأس البئر إلى الحوض: الدَّالج، وذلك المكان المَدْلَج. والفِعل دَلَج يَدْلُجُ دُلُوجا([10]). قال:

كأنَّ رِماحَهُم أَشْطَانُ بِئْرٍ *** لها في كلِّ مَدْلَجةٍ خُدودُ([11])

  وأمَّا قولُ الشَّمَّاخ:

وتشكو بعَينٍ ما أكلَّ ركابَها *** وقيلَ المنَادِي أصبَحَ القومُ أدْلِجِي([12])

  فإنّه حكَى صوتَ المنادِي، أنّه كان مرّةً ينادي: أصبَحَ القَومُ، ومرة ينادي: أدلجي([13])، يَأمُرُ بذلك.

(دلح)  الدال واللام والحاء أُصَيلٌ يدلُّ على مَشْي وثِقَل المحمول. يقول العرب: دَلَحَ البعيرُ بحِمْلِهِ، إذا مشى به بثقَل. وسَحابةٌ دَلوحٌ: كأنَّها تجرِي بمائها، ومن ذلك حديث سَلْمان: "أنّه اشترى هو وأبو الدَّرداءِ لحماً، فتدالَحَاهُ بينهما علىعُودٍ"، أي حَمَلاه ونَهَضَا به. ويقال سحابةٌ دَلوحٌ، وسَحائب دُلَّح. قال:

بينما نَحْنُ مُرْتِعُون بفَلْجٍ *** قالت الدُّلَّحُ الرِّواءُ إنيهِِ([14])

  (دلس)  الدال واللام والسين أصلٌ *يدلُّ([15]) على سَتْرٍ وظُلْمة. فالدَّلَس: دَلَسُ الظَّلام. ومنه قولهم: لا يُدالِسُ، أي لا يُخادع. ومنه التَّدْليس في البيع، وهو أن يبِيعَه من غير إبانةٍ عن عيبه، فكأنّه خادَعَه وأتاهُ به في ظلامٍ.

وأصلٌ آخَرُ يدل على القِلّة. يقول العرب: تدلَّسْتُ الطَّعامَ، إذا أخذْتَ منه قليلاً قليلاً. وأصل ذلك من الأَدْلاس، وهي من النبات رِبَبٌ([16]) تُورِقُ في آخِر الصيف. يقولون: تَدَلَّسَ المالُ، إذا وقع بالأَدلاس([17]).

(دلص)  الدال واللام والصاد تدلُّ على لِينٍ ونَعْمة. فالدِّلاص: الدِّرع الليِّنة. ويقولون: دَلَصت السُّيول الصّخرةَ، كأنها ليَّنَتْها. قال:

* صَفاً دَلَصَتْهُ طَحْمَةُ السَّيلِ أخْلَقُ([18]) *

والدَّليص: البَرَّاق. ويقال اندَلَصَ الشَّيءُ مِن يَدي، إذا سَقَط. وكأنَّ هذا مشتقٌّ، أو تكونُ الدّالُ بدلاً من الميم، وهو من انْمَلَصَ وأَمْلصت المرأة، إذا أَسْقَطَت.

(دلظ)  الدال واللام والظاء أُصَيلٌ يدلُّ على الدَّفْع. يقال دَلَظْته. دَلْظاً، إذا دفَعْتَه. وَحكى بعضُهم: أقبل الجيش يَتَدَلْظَى([19])، إذا دَفَعَ بعضُه بعضاً.

(دلع)  الدال واللام والعين أُصَيلٌ يدلُّ على خُروجٍ. تقول: دَلَعَ لسانُه:  خرجَ. ودَلَعَهُ هو، إِذا أخرجَه. والدَّلِيع: الطريق السَّهل. ويقال اندلَعَ بطنُه، إذا أخرج أمامَه.

(دلف)  الدال واللام والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على تقدُّمٍ في رِفق فالدَّليف: المشْيُ الرُّوَيد. يقال دَلَفَ دَلِيفاً؛ وهو فَوْقَ الدَّبِيب. ودلَفَت الكتيبة في الحرب. قال أبو عُبيد: الدَّلْف: التقدُّم؛ دَلَفْناهم، أي تقدَّمناهم([20]). والدَّالف: السَّهم الذي يقَع دون الغَرَض ثم ينبُو عن موضِعِه.

(دلق)  الدال واللام والقاف أصلٌ واحد مطّرد، يدلُّ على خروج الشيء وتقدُّمه. فالنّاقة الدَّلوق هي التي تَكَسَّرَ أسنانُها فالماء يخرُج من فمها. ويقال اندلَقَ السَّيفُ مِنْ غِمده، إذا خرج من غير أن يُسَلّ. واندلقت أقتابُ بَطْنه، إذا خرجَتْ أمعاؤُه. واندلَقَ السَّيلُ على القَوم، واندلَقَ الجيش. قال طرفة:

دُلُقٌ في غارَةٍ مَسْفُوحَةٍ *** كرِعَال الطَّيرِ أسراباً تَمُرّْ([21])

  وناقة دُلُقٌ: شديدة الدُّفعة. والاندلاق: التقدُّم. وكان يقال لعُمارةَ بن زيادٍ العبسيّ أخِي الرَّبيع: "دالق"([22]).

(دلك)  الدال واللام والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على زَوالِ شيءٍ عن شيء، ولا يكون إلاَّ برِفْق. يقال دَلَكَت الشّمسُ: زالت. ويقال دَلَكَتْ غابت. والدَّلَكُ: وقتُ دُلوك الشَّمس. ومن الباب دَلَكْتُ الشَّيء، وذلك أنّك إذا فعلْتَ ذلك لم تكَدْ يدُك تستقرُّ على مكانٍ دُونَ مكان. والدَّلُوك: ما يتدلَّكُ به الإنسان مِن طِيبٍ وغَيره. والدَّلِيكُ: طعامٌ يُتَّخَذ من زُبدٍ وتَمْرٍ شبه الثّرِيد، والمدلوك: البعير الذي قد دلَكَتْه الأسفار وكَدَّتْه. ويقال بل هو الذي في رُكْبتيه([23]) دَلَكٌ، أي رخاوة؛ وذلك أخَفُّ من الطَّرَق. وفرسٌ مَدلُوك الحَجَبَةِ، أي ليس بحَجَبَتِه إشرافٌ. وأرضٌ مدلوكة، أي مأكولة؛ وذلك إذا كانت كأنّها دُلِكَتْ دَلْكاً. ويقال الدُّلاكة آخِرُ ما يكون في الضَّرع من اللّبن، كأنّه سُمِّي بذلك لأنَّ اليد تَدْلُك الضَّرع.

قال أحمد بن فارس: إنّ لله تعالى في كلِّ شيءٍ سِرّاً ولطيفةً. وقد تأمّلْتَ في هذا الباب من أوّله إلى آخره فلا تَرَى الدّالَ مؤتلفةً مع اللام بحرفٍ ثالث إلا وهي تدلُّ على حركةٍ ومجيءٍ، وذَهابٍ وزَوَالٍ من مكانٍ إلى مكان، والله أعلم([24]).

ــــــــــــــــــ

([1]) من معلقة عنترة. وصدره: * شربت بماء الدحرضين فأصبحت *

([2]) ديوان الأعشى 215 واللسان (سود). وصدره: * فما أجشمت من إتيان قوم *

([3]) الرجز في اللسان (دلا).

([4]) الرجز في اللسان (دلا).

([5]) في الأصل: "والزقرا"، صوابه من المواضع السابقة.

([6]) في الأصل: "وعقنقيرا"، صوابه في اللسان (عنق، خشب، دلا، دلم، زفر)، وأمالي ثعلب 589.

([7]) في الأصل: "دارأته"، صوابه من اللسان.

([8]) في الأصل: "الشجر"، صوابه من المجمل.

([9]) يقال للقنفذ "مدلج" و"أبو مدلج" ذكرهما في القاموس، ولم يذكر في المجمل واللسان إلا الأول.

([10]) ويقال أيضاً دلج يدلج، بكسر اللام في المضارع، دلجا، بالفتح.

([11]) ديوان عنترة 63 واللسان (دلج).

([12]) لم يرد البيت في ديوان الشماخ. وكذا ورد ضبطه في اللسان (دلج، صبح).

([13]) في الأصل هنا وفي متن البيت: "ادلج"، صوابه من اللسان.

([14]) البيت في المجمل. و"إنيه" بكسر الهمزة والنون: كلمة تقال عند الإنكار. انظر اللسان (أنى 53).

([15]) في الأصل: "يقال".

([16]) الربب: جمع ربة بكسر الراء وتشديد الباء، وهي نبتة صيفية.

([17]) الأدلاس: جمع دلس، بالتحريك. وفي الأصل: "بالأدلال" محرف.

([18]) لذي الرمة في ديوانه 396 واللسان (دلص). وصدره: *إلى صهوة تحدو محالا كأنه*

([19]) في الأصل: "شد لظى"، صوابه من المجمل. والذي في اللسان والقاموس: "ادلنظى".

([20]) في الأصل: "التقديم، ولغناهم، أي تقدمنا" صوابه من المجمل واللسان.

([21]) ديوان طرفة 72 واللسان والمجمل (دلق).

([22]) في القاموس وشرحه أنه سمي بذلك لكثرة غاراته.

([23]) في الأصل: "بكيت"، تحريف.

([24]) بنهاية هذه المادة ينتهي الجزء المطبوع من المجمل. وسأستمر في مقابلته بعد ذلك بالنسخة المخطوطة بدار الكتب المصرية برقم 382 لغة.

 

 

ـ (باب الدال والميم وما يثلثهما)

(دمن)  الدال والميم والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ثباتٍ ولزوم. فالدِّمْنُ: ما تَلبَّد من السِّرجين والبَعْر في مَبَاءات النَّعَم؛ وموضع ذلك الدِّمْنةُ، والجمع دِمَن. ويقال دَمَنْتُ الأرض بذلك، مثلُ دَمَلْتُها. والدِّمنة: ما اندفَن من الحِقْد في الصدر*. وذلك تشبيه بما تدمَّن من الأبعار في الدِّمَن. ويقال: دمَّن فلانٌ فِناءَ فُلانٍ، إذا غَشِيَه ولَزِمه. وفلانٌ دِمْنُ مالٍ، مثل قولهم إزاءُ مالٍ. وإنما سُمِّي بذلك لأنّه يلازم المال. ودَمُّونُ: مكانٌ. وكل هذا قياسٌ واحد.

وأمّا الدّمَانُ، فهو عَفَنٌ يُصِيب النَّخْل، فإن كان صحيحاً فهو مشتقٌّ ممّا ذكرْناه من الدِّمْن؛ لأنّ ذلك يَعْفَنُ لا محالة.

(دمث)  الدل والميم والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على لينٍ وسُهولة. فالدَّمَث: اللِّين؛ يقال دَمِث المكانُ يَدْمَثُ دَمَثاً؛ وهو دَمْثٌ وَدَمِثٌ. ويكون ذا رَمْلٍ، ومن ذلك الحديث: "أنّ رسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم مال إلى دَمَثٍ، وقال: إذا بال أحَدُكُم فليرتَدْ لبَوْله([1])". والدّماثة: سُهولة الخُلُق. ويقال دَمِّثْ لي الحديثَ، أي سهِّلْه ووَطِّئْه.

(دمج)  الدال والميم والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على الانطواء والسَّتر. يقال أدمَجْت الحَبلَ، إذا أدرَجْتَه وأحكَمْتَ فَتْلَه. وقال الأصمعيّ في قول أوس:

بَكَيْتمْ على الصُّلح الدُِّماجِ ومِنْكُمُ *** بذِي الرِّمْثِ من وادي هُبَالَة مِقْنَبُ([2])

  قال: هو من دامَجَه دِمَاجاً، إذا وافَقَه على الصُّلح. يقال تدامَجُوا. ويقال فلان على دَمَجِ فُلانٍ، أي على طريقتِه. وكلّ هذا الذي قاله فليس يَبْعُد عمّا ذكَرْناه من الخَفاء والسَّتْر.

(دمخ)  الدال والميم والخاء ليس أصلاً. إنما هو دَمْخٌ: جبلٌ، في قول القائل:

كَفَى حَزَناً أنِّي تطالَلْتُ كَيْ أَرَى *** ذُرَى عَلَمَيْ دَمْخ فما يُريَانِ([3])

  (دمر)  الدال والميم والراء أصلٌ واحد يدلُّ على الدُّخول في البيت وغيرِه. يقال دَمَرَ الرّجُل بيتَه، إذا دَخَلَه. وفرَقَ ناسٌ بين أن يكون دخولُه بإذْنٍ أو غير إذْن، فقال أبو عُبيد في حديث النبي عليه الصلاة والسلام: "مَن اطَّلَعَ في بيتِ قومٍ بغير إذْنٍ فقد دمر"، أي دخل. قال أبو عبيد: هذا إذا كان بغير إذْن، فإن كان بإذنٍ فليس بدُمُور. وهذا تفسيرٌ شرعيّ، وأمّا قِياس الكلمة فما ذكرناه أوَّلاً. ومنه قول أوس:

فلاقَى عليه من صُبَاحَ مُدَمِّراً *** لناموسه من الصَّفيحِ سَقائفُ([4])

قال الشّيبانيُّ والأصمعيُّ: المدمِّر الداخل في القُتْرة. ويقال دَمَر القُنفذُ إذا دخَلَ جُحْره. وقال ناسٌ: المدَمّر الصّائد يدخِّن بأوبار الإبلِ وغيرِها حتّى لا يَجد الصَّيدُ رِيحَه. والذي عندنا أنّ المدمّر هو الدّاخِلُ قُتْرتَه، فإِذا دخَلَها دَخّن. وليس المدمِّر من نعت المُدَخِّن، والقياس لا يقتضيه. وقال الله تعالى([5]): {دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا} [محمد 10]. والدَّمار: الهلاك. ويقال إن التّدْمُرِيَّ: ضَربٌ من اليَرابيع. فإِن كان صحيحاً فهو القياس، لأنه يدمِّر في جِحَرَتِه.

(دمس)  الدال والميم والسين أصلٌ واحد يدلُّ على خَفاء الشّيء. ومن ذلك قولُهم: دَمَّسْتُ الشيء، إِذا أخفَيْتَه. وأتانا بأُمورٍ دُمْس مثل دُبْس، وهي الأمور التي لا يُهْتَدَى لوَجْهها. ويقولون: دَمَس الظّلامُ: اشتدَّ. ومنه الدِّيماس، يقال إنّه السَّرَب. وهو ذلك التماس([6]). وفي حديث عيسى عليه السلام: "كأنّمَا خَرَج مِن دِيماسٍ".

(دمص)  الدال والميم والصاد ليس عندي أصلاً. وقد ذُكِرَتْ على ذاك فيه كلماتٌ إنْ صحَّتْ فهي تتقارَبُ في القياس. يقولون الدَّوْمَصُ: بَيضة الحديد، فهذا يدلُّ على مَلاسَةٍ في الشّيء. ثم يقولون لمَنْ رَقَّ حاجبُه أدْمَصُ، وهو قريبٌ من ذلك. ويقال إنّ كل عِرْق من حائطٍ دِمْصٌ. وفي كلِّ ذلك نَظَرٌ.

(دمع)  الدال والميم والعين أصلٌ واحد يدلُّ على ماءٍ أو عَبْرةٍ([7]). فمن ذلك الدَّمْع ماءُ العَين، والقَطرةُ دَمْعةٌ. والفِعْل دَمَعَتِ العينُ دَمْعاً ودَمِعَتْ دَمَعاً* ودَمَعَتْ دُمُوعاً أيضاً. وعينٌ دامعةٌ. وجمعُ الدَّمْع دُموع. قال الخليل: المَدْمَع مجتَمَع الدَّمع في نَوَاحي العَيْن، والجميع المَدامع. ويقال امرأة دَمِعَةٌ: سريعةُ البكاء كثيرةُ الدَّمْع. ويقال شَجَّةٌ دامعةٌ: تسيل دَماً. كذا هو في كتاب الخليل. والأصحُّ مِن هذا أنّ التي تسيلُ دماً هي الدَّامِية، فأمّا الدّامعة، فأمْرُها دون ذلك، لأنّها التي كأنّها يَخْرُج منها ماءٌ أحمرُ رقيق، وذكر اليزيديُّ أنّ الدُّمَاع أَثَرُ الدَّمْع على الخَدّ. وأنشد:

يا مَنْ لِعَينٍ لا تَنِي تَهْماعَا *** قد تَرَك الدّمْعُ بها دِمَاعا([8])

  ويقال دُماعاً. والدُّماع مخفَّف ومثقّل: ما يَسِيل من الكَرْم أيَّامَ الرَّبيع.

(دمغ)  الدال والميم والغين كلمةٌ واحدة لا تتفرّع ولا يقاس عليها. فالدِّماغ معروف. ودَمَغْتُه: ضربْتُه على رأسِه حتّى وصلْتُ إلى الدماغ. وهي الدّامِغة([9]).

(دمق)  الدال والميم والقاف ليس أصلاً، وإن كانوا قد قالوا دَمَقَ في البيت واندمَقَ، إذا دخَل، وإنَّما القاف فيما يُرَى مبدلةٌ مِن جيم، والأصل دَمَج، وقد مضى ذِكْرُه.

(دمك)  الدال والميم والكاف يدلُّ على معنيين: أحدهما الشِّدَّة، والآخر السُّرعة؛ وربَّما اجتمع المعنيانِ.

فأمَّا الشِّدّة فالدَّمَكْمَكُ: الشديد. والدّامِكَة: الدّاهية والأمرُ العظيم. والمِدْماك: الخشبة تكون تحت قدمَي السّاقي.

وأمّا الآخر فيقال إنّهم يقولون دَمَكَتِ الأرنب، إذا أسرعَتْ في عَدْوِها. والدَّموك: البَكَرْة العظيمة. فقد اجتمع فيها المعنيانِ: الشدّة، والسُّرعة. والدَّموك: الرَّحَى. وهي في المعنى والبَكَرة سواءٌ.

(دمل)  الدال والميم واللام أُصَيلٌ يدلُّ على تجمُّع شيءٍ في لِينٍ وسُهولة. من ذلك اندمَلَ الجُرْح؛ وذاكَ اجتماعُه في بُرْءٍ وصَلاح. ودُمِلت الأرض بالدَّمَال، وهو السِّرجين. ودامَلْتُ الرَّجُل، إذا داجَيْته. وهو ذلك القياسُ؛ لأنّه مقارَبةٌ في سهولةٍ، والدُّمّل عربيٌّ، وهو قياسُ ما ذكرناه من التجمُّع في لِينٍ. ألا ترى أنّ أبا النجم يقول:

* وامْتَهَدَ الغارِبُ فِعْلَ الدُّمَّلِ([10]) *

والله أعلم.

ــــــــــــــــــــ

([1]) في اللسان: "وإنما فعل لئلا يرتد إليه رشاش البول".

([2]) الدماج ككتاب وغراب. والبيت في ديوان أوس بن حجر ص2. ويوم هبالة من أيامهم. وفي الديوان: "ولم يكن* بذي الرمث من وادي تبالة".

([3]) البيت لطهمان بن عمرو الكلابي، كما في اللسان (دمخ)، وقصيدته في معجم البلدان (دمخ).

([4]) صباح بالضم: اسم لعدة قبائل. عليه، أي على "المنهل" في بيت قبله، وهو:

فأوردها التقريب والشد منهلا *** قطاه معيد كرة الورد عاطف

انظر الديوان 16. وفي اللسان: "عليها" تحريف، كما أن "صباح" ضبطت فيه بفتح الصاد خطأ.

([5]) بدلها في الأصل: "ويقال" فقط.

([6]) كذا في الأصل.

([7]) في الأصل: "أو غيره"، وهو كلام لا يصح.

([8]) البيتان في اللسان (دمع). واقتصر في اللسان على ضبط هذه الكلمة بالضم. وضبط متن البيت وتذييله هو من الأصل. ولم ترد الكلمة في القاموس.

([9]) أي الضربة. وفي الأصل: "وهي الدماغ"، صوابه من اللسان.

([10]) البيت في اللسان (مهد، دمل). وسيعيده في (مهد) وكذا في (3: 159).

 

 

ـ (باب الدال والنون وما يثلثهما في الثلاثي)

(دنـي) الدال والنون والحرف المعتل أصلٌ واحد يُقاس بعضُه على بعض، وهو المقارَبَة. ومن ذلك الدّنِيُّ، وهو القَريب، مِن دنا يدنُو. وسُمِّيت الدُّنيا لدنوّها، والنِّسبة إليها دُنْياوِيّ. والدَّنِيُّ من الرجال: الضعيف الدُّونُ، وهو مِن ذاكَ لأنّه قريب المأخذ والمنزلة. ودانَيْت بين الأمرَين: قاربْتُ بينهما. وهو ابن عَمِّهِ دُِنْيا(1) ودِنْيَةً. والدّنِيُّ: الدُّون، مهموز. يقال رجلٌ دنيءٌ، وقد دَنُؤَ يَدْنُؤُ دَناءةً(2). وهو من الباب أيضاً، لأنّه قريبُ المنزِلة. والأدْنَأُ من الرّجال: الذي فيه انكبابٌ على صدرِهِ. وهو من الباب، لأنّ أعلاه دانٍ من وَسطه. وأدْنَتِ الفَرَسُ وغيرُها، إذا دنا نِتاجُها. والدَّنِيّة: النقيصة. وجاء في الحديث: "إذا أكْلتُم فَدَنُّوا" أي كلُوا ممّا يلِيكُم مما يدنُو منكم. ويقال لقيتُه أدنَى دَنِيٍّ، أي أوّل كلِّ شيء.‏

(دنب) الدال والنون والباء لا أصل له. على أنّهم قد قالوا: رجلٌ دِنَّبَةُ ودِنَّابَةٌ، وهو القَصير. وهذا إن صحّ فهو من الإبدال لأن الأصل الميم دِنَّمَةٌ.‏

(دنخ) الدال والنون والخاء ليس أصلاً يُعوَّل عليه. وقد قالوا دنَّخ الرجل، إذا ذَلّ ونكَّسَ رأسه. وأنشدوا:‏

* إذا رآنِي الشُّعراءُ دنَّخُوا(3) *‏

ويقولون: إِنّ التّدنيخ في البِطّيخة أن تنْهزِمَ إلى داخِلِها. ويقولون: التَّدنيخ: ضَعْف البَصَر. ويقال* دَنَّخَ في بيته، إذا أقامَ ولم يبرَحْ. فإِن كان ما ذُكر من هذا صحيحاً فكله قياسٌ يدلُّ على الضَّعف والانكسار.‏

(دنس) الدال والنون والسين كلمةٌ واحدة، وهي الدَّنَس، وهو اللَّطْخ بقبيحٍ.‏

(دنع) الدال والنون والعين أصلٌ يدلُّ على ضَعْف وقِلَّةٍ ودناءة. فالرجل الدَّنِع: الفَسْل الذي لا خَيرَ فيه. والدَّنَعُ: الذلّ. ويزعمون أنّ الدَّنَعَ ما يطرَحُه الجازرُ من البعير إذا جُزِر.‏

(دنف) الدال والنون والفاء أصلٌ يدلُّ على مشارَفَةِ ذَهاب الشيء. يقال دَنِفَ الأمرُ، إذا أشرَفَ على الذَّهاب والفَراغ منه. والدَّنَف: المرضُ الملازم؛ والمريض دَنَفٌ، كأنّه قد قارب الذَّهاب؛ لا يثنَّى ولا يجمع. فإنْ قلتَ دَنِفٌ ثَنَّيتَ وَجمعت. فأمّا قولُ العجّاج:‏

* والشّمسُ قد كادَت تكونُ دَنَفا(4) *‏

فهو من الباب؛ لأنّه يريد اصفرارَهَا ودنُوِّها للمَغيب. وقد يقال منه أَدْنَفَتْ.‏

(دنق) الدال والنون والقاف قريبٌ مِن الذي قبْلَه. يقال دَنَّقَ وجْهُ الرجُل، إذا اصفرَّ من المرض. ودنَّقَت الشّمس، إذا دانَت الغُروبَ.‏

(دنم) الدال والنون والميم أصلٌ يدلُّ على ضعْفٍ وقِلَة. فالتَّدنيم: الإسفاف للأمور الدنيّة(5). والدِّنَّامة: الرجلُ القصير؛ ذكره الفَرّاء. ويقولون: الدِّنَّامة: النَّملة الصَّغيرة(6).‏

(دنر) الدال والنون والراء كلمةٌ واحدة، وهي الدِّينار. ويقولون: دَنَّرَ وَجْهُ فُلانٍ، إذا تلأْلأَ وأشْرَق. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) بكسر الدال وسكون النون منون وغير منون، وكذلك دنيا، بالضم مقصور.‏

(2) ويقال أيضاً من بان "منع".‏

(3) للعجاج في ديوانه 14 واللسان (دنخ). وفي اللسان: "وإن رآني".‏

(4) ديوان العجاج 82 واللسان (دنف).‏

(5) في الأصل: "والتنديم الإسعاف للأمور" تحريف. والكلمة لم ترد في اللسان. وفي القاموس "والتدنيم: النذالة". وأثبت ما في المجمل.‏

(6) ذكرت في القاموس، ولم تذكر في اللسان.‏

 

 

ـ (باب الدال والهاء وما يثلثهما)

(دهي)  الدال والهاء والحرف المعتلّ يدلُّ على إصابة الشّيء بالشيء بما لا يَسُرُّ. يقال ما دَهَاه: أيْ ما أصابه. لا يقال ذلك إلاّ فيما يسوء. ودواهِي الدَّهر: ما أصابَ الإِنسانَ من عظائم نُوَبِه. والدَّهْي: النُّكْر وجَودةُ الرّأي؛ وهو من الباب؛ لأنَّه يُصِيب برأيه ما يريدُه.

(دهر)  الدال والهاء والراء أصلٌ واحد، وهو الغَلَبة والقَهْر. وسُمِّي الدّهرُ دَهْراً لأنَّه يأتي على كلِّ شيءٍ ويَغلِبُه. فأمّا قولُ النبيّ صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تسبُّوا الدَّهْرَ فإنَّ اللهَ هُوَ الدّهر"، فقال أبو عبيد: معناه أنّ العربَ كانوا إذا أصابتْهم المصائبُ قالوا: أبادَنَا الدّهرُ، وأتَى علينا الدّهر. وقد ذكروا ذلك في أشعارهم. قال عمرو الضُّبَعِيّ([1]):

رَمَتْنِي بناتُ الدَّهرِ من حيثُ لا أَرَى *** فكيفَ بمن يُرمَى وليس بِرَامِ

فلو أنَّنِي أُرمَى بنَبْلٍ تَقَيْتُها *** ولكنَّني أُرمَى بغير سهامِ

  وقال آخر([2]):

فاستأثَرَ الدّهرُ الغَدَاةَ بهمْ *** والدّهرُ يرمِينِي وما أَرْمِي

يا دهرُ قد أكثَرْتَ فَجْعَتَنا *** بسَرَاتنا ووقَرْتَ في العَظْمِ([3])

وسلَبْتَنَا ما لستَ تُعِْقبُنا *** يا دَهرُ ما أنصفْتَ في الحُكْمِ

  فأعلَمَ رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم، أن الذي يفعل ذلك بهم هو الله جلّ ثناؤُه، وأنّ الدّهرَ لا فِعلَ له، وأنّ مَن سَبَّ فاعِلَ ذلك فكأنّه قد سَبَّ ربّه، تبارك وتعالى عمّا يقول الظالمون عُلُوّاً كبيراً.

وقد يحتمل قياساً أن يكون الدَّهرُ اسماً مأخوذاً من الفِعْل، وهو الغَلَبة، كما يقال رجل صَوْمٌ وفِطرٌ، فمعنى لا تسبُّوا الدَّهْرَ، أي الغالبَ الذي يقهركم ويغلِبُكم على أموركم.

ويقال دَهْرٌ دَهِيرٌ، كما يقال أبدٌ أبِيدٌ. وفي كتاب العين: دَهَرَهُم أمْرٌ، أي نزَل بهم. ويقولون ما دَهْرِي كذا، أي ما همّتِي([4]). وهذا توسُّعٌ في التفسير، ومعناه ما أشغَلُ دهرِي به. فأمَّا الهمَّة فما تُسمَّى دهراً. والدَّهْوَرَة: جَمْع الشيء وقَذْفُه في مَهواةٍ؛ وهو قياس الباب.

(دهس)  الدال والهاء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على لِين في مكان. فالدَّهْسُ: المكان الليِّن؛ وكذلك الدَّهَاس. والدُّهْسَة: لونٌ كلون الرَّمْل.

(دهش)  الدال والهاء* والشين كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها. يقال دُهِشَ، إذا بُهِت، ودَهِشَ دَهَشاً.

(دهق)  الدال والهاء والقاف يدلُّ على امتلاءٍ في مجيءٍ وذَهاب واضطراب. يقال أدْهَقْتُ الكأسَ: ملأتُها. قال الله تعالى: {وَكَأْساً دِهَاقاً} [النبأ 34]. والدَّهْدَقَةُ: دَوَرَان البَضْعة الكبيرة في القِدْر، تعلو مَرَّةً وتسفُل أخْرى.

(دهك)  الدال والهاء والكاف ليس بشيءٍ. وذكر ابن دُريد دَهَكْتُ الشّيءَ أدْهَكُه، إذا سحقتَه([5]).

(دهل)  الدال والهاء واللام ليس بشيءٍ. ويقولون: مَرَّ دَهْلٌ من اللَّيل، أي طائفة. ويقولون لا دَهْلَ، أي لا بأس. وهذه نَبَطِيَّةٌ لا معنَى لها([6]).

(دهم)  الدال والهاء والميم أصلٌ يدلُّ على غِشيانِ الشّيء في ظلامٍ ثم يتفرّع فيستوي الظَّلامُ وغيرُه يقال مَرَّ دَهمٌ من اللَّيل، أي طائفةٌ. والدُّهمة: السَّواد. والدُّهَيْماءُ: تصغير الدَّهماء، وهي الدَّاهية، سُمِّيت بذلك لإظلامها.

ومن الباب الدَّهْم: العدد الكثير. وادْهامَّ الزّرعُ، إذا عَلاه السَّوادُ رِيّاً. قال الله جلّ ثناؤُه في صِفة الجنَّتين: {مُدْهَامَّتَانِ} [الرحمن 64]، أي سَوداوانِ في رأي العَين، وذلك للرّيّ والخُضْرة. ودَهمَتْهم الخيلُ تدهَمُهم، إذا غَشِيَتْهُم. والدَّهماء: القِدْر.

(دهن)  الدال والهاء والنون أصلٌ واحد يدلُّ على لِينٍ وسُهولةٍ وقِلَّة. من ذلك الدُّهْن. ويقال دَهَنْتُه أَدْهُنُه دَهْنا. والدِّهان: ما يُدْهَن به. قال الله عزّ وجلّ: {فَكَانَتْ وَرْدَةً كالدِّهَانِ} [الرحمن 37]. قالوا: هو دُرْدِيُّ الزَّيت. ويقال دَهَنَه بالعصا دَهْناً، إذا ضربَه بها ضرْباً خفيفاً.

ومن الباب الإدهان، من المُداهَنَة، وهي المصانَعة. داهَنْتُ الرجُلَ، إذا واربْتَه وأظهرْت له خلاف ما تُضْمِرُ له([7])، وهو من الباب، كأنّه إذا فعل ذلك فهو يدهُنُه ويسكِّن منه. وأدْهَنْتُ إدهاناً: غَشَشْتُ، ومنه قولُه جلَّ ثناؤُه: {وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ} [القلم 9]. والمُدْهُنُ: ما يُجْعَل فيه الدُّهن، وهو أحد ما جاء على مُفْعُلٍ مما يُعْتَمَلُ وأَوَّلُه ميم. ومن التشبيه به المُدْهُن: نُقْرَةٌ في الجَبل يَستَنْقِعُ فيها الماء، ومن ذلك حديث النَّهديّ([8]): "نَشِفَ المُدْهُنُ، ويَبِسَ الجِعْثِنُ". والدَّهِينُ: الناقة القليلةُ الدَّرّ. ودهَنَ المطرُ الأرضَ: بَلَّها بَلاًّ يَسيراً. وبنو دُهْنٍ: حيٌّ من العرب، وإِليهم ينسب عَمَّارٌ الدُّهْنيّ. والدَّهْناء: موضعٌ، وهو رملٌ ليِّن، والنسبة إليها دَهناوِيٌّ. والله أعلم.

ــــــــــــــــــــتت

([1]) في الأصل: "الضابع"، وإنما هو عمرو بن قميئة بن سعد بن مالك بن ضبيعة. انظر المعمرين 62، 89 ومعجم المرزباني 200 والخزانة (1: 338) حيث أنشد الشعر له.

([2]) هو الأعشى. انظر ملحقات ديوانه 258 واللسان (وقر).

([3]) في الأصل: "وقد قرت"، تحريف.

([4]) في المجمل وغيره: "ما همي"، ولكن هكذا ورد هنا وفيما يتلوه من التعقيب.

([5]) الجمهرة (2: 298).

([6]) كذا. وفي المجمل: "ولا دهل بالنبطية، أي لا تخف".

([7]) في الأصل: "خلاف ما يضمرونه".

([8]) هو طهفة بن أبي زهير النهدي. انظر النهاية لابن الأثير، وما سيأتي في مادة (رسل).

 

 

ـ (باب الدال والواو وما يثلثهما)

(دوي)  الدال والواو والحرف المعتل. هذا بابٌ يتقارب أصولُه، ولا يكاد شيءٌ [منه] ينقاس، فلذلك كتبْنا كلماتِه على وُجوهها. فالدَّوِيُّ دَوِيُّ النَّحل، وهو ما يُسمع منه إذا تجمَّع. والدَّواء معروف، تقول داوَيتُه أُداوِيه مُداواة ودِواءً. والدَّواة: التي يُكتَب منها، يقال في الجمع دُويٌّ ودِوِيٌّ([1]). قال الهذَليّ([2]):

عَرَفْتَُ الدّيارَ كرَقْم الدُِّوِ *** يِّ حَبَّرَهُ الكاتبُ الحِميريُّ([3])

  والدَّاء من المرض، يقال دَوِيَ يَدْوَى، ورجلٌ دَوٍ وامرأةٌ دوِيةٌ. يقال داءت الأرضُ، وأداءَتْ، ودوِيَت دَوىً، من الدّاء. ويقال: تركتُ فلاناً دَوىً ما أرى به حياةً. ويشبَّه الرّجُل الضَّعيفُ الأحمق به، فيقال دوىً. قال:

وقد أقُودُ بالدَّوَى المُزَمَّلِ *** أخْرَسَ في الرّكب بَقَاقَ المنْزِلِ([4])

  ودَوَّى الطّائرُ، إذا دار في الهواء ولم يحرِّك جَناحَيه. والدُِّواية: الجُلَيْدَة التي تعلو اللّبَنَ الرائب. يقال ادَّوَى يَدَّوِي ادِّوَاءً. قال الشاعر:

بدا مِنْكَ غِشٌّ طالَمَا قد كَتْمْتَه *** كما كتمَتْ داءَ ابنِها أمُّ مُدَّوِي([5])

  (دوح)  الدال والواو والحاء كلمة واحدة، وهي الدَّوْحة: [الشجرة([6])] العظيمة، والجمع الدَّوْحُ. *قال:

* يكُبُّ عَلَى الأذقانِ دَوْحَ الكَنَهْبَلِ([7]) *

(دوخ)  الدال والواو والخاء أصل واحد يدلُّ على التَّذْليل. يقال دوّخناهم؛ أي أذللناهم وقَهرناهم. وداخُوا، أي ذَلُّوا.

(دود)  الدال والواو والدال ليس أصلاً يفرَّع منه. فالدُّود معروف. يقال دَادَ الشيءُ يَدَادُ، وأَدادَ يَدِيدُ. والدَّوَادِي: آثار أراجِيح الصِّبيان، واحدتُها دَوْدَاةٌ.

(دور)  الدال والواو والراء أصلٌ واحد يدلُّ على إحداق الشيء بالشيء من حوالَيه. يقال دارَ يدُور دَوَراناً. والدّوَّارِيُّ: الدَّهر؛ لأنَّه يَدُور بالنَّاس أحوالاً. قال:

* والدَّهْرُ بالإنْسان دَوَّارِيُّ([8]) *

والدُّوَار، مثقَّل ومخفّف: حَجَرٌ كان يُؤخذ من الحرم إلى ناحيةٍ ويُطافُ به،ويقولون: هو من جِوار الكعبة التي يُطافُ بها. وهو قوله:

* كما دَارَ النِّساء على الدُّوَارِ *

وقال:

تركتُ بني الهُجَيمِ لهم دُوَارٌ *** إذا تمضي جماعتُهمْ تَدُورُ

  والدُّوَار في الرأس هو من الباب، يقال دِير به وأُدِير به، فهو مَدُورٌ به ومُدَار به. والدَّائرة في حَلْق الفرس: شُعَيرات تدور؛ وهي معروفة. ويقال دارت بهم الدوائر، أي الحالات المكروهة أحدقت بهم. والدار أصلها الواو. والدار: القبيلة. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "ألاَ أُنَبِّئكم بخَيْر دُورِ الأنصار؟". أراد بذلك القبائلَ. ومن ذلك الحديث الآخَر: "فلم تَبْقَ دارٌ إلاّ بُنِي فيها مَسجد". أي لم تَبق قبيلةٌ. والدّارِيُّ: العطّار. قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "مَثَلُ الجليسِ الصَّالحِ كَمثل الدّارِيّ إِنْ لم يُحْذِك مِن عِطره عَلِقَكَ مِن ريحه".أراد العَطَّار. وقال الشاعر:

إذا التّاجرُ الداريُّ جاءَ بفارةٍ *** مِن المِسك راحَتْ في مفارقها تَجْرِي([9])

  وإنَّما سُمِّي داريّاً من الدّار، أي هو يسكن الدّار([10]). والدّارِيّ: الرجُل المقيم في داره لا يَكاد يَبْرَح. قال:

لَبِّثْ قليلاً يلْحَقِ الدَّارِيُّونْ *** ذَوُو الجيادِ البُدَّنِ المَكْفِيُّونْ([11])

  والدَّارة: أرضٌ سَهلٌة تدور بها جِبال، وفي بِلاد العرب منها داراتٌ كثيرة. وأصل الدار دَارةٌ. قال:

له داعٍ بمكّةَ مُشْمَعِِلٌّ *** وآخَرُ فوقَ دارته ينادِي([12])

إلى رُدُحٍ من الشِّيزَى مِلاَءٍ *** لُبابَ البُرِّ يُلْبَكُ بالشِّهاد

  وقال في جمع دارةٍ دارتٍ:

تربَّصْ فإِن تُقْوِ المَرَوْرَاةُ منهمُ *** وداراتُها لا تُقْوِ مِنْهُمْ إذاً نَخْلُ([13])

  ودارات العرب المشهورة([14]): دارة جُلْجُل، ودارة السَّلَم، ودارة وَُشْحَى([15])، ودارة صُلْصُل، ودارة مَأْسَلٍ، ودارة خَِنْزَرٍ([16])، ودارة الدُّور، ودارة الجَأْب، ودارة يَمْعُون([17])، ودارة مَكْمَِنٍ([18])، ودارة رَهْبَى([19])، ودارة جَوْدَاتٍ([20])، ودارة الأرْآم، ودارة الرُّهَا، ودارة تَِيل([21])، ودارة الصَّفائح، ودارة هَضْبِ القَليب، ودارة صارة، ودارة دَمُّون، ودارة رُمْح، ودارة المَلِكَة([22])، ودارة مَلْحُوب، ودارة مِحْصَرٍ([23])، ودارة أَهْوَى، ودارة الجُمُْد،  ودارة رِمْرِم ، ودارة قُرْح، ودارة اليَعْضيد([24])، ودارة الخَرْج، ودارة رَدْم([25])، ودارة جُدَّى([26])، ودارة النِّصَاب.

(دوس)  الدال والواو والسين أُصَيْلٌ، وهو دَوْس الشَّيء. تقول دُسْتُه؛ والذي يُداسُ به مِدْوَسٌ. وحُمِل عليه قولُهم لما يَسُنُّ به الصَّيْقَلُ السّيفَ مِدوَسٌ، كأنَّه عند اتِّكائه عليه كالذي يَدُوس الشَّيء. قال:

وأبيضَ كالغَدير ثَوَى عليه *** فُلانٌ بالمَدَاوِسِ نِصْفَ شَهْرٍ([27])

  (دوش)  الدال والواو والشين كلمةٌ واحدةٌ لا يفرَّع منها. يقال دَوِشَتْ عينه تَدْوَش دَوَشاً، إذا فَسَدَت مِن داءٍ. ورجل أَدْوَشُ بَيِّنُ الدَّوَش.

(دوف)  الدال والواو والفاء كلمةٌ واحدة. يقال دُفْتُ الدّواءَ دَوْفاً.

(دوق)  الدال والواو والقاف ليس أصلاً ولا فيه ما يُعَدُّ لغةً، لكنهم يقولون: مائِقٌ *دائق.

(دوك)  الدال والواو والكاف أصلٌ واحد يدلُّ على ضَغْطٍ وتزاحُم. فيقولون: دُكْتُ الشيءَ دَوْكاً. والمَدَاك: صَلايَة الطِّيب، يَدُوك عليها الإنسان الطِّيبَ دَوْكاً. قال:

* مَدَاكَ عَرُوسٍِ أو صَلاَيَةَ حَنْظَلِ([28]) *

ويقال باتَ القوم يَدُوكُون دَوْكاً، إذا باتُوا في اختلاطٍ. ومن ذلك الحديث: أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم [قال] في خيبر: "لأُعْطِيَنَّ الرَّايةَ غداً رجُلاً يحبُّ الله ورسولَه يَفْتَحُ اللهُ على يَدِه"، فباتَ النَّاسُ يَدُوكون([29]). ويقال تداوَكَ القومُ، إذا تضايَقُوا في حَرْبٍ أو شَرّ.

(دول)  الدال والواو واللام أصلان: أحدُهما يدلُّ على تحوُّل شيءٍ من مكان إلى مكان، والآخر يدلُّ على ضَعْفٍ واستِرخاء.

أمَّا الأوَّل فقال أهل اللغة: انْدَالَ القومُ، إذا تحوَّلوا من مكان إلى مكان. ومن هذا الباب تداوَلَ القومُ الشّيءَ بينَهم: إذا صار من بعضهم إلى بعض، والدَّولة والدُّولة لغتان. ويقال بل الدُّولة في المال والدَّولة في الحرب، وإِنَّما سُمِّيا بذلك من قياس الباب؛ لأنّه أمرٌ يتداوَلُونه، فيتحوَّل من هذا إلى ذاك، ومن ذاك إلى هذا.

وأمَّا الأصل الآخَر فالدَّوِيلُ من النَّبْت: ما يَبِس لعامِهِ. قال أبو زيد: دال الثَّوبُ يَدوُل، إذا بَلِيَ. وقد جعل [وُدُّهُ([30])] يَدُول، أي يبلى. ومن هذا الباب انْدَالَ بَطْنُه، أي استَرخَى.

(دوم)  الدال والواو والميم أصلٌ واحد يدلُّ على السُّكون واللُّزوم. يقال دامَ الشّيءُ يَدُومُ، إذا سكَنَ. والماء الدّائم: السَّاكن. ونَهَى رسولُ الله صلى الله عليه وآله وسلم أن يُبَالَ في الماء الدائم ثم يُتَوَضَّأَ منه. والدليل على صحّة هذا التأويل أنّه روي بلَفْظَةٍ أُخرى، وهو أنّه نَهَى أن يُبَالَ في الماء القائم. ويقال أَدمْتُ القِدْرَ إدامةً، إذا سكَّنْتَ غليانَها بالماء. قال الجعديُّ:

تفورُ علينا قِدْرُهم فَنُدِيمُها *** ونَفْثَؤُها عَنَّا إِذَا حَمْيُها غَلا([31])

  ومن المحمول على هذا وقياسُه قياسُه، تدويم الطّائِر في الهواء؛ وذلك إذا حلَّق وكانت له عندها كالوقفة. ومن ذلك قولهم: دَوّمت الشَّمْسُ في كبد السماء، وذلك إذا بلغت ذلك الموضع. ويقول أهلُ العلم بها: إنْ لها ثَمَّ كالوَقْفة، ثم تَدْلُك. قال ذو الرُّمَّة:

* والشمسُ حَيْرَى لها في الجَوِّ تَدْوِيمُ([32]) *

أي كأنَّها لا تمضِي. وأما قولُه يصف الكلاب:

حتَّى إذا دوَّمَت في الأرض راجَعَهُ *** كِبْرٌ ولو شاءَ نَجَّى نَفْسَه الهَرَبُ([33])

  فيقال إنّه أخطأ، وإنَّما أراد دَوَّتْ فقال دَوَّمَتْ، وقد ذُكر هذا في بابه. ويقال: دَوَّمْتُ الزّعفرانَ: دُفْتُه؛ وهو القياسُ لأنّه يسكُن فيما يُداف فِيه. واستَدَمْتُ الأمْرَ، إذا رفَقْتَ به([34]). وكذا يقولون. والمعنى أنّه إذا رَفَقَ به ولم يعْنُف ولم يَعْجَل دامَ له. قال:

فلا تَعْجَلْ بأمْرِكَ واستدِمْهُ *** فما صَلَّى عَصَاكَ كَمُسْتَدِيم([35])

  وأما قولُه:

* وقد يُدَوِّمُ رِيقَ الطَّامِعِ الأمَلُ([36]) *

فيقولون: يُدوِّم يَبُلُّ، وليس هذا بشيء، إنَّما يدوِّم يُبْقِي؛ وذلك أنّ اليائِسَ يجفُّ ريقُه. والدِّيمة: مطرٌ يدُومُ يوماً وليلةً أو أكثر.

ومن الباب أنّ عائشة [رضي الله عنها] سُئلت عن عمل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقالت: "كان عملُهُ دِيمَة" أي دائماً. والمعنى أنّه كان يَدُوم عليه، سواء قلَّلَ أو كثَّر، ولكنه كان لا يُخِلّ. تعني بذلك في عبادته صلى الله عليه وسلم. فأمّا قولهم دوَّمَتْه الخمر، فهو من ذاك؛ لأنها تُخَثّره حتَّى تسكُن حركاته. والدَّأْمَاءُ: البَحْر، ولعلّه أن يكون من الباب؛ لأنّه ماءٌ مقيمٌ لا يُنْزَح ولا يَبْرَح. قال:

واللَّيْلُ كالدَّأماءِ مستشعِرٌ *** مِن دُونِهِ لوناً كلَوْن السَُّدُوسْ([37])

  (دون)  الدال والواو والنون أصل* واحِد يدلُّ على المداناةِ والمقاربة. يقال هذا دُونَ ذاك، أي هو أقرَبُ منه. وإِذا أردْتَ تحقيرَه قلتَ دُوَيْنَ. ولا يُشتقُّ منه فِعْلٌ. ويقال في الإِغراء: دُونَكَهُ! أي خُذْه، أقرُبْ منه وقرِّبْه منك. ويقولون أمرٌ دُونٌ، وثوب دُونٌ، أي قريبُ القِيمَة. قال القتيبـيّ: دانَ يَدُونُ دَوْناً، إذا ضَعُف، وأُدِين إدانةً. وأنشدوا:

* وعَلا الرَّبْرَبَ أَزْمٌ لم يُدَنْ([38]) *

أي لم يُضْعَف. وهو عنده من الشَّيء الدُّون، أي الهيِّن. فإِن كان صحيحاً فقياسُه ما ذكرناه.

(دوه)  الدال والواو والهاء ليس بشَيء. يقولون: الدَّوْه: التحيُّر.

ـــــــــــــــــــ

([1]) ويقال أيضاً دوى، كصفاة وصفا.

([2]) هو أبو ذؤيب الهذلي. والبيت مطلع قصيدة له في ديوانه 64.

([3]) في الديوان: "كرقم الدواة يزبرها" فالضمير فيه للرقم بتأويله بمعنى الصحيفة. وفي اللسان (دوا): "كخط الدوى حبره".

([4]) البيتان نسبا إلى أبي النجم العجلي في الجمهرة (1: 36). وأنشدهما في اللسان (بقق، دوا). وقد سبقا في (بق 1: 186).

([5]) البيت ليزيد بن الحكم الثقفي، من قصيدة لـه في أمالي القالي (1: 68) وأمالي ابن الشجري  (1: 176) والأغاني (11: 96) والخزانة (1: 496). وأنشده في اللسان (دوا) وعقب عليه بقولـه: "وذلك أن خاطبة من الأعراب خطبت على ابنها جارية، فجاءت أمها إلى أم الغلام تنظر إليه، فدخل الغلام فقال: أأدوي يا أمي؟ فقالت: اللجام معلق بعمود البيت! أرادت بذلك كتمان زلة الابن وسوء عادته".

([6]) التكملة من المجمل واللسان.

([7]) لامرئ القيس في معلقته. وصدره: * فأضحى يسح الماء حول كتيفة *

([8]) للعجاج في ديوانه 66 واللسان (دور).

([9]) البيت في اللسان (دور).

([10]) الحق أنه منسوب إلى "دارين" وهي فرضة بالبحرين يجلب إليها المسك.

([11]) الرجز في اللسان (دور).

([12]) من قصيدة لأمية بن أبي الصلت يمدح بها عبد الله بن جدعان. ديوانه 27 واللسان (دور، شمعل، رجح، ردح، شير، لبك، شهد). وانظر ما سيأتي في (شهد، لبك).

([13]) البيت لزهير في ديوانه 100.

([14]) ذكر ياقوت من دارات العرب سبعين دارة، وأورد صاحب اللسان عشرين دارة في مادة (دور). وقد بلغ صاحب القاموس الغاية في جمعها؛ إذ ساق منها مائة دارة وعشرا مرتبة على الحروف.

([15]) بضم الواو وقد تفتح. وهو بالحاء المهملة في آخره كما في اللسان (وشح، دور). وفي معجم البلدان. "وشجى" تحريف. وفي اللسان "وشحاء" أيضاً بالمد، عن كراع.

([16]) بفتح الخاء وكسرها، كما في معجم البلدان.

([17]) في معجم البلدان: "دارة يمعون، بالنون وقد يروى بالزاي وهو جيد، قال:

*بدارة يمعون إلى جنب خشرم*"

([18]) ضبطت في الأصل ومعجم البلدان، بكسر الميم الأخيرة، ضبط قلم. وفي القاموس واللسان بفتحها.

([19]) في الأصل: "وهبى" صوابه بالراء، كما في اللسان والقاموس والمعجم.

([20]) ذكرت في القاموس والمعجم. وأنشد للجميح:

إذا حللت بجودات ودارتها *** وحال دوني من حواء عرنين

([21]) في الأصل: "تين" تحريف، صوابه من القاموس ومعجم البلدان في رسم (دارة) وفي (تيل). والتاء فيه تفتح وتكسر.

([22]) لم أجد لها ذكراً في اللسان ومعجم البلدان، وذكرها في القاموس (دور).

([23]) ذكرها في المعجم، قال: "ويقال محصن"، وبهذا الرسم الأخير وردت في اللسان والقاموس، وضبطت في اللسان فقط بضم الميم وفتح الصاد.

([24]) في الأصل:" اليعضد" مع ضبط الضاد بالضم، تحريف، صوابه من القاموس ومعجم البلدان. وأنشد ياقوت:

أو ما ترى أظعانهم مجرورة *** بين الدخول فدرة اليعضيد

([25])في المعجم والقاموس: " الردم".

([26]) في الأصل: "حدبى"، صوابه في المعجم والقاموس. وأنشد ياقوت:

بدارات جدى أو بصارات جنبل *** إلى حيث حلت من كثيب وعزهل

([27]) وكذا ورد إنشاده في المجمل مع ضبط "فلان". وجاء في اللسان (فلن) أنه اسم رجل، واسم قبيلة يقال لهم بنو فلان. وفي اللسان (دوس): "ثوى عليه قيون".

([28]) لامرئ القيس في معلقته. وصدره: * كأن على المتنين منه إذا انتحى *

([29]) في اللسان: "يدوكون تلك الليلة فيمن يدفعها إليه".

([30]) التكملة من المجمل واللسان.

([31]) البيت في اللسان (فثأ) مع نسبته للجعدي، وفي (دوم) بدون نسبة. وسيعيده في (فور).

([32]) صدره كما في ديوانه 78 واللسان (دوم): *معرورياً رمض الرضراض يركضه*

([33]) ديوان ذي الرمة 24 واللسان (دوم).

([34]) في المجمل واللسان: "إذا تأنيت فيه".

([35]) لقيس بن زهير في اللسان (دوم، صلا). وأنشد صدره في المجمل. وفي اللسان: "وتصلية العصا: إدارتها على النار لتستقيم. واستدامتها: التأني فيها. أي ما أحكم أمرها كالتأني".

([36]) البيت لابن أحمر كما في الحيوان (1: 231/ 3: 47) والبيان (1: 133) واللسان (دوم). وصدره: * هذا الثناء وأجدر أن أصاحبه *

([37]) للأفواه الأودي في ديوانه 3 نسخة الشنقيطي واللسان (دأم، سدس). وحق كلمة "الدأماء" أن يفرد لها مادة (دأم).

([38]) لعدي بن زيد، كما في المجمل واللسان (دون). وصدره: *أنسل الذرعان غرب جذم*

ويروى: "لم يدن" بتشديد النون على ما لم يسم فاعله، من دني يدنى، أي ضعف. أشير إليها في المجمل واللسان.

 

 

ـ (باب الدال والياء وما يثلثهما)

(ديث)  الدال والياء والثاء يدل على التَّذليل، يقال ديَّثْتُه، إذا أذلَلتَه، من قولهم طريقٌ مديَّثٌ: مُذَلَّل.

(ديص)  الدال والياء والصاد أصلٌ واحد يدلّ على رَوَغانٍ وتفَلّت. يقال داصَ يديص دَيْصاً([1])، إذا راغَ. والاندياص: انسلال الشَّيء من اليَد. ويقال انداصَ علينا فلانٌ بشرِّه، وذلك إذا تفلّتَ علينا؛ وإنّه لمُنْدَاصٌ بالشّرّ. ويقال الدَّيَّاص: السَّمين؛ والدَّيَّاصة: السمينة. فإن كان صحيحاً فلأنه إذا قُبِضَ عليه اندلَصَ من اليد؛ لكثرة لحمه.

(دير)  الدال والياء والراء أظُنه منقلباً عن الواو، من الدَّار والدوْر. ومن الباب الدَّيْر. وما بها دَيُّورٌ ودَيَّارٌ، أي أحدٌ. ومن الباب الذي ذكرْناه قال ابنُ الأعرابيّ: يقال للرجل إذا كان رأسَ أصحابه: هو رأس الدَّيْر.

(ديف)  الدال والياء والفاء ليس بشيء. يقولون: الدِّيَافِيُّ منسوبٌ إلى أرضٍ بالجزيرة. قال:

* إذا سَافَهُ العَوْدُ الدِّيَافِيُّ جَرْجَرَا([2]) *

(ديل)  الدال والياء واللام ليس ينقاس. يقولون: الدِّيلُ قبيلةٌ، والنسبة دِيلي. فأمّا الدُّئِل، على فُعِلٍ، فهي دُويْبَّة. ويضعُف الأمرُ فيها من جهة الوزْن، فأمّا الاشتقاق فليس ببعيد، وقد ذكرناه في الدال والهمزة مع الذي يَجيء بعدهما.

(ديك)  الدال والياء والكاف ليس أصلاً يتفرّع منه، إنَّما هو الدِّيك. ويقولون: هو عُظَيمٌ ناتئٌ في جَبْهة الفرس([3]). وليس هذا بشيء.

(دين)  الدال والياء والنون أصلٌ واحد إليه يرجع فروعُه كلُّها. وهو جنسٌ من الانقياد والذُّل. فالدِّين: الطاعة، يقال دان لـه يَدِين دِيناً، إذا أصْحَبَ وانقاد وطَاعَ. وقومٌ دِينٌ، أي مُطِيعون منقادون. قال الشاعر:

* وكانَ النّاس إلاّ نحنُ دِينا([4]) *

والمَدِينة كأنّها مَفْعلة، سمّيت بذلك لأنّها تقام فيها طاعةُ ذَوِي الأمر. والمدينة: الأَمَة. والعَبْدُ مَدِينٌ، كأنّهما أذلّهما العمل. وقال:

رَبَتْ وَرَبَا في حِجْرِها ابنُ مدينةٍ *** يظل على مِسحاتِهِ يَترَكَّلُ([5])

  فأمَّا قول القائل:

* يا دِينَ قَلْبُكَ مِن سَلْمَى وقد دِينَا([6]) *

فمعناه: يا هذا دِينَ قلبُك، أي أُذِلَّ. فأمّا قولهم إِنّ العادة يقال لها دينٌ، فإن كان صحيحاً فلأنَّ النفسَ إذا اعتادت شيئاً مرَّتْ معه وانقادت له. وينشدون في هذا:

كدِينِكَ مِن أمِّ الحُويرثِ قَبْلَهَا *** وجارتِها أُمِّ الرَّباب بمَأْسَلِ([7])

  والرواية "كَدَأبك"، والمعنى قريبٌ.

فأمَّا قوله جلّ ثناؤُه: {ما كَانَ لِيَأْخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ المَلِكِ} [يوسف 76]، فيقال: في طاعته، ويقال في حكمه. ومنه: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة 4]، أي يوم الحكم. وقال قومٌ: الحساب والجزاء. وأيُّ ذلك كان فهو أمرٌ يُنقاد له. وقال أبو زَيد: دِينَ الرّجُل يُدان، إذا حُمِل عليه ما يَكره.

ومن هذا الباب الدَّيْن. يقال دايَنْتُ فلاناً، إذا عاملتَه دَيْناً، إِمّا أخْذاً وإمّا إعطاء*. قال:

دايَنت أَرْوَى والدُّيُونُ تُقْضى *** فمطَلَتْ بعضاً وأدَّتْ بعضَا([8])

  ويقال: دِنْتُ وادَّنْتُ، إذا أَخَذْتَ بدَينٍ. وأدَنْتُ أقْرَضْت وأعطيت دَيْناً. قال:

أدَانَ وَأنْبَأَهُ الأوَّلُون *** بأنَّ المُدانَ مَلِيٌّ وَفِيُّ([9])

  والدَّيْن من قياس الباب المطّرد، لأنّ فيه كلَّ الذُّلّ والذِّل([10]). ولذلك يقولون "الدَّين ذُلٌّ بالنّهار، وغَمٌّ بالليل". فأمّا قول القائل:

يا دارَ سَلْمَى خَلاءً لا أُكَلِّفُهَا *** إلاّ المَرَانة حَتَّى تعرِفَ الدِّينَا([11])

  فإنّ الأصمعيّ قال: المَرَانة اسمُ ناقَتِه، وكانت تَعرِفُ ذلك الطريقَ، فلذلك قال: لا أكلِّفُها إلاّ المَرانة. حَتَّى تعرف الدِّين: أي الحالَ والأمر الذي تَعهده. فأراد لا أكلف بلوغَ هذه الدار إِلاّ ناقتي.

والله أعلم.

ـــــــــــــ

([1]) ويقال "ديصانا" أيضاً، وقد اقتصر على الأخيرة في المجمل.

([2]) لامرئ القيس في ديوانه 101 واللسان (سوف). وصدره:

* على لاحب لا يهتدى بمناره *

([3]) الذي في المعاجم المتداولة أنه العظم الشاخص خلف أذنه. وفي المجمل نص غريب، وهو أنه العظم الناتئ في طرف لسان الفرس.

([4]) أنشد هذا الجزء في اللسان (دين 78 س4).

([5]) البيت للأخطل في ديوانه 5 واللسان (دين، مدن، ركل).  وسبق إنشاده في (1: 334).

([6]) أنشد هذا الصدر في اللسان (دين 28، 29).

([7]) لامرئ القيس في معلقته.

([8]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 79 واللسان (دين). وهو مطلع أرجوزة له.

([9]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 65 واللسان (دين).

([10]) كذا وردت الكلمتان في الأصل بهذا الضبط. والذل، بالكسر: ضد الصعوبة.

([11]) البيت لابن مقبل، كما في اللسان (مرن). وأنشد له ياقوت في رسم (مرانة) برواية: "يا دار ليلى". وانظر ما سيأتي في (مرن).

 

 


ـ (باب الدال والألف وما يثلثهما)

وقد يقع فيه المهموز والألف المنقلبة. وقد ذكرنا المهموزَ لأنَّ سائرَ ذلك من المعتلّ مذكورٌ في أبوابه.‏

(دأب) الدال والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ملازَمةٍ ودوام. فالدأبُ: العادةُ والشّأن. قال الفرّاء: الدأْب، أصله من دَأبْتُ، إلاّ أنّ العربَ حوّلت معناه إلى الشّأن. ودأَبَ الرّجُل في عمله، إذا جَدَّ. وأدْأبْتهُ أنا إدآباً. والدائِبان: اللّيلُ والنَّهار.‏

(دأث) الدال والهمزة والثاء ليس أصلاً؛ لأن الدَّأْثاءَ-وهي الأَمَةُ- مقلوبةٌ من الثأْداء. على أنَّهم يقولون: دَأَثْتُ الطّعام: أكلتُه.‏

(دأل) الدال والهمزة واللام يدل على خِفّة ونَشْطَةٍ(1). فالدَّأَلاَنُ: المشْيُ بنَشاط. يقال منه دَألْتُ أدْأَل. والدَّأْل: الخَتْل. ويقولون: الدُّؤْلُول الدَّاهية؛ وهو قريب من الباب. والدؤَل قَبِيلةٌ.‏

(دأم) الدال والهمزة والميم يدل على تَوَالٍ وتَنَضّدٍ. قال الخليل: دَأَمْتُ الحائطَ، أي رفَعْتُه، ويكون هذا ممّا ذكرناه؛ لأنّه شيءٌ فوق شيء. ويقال تداءَمَتْ عليه الرِّياح، إذا توالت؛ وتَدَأَّمَت الأمواجُ(2). وقال:‏

* تحت ظِلال المَوْج إذْ تَدَأَّمَا (3)*‏

والبحر نَفسُه الدَّأْماء. ولعل هذا القياسَ أولى به، وتَدَاءمْتُ الرّجلَ، إذا وثبتَ عليه. وتداءمَ الفحلُ النّاقَة، إذا تجلّلَها. وتداءمَت السّماءُ: توالت أمطارُها(4).‏

(دأظ) الدال والهمزة والظاء كلمةٌ واحدةٌ. يقولون الدّأْظ: المَلْء(5). ويقال دأظتُ المَتاعَ في الوِعاء. قال:‏

* والدّأظُ حَتَّى لا يَكونَ غَرْضُ(6) *‏

الدأْظ: الامتلاء. والغَرْض: أن يبقى موضعٌ لا يبلُغه الماء(7).‏

(دأي) الدال والهمزة والياء أصلان: أحدهما يدل على خَتْلٍ، والآخر عَظْمٌ متَّصل بمِثْله، ويشبّه به غيره، ويكون من خَشَب.‏

فالأوَّل الدّأْي، وهو الختْل؛ يقال دَأيْتُ أدأَى دَأْياً؛ وهو الخَتْل. والذِّئب يَدأَى، إِذا خَتَل.‏

وأمَّا الآخَر فالدّأْيات: الفَقَار، الواحدةُ دَأْية؛ وابنُ دأيَةَ: الغُرابُ؛ لأنَّه يقع على دأْية البعير الدّبِر فينقُرها؛ والدّأية من البعير: الموضعُ تقع عليه ظَلِفَة(8) الرَّحْل فتعقِرُه.‏

ــــــــــــــــــ

(1) المعروف في ضد الكسل النشاط. وأما هذه فلعلها مرة من نشطت الإبل: مضت.‏

(2) في اللسان: "وتداءمت عليه الأمور والأهوال والهموم والأمواج، بوزن تفاعلت، وتدأمته، الأخيرة معداة بغير حرف: تراكمت عليه وتزاحمت وتكسر بعضها على بعض"، ثم قال: "الأصمعي تداءمه الأمر مثل تداعمه، إذا تراكم عليه".‏

(3) في الأصل : " تداءما". وهو تحريف؛ فإن البيت من أرجوزة للعجاج في ملحقات ديوانه 184. وقبله:‏  * كما هوى فرعون إذ تغمغما *‏

وليس في الأرجوزة تأسيس. وهو على الصواب في اللسان ( دأم).‏

(4) في المجمل: "وتداءلت السماء هطلت".‏

(5) في الأصل: "الملاء".‏

(6) قبله كما في اللسان (دأض، دأظ، غرض):‏  * لقد فدى أعناقهن المحض *‏

يقول: فدت ألبانها أعناقها من أن تنحر. وفي اللسان: "حتى ما لهن".‏

(7) عبر عنه في اللسان بقوله: "النقصان عن الملء".‏

(8) في الأصل: "خلفة"، صوابه في المجمل.‏

 

 

ـ (باب الدال والباء وما يثلثهما)

(دبج)  الدال والباء والجيم أصلٌ واحد يدلُّ على شيءٍ ذي صفحةٍ حَسَنَةٍ. الدّيباجُ معروفٌ. والدِّيباجَتانِ: الخَدّان. وقال ابن مقبل:

* يَجرِي بديباجَتَيهِ الرَّشْحُ مُرْتَدِعُ([1]) *

ويقال هما اللِّيتان([2]). وأمّا قولهم: "ما بالدّار دِبِّيجٌ" فيقال هو بالحاء، وقد ذُكر في بابه، وإن كان بالجيم كما قيل فليس من هذا، ولعله أنْ يكون من دِبِّيٍّ، من الدَّبيب، ثم حُوِّلت ياء النِّسبة جيماً على لغة من يفعل([3]).

(دبح)  الدال والباء والحاء أُصَيلٌ، وهو الإقبال على الشَّيء بالجِسْم حتَّى تَحْنُوَ عليه كل الحُنوّ. يقال دبَّحَ الرجُل رأسَه، وذلك إذا نكسَه وطأطأه. و*نُهِيَ أن يُدَبِّحَ الرّجُل في الصَّلاة كما يدبِّح الحِمار. والذي يقولون ما بالدَّار مِنْ دِبِّيحٍ، فهو من هذا، أي مقيمٍ في الدَّار مقبلٍ عليها، والحاء في هذه الكلمة أقيس من الجيم، لما ذكرناه.

(دبر)  الدال والباء والراء. أصل هذا الباب أنَّ جُلّه في قياسٍ واحد، وهو آخِر الشَّيء وخَلْفُه خلافُ قُبُلِه. وتشذّ عنه كلماتٌ يسيرة نذكرُها.

فمعظم الباب أنَّ الدُّبُرَ خلافُ القُبُل. والدَّبِير: ما أدْبَرَتْ به المرأةُ من غزْلِها حين تفتِلُه. قال ابن السكِّيت: القَبِيل من الفَتْل: ما أقبَلْتَ به إلى صدرك، والدَّبير: ما أدبَرْتَ به عن صدرك. ودابرةُ الطّائر: الإِصبع التي في مُؤخَّر رِجْله. وتقول: جعلتُ قولَه دَبْرَ أُذُني، أي أغضَيْت عنه وَتصامَمْت، ودَبَر النَّهارُ وأدبَرَ([4])، وذلك إذا جاء آخِرُه، وهو دُبُره. ودبَّرْتُ الحديثَ عن فُلانٍ، إذا حدَّثتَ به عنه، وهو من الباب؛ لأنَّ الآخِر المحدِّثَ يَدْبُر الأوّلَ يجيءُ خَلْفَه. ودابرة الحافر: ما حاذَى مؤخَّر الرُّسْغ. وقطَعَ اللهُ دابِرَهم، أي آخِرَ مَن بَقِي منهم. والدَّابر من السِّهام: الذي يخرُج من الهَدَف، كأنَّه وَلّى الرّاميَ دُبُرَه، وقد دَبَرَ يَدْبُرُ دُبُوراً، والدَّبَرانُ: نجمٌ، سمِّي بذلك لأنَّه يَدْبُر الثّريّا. ودابَرْتُ فُلاناً: عاديتُه. وفي الحديث: "لا تَدَابَرُوا"، وهو من الباب، وذلك أنْ يترُكَ كلُّ واحدٍ منهما الإقبالَ على صاحبه بوجْهه. والتدبير: أنْ يُدبِّر الإنسانُ أمرَه، وذلك أنَّه يَنظُر إلى ما تصير عاقبتُه وآخرُه، وهو دُبُره. والتَّدبير عِتْق الرّجُل عبدَه أو أمَتَه عن دُبُر، وهو أن يَعْتِقَ بعد موت صاحبِه، كأنَّه يقول: هو حُرٌّ بعدَ موتي.

ورجل مقابَلٌ مُدابَرٌ، إذا كان كريمَ النَّسَب من قِبَل أبوَيه؛ ومعنى هذا أنَّ من أقبَلَ منهم فهو كريمٌ، ومن أدبَرَ منهم فكذلك. والمُدَابَرَة: الشاة تُشَقُّ أُذُنُها من قِبَل قَفاها. والدّابر [من([5])] القِداح: الذي لم يَخْرُج؛ وهو خلاف الفائز، وهو من الباب؛ لأنَّه ولّى صاحبَه دُبُرَه. والدَّابر: التابع؛ يقال: دَبَرَ دُبُوراً. وعلى ذلك يفسَّر قوله جلَّ ثناؤُه:{واللّيلِ إِذا دَبَرَ([6])} [المدثر 33]، يقول: تَبِع النَّهارَ. وَدَبَرَ بالقِمار، إذا ذَهَب به. ويقال: ليس لهذا الأمرِ قبْلةٌ ولا دِبْرَةٌ، أي ليس لـه ما يُقبِل به فيُعْرَفَ ولا يُدْبِر به فيُعرَف. ورجلٌ أُدابرٌ: يقطَع رَحِمَه؛ وذلك أنَّهُ يُدبِرُ عنها ولا يُقْبِل عليها. والدَّبُور: ريحٌ تُقبِل مِن دُبُر الكعبة. والدَّابرة: ضربٌ مِن أُخَذِ الصَّرْع([7]). قال أبو زيد: يقال "هو لا يُصَلِّي([8]) الصّلاةَ إلاّ دَبَرِيّاً"، والمُحدِّثونَ يقولون: دُبُريّاً. وذلك إذا صلاَّها في آخرِ وقتها، يريد وقد أدبَرَ الوقتُ.

وأما الكلمات الأُخَرُ فأُراها شاذّةً عن الأصل الذي ذكرناه، وبعضُها صحيح. فأمَّا المشكوك فيه فقولهم: إنَّ دُبَاراً اسمُ يوم الأربعاء، وإنَّ الجاهليَّة كذا كانوا يسمُّونه. وفي مثل هذا نَظَرٌ. وأمَّا الصَّحيح فالدِّبار، وهي المَشَارات من الزَّرْع. قال بِشرٌ:

* عَلَى جِرْبَةٍ تَعلُو الدِّبارَ غُروبُها([9]) *

ومن ذلك الدَّبْر، وهو المال الكثير؛ يقال مالٌ دَبْرٌ، ومالان دَبرٌ، وأموالٌ دَبْرٌ.

(دبس)  الدال والباء والسين أصلٌ يدلٌ على عُصارةٍ في لونٍ ليس بناصع. من ذلك الدِّبس، وهو الصَّقْر. والدُّبْسيُّ: طائرٌ؛ لأنّه بذلك اللّون. وجِئتَ بأُمورٍ دُبْسٍ، إذا جاء بها غيرَ واضحة. قال بعضُ أهل العلم: أَدْبَسَتِ الأرضُ فهي مُدْبِسَةٌ، إذا رُئِيَ([10]) فيها أوّلُ سواد النَّبت. فأمّا الكثْرة فهي الدَِّبْسُ، وهو استعارةٌ، كما يقال لها الدَّهْماء والسَّواد، فقد عاد إلى ذلك القياس. ويقولون الدَِّباساء، على فَِعالاء، للإناث من الجراد.

(دبش)  الدال والباء والشين ليس بشيء. على أنَّهم يقولون أرضٌ مَدبُوشَة*: أَكَلَ الجراد نَبْتَها. قال:

* في مُهْوَأَنٍّ بالدَّبَا مَدْبُوشِ([11]) *

(دبغ)  الدال والباء والغين كلمةٌ. دَبغْتُ الأديمَ أدْبَغُه وأدبُغه([12]) دَبغا.

(دبق)  الدال والباء والقاف ليس بشيء. يقولون لِذِي البَطْن الدَّبُوقاء.

(دبل)  الدال والباء واللام أصلٌ يدلُّ على جَمْعٍ وتجمُّعٍ وإصلاح لَمرَمَّةٍ([13]). تقول دَبَلْتُ الشيءَ جَمعتُه، كَدَبْلك اللُّقمةَ بأصابعك. والدُّبُول: الجداول. وسمِّيت بذلك لأنها تُدْبَل، أي تُنَقَّى وتُصلَح. قال الكِسائيّ: أرضٌ مدبولة، إذا أُصلِحَتْ بسِرْجينٍ وغيره. قال: وكلُّ شيءٍ أصلحتَه  فقد دبلْتَه ودملْتَه. ويقال الدَّوْبَل: الحِمار الصَّغير. وسمِّي بذلك لتجمُّع خَلْقِه. ويقال دَبِلَ البعيرُ وغيرُه يَدْبَلُ، إذا امتلأَ لحماً.

ومما شذّ عن هذا الأصل الدِّبْل: الدّاهية. ودبَلَهم الأمرُ من الشّرّ: نزلَ بهم. يقال دِبْلاً دَبيلا، كما يقولون: ثُكْلاً ثاكلا. قال الشاعر([14]):

طِعانَ الكُماةِ ورَكْضَ الجِيادِ *** وقَوْلَ الحَواضِنِ دِبلاً دَبيلا([15])

  (دبي)  الدال والباء والياء ليس أصلاً، وإنَّما [هو] كلمةٌ واحدة، ثم يُحمَل عليها تشبيهاً. فالدّبا: الجراد إذا تحرَّك([16]). والتشبيهُ قولهم: أدْبَى الرِّمْثُ، أوَّلَ ما يتفَطَّر؛ وذلك لأنّه يشبَّه بالدَّبا. وذكر بعضُهم: جاء فلانٌ بدَبَادَبَا([17])، إذا جاء بمالٍ كالدّبا([18]). ويقال أرضٌ مَدْبَاةٌ: كثيرة الدبا. ومَدْبِيَّةٌ: أَكَلَ الدّبَا نباتَها.

ــــــــــــــــ

([1]) لابن مقبل كما في ديوانه 170 واللسان (دبج، رشح، ردع)، وقد أنشد هذا العجز في المجمل. وصدره:

*يخدي بها بازل فتل مرافقه*  ويروى: "يسعى بها". ويروى:*يخدي بها كل موار مناكبه*

([2]) الليتان، بالكسر: صفحتا العنق، وفي الأصل: "اللتان" صوابه في المجمل.

([3]) أي يفعل ذلك، وهم ناس من بني سعد، نص عليه سيبويه في كتابه (2: 288). وانظر شرح الشافية  (3: 229).

([4]) وفي بعض القراءات: {والليل إذا دبر}، في قوله تعالى {والليل إذ أدبر} وكذا {والليل إذا أدبر} [المدثر 33]. انظر تفسير أبي حيان (8: 378).

([5]) هذه التكملة في المجمل.

([6]) هي قراءة ابن عباس وابن الزبير ومجاهد وعطاء وابن يعمر وأبي جعفر وشيبة وأبي الزناد وقتادة والحسن وطلحة والنحويين والابنين وأبي بكر. انظر الحاشية التي قبل السابقة.

([7]) في المجمل: "أخذة من أخذ المتصارعين". وفي اللسان: "ضرب من الشغزبية في الصراع". والأخذ بضم ففتح: جمع أخذة بالضم، أي طريقة أخذ.

([8]) في الأصل: "لولا نصلي"، وفي اللسان، "فلان لا يصلي"، وفي المجمل "أبو زيد: لا يصلي".

([9]) قصيدة بشر بن أبي خازم في المفضليات (2: 129-133) وقد سبق إنشاد هذا العجز في (جرب 1: 450). وصدره كما في المفضليات واللسان (جرب، دبر):

* تحدر ماء البئر عن جرشية *

([10]) في الأصل والمجمل: "رعن"، صوابه من اللسان. وفي القاموس: "أظهرت النبات".

([11]) لرؤبة في ديوانه 78 واللسان (دبش، هأن). ورواية الديوان واللسان: "من" بدل "في". ويروى "مهوئن"، وهما لغتان، يقال بفتح الهمزة وكسرها. وقبل البيت:

* جاؤوا بأخراهم على خنشوش *

([12]) كذا ضبط الفعلان في المجمل. ويقال أيضاً أدبغه، بكسر الباء.

([13]) المرمة: متاع البيت.

([14]) هو بشامة بن الغدير. وقصيدته في المفضليات (1: 53-58).

([15]) البيت لم يروه المفضل، لكن ذكر في اللسان أنه من قصيدة بشامة. وفي المجمل واللسان: "وضرب الجياد". وفي الأصل أيضاً: "الحواضن" صوابه في المجمل واللسان.

([16]) زاد في المجمل: "قبل أن تنبت أجنحته".

([17]) في الأصل: "بدبى" صوابه من المجمل واللسان. ويقال أيضاً "بدَبَادُبَيٍّ" و"دَبَادُبيَّيْنِ". والدبا يكتب بالألف وبالياء.

([18]) في الأصل: "بمالكالدبا"، وهو تحريف رسم.

 

 

ـ (باب الدال والثاء وما يثلثهما)

(دثر) الدال والثاء والراء أصلٌ واحد منقاسٌ مطّرد. وهو تضاعُفُ شيءٍ وتناضُدُه بعضِه على بعض. فالدَّثْر(1): المال الكثير. والدِّثار: ما تدثَّر به الإنسانُ، وهو فوق الشِّعار. فأمّا قول القائل:‏

* والعَكَرِ الدَّثِرْ(2) *‏

فإنَّه أراد الدَّثْر فحرك الثاء، وهو الكثير.‏

ومن الباب تَدَثَّر الفَحْلُ الناقَة، إذا تَسَنَّمَها، كأنَّه صار دِثاراً لها. وتدثَّر الرجُلُ فرسَه، إذا وثب عليه فركِبَه. والدَّثُور: الرّجل النَّؤُوم(3).وسمِّي لأنَّه يتدثَّر وينام. فأمّا قولهم رسْمٌ داثِرٌ، فهو من هذا، وذلك أنَّه يكون ظاهراً حتى تهبّ عليه الرِّياحُ وتأتِيَه الرَّوامسُ، فتصيرَ له كالدِّثار فتغطِّيه.‏

(دثأ) الدال والثاء والهمزة ليس أصلاً؛ لأنَّه من باب الإبدال. يقولون مطر دَثَئِيٌّ، وهو الذي بين الحَمِيم والصَّيف(4). وإنَّما الأصل دَفَئِيٌّ، وهو من الدِّفء.‏

(دثن) الدال والثاء والنون كلامٌ لعلّه أن يكون صحيحاً. فأما أنْ يكون له قياسٌ فلا. يقولون: دثَّن الطَّائرُ: أٍرع في طَيَرانه. ودثَّن اتَّخَذَ عُشَّه. والكلمتان متشابهتان، والأمر فيهما ضعيف.‏

ــــــــــــــــ

(1) هو امرؤ القيس، كما في اللسان (دثر). وقصيدته في ديوانه 135-139.‏

(2) أنشد هذا الجزء في المجمل. والبيت بتمامه كما في الديوان واللسان:‏

لعمري لقوم قد ترى في ديارهم *** مرابط للأمهار والعكر الدثر‏

(3) في المجمل: "الرجل الخامل النؤوم".‏

(4) الحميم: القيظ.‏

 

 

ـ (باب الدال والجيم وما يثلثهما)

(دجر) الدال والجيم والراء أصلٌ يدلُّ على لُبْسٍ. فالدَّيجور: الظَّلام؛ والجمع دَياجِر ودياجِير. والدَّجَرُ: شِبْهُ الحَيْرة، وهو ذلك القياس، يقال رجلٌ دَجْرانُ ودَجَارَى، كما يقال حَيرانُ وحَيارَى.‏

وها هنا كلمةٌ إنْ صحّت فهي شاذة عن الأصل الذي ذكرناه. يقولون إن الدَُّجْر: الخشبة التي يُشدّ عليها حديدةُ الفَدَّان. وما أرَى هذا من كلام العرب.‏

(دجل) الدال والجيم واللام أصلٌ واحد منقاسٌ، يدلُّ على التغطية والسَّتْر. قال أهلُ اللغة: الدَّجْل: تموِيهُ الشَّيء، وسُمّي الكذّابُ دجّالاً. وسمِعت عليَّ بن إبراهيمَ القَطَّان يقول: سمِعت ثعلباً يقول: الدَّجّال المموِّه. يقال سيفٌ مُدَجّل، إذا كان قد طُلِيَ بذهبٍ. قال: فقِيل لـه: فيجوز أن يكون الذّهب يسمَّى دَجَّالاً؟ فقال: لا أعرِفُه(1). ومن الباب الدّجّالة: الجماعة العظيمة تحمل المتاع للتجارة. ويقال دَجَّلْتُ البعير، إذا طلَيته بالقَطِران؛ والبعير مدجَّلٌ.‏

قال ابنُ دريد: كلُّ شيءٍ غطّيته فقد دجَّلتَه. وسُمِّيت دِجلةُ لأنَّها تغطِّي الأرض* بالجمع الكثير(2). ويقال رُِفْقَةٌ دَجَّالة، إِذا غَطَّت الأرض بزَحْمَتها. قال:‏

* دَجّالة من أعظَم الرِّفاقِ(3) *‏

وفي كتاب الخليل: الدّجال: الكذَّاب، وإنَّما دَجَلُه كِذْبه؛ لأنَّه يدجِّل الحقَّ بالباطل.‏

(دجم) الدال والجيم والميم كلمةٌ واحدة. يقال دَُجِمَ، إذا حَزنَ. ويقولون: ما سمعتُ لفُلانٍ دَُجْمَةً، أي كلمة. وهذه كأنها من باب الإبدال، والأصل زَُجْمَة(4).‏

(دجن) الدال والجيم والنون قياسُه قياسُ الدال والجيم واللام. فالدَّجْن: ظلُّ الغيم في اليوم المَطِر(5). وأدْجَنَ المطرُ: دامَ أيّاماً. والمُداجَنةُ: حُسن المخالَطة. والدُّجُنَّة: الظلماء. وفي كتاب الخليل قال: لو خففَّه الشاعر لجازَ له. قال حُمَيدٌ(6):‏

* حتَّى إِذا انجلَتْ دُجَى الدُّجُونِ *‏

ومن الباب دَجَن دُجُوناً: أقام. والشَّاةُ الدّاجِن: التي تَأْلف البيوت. والله أعلم.‏

ــــــــــــــــــ

(1) في اللسان: "والدَّجَّال الذهب، وقيل ماء الذهب؛ حكاه كراع".‏

(2) كذا. وفي المجمل: "لأنها تغطي الأرض بمائها".‏

(3) البيت في اللسان (دجل) والجمهرة (2: 68).‏

(4) في الأصل: "رحمة" تحريف. والزجمة، بفتح الزاي وضمها.‏

(5) في المجمل: "المطير"، وهما سيان.‏

(6) في المجمل: "كقول حميد الأرقط". والبيت التالي في اللسان (دجن) بدون نسبة.‏

 

 

ـ (باب الدال والحاء وما يثلثهما)

(دحر)  الدال والحاء والراء أصلٌ واحد، وهو الطَّرد والإبعاد. قال الله تعالى: {اخْرُجْ مِنْهَا مَذْؤُوماً مَدْحُورا([1])}[الأعراف 18].

(دحز)  الدال والحاء والزاء ليس بشيء. وقال ابن دريد: الدَّحْز: الجِماع([2]). وقد يُولَع هذا الرجُل بباب الجماع والدَّفْع، وباب القَمْش والجمع.

(دحس)  الدال والحاء والسين أصلٌ مطَّرِد مُنْقاس، وهو تخلُّل الشَّيءِ بالشَّيءِ في خَفاءٍ ورِفق. فالدَّحْس: طلَب الشَّيءِ في خفاء. ومن ذلك دَحَسْتُ بينَ القوم، إذا أفسدْتَ؛ ولا يكون هذا إلاّ برفْق ووَسواس لطيفٍ خفيّ. ويقال الدّحْسُ: إدخالك يَدَك بين جِلْدة الشَّاة وصِفَاقها تسلخُها. والدَّحَّاس: دويْبَّة تغيب في التراب، والجمع دَحاحيس. وداحِسٌ: اسم فرسٍ؛ وسمِّي بذلك لأنَّ حَوْطاً([3]) سطا على أُمِّه- أُمّ داحسٍ([4])- بماءٍ وطِينٍ، يريد أن يخرج ماءَ فرسه من الرَّحِم. وله حديث([5]).

(دحص)  الدال والحاء والصاد كلمةٌ واحدة. يقال دَحَصَ المذبوحُ برجْله يدحَصُ دَحْصاً، إذا ارتكَضَ. قال علقمة:

رغا فوقَهم سَقْبُ السَّماءِ فداحِصٌ *** بشِكَّتِهِ لم يُسْتَلَبْ وسليبُ([6])

  (دحض)  الدال والحاء والضاد أصلٌ يدلُّ على زوالٍ وزَلَق. يقال دَحَضَتْ رجلُه: زَلِقَتْ. ومنه دحَضَت الشّمس: زالت. ودَحَضَتْ حُجّةُ فلانٍ، إذا لم تَثْبُت. قال الله جلّ ثناؤه: {حُجَّتُهُمْ دَاحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ} [الشورى 16].

(دحق)  الدال والحاء والقاف قياسٌ يقرُب من الذي قبْلَه. يقال دَحَقَ الشَّيءُ: زَالَ ولم يثبُتْ. والدَّحيق: البعيد. ويقال فعلَ فلانٌ كذا فدحَقْتُ عنه يدَه، أي قبضتُها. ويقال أدْحَقَه الله، أي أبْعَدَه. ودَحَقت الرّحِمُ: رمَتْ بالماء فلم تقبلْه. والدِّحاق: أن تخرُجَ رحِمُ الأنثَى بعد الولادة، فلا تنجُو حتى تموت. وهي دَحُوقٌ. قال:

وأُمُّكُمْ خَيْرَةُ النِّساء عَلَى *** ما خانَ منها الدِّحاقُ والأَتَمُ

  (دحل)  الدال والحاء واللام يدلُّ على تلجُّفٍ في الشَّيء وتطامُن.فالدَّحْل: المطمئِنُّ من الأرض، والجمع الدُّحُول. ويقال بئرٌ دَحُولٌ: ذاتُ تلجُّف([7])، وذلك إذا أكمَلَ الماءُ جِرابَها. فأمَّا الدَّحِلُ في خَلْق الإنسان، فيقال هو العظيم البَطْن؛ وهو قياسُ الباب، لأنَّه يدلُّ على سَعةٍ وتلجُّف.

(دحم)  الدال والحاء والميم ليس بشيءٍ. على أنّهم يقولون: دَحَمَه، إذا دَفَعَه دفعاً شديداً. وبه سُمِّي الرَّجُل دَحْمانَ ودُحَيْماً.

(دحن)  الدال والحاء والنون ليس بأصلٍ، لأنّه من باب الإبدال. يقال رجل دَحِنٌ، وهو مثل الدَّحِلِ([8]). وقد فسَّرناه.

(دحو)  الدال والحاء والواو أصلٌ واحد يدلُّ على بَسْطٍ وتمهيد.

يقال دحا الله الأرضَ يدحُوها دَحْواً، إذا بَسَطَها. ويقال دحا المطرُ الحَصَى عن وجْه* الأرض. وهذا لأنّه إذا كان كذا فقد مهّد الأرض. ويقال للفرَس إذا رمَى بيديه رمْياً، لا يرفع سُنْبُكَه عن الأرض كثيراً: مرّ يدحُو دَحْواً. ومن الباب أُدْحِيُّ النَّعام: الموضع الذي يُفَرِّخ فيه، أُفْعولٌ مِن دحوت؛ لأنّه يَدْحُوه برِجْله ثم يبيض فيه. وليس للنّعامة عُشٌّ.

ـــــــــــــــــ

([1]) من الآية 18 سورة الأعراف. وفي الأصل: "مذموماً" تحريف. وفي الآية 19 من الإسراء: {يصلاها مذموماً مدحوراً}. وهذا وجه اللبس.

([2]) لم أجده في الجمهرة ولا في فهارسها. انظر الجمهرة (1: 121) حيث مظن الكلمة. فلعلها مما سقط من الجمهرة.

([3]) هو حوط بن أبي جابر بن أوس بن حميرى، صاحب "ذي العقال" والد "داحس". انظر الأغاني  (16: 23).

([4]) اسمها "جلوى"، وكانت لقرواش بن عوف بن عاصم.

([5]) انظر حرب داحس والغبراء في الأغاني والعقد (3: 313) وكامل ابن الأثير (1: 343) وأمثال الميداني (1: 359/2: 51).

([6]) قصيدة البيت في ديوانه 131 والمفضليات (2: 190-196). وأنشده في المجمل واللسان (دحص).

([7]) التلجف، بالجيم: التحفر. وفي الأصل والمجمل بالحاء المهملة، تحريف.

([8]) في الأصل: "الدخل"، صوابه ما أثبت.

 

 

ـ (باب الدال والخاء وما يثلثهما)

(دخر) الدال والخاء والراء أصلٌ يدلُّ على الذُّل. يقال دَخَرَ الرّجُلُ، وهو داخِر، إذا ذَلَّ. وأَدْخَرَه غيرُه: أَذَلَّه. فأما الدَّخْدَار فالثَّوب الكريمُ يُصانُ. قال:‏

* ويَجْلُو صَفْحَ دَخْدارٍ قَشِيبِ(1) *‏

وليس هذا من الكلمة الأولى في شيءٍ؛ لأنَّ هذه مُعرّبة، قالوا: أصلها تَخْت دار، أي مَصُونٌ في تَخْت(2).‏

(دخس) الدال والخاء والسين أصلٌ واحد، يدلُّ على اكتنازٍ واندساسٍ في ترابٍ أو غيره. فالدَّخْسُ أن يندسَّ الشَّيءُ في التراب. ولذلك سَمَّى الرّاجزُ(3) الأثافيَّ دُخَّساً. فهذا هو الأصل، ثم سُمِّي كلُّ شيءٍ تجمَّعَ إلى شيءٍ وداخَلَه، بذلك. والدَّخيس: الحَوْشَب، وهو ما بين الوَظيف والعصَب. والدَّخِيس من الناس: العددُ الجَمُّ. والدَّخَس(4): داءٌ في قوائم الدّابة. والدَّخِيس: اللحم المكَتَنِز. وكلُّ ذي سِمَنٍ دَخيسٌ. ويقال الدَّخيس: لحمُ باطن الكفّ. والدَّخيس من أَنْقَاء الرّملِ: الكثير. وكَلأٌ دَيْخَسٌ(5)، أي كثير. وأنشد:‏

* يَرْعَى حَلِيّاً ونَصِيّاً دَيْخَسَا(6) *‏

(دخش) الدال والخاء والشين ليس بشيءٍ. وزعم ابنُ دريد(7) أنّ الدَّخش فِعْلٌ مُماتٌ، يقال دَخِشَ دَخَشاً، إذا امتلأ لحماً. ومنه اشتقاق دَخْشَم.‏

(دخص) الدال والخاء والصاد كالذي قبله. وذكر ابن دُريد(8) أنّ الدَّخُوص: الجاريةُ السَّمينة.‏

(دخل) الدال والخاء واللام أصلٌ مطرد منقاس، وهو الوُلوج. يقال دخل يدخُل دخولاً. والدُِّخْلَةُ: باطنُ أمرِ الرّجُل. تقول: أنا عالمٌ بدخْلَته. والدَّخَل: العَيب في الحَسب، وكأنَّه قد دخل عليه شيءٌ عابَه. والدَّخَل كالدَّغَل، وهو من الباب؛ لأنَّ الدّغَل هذا قياسُه أيضاً. ويقال إِنَّ المدخُول: المهزُول؛ وهو الصَّحيح، لأنّ لحمهُ كأنّه قد دُخِلَ. ودَخِيلُك: الذي يُداخِلُك في أُمورك. والدِّخال في الوِرد: أنْ تشربَ الإبل ثم تردَّ إلى الحوض ليشرب منها ما عساه لم يكن شَرِبَ. قال الهُذَليّ(9):‏

* وتُوفِي الدُّفوفَ بشُربٍ دِخَالِ(10) *‏

ويقال إنّ كلَّ لحمةٍ مجتمعة دُخَّلةٌ، وبذلك سُمِّي هذا الطائر دُخَّلاً. ويقال دُخِل فلانٌ، وهو مدخولٌ، إذا كان في عقله دَخَلٌ. وبنو فلانٍ في بني فلان دَخِيلٌ(11)، إذا انتسبوا معهم. ونَخْلَة مدخولةٌ: عَفِنة الجوف. والدُّخْلَلُ: الذي يُداخِلُك في أمورك. والدُّخَّل من ريش الطائر: ما بين الظُّهْرَانِ والبُطْنان، وهو أجْوَدُ الرِّيش. وداخِلَة الإِزار: طَرَفه الذي يلي الجسَد. والدُّخَّل من الكلأ: ما دخَل منه في أُصول الشجر. قال:‏

* تَبَاشِير أَحْوَى دُخَّلٍ وجميمِ(12) *‏

(دخن) الدال والخاء والنون أصلٌ واحد، وهو الذي يكون عن الوَقُود، ثمَّ يشبَّه به كلُّ شيء يُشْبِههُ مِن عداوةٍ ونظيرها. فالدُّخَانُ معروفٌ، وجمعه دوَاخن على غير قياس. ويقال دَخَنَتِ النّار تدخُن، إذا ارتفع دُخانها، ودخِنَتْ تَدْخَنُ، إذا ألقيْتَ عليها حطباً فأفسَدْتَها حتى يهيجَ لذلك دُخانٌ وكذلك دَخِن الطَّعامُ يَدْخَن(13). ويقال: دَخَن الغُبار: ارتفَعَ. فأمّا الحديث: "هُدْنَةٌ على دَخَنٍ"، فهو استقرارٌ على أمورٍ مكروهة. والدُّخْنَةُ من الألوان: كُدرةٌ في سوادٍ. شاةٌ دَخْناءُ، وكبشٌ أدْخَنُ، وليلةٌ دَخْنانةٌ. ورجلٌ دَخِنُ الخُلُق. وأبناء دُخانٍ: غنيٌّ وباهلة. والدُّخْنَة: بَخُورٌ يدخَّن به البيت.‏

ــــــــــــــــــ

(1) نسب في المجمل إلى أبي دواد، والصواب نسبته إلى عدي بن زيد، من قصيدة له في الأغاني (2: 23-34). وصدره كما في الأغاني والمعرب للجواليقي 141:‏

* تلوح المشرفية في ذراه *‏

(2) في المجمل: "أي ثوب مصون في تخت". والأدق ما في المعرب واللسان: "أي يمسكه التخت".‏

(3) هو العجاج. وفي ديوانه 31:‏  * فأطرقت إلا ثلاثاً دخسا *‏

(4) في الأصل: "الدخساء"، صوابه في المجمل واللسان.‏

(5) في الأصل: "دخيس" صوابه في المجمل واللسان.‏

(6) أنشده في اللسان (دخس). وفي المجمل: "ترعى".‏

(7) الجمهرة (2: 200).‏

(8) ليس في الجمهرة في مظنه، وليس في فهارسها.‏

(9) هو أمية بن أبي عائد الهذلي. وقصيدة البيت في شرح السكري 180 ونسخة الشنقيطي من الهذليين 89.‏

(10) صدره كما في المراجع المتقدمة واللسان (دخل):‏  * وتلقى البلاعيم في برده *‏

(11) في الأصل: "دخل"، تحريف.‏

(12) أنشد هذا العجز في المجمل واللسان (دخل).‏

(13) في الأصل: "حتى يدخن"، صوابه من المجمل.‏

 

 

ـ (باب الدال والدال وما يثلثهما)

(ددن) الدال والدال والنون كلمتان: إحداهما اللَّهو واللَّعب، يقال دَدَنٌ ودَدٌ(1). قال:‏

أيُّها القلب تعلَّلْ بدَدَنْ *** إنّ هَمِّي في سَماعٍ وأَذَنْ(2)‏

ومن هذا اشتُقَّ السَّيف الدَّدَانُ؛ لأنّه ضعيفٌ، كأنه ليس بِحادٍّ في مَضائه. والكلمة الأخرى: الدَّيْدَنُ: العادَة.‏

والله أعلم.‏

ــــــــــــــ

(1) ودداً أيضاً كما سبق مادة (دد) ص 226.‏

(2) البيت لعدي بن زيد، كما سبق في حواشي (دد) ص266.‏

 

 

ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله دال)

وسبيلُ هذا سبيلُ ما مضى ذِكره، فبعضُه مشتقٌّ ظاهر الاشتقاق، وبعضُه منحوت بادي النَّحْت، وبعضه موضوعٌ وضعاً على عادة العربِ في مِثْله.

فمن المشتق المنحوت (الدُّلَمِصُ) و(الدُّمَلِصُ([1])): البَرّاق. فالميم زائدة، وهو من الشَّيء الدَّلِيص، وهو البرّاق، وقد مضَى.

ومن ذلك (الدِّفْنسُ([2]))، وهو الرجل الدنيُّ الأحمق، وكذلك المرأة الدّفِنس، والفاء فيه زائدة، وإنَّما الأصل الدال والنون والسين.

ومن ذلك (الدَّرْقَعة)، وهو الفِرار. فالزائِدة فيه القاف، وإنَّما هو من الدال والراء والعين.

ومنه (الاندِراعُ) في السَّيْر، وقد ذكرناه.

ومن هذا الباب (ادْرَعَفَّتِ) الإبلُ، إذا مضَتْ على وُجوهها. ويقال (اذرعَفَّتْ) بالذال. والكلمتان صحيحتان؛ فأمّا الدال فمن الاندراع، وأمّا الذال فمن الذريع. والفاء فيهما جميعاً زائدة.

ومن ذلك (الدَّهْكَم)، وهو الشّيخ الفاني، والهاء فيه زائدة، وهو من دَكَمْتُ الشيء وتدكَّم، إذا كسرتَه وتكسَّر بعضُه فوقَ بعض. وقال قوم: (التَّدَهْكم): الانقحام في الشيء، وهو ذاك القياسُ الذي ذكرناه.

ومن ذلك (الدَّلَهْمَسُ([3]))، وهو الأسَد. قال أبو عُبيد: سمِّي بذاك لقوَّته وجُرْأته. وهي عندنا منحوتٌ من كلمتين: من دَالَسَ وهَمَسَ. فدالَس([4]): أتى في الظَّلام، وقد ذكرناه، وهمس كأنّه غمس نَفْسَه فيه وفي كلِّ ما يريد. يقال: أسدٌ هموس. قال:

فباتُوا يُدْلِجون وبات يَسْرِي *** بَصِيرٌ بالدّجَى هادٍ هَمُوسُ([5])

  ومن ذلك (دَغْمَرْتُ) الحديثَ، إذا خلَطْتَه. قال الأصمعيّ في قوله:

* ولم يكُنْ مُؤْتَشَبَاً دِغْمَارا([6]) *

قال: المُدَغْمَر: الخفيّ. وهذه منحوتةٌ من كلمتين: دغم، يقال أدغمت الحرف في الحرف إذا أخفيته فيه، وقد فسَّرناه، ومن دَغَر، إذا دخَلَ على الشّيء. وقد مضى.

ومن ذلك (دَرْبَخَ([7])) إذا تذلَّل. والدال فيه زائدة، وهو من دبخ، يقال: مشى حَتَّى تدبَّخَ، أي استرخَى.

ومن ذلك (دَمْشَقَ) عملَه، إذا أٍسرَعَ فيه. والدال فيه زائدة، وإنَّمَا هو مَشَق، وهو الطَّعْن السّريع، وقد فُسِّر في كتاب الميم.

ومن ذلك (الدُّمَّرِغُ) وهو الأحمق، والدال فيه زائدة، وهو من المَرْغ وهو ما يسيل من اللعاب، كأنّه لا يُمْسِك مَرْغَه.

ومن ذلك (الدِّعْبِل)، وهو الجملُ العظيم([8]). وهو منحوتٌ من كلمتين مِن دَبَلْتُ الشَّيءَ، إِذا جمَعْتَه، وقد مضى، وهذا شيءٌ عَبْلٌ. ويجيء تفسيره.

ومن ذلك (الدُّمُْلَج) و(الدَّمْلَجة)، واللام فيه زائدة. وهو من أدمجت، وقد فسرناه. والدُّمُْلَج: المِعْضَد من الحَلْي([9]).

ومن ذلك (الدَّعْلَجةُ)، وهو الذّهاب والرُّجوع والتردُّد، وبه يسمُّون الفَرَس "دَعْلَجاً([10])"، والعين فيه زائدةٌ، وإنما هو الدَّلَج والإدلاج.

ومن ذلك (دَخْرَصَ) فلانٌ الأمرَ، إِذا بيَّنَه. وإِنه لَـ (دِخْرِصٌ)، أي عالمٌ([11]). والوجه أن يكون الدال فيه زائدة، وهو من خَرَصَ الشيءَ، إذا قدَّره بفِطْنته وذكائه.

ومن ذلك (الدَّخْمَسَةَ)، وهو كالخِبّ والخِدَاع، وهي منحوتةٌ من كلمتين: من دَخس ودَمَس، وقد ذكرناهما.

ومن ذلك (الدَّنْخَس([12])) وهو الشديد* اللحم الجَسيم. والنون فيه زائدة، وهو من اللّحم الدَّخيس، وقد مضَى.

ومن ذلك (تَدَرْبَسَ) الرّجُل، إذا تقدَّم. وأنشد:

إذا القوم قالُوا مَنْ فَتىً لِمُهمَّةٍ *** تَدَرْبَسَ باقِي الرِّيقِ فَخْمُ المناكبِ([13])

والدال زائدة، وإنَّما هو من الراء والباء والسين. يقال اربَسَّ اربِساساً، إذا ذَهَب في الأرض.

ومن ذلك (الدلمسُ([14]))، وهي الدَّاهية، وهي منحوتة من كلمتين. من دَلَس الظلمة، ومن دَمَسَ، إذا أتَى في الظَّلام.

ومن ذلك (الدَّغاوِل([15])) وهي الغَوائل، والواو فيها زائدة، وهو من دغل.

ومن ذلك (الادْرِنْفَاقُ)، وهو السَّير السَّريع. وهذا ممّا زِيدت فيه الراء والنون؛ وإنَّما هو من دَفَقَ، وأصله الاندفاع. والدُّفْقَة من الماء: الدُّفعة. وقد مضى.

ومن ذلك (الدُّعْثُور)، وهو الحوض الذي لم يُتَنَوَّقْ في صنعته. قال: العَدَبَّسُ: "الدُّعْثُور: [الحوض([16])] المتَثَلِّم"، وهذا ممّا زِيدت فيه العين. وهو من دَثَرَ. ويجوز أن يكون من دَعَثَ، وقد مضى.

ويقال (ادْرَمَّجَ)، إذا دخل في الشَّيء واستَتَر. والراء فيه زائدة، وإنَّما هو من دَمَج.

ومن ذلك (الدُّمْلوك) والحجر (المُدَمْلَك)، والميم زائدة، وإنَّما هو من دلكت.

ومن ذلك (دَغْفَقْت) الماء: صبَبْتُه، والغين زائدة، وإنَّما هو من دفقت.

ومن ذلك (الدُّحْمُسَانُ([17])): الأسود، والحاء زائدة، وهو من الدَّسَم، وهو عندنا موضوعٌ وضعاً. وقد يكون عند سِوانا مشتقّاً. والله أعلم.

(دَنْقَشَ) الرَّجُلَ دَنْقَشَةً، إذا نَظَر وكسر عينَه.

و(الدَّهْثَمُ) من الرجال: السَّهل الليِّن.

و(الدِّرَفْسُ) و(الدِّرْفاس): الضخم من الرِّجال.

و(الدَّرْمَك): الدَّقيق الحُوَّارَى.

و(الدُّرْنُوك): ضَرْبٌ من الثِّياب ذو خَمْلٍ، وبه تُشبَّه فَروةُ البعير. قال:

* عَن ذِي دَرانِيكَ وهُلْبٍ أَهْدَبا([18]) *

و(الادْعِنْكارُ): إِقبال السَّيل. ومحتملٌ أن يكون هذه من باب دَعَكَ.

و(دمْخَقَ([19]))  الرّجُل في مِشْيته: تثاقَلَ.

و(الدَّغْفَل): ولَدُ الفيل. و(الدَّغْفَليُّ): الزّمان الخِصْب. قال العجّاج:

* وإذْ زَمانُ النّاسِ دَغْفَليُّ([20]) *

ومحتملٌ أن تكون هذه من الذي زيد فيه الدال، كأنّه من غفل؛ وهم يصِفُون الزّمانَ الطيّبَ النّاعمَ بالغَفْلة. قال:

قُدَيْدِيمَةَ التَّجريبِ والحِلمِ إِنَّني *** لَدَى غَفَلاتِ العَيش قبلَ التَّجاربِ([21])

  و(الدِّمَقْس): القَزَّ. و(الدَّرْدَبِيس): الدّاهِيَة، والشيخ الهِمّ.

و(دنْقَسْتُ) بين القوم: أفسدت. و(الدَّهاريس): الدّواهي.

و(الدِّلْقِم): النّاقة التي أَكِلَتْ أسنانُها من الكِبَر. ومحتمل أن تكون هذه منحوتةٌ من دَقَمْتُ فاه، إذا كسرْتَه، ومن دَلَق إذا خرج، كأنّ لسانَها يندلِق.

و(الدَّلْعَكُ) و(الدَّلْعَس): الضَّخمة. و(دَرْبَحَ): عَدَا([22]). و(الدَّرْبَلَةُ): ضربٌ من المشي. و(الدِّرَقْل): ضربٌ من النِّياب. و(الدُّرْدَاقِسُ): عظمٌ يفصِلُ بين الرّأس والعُنق. وما أبعد هذه من الصحّة.

ويقال إنَّ (الدُّلَمِزُ): القويُّ الماضي. وكذلك (الدُّلامِزُ)، والجمع دَلامِزُ. قال الشاعر:

* يَغْبَى عَلَى الدَّلاَمِز البَرَارِتِ([23]) *

والله أعْلَمُ بالصَّواب.

(تم كتاب الدال)

ــــــــــــــــــ

([1]) ويقال أيضاً "دلامص" و"دمالص". وفي المجمل: "الدملص والدمالص".

([2]) ويقال أيضاً "دفناس" وهو ما ورد في المجمل.

([3]) في الأصل: "الدلهس"، صوابه من المجمل واللسان.

([4]) في الأصل: "دلس" في هذا الموضع وسابقه، تحريف. انظر اللسان (دلس).

([5]) أنشد عجزه في اللسان (همس 138)، ونسبه إلى أبي زبيد الطائي.

([6]) لم ترد كلمة "دغمار" في المعاجم المتداولة، ولم أعثر على هذا الشاهد في مرجع آخر.

([7]) وردت هذه الكلمة وما بعدها بالحاء المهملة، في المجمل. وتستقيم اللغة والكلام بكل منهما.

([8]) الذي في المعاجم المتداولة أن الدعبل الناقة القوية أو الشارف، كما أنها فسرت في المجمل بأنها "الناقة الشارف".

([9]) وأما الدملجة، بفتح الدال واللام، فهي تسوية صنعة الشيء.

([10]) ومنه "دعلج" فرس عامر بن الطفيل. والدعلج يقال أيضاً للذئب والحمار والناقة التي لا تنساق إذا سيقت، كما في القاموس.

([11]) هذا المعنى والذي سبقه مما فات صاحب اللسان، أما صاحب القاموس فقد ذكرهما.

([12]) ويقال أيضاً "دخنس" بتقديم الخاء.

([13]) البيت في المجمل واللسان (دربس).

([14]) الدلمس، كعلبط وكزبرج. والكلمة وردت في القاموس ولم ترد في اللسان.

([15]) في الأصل: "الدعلول"، صوابه في المجمل واللسان.

([16]) التكملة من المجمل.

([17]) ويقال أيضاً "الدحسمان".

([18]) أنشده في اللسان (هدب) برواية: "ولبد أهدبا"، وفي (درنك): "ولبداً".

([19]) في الأصل والمجمل: "دمحق" بالحاء المهملة، صوابه بالخاء المعجمة.

([20]) ديوان العجاج 67 واللسان (دغفل).

([21]) ديوان القطامي 50. وفي الديوان واللسان: "أرى غفلات".

([22]) هذا المعنى لم يذكر في اللسان. وفي القاموس: "عدا من فزع".

([23]) البرارت: جمع بريت، وهو الدليل الحاذق. وروى في اللسان (خرت، دلمز): "الخرارت" جمع خريت. وكلاهما بمعنى واحد.

 

 

كتاب الذّال:

ـ (باب الذال وما معها في الثنائي والمطابق)

(ذر)  الذال والراء المشددة أصلٌ واحد يدلُّ على لطافة وانتشار. ومن ذلك الذَّرُّ: صِغار النَّمل، الواحدة ذَرّةٌ. وذَرَرْتُ المِلْحَ والدّواءَ. والذرِيرة معروفة، وكلُّ ذلك قياسٌ واحد.

ومن الباب: ذرّت الشّمْسُ ذُروراً، إذا طَلَعَتْ، وهو ضوءٌ لطيفٌ منتشر. وذلك قولُهم: "لا أفعله ما ذَرَّ شارقٌ"، وما ذَرّ قرنُ الشّمْس. *وحكي عن أبي زيد: ذَرّ البَقْلُ، إذا طلَعَ من الأرض. وهو من الباب؛ لأنّه يكون حينئذٍ صُغَاراً([1]) منتشراً. فأمَّا قولُهم: ذَارَّتِ النّاقةُ. وهي مُذَارٌّ، إذا ساء خُلُقها، فقد قيل إنَّه كذا مثقّل. فإن كان صحيحاً فهو شاذٌّ عن الأصل الذي أصَّلناه. إلا أن الحطيئة قال:

* ذَارَتْ بأَنْفِها([2]) *

مخفّفاً. وأراه الصحيح، ويكون حينئذٍ من ذئِرت، إذا تغضَّبت، فيكون على تخفيف الهمزة. [إلاّ] أنّ أبا زيدٍ قال: في نفسِ فُلانٍ ذِرارٌ، أي إعراضٌ غَضَباً، كذِرار النّاقة. وهذا يدلُّ على القول الأول. والله أعلم.

(ذع)  الذال والعين في المطابق أصلٌ واحد يدلُّ على تفريق الشيء. يقال ذعْذعت الرِّيحُ [الشيءَ] إذا فرّقَتْه، فتذعْذع، أي تفرّق. قال النابغة:

* تُذَعْذِعُها مُذَّعْذِعَةٌ حَنُونُ([3]) *

ويقال إنّ الَذُّعَاع الفُرْجة بين النَّخْلة والنَّخلةِ، في شعر طَرَفَة، على اختلافٍ فيه؛ فقد قال بعضُهم إنّه بالدّال، وقد مضى ذِكْرُه([4]).

وحكى ابنُ دريدٍ([5]): ذَعْذَع السِّرَّ: أذاعَه. والذَّعاع: الفِرَقُ من الناس، الواحدةُ ذَعاعة.

(ذف)  الذال والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على خِفَّةٍ وسُرعة. فالذَّفِيف إتباعٌ للخفيف. ويقال الذَّفيف السَّريع. ومنه يقال ذفَّفْتُ على الجريح، إذا أسرعتَ قَتْلَه. واشتقاق "ذُفافَة" منه. ويقال للماء القليل ذُفافٌ، ومياهٌ أذِفَّةٌ.

وحُكي عن الأعرابيّ: الذَّفُّ: القتل. واستَذَفَّ الأمر: استقامَ وتهيَّأَ. ويقال الذَِّفَاف: الشَّيء اليسير من كلِّ شيء. يقولون ما ذُقْتُ ذَِفافاً، أي أدْنَى ما يؤكل. قال أبو ذُؤيب:

يقولون لما جُشَّت البِئْرُ أَوْرِدُوا *** وليسَ بها أدنَى ذَِفافٍ لواردِ([6])

  يقول: ليس بها شيءٌ.

(ذل)  الذال واللام في التضعيف والمطابقة أصلٌ واحد يدلُّ على الخُضوع، والاستكانة، واللِّين. فالذُّل: ضِدّ العِزّ. وهذه مقابلةٌ في التضادِّ صحيحة، تدلُّ على الحكمة التي خُصَّتْ بها العرب دون سائر الأمم؛ لأنّ العزّ من العَزَازِ، وهي الأرض الصُّلْبة الشديدة. والذِّلُّ خلاف الصُّعوبة. وحُكي عن بعضهم([7]) أنَّه قال: "بعضُ الذِّلِّ-بكسر الذال- أبْقَى للأهْلِ والمال". يقال من هذا: دابّةٌ ذلولٌ، بيِّن الذُّلِّ.

ومن الأوّل: رجلٌ ذليل بين الذُّلّ والمَذَلّة والذِّلّةِ. ويقال لما وُطِئَ من الطَّريق ذِلٌّ. وذُلِّل القِطْفُ تذليلاً، إذا لانَ وتَدَلّى. ويقال: أجْرِ الأمورَ على أذلالها، أي استقامتها، أي على الأمر الذي تَطُوع فيه وتَنْقاد.

ومن الباب ذَلاذِل القميص، وهو ما يلي الأرض من أسافِلِه، الواحدة ذُِلْذُِلٌ. ويقولون: اذْلَوْلَى الرّجُل اذلِيلاَءً، إذا أسرَعَ. وهو من الباب.

(ذم)  الذال والميم في المضاعف أصلٌ واحد يدلُّ كلُّه على خلافِ الحمد. يقال ذَمَمْتُ فلاناً أذُمُّه، فهو ذميمٌ ومذموم، إذا كان غير حميد. ومن هذا الباب الذَّمَّة، وهي البئر القليلةُ الماء. وفي الحديث: "أنّه أتى على بئرٍ ذَمَّةٍ". وجمع الذَّمَّة ذِمام. قال ذو الرُّمّة:

على حِميَرِيّاتٍ كأنَّ عيونَها *** ذِمامُ الرَّكايَا أنكَزَتْها المواتِحُ([8])

  أنكزَتْها: أذهبَتْ ماءَها. والمواتِح: المستَقِيَة.

فأمّا العَهْد فإنَّه يسمَّى ذِماماً لأن الإنسان يُذَمُّ على إضاعته منه. وهذه طريقة للعرب مستعملةٌ، وذلك كقولهم: فلانٌ حامي الذِّمار، أي يَحْمي الشَّيءَ الذي يُغضِب. وحامي الحقيقة، أي يَحْمِي ما يحقّ عليه أن يمنَعَه.

وأهل الذِّمّة: أهلُ العَقْد. قال أبو عُبيد: الذمَّة الأمان، في قوله صلى الله عليه وآله وسلم: "ويَسعَى بذمَّتهم". ويقال أهل الذّمّة لأنهم أدَّوا الجِزْية فأمِنُوا على دمائهم وأموالهم. ويقال في الذِّمام* مَذَمَّة وَمَذِمَّة،  بالفتح والكسر، وفي الذَّمِّ مَذَمَّة بالفتح. وجاء في الحديث:" أنّ رجلاً سأل النبي صلى الله عليه وآله وسلم: ما يُذْهِب عني مَِذَمَّة الرَِّضاع؟ فقال: غُرَّةٌ: عبدٌ أو أمَةٌ". يعني بمذَِمَّة الرَِّضاع ذِمامَ المُرضِعة. وكان النّخَعيّ([9]) يقول في تفسير هذا الحديث: إِنّهم كانوا يستحبُّون أن يَرْضَخوا عند فِصال الصبيّ للظّئْر بشيءٍ سِوى الأَجْر. فكأنّه سأله: ما يُسقط عنِّي حقَّ التي أرضَعتْني حتّى أكونَ قد أدّيْتُ حقَّها كاملاً([10]). حدّثنا بذلك القطَّان عن المفسِّر عن القُتَيبيّ. والعرب تقول: أذْهِبْ مَذَمَّتَهم بشيءٍ؛ أي أعطِهِم شيئاً؛ فإِنّ لهم عليك ذماماً. ويقال افْعَلْ كذا وخَلاَك ذَمٌّ، أي ولا ذمَّ عليك. ويقال أذَمَّ فلانٌ بفلانٍ، إذا تهاوَنَ به. وأذَمَّ به بعيرُه، إذا أَخَّرَ([11]) وانقطَعَ عن سائر الإبل. وشيءٌ مُذِمٌّ، أي مَعيب. ورجلٌ مُذِمٌّ: لا حَرَاك به. وحكى ابنُ الأعرابيِّ. بئرٌ ذميمٌ، وهي مِثْلُ الذَّمَّة. أنشدَنا أبو الحسن القَطَّان عن ثَعْلبٍ عن ابن الأعرابيّ([12]).

مُواشِكَةٌ تستعجِلُ الرَّكْضَ تبتَغِي *** نَضَائِض طَرْقٍ ماؤُهنَّ ذميمُ

  يصف قطاةً. يقول([13]).

وبقي في الباب ما يقربُ من قياسه إن كان صحيحاً. إنَّ الذَّميم بَثْرٌ يخرُج على الأنف.

وحكى ابنُ قتيبة أنَّ الذَّميم البَولُ الذي يَذِمُّ ويَذِنُّ من قضيب التيس. قال أبو زُبيْدٍ([14]):

تَرَى لأَخْلافِها مِن خَلْفِها نَسَلاً *** مثلَ الذَّميمِ على قُزْمِ اليَعَاميرِ

  النَّسَلُ من اللَّبن: ما يخرُج منه. والقُزْم: الصِّغار. قال الشَّيبانيّ: لا أعرِف اليعامير. وسألتُ فلم أجِدْ عند أحدٍ بها علماً، ويقال هي صِغار الضّأن.

(ذن)  الذال والنون في المضاعف أصلٌ يدلُّ على سَيَلان. فالذَّنين ما يَسِيل من المنخرَيْنِ. وقد ذَنّ ذَنّاً([15])، وهو أذَنُّ. قال الشمّاخ:

توائِلُ من مِصَكٍّ أنْصَبَتْهُ *** حوالِبُ أسْهَرَتْه بالذَّنينِ([16])

  ويقال له الذُّنَان أيضاً. ويقال إنّ المرأةَ الذّنّاءُ التي يسيل حَيضُها ولا ينقطع ويقال الذُّنانة بَقيّةُ الشّيء الهالكِ الضعيف.

ومما يشذّ عن الباب- وقد قلتُ إنّ أكثر أمْرِ النَّبات على غير قياس، الذُّؤْنُون: نبتٌ. يقال خرَجَ النّاسُ يَتذأْنَنُون، إذا أخَذُوا الذُّؤْنُون.

(ذب)  الذال والباء في المضاعف أصولٌ ثلاثة: أحدها طُوَيئرٌ، ثم يُحمَل عليه  ويشبَّه به غيرُه، والآخَر الحَدُّ والحِدّة، والثالث الاضطرابُ والحرَكة.

فالأوّل الذُّباب، معروف، وواحدته ذُبابة، وجمع الجمع أذِبّة. وممّا يشبّه به ويُحمَل عليه ذُباب العَين: إنسانُها. ويقال ذَبَبْتُ عنه، إذا دفَعْتَ عنه، كأنّك طردت عنه الذُّباب التي يتأذّى به. وقول النابغة:

* ضَرَّابَةٍ بالمِشْفَر الأّذِبَّهْ([17]) *

فهو جمع ذُبابٍ. والمذبوبُ من الإبل: الذي يدخل الذباب منخره. والمذبوب: الأحمق، كأنّه شُبِّه بالجمل المذبوب.

وأمّا الحَدُّ فذُبَاب أسنانِ البعير: حَدُّها. قال الشاعر([18]):

وتَسْمَعُ للذُّباب إذا تَغَنَّى *** كتَغريد الحمامِ على الغُصُونِ([19])

  وذُباب السَّيف: حَدُّه.

والأصل الثالث: الذَّبذَبة: نَوْس الشَّيءِ المعلَّق في الهواء. والرجل المذَبْذَب: المتردِّد بين أمرين. والذُّبْذَبُ: الذَّكَر؛ لأنه يتذَبْذَب أي يتردَّد. والذَّباذِبُ: أشياءُ تُعلَّق في هَودَجٍ([20])أو رأس بعيرٍ. والذَّبُّ: الثَّور الوحشيّ، ويسمَّى ذَبّ الرِّياد. قال ابنُ مقبل:

يُمشِّي بها ذَبُّ الرِّيادِ كأنَّه *** فَتىً فارسيٌّ ذُو سِوَارَيْنِ رَامحُ([21])

  وقالوا: سُمِّيَ ذبَّ الرِّياد لأنَّه يجيء ويذهب، لا يثبُت في موضعٍ واحد.

ومن هذا الأصل الثالث قولُهم ذَبَّت شفَتُه، إذا ذَبَُلَتْ من العطَش. وأنشد:

هُمُ سَقَوْنِي عَلَلاً بَعْدَ نَهَلْ *** مِنْ بَعْدِ ما ذَبَّ* اللِّسانُ وذَبَُلْ([22])

  ويقال ذَبَّ النَّبْت، إذا ذَوَى. وذَبّ جِسمُه، أي هَزُل.

ومن الاضطراب والحركة قولهم: ذبَّبْنا ليلتَنا، أي أتعبْنا في السَّير. ولا ينالون الماء إلاَّ بقَرَبٍ مذبِّبٍ، أي مُسْرِع. قال:

مُذَبِّبَةً أَضَرَّ بها بُكُورِي *** وتَهْجيرِي إذا اليَعفورُ قالا([23])

  وقال:

يُذَبِّبُ وَرْدٌ على إثْرِه *** وأَمْكَنَه وَقْعُ مِرْدىً خَشِبْ([24])

  والله أعلم بالصّواب.

ـــــــــــــــ

([1]) الصغار، بالضم: الصغير، كقولك طوال بالضم، بمعنى طويل، وأراه أقوى في القراءة هنا. والصغار، بالكسر: جمع صغير .([2]) قطعة من بيت في ديوان الحطيئة 10 واللسان (درر). وهو بتمامه:

وكنت كذات البعل ذارت بأنفها *** فمن ذاك تبغي غيره أو تهاجره

([3]) عجز بيت له لم يرو في ديوانه، وقد سبق في (حن ص 25). وصدره كما في اللسان (حنن، ذعع):

* غشيت لها منازل مقفرات *

([4]) لم يسبق في مادة (دع) ذكر للدعاع، ولم يستشهد بشعر طرفة. الذي يعنيه من شعر طرفة هو قوله: وعذاريكم مقلصة *** في دعاع النخل تصطرمه

([5]) الجمهرة (1: 143).

([6]) ديوان أبي ذؤيب 123، واللسان (جشش، ذفف)، وقد سبق إنشاده في (1: 415). والكلمة الأولى من البيت ساقطة من الأصل.

([7]) هو حديث ابن الزبير، كما في اللسان (ذلل).

([8]) ديوان ذي الرمة 103 والمجمل واللسان (ذمم).

([9]) هو إبراهيم بن يزيد النخعي، كما صرح به ابن فارس في المجمل. وهو فقيه كوفي، توفي سنة 196. انظر تهذيب التهذيب.

([10]) في المجمل: "قد أديته كاملاً".

([11]) يقال أخر يؤخر تأخراً، وأخرته أنا، لازم متعد.

([12]) زاد في المجمل: "للمرار" والبيت التالي للمرار، كما في اللسان (ذمم).

([13]) كذا وردت هذه الكلمة. وقد تكون مقحمة.

([14]) في الأصل: "أبو دبر"، صوابه في المجمل واللسان (ذمم).

([15]) يقال ذن، كفرح ذننا، وكذلك ذن يذن بكسر الذال، ذنينا.

([16]) ديوان الشماخ 93. ورواية "أسهرته" هذه رواية أبي عبيد، كما نص في اللسان. ويروى: "أسهريه". والأسهران: عرقان يندران من الذكر عند الإنعاظ. وأنكر الأصمعي الأسهرين، وقال: "وإنما الرواية أسهرته، أي لم تدعه ينام". انظر اللسان (سهر).

([17]) من رجز يقوله النابغة للنعمان بن المنذر، كما في الأغاني (9: 169). وقبله:

أصم أم يسمع رب القبه *** يا أوهب الناس لعنس صلبه

([18]) هو المثقب العبدي. وقصيدته في المفضليات (2: 88-92).

([19]) أنشده في المجمل واللسان (ذبب).

([20])  في الأصل: "من هودج".

([21]) أنشد صدره في المجمل. والبيت في اللسان (رمح، رود، سرل) والخزانة (1: 111) برواية: "في سراويل رامح". وصدره في اللسان (سرل) والخزانة:

* أتى دونها ذب الرباد كأنه *

([22]) البيتان في المجمل واللسان (ذبب).

([23]) لذي الرمة في ديوانه 438 واللسان (ذبب).

([24]) البيت لعنترة في ديوانه 21 واللسان (ذبب)، يقوله في ورد بن حابس الأسدي.

 

 

ـ (باب الذال والراء وما يثلثهما)

(ذرع) الذال والراء والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على امتدادٍ وتحرُّك إلى قُدُم، ثم ترجع الفروعُ إلى هذا الأصل. فالذِّراع ذِراع الإنسان، معروفة. والذَّرع: مصدر ذَرَعْتُ الثَّوبَ والحائطَ وغيرَه. ثمّ يقال: ضاق بهذا الأمر ذَرْعاً، إذا تكلَّفَ أكثَرَ ممّا يطيق فَعَجَز. ويقال ذَرَعَهُ القَيء: سبقَه. ومَذَارِعُ الدَّابة: قوائمها، والواحد مِذْراع. وتَذَرّعَتِ الإِبلُ الماءَ: خاضت بأذْرُعها([1]). ومَذَارع الأرض: نواحيها، كأنَّ كلَّ ناحيةٍ منها كالذِّراع. ويقال ذَرَعْتُ البعير: وَطئْتُ على ذِراعه ليركَبَ صاحبي. وتذَرَّعَتِ المرأةُ الخُوصَ، إذا تنقَّتْه، وذلك أنّها تُمِرّه مع ذراعها. قال:

* تذرُّعُ خِرصانٍ بأيدِي الشَّواطبِ([2]) *

والذَّريعة: ناقةٌ يتَسَتَّر بها الرّامِي يرمي الصَّيد. وذلك أنَّه يتذرّع معها ماشياً.

ومن الباب: تذرَّعَ الرّجُل في كلامه. والإِذْراع: كثرةُ الكلام. وفرس ذَريعٌ: واسع الخَطْو بَيِّن الذَّرَاعَة. وقوائِمُ ذَرِعاتٌ: خفيفات. والذِّراعان: نجمان، يقال هما ذِراعا الأسد. ويقال للمرأة الخفيفة اليدِ بالغَزْل: ذَِرَاع. قاله الكِسائيّ. ويقال ثورٌ مذرَّع، إذا كان في أذرُعِهِ لُمَعٌ سُودٌ. ومطرٌ مذرِّع، وهو الذي إذا حُفِرَ عنه بلغ من الأرض قدر ذِراع. والمذرَّع من الرّجال: الذي يكون أمُّه عربيّة وأبوه خسيساً غيرَ عربيّ. وإنَّما سُمِّي مذرَّعاً بالرَّقْمَتينِ في ذِراع البغل، لأنّهما أتَتَا من قِبَل الحِمار. ويقال للرجل تَعِدُهُ أمراً حاضراً: هو لَكَ مِنِّي على حَبْل الذِّراع. ويقال لصَدْر القناة: ذِراع العامل. والذِّراعان: [هَضَبَتَانِ([3])]. قال:

* إلى مَشْرَبٍ بينَ الذِّراعَين بارِدِ([4]) *

والمَذَارع: ما قرُب من الأمصار، مثل القادسيّة من الكوفة والمَذارع من النَّخل: القريبة من البيوت. وزقٌّ مِذْرَاعٌ([5])، أي طويل ضَخْم. ويقال ذَرَّعَ لي فلانٌ شيئاً من خَبَرٍ، أي خَبَّرَني. ويقال ذرّع الرجل في سَعْيِهِ، إذا عدا فاستعانَ بيديه وحرَّكهما. ويقال للبَشير إذا أومَأَ بيده: قد ذَرّع البَشيرُ. وهو علامةُ البُِشارة.

(ذرف)  الذال والراء والفاء ثلاثُ كلماتٍ، لا ينقاس. فالأولى ذَرَفَت العينُ دمْعَها. وذَرَفَ الدّمعُ يَذْرِف ذَرْفاً. وَمَذَارف العَينِ: مدامعها. والثانية ذَرَفَ يَذْرِفُ ذَرَفانا، وذلك إذا مشَى مَشْياً ضعيفاً. والثالثة ذرّف على المائة، أي زادَ عليها.

(ذرق)  الذال والراء والقاف ليس بشيء. أما الذي لِلطائر فأصله الزاء، وقد ذكر في بابه. والذَّرَق: نبْت؛ يقال أذرقَت الأرضُ، إذا أنبَتَتْهُ.

(ذرو)  الذال والراء والحرف المعتل أصلان: أحدهما الشَّيءُ يُشرِف على الشَّيء ويُظِلّه، والآخر الشَّيء يتساقط متفرّقاً.

فالذُِّروة: أعْلَى السَّنامِ وغيره، والجمع ذُرىً. والذَّرَا: كلُّ شيءٍ استترْتَ به. تقول: أنا في ظِلِّ فُلانٍ، أي ذَرَاه. والمِذْرَوَانِ: أطراف الأَلْيَتَينِ؛ لأنّهما يُشرفان على [ما] بينَهما.

وأما الآخر فيقول: ذَرَا نابُ الجَمَل، إذا انكسَرَ حدُّه. قال أوسٌ:

إذا مْقَرَمٌ منَّا ذَرا حَدُّ نابِهِ *** تخمَّطَ فينا نابُ آخَرَ مُقْرَمِ([6])

  ومن الباب ذَرَت الرِّيحُ الشَّيءَ تَذْرُوه. والذَّرَا: اسمٌ لما ذَرَتْهُ الرِّيح.ويقال* أذْرَت العينُ دمْعَها تُذْريه. وأَذْرَيْتُ الرّجُلَ عن فرَسه: رميتُه. ويقال إنَّ الذَّرَى اسمٌ لما صُبّ من الدّمع.

ومن الباب قولُهم: بلَغنِي عنه ذَرْوٌ مِن قولٍ، وذلك ما يُساقِطُه من أطراف كلامه غيرَ متكامِل.

(ذرأ)  الذال والراء والهمزة أصلان: أحدهما لونٌ إلى البياض، والآخر كالشَّي يُبذَرُ ويُزْرَع.

فالأوّل الذُّرْأة، وهو البياضُ من شَيبٍ وغيرِه. ومنه ملح ذَرَآنِيٌّ وذَرْآنيّ. والذُّرْأة: البياض. ورجل أذرَأُ: أشيب، والمرأة ذَرْآء. وقال الشيبانيّ: شَعْرَةٌ ذَرْآءُ، على وزن ذرعاء، أي بيضاء. والفِعل منه ذَرِئَ يَذْرَأُ. ويقال إِنَّ الذَّرْآءَ من الغنم: البَيضاء الأذُن.

والأصل الآخر: قولهم ذَرَأْنا الأرضَ، أي بذَرْناها. وزرعٌ ذرِيءٌ، [على] فعيل. وأنشد:

شقَقْتِ القلبَ ثم ذرَأْتِ فِيهِ *** هَواكِ فليمَ فالتَامَ الفُطُورُ([7])

 ومن هذا الباب: ذرَأَ اللهُ الخَلْق يذرؤُهُم. قال الله تعالى: {يَذْرَؤُكُمْ فِيهِ} [الشورى 11].

وممّا شذّ عن الباب قولهم أذْرَأْتُ فلاناً بكذا: أوْلَعْتُه به. وحُكِيَ عن ابن الأعرابيّ: ما بيني وبينه ذَرْءٌ، أي حائلٌ.

(ذرب)  الذال والراء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف الصَّلاح في تصرُّفه، مِن إقدامٍ وجرأةٍ على ما لا ينبغي. فالذَّرَبُ: فَسادُ المَعدة. قال أبو زيد: في لِسانِ فلان ذَرَبٌ([8])، وهو الفُحْش. وأنشد:

أرِحْني واستَرِحْ مِنِّي فإنِّي *** ثَقِيلٌ مَحْمَلِي ذَرِبٌ لِسانِي([9])

  وحكى ابنُ الأعرابيّ: الذّرَبُ: الصدأ الذي يكون في السَّيف. ويقال ذَرِبَ الجُرح، إذا كان يزدادُ اتِّساعاً ولا يَقبل دواء. قال:

أنت الطبيبُ لأدْواء القلوب إذا *** خِيِفَ المُطَاوِلُ من أدوائِها الذّرِبُ

  وبقيت في الباب كلمةٌ ليس ببعيد قياسُها عن سائر ما ذكرناه؛ لأنَّها لا تدلُّ على صلاحٍ، وهي الذَّرَبَيَّا، وهي الدَّاهية. يقال: رماه بالذَّرَبَيَّا. قال الكميت:  

رمانِيَ بالآفات من كلِّ جانبٍ *** وبالذَّرَبَيَّا مُرْدُ فِهْرٍ وشِيبُها([10])

  (ذرح)  الذال والراء والحاء معظَمُ بابِهِ أصلٌ واحدٌ، وهو تفريق الشَّيء على الشيء يكسُوه صِبْغاً([11]). يقال ذَرَّحْتُ الزّعفرانَ في الماء، إذا جعلت فيه شيئاً منه يسيراً. ثم يقال أحْمَرُ ذَرِيحِيٌّ، كأنَّ الحُمْرَة ذُرِّحتْ عليه. والذَّرِيح: فحل ينسب إليه الإبل. وممكنٌ أن يكون ذلك للونه، كما يقال أحمر([12]). قال:

* من الذَّرِيحيّاتِ ضَخْماً آرِكا([13]) *

والذرائح: الهِضاب، واحدتها ذَريحة. وقد يمكن أن تُسمّى بذلك للَوْنها. قال الله عز وجلَّ { وَمِنَ الجِبالِ جُدَدٌ بيضٌ وحُمْرٌ}[فاطر 27].

ومن الباب أيضاً: الذَّرَارِيح، واحدتها ذُرُّوحَةٌ وذُرَّاحَةٌ وذُرَحْرَحة([14]). يقال ذَرّحَ طعامَه، إذا جعل فيه ذلك. وحكى ناسٌ عَسَلٌ مُذَرَّحٌ، أُكْثِر عليه الماء.

والله أعلم بالصّواب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) في المجمل: "خاضته بأذرعها".

([2]) صدر بيت لقيس بن الخطيم في ديوانه 12 واللسان (ذرع، خرص، شطب). وصدره:

* ترى قصد المران تهوى كأنها *

([3]) التكملة من المجمل ومعجم البلدان (4: 192) واللسان (ذرع 453).

([4]) أنشد هذا الشطر في اللسان (ذرع).

([5]) بدله في اللسان "مذرع" على مفعل. ويقال أيضاً "ذراع" وهو ما جاء في المجمل.

([6]) ديوان أوس 27 واللسان (قرم، ذرا، خمط). وصدره في المجمل.

([7]) البيت لعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، كما في اللسان (ذرأ) وأمالي ثعلب 284.

([8]) في الأصل: "في إيمان فلان ذرب" تحريف. وفي المجمل: "في لسانه ذرب".

([9]) أنشده في اللسان (ذرب).

([10]) البيت في المجمل واللسان (ذرب)، وقصيدته في الهاشميات 85.

([11]) في الأصل " صنيعا".

([12]) في الأصل: " حمر". وفي اللسان: " وبعير أحمر لونه مثل لون الزعفران إذا أجسد به الثوب".

([13]) لمبشر بن هذيل بن زافر الفزاري أحد بني شمخ، كما في أمالي ثعلب 452. وأنشده في اللسان (ذرح، لكك) بدون نسبة.

([14]) فيه اثنتا عشرة لغة ذكرها صاحب القاموس. وهي دويبة حمراء منقطة بسواد، تطير، أو هي من السموم.

 

 

ـ (باب الذال والعين وما يثلثهما)

(ذعف)  الذال والعين والفاء كلمةٌ واحدةٌ: الذُّعَاف: السمُّ القاتل. طعام مذعوف. وذُعِفْ الرَّجُل: سُقِيَ ذلك.

(ذعق) الذال والعين والقاف، ليس أصلاً ولا فيه لغة، لكنّ الخليلَ زعم أنَّ الذُّعاف لغة في الذُّعاق، ثم قال: ما أدْرِي ألغة هي([1]) أم لُثْغَةٌ. وكان ابنُ دريدٍ يقول : الذُّعاق كالزُّعاق، وهو الصِّياح. يقال ذَعَقَ وزَعَق، إذا صاحَ، بمعنىً.

(ذعر)  الذال والعين والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على فَزَع، وهو الذُّعْر. يقال ذُعِرَ الرَّجُل فهو مذعور. والذَّعور من الإِبل: التي إذا مُسَّت غارَّتْ([2]). وامرأةٌ ذَعُورٌ: تُذْعَر من الرِّيبَة. قال:

تَنُولُ بمعروف الحَديث وإِنْ تُرِدْ *** سِوى ذَاكَ تُذْعَرْ منك وهْي ذَعورُ([3])

(ذعن)  الذال والعين* والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الإصحاب والانقياد. يقال أَذْعَنَ الرَّجُل، إذا انقاد، يُذْعِنُ إِذْعاناً، وبناؤه ذَعَنَ، إلاَّ أنَّ استعماله أَذْعَنَ. ويقال ناقةٌ مِذْعانٌ: سَلِسَة الرأسِ منقادة.

(ذعط)  الذال والعين والطاء كلمةٌ واحدة. يقال ذعطه، إذا ذَبَحه. وذَعطَتْه المنِيّة: قتلَتْه. قال الشاعر([4]):

إذا بلغُوا مِصْرهم عُوجِلوا *** من الموت بالهِمْيَعِ الذَّاعطِ

  وقريب من هذا الذال والعين والتّاء؛ فإنّهم يقولون ذَعَتَه يذعَتُه، إذا خنقَه.

 

ـ (باب الذال والفاء وما يثلثهما)

(ذفر)  الذال والفاء والراء كلمةٌ تدلُّ على رائحةٍ. يقولون: الذفَر: حِدَّة الرائحة الطيبة. ويقولون مِسْكٌ أذْفَرُ. ويقولون: روضةٌ ذَفِرةٌ: لها رائحةٌ طيِّبة. والذَّفْراءُ: بقلة. فأمّا الذِّفْرَى فهو الموضع الذي يَعرقُ من قَفَا البعير. ولابدّ أن تكون لذلك المكانِ رائحةٌ. والذِّفِرُّ: البعير القويّ ذلك الموضعُ منه، ثمَّ استُعِير ذلك فقيل له في الإنسان أيضاً ذِفْرى. قال:

والقُرط في حُرَّة الذِّفْرى مُعَلَّقُهُ *** تباعَدَ الحبْلُ عنه فهو مضطربُ([5])

  (ذفل)  الذال والفاء واللام ليس أصلاً. على أنهم يقولون إن الذَِّفْل: القَطِرانُ. ويُنشِدون لابن مقبل:

تَمَشَّى به الظِّلْمانُ كالدُّهم قارَفَتْ *** بزَيْت الرُّهاءِ الجوْنِ والذِّفْلِ طاليَا([6])

  والله أعلم.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "بين".

([2]) في المجمل: "إذا مس ضرعها غارت"، وبتشديد راء "غارت"، وهو أن يذهب لبنها لحدث أو علة.

([3]) تنول: تعطي نوالاً. وفي الأصل: "تنور"، صوابه إنشاده من اللسان (نول، ذعر).

([4]) هو أسامة بن حبيب الهذلي، كما في اللسان (همع، ذعط). وقصيدة البيت في الجزء الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 103 ونسخة الشنقيطي من الهذليين 84.

([5]) البيت لذي الرمة كما سبق في حواشي (حر). وفي الأصل: "معلقة". وانظر تحقيق ذلك فيما مضى.

([6]) الرهاء: مدينة بالجزيرة بين الموصل والشام. وقد أنشد في المجمل الكلمتين الأخيرتين من البيت فقط.

 

 

ـ (باب الذال والقاف وما يثلثهما)

(ذقن) الذال والقاف والنون كلمةٌ واحدة إليها يرجع سائرُ ما يشتقّ من الباب. فالذَّقَنُ ذَقَن الإنسان وغيرِه(1): مَجمَع لَحْيَيه. ويقال ناقةٌ ذَقُونٌ: تحرِّك رأسَها إذا سارت. والذّاقنة: طرَف الحلقومِ الناتئُ. وهو في حديث عائشة: "تُوفِّيَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بين سَحْرِي ونَحْري وحاقِنَتِي وذاقِنَتِي". وتقول: ذَقَنْتُ الرّجل أَذْقُنُه، إذا دَفعْتَ بجُمْع كفِّك في لِهْزِمَتِه. ودَلْوٌ ذَقونٌ، إذا لم تكُنْ مستويةً، بل تكون ضخمةً مائلة.‏

ــــــــــــــــ

(1) الذقن، بالتحريك، ويقال ذقن أيضاً بالكسر.‏

 

 

ـ (باب الذال والكاف وما يثلثهما)

(ذكا)  الذال والكاف والحرف المعتلّ أصلٌ واحد مطّردٌ منقاس يدلُّ على حِدَّةٍ [في] الشَّيء ونفاذٍ. يقال للشَّمس "ذُكاءُ" لأنَّها تذكو كما تذكو النّار. والصُّبح: ابنُ ذُكاءَ، لأنّه من ضوئها.

ومن الباب ذكَّيتُ الذَبيحة أُذكّيها، وذكّيت النّار أذكّيها، وذَكَوْتُهَا أذْكُوها. والفَرَس المُذكِّي: الذي يأتي عليه بعد القُروح سنة؛ يقال ذكّى يُذَكِّي. والعرب تقول: "جَرْيُ المذَكِّيِاتِ غِلابٌ"، وغِلاءٌ أيضاً. والذّكاء: ذكاء القلب([1]). قال الشاعر([2]):

يفضّله إذا اجْتَهَدَا عَلَيْهِ *** تمامُ السِّنِّ منه والذّكاءُ([3])

  والذّكاء: سُرعة الفِطنة، والفعل منه ذَكِيَ يَذْكَى([4]). ويقال في الحرب والنّار: أَذكَيت أيضاً. والشَّيء الذي تُذْكَى به ذُكْوةٌ.

(ذكر)  الذال والكاف والراء أصلان، عنهما يتفرَّع كَلِمُ الباب. فالمُذْكِر: التي وَلَدَتْ ذكراً. والمِذْكار: التي تَلِد الذُّكْرانَ عادةً. قال عديّ:

ولَقد عَدَّيْتُ دَوسَرَةً *** كعَلاَةِ القَين مِذْكارَا([5])

  والمِذْكار: الأرض تُنْبِت ذُكور العُشْب. والمذَكَّرَة من النُّوق: التي خَلْقها وخُلُقها كخَلْق البعير أو خُلُقه. قال الفرّاء: يقال كَمِ الذِّكَرَةُ مِن ولدك؟ أي الذُّكور. وسيف مذكَّر: ذو ماءٍ. وذُو ذُكْرٍ([6])، أي صارم.

وذُكور البَقْل: ما غلُظ منه، كالخُزامَى والأُقْحُوانِ. وأحرار البُقول([7]): ما رَقَّ وكرُم. وكان الشَّيبانيّ يقول: الذُّكور إلى المرارَةِ ما هِيَ.

والأصل الآخر: ذَكَرْتُ الشيء، خلافُ نسِيتُه. ثم حمل عليه الذِّكْر باللِّسان. ويقولون: اجعلْه منك على ذُكْرٍ، بضم الذال، أي لا تَنْسَه. والذِّكر:

العَلاء والشَّرَف. وهو قياس الأصل. ويقال رجلٌ ذَكُِرٌ وذكيرٌ([8])، أي جيِّد الذِّكْر شَهْمٌ.

ــــــــــــــــــ

([1]) في المجمل: "والذكاء حدة القلب".

([2]) هو زهير بن أبي سلمى، كما في اللسان (ذكا). وانظر ديوانه 69 بتفسير ثعلب و 70 بتفسير الشنتمري.

([3]) أي يفضل هذا الحمار على الأتان إذا اجتهد هو والأتان. والضمير في "عليه" عائد إلى "الوعث" في قوله من قبل:

وإن مالا لوعث خاذمته *** بألواح مفاصلها ظماء

    وفي اللسان: "إذا اجتهدوا" تحريف. ويروى: "إذا اجتهدت" بعود الضمير إلى الأتان.

([4]) ويقال أيضاً ذكا يذكو ذكاء، وذكو يذكو.

([5]) أنشده في المجمل (ذكر) وفي اللسان (دسر).

([6]) كذا في الأصل والمجمل مع هذا الضبط. وفي اللسان والقاموس: "ذكرة" بالتاء في آخره.

([7]) بدله في المجمل: "والعرارة" تحريف.

([8]) كفطن، وندس، وكريم، وسكير، أربع لغات بمعنى.

 

 

 

ـ (باب الذال واللام وما يثلثهما)

(ذلف) الذال واللام والفاء كلمةٌ واحدة لا يُقاس عليها، وهي الذَّلَف: استواءٌ في طرف الأنف ليس بِحَدٍّ غليظٍ، وهو أحسن الأُنوف.‏

(ذلق) الذال واللام والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حِدّة. فالذَّلْق: طرَف اللِّسان. والذَّلاقة: حِدَّة اللِّسان، وكلُّ محدَّدٍ مذلَّق. وقرن الثور مذلَّق. ويُشتقُّ من ذلك أَذلَقْتُ الضَّبَّ، إذا صَببتَ الماء في جُحره ليخرج. والإذْلاق: سرعة الرَّمْي.‏

 

 

ـ (باب الذال والميم وما يثلثهما)

(ذمي) الذال والميم والحرف المعتل أصلٌ واحد يدلُّ على حركةٍ. فالذَّماء: الحركة؛ يقال ذَمى يَذْمِي، إذا تحرَّك. والذَّمَيان: الإسراع. ويقال لبَقِيّة النَّفْس الذَّماء، وذلك أنّها بقيَّة حركتِه. ومن الباب: خُذْ ما ذَمَى لك، أي ما ارتفع، وهو من الباب لأنه يَسْنَح. ويقال ذَمَتْني رِيحُ كذا، أي آذَتْني.‏

(ذمر) الذال والميم والراء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شِدّةٍ في خَلْق وخُلُق، من غَضَب وما أشبهه. فالذِّمْرُ(1): الرّجُل الشجاع. وكذلك الذَّمْر الحَضُّ. وإذا قيل فلانٌ يتذمَّر، فكأنَّه يلوم نفسه(2) ويتغضَّب. والذِّمار: كلُّ شيءٍ لَزِمَك حِفْظُه والغضبُ له.‏

وأمّا الذي قُلْناه في شِدَّة الخَلْق فالمُذَمَّر، هو الكاهل والعُنُق وما حولَه إلى الذِّفْرَى، وهو أصل العُنق. يقولون: ذَمّرْتُ السّليلَ، إذا مَسَِسْتَ قفاه لتنظر أذكرٌ أم أنثى. قال أحيحة(3):‏

وما تَدرِي إذا ذَمّرْتَ سَقْبَا *** لِغَيْرِكَ أو [يكون] لك الفصيلُ(4)‏

ويقولون: إذا اشتدّ الأمر: بلغ المُذَمَّر. ويقولون رجلٌ ذَمِيرٌ وذَمِرٌ: مُنْكَر. وتذامَرَ القومُ، إذا حَثََّ بعضُهم بعضاً. ومن الباب: ذَمَرَ الأسد: إذا زأر، يذْمَُر ذَمِرَة(5).‏

(ذمل) الذال والميم واللام كلمةٌ واحدةٌ في ضربٍ من السَّير. وذلك الذَّميلُ، كالعَدْوِ من الإِبل؛ يقال ذَمَّلْتُ الجملَ، إذا حمَلْتَه على الذَّميل.‏

(ذمه) الذال والميم والهاء ليس أصلاً، ولا منه ما يصحّ(6)؛ إلا أنهم يقولون ذَمِهَ، إذا تحيَّرَ؛ ويقال ذَمَهتْه الشَّمس: آلمت دِماغَه.‏

والله أعلم.‏

ــــــــــــــــ

(1) يقال أيضاً ذمر، بفتح فكسر وذمر بكسرتين مع تشديد الراء، وذمير ككريم.‏

(2)في المجمل: "يلوم نفسه على فائت".‏

(3) في المجمل: "وأنشدني لأحيحة بن الجلاح".‏

(4) التكملة من المجمل. وفيه "أم يكون لك". وانظر بعض أقران هذا البيت في حماسة البحتري 186-362.‏

(5) في القاموس: "والذمرة، كزنخة: الصوت".‏

(6) في الأصل: "والأميهة ما يصح".‏

 

 

ـ (باب الذال والنون وما يثلثهما)

(ذنب) الذال والنون والباء أصول ثلاثة: أحدها الجُرم، والآخر مؤخَّر الشيء، والثالث كالحظِّ والنّصيب.‏

فالأوّل الذّنب والجُرم. يقال أَذْنَبَ يُذْنِبُ. والاسم الذّنْب، وهو مُذْنِبٌ. والأصل الآخر الذّنَب، وهو مؤخر الدوابّ(1)، ولذلك سُمِّي الأتباعُ الذُّنَابَى. والمَذَانب: مَذانب التِّلاع، وهي مَسَايل الماء فيها. والمذنِّب من الرُّطَب: ما أرْطَبَ بَعضُه. ويقال للفرس الطويل الذّنب: ذَنُوب. والذِّناب: عَقِبُ كلِّ شيء. والذّانب: التابع؛ وكذلك المستَذْنِبُ: الذي يكون عند أذناب الإبل. قال الشاعر(2):‏

* مثل الأَجيرِ استَذْنَبَ الرّواحلاَ(3) *‏

فأمّا الذّنائب فمكانٌ، وفيه يقول القائل(4):‏

فإِنْ يَكُ بالذَّنائِبِ طالَ ليلِي *** فقد أَبْكِي من اللّيل القصيرِ(5)‏

والله أعلم.‏

ـــــــــــــــ

(1) في الأصل: "وهو من الدواب".‏

(2) هو رؤبة، انظر ديوانه 126. وانشده في اللسان (ذنب 375).‏

(3) وكذا ورد في المجمل. وفي حواشي اللسان عن تكملة الصاغاني، أن هذه الرواية تصحيف وصوابها: "شل الأجير" ويروى: "شد". والذي في الديوان: "شل".‏

(4) هو مهلهل، كما في اللسان (ذنب).‏

(5) رواه في اللسان: "على الليل" وفسره بقوله: "يريد فقد أبكي على ليالي السرور لأنها قصيرة".‏

 

 

ـ (باب الذال والهاء وما يثلثهما)

(ذهب)  الذال والهاء والباء أُصَيْلٌ يدلُّ على حُسْنٍ ونَضارة. من ذلك الذَّهبُ معروف، وقد يؤنَّث فيقال* ذَهَبة، ويجمع على الأذْهَاب([1]). والمَذَاهب: سُيورٌ تُموَّهُ بالذّهَب، أو خِلَلٌ من سُيوف. وكلُّ شيءٍ مموَّهٍ بذَهَبٍ فهو مُذْهَبٌ. قال قيس:

أتعرِف رسماً كاطّرادِ المَذَاهِبِ *** لعَمْرَةَ وَحْشاً غيرَ مَوْقِف راكبِ([2])

  ويقال رجلٌ ذَهِبٌ، إذا رأى مَعْدِنَ الذّهب فَدَُهِش. وكميتٌ مُذْهَبٌ، إذا علتْهُ([3]) حُمْرةٌ إلى اصفرار. فأمّا الذِّهْبة فمطرٌ جَوْدٌ. وهي قياس الباب؛ لأنَّ بها تَنْضُر الأرضُ والنّبات. والجمع ذِهابٌ. قال ذو الرُّمّة:

* فيها الذِّهابُ وحَفَّتْها البَراعيمُ([4]) *

فهذا معظمُ الباب. وبقي أصلٌ آخر، وهو ذَهاب الشيء: مُضِيُّه. يقال ذَهَب يَذْهَب ذَهاباً وذُهوباً. وقد ذَهَبَ مَذْهباً حَسنا.

(ذهر)  الذال والهاء والراء ليس بأصلٍ. وربَّما قالوا ذَهِرَ فُوهُ، إذا اسودّت أسنانُه.

(ذهل)  الذال والهاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على شغْلٍ عن شيءٍ بذُعْرٍ أو غيره. ذَهَِلْتُ عن الشّيء أَذْهَل، إذا نسيتَه أو شُغِلْت. وأذْهَلَنِي عنه كذا. هذا هو الأصل. وحُكي عن اللِّحياني: [جاء بَعْدَ([5])] ذُهْلٍ من الليل وذَهْل، كما تقول: مرَّ هُدْءٌ من اللّيل. ويجوز أن يكون ذلك لإظلامه وأنّه يُذْهَل فيه عن الأشياء.

ومما شذّ عن الباب قولهم للفرَس الجواد ذُهْلُولٌ.

(ذهن)  الذال والهاء والنون أصلٌ يدلُّ على قُوّة. يقال ما به ذِهنٌ، أي قوّة. قال أوس:

أنُوء برجلٍ بها ذِهْنُها *** وأعيَتْ بها أُختُها الغَابِرهْ([6])

  والذِّهن: الفِطنة([7]) للشَّيء والحِفْظ له. وكذلك الذَّهَنُ.

والله أعلم بالصواب.

ــــــــــــــــــ

([1]) وكذلك ذهوب، بالضم، وذهبان، بضم الذال وكسرها.

([2]) ديوان قيس بن الخطيم 10 واللسان (ذهب 380).

([3]) في الأصل: "علت".

([4]) صدره كما في الديوان 53 واللسان (ذهب 381): * حواء قرحاء أشراطية وكفت *

([5]) التكملة من المجمل.

([6]) ديوان أوس بن حجر 10 والمجمل واللسان (ذهن). قال في اللسان: "والغابرة هنا الباقية". لكن رواية الديون:

أنوء برجل بها وهيها *** وأعيت بها أختها العاثره

([7]) في الأصل: "الفطرة"، صوابه في المجمل واللسان.

 

 

ـ (باب الذال والواو وما يثلثهما)

(ذوي)  الذال والواو والياء كلمةٌ واحدة تدلُّ على يُبْسٍ وجُفوف. تقول ذَوَى العُود يَذْوِي، إذا جَفّ، وهو ذاوٍ([1])، وربَّما قالوا ذأَى يَذأَى، والأوّل الأجود.

(ذوب)  الذال والواو والباء أصلٌ واحد، وهو الذَّوْب، ثمَّ يحمل عليه ما قاربه في المعنى مجازاً. يقال ذَابَ الشيءُ يذُوب ذَوْباً، وهو ذائب. ثم يقولون مجازاً: ذاب لي عليه من المال كذا، أي وجَب؛ كأنّه لمّا وجب فقد ذاب عليه، كما يذوب الشَّيء على الشيء. والإذوابة: الزُّبْد حين يُوضَع في البُرْمة ليُذاب. والذَّوْب: العَسَل الخالص. ثمَّ يقولون للشَّمس إذا اشتدّ حرُّها: ذابت؛ كأنّها لما بلغت إلى الأجساد بحَرِّها فقد ذابت عليهم. قال:

إذا ذابَتِ الشَّمسُ اتَّقَى صَقَرَاتِها *** بأفنانِ مَربُوعِ الصَّريمةِ مُعْبِلِ([2])

  ويقولون: أذاب فلانٌ أمرَه، أي أصلَحَه. وهو من الباب؛ لأنّه كأنّه فَعلَ به ما يفعله مُذِيب السَّمْن وغيرِه حتَّى يخلُص ويصلُح. ومنه قول بِشر:

وكنتم كَذاتِ القِدْر لَم تَدْرِ إِذْ غَلت *** أتُنْزِلُها مذمومةً او تذيبُها([3])

  وقال قومٌ: تُذِيبها تُنْهِبُها؛ والإذابة: النُّهبْة؛ أذَبْتُه أنْهَبتُه. وهو الباب، كأنّه أذابَهُ عليهم.

(ذوق)  الذال والواو والقاف أصلٌ واحد، وهو اختبار الشيء من جِهَةِ تَطَعُّمٍ، ثم يشتق منه مجازاً فيقال: ذُقْت المأكولَ أذُوقه ذَوْقاً. وذُقْت ما عند فلانٍ: اختبرتُه. وفي كتاب الخليل: كلُّ ما نزَلَ بإِنسانٍ مِن مكروه فقد ذَاقَه([4]). ويقال ذاقَ القوسَ، إذا نظَرَ ما مقدارُ إعطائها وكيف قُوّتُها. قال:

فذَاق فأعطَتْهُ من اللِّينِ جانباً *** كَفَى، ولَهَا أن يُغْرِق السَّهْمُ حاجزُ([5])

  (ذود)  الذال والواو والدال أصلان: أحدهما تنْحِية الشّيء عن الشيء، والآخَر جماعةُ الإبل. ومحتملٌ أن يكون البابان راجعَينِ إلى أصل واحد.

فالأوّل قولهم: ذُدْت فلاناً عن الشيء أَذُودُه ذَوْداً، وذُدْت إبِلي أذودُها ذَوداً وذِيادا. ويقال أذَدْتُ فلاناً: أعنتُه على ذِياد إبلِه.

والأصل* الآخر الذَّوْد من النَّعَم. قال أبو زيد: الذَّود من الثلاثة إلى العشرة.

ـــــــــــــــــ

([1]) مصدره ذَي وذُويّ. ويقال أيضاً ذوي يذوى ذوى، من باب تعب، وهي لغة رديئة.

([2]) لذي الرمة في ديوانه 504 واللسان (ذوب، صقر، ربع، عبل).

([3])ا البيت في اللسان (ذوب) وهو في قصيدته من المفضليات (2: 130-133).

([4]) في الأصل: "أذاقه"، صوابه في المجمل.

([5]) للشماخ في ديوانه 48 واللسان (ذوق).

 

 

ـ (باب الذال والياء وما يثلثهما)

(ذيخ) الذال والياء والخاء كلمةٌ واحدة لا قياس لها. قولهم للذّكر من الضباع ذِيخٌ، والجمع ذِيَخَة. وربَّما قالوا: ذيّخْت الرّجلَ تذييخاً، إذا أذلَلْتَه.‏

(ذير) الذال والياء والراء ليس أصلاً. إنّما يقولون: ذَيَّرْتُ أطْباءَ النّاقةِ، إذا طليتَها بسِرْجِينٍ لئلا يرتضِع الفَصيل. وهو الذِّيار.‏

(ذيع) الذال والياء والعين أصلٌ يدلُّ على إظهار الشَّيء وظُهوره وانتشارِه. يقال ذاعَ الخبرُ وغيرُه يَذِيع ذُيوعاً. ورجلٌ مِذياعٌ: لا يكتُم سِرّاً؛ والجمع المذاييع. وفي حديث عليٍّ عليه السلام : "ليسوا بالمَسَايِيح ولا المَذايِيع البُذُر". وهاهنا كلمةٌ من هذا في المعنى من طريقة الانتشار، يقولون: أذاع النّاس [ما(1)] في الحَوض، إذا شربوه كُلَّه.‏

(ذيف) الذال والياء والفاء كلمةٌ واحدة لا قياس لها، وهي الذَِّيفان(2) وهو السمُّ القاتل.‏

(ذيل) الذال والياء واللام أصَيلٌ واحد مطّرد منقاس، وهو شيءٌ يسفُل في إطافة. من ذلك الذَّيل ذَيل القميص وغيرِه. وذَيل الرِّيح: ما انسحَبَ منها على الأرض. وفرسٌ ذيّالٌ: طويل الذّنَب. قال النابغة:‏

بكلِّ مجرَّبٍ كاللّيث يسمُو *** إلى أوصالِ ذيّالٍ رِفَنِّ(3)‏

وإن كان الفرسُ قصيراً وذنَبُه طويلاً فهو ذائلٌ. وقولهم للشَّيء المُهان مُذالٌ، من هذا، كأنّه لم يُجعَل في الأعالي. ويقولون: جاء أذيالٌ من الناس، أي أواخِرُ منهم قليلٌ. والذَّائلة من الدُّروع: الطَّويلة الذَّيل. وكذلك الذّائلُ. قال:‏

* ونَسْجُ سُلَيْمٍ كُلُِّ قَضَّاءَ ذائِلِ(4) *‏

وذالت المرأةُ: جَرَّتْ أذيالها. وهو في شعر طَرَفة(5). فأمّا قولُ الأغلب:‏

* يسعى بيدٍ وذَيْلْ(6) *‏

فإنَّما أراد الرِّجْل، فجعل الذّيلَ مكانَه للقافية؛ فإنّه يقول:‏

* فالويلُ لو يُنْجِيه قولُ الوَيْلْ *‏

ويقولون: "من يَطُلْ ذيلُه ينتطِقْ به(7)". يراد أنّ مَن كان في سعةٍ أنفق مالَه حيث شاء.‏

(ذيم) الذال والياء والميم كلمةٌ واحدة، لا يُقاس ولا يتفرّع. يقال ذِمْتُه أذِيمُه ذيما.‏

(ذيأ) الذال والياء والهمزة كلمة واحدة. تذيّأَ اللّحمُ، وذيّأْتُه، إذا فصلتَه عن العَظْم.‏

ــــــــــــــــــ

(1) التكملة من المجمل واللسان.‏

(2)بالفتح وبالكسر، وبالتحريك.‏

(3)ديوان النابغة الذبياني 79. وقد نسب في اللسان (رفن) إلى النابغة الجعدي.‏

(4) للنابغة الذبياني في ديوانه 64 واللسان (قضض، ذيل). وصدره:‏

* وكل صموت نثلة تبعية *‏

(5) يشير إلى قوله في معلقته:‏

فذالت كما ذالت وليدة مجلس *** ترى ربها أذيال سحل ممدد

(6) في الأصل: "وذحيل"، صوابه من المجمل.‏

(7) المثل المشهور: "من يطل أير أبيه ينتطق به".‏

 

 

ـ (باب الذال والهمزة وما يثلثهما)

(ذأر)  الذال والهمزة والراء أصلٌ واحد يدلُّ على تجنُّب وتَقَالٍ([1]). يقولون ذَئِرْتُ الشّيءَ، أي كرهتُه وانصرفتُ عنه. وفي الحديث. "أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم [لمَّا([2])] نَهَى عن ضَرْب النساء ذَئِر النِّساءُ على أَزْواجِهنّ"، يعني نَفَرْن ونَشَزْنَ واجتَرَأْنَ. وقال الشّاعر([3]):

ولقد أتانَا عن تميم أنَّهمُ *** ذَئِرُوا لِقَتْلَى عامرٍ وتغَضَّبُوا

  ويقال ناقةٌ مُذائِرٌ، وهي التي ترْأم بأنْفِها ولا يصدُق حُبُّها. ويقال بل هي التي تَنفِر عن الولد ساعَةَ تضعُه. وقوله: "ذئروا لقَتْلَى" يعني نفروا وأنكروا([4])، ويقال أنِفُوا.

(ذأب([5]))  الذال والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على قِلّةِ استقرارٍ، وألاّ يكونَ للشَّيء في حركته جهةٌ واحدة. من ذلك الذِّئب، سمِّي بذلك لتذَؤُّبِه من غير جهةٍ واحدة. ويقال ذُئِبَ الرّجُل إذا وقَع في غنَمه [الذئب]. ويقال تذأَّبت الرِّيح: أتت من كل جانب. وأرض مَذْأَبَةٌ: كثيرة الذئاب. وذَؤُب الرّجُل إذا صار ذئباً خبيثاً. وجمع الذِّئب أذؤبٌ وذِئاب وذُؤبَانٌ([6]). ويقال تذاءبْتُ النّاقَة تذاؤُباً، على تفاعلْتُ، إذا ظأرتَها على ولدها فَتَشَبَّهْتَ لها بالذئب، ليكون أرْأَمَ لها عليه. وقال [قومٌ([7])]: الإِذْآب: الفِرار. وأُنشِد:

إنِّي إذا ما ليثُ قومٍ أذْأبا *** وسقَطَتْ نَخْوتُهُ وهَرَبا([8])

  هذا أصل الباب، ثمّ* يشبَّه الشَّيءُ بالذِّئب. فالذِّئبة من القَتَب: ما تحت مُلْتَقى الحِنْوَين، وهو يقع على المِنْسَج.

(ذأم)  الذال والهمزة والميم أصلٌ يدلُّ على كراهَةٍ وعَيب. يقال أذْأمْتَني على كذا، أي أكرَهْتَني عليه. ويقولون ذأمْتُه، أي حَقَرْتُه. والذّأْم العَيب، وهو مذؤومٌ. فأما الذَّانُ بالنون، فليس أصلاً، لأنَّ النونَ فيه مبدلة من ميم. قال:

ردَدْنا الكتيبةَ مَلمومةً *** بها أَفْنُها وبها ذانُها([9])

  (ذأل)  الذال والهمزة واللام أصلٌ يقِلُّ كَلِمُهُ، ولكنّه منقاسٌ يدلُّ على سُرعةٍ. يقال ذَأَلَ يذْأَلُ، إذا مَشَى بسُرعةٍ ومَيْسٍ. فإنْ كان في انخزالٍ قيل يَذؤل. ومن ذلك سمِّي الذِّئْب ذُؤالة.

(ذأي)  الذال والهمزة والحرف المعتل يدلُّ على ضربٍ من السَّير. يقال ذأى يذْأَى ذأْياً. ويقال الذَّأْوُ. السَّوق الشَّديد.

................ ([10])

 

ـ (باب الذال والباء وما يثلثهما)

(ذبح)  الذال والباء والحاء أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على الشّقّ. فالذَّبح: مصدر ذبَحْت الشّاةَ ذبحاً. والذِّبح: المذبوح. والذُّبَّاح: شُقوقٌ في أصول الأصابع. ويقال ذُبِحَ الدَّنُّ، إذا بُزِلَ. والمذابح: سيولٌ صغار تشقُّ الأرض شقّاً. وسعدٌ الذّابحُ: أحد السُّعود([11]). والذِّبَح: نبتٌ، ولعله أن يكون شاذَّا من الأصل.

(ذبل)  الذال والباء واللام أصلٌ واحد يدل على ضُمْرٍ في الشيء.

ــــــــــــــــــ

([1]) التقالي: التباغض. وفي الأصل "ويقال" تحريف.

([2]) التكملة من اللسان.

([3]) هو عبيد بن الأبرص. انظر ديوانه 16 واللسان (ذأر).

([4]) في الأصل: "يعني يقروا ما نكروا"، صوابه في المجمل.

([5])كذا ورد ترتيب هذه المادة في نسخة الأصل، وصواب وضعها في آخر الباب بعد مادة (ذأي) كما ورد في المجمل، ولكني آثرت بقاء ترتيبها حفاظاً على أرقام صفحات الأصل أن يحدث فيها اضطراب.

([6])في الأصل: "ذئبان"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس والجمهرة.

([7]) التكملة من المجمل.

([8])نسب الرجز في اللسان إلى الدبيري.

([9]) رواية ديوان قيس بن الخطيم 9 واللسان (ذين): "مفلولة". لكن رواية الأصل توافق رواية المجمل. والمعنى أنهم هزموهم مجتمعين.

([10]) هنا الموضع الحقيقي لمادة (ذأب) التي مضت في ص368.

([11]) السعود: كواكب: كثيرة، سعد البارع، وسعد بلع، وسعد البهام، وسعد الذابح، وسعد السعود، وسعد مطر، وسعد الملك، وسعد ناشرة. انظر الأزمنة والأمكنة (1: 195، 313- 314/ 2: 382-383).

 

 

ـ (باب الذال والحاء وما يثلثهما)

(ذحق) الذال والحاء والقاف ليس أصلاً. وربَّما قالوا: ذَحقَ اللسان، إذا انقشر من داءٍ يُصِيبُه.‏

(ذحل) الذال والحاء واللام أصلٌ واحد يدلُّ على مقابلةٍ بمثل الجِناية، يقال طَلَبَ بذَحْلِه.‏

والله أعلم.‏

 

 

ـ (باب الذال والخاء وما يثلثهما)

(ذخر)  الذال والخاء والراء يدلُّ على إحرازِ شيءٍ يحفظُه. يقال ذخَرْتُ الشّيءَ أَذْخَرُه ذَخْراً. فإذا قلت افتعلت من ذلك قلت ادّخرتُ. ومن الباب المذاخِر، وهو اسمٌ يجمع جَوفَ الإنسان وعُروقَه. قال منظور([1]):

فلمَّا سقيناها العَكِيس تملَّأَتْ *** مَذاخِرُها وازداد رَشْحاً وريدُها([2])

  ويقولون: ملأ البَعيرُ مَذاخِرَه، أي جوفَه. والإذْخِرُ، ليس من الباب: نبتٌ.

ــــــــــــــــــــ

([1]) منظور بن مرثد بن فروة الأسدي، وهو المعروف بمنظور بن حبة، نسبة إلى أمه. انظر المؤتلف 104 والمرزباني 374. وفي اللسان (عكس): "أبو منصور الأسدي"، تحريف، ونسب البيت في اللسان (مذح، ذخر) إلى الراعي.

([2]) وكذا في (عكس). ورواية المجمل واللسان: "تمذحت مذاخرها".

 

 


ـ (باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوله ذال([1]))

فأمّا ما زاد على ثلاثة أحرُفٍ فكلماتٌ يسيرةٌ تدل على انطلاقٍ وذَهاب، وأمرها في الاشتقاقِ خفيٌّ جداً، فلذلك لم نعرِضْ لذِكْره. فالذَِّعْلِبَة: النّاقةُ السريعة. يقال تذَعْلَبَتْ تذعلُباً، واذلَولَت([2]) اذْلِيلاءً، وهو انطلاقٌ في استِخفاء. ويقال إنّ الذّعْلِبَة النّعامة، وبها شبِّهت النّاقة. والذَّعالب: قِطَع الخِرق، وهي قولُه:

* مُنْسَرِحاً إلاَّ ذَعالِيبَ الخِرَقْ([3]) *

واذْلَعَبَّ الجَملُ في سيره اذْلِعْباباً، وهو قريبٌ من الذي قبلَه.

والله أعلم بالصَّواب.

(تم كتاب الذال)

ــــــــــــــــــ

([1]) هذا العنوان ساقط من الأصل.

([2]) في الأصل: "واذلوليت".

([3]) ديوان رؤبة 105 واللسان (ذعلب).

 

 

كتاب الرّاء:

ـ (باب الراء وما معها في الثنائي والمطابق)

(رز)  الراء والزاء أصلان: أحدهما جنسٌ من الاضطراب، والآخَر إثباتُ شيءٍ. فالأوّل الإرْزِيزُ، وهي الرِّعْدة. قال الشاعر:

قَطعْتُ على غَطْشٍ وَبَغْشٍ وصُحَبَتِي *** سُعارٌ وإرزيزٌ وَوجْرٌ وَأَفْكَلُ([1])

  ويقال الإرْزيز البَرْد، وهو قياسُ ما ذكرناه. والرِّزُّ: صَوتٌ. وفي الحديث: "مَن وَجَدَ في جوفه رِزّاًّ فلينصَرِفْ وليتوضّأْ".

وأمّا الآخَر فيقال رَزَّ* الجرادُ، إذا غرزَ بذنَبه في الأرض ليَبِيض. ومن الباب الإرزِيزُ، وهو الطّعْن؛ وقياسه ذاك. والرَّزُّ: الطَّعن أيضاً. يقال رزَّهُ، أي طَعنَه. ورزَزْتُ السَهْمَ في الحائط والقرطاس، إذا ثبَّتَّه فيه. ومن القياس ارتَزَّ البخِيل عند المسألة، إذا بقي [وبخل([2])]؛ وذلك أنّه يقلُّ اهتزازُه. والكلمات كلُّها من القياس الذي ذكرناه.

(رس)  الراء والسين أصلٌ واحد يدلُّ على ثباتٍ. يقال رَسَّ الشَّيءُ: ثبَتَ. والرَّسيس: الثابت. ومن الباب رَسْرَسَ البعيرُ، إذا نضنَضَ برُكبته في الأرض يريد أنْ ينهض. ومن الباب فلانٌ يرُسُّ الحديثَ في نَفْسه. وسمِعتُ رَسّاً من خَبَر، وهو ابتداؤه؛ لأنّه يثبت في الأسْماع([3]). ويقال رُسَّ الميّت: قُبِر. فهذا معظم الباب. والرَّسُّ: وادٍ معروفٌ في شعر زهير:

* فهُنَّ ووادِي الرَّسِّ كاليدِ في الفَمِ([4]) *

والرُّسيس: وَادٍ معروف. قال زُهير:

لَمِنْ طَلَلٌ كالوحْيِ عافٍ منازلُه *** عَفَا الرَّسُّ منه فالرُّسَيسُ فعاقِلُهْ([5])

  فأمّا الرَّسُّ فيقال إنّه من الإضداد، وهو الإصلاح بين الناس والإِفْسَادُ بينهم. وأيُّ ذلك [كان] فإنّه إثباتُ عداوةٍ أو مودّة، وهو قياس الباب.

(رش)  الراء والشين أصلٌ واحد يدلُّ على تفريق الشيء ذي النْدَى. وقد يستعار في غير الندى، فتقول: رششت الماءَ والدّمْع والدّمَ. وطَعْنَةٌ مُرِشَّةٌ. ورَشاشُها: دمُها. قال:

فطعَنْتُ في حَمَّائِهِ بِمُرِشَّةٍ *** تنفِي التُّرَابَ من الطَّريق المَهْيَعِ

  ويقال شِواءٌ رَشراشٌ: ينْصَبُّ ماؤُه. ويقال رَشَّت السّماءُ وأرَشَّت. ويقال أرشَّ فلانٌ فرسَه إرشاشاً، أي عرَّقه بالرَّكْض، وهو في شعر أبي دُوَاد([6]).

ومن الباب عظمٌ رَشْرَشٌ، أي رخْو.

(رص)  الراء والصاد أصلٌ واحد يدلُّ على انضمامِ الشَّيء إلى الشيء بقوَّةٍ وتداخُل. تقول: رصَصْتُ البُنيانَ بعضَه إلَى بَعْضٍ. قال الله تعالى: {كَأنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} [الصف 4]. وهذا كأنّه مشتقٌّ من الرَّصاصِ، والرَّصاص أصل الباب. ويقال تراصَّ القومُ في الصّفّ. وحُكي عن الخليل: الرَّصراص: الحجارةُ تكون مرصوصةً حول عَين الماء. ومن الباب التَّرصِيص: أن تنتقب المرأةُ فلا يُرَى إلاَّ عَيناها. وهو التَّوصِيص أيضاً. ويقولون: الرَّصراصة: الأرض الصُّلبة. والبابُ كلُّه منقاسٌ مطَّرد.

(رض)  الراء والضاد أصلٌ واحد يدلُّ على دَقِّ شَيءٍ. يقال رضَضْتُ الشّيءَ أرُضُّه رضّاً. والرَّضْرَاضُ: حِِجارةٌ تُرَضْرَض على وجه الأرض. والمرأة الرَّضْرَاضةُ: الكثيرة اللَّحْم، كأنَّها رَضَّتِ اللّحمَ رَضّاً؛ وكذلك الرّجُل الرَّضراض. قال الشاعر([7]):

فعرَفْنا هِزَّةً تأخُذُهُ *** فقَرَنَّاهُ برَضْراضٍ رِفَلّ

  والرَّضُّ: التَّمر الذي يُدَقُّ وينقع في المَخْض. وهذا معظمُ الباب. ومن الذي يقرب من الباب الإرضاض: شِدَّة العَدْو. وقيل ذلك لأنه يَرُضّ ما تحت قدَمِه. ويقال إبلٌ رَضارِضُ: راتعَة، كأنّها ترُضّ العُشْب رضّاً. وأمَّأ المُرِضَّةُ وهي الرَّثيئة الخاثرة، فقريبٌ قياسُها ممّا ذكرناه، كأنَّ زُبْدَها قد رُضَّ فيها رضّاً. [قال]:

إذا شَرِب المُرِضَّةَ قال أَوْكِي *** على ما في سِقائِكِ قد رَوِينا([8])

  (رط)  الراء والطاء ليس هو بأصلٍ عندنا. يقولون: الرَّطيط: الجَلَبة والصِّياح. وأَرَطَّ، إذا جَلَّب([9]). ويقال الرَّطيط: الأحمق. ويقال الإرْطاط: اللُّزوم([10]). وفي كلِّ ذلك نَظرٌ.

(رع)  الراء والعين أصلٌ مطّرِدٌ يدلُّ على حركةٍ واضطراب. يقال تَرَعْرَعَ الصَّبِيُّ: تحرّك. وهذا شابٌّ([11]) رَُعْرَُعٌ ورَعْراع، والجمع رَعارعُ. قال:

* ألاَ إنّ أخْدانَ الشَّبابِ الرّعارِعُ([12]) *

وقصبٌ رعرعٌ: طويلٌ. وإذا* كان كذا فهو مضطربٌ. ومن الباب  الرَّعَاع، وهم سِفْلة النّاس. ويقولون: الرَّعْرَعة: تَرَقْرُقُ الماءِ على وجْه الأرض. فإن كان صحيحاً فهو القياس.

(رغ)  الراء والغين أصلٌ يدلُّ على رَفاهة ورفاغَةٍ ونَعْمة. قال ابن الأعرابيِّ: الرِّغْرغة من رَفاغة العَيش. وأصلُ ذلك الرَّغْرَغة، وهو أنْ تَرِدَ الإبلُ على الماء في اليوم مراراً. ومن الباب الرَّغيغة: طعامٌ يُتَّخَذُ للنُّفَساء. يقال هو لبَنٌ يُغْلَى ويُذَرُّ عليه دقيق.

(رف)  الراء والفاء أصلان: أحدهما المَصُّ وما أشبهه، والثاني الحركة والرِّيق.

فالأوّل الرَّفّ وهو المَصّ. يقال رفّ يرُفّ: إذا تَرَشَّف. وفي حديث أبي هريرة: "إنِّي لأَرُفُّ شَفَتَيْهَا".

وأمّا الثاني فقولُهم: رفَّ الشّيءُ يَرِفُّ، إذا بَرَق.

وأمَّا ما كان من جهة الاضطراب فالرّفرَفَة، وهي تحريك الطّائرِ جناحَيه. ويقال إنّ الرَّفْرافَ: الظَّليمُ يرفرِف بجناحَيه ثم يعدو.

ومن الباب الرَّفيف: رفيف الشجرة، إذا تندَّتْ. ومنه الرَّفْرَف([13]) وهو كِسْر الخباءِ ونحوِه. وسمِّي بذلك لما ذكرناه؛ لأنه يتحرَّك عند هُبوب الرِّيح. ويقال ثوبٌ رفيفٌ بيِّنُ الرَّفَف، وذلك رقّته واضطرابُه. فأمّا قوله تعالى في الرّفْرَف([14])، فيقال هي الرِّياض، ويقال هي البُسُط، ويقال الرَّفرف ثِيابٌ خُضْر.

ومما شذَّ عن مُعظَم الباب الرَّفّ. قال اللِّحيانيّ: هوالقطيع من البقر، ويقال هو الشّاء الكثير. وأما قولهم "يحُفّ ويرُفّ" فقال قوم: هو إتباعٌ، وقال آخرون: يرُفّ: يُطعِم.

(رق)  الراء والقاف أصلان: أحدهما صفةٌ تكون مخالفةً للجفاء، والثاني اضطرابُ شيءٍ مائع.

فالأوّل الرّقّة؛ يقال رقّ يرِقّ رِقَّة فهو رقيق. ومنه الرَّقَاقُ، وهي الأرض الليِّنة. وهي أيضاً الرَّق والرِّق. والرَّقَق: ضعفٌ في العِظام. قال:

* لم تلق في عظمها وَهْناً ولا رَقَقا([15]) *

قال الفرّاء: في ماله رَقَق، أي قِلَّة. والرِّقَّة: الموضع ينضُب عنه الماء. والرِّقّ: الذي يُكتب فيه، معروف. والرُّقاق: الخبز الرقيق.

والأصل الثاني: قولهم ترقْرَقَ الشَّيءُ، إذا لَمَعَ. وترقرق الدمعُ: دار في الحمْلاق. وترقرق السَّراب، وترقرقت الشَّمس، إذا رأيتَها كأنها تدور. والرَّقْراقة: المرأة التي كأنَّ الماء يجري في وجهها. ومنه رقرقْتُ الثَّوبَ بالطيب، ورَقْرقت الثَّريدة بالدَّسَم. قال الأعشى:

وتبرُدُ بَرْدَ رِداءِ العَرُو *** س بالصَّيف رَقْرَقَت فيه العبيرَا([16])

  ومما شذَّ عن البابين [الرَّقّ]: ذكَر السَّلاحف، إن كان صحيحاً.

(رك)  الراء والكاف أصلان: أحدهما وهو معظم البابِ رِقّةُ الشّيء وضعفُه، والثاني تراكُمُ بعضِ الشَّيء على بعض.

فالأوَّل الرَِّكُّ، وهو المطر الضعيف. يقال أرَكَّتِ السّماءُ إركاكاً، إذا أتَتْ بِرَِكٍّ. وقد أركّت الأرض([17]). ورَكَّ الشَّيءُ، إذا رَقّ. ومن ذلك قول النَّاس: "اقطَعْها مِن حيث ركَّت" بالكاف. فحدّثَني القطّانُ عن المفسِّر عن القتيبي قال تقول العرب: "اقطَعْهُ من حيث رَكّ" أي من حيث ضعُف، والعامة تقول: من حيث رقّ. فأمّا الحديث: "أنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم لَعَنَ الرُّكاكَة"، فيقال إنّه من الرِّجال الذي لا يغَار. قال: وهو من الرَّكاكة، وهو الضَّعْف. وقد قلناه. والرَّكيك: الضَّعيف الرأْي.

والأصل الثاني قولهم: رَكّ الشَّيءَ بعضَه على بعضٍ، إذا طَرَحَه، يرُكُّه ركّاً. قال:

* فنَجِّنا مِنْ حَبْس حاجاتٍ ورَكّْ([18]) *

ومن الباب قولهم: رَكَكْتُ الشَّيءَ في عُنقه، ألزَمْتُه إيّاه. وسَكرانُ مُرْتكٌّ أي مختلِطٌ لا يُبين كلامه. وسقاءٌ مرْكُوكٌ، إذا عُولِج([19]) بالرُّبِّ وأُصلِحَ به. ومن الباب الرّكْراكة من النِّساء: العظيمة العجُز والفَخِذين. ومنه شَحْمَةُ الرُّكَّى. قال أهلُ اللغة: هي الشَّحْمة تركَب اللَّحم، وهي التي لا تُعَنِّي، إنّما تذُوب. يقال* "وقَعَ على شَحْمة الرُّكَّى"، إذا وقع على ما لا يعنِّيه.

(رم)  الراء والميم أربعة أصول، أصلان متضادّان: أحدهما [لَمُّ] الشّيء وإصْلاحه([20])، والآخر بَلاؤُه. وأصلان متضادّان: أحدهما السكوت، والآخر خِلافُه.

فأمّا الأوّل من الأصلين الأوَّلَين، فالرَّمُّ: إصلاح الشّيء. تقول: رمَمْتُه أرُمُّه. ومن الباب: أرَمَّ البعيرُ وغيرُه، إذا سَمِنَ، يُرِمُّ إرماماً. وهو قوله:

هَجَاهُنَّ لما أنْ أرَمَّتْ عِظامُه *** ولو عاشَ في الأعرابِ ماتَ هُزالا([21])

  وكان أبو زيد يقول: المُرِمُّ: النَّاقة التي بها شيءٌ من نِقْيٍ، وهو الرِّم. ومن الباب الرِّمُّ، وهو الثَّرى؛ وذلك أنّ بعضَه ينضمُّ إلى بعض، يقولون: "له الطّمُّ والرِّمّ". فالطِّمُّ البحر، والرِّمُّ: الثَّرى.

والأصل الآخر من الأصلين الأوّلَين قولُهم: رمَّ الشَّيءُ، إذا بَلِيَ. والرَّميم: العِظام الباليَة. قال الله تعالى: {قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ} [يس 78]. وكذا الرِّمَّة. ونَهَى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم عن الاستنجاء بالرَّوث والرِّمّة.

والرُّمّة: الحَبْلُ البالِي. قال ذو الرُّمّة:

* أشْعَثَ باقِي رُمَّةِ التَّقلِيدِ([22]) *

ومن ذلك قولهم: ادفَعْهُ إليه برُمّته. ويقال أصلُه أنَّ رجلاً باعَ آخرَ بعيراً بحبلٍ في عنُقه، فقيل لـه: ادفَعْه إليه برُمّته. وكثُر ذلك في الكلام فقيل لكلِّ من دفع إلى آخَرَ شيئاً بكمَالِه: دفَعَه إليه برُمّته، أي كُلّه. قالوا: وهذا المعنى أراد الأعشى بقوله للخَمَّار:

فقلتُ لـه هَذِهِ هَاتِهَا *** بِأَدْماءَ في حَبْل مُقْتادِها([23])

  يقول: بعْني هذه الخمرَ بناقةٍ برُمَّتها. ومن الباب قولهم: الشاةُ ترُمُّ الحشيش من الأرضِ بِمَرَمّتها. وفي الحديث ذكر البقر "أنّها ترُمُّ من كلِّ شَجَر".

وأمّا الأصلان الآخَرانِ فالأول منهما من الإرمام، وهو السُّكوت، يقال: أرَمَّ إِرماماً. والآخَر قولهم: ما تَرَمْرَمَ، أي ما حَرَّك فاه بالكلام. وهو قولُ أوسٍ:

ومُستعجبٍ مِمَّا يَرَى من أَناتِنا *** ولو زَبَنَتْهُ الحربُ لم يَتَرَمْرَمِ([24])

  فأمَّا قولُهم: "ما عَنْ ذلك الأمرِ حُمٌّ ولا رُمٌّ" فإنَّ معناه: ليس يحول دونَه شيءٌ وليس الرُّمُّ أصلاً في هذا، لأنه كالإتباع. ويقولون-إن كان صحيحاً- نعجة رَمَّاءُ، أي بيضاء؛ وهو شاذٌّ عن الأصول التي ذكرناها.

(رن)  الراء والنون أصلٌ واحدٌ يدلُّ على صوتٍ. فالإرنان: الصوت والرَّنَّة والرَّنِين: صَيحةُ ذِي الحُزْن. ويقال أرنَّت القَوسُ عند إنباض الرَّامي عنها. قال:

* تُرِنُّ إرناناً إذا ما أَنْضَبَا([25]) *

أي أَنْبَضَ. والمِرْنانُ: القوس؛ لأنَّ لها رَنيناً. ويقال إنَّ الرَّنَنَ دويْبّةٌ تكون في الماء تصيح أيّامَ الصيف. قال:

* ولا اليَمَامُ ولم يَصْدَح له الرَّنَنُ([26]) *

فهذا مُعظم الباب، وهو قياسٌ مطّرد. وحُكِيت كلمةٌ ما أدري ما هي، وهي شاذّةٌ إن صحَّت، ولم أسمَعْها سماعاً. قالوا: كان يقال لجمادى الأولى رُنَّى، بوزن حُبلى. وهذا مما لا ينبغي أن يعوَّل عليه.

(ره)  الراء والهاء إن كان صحيحاً في الكلام فهو يدلُّ على بصيص. يقال ترَهْرَه الشّيءُ، إذا وَبَصَ. فأمّا الحديثُ: "أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لمّا شُقَّ عن قَلْبه جِيء بطَسْتٍ رَهْرَهَةٍ"، فحدّثَنا القطان عن المفسّر عن القُتَيـبيّ عن أبي حاتم قال: سألتُ الأصمعيَّ عنه فلم يعرفْه. قال: ولستُ أعرفُه أنا أيضاً، وقد التمستُ له مَخرجاً فلم أجِدْه إِلاّ من موضعٍ واحد، وهو أن تكونَ الهاء فيه مبدلةً من الحاء، كأنه أراد: جِيءَ بطَسْتٍ رَحْرحةٍ، وهي الواسعة. يقال إناءٌ رَحْرَحٌ ورَحْرَاحٌ. قال:

* إلى إزاءٍ كالمِجَنِّ الرَّحْرَحِ *

والذي عندي في ذلك أنّ الحديثَ إنْ صحَّ فهو من الكلمة الأولى، وذلك أنَّ لِلطَّسْت بصيصاً.

ومما شذَّ عن الباب الرَّهْرهتان([27]): عَظْمانِ شاخصانِ في بواطن الكَعْبَيْن: يقبل أحدُهُما على الآخر.

(رأ)  الراء والهمزة أصلٌ يدلُّ على اضطراب*، يقال رأْرَأَت العينُ: إذا تحرَّكتْ من ضَعْفها. ورأْرأَت المرأةُ بعينها، إِذا بَرَّقَت. ورأْرأَ السّرابُ: جاء وذَهَب ولمح. وقالوا: رأْرَأْتُ بالغَنَم، إذا دَعَوْتَها. فأمّا الرّاءة فشجرَة، والجمع راءٌ.

(رب)  الراء والباء يدلُّ على أُصولٍ. فالأول إصلاح الشيءِ والقيامُ عليه([28]). فالرّبُّ: المالكُ، والخالقُ، والصَّاحب. والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. يقال رَبَّ فلانٌ ضَيعتَه، إذا قام على إصلاحها. وهذا سقاء مربُوبٌ بالرُّبِّ. والرُّبّ للعِنَب وغيرِه؛ لأنّه يُرَبُّ به الشيء. وفَرَسٌ مربوب. قال سلامة([29]):

ليسَ بأسْفَى ولا أقْنَى ولا سَغِلٍ *** يُسْقى دَواءَ قَفِيِّ السَّكْنِ مَرْبوبِ

  والرّبُّ: المُصْلِح للشّيء. والله جلّ ثناؤُه الرَّبٌّ؛ لأنه مصلحُ أحوالِ خَلْقه. والرِّبِّيُّ: العارف بالرَّبّ. وربَبْتُ الصَّبيَّ أرُبُّه، وربَّبْتُه أربِّبُه. والرَّبيبة الحاضِنة. ورَبيبُ الرَّجُل: ابنُ امرأَتِه. والرَّابُّ: الذي يقوم على أمر الرَّبيب. وفي الحديث: "يكرهُ أنْ يتزوَّج الرّجلُ امرأةَ رابِّهِ".

والأصل الآخرُ لُزوم الشيءِ والإقامةُ عليه، وهو مناسبٌ للأصل الأوّل. يقال أربَّت السّحابةُ بهذه البلدةِ، إذا دامَتْ. وأرْضٌ مَرَبٌّ: لا يزال بها مَطَرٌ؛ ولذلك سُمِّي السَّحاب رَباباً. ويقال الرَّباب السحاب المتعلِّق دون السَّحاب. يكون أبيضَ ويكون أسود، الواحدة رَبابةٌ.

ومن الباب الشّاةُ الرُّبَّى: التي تُحتَبسَ في البيت لِلَّبَنِ، فقد أربَّتْ، إذا لازمت البيتَ. ويقال هي التي وَضَعَتْ حديثاً. فإن كان كذا فهي التي تربِّي ولدها. وهو من الباب الأوّل. ويقال الإرباب: الدّنُوّ من الشَّيء. ويقال أربَّت الناقة، إذا لزِمت الفحلَ وأحبّتْه، وهي مُرِبٌّ.

والأصل الثالث: ضمُّ الشيء للشَّيء، وهو أيضاً مناسبٌ لما قبله، ومتى أُنْعِمَ النَّظرُ كان الباب كلُّه قياساً واحداً. يقال للخِرْقة التي يُجعل فيها القِدَاحُ رِبابَةٌ. قال الهذليّ([30]):

وكأنّهُنَّ رِبَابةٌ وكأنه *** يَسَرٌ يُفِيضُ على القِداح ويَصْدَعُ

  ومن هذا الباب الرِّبابة([31])، وهو العَهْد. يقال: للمعاهَدِين أَرِبَّةٌ. قال:

كانت أرِبَّتَهُم بَهْزٌ وغَرَّهُمُ *** عَقْدُ الجِوارِ وكانوا معشراً غُدُرَا([32])

  وسُمِّي العهدُ رِبابةً لأنَّه يَجْمَعُ ويؤلِّف. فأمَّا قولُ علقمة:

وكنتَُ أمرأً أفْضَتْ إليكَ رِبابَتِي *** وقَبْلَكَ رَبَّتْنِي فضِعتُ رُبُوبُ([33])

  فإنَّ الرِّبابة، العهد الذي ذكرناه. وأمَّا الرُّبُوب فجمع رَبّ، وهو الباب الأول.

وحدَّثنا أبو الحسن عليّ بن إبراهيم([34]) عن عليِّ بن عبد العزيز، عن أبي عبيد قال: الرِّباب: العُشور. قال أبو ذُؤيب:

تَوَصَّلُ بالرُّكْبانِ حِيناً وتُؤْلفُ الـ  *** ـجِوارَ وتُغْشِيها الأمانَ رِبابُها([35])

  وممكنٌ أن يكون هذا إنّما سُمِّي رِباباً لأنّه إذا أُخِذ فهو يصير كالعَهْد.

ومما يشذّ عن هذه الأصول: الرّبْرَب: القطيع من بقر الوحْش. وقد يجوز أن يضمَّ إلى الباب الثالث فيقال إنَّما سُمِّي ربرباً لتجمُّعه، كما قلنا في اشتقاق الرِّبابة.

ومن الباب الثالث الرَّبَب، وهو الماء الكثير، سمِّي بذلك لاجتماعه. قال:

* والبُرَّة السَّمْرَاء والماء الرَّبَبْ *

فأمّا رُبَّ فكلمة تستعمَل في الكلام لتقليل الشّيء، تقول: رُبَّ رجلٍ جاءني. ولا يُعْرف لها اشتقاق.

(رت)  الراء والتاء ليس أصلاً، لكنَّهم يقولون: الرُّتَّة: العَجَلة في الكلام. ويقال هي الحُكْلَة فيه. ويقولون: الرُّتُوت: الخنازير. وقال ابنُ الأعرابيّ: الرَّتُّ: الرئيس؛ والجمع رُتوتٌ. وكل هذا فممَّا ينبغي أن يُنظَر فيه.

(رث)  الراء والثاء أصلٌ واحد يدلُّ على إخلاقٍ وسقوط. فالرَّثُّ: الخَلَق البالي. يقال حَبْلٌ([36]) رثٌّ، وثوبٌ رثٌّ، ورجلٌ رثّ الهَيئة. وقد رَثّ يَرِثُّ رَثاثَةً ورُثوثةً. والرِّثَّة: أسقاط البيت* من الخُلْقانِ، والجمع رِثَثٌ. وأمَّا قولهم ارتُثَّ في المعركة، فهو من هذا، وذلك أنَّ الجريح يسقُط كما تسقط الرِّثَّة ثم يُحمَل وهو رثِيثٌ.

ومن الباب [الرِّثَّةُ([37])]، وهم الضعفاء من الناس. ويقال الرِّثَّة: المرأةُ الحمقاء. فإِن صحّ ذلك فهو من الباب.

(رج)  الراء والجيم أصلٌ يدلُّ على الاضطراب، وهو مطَّردٌ منْقاس ويقال كتيبةٌ رَجْراجة: تَمَخَّضُ لا تكاد تسير. وجاريةٌ رَجراجة: يَتَرجْرج كَفَلُها. والرِّجرِجَة: بقيّة الماء في الحوض. ويقال للضُّعَفاء من الرجال الرَّجَاج([38]).

قال:

أقبَلْنَ من نِيرٍ ومن سُواجِ([39]) ***

بالقوم قد ملُّوا من الإدْلاجِ

فَهُمْ رَجَاجٌ وعَلَى رَجَاجِ([40])

  والرَّجُّ: تحريك الشيء؛ تقول: رجَجْتُ الحائطَ رَجّاً، وارْتَجَّ البحر. والرّجْرَج نعتٌ للشيءِ الذي يترجْرَج. قال:

* وكَسَتْ المِرْطَ قَطاةً رَجْرَجا([41])*

وارتجَّ الكلامُ: التَبَسَ؛ وإنما قيل له ذلك لأنّه إذا تَعَكَّرَ كان كالبحر المرتَجّ. والرِّجرِجَة([42]): الثَّرِيدة الليِّنة. ويقال: الرَّجَاجة النّعجة المهزولة؛ فإنْ كان صحيحاً فالمهزول مضطربٌ. وناقةٌ رَجَّاءُ: عظيمة السَّنام؛ وذلك أنّه إذا عظُمَ ارتجَّ واضطرب. فأمّا قولُه:

* ورِجْرِجٌ بَيْنَ لَحْيَيْهَا خَنَاطِيلُ([43]) *

فيقال هو اللُّعاب([44]).

(رح)  الراء والحاء أصلٌ يدلُّ على السّعَة والانبساط. فالرَّحَحُ: انبساطُ الحافرِ وصَدْرِ القَدَم. ويقال للوَعل المنبسط الأظلاف أرحُّ. قال:

ولو أنَّ عِزَّ النّاسِ في رأسِ صَخرةٍ *** مُلَمْلَمَةٍ تُعيِي الأرَحّ المخدَّما([45])

  ويقال تَرحْرَحَت الفرسُ: فَحَّجَتْ قوائمَها لتبُول. ويقال هم في عيشٍ رَحْرَاحٍ، أي واسع. ورَحْرَحَانُ: مكانٌ.

(رخ)  الراء والخاء قليلٌ، إلاّ أنّه يدلُّ على لِينٍ. يقال إنّ الرَّخَاخَ لِينُ العَيْش. وأرضٌ رَخَّاءُ: رِخوة. ويقال-وهو ممّا يُنظَر فيه- إنّ الرَّخَّ مَزْجُ الشَّرابِ([46]).

(رد)  الراء والدال أصلٌ واحدٌ مطّردٌ منقاس، وهو رَجْع الشَّيء. تقول: ردَدْتُ الشَّيءَ أرُدُّه ردّاً. وسمِّي المرتدُّ لأنّه ردّ نفسَه إلى كُفْره. والرِّدُّ: عِماد الشَّيء الذي يردُّه، أي يَرْجِعُه عن السُّقوط والضَّعْف. والمردودة: المرأة المطلَّقة. ومنه الحديث: أنَّه قال لسُراقةَ بنِ مالكٍ([47]): "ألاَ أدُلك على أفضَل الصّدَقة، ابنَتُكَ مردُودةً عليك، ليس لها كاسبٌ غيرُكَ". ويقال شاة مُرِدٌّ وناقةٌ مُرِدّةٌ، وذلك إذا أضْرَعَتْ، كأنَّها لم تكن ذاتَ لبن فرُدَّ عليها، أو رَدَّت هي لبنَها. قال:

* تَمْشِي من الرِّدَّةِ مَشْيَ الحُفَّلِ([48]) *

ويقال هذا أمرٌ لا رادَّةَ له، أي لا مرجُوع له ولا فائدةَ فيه. والرَّدَّة: تقاعُسٌ في الذَّقَن، كأنه رُدّ إلى ما وراءه. والرَّدَّة: قبحٌ في الوجه مع شيءٍ من جَمال، يقال في وجهها رَدّةٌ، أي إنَّ ثَمَّ ما يرُدُّ الطَّرْف، أي يَرْجِعُه عنها. والمتَرَدِّد: الإنسان المجتمع الخَلْق، كأنَّ بعضَه رُدَّ على بعض. ويقال-وفيه نظر- إن المردُودة المُوسَى، وذلك أنّها تُرَدُّ في نِصَابِها. ويقال نهرٌ مُرِدٌّ: كثير الماء. وهذا مشتقٌّ من رِدَّة الشَّاةِ والنّاقة. ومن الباب رجُلٌ مُرِدٌّ، إذا طالت عُزْبَتُه؛ وهو من الذي ذكرناه من رِدّة الشَّاة، كأنَّ ماءَه قد اجتمع في فَِقْرته، كما قال:

رأت غلاماً قد صَرَى في فَِقْرَتِه *** ماءَ الشَّبابِ عُنْفُوَانُ شِرَّتِهْ([49])

  (رذ)  الراء والذال كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على مطرٍ ضعيف. فالرَّذَاذ: المطر الضعيف. يقال يومٌ مُرِذٌّ، أي ذو رَذَاذٍ. ويقال أرضٌ مُرَذٌّ عليها. قال الأصمعيّ: لا يقال مُرَذٌّ ولا مَرذُوذة، ولكن يقال مُرَذٌّ عليها. وكان الكسائيُّ يقول: هي أرض مُرَذَّةٌ والله أعلم.

ــــــــــــــــ

([1]) البيت للشنفرى الأزدي من قصيدته المعروفة بلامية العرب. انظرها ص60 طبع الجوائب 1300.

([2]) التكملة من المجمل واللسان.

([3]) في الأصل: "الاستماع".

([4]) تطابق رواية التبريزي في المعلقات. ويروى: "فهن لوادي الرس كاليد للفم". وصدره:

* بكرن بكورا واستحرن بسحرة *

([5]) ديوان زهير 126 والمجمل واللسان (رسس).

([6]) هو قوله: طواه القنيص وتعداؤه *** وإرشاش عطفيه حتى شسب

([7])هو النابغة الجعدي، كما في اللسان (رضض).

([8]) البيت لابن أحمر، كما في اللسان (رضض).

([9]) في الأصل: "وأرطاني جلب".

([10]) في المجمل: "اللزوم للمكان".

([11]) في الأصل: "ثبات"، صوابه من المجمل واللسان.

([12]) للبيد في ديوانه 25 طبع 1880. وفي اللسان: "وقيل هو للبعيث". وصدره:

* تبكي على إثر الشباب الذي مضى *

([13]) في الأصل: "الرفراف"، صوابه في المجمل واللسان.

([14]) قوله تعالى في سورة الرحمن: {متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان} [الرحمن 76].

([15]) صدره كما في اللسان (رقق): * خطارة بعد غب الجهد ناجية *

([16]) ديوان الأعشى 69 واللسان (رقق).

([17]) يقال بالبناء للفاعل وللمفعول، في الفعل والوصف منه.

([18]) الشطر لرؤبة في ديوانه 118 واللسان (ركك).

([19]) في الأصل: "عولى"، صوابه من المجمل واللسان.

([20]) في الأصل: "وصلاحه".

([21]) في اللسان: "ولو كان".

([22]) ديوان ذي الرمة 155 واللسان (رمم).

([23]) ديوان الأعشى 51 برواية: "فقلنا"، واللسان (رمم).

([24]) ديوان أوس بن حجر 27 واللسان (رمم)، وسيأتي في (عجب).

([25]) للعجاج في اللسان (نضب، رنن). وبعده: * إرنان محزون إذا تحوبا *

([26]) روي في المجمل واللسان بدون كلمة "ولا اليمام".

([27]) لم ترد هذه الكلمة في المعاجم المتداولة.

([28]) بعده في الأصل: "والمصلح الرب والرب"، وهو إقحام وتكرار لما سيأتي.

([29]) هو سلامة بن جندل. والبيت التالي من قصيدة في ديوانه 7-12 والمفضليات (1: 117-122). وفي الأصل: "الأعشى"، صوابه في المجمل واللسان.

([30]) هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوانه ص6 والمجمل واللسان (ربب). وسيأتي في (فيض).

([31]) والرباب أيضاً بطرح التاء.

([32]) لأبي ذؤيب الهذلي من قصيدة في ديوانه 44. والبيت في اللسان (ربب).

([33]) ديوان علقمة 132 والمفضليات (2: 194) واللسان (ربب). والرواية في الأخيرين: "وأنت امرؤ".

([34]) هو القطان، كما في المجمل.

([35]) وكذا في الديوان 73. وفي اللسان (ربب): "ويعطيها الأمان".

([36]) في الأصل: "رجل"، صوابه في المجمل واللسان.

([37]) التكملة من المجمل.

([38]) في الأصل: "الرجراج"، تحريف.

([39]) في الأصل: "بئر"، صوابه في اللسان (نير، رجج، سوج) ومعجم البلدان (سواج). وانظر الحيوان (2: 301).

([40]) الكلمتان الأخيرتان ساقطتان من الأصل، وإثباتهما من المراجع السابقة.

([41]) البيت في اللسان (رجج).

([42]) في اللسان: "وثريدة رجراجة". ثم قال: "والرجرج ما ارتج من شيء".

([43]) لابن مقبل، كما في اللسان (لعع، سحط، رجج، خنطل). وصدره:

* كاد اللعاع من الحوذان يسحطها *

([44]) زاد في المجمل: "ويقال نبت".

([45]) البيت للأعشى، كما في ديوانه 293 واللسان (رحح، خدم)، وقد سبق في (خدم).

([46]) لم يرد في اللسان، وورد في القاموس.

([47])هو سراقة بن مالك بن جعشم، الذي حاول إدراك النبي صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة، وقد أسلم عام الفتح. مات في خلافة عثمان سنة 24. انظر الإصابة 3109. وفي اللسان: "سراقة بن جعشم" نسبه إلى جده.

([48]) لأبي النجم العجلي كما في اللسان (ردد). وانظر المخصص (7: 14).

([49]) للأغلب العجلي، كما في اللسان (صري). وفيه (صري، عنف، سنب): "عنفوان سنبته". وما سيأتي في (صري) مطابق لما هنا.

 

 

ـ (باب الراء والزاء وما يثلثهما)

(رزغ)  الراء والزاء والغين أُصَيْلٌ يدلُّ على لَثَقٍ وطينٍ. يقال أرزَغَ المطرُ، إذا بلَّ الأرض، فهو مُرْزِغٌ. وكان* الخليل يقول: الرَّزَغَة أشدُّ من الرَّدَغة. وقال قومٌ بخلاف ذلك. ويقال أرزَغَت الرِّيح: أتَتْ بالنَّدَى. قال طَرَفة:

وأنتَ على الأدنى صَباً غيرُ قَرَّةٍ *** تَذَاءَبَ منها مُرْذِغٌ ومُسِيلُ([1])

  وقولهم: أرزَغَ فلانٌ فلاناً، إِذا عابَه، فهو من هذا؛ لأنَّه إذا عابَه فقد لَطَخه. ويقال للمُرْتَطِمِ: رَزِغٌ. ويقال احتَفَر القومُ حتى أَرزَغُوا، أي بَلَغُوا الرَّزَغَ، وهو الطين([2]).

(رزف)  الراء والزاء والفاء كلمتان تدلُّ إحداهُما على الإسراع، والأخرى على الهُزَال.

فأمّا الأولى فالإرزاف الإسراع، كذا حدَّثنا به عليُّ بن إِبراهيم، عن ابن عبد العزيز، عن أبي عُبيدٍ عن الشَّيبانيّ. وحدَّثَنا به عن الخليل بالإسناد الذي ذكرناه: أرْزَفَ القومُ:أسرَعُوا، بتقديم الرّاء على الزّاء، والله أعلم. قال الأصمعيّ: رَزَفَت النَّاقةُ: أسرعَت؛ وأرزفْتُها أنا، إِذا أخْبَبْتُها([3]) في السَّير.

والكلمة الأخرى الرَّزَفُ: الهُزَال، وذكر فيه شعرٌ ما أدري كيف صِحّتُه:

يا أبا النَّضْر تَحَمَّلْ عَجَفِي *** إِنْ لم تَحَمَّلْهُ فقد جَا رَزِفي

  (رزق)  الراء والزاء والقاف أُصَيْلٌ واحدٌ يدلُّ على عَطاءٍ لوَقت، ثم يُحمَل عليه غير الموقوت. فالرِّزْق: عَطاء الله جلَّ ثناؤُه. ويقال رَزَقه الله رَزْقاً، والاسم الرِّزْق. [والرِّزْق] بلغة أزْدِشُنوءَة: الشُّكر، من قوله جلّ ثناؤه: {وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ} [الواقعة 82]. وفعلتُ ذلك لمَّا رزَقْتَني، أي لمَّا شكَرْتَني.

(رزم)  الراء والزاء والميم أصلانِ متقاربان: أحدهما جَمْعُ الشيءِ وضمُّ بعضِه إِلى بعضٍ تِباعاً، والآخر صوتٌ يُتَابَع؛ فلذلك قلنا إنهما متقاربانِ.

يقول العرب: رزَمْتُ الشيءَ: جمعتُه. ومن ذلك اشتقاق رِزْمَة الثِّياب. والمرازمة في الطَّعام: المُوالاةُ بين حَمْدِ الله عزّ وجلّ عند الأكل. ومنه الحديث "إذا أكَلْتمْ فرَازِمُوا" ورازمت الشيءَ، إذا لازَمْتَه. ويقال رازمَتِ الإبل المرعى، إذا خلَطَتْ بينَ مرعَيَيْنِ. ورازمَ فلانٌ بين الجَراد والتَّمر، إِذا خلَطَهما. ويقال رجلٌ رُزَمٌ، إِذا برَكَ على قِرْنِه. وهو في شعر الهُذَلِيّ([4]):

*مثل الخَادِرِ الرُّزَمِ([5]) *

ورزَمت النَّاقةُ، إِذا قامت من الإِعياء، وبها رُزَامٌ. وذلك القياس؛ لأنها تتجمَّع من الإعياء ولا تنبعِث.

والأصل الآخر: الإرزام: صوتُ الرَّعْد، وحَنِينُ النَّاقةِ في رُغائها. ولا يكون ذلك إلا بمتابعةٍ، فلذلك قُلْنا إنَّ البابَين متقاربان. ويقولون: "لا أفْعَلُ ذلك ما أرزَمَتْ أمُّ حائل". والحائل: الأنثى من ولد النَّاقة. ورَزَمة السِّباع: أصواتُها . والرَّزِيم: زئير الأُسْد. قال:

* لأُِسُودِهِنَّ على الطَّرِيقِ رَزِيمُ([6]) *

فأما قولهم "لا خَيْرَ في رَزَمةٍ لاَ دِرَّةَ معها" فإِنهم يريدون حنينَ الناقة. يُضرَب مثلاً لمن يَعِد ولا يَفِي. والرَّزَمة: صوتُ الضُّبُعِ أيضاً. وممّا شَذَّ عن الباب المِرْزَمان: نَجْمان. قال ابنُ الأعرابيّ: أمُّ مِرْزَمٍ: الشَّمال الباردة. قال:

إِذا هُوَ أَمْسَى بالحِلاَءَةِ شاتِياً *** تُقَشِّرُ أعْلى أنْفِهِ أُمُّ مِرْزَمِ([7])

  (رزن)  الراء والزاء والنون أصلٌ يدلُّ على تجمُّعٍ وثَبات. يقولون رَزُنَ الشيءُ: ثَقُل. ورجلٌ رزينٌ وامرأةٌ رَزانٌ. والرِّزْنُ: نُقْرةٌ في صخرةٍ يجتمع فيها الماء. قال:

* أحْقَبَ مِيفَاءٍ على الرُّزُونِ([8]) *

ويقال الرَِّزْنُ: الأَكمَة، والجمع رزُونٌ.

(رزأ)  الراء والزاء [والهمزة] أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إِصابة الشيء والذَّهاب به. ما رزَأتُه شيئاً، أي لم أُصِبْ منه خيراً. والرُّزْء: المصيبة، والجمع الأرزاء. قال:

وأرى أرْبَدَ قد فارَقنِي *** ومِنَ الأرزاءِ رُزْءٌ ذُو جَلَلْ([9])

  وكريمٌ مُرَزَّا([10]): تصيب الناسُ مِن خَيْره.

(رزب)  الراء والزاء والباء، إن كان صحيحاً فهو يدلُّ على قِصَر وضِخَمٍ. فالإرْزَبُّ: الرّجُل القَصِير الضَّخْم. والمِرْزَبَةُ معروفةٌ. *ورَكَبٌ إرْزَبٌّ: عظيم. قال:

* إنّ لَهَا لرَكَباً إرْزَبَّا([11]) *

(رزح)  الراء والزاء والحاء أصلٌ يدلُّ على ضعْفٍ وفُتور. فيقولون رَزَح، إذا أعيا؛ وهي إِبلٌ مَرازيحُ، ورَزْحَى، ورَزَاحَى([12]). ويقولون إن أصله المِرْزَح، وهو ما تواضَعَ من الأرض واطمأَنَّ.

وذُكر في الباب كلامٌ آخرُ ليس من القياس المذكور، قال الشَّيبانيّ:

المِرْزِيح: الصّوت. قال:

ذَرْ ذا ولكن تبصَّرْ هَلْ تَرى ظُعُناً *** تُحْدَى، لِسَاقَتِها بالدَّوِّ مِرْزيحُ[13])

ــــــــــــــــ

([1]) كذا. والذي في شعر طرفة 52 واللسان (رزغ):

وأنت على الأدنى شمال عرية *** شآمية تزوي الوجوه بليل

وأنت على الأقصى صبا غير قرة *** تذاءب منها مرزغ ومسيل

 ([2]) في الأصل: "وهو الطين الرزع". والكلمة الأخيرة مقحمة.

([3]) أخبها: جعلها تسير الخبب. وفي الأصل: "خببتها"، تحريف. وفي اللسان: "أحثثتها" وفي مادة (زرف) من اللسان: "أخببتها" كما أثبت.

([4]) هو ساعدة بن جؤية، كما في اللسان (نبخ، رزم). وانظر ديوان الهذليين (1: 202).

([5]) البيت بتمامه كما في المراجع السابقة:

يخشى عليها من الأملاك نابخة *** من النوابخ مثل الخادر الرزم

    والخادر: الأسد في خدره. ويروى "الحادر"، أراد به الفيل الغليظ.

([6]) هذه القطعة في اللسان (رزم).

([7]) البيت لصخر الغي الهذلي، يعير أبا المثلم. انظر شرح السكري للهذليين 21 ونسخة الشنقيطي 91 ومعجم البلدان (الحلاءة) واللسان (رزم 132). وقد سبق في (أم 23).

([8]) لحميد الأرقط، كما في اللسان (رزن).

([9]) البيت للبيد في ديوانه 17 طبع 1881.

([10]) في الأصل: "مبرز"، تحريف.

([11]) البيت في اللسان (رزب). وبعده: * كأنه جبهة ذرى حبا *

([12])ويقال أيضاً رزح، كركع، وروازح.

([13]) البيت لزياد الملقطي، كما في اللسان (رزح).

 

 

ـ (باب الراء والسين وما يثلثهما)

(رسع) الراء والسين والعين أصلٌ يدلُّ على فَسادٍ. يقولون الرَّسَعُ: فَساد‏

العين. يقال رسَّعَ الرّجلُ فهو مُرَسِّع. ويقال رسَّعَتْ أعضاؤه، إذا فَسَدَتْ.‏

(رسغ) الراء والسين والغين كلمةٌ واحدة، [الرُّسْغُ]: وهو مَوْصِل الكَفِّ في الذِّراع، والقدم في الساق. والرِّساغ: حبلٌ يُشَدُّ في رسغ الحمار ثم يشدُّ إلى وتد. ويقال أصاب المطر الأرضَ فرسَّغ، وذلك إذا بلغ الماء الرسغ.‏

(رسف) الراء والسين والفاء أُصَيلٌ يدلُّ على مقارَبَة المَشْي، فالرَّسْفُ: مَشْي المقيَّد، ولا يكون ذلك إلاّ بمقارَبَةٍ. رَسَفَ يَرْسُف ويَرْسِف رَسْفاً ورَسِيفاً ورَسَفاناً. قال أبو زيد: أرسفْتُ الإِبلَ، إذا طردْتَها بأَقْيَادِها.‏

(رسل) الراء والسين واللام أصلٌ واحدٌ مطّردٌ مُنْقاس، يدلُّ على الانبعاث والامتداد. فالرَّسْل: السَّير السَّهل. وناقةٌ رَسْلَةٌ: لا تكلِّفك سِياقاً. وناقة رَسْلَهٌ أيضاً: ليِّنة المفاصل. وشَعْرٌ رَسْلٌ، إذا كان مُسترسِلا.‏

والرَّسَل: ما أُرسِل من الغَنَم إلى الرَّعي. والرِّسْل: اللَّبَن؛ وقياسُه ما ذكرناه، لأنَّه يترسَّل من الضَّرْع. ومن ذلك حديث طَهْفَةَ بن أبي زُهيرٍ النَّهدِيّ(1) حين قال: "ولنا وَقِيرٌ كثير الرَّسَلِ، قليل الرِّسْل". يريد بالوَقير الغَنَم، يقول: إنها كثيرة العدد، قليلة اللَّبَن. والرَّسَل: القَطيع هاهنا.‏

ويقال أَرسَلَ القومُ، إذا كان لهم رِسْلٌ، وهو اللَّبَن. ورَسِيلُ الرّجُل: الذي يقف معه في نِضالٍ أو غيرِه، كأنَّه سُمِّي بذلك لأنّ إرساله سهمَه يكون مع إرسال الآخرِ. وتقول جاءَ القومُ أَرْسالاً: يتبَعُ بعضُهم بعضاً؛ مأخوذٌ من هذا؛ الواحدُ رَسَل. والرَّسول معروفٌ. وإبلٌ مَراسِيلُ، أي سِرَاعٌ. والمرأة المُرَاسِل التي مات بعلُها فالخُطَّاب يُراسِلُونها. وتقول: على رِسْلِك، أي على هِينَتِك؛ وهو من الباب لأنَّه يَمْضي مُرْسَلاً من غير تجشُّم. وأمّا: "إلاّ مَن أعطى في نَجْدَتِها ورِسْلِها" فإِنَّ النَّجْدة الشّدّة. يقال فيه نَجْدةٌ، أي شِدَّةٌ. قال طَرَفة:‏

تَحْسَِبُ الطّرْفَ عليها نَجْدةً *** يا لقَومِي للشَّبَاب المُسْبَكِرّْ(2)‏

والرِّسْل: الرَّخاء. يقول: يُنِيلُ منها في رَخائه وشِدّته. واسترسلتُ إلى الشَّيء، إِذا انبعَثَتْ نفْسُك إليه وأَنِسْتَ. والمرَسلات: الرِّياح. والراسِلان(3): عِرْقانِ.‏

(رسم) الراء والسين والميم أصلان: أحدهما الأثَر، والآخر ضربٌ من السير.‏

فالأوّل الرّسْم: أثَرُ الشَّيء. ويقال ترسَّمْتُ الدّار، أي نظرتُ إلى رسومها. قال غيلان:‏

أأَنْ ترسَّمْتَ مِن خَرقاءَ منزِلَةً  *** ماءُ الصَّبابةِ من عينَيْكَ مسجومُ(4)‏

وناقةٌ رَسومٌ: تؤثِّر في الأرض من شِدّة الوطْء. والثَّوب المرسَّم: المخطَّط. ويقال إنَّ الترسُّم: أنْ تنظُرَ أين تحفِر، وهو كالتفرُّس. قال:‏

* ترسُّم الشَّيخ وضَرْبَ المِنْقارْ(5) *‏

ويقال إنَّ الرَّوْسَم: شيءٌ تُجْلَى به الدَّنانير. قال:‏

*دنانِيرُ شِيفَتْ من هِرَقْلَ برَوْسَمِ(6) *‏

والرَّوْسم: خشَبةٌ يُختَم بها الطَّعام. وكلُّ ذلك بابُه واحدٌ: وهو من الأثَر. ويقال إِنَّ الرَّواسيمَ كتبٌ كانت في الجاهليّة. وعلى ذلك فُسِّرَ قولُه:‏

* كأنَّها بالهِدَمْلاَتِ الرَّوَاسِيمُ(7) *‏

وقيل الراسم: الماء الجارِي.* فإنْ كان صحيحاً فلأنَّه إِذا جَرَى أثَّر وأبْقَى الرَّسْمَ.‏

وأمّا الأصل الآخَر فالرَّسِيم: ضَربٌ مِن سَير الإِبل. يقال رسَم يرْسِمُ. فأمّا أرْسَم فلا يقال(8). وقول ابن ثَوْر:‏

* غُلاَميَّ الرَّسيمَ فأَرْسما(9) *‏

فإنَّه يريد: فأرسم الغلامانِ بَعيريْهِما، إِذا حَمَلاهما على الرَّسيم؛ ولا يريد أنَّ البعير أرسَمَ.‏

(رسن) الراء والسين والنون أصلٌ واحدٌ اشترك فيه العرب والعجم، وهو الرَّسَنُ، والجمع أرسانٌ. والمَرْسِنُ: الذي يقع عليه الرَّسَن من أنف الناقة، ثم كثُر حتَّى قيل مَرسِنُ الإنسان. ورسَنْت الرَّجُلَ(10) وأرسنْتُه: شددتُه بالرَّسَن.‏

(رسي) الراء والسين والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على ثباتٍ. تقول رَسَا الشَّيءُ يرسُو، إذا ثَبَتَ. والله جلّ ثناؤُه أَرسَى الجِبالَ، أي أثْبَتَها. وجبلٌ راسٍ: ثابتٌ. ورَسَتْ أَقدامُهم في الحرب. ويقال ألْقَت السّحابةُ مَرَاسِيَها، إذا دامَتْ. والفحل إِذا تفرّقَتْ عنه شَوْلُه فصاح بها استقرَّت، فيُقال عند ذلك رسا بها(11). ومن الباب رَسَوْت بين القوم رَسْواً، إذا أصلَحْتَ. وبقيتْ في الباب كلمةٌ إنْ صحّتْ فقياسُها صحيحٌ. يقال رَسَوْتُ عنه حديثاً أَرْسُوه، إذا حدَّثْتَ به عنه. وفي ذلك إثباتُ شيءٍ أيضاً.‏

(رسب) الراء والسين والباء أصلٌ واحد، هو ذهابُ الشيء سُفْلاً مِن ثَِقَلٍ. تقول: رسَبَ الحجَر في الماء يرسُب. وحكى بعضهم رسَبَتْ عيناه: غارَتَا. فإن كان صحيحاً فهو محمولٌ على ما ذكرناهُ، مشبَّهٌ به. والسَّيف الرَّسوب: الذي يمضي في الضَّريبة(12)، فكأنّه قد رَسَب فيها. وراسِبٌ: حَيٌّ من العَرب.‏

(رسح) الراء والسين والحاء أُصيلٌ فيه كلمةٌ واحدة. الرَّسْحاء: المرأة اللاصقة العَجُز، الصغيرةُ الأَلْيَتَين. ورجلٌ أرسحُ، والذِّئب أرْسَح.‏

(رسخ) الراء والسين والخاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الثَّبات. ويقال رسَخَ: ثَبَتَ، وكلُّ راسخٍ ثابتٌ.‏

ــــــــــــــــــ

(1) طهفة هذا، بفتح الطاء: صحابي جليل، وفد على الرسول في وفد بنى نهد، وتكلم كلاماً فيه غريب كثير. انظر الإصابة 4292.‏

(2) ديوان طرفة 64 واللسان (نجد).‏

(3) في اللسان: "والراسلان: الكتفان، وقيل عرقان فيهما".‏

(4) ديوان ذي الرمة 567 واللسان (رسم).‏

(5) البيت في اللسان (رسم).‏

(6) لكثير عزة. وصدره كما في اللسان (رسم):‏  *من النفر البيض الذين وجوههم*‏

(7) البيت لذي الرمة في ديوانه 578 واللسان (رسم).‏

(8)في الأصل: "ولا يقال".‏

(9)بيت حميد بن ثور بتمامه، كما في اللسان (رسم):‏

أجدت برجليها النجاء وكلفت *** بعيري غلامي الرسيم فأرسما‏

(10) كذا في الأصل والمجمل، ولم أجده في غيرهما.‏

(11)في الأصل: "ترسا بها"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس.‏

(12)في الأصل: "ضرب".‏

 

 

ـ (باب الراء والشين وما يثلثهما)

(رشف)  الراء والشين والفاء أصلٌ واحد، وهو تَقَصِّي شُرب الشّيء. والرَّشْف: استِقْصاء الشُّرب حتَّى لا يَدَع في الإِناء شيئاً. رشف يرشُف ويَرْشِف. وفي كتاب الخليل: الرَّشَْف: بقيّة الماء في الحَوض. والرَّشْف: أخْذُ الماء بالشَّفَتَين، وهو فوقَ المَصّ. والرَّشُوف: المرأة الطيِّبة الفَم. ومعنى هذا أنَّ رِيقَتَها مِن طِيبها تُتَرَشَّف.

(رشق)  الراء والشين والقاف أصلٌ واحد، وهو رمْي الشَّيء بسهم وما أشبَهَه في خِفَّة. فالرَّشْق مصدر رشَقَه بسهمٍ رَشْقاً. والرِّشْق: الوَجْه من الرَّمْي، إذا رمَى القومُ جَميعُهم قالوا: رمينا رِشْقاً. قال أبو زُبَيد:

كلَّ يومٍ ترمِيهِ منها برِشْقٍ *** فمُصِيبٌ أو صَافَ غيرَ بَعِيدِ([1])

  ومن الباب قولهم: أرشَقْتُ، إذا حدّدتَ النَّظَر. قال القُطَاميّ:

* وتَرُوعُنِي مُقَل الصُِّوار المُرْشِقِ([2]) *

ويقال رَشَقه بالكَلام. ومن الباب الرَّشيق: الخفيفُ الجِسْم، كأنّه شُبِّه بالسَّهم الذي يُرشَق به. ومنه أرشَقَتِ الظَّبيةُ: مدَّت عُنُقها لتنظُر.

(رشم)  الراء والشين والميم كلمةٌ واحدة لا يقاس عليها، وليس في الباب غيرها. وذلك الأرشَم: الذي يتشمّم الطّعامَ ويَحرِص عليه. قال:

لَقىً حملَتْهُ أُمُّه وهي ضَيْفَةٌ *** فجاءَتْ بنَزٍّ لِلنِّزَالَةِ أرشَما([3])

  (رشن)  الراء والشين والنون ليس أصلاً ولا فيه ما يُؤْخَذُ به. لكنَّهم يقولون. رشَنَ الكلبُ في الإناء: أدخَلَ رأسَه. والرَّاشن: الذي يتحيَّن وقْتَ الطعام فيأتِي ولم يُدْعَ. وفي كلِّ ذلك نَظر.

(رشي)  الراء والشين والحرف المعتل أصلٌ يدلُّ على سَببٍ أو تسبُّبٍ لشيءٍ بِرفْق وملايَنَة. فالرِّشاء: الحبل الممدود، والجمع* أرشِيَة. ويقال للحنْظَل  إذا امتدَّت أغصانُه: قد أَرْشَى. يُعْنَى أنّه صار كالأرشية، وهي الحبال. ومن الباب: رشَاه يَرشُوهُ رَشْواً. والرَُِّّشْوة الاسمُ. وتقول ترشَّيْت الرّجلَ: لايَنْتُه. ومنه قول امرئ القيس:

* تُرَاشِي الفؤادَ([4]) *

ومن الباب استرشَى الفصيلُ، إذا طلب الرَّضاع، وقد أرشَيْتُه إرشاء. وراشَيْتُ الرّجُل، إذا عاونتَه فظاهَرْتَه. والأصل في ذلك كلِّه واحد.

(رشأ)  الراء والشين والهمزة كلمةٌ واحدة وهي الرّشأ، مهموز، وهو ولد الظَّبْية.

(رشح)  الراء والشين والحاء أصلٌ واحد؛ وهو النّدَى يبدو من الشّيء. فالرَّشْح: العَرَق. يقال رشَح بدَنُه بعَرَقِه. فأمّا قولهم يُرشَّح لكذا، فهو من هذا، وأصله الوحشيّةُ إذا بَلَغ ولدها أن يمشيَ معَها مشَتْ به حتَّى يَرشَحَ عرَقاً فيقوى؛ ثم استُعير ذلك لكلِّ من رُبِّي، فقيل يُرشّح للخِلافة؛ كأنَّه يُرَبَّى لها. والرّاشِح: الجَبَلُ يندَى أصلُه. ورَشَّحَ النَّدى النَّبْتَ، إذا ربّاه. وأرشَحَت النّاقةُ، إذا دنا فِطامُ ولَدِها، وذلك هو عندما تفعل([5]). وقال:

كأنَّ فيه عِشاراً جِلّةً شُرُفاً *** مِن آخِرِ الصَّيف قد همَّتْ بإرشاحِ([6])

  (رشد)  الراء والشين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على استقامةِ الطريق. فالمرَاشِد: مقاصد الطُّرُقِ. والرُّشْد والرَّشَد: خِلافُ الغَيّ. وأصاب فلان من أمره رُشدْاً ورَشَداً ورِشْدة. وهو لِرَِشْدةٍ خلاف لِغَِيّة.

ــــــــــــــــــ

([1]) البيت في اللسان (صيف، رشق)، وسيعيده في (صيف، ضيف).

([2]) ديوان القطامي 34 واللسان (رشق). وصدره: * ولقد يروق قلوبهن تكلمي *

([3]) البيت للبعيث يهجو جريراً. انظر اللسان (لقا، ضيف، نزز،نزل، رشم، يتن).

([4]) قطعة من بيت له. وهو بتمامه كما في الديوان 95:

نزيف إذا قامت لوجه تمايلت *** تراشي الفؤاد الرخص ألا تخترا

([5]) كذا في الأصل.

([6]) لأوس بن حجر في ديوانه 4. وقصيدة البيت تروى أيضاً لعبيد بن الأبرص في مختارات ابن الشجري 100.

 

 


ـ (باب الراء والصاد وما يثلثهما)

(رصع) الراء والصاد والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على عَقْد شيءٍ بشيءٍ كالتَّزْيِين له به. يقال لِحلْية السَّيف رَصِيعةٌ، والجمع رصائع، وذلك ما كان منها مستديراً. وكل حَلْقَةِ حِلْيَةٍ مستديرةٍ : رصيعةٌ. قال الهذليّ(1):‏

ضربنَاهُمُ حتى إذا ارْبَثَّ جمعُهُمْ *** وعادَ الرَّصيعُ نُهْبَةً للحمائلِ(2)‏

ومن الباب المراصِعُ، وهي التمائِم، سمِّيت بذلك لأنها تعلَّق. ويقال رُصِعَ الشيء، إذا عُقِد. ويقال رَصَع به، إذا عَبِقَ.‏

ويجوز أن يكون الباقي من الكَلِم في هذا أصلاً آخرَ يدلُّ على خِفَّةٍ وصِغَر حجْم، فيقال لفراخ النَّخْل الرَّصَع، الواحدة رصَعَةٌ. ويقال للمرأة الرَّسْحاء رَصْعاء. والرَّصْع: الضَّرب باليد ضرباً خفيفاً. والترصّع: النَّشاط والخِفّة.‏

(رصغ) الراء والصاد والغين ليس أصلاً. لكنّ الخليل قال: الرُّصْغ لغةٌ في الرُّسغ.‏

(رصف) الراء والصاد والفاء أصلٌ واحدٌ منقاسٌ مطّرد، وهو ضمُّ الشيءِ بعضِه إلى بعض. فالرَّصْف: ضَمُّ الحِجارة بعضِها إلى بعض. والحجارة نَفْسُها رَصَفٌ. ومن ذلك رَصْف الصّخْر في البِناء. والرِّصَاف: العَقَبُ يُشَدُّ على فُوقِ السَّهم. وحكى الخليل الرُّصَافة والرَّصَفَةَ أيضاً. والرَّصوف: المرأة الصَّغيرة الفَرْج؛ وكأنّ ذلك من تَراصُفِ الشيء ويقال هذا أمرٌ لا يَرْصُفُ بك، أي لا يَليق. وعملٌ رصِيفٌ: مُحْكَم. وفلانٌ رصيفُ فلانٍ، أي يعارِضُه في عمَله.‏

(رصن) الراء والصاد والنون أصلٌ واحد يدلُّ على ثَبَاتٍ وكمال وإحكام. تقول: شيءٌ رصينٌ، أي شديد ثابت. وقد رَصُن رَصانةً، وأرصنتُه أنا. وحكى ناسٌ: فلانٌ رصينٌ بحاجَتِك، أي حَفِيٌّ. ويقال رَصَنْتُ الشيءَ(3): أكملتُه. وقال أبو زيد: رصَنْت الشيءَ معرفةً(4). والرَّصِينانِ في رُكْبة الفرس: أطرافُ القَصَب المركَّب في رَضَْفَة الفَرَس.‏

ومما شذَّ عن الباب قولهم: هو رصينُ الجَوف، أي مُوجَع الجوف. قال:‏

* تقول إنِّي رَصِينُ الجَوْفِ فاسقُونِي(5) *‏

ويقولون: رصَنَه بلسانه رصْناً، أي شَتَمه. وفيه نظرٌ.‏

(رصد) الراء والصاد والدال أصلٌ واحد، وهو التهيُّؤُ لِرِقْبةِ شيءٍ على مَسْلكِه، ثم يُحمَل عليه ما يشاكلُه. يقال أرصدتُ لـه كذا، أي هيّأْتُه* له، كأنّك جعلتَه على مَرصَده. وفي الحديث: "إلاّ أنْ أُرْصِدَه لدَيْنٍ عَلَيّ" وقال الكسائيّ: رصدتُه أرصُدُه، أي ترقَّبتُه؛ وأرصَدْت لـه، أي أعدَدْت. والمَرْصَد: موقع الرَّصْد. والرَّصَد: القوم يَرصُدون. والرَّصْد الفِعل. والرَّصود من الإبل: التي ترصُد شُربَ الإبل ثم تَشرَب هي. ويقال إنَّ الرُّصْدة(6) الزُّبْية، كأنها للسبُع ليقَعَ فيها. ويقال الرَّصيد: السبُع الذي يَرْصُد ليَثِب.‏

وشذّتْ عن الباب كلمةٌ واحدة، يقال الرَّصَْد: أوّل المطر. والله أعلمُ بالصواب.‏

ــــــــــــــــ

(1) هو أبو ذؤيب الهذلي. انظر ديوانه 85 واللسان (رسع، رصع، نهي) ومعجم البلدان (الرسيع).‏

(2)في الأصل:" اربت"، تحريف، صوابه بالثاء المثلثة كما في المجمل والديوان.‏

(3) في الأصل: "أرصنت"، صوابه في المجمل وسائر المعاجم المتداولة.‏

(4) زاد في اللسان: "أي علمته". وفي المجمل: "أي غلبته"، محرفة.‏

(5) في اللسان: "يقول إني".‏

(6) ذكرت في القاموس. ولم تذكر في اللسان.‏

 

 

ـ (باب الراء والضاد وما يثلثهما)

(رضع)  الراء والضاد والعين أصلٌ واحد، وهو شُرْب اللَّبَن من الضّرْع أو الثّدي. تقول رَضِع المولودُ يرضَع. [ويقال: لئيمٌ راضعٌ؛ وكأنّه من لؤمه يرضع إبلَه لِئلاَّ([1])] يُسْمَع صوتُ حلْبه. ويقال امرأةٌ مُرضِع، إذا كان لها ولدٌ ترضِعُه. فإنْ وصفْتَها بإرضاعها الولدَ قلت مُرْضعةٌ. قال الله جل ثناؤه: {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج 2]. والرَّاضعتان: الثَّنيَّتانِ اللّتان يُشْرَب عليهما([2]). وذكر بعضُهم أنّ أهلَ نَجْدٍ يقولون: رَضَع يَرْضِع على وزن فعَل يَفْعِل. وأنشد:

وذَمُّوا لنا الدُّنيا وهم يَرْضِعُونَها *** أفاوِيقَ حتَّى ما يُدِرُّ لها الثُّعْلُ([3])

  وهو أخُوه من الرَّضاعة، بفتح الراء. والرِّضاع: مصدرُ راضعتُه. وهو رَضِيعي؛ كالرَّسِيل، والأكيل، والرَّضُوعة: الشّاة التي تُرضِعُ.

(رضف)  الراء والضاد والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على إِطباق شيءٍ على شيء. فالرَّضْفَة: عظمٌ منطبقٌ على الرُّكبة. فأمّا الرَّضْف فحجارةٌ تُحمَى، يُوغَر بها اللَّبنُ، ولا يكون ذلك بحجرٍ واحد. وفي الحديث: "كان يُعجِّل القيامَ كأنَّه على الرَّضْف"([4]). والرَّضيف: اللَّبن يُحلب على الرَّضْف يؤكل. ويقال شِواءٌ مرضوف: يُشوَى على الرَّضْف. فأما قولُ الكميت:

ومَرْضُوفةٍ لَمْ تُؤْنِ في الطَّبْخ طاهياً *** عجِلْتُ عَلَى مُحْوَرِّها حِين غَرْغَرَا([5])

  فإِنَّه يريد القِدْر التي أنضِجَت بالرَّضْف، وهي الحجارة التي مضى ذِكرها. ذكر ابنُ دريدٍ([6]): رضَفْتُ الوِسادةَ: ثنيتُها؛ في لغة اليمن.

(رضم)  الراء والضاد والميم قريبٌ من الباب الذي [قبله]، كأنّه رميُ الحجارة بعضِها على بعض. فالرَّضِيم: البِناء بالصَّخر. والرِّضام: الصخور، واحدتُها رَضْمَةٌ. ورضَمَ فلانٌ بيتَه بالحِجارة. وبِرذَونٌ مَرضُوم العَصَب، إذا تشنَّجَ عصَبُه فصار بعضُه على بعض. ورَضَم البعيرُ بنَفْسِه إذا رمَى بنفسه.

(رضن)  الراء والضاد والنون تشبه الباب([7]) الذي قبلها. فالمرضون من الحجارة: المَنْضود.

(رضي)  الراء والضاد والحرف المعتلّ أصلٌ واحد يدلُّ على خلاف السُّخْط. تقول رضِي يرضَى رِضىً. وهو راضٍ، ومفعوله مرضِيٌّ عنه. ويقال إِنّ أصله الواو؛ لأنّه يقال منه رِضوَان. قال أبو عبيد: راضانِي فلانٌ فرَضَوْتُه. ورَضْوَى: جبلٌ، وإذا نُسِب إليه رَضَوِيّ.

(رضب)  الراء والضاد والباء كلمةٌ واحدةٌ تدلُّ على ندىً قليل. فالرَّاضب من المطر: سَحٌّ منه. قال:

خُنَاعَةُ ضَبْعٌ دَمَّجَتْ في مَغارةٍ *** وأدركها فيها قِطارٌ ورَاضِبُ([8])

  ومنه الرُّضَاب، وهو ما يرضُبه الإنسان مِن ريقه، كأنَّه يمتصُّه.

(رضح) الراء والضاد والحاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على كَسْر الشيء. والرَّضْح: كَسْر الشّيء، كدَقِّ النَّوَى وما أشبَهَه. وذلك الشّيء رَضِيحٌ. قال الأعشى:

بناها السَّوادِيُّ الرَّضِيحُ مع الخَلا *** وسَقْيي وإطْعامِي الشَّعيرَ بمحفَِدِ([9])

  (رضخ)  الراء والضادِ والخاء كلمةٌ تدلُّ على كَسْرٍ. ويكون يسيراً ثم يشتقّ منه. فالرضْخ: الكسر؛ و* هو الأصل، ثم يقال رَضَخَ له، إذا أعطاه شيئاً ليس بالكثير، كأنّه كسَرَ له من ماله كِسْرةً. ومنه حديث مالك بن أوس، حين قال لـه عمر: "إنّه قد دَفَّتْ علينا دَافَّةٌ من قومِك، وإنِّي أمرت لهم بِرَضْخ([10])".

ويقال تراضَخَ القَومُ: ترامَوْا، كأنّ كلَّ واحدٍ منهم يريد رَضْخ صاحبِه. والرَّضْخ من الخَبَر: الذي تسمعه ولا تستيقِنُ منه([11]). ويقال فلانٌ يَرْتَضِخُ لُكْنةً، إذا شابَ كلامُه بشيءٍ من كلام العجَمِ يسيرٍ.

ــــــــــــــــــ

([1]) التكملة من المجمل.

([2]) في اللسان: "يشرب عليهما اللبن".

([3]) البيت لعبد الله بن همام السلولي، يهجو به العلماء، كما في اللسان (9: 484/ 12: 193/ 13: 88). وانظر أمالي ثعلب 515. والرواية في جميعها: "ثعل"، وفي الأصل هنا: "الثقل"، تحريف.

([4]) في اللسان: "كان في التشهد الأول كأنه على الرضف".

([5]) البيت في اللسان  (رضف، أني، حور، غرر).

([6]) الجمهرة (2: 364).

([7]) في الأصل: "الباء".

([8]) البيت لحذيفة بن أنس، كما في اللسان (رضب) وشرح السكري للهذليين 225. وروي في المخصص (9: 116): "رواضب" على أنها صفة للقطار. والقطار: جمع قطر وهو المطر. وأنشد صدره في اللسان (دمح) محرفاً.

([9]) ديوان الأعشى 131 واللسان(حفد).

([10]) في الأصل: "إن ضخ"، صوابه من المجمل.

([11]) في الأصل: "عنه".

 

 

ـ (باب الراء والطاء وما يثلثهما)

(رطع) الراء والطاء والعين ليس بشيءٍ، إلاّ أنّ ابنَ دُريدٍ(1) ذكر أنَّهم يقولون: رَطَعها، إذا نكحها. وليس ذلك بشيءٍ.‏

(رطل) الراء والطاء واللام كالذي قبله، إلاّ أنَّهم يقولون للشيء يُكال به رِطْلٌ. ويقولون: غُلامٌ رِطلٌ: شابٌّ. ورطَّلَ شَعَْرَه: كَسَّره وثَنَّاه. وليس [هذا] وما أَشبهه من مَحْض اللغة.‏

(رطم) الراء والطاء والميم كلمةٌ تدلُّ على ارتباكٍ واحتباسٍ. يقولون: ارتطَمَ على الرّجُل أمْرُه، إذا سُدَّتْ عليه مذاهبهُ. ويقولون: ارتطَمَ في الوحل. ومن الباب تسميتُهم اللازِمَ للشّيءِ راطماً. والرَّطُوم: الأحمق؛ وسمِّي بذلك لأنّه يرتَطِم في أمورِه. ومن الباب الرُّطام، وهو احتباس نَجْو البعير. ويقولون رَطَمها، إذا نَكَحها. وقد قُلْنا إنّ هذا وشِبْهَه ممّا لا يكونُ من مَحْض اللُّغة.‏

(رطن) الراء والطاء والنون بناءٌ ليس بالمُحْكَم ولا لـه قياسٌ في كلامهم، إلاّ أنَّهم يقولون: تراطَنُوا، إذا أتَوْا بكلامٍ لا يُفهَم؛ ويُخَصُّ بذلك العَجم. قال:‏

فأثارَ فارِطُهُمْ غَطَاطاً جُثَّماً *** أصواتُهُ كَتَراطُنِ الفُرِس(2)‏

ويقال الرّطَّانة: الإبل معها أهلُها. قال:‏

* رَطَّانة مَنْ يَلْقَها يُخَيَّبِ(3) *‏

(رطو) الراء والطاء والواو ليس بشيء. وربما قالوا: رطَاها ورطأها، إذا جامَعَها. وممّا يقرب [من] هذا في الضّعف قولُهم للأحمق: رطِيٌّ.‏

(رطب) الراء والطاء والباء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على خلاف اليُبْس. من ذلك الرَّطْب والرَّطِيب. والرُّطْب: المرعى، بضم الراء. والرُّطَب معروف. ويقال أرْطَبَ النّخْل إرطاباً. ورطَّبْتُ القومَ تَرطيباً، إذا أطعمتَهم رُطَباً. والرِّطاب(4) من النَّبت. تقول: رطَبْتُ الفرسَ أرطُبه رطْباً ورُطوباً. والرَّطْبَة: اسمٌ للقَضْب خاصّةً مادام رَطْباً. ورِيشٌ رَطِيبٌ، أي ناعم. وحكى ناسٌ عن أبي زيد: رَطِبَ الرجُل بما عنده يَرْطَبُ(5)، إذا تكلَّم بما كان عنده مِن خطأٍ أو صواب. والله أعلم.‏

ـــــــــــــــــ

(1) الجمهرة (2: 368).‏

(2) البيت لطرفة في اللسان (رطن، غطط)، وليس في ديوانه، وسيعيده في (غط).‏

(3) إثبات الكلمة الأخيرة من اللسان. وبدلها في المجمل: "يجنب".‏

(4) الرطاب: جمع رطبة بالفتح، وهي القضب.‏

(5) ذكرت في القاموس، وجعلها من باب فرح، ولم ترد في اللسان.‏

 

 


ـ (باب الراء والعين وما يثلثهما)

(رعف)  الراء والعين والفاء أصلٌ واحد يدلُّ على سَبْق وتقدُّم. يقال فَرَسٌ راعفٌ: سابقٌ متقدِّم. ورَعَف فلانٌ بفرسِهِ الخيلَ، إِذا تقدَّمها. قال الأعشى:

به تَرْعُفُ الألْفَ إِذْ أُرْسِلَتْ *** غَداةَ الصّباح إذا النَّقْعُ ثارا([1])

  ومن الباب رَعَفْت ورَعُفت([2]). والرُّعاف فيما يقال: الدّمُ بعينه. والأصل أنّ الرُّعاف ما يُصيب الإنسانَ من ذلك، على فُعال، كما يقال في الأدواء. ويقولون للرِّماح رواعفُ، قِيل ذلك من أجل أنها تقدَّم للطَّعْنِ. ويقال بل سُمِّيت لِمَا يقطُر منها الدّمُ. والأصل فيه كلِّه واحدٌ([3]). وراعُوفَةُ البِئر: حجرٌ يتقدم من طَيِّها([4]) نادراً، يقوم عليه السَّاقي. وأَرْعَفَ فلانٌ فلاناً، إذا أعجَلَه. وجاء في الرَّاعوفة "أنّه سُحِرَ وجُعِل سِحرُه في جُفِّ طَلْعةٍ ودُفِنَ تحت راعُوفة البِئر([5])". والرَّاعف: أَنْف الجبَل، ويجمع رواعِفَ. وطرَفُ الأرنبة راعفٌ. ويقال أرعَفَ فلانٌ قرْبتَه إرعافاً، إذا ملأَها حتى تَرْعُف. قال:

* يَرْعُفُ أعلاها مِنِ امتلائها([6]) *

(رعق)  الراء والعين والقاف ليس أصلاً، بل هو صوتٌ من الأصوات.  فالرُّعَاق: صوتٌ يخرج من قُنْب الدّابّة الذكرِ، كما يُسمَع الرَّعيق من ثفْر الأُنثى. تقول: رَعَق رَعْقاً ورُعاقا.

(رعك([7]))  الراء والعين والكاف كلمةٌ واحدة. يقولون: الرّاعك من الرجال: الأحمَق.

(رعل)  الراء والعين واللام معظمُ بابِه أصلان: أحدهما جماعةٌ، والآخَر شيءٌ يَنُوس ويضطرب. فالأول الرَّعْلَة: القِطعة من الخيل. والرَّعِيل مثل الرَّعلة. وقال طرَفةُ في الرِّعال وجعَلَها للطّير:

ذُلُقٌ في غارةٍ مسفوحةٍ *** كرِعال الطَّيرِ أسراباً تمُرّْ([8])

  وأراعيل الرِّياح: أوائلها. وحكى ابنُ الأعرابيّ: تركت عيالاً رَعْلَةً، أي كثيرة. فأما قولُه:

أبَأْنا بِقَتْلانا وسُقْنا بسَبْيِنا *** نساءً وجِئْنا بالهِجان المرعَّلِ([9])

  فالمعنى المجمَّع، من القياس الذي ذكرناه. ويقال المرعَّل: السمين المختار([10])؛ وليس ببعيدٍ، إلاّ أنَّ القولَ الأولَ أقْيَس.

والأصل الثاني الرَّعْلة: ما يُقطَع من أذُن الشاة ويُترك معلَّقا ينوسُ، كأنه زَنَمة. وناقةٌ رَعلاءُ، إذا فُعِل بها ذلك. قال الفِنْد الزِّمَّانيّ:

رأيت الفِتْيَةَ الأعْزا *** لَ مِثْلَ الأينُق الرُّعْلِ([11])

  قال ابن الأعرابي: مَرّ فلان يَجُرّ رَعْلَه، وأراعيلَه، أي ثيابه([12]). وشاةٌ رَعْلاءُ: طويلة الأذُن. ويقال للذي تَهَدَّلَ أطرافُه من الثِّياب: أرْعَلُ.

وممّا شذ عن البابين- وقد يمكن من أحدهما- الرَّعْلَةُ، وهي النَّعامة([13]). ويقال إنّ الرّاعل فُحَّالٌ بالمدينة.

(رعم)  الراء والعين والميم كلمتان متباينتانِ، بعيدٌ ما بينهما. فالأولى الرُّعام: شيءٌ يَسيل من أنْفِ الشاةِ لداءٍ يصيبها؛ يقال منه: شاةٌ رَعُومٌ.

والكلمة الثانية شيءٌ ذكره الخليل. قال: رَعَمَ الشمسَ يَرْعَمُها، إذا رَقَب غيبوبَتَها. وذكر أنه في شعر الطرِمّاح([14]).

(رعن)  الراء والعين والنون أصلان: أحدهما يدلُّ على تقدُّم في شيءٍ، والآخر يدلُّ على هَوَج واضطراب. فالأول الرَّعْن: الأنْف النادر من الجبَل. قال ابنُ دُريد: وسمِّيت البَصرة رعناءَ لأنَّها تشبّه برَعْن الجبل. وهو قولُ الفرزدق:

لولا ابنُ عُتبةَ عمروٌ والرّجاءُ لـه *** ما كانت البَصرة الرَّعناءُ لي وطَنا([15])

  ويقال جَيْشٌ أرْعَنُ، إذا كانت له فُضولٌ كرُعُون الجِبال.

والأصل الآخَر قولهم أرعَنُ: مستَرْخٍ. قالوا: هو من رَعَنَتْه الشمسُ، إذا آلَمتْ دِماغه. يقال مِن ذلك: رجلٌ مَرعُون. ويقال: رَعُنَ الرَّجُل يَرْعُن رعَناً، فهو أرْعَن، أي أهْوَج، والمرأة الرّعناءُ. فأمّا قولُه جل ثناؤه {لاَ تَقُولُوا رَاعِنَا} [البقرة 104]، فهي كلمةٌ كانت اليهود تَتَسابُّ بها، وهو من الأَرْعَن. ومن قرأها {رَاعِناً}، منونة فتأويلُها لا تقولوا حُمْقاً من القَول. وهو من الأوَّل؛ لأنّه يكونُ كلاماً أرْعَنَ، أي مضطرباً أهوج. ويقال: رحَلُوا رِحْلَةً رَعنْاءَ، أي مضطرِبة. قال:

* ورحلوها رِحْلَةً فيها رَعَنْ([16]) *

وذلك إذا لم تكن على الاستقامة.

(رعي)  الراء والعين والحرف المعتل أصلان: أحدهما المراقَبة والحِفظ، والآخَر الرجوع.

فالأوَّل رعَيْتُ الشَّيءَ، رقَبتُه؛ ورَعَيْته، إذا لاحَظْتَه. والراعِي: الوالي. قال أبو قيس:

ليس قطاً مِثْلَ قُطّيٍّ ولا الـْ *** مَرْعِيُّ في الأقوام كالرّاعِي([17])

  والجميع الرِّعاء، وهو جمعٌ على فِعالٍ نادرٌ، ورُعاةٌ أيضاً. وراعيت [الأمر([18])]: نظرت إلامَ يصيرُ. ورعَيْتُ النُّجُومَ: رقَبْتُها. قالت الخنساء:

أرعَى النُّجومَ وما كُلِّفْتُ رِعْيَتَها *** وتارةَ أتغَشَّى فَضْلَ أَطْمَارِي([19])

  والإِرعاء: الإبقاء، وهو من ذاك الأصلِ؛ لأنّه يحَافِظُ على ما يحافَظُ عليه. قال ذو الإصبع:

عَذِيرَ الحَيِّ مِنْ عَدْوَا *** نَ كانوا حَيَّةَ الأرض([20])

بغَى بعضٌ على بعضٍ *** فلَمْ يُرْعُوا على بَعْضِ

  ورجلِ تَُِرْعِية([21])* وتِرْعايةٌ: حسن الرِّعيْة بالإبل. ومن الباب أرعَيْتُه سَمْعي: أصغَيْتُ إليه. وأَرْعِنِي سَمْعَك، بكسر العين، أي ليرقُبْ سمعُك ما أقولُه.

والأصل الآخَر: ارْعَوى عن القبيح، إذا رجَع. وحكى بعضهم: فلانٌ حسنُ الرَّعْو والرِّعو([22]) والرَُّعْوَى.

ومن الشَّاذّ عن الأصلين: الرَّعاوَى والرُّعَاوَى، وهي الإِبل التي يُعتمَل عليها. قالت امرأةٌ تخاطِب بَعلَها:

تَمَشَّشْتَنِي حتَّى إذا ما تركْتَنِي *** كنِضْوِ الرُّعاوَى قلتَ إِنيَ ذَاهبُ([23])

  وممكنٌ أن يكون هذا من الأصل، لأنّها تَهْرَم فتُرَدُّ إلى حالٍ سيِّئة، كما قال جلَّ ثناؤه: { وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ} [النحل 70، الحج 5].

(رعب)  الراء والعين والباء أصولٌ ثلاثة: أحدها الخوف، والثاني المَلْء، والآخر القَطْع.

فالأول الرَّعْب وهو الخَوف، رَعَبْتُه رَعْباً، والاسم الرُّعْب. ويقال إنّ الرَّعْبَ رُقْيةٌ، يزعمون أنهم يرْعَبون ذا السِّحْر بكلامٍ([24])، أي يُفْزِعونه. وفاعله راعبٌ ورَعَّاب.

والأصل الآخر قولهم: سيلٌ راعبٌ، إذا مَلأَ الواديَ. ورعَبْتُ الحوضَ إذا ملأتَه.

والثالث قولهم للشَّيء المقَطَّع: مُرَعَّب. ويقال للقِطعة من السَّنام رُعْبوبة. وتسمَّى الشَّطْبَة من النِّساء رُعبوبةً؛ تشبيهاً لها بقِطعة السنام. ويقال سَنامٌ مرعوبٌ إذا كان يقطُر دسَما.

(رعث)  الراء والعَين والثاء أصلٌ واحد، وهو تزيُّنُ شيءٍ بشيء. فالرَّعَث: العِهْن من الصُّوف، وهو يزيَّن به([25]). والرِّعاث: القِرَطة، واحدتها رعثة([26]). وفي كتاب الخليل: الرِّعاث: ضَرْبٌ من الخرَز والحَلْي. قال:

* وما حُلِّيَتْ إلاَّ الرِّعاثَ المُعَقَّدا *

ومما شُبِّه بهذا وحُمل عليه: رَعْثة الدِّيك، وهي عُثْنُونُه، كأنّها شُبِّهت برَعَث العهن. قال:

* مِنْ صَوتِ ذِي رَُعَُثَاثٍ ساكنِ الدَّارِ([27]) *

(رعج)  الراء والعين والجيم أَصلٌ يدلُّ على نَضارة وحُسْن وخِصْب وامتلاء. ويقال أرضٌ مِرْعاجٌ ورَعِجَة([28])؛ إذا كانت خِصْبةً. ومن النَّضارة والحُسن: إرعاج البَرْق([29])، وهو تلألؤُه.

  (رعد)  الراء والعين والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حركةٍ واضطرابٍ. وكلُّ شيءٍ اضطربَ فقد ارتعدَ. ومنه الرِّعديدَة([30]) والرِّعْديد: الجبان. وأرْعِدَتْ فرائصُ الرَّجُل عند الفَزَع. والرِّعديدة: المرأة الرَّخْصَة، والجمع رَعاديد. ومن الباب الرَّعْد، وهو مَصْع مَلَكٍ يسوقُ السَّحَاب. والمَصْع: الحركة والذَّهاب والمَجِيء. ويقال مَصَعَت [الدَّابَّة] بذنَبها، إذا حرّكَتْه. ثم يُتصرَّف في الرَّعْد، فيقال رَعَدَت السماء وبَرَقَتْ. ورَعَدَ الرَّجُل وبَرَق، إذا أَوْعَدَ وتَهَدَّد. وأجازُوا: أرعَدَ وأَبرَقَ. وأنشد:

أرعِدْ وأبْرِقْ يا يزيـ *** ـدُ فما وَعيدُك لي بضائرْ([31])

  وفي أمثالهم: "صَلَفٌ تَحْتَ الرَّاعِدة([32])"، للذي يُكْثِرُ الكلام ولا خيرَ عنده. والصَّلَف: قِلَّةُ النَّزَل. ويقال أرْعَدْنا وأبرقْنا، إذا سمِعْنا الرَّعدَ ورأينا البرق. ومن أمثالهم: "جاءَ بِذاتِ الرَّعْد والصَّليل" إذا جاءَ بشَرٍّ وغَزْو([33]). ويقال إنّ ذاتَ الرَّعدِ والصّليلِ الحربُ. وذاتُ الرَّواعِد: الدّاهية.

(رعز)  الراء والعين والزاء ليس بشيء. على أنّهم يقولون: المُرَاعِزُ: المُعاتِبُ([34]).

(رعس)  الراء والعين والسين أُصَيْلٌ يدلُّ على ضَعف. قال الفرّاء: رَعَسْتُ في المشْي، إذا مشَيْتَ مشياً ضعيفاً، من إِعياءٍ أو غيرِه. وقال بعضُهم: الارتعاس كالارتعاش والانتفاض. قال:

يَبْرِي بإِرْعاسٍ يَمِينِ المُؤْتَلِي *** خُضُمَّةَ الذِّرَاعِ هَذَّ المُخْتَلِي([35])

  (رعش)  الراء والعين والشين في معنى الباب قبله من الاضطراب والارتعاد. ورجلٌ جبانٌ رَعِشٌ. وجَملٌ رَعْشَنٌ، وذلك اهتزازُه في سَيره والنون زائدة. والرَّعْشاءُ من النَّعام: السريعة.

(رعص)  الراء والعين والصاد* في معنى البابِ الذي قبلَه. فالرَّعْص الاضطراب. ويقال ارتعصت الحيّةُ: تلوَّت. قال:

أَنّيَ لا أسعَى إلى داعِيَّهْ *** إلاّ ارتعاصاً كارتعاصِ الحيَّهْ([36])

  ويقال ارتعص الجَدْيُ، إذا ظَفَرَ من النَّشاط.

(رعظ)  الراء والعين والظاء كلمةٌ واحدة لا يُقاس ولا يَتفرَّع. فالرُّعْظُ: مَدْخَل النَّصْل في السَّهم. وحكى الخليل: "إنّ فلاناً لَيَكسِر عليك أرعاظَ النَّبْل"، إذا كان يتغضّب. ويقال سهمٌ رَعِظٌ، إذا غاب في رُعْظِه.

ـــــــــــــــــــ

([1]) ديوان الأعشى 40 واللسان (رعف). ويروى: "ترعف" بالبناء للمفعول أيضاً.

([2]) كذا ضبطا في الأصل. ولغاته في القاموس: كنصر ومنع وكرم وعنى وسمع.

([3]) في الأصل: "كلمة واحدة".

([4]) في الأصل: "طينها"، صوابه في المجمل واللسان.

([5]) ويروى: "راعوثة" بالثاء. وهو من حديث عائشة. اللسان (رعث، رعف).

([6]) لعمر بن لجأ، في اللسان (رعف). وأنشده في المجمل.

([7]) لم أجد لهذه المادة ذكراً في المعاجم المتداولة. وانظر ما سبق في مادة (دعك).

([8]) ديوان طرفة 70 واللسان (ذلق).

([9]) البيت في المجمل واللسان (رعل).

([10]) في المجمل: "المختار".

([11]) في المجمل واللسان (رعل). ويروى: "الأغرال". وانظر المخصص (7: 156).

([12]) في الأصل: "شابه"، صوابه في المجمل واللسان.

([13]) في اللسان: "سميت بذلك لأنها تقدم فلا تكاد ترى إلا سابقة للظليم".

([14]) هو قوله، في الديوان 108 واللسان (رعم):

ومشيح متأق عدوه *** يرعم الإيجاب قبل الظلام

 ([15])رواية ياقوت (البصرة) واللسان (رعن):

* لولا أبو مالك المرجو نائله *

والبيت لم يرو في ديوان الفرزدق.

([16]) البيت من رجز يروى لخطام المجاشعي، وللأغلب العجلي. اللسان (رعن).

([17]) البيت في اللسان (رعي، قطا). وقصيدته في المفضليات (2: 84-86).

([18]) التكملة من المجمل.

([19]) ديوان الخنساء 55 واللسان (رعي).

([20]) البيتان من أبيات في الأصمعيات 37. وانظر اللسان (رعي).

([21]) ترعية، بتثليث التاء وتشديد الياء، وقد تخفف.

([22]) والرعو أيضاً بالضم. ويقال "الرعوة" كذلك بالتثليث.

([23]) البيت في اللسان (رعي).

([24]) في الأصل: "أنه يرعبون السحر بكلام".

([25]) يزين به الهودج ونحوه.

([26]) رعثة بالضم، ورعثة بالتحريك.

([27]) للأخطل في اللسان (رعث، حمض) والحيوان (2: 346). وصدره:

* ماذا يؤرقني والنوم يعجبني *

([28]) هاتان الصفتان لم تردا في المعاجم المتداولة.

([29]) ويقال رعج ورعج، بالفتح والتحريك، ويقال ارتعج ارتعاجاً أيضاً.

([30]) في الأصل: "الرعددة" تحريف. وأنشد في اللسان لأبي العيال:

ولا زميلة رعديـ *** ـدة رعشٍ إذا ركبوا

([31]) البيت للكميت كما سبق في حواشي (برق 222).

([32]) كذا ورد نصه مضبوطاً في الأصل والمجمل. والمعروف: "رب صلف"، كما في اللسان.

([33]) في الأصل: "وعز".

([34]) زاد في القاموس: "وراعز: القبض". والكلمتان لم تردا في اللسان.

([35]) الرجز للعجاج في ديوانه 52-53 واللسان (رعس). وفي اللسان: "الدارع"، أي لابس الدرع.

([36]) للعجاج في ديوانه 72 واللسان (رعص، دعو) والمخصص (8: 112).

 

 


ـ (باب الراء والغين وما يثلثهما)

(رغف)  الراء والغين والفاء كلمةٌ واحدة. فالرَّغيف معروف، ويجمع على الرُّغْفان والأرغِفة والرُّغُف. قال:

* إنّ الشِّواء والنَّشِيلَ والرُّغُفْ([1]) *

وهاهنا كلمةٌ أخرى إن صحَّت. زعموا أنّ الإرغاف: تحديد النَّظَر.

(رغل)  الراء والغين واللام أصلٌ واحد، وهو اغتفال شيءٍ وأخذه. ثم يشتقّ منه ويُحمل. فالرَّغْل: اختلاسٌ في غَفْلة. والرَّغْلَة: رَضاعةٌ في غَفْلة. قال أبو زيد: يقال رَمٌّ رَغُول، إذا اغتنَمَ كلَّ شيءٍ وأكله. قال أبو وجزة:

رَمٌّ رَغُولٌ إِذا اغبَرَّتْ مَواردُهُ *** ولا يَنامُ له جارٌ إِذا اختَرَفا([2])

  يقول: إذا أجدب لم يَحقِرْ شيئاً وشَرِهَ إليه، وإن اختَرَفَ وأخْصَبَ لم ينَمْ جارُه؛ خوفاً من غائِلته. والرَّغُول: الشَّاة تَرضَع الغَنَم([3]). فأما الأرْغَل، وهو الأقْلَف، فليس من الباب؛ لأنه مقلوبٌ من الأغْرل، وقد ذُكِر في بابه. ويقال عَيشٌ أرْغَلُ، أي واسعٌ رافِهٌ. وهذا لعلّه مِن أرغَلَت الأرضُ، إِذا أنبتَت الرُّغْل، وهو من أحرار البقول.

(رغم)  الراء والغين والميم أصلان: أحدهما التُّراب، والآخر المَذْهَب. فالأول الرَّغام، وهو التُّراب. ومنه "أرغَمَ الله أنفَه" أي ألصقه بالرَّغام. ومنه حديثُ عائشة في الخِضاب: "أسْلِِتِيهِ ثمَّ أرغِمِيه" تقول: ألقيه في الرَّغام. هذا هو الأصل، ثم حُمل عليه فقال الخليل: الرَّغْم أنْ يفعل ما يكرهُ الإنسانُ. ورَغَمَ فلانٌ، إذا لم يقدر على الانتصاف. قال: والرَّغَام: اسم رملةٍ بعينها([4]). ويقال راغم فلانٌ قومَه: نابَذَهم وخرجَ عنهم.

والأصل الآخَر المُراغَمُ، وهو المذهَبُ والمَهْرَب، في قوله جلَّ ثناؤه: {يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُرَاغَماً كَثِيراً وسَعَةً}[النساء 100]. وقال الجعديّ:

* عَزيزِ المُرَاغَمِ والمَهْرَبِ([5]) *

ويقال: مالِي عن ذاك الأمرِ مُراغَمٌ، أي مهرَب.

ومما شذَّ عن الأصلين الرُّغامَى، قال قومٌ: هي الأنْف؛ وقال آخرون: زيادة الكبِد. قال الشمّاخ:

* لها بالرُّغامَى والخياشيمِ جارِزُ([6]) *

(رغن)  الراء والغين والنون فيه كلامٌ إن صحّ. يقولون الإِرغانُ: الإصغاء إلى الإنسان والقَبولُ لـه والرِّضا به. والرَّغْن كذلك أيضاً. وحكَوْا عن الفراء:

"لا تُرْغِنَنَّ لـه في ذلك" أي لا تُطِعْه([7]) فيه. ورَغَن إِلى الصُّلح مثل رَكَن. والله أعلم، كيف هذا([8]).

(رغو)  الراء والغين والحرف المعتلّ أصلان: أحدهما شيءٌ يعلو الشيء، والآخر صوتٌ.

فالأول الرَّغْوة والرُّغْوَة([9]) [لِلَّبَن([10])]: زَبَدُه؛ والجمع رُغَىً. وارتغى الرَّجُل: شَرِبَ الرّغوة. يقولون: "يُسرُّ حَسْواً في ارتغاء". يُضْرَب مثلاً لمن يُظهِر أمراً ويريد خلافَه. ورغَّى([11]) اللّبنُ من الرّغْوة. والمِرْغاةُ: الشَّيءُ من الخُبْز أو التَّمْر يُؤْكل به الرّغْوة([12]). وكلامٌ مُرغٍّ: لم يفسَّرْ، كأنّ عليه رغْوة.

والأصل الآخَر الرُّغاء: رُغاء النّاقةِ والضَّبُع([13])، وهو صوتُهما. ويقال: "ما له ثاغِيةٌ ولا راغِيَة"، أي شاةٌ ولا ناقة. وأتيتُ فلاناً فما أثغَى ولا أرْغَى، أي لم يُعطِني شاةً ولا ناقةً.

(رغب)  الراء والغين والباء أصلان: أحدهما طلبٌ لشيء([14]) والآخر سَعَةٌ في شيء.

فالأوَّل الرَّغْبة في الشيء: *الإرادةُ لـه. رغِبْتُ في الشيء. فإِذا لم تُرِدْه قلتَ  رغِبتُ عنه. ويقال من الرّغبة: رَغِب يرغَبُ رَغْباً ورُغبا ورَغْبَةً ورَغْبَى مثل شكوى.

والآخر الشَّيْءُ الرَّغيب: الواسع الجَوف. يقال حوضٌ رغيب، وسقاءٌ رغيب. ويقال فرسٌ رغيب الشَّحْوة([15]). والرَّغِيبة: العَطاء الكثير، والجمع رغائب. قال:

* وإِلى الذي يُعْطِي الرّغائبَ فارْغَبِ([16]) *

والرَّغاب([17]): الأرضُ الواسعة. وقد رغُبَتْ رُغْباً.

(رغث)  الراء والغين والثاء أصلٌ يدل على الرَّضاع. يقال رَغَثَ الجديُ أمَّه: رَضِعَهَا. فأمّا قولُهم: بِرْذَوْنَةٌ رَغُوث، فقد اختُلِف فيه. فكان الخليل يقول: الرَّغُوث: كلُّ مرضِعة؛ وذكر قولَ طرفة:

ليت لنا مَكانَ المَلْكِ عَمْروٍ *** رَغُوثاً حولَ قُبّتِنا تخُورُ([18])

  وكان ابنُ دريدٍ يقول: فعيل في معنى مفعولة، لأنّها مرغُوثة. يريد أنه يرتضع لبنَها. ولعلَّ هذا أصح القولَين. وقال الأحمر: يقال للرَّجُل إذا كَثُرَ عليه السُّؤَّالُ حتى ينفَدَ ما عنده: مَرغوثٌ. والرُّغَثَاءُ: أصْلُ الضَّرْع، وهو القياس؛ لأنّ المرتضِع يَعْمِدُ له. ثم شبَّه بذلك غيرُه، قيل لمُضَيْغَتَيْنِ بين الثَّنْدُوَة والمَنْكِب بجانبَي الصَّدر: رُغَثَاوَانِ.

(رغد)  الراء والغين والدال أصلان: أحدهما أطْيَب العيش، والآخر خِلافُه.

فالأوَّل عيشٌ رَغَِْد ورغِيد. أي طيِّبٌ واسع. وقد أَرغَدَ القومُ، إذا أخصَبُوا. ويقال إنَّ الرَّغيدةَ في بعض اللغات الزُّبدة([19]). وأرغَدَ الرّجلُ ماشِيتَه، إذا تركَها وسَوْمَها.

والأصل الآخر المُرْغَادُّ: الذي تَغَيَّرَ حالُه في جِسمه ضعفاً. ومن ذلك المُرْغَادُّ: الشّاكُّ في رأيه لا يَدرِي كيف يُصْدِرُه.

(رغس)  الراء والغين والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على بَرَكةٍ ونَماء.

يقولون: الرغْس النَّماء والبَرَكة والخَير. قال العجاج([20]):

* حَتَّى رأيْنَا وَجْهَكَ الَمرْغُوسا *

ويقال الرَّغْس: النّعمة، في قوله:

* تراه منصوراً عليه الأرْغُسُ([21]) *

وفي الحديث: "أنَّ رجلاً أرغَسَه اللهُ مالا"، أي خوّلَه إيّاه وبارَكَ له فيه.

ــــــــــــــــــ

([1]) الرجز للقيط بن زرارة، كما في اللسان (رغف، نشل). وانظر المخصص (5: 6/ 17: 85).

([2]) البيت في المجمل واللسان (رغل).

([3])ذكر هذا المعنى في القاموس ولم يذكر في اللسان.

([4]) زاد ياقوت: "من نواحي اليمامة بالوشم". وأنشد للفرزدق:

تبكي المراغة بالرغام على ابنها *** والناهقات يصحن بالإعوال

([5]) صدره كما في اللسان (رغم): * كطود يلاذ بأركانه *

([6]) صدره كما في ديوانه 51 واللسان (رغم، جرز):

* يحشرجها طورا وطورا كأنها *

وفي الأصل: "له بالرعامى" صوابها من هذه المراجع ومما سبق في (جرز 441).

([7]) في الأصل والمجمل: "لا تطعمه"، صوابه في اللسان.

([8]) قد تكون هذه من زيادة النساخ.

([9]) ويقال: رغوة، بالكسر. هو مثلث الراء.

([10]) التكملة من المجمل.

([11]) يقال أيضاً رغا وأرغى.

([12]) فسرت في اللسان والقاموس بأنها "شيء يؤخذ به الرغوة". ولا تناقض بينهما.

([13]) والرغاء للنعامة أيضاً.

([14])في الأصل: "طلب لشيء فيه".

([15]) الشحوة: الخطوة. وفي الأصل: "الشجوة"، صوابه في المجمل واللسان.

([16]) للنمر بن تولب. وصدره كما في اللسان (رغب):

* ومتى تصبك خصاصة فارج الغنى *

([17]) يقال رغاب، كسحاب، ورغب بضمتين أيضاً.

([18]) في ديوانه 6 واللسان (رغث): "فليت". وفي اللسان (خور): "ليت" بالخرم كما هنا.

([19])هذا يطابق قول ابن دريد في الجمهرة (2: 251). والذي في اللسان والقاموس أن الرغيدة لبن يغلى ثم يذر عليه الدقيق حتى يختلط فيساط فيلعق لعقاً. أقول: إن هذه الكلمة سائرة في استعمال بعض المصريين بهذا المعنى.

([20])الصواب أنه رؤبة كما في اللسان (رغس) من قصيدة في ديوانه 68 يمدح بها إياد بن الوليد.

([21])ديوان رؤبة 68 والتاج (رغس) برواية "الأرغاس". وفي القاموس أن جمع الرغس أرغاس. فهذا جمع آخر.

 

ـ (باب الراء والفاء وما يثلثهما)

(رفق)  الراء والفاء والقاف أصلٌ واحدٌ يدلُّ على موافقةٍ ومقاربةٍ بلا عُنْف. فالرِّفق: خلاف العُنْف؛ يقال رفَقْتُ أْرْفُق. وفي الحديث: "إنّ الله جلّ ثناؤه يحبُّ الرِّفْق في الأمر كله".

هذا هو الأصل ثم يشتقّ منه كلُّ شيءٍ يدعو إلى راحةٍ وموافَقة. والمرفق([1]) مَِرفق الإنسان؛ لأنه يستريح في الاتِّكاء عليه. يقال ارتَفَق الرّجلُ: إذا اتَّكأ على مَِرفقه في جلوسه. ومن ذلك الحديثُ لمّا سأل الأعرابيُّ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قيل له: "هو ذاكَ الأمغَرُ المرتَفِقُ"، أي المتَّكئ على مَِرفقه.ويقال فيه مَرْفِق ومِرْفَق، حكاهما ثعلب. والرُِّفْقَة: الجماعة ترافِقُهم في سفرك؛ واشتقاقه من الباب، للموافَقة، ولأنَّهم إذا تَمَاشَوْا تحاذَوْا بمرافقِهم. قال الخليل: الرُِّفْقة في السفر: الجماعة الذين يرافِقونك، فإذا تفرَّقْتم ذهب اسمُ الرُِّفقة. قال: والرّفيق: الذي يرافقك، وهو أن يجمعَك وإياه رفْقة؛ وليس يذهب اسمُه إذا تفرَّقْتُما. والمُرْفِق: الأمر الرَّافِقُ بك. والرِّفاقُ: حبلٌ يشدُّ به مَِرفق البعير إلى وَظيفِهِ. وهو قوله:

* كذاتِ الضِّغْنِ تَمْشِي في الرِّفاقِ([2]) *

والمِرْفق: المِرْحاض، والجمع مَرَافِق. ويقال ارتفَقَ الرّجلُ ساهراً، إذا بات على مَِرفقِهِ لا ينام. وشاةٌ مُرَفَّقَةٌ([3]): يداها بَيْضاوانِ إلى المرفقين. والرَّفَق: انفتالٌ عن الجنب؛ ناقةٌ رَفْقاءُ، وجملٌ أرفَقُ. ويقال ماءٌ رَفَقٌ ومَرتعٌ رفَقٌ، أي سهلُ المطْلَب.

(رفل)  الراء والفاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَعةٍ ووُفُورٍ. من ذلك رَفَل في ثيابه يَرْفُل، وذلك إذا طالَتْ عليه فجَرَّها. والرِّفَلُّ: الفَرَس الطويل الذّنَب.

(رفن)  [الراء والفاء والنون ليس أصلاً([4])]، وإنّما النُّون [في رِفَنٍّ] مبدلةٌ من لام؛ لأنّه في الأصل رِفَلٌّ. فأما قولهم ارفأَنَّ، إِذا سكَنَ، فإنّ النون فيه زائدة.

(رفه)  الراء والفاء والهاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَعمةٍ وسَعة مَطْلَبٍ. من ذلك الرِّفْهُ، وهو أن تَرِدَ الإِبلُ كلَّ يومٍ متى شاءت. قال الشاعر([5]):

يَشْرَبْنَ رِفْهاً عِراكاً غيرَ صادرةٍ *** وكلُّها كارعٌ في الماء مُغْتَمِرُ

  ومن ذلك الرَّفاهَةُ في العَيش والرّفاهِية. ويقال: بينَنَا وبين فلانٍ ليلةٌ رافهة، أي ليِّنة السّيرِ لا تُعيِي. ومن ذلك الإرفاه: كثرة [التدَهُّن([6])]، وهو من الرِّفْه الذي ذكرناه. ورُفِّه عنه: إذا نُفِّس عنه الكَربُ.

(رفو/أ)  الراء والفاء والحرف المعتل أو الهمزة أصلٌ واحد يدلُّ على موافقةٍ وسكون وملاءَمة. من ذلك رفَوْتُ الثَّوْبَ أرفُوه، ورفَأته أرفَؤه. ورفَوْت الرّجلَ، إذا سكَّنْته من رُعْب. قال:

رَفَوْنِي وقالُوا يا خُوَيلِد لا تُرَعْ *** فقلتُ وأنكرتُ الوجوهَ هُمُ هُمُ([7])

  والمرافاة([8]): الاتِّفاق. قال:

ولمَّا أنْ رأيتُ أبَا رُوَيمٍ *** يُرَافِينِي ويَكرَهُ أن يُلاما([9])

  والرِّفاء: الاتِّفاق والالتحام. ومن ذلك الحديث "أنّه نَهَى أن يقال بالرِّفاء والبنين". يقال ذلك لِلْمُمْلِك. ومن الباب أرفَأْتُ إليه، إِذا لَجَأْتَ إِليه. وأرفأْتُ فلاناً في البيع، إذا زِدْتَه محاباة. ومنه أرفأْتُ السّفينةَ، إذا قرّبْتَها للشَّطّ. وذلك المكان مَرْفَأٌ.

ومما شذَّ عن الباب: اليَرْفَئِيُّ، قال قوم: هو راعي الغَنَم؛ وقال قومٌ: هو الظليم. ويقال: بلْ كل نافرٍ يَرْفَئِيٌّ.

(رفت)  الراء والفاء والتاء أصلٌ واحد يدلُّ على فَتٍّ ولَيٍّ. يقال رفَتُّ الشّيءَ بيدي، إِذا فتَتَّه حتّى صارَ رُفاتا. وارْفَتَّ الحَبْلُ، إذا انقطع. واشتُقّ منه رفَتَ عُنقَه، إِذا دقَّها وَلَفَتَها [و] لوَاها.

(رفث)  الراء والفاء والثاء أصلٌ واحدٌ، وهو كلُّ كلام يُستَحْيا من إظهاره. وأصلُه الرَّفَثُ، وهو النِّكاح. قال الله جلّ ثناؤُه: {أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إلى نِسَائِكُمْْ [البقرة 187]. والرّفَث: [الفُحْش] في الكلام. يقال أَرْفَثَ وَرَفَثَ.

(رفد)  الراء والفاء والدال أصلٌ واحدٌ مطّرد منقاس، وهو المعاوَنة والمظاهَرة بالعَطاء وغيره. فالرَّفْد مصدر رفَدَهُ يَرْفِدُه، إذا أعطاه. والاسم الرِّفْد. وجاء في الحديث: "ويكون الفَيْء رِفْداً"، أي يكون صِلاتٍ لا يوضَع مواضِعَه. ويقال ارتفَدْتَ من فلانٍ: أصبْتُ من كَسبه. وأُرفِدت المال: اكتسبته. والرافد: المُعين، والمُرْفِدُ أيضاً. ورفَدَ بنو فلانٍ فلاناً، إذا سَوَّدُوه عليهم وعظَّموه، وهو مرفَّد. والرّافِدانِ: دِجْلةُ والفرات. قال الفرزدق:

بَعثْتَ على العِراق ورافديْهِ *** فَزَارِيّاً أحَذَّ يَدِ القَميصِ([10])

  وترافدوا، إذا تعاوَنُوا عليه، والرِّفادة: شيءٌ كانت قريش تُرَافِدُ به في الجاهلية، يُخرِج كلُّ إنسانٍ شيئاً، ثم يشترون به للحاجِّ طعاماً وزَبيباً وشراباً. والرَّوافِد: خشب السَّقف؛ وهو من الباب؛ لأنه يُرفدَ بها السَّقْف. قال:

روافِدُه أكرمُ الرّافداتِ *** بَخٍ لك بَخٍّ لبَحْرٍ خِضَمّْ([11])

  والمرفد: العُظَّامَة التي تعظِّم بها الرّسْحاء عَجِيزتَها. ومن الباب الرِّفْد، وهو القَدَح الضَّخم؛ وهو الرَّفْد والمِرْفَد أيضاً.

ويقال المِرْفَد: الإناء الذي يُقْرَى فيه. والرَّفُود: الناقة تملأ الرِّفْد، وهو القدح الضخم، في حَلْبةٍ واحدة. والرُّفَيْدات: قومٌ من العرَب.

(رفز)  الراء والفاء والزاء ليس هو عندنا أصلاً، لكنَّهم قالوا: إنّ الرّفْز الضَّرْب؛ يقال ما يَرْفِزُ منه عِرْقٌ: أي ما يضرِب. قال:

وبلدةٍ للداء فيها غامِزُ *** مَيْتٍ بها العِرقُ الصَّحيح الرَّافِزُ([12])

  (رفس)  الراء والفاء والسين قريبٌ من الباب الذي قبله، إلا أنّ في كتاب الخليل: الرَّفْس: الصَّدْمة في الصَّدر بالرِّجْل.

(رفش)  الراء والفاء والشين ليس* شيئاً. ويقولون: الرَّفْش الأكل.

(رفص)  الراء والفاء والصاد فيه كلمة واحدة. يقولون: ارتَفَص السِّعْر: غَلاَ. فأما الرُّفْصَة فالماءُ يكون بين القوم نَوْبةً. ويقال إنه مقلوب من الفُرْصة. يقال: هم يتفارصُون الماءَ بينهم ويترافصون، إذا تناوبوا. وقد كتب البابُ في موضعه.

(رفض)  الراء والفاء والضاد أصلٌ واحد، وهو التَّرك، ثم يشتقّ منه. يقال رَفَضْتُ الشيءَ: تركته. هذا هو الأصل، ثم يشتقّ منه ارفَضَّ الدّمْعُ من العين: سال، كأنه تَرَكَ موضِعَه. وكلُّ متفرّقٍ مرفَضّ. ويقال للطَّريق المتفرِّقة أخادِيده: رِفَاض. قال:

* كالعِيسِ فَوقَ الشَّرَكِ الرِّفاضِ([13]) *

والرَّفَض: الفِرَق، في قول ذي الرُّمّة:

* بها رَفَضٌ مِنْ كلِّ خَرْجَاء صَعْلةٍ([14]) *

أي فِرَق. وفي القِربة رفَضٌ من ماءٍ: مثلُ الجُرْعة، كأنها رُفِضَت فيه. يقال فيه رفَّضْتُ. ورُفُوض الأرض: مواضعُ لا تُمْلَك، كأنها رُفِضت. والرَّاوفض: جنودٌ تَركوا أميرَهم وانصَرفوا. ويقال: رجلٌ رُفَضَةٌ، للذي يُمسِك الشيءَ ثم لا يلبثُ أن يدَعَه، ويقال رَفَضَ النّخلُ، وذلك إِذا انتشر عِذْقه وسقط قِيقاؤُه. ويقال في أرضِ بني فلانٍ رُفوض من كلأ، إذا كان متفرِّقاً بعيداً بعضُه من بعض، وقال بعضهم: مَرافِضُ الوادي: مَفاجرُه، وذلك حيث يرفضُّ إليه السَّيل. قال ابن السّكيت: راعٍ رُفضَةٌ قُبَضَة، للذي يقبض الإبلَ ويجمعها، فإذا صار إلى الموضع الذي [تحبُّه و] تهواه [رفَضَها([15])] فتركها ترعَى حيث شاءت تذهب وتجيء.

(رفع)  الراء والفاء والعين أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على خلاف الوضع. تقول: رفعتُ الشيءَ رفعاً؛ وهو خلاف الخَفْض. ومَرفُوع الناقةِ في سيرها: خلاف المَوْضوع. قال طرَفة:

مَوضُوعُها زَوْلٌ ومرفوعها *** كمَرِّ صَوْبٍ لِجبٍ وَسْطَ ريحْ([16])

  يقال رَفَع البعيرُ ورَفَّعته أنا.

ومن الباب الرَّفع: تقريب الشيء. قال الله جلّ ثناؤُه: {وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ} [الواقعة 34]، أي مقرَّبة لهم. ومن ذلك قوله رَفَعْتُه للسُّلطان، ومصدر ذلك الرُِّفْعانُ ويقال للناقة إذا رفَعت اللِّبَأ في ضَرعها: هي رافعٌ. والرفع: إذاعة الشيء وإظهارُه. ومنه الحديث، قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "كلُّ  رافِعَة رفعَتْ علينا من البَلاغ([17]) فقد حرَّمتُها"، أي كلُّ جماعةٍ مبلِّغة تبلّغ عنا فلتبلّغ أنِّي حرَّمْتُ المدينَةَ. وذلك كقولهم رَفَع فلانٌ على العامل، وذلك إذا أذاعَ خَبرَه ورَفْع الزَّرعِ: أن يُحمل بعد الحَصاد إلى البَيْدر؛ يقال هذه أيّام الرَِّفاع.

(رفغ)  الراء والفاء والغين كلمةٌ تدل على ضَعةٍ ودناءة. فالرَّفْغ ألأَمُ الوادِي وشرُّه تُراباً. والرُّفْغ: أصل الفخِذ، وكلُّ موضع اجتمع فيه الوَسَخ. وفي الحديث: "كيف لا أُوهِمُ ورُفْغُ أحدِكم بين ظُفْره وأنملته([18])". والأَرفاغ من الناس: السِّفْلة. فأما قولهم عيشٌ رافغ ورفيغ: طيّب واسع، فهذا له وجهان: إمّا أن يكونَ الغَينُ منقلبةً عن الهاء فيكون من الرَّفْه، وإمَّا أن يكون شُبِّه مالُه في كثرته برَفْغ التُّراب، يراد به الكثرة.

ــــــــــــــــــ

([1]) المرفق كمنبر ومجلس.

([2]) البيت لبشر بن أبي خازم، كما في اللسان (رفق) والمخصص (7: 153/ 13: 129).

([3]) ذكرت هذه الكلمة في القاموس، ولم ترد في اللسان.

([4]) أثبت هذه التكملة مطاوعة لطريقة ابن فارس، وللحاجة إليها.

([5]) هو لبيد. ديوانه 52 طبع 1880 واللسان (رفه، غمر). وفي الموضع الأول من اللسان "غير صادية"، وقد أشير إليها في شرح الديوان. وفي جميع المواضع: "فكلها كارع".

([6]) التكملة من المجمل واللسان. وفي الحديث "أنه نهى عن الإرفاء".

([7]) البيت لأبي خراش الهذلي، كما في اللسان (رفأ، رفا)، وهو مطلع قصيدة له في شرح السكري 71 والقسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين 62. و انظر الخزانة (1: 211).

([8]) في الأصل: "والرافات"، صوابه في المجمل.

([9]) البيت في المجمل واللسان (رفا) والخزانة (1: 211). وفي الأصل: "أبا ذريم" صوابه من المراجع السابقة.

([10]) ديوان الفرزدق 487 واللسان (رفد، حذذ) والكامل 479 ليبسك والمعارف 179 والشعراء (ترجمة الفرزدق) وزهر الآداب (1: 21) والأغاني (19: 17) وكنايات الجرجاني 74 والحيوان (5: 197/6: 510). وفي المجمل: "أأطعمت".

([11]) البيت في اللسان (بخخ، رفد) وقد سبق في (بخ).

([12]) البيتان في اللسان (رفز، رقز) حيث أنشد في الموضع الأخير رواية "الراقز"، وكلاهما بمعنى. وفي الأصل: "رافز"، صوابه "الرافز"، أي إن العرق الصحيح يموت بها من الفزع.

([13]) البيت لرؤبة في ديوانه 82 واللسان (رفض). ورواية ابن فارس تطابق رواية الجوهري.  قال ابن بري: "صوابه: بالعيس، لأن قبله:

* يقطع أجواز الفلا انقضاضي *".

([14]) عجزه كما في الديوان 516 واللسان (رفض): *وأخرج يمشي مثل مشي المخبل*

([15]) هذه التكملة والتي قبلها من المجمل.

([16]) في ديوان طرفة 13: "مرفوعها زول وموضوعها"، وبهذه الرواية صحح ابن بري رواية البيت. انظر اللسان. وسيعيده في (وضع).

([17]) ويروى أيضاً "من البلاغ" بضم الباء وتشديد اللام، أي المبلغين.

([18]) الأنملة: رأس الإصبع، وفيها تسع لغات تثليث الهمزة مع تثليث الميم.

 

 

ـ (باب الراء والقاف وما يثلثهما)

(رقل)  الراء والقاف واللام أصلان: أحدهما طولٌ في شيءٍ، والآخر ضرب من المشي.

فأمّا الأوَّل فالرَّقْلُ: النَّخْل الطُِّوال، واحدتها رَقْلة؛ وتجمع في القِلّة رَقلات. والرَّاقُول: حَبْلٌ تُصعَد به النّخلة.

والأصل الثاني: أرْقَلَت النَّاقةُ، وهو ضربٌ من المشْي، وهي مُرْقِلٌ، ولا يكون إلاَّ بسرعة. وهاشم بن عُتْبة المِرْقالُ([1])، لإرقاله كان في الحروب. قال الرَّاجز، في أرْقَلَت النَّاقة:

* والمُرْقِلاَتِ كُلَّ سَهْبٍ سَمْلقٍ([2]) *

(رقم)  الراء والقاف والميم* أصلٌ واحد يدلُّ على خَطٍّ وكتابةٍ وما أشبَهَ ذلك . فالرَّقْم: الخَطّ. والرَّقيم: الكتاب. ويقال للحاذق في صِناعته: هو يرقُم في الماء. قال:

سَأرْقُم في الماءِ القَراحِ إليكُم *** على نَأْيِكُمْ إن كان في الماءِ راقمُ([3])

وكلُّ ثوبٍ وُشِيَ فهو رَقْمٌ. والأرقَم من الحيات: ما على ظهره كالنَّقْش. قال الخليل بن أحمد: الرَّقْم تعجيم الكتاب. يقال كتابٌ مرقوم، إِذا بُيِّنَت حروفُه بعلاماتها من التّنقيط. ورَقْمَتا الفَرَسِ والحِمار: الأثران بباطن أعضادهما. ويقال للرَّوْضَة رَقْمَة، وإِنَّمَا سُمِّيت بذلك لأنَّها كالرَّقْم على الأرض. ويقال لأرض بها نباتٌ قليل: مرقُومة.

ومما شذَّ عن الباب قولُهم للدّاهية: الرَّقِم. وليس ببعيدٍ أن يكون من قياس الباب؛ لأنَّها إذا نزلت أثَّرَتْ.

(رقن)  الراء والقاف والنون بابٌ يقرب من الباب الذي قبله. يقال رَقّنْت الكتاب: قاربتُ بينَ سُطوره. وترقَّنت المرأةُ: تلطَّخت بالزَّعفران. والرَّقون والرِّقان: الزَّعفران. والمرقون: المنقوش. ويقال للمرأة الحسنة اللَّون الناعمة: راقنة.

(رقي)  الراء والقاف والحرف المعتلّ أصولٌ ثلاثة متباينة: أحدهما الصُّعود، والآخر عُوذَةٌ يُتعوَّذ بها، والثالث بقعةٌ من الأرض.

فالأول: قولك رَقِيتُ في السُّلّم أَرْقَى رُقِيّاً. قال الله جلّ ثناؤه:{أَوْ تَرْقَى فِي السَّماءِِ وَلَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ} [الإسراء 93]. والعرب تقول: "ارْقَ على ظَلْعِك" أي اصعَدْ بقدر ما تُطيق.

والثاني: رقَيْت الإنسانَ، من الرُّقية.

والثالث: الرَّقْوَةُ: فُوَيْقَ الدِّعص من الرمل. [و] يقال رَقْوٌ بِلا هاء. وأكثرُ ما يكونُ إلى جانب وادٍ.

(رقأ)  الراء والقاف والهمزة كلمة واحدة. يقال: رقأ الدّمُ والدّمعُ، إذا انقَطَعا. وفي كلامهم([4]): "لا تسُبُّوا الإِبلَ فإنَّ فيها رَقُوءَ الدَّم" أي إنّها تُدفَع في الدّية فيَرْقَأ دمُ مَن يُراد منه القَوَد.

(رقب)  الراء والقاف والباء أصلٌ واحدٌ مطّرد، يدلّ على انتصابٍ لمراعاةِ شيءٍ. من ذلك الرَّقِيب، وهو الحافِظ. يقال منه رَقَبْتُ أرْقَُب رِقْبة ورِقْباناً. والمَرْقَب: المكان العالي يقِفُ عليه النَّاظِر. والرَّقِيب: الموكَّل في الميْسِر بالضَّريب. ومن ذلك اشتقاق الرَّقَبةِ، لأنَّها منتَصِبة، ولأنّ النّاظرَ لابد ينتصبُ عند نظره. والمرقَّب: الجلد يُسلَخ من قِبَل رأسِه ورَقَبَتِه. ورقَّابة الرَّحْل: الوغدُ الذي يرقُب للقوم رَحْلَهم إذا غابوا. ويقال للمرأة التي ترقُب موتَ زوجها لِتَرِثَه: الرَّقوب. [والرَّقوب([5])]: الناقة الخبيثة النَّفْس، التي لا تكاد تَشرب مع سائر الإِبل، ترقُب متى تنْصرف الإبل عن الماء([6]). ويقال أرقَبْتُ فلاناً هذه الدّارَ، وذلك أن تُعطيَه إيَّاها يسكنُها كالعُمْرَى، ثمَّ يقول له إنْ مُِتّ قبلي رجعَتْ إليَّ، وإن متُّ قبلك فهي لك. وهي من المراقَبة، كَأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يرقُب موتَ صاحبه. ورِقابُ المَزَاوِد: لقبٌ للعجم، لأنَّهم حُمْرٌ. والرَّقيب: السهم الثالث من السَّبعة التي لها أنصباءُ، كأنَّه يُرقَب متى يَخرج. والرَّقوب: المرأة التي لا يعيش لها ولدٌ [كأنَّها تَرقبُه([7])] لعَلَّهُ يبقى لها.

(رقح)  الراء والقاف والحاء أصلٌ واحد، يدلُّ على الاكتساب والإصلاحِ للمال. ويقال رقَّحتُ المالَ: أصلحتُه وقُمت عليه، ترقيحاً. وفلان رَقاحِيُّ مالٍ. وهو يترقَّح لعياله، أي يتكسَّب. وكانوا يقولون في تلبيتِهمْ: "لم نَأت للرَّقاحَةِ([8])"، يريدون التِّجارة.

(رقد)  الراء والقاف والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على النَّوم؛ ويُشتقّ منه. فالرُّقاد: النَّوم. يقال رقَد رُقوداً. ومن الذي اشتُقَّ منه: أَرْقَدَ الرَّجُل بالأرض، إذا أقام بها.

ومما شذَّ عن الأصل: *أرْقَدَ الظّليمُ وغيرُه، إِذا أسرع في مُضِيِّه.

(رقش)  الراء والقاف والشين أصلٌ يدلُّ على خُطوطٍ مختلفة. فالرَّقْش كالنَّقْش. يقال: حَيّةٌ رَقْشَاءُ: منقَّطة. ورَقَّشَ كلامَه: زَوَّرَه. والرَّقْشاء: شِقشِقة البَعير. و الرقْشاء: دويْبَّة. وقال:

الدَّار قَفْرٌ والرُّسومُ كما *** رَقَّش في ظَهْرِ الأديمِ قَلَمْ([9])

  ويقال للنّمَّام إذا نَمَّ: رقَّش. قال:

* عاذِلَُ قد أُولعتِ بالتَّرْقِيشِ([10]) *

(رقص)  الراء والقاف والصاد أصلٌ يدلُّ على النَّقَزَان([11]). يقال رقَصَ يرقُصُ رَقْصاً. ويقال أرقَصَ البعيرَ: حمَلَهُ على الخَبَب. قال جرير:

* بِزَرُودَ أرقصت البعيرَ([12]) *

ويقال رقَص السَّراب في لمعانه؛ ورَقَص الشَّرَاب: جاش([13]). والرّقَّاصة: لُعْبة([14]).

(رقط)  الراء والقاف والطاء يدل على اختلاطِ لونٍ بلون. فالرُّقْطة: سوادٌ يشوبه نُقَط بَياض. يقال دَجاجةٌ رَقْطاء. والأرقَط: النَّمِر. ويقال: ارقَاطّ العَرْفَجُ، إِذا خالط سوادَه نُقَطٌ.

(رقع)  الراء والقاف والعين أصلٌ يدلُّ على سَدِّ خَلَلٍ بشيء. يقال رقَعْتُ الثَّوبَ رَقْعاً. والخِرْقة رُقْعة. فأمّا قولُهم لواهي العقلِ: رقيعٌ، فكأنّه قد رُقِع؛ لأنه لا يُرْقَع إلاّ الواهي الخَلَق. ويقال رَقَعَه، إذا هجاه وقال فيه قبيحاً، كأنَّ ذلك صار كالرُّقْعَة في جَسَدِه. يقال لأرقعنَّه رَقْعاً رصيناً. وأَرى في فلان مُتَرَقَّعاً، أي موضعاً للشَّتْم. قال:

وما تَرَكَ الهاجُونَ لي في أَدِيمكُمُ *** مُصِحّاً ولكنِّي أرى مُتَرَقَّعَا([15])

  والرَّقيع: السَّماء. وفي الحديث أنّه صلى الله عليه وآله وسلم قال لسَعْدٍ([16]) "لقد حكَمْتَ فيهم بحُكم الله مِن فوقِ سبعة أَرْقِعةٍ([17])". قال بعض أهل العلم إنما قيل لها أرقعة؛ لأنّ كلَّ واحدٍ كالرُّقعة للأُخْرى.

ومما شذ عن هذا الأصل قولهم: ما أرْتَقِعُ بهذا، أي ما أَكْتَرِثُ له. وجُوعٌ يَرقُوعٌ: شديد.

ــــــــــــــــــــ

([1]) هو هاشم بن عتبة بن أبي وقاص، كان معه لواء علي في حرب صفين، وقتل في آخر أيامها. انظر الإصابة 8914 والاشتقاق 96.

([2]) قبله، كما في ديوان العجاج 40 واللسان (رقل): * يارب رب البيت والمشرق *

([3]) في اللسان (رقم): "على بعدكم".

([4]) في اللسان: "وفي الحديث: لا تسبوا الإبل فإن فيها رقوء الدم ومهر الكريمة".

([5]) التكملة من المجمل.

([6]) في اللسان: "التي لا تدنو إلى الحوض من الزحام، وذلك لكرمها".

([7]) بمثلها يلتئم الكلام.

([8]) هي من تلبية أهل الجاهلية، كانوا يقولون: "جئناك للنصاحة، لم نأت للرقاحة".

([9]) البيت لمرقش الأكبر من قصيدة في المفضليات (2: 37-41). وبذلك البيت سمي"المرقش". انظر اللسان (رقش) والمزهر (2: 435).

([10]) لرؤبة بن العجاج في ديوانه 86 واللسان (رقش). وبعده: *إلى سرا فاطرقي وميشي*

([11]) النقزان، بالقاف وبالفاء أيضاً، هو الوثب، ومثلهما الوثبان.

([12]) جزء من بيت له في ديوانه 448 عثرت عليه بعد لأي، وهو بتمامه:

بزرود أرقصت القعود، فراشها *** رعثات عنبلها الغدفل الأرعل

([13]) بدلها في المجمل: "ورقص الشراب في غليانه".

([14]) لم تذكر في اللسان. وفي القاموس: "والرقاصة مشددة: لعبة لهم".

([15]) البيت في الحيوان (3: 138) واللسان (رقع).

([16]) هو سعد بن معاذ، حين حكم في بني قريظة. انظر الإصابة 3197 واللسان (رقع).

([17]) الرقيع مؤنثة، وجاء بها على التذكير كأنه ذهب إلى معنى السقف.

 

 

ـ (باب الراء والكاف وما يثلثهما)

(ركل)  الراء والكاف واللام أصلٌ يدلُّ على جنسٍ من الضرب بالرِّجْل. يقال رَكَلَه ورَفَسه برِجله. ومَرْكَلاَ الفَرَس مِن جنبيه، حيث يركُل الفارسُ برجليه. وتركَّل على الشيء برجله. وتركَّل الحافرُ بمِسْحَاتِه، إذا ضربَها برِجْله لتدخُل في الأرض. قال الأخطل:

رَبَت ورَبا في حَِجْرِها ابنُ مَدينةٍ *** يَظَلُّ على مِسحاتِه يتركَّل([1])

  والكديد: المُرَكَّل([2]).

(ركم)  الراء والكاف والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على [تجمُّع] الشيء. تقول ركَمت الشيء: ألقَيت بعضَه على بعض. وسحاب مُرْتكمٌ ورُكام. والرُّكمة: الطِّين المجمُوع. ومُرْتَكَم الطريق: سَنَنُه؛ لأنّ المارة تَرْتَكِمُ فيه.

(ركن)  الراء والكاف والنون أصلٌ واحد يدلُّ على قوَّة. فرُكن الشَّيء: جانبه الأقوى. وهو يأوي إلى رُكْنٍ شديد، أي عِزٍّ ومَنْعَة. ومن الباب رَكَنْتُ إليه أرْكَن. وهي كلمة نادرة على فَعَلْتُ أفْعَلُ من غير حَرفِ حلق. وفلانٌ ركينٌ، أي وقور ثابت. والمرْكن: الإِجَّانة. ويقال: جبلٌ رَكِينٌ([3])، أي له أركان عالية. وركَنْت إليه أي مِلْتُ؛ وهو من الباب، لأنه سكن إليه وثبت عنده. قال

الخليل: رَكَنَ يَرْكَنُ رَكْناً. ولغة سُفْلَى مضَر: ركِن يرْكَن. ويقال ركِنَ يَرْكُنُ، وفيه نظَر. وحكى أبو زيد: رَكِنَ يَرْكَنُ. وناقة مُرَكَّنَة الضَّرْع، أي مُنْتَفِخَتُه، أي كَأنَّه رُكْن.

(ركو)  الراء والكاف والحرف المعتل أصول ثلاثة: أحدُها حملُ الشيء على شيءٍ وضمُّه إليه، والآخَر إصلاحُ شيءٍ، والثالث وِعاء الشيء.

فالأوّلُ قولُهم: رَكَوْتُ على البعير الحِملَ: ضاعفْتُه. ومن الباب ركَوْتُ عليه الأمْرَ والذَّنب، أي حملتُه عليه. وقال بعضُهم: أنَا مُرْتَكٍ على كذا، أي معوِّلٌ عليه. ومالي مُرتكىً إلاّ عليك. وحكى الفرّاء: أرْكَيْتَ عليَّ ذنباً لم أُذْنِبْه.

ومن الباب أركَيتُ إلى فلانٍ: لجأتُ إليه. ومنه أرْكِنِي إلى كذا، أَي أخِّرْني، للدَّيْنِ يكون عليه*. وركَوتُ عنهم بقيّةَ يومي، أي أقمت.

أمّا إصلاحُ الشيء فالمركوُّ الحَوض المستطيل، ويقال المُصْلَح، قال:

* قامَ على المَرْكُوِّ ساقٍ يفْعَمُهْ *

وركَوْتُ الشيءَ، إذا سدَّدْتَه وأصلَحتَه. قال سُويد بن كُراع:

فدَعْ عنك قوماً قد كَفَوْكَ شُؤونَهم *** وشأنُك إلا تَرْكُهُ متفاقِمُ([4])

  أي إن لم تُصلِحْه. ويقال أركَيْتُ لفلانٍ شيئاً، إذا هيّأْتَه له.

وأما الأصل الآخَر فالرَُِّكْوة معروفة؛ ومنه الرَّكِيّ؛ لأنه كأنه وعاءُ

ما يكونُ فيه.

(ركب)  الراء والكاف والباء أصلٌ واحد مطّرد منقاس، وهو علُوُّ شيءٍ شيئاً. يقال رَكِب رُكوباً يَرْكَب. والرِّكاب: المَطِيّ، واحدتَها راحلة. وزَيْتٌ ركابيٌّ؛ لأنه يُحمَل من الشام على الرِّكاب. وما له رَكُوبة ولا حَمُولة، أي ما يركبه ويَحمِل عليه. والرَّكب: القَوم الرُّكْبان؛ وكذلك الأُركُوب. وناقةٌ رَكْبانةٌ: تصلُح للرُّكوب. وأرْكَبَ المُهْر: حان أن يُرْكَبَ. ورجل مُرَكَّبٌ: استعارَ فرساً يقاتِل عليه، ويكون له نِصفُ الغَنيمة ولصاحب الفرس النِّصف.

ومن الباب رَوَاكِبُ الشَّحم، وهي طرائقُ بعضُها فوقَ بعض في مُقدَّم السَّنام. فأمَّا التي في المؤخَّر فهي الرَّوادف، الواحدة راكبةٌ ورادفة. والرَّكَّابة: شِبه فسيلةٍ من أعلى النخلة عند قِمّتها، ربَّما حملَتْ مع أمِّها. وزعم الخليلُ أنَّ الرَّكْب والأُركوبَ راكبُو الدّوابّ، وأن الرُّكَّاب رُكَّاب السفينة. والمُرَكَّب: الأصل والمنْبِتُ. يقال هو كريم المركَّب.

  ومن الباب رُكْبة الإنسان، وهي عاليةٌ على ما هي فوقَه. والأركَبُ: العظيم الرُّكْبة. ويقال: رَكَبْتُ الرّجلَ أركُبُه، إِذا ضربْتَ رُكْبتَه أو ضربتَه برُكبتِك. والرَّكيب: ما بين نَهْرَيِ الكَرْم؛ وهو الظَّهر الذي بين النَّهْرين، ويكون عالياً على دونه. والرَّاكب: داءٌ يأخذ الغنمَ في ظهورها.

ومن الباب الرَّكَب ركَب المرأة. قال الخليل: ولا يقال للرّجل، إنَّما هو للمرأة خاصّة. وقال الفرّاء: الرَّكَب: العانةُ للرَّجُل والمرأة. قال:

لا ينْفعُ الجاريةَ الخِضابُ([5]) ***

ولا الوِشاحان ولا الجلبابُ

* مِن دُون أن تلتقِيَ الأركابُ *

  (ركح)  الراء والكاف والحاء أصلٌ واحد، وهو يدل على إنابةٍ إلى شيءٍ ورُجوعٍ إليه. قال الخليل: الرُّكوح: الإنابة إلى الأمر. وأنشد:

رَكَحْتُ إليها بعد ما كنتُ مُجْمِعاً *** على هَجْرِها وانسبْتُ باللَّيل ثائرا([6])

  فهذا هو الأصل. ثمَّ يقال لرُكْن الجبلِ المُنيفِ الصّعبِ رُكْح. والرُّكْح والرُّكْحة: سَاحة الدّار. والرُّكْحة البقيّة من الثَّريد تبقى في الجَفْنة، كأنّه شيءٌ أوى إلى أسفل الجَفْنة. ويقال جَفْنةٌ مرتكِحةٌ، إذا كانت مكتنِزةً بالثَّريد. ومن الباب: سَرْجٌ مِركاحٌ، إذا كان يتأخَّر عن ظَهْر الفَرس.

(ركد)  الراء والكاف والدال أصلٌ يدلُّ على سُكون. يقال ركَدَ الماءُ: سكَنَ. وركَدتِ الرِّيحُ. وركَد الميزان: استَوَى. وركد القومُ رُكوداً: سكنُوا وهدَؤوا. وجَفنَةٌ رَكود: مملوءة. فأمّا قولُهم تراكَدَ الجوارِي، إذا قعدَتْ إحداهُنّ على قدميها ثم نَزَتْ قاعدةً إِلى صاحبتها، فهذا إن صحَّ فهو شاذٌّ عن الأصل.

(ركز)  الراء والكاف والزاء أصلان: أحدهما إثبات شيءٍ في شيء يذهب سُفْلاً، والآخر صَوت.

فالأول: رَكَزْتُ الرُّمحَ رَكْزاً. ومَرْكَز الجند: الموضع الذي أُلزِمُوه. ويقال ارتكَزَ الرّجُل على قوسه، إذا وضَعَ سِيَتَها بالأرض ثمّ اعتمَدَ عليها. ومن الباب: الرِّكَاز، وهو المال المدفون في الجاهليّة، وهو من قياسِه؛ لأنّ صاحبَه رَكَزَه. وقال قوم: الرِّكاز المعْدِن. وأركَزَ الرّجُلُ: وجَدَ الرِّكاز. فإِن كان هذا صحيحاً فهو مُستعار. والمرتَكِز: يابس الحشيش الذي تكسَّرَ ورَقُه وتطايَرَ. ومعناه أنَّه ذَهَب منه ما ذهبَ وارتكز هذا، أي ثَبَت.

(ركس)  الراء والكاف والسين أصلٌ واحد، وهو قلْبُ الشّيء على رأسِه وردُّ أوّلِه على آخِره. قال الله جلّ ثناؤه: {وَاللهُ أَرْكَسَهُمْ بِمَا كَسَبُوا} [النساء 88]، أي ردّهم إلى كفرهم. ويقال ارتكس فلانٌ في أمرٍ قد كان نجا منه. والرَّكوسيَّة: قومٌ لهم دينٌ بين النَّصارى والصابئين. وأُتِيَ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين طَلب أحجاراً للاستنجاء، بِرَوْثَة، فرمَى بها وقال: "إنّها رِكْس". ومعنى ذلك أنَّها ارتكَسَت عن أن تكون طعاماً إلى غيره.

(ركض)  الراء والكاف والضاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حركةٍ إلى قُدُمٍ أو تحريكٍ. يقال ركَض الرّجُل دابّتَه، وذلك ضَرْبُه إِيَّاها برجلَيْه لتتقدَّم. وكثُر حتَّى قيل ركَضَ الفرَسُ، وليس بالأصل. وارتكاض الصبيّ: اضطرابُه في بَطْن أمِّه. قال الخليل: وجُعِل الرَّكْض للطَّير في طيَرانها. ويقال أرْكَضَتِ الناقة، إذا تحرَّكَ ولدُها في بطن أمِّها. وفي بعض الحديث في ذكر دم الاستحاضة: "هو رَكْضَةٌ من الشَّيطان"، يريد الدَّفْعة.

(ركع)  الراء والكاف والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على انحناءٍ في الإنسان وغيرِه. يقال ركَعَ الرّجلُ، إذا انحنى. وكلُّ منحنٍ راكع. قال لَبيد:

أُخبِّر أخبارَ القُرونِ التي مضَتْ *** أدِبُّ كأنِّي كلَّما قُُمتُ راكعُ([7])

  وفي الحديث ذِكْر المشايخ الرُّكَّع([8])، يريد به الذين انحنَوْا. والرُّكوع في الصلاة من هذا. ثمّ تصرّف الكلامُ فقيل للمصلِّي راكع، وقيل للسَّاجد شكراً: راكع. قال الله تعالى في شأن داودَ عليه السلام: {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعاً وَأَنَابَ} [ص 24]. وقال في موضع آخر: {وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرّاكِعِينَ} [آل عمران 43]، قال قومٌ: تأويلها اسجدي، أي صلِّي؛ واركعي مع الراكعين، أي اشكري لِله جلّ ثناؤُه مع الشاكرين. قال ابن دُريد: الرُّكْعة([9]): الهُوَّة في الأرض؛ لغة يمانِيّة.

ـــــــــــــــ

([1]) سبق البيت في (1: 334/ 2: 319) مع تخريجه.

([2]) في اللسان: "والكديد: التراب الدقاق المكدود المركل بالقوائم. قال امرؤ القيس:

مسح إذا ما السابحات على الونى *** أثرن الغبار بالكديد المركل".

([3]) في الأصل: "ركن"، صوابه من اللسان والقاموس.

([4]) البيت في المجمل واللسان (ركا).

([5]) وكذا في البيان (3: 207). وفي اللسان: "لا يقنع".

([6]) البيت في اللسان (ركح) مبتور محرف.

([7]) ديوان لبيد 23 طبع 1880 واللسان (ركع).

([8]) هو حديث: "لولا مشايخ ركع، وصبية رضع، وبهائم رتع، لصب عليكم العذاب صبا، ثم رص رصا".

([9]) الجمهرة (2: 385). وضبطت في اللسان بفتح الراء ضبط قلم، وقد نص في القاموس على أنها بالضم.

 

 

ـ (باب الراء والميم وما يثلثهما)

(رمن)  الراء والميم والنون كلمة واحدة، وهي الرُّمَّان. والرُّمَّانتان: هَضْبتان في بلادِ عَبْسٍ. قال:

* على الدّار بالرُّمَّانَتين تعوجُ *

(رمي)  الراء والميم والحرف المعتل أصلٌ واحد، وهو نَبْذ الشَّيء. ثم يحمل عليه اشتقاقاً واستعارة. تقول رَمَيْتُ الشيء أرمِيه. وكانت بينهم رِمِّيَّا، على فِعِّيلَى. وأرمَيْتُ على المائة: زِدْتُ عليها. فإن قيلَ فهذه الكلمة ما وجهها؟ قيل لـه: إذا زاد على الشَّيء فقد ترامَى إلى الموضع الذي بلغَه. ورَمَيْت بمعنى أرْمَيْتُ والمِرْماة: نَصْلُ السهم المدوَّرُ؛ وسمِّي بذلك لأنه يُرمَى به. والمَِرْماة: ظِلف الشَّاة. وفي الحديث: "لو أنّ أحدَهم دُعِيَ إلى مَِرْماتَين". والرَّمِيَّةُ: الصَّيد الذي يُرمَى. والرَّمِيُّ: السحابة العظيمة القَطْر. ويقال سُمِّيت رَمِيّاً لأنها تنشأ ثم تُرْمَى بقطَعٍ من السحاب من هنا وهُنا حتَّى تجتمع.

وقال الخليل: رمى يرمي رِمايةً ورَمْياً ورِماءً. قال ابن السكّيت: خرجتُ أتَرَمَّى، إذا خرجتَ [ترمي] في الأغْراض([1]). ويقال أرْمَيْتُ الحَجَر من يدي إرْماءً. وقال أبو عُبيدة: يقال أرمَى اللهُ لك، أي نَصَرك وصنَع لَك. والرَّماء: الزِّيادة. وقد قلنا إنّ اشتقاق ذلك من الباب لأنه أمْرٌ يترامى إلى فَوق.

(رمأ)  [أمّا] الراء والميم والهمزة فأصلٌ برأسه غير الأول، وهو قليل. يقال رمَأَت الإبل تَرْمأُ رمُوءاً ورَمْأً: أقامت في الكلأ والعُشْب. ورمأ فلانٌ في بني فلانٍ: أقام. ويقال أرمأت الأخبارُ: أشكَلَتْ. ومُرَمَّآت الأخبار، أي أباطيلُها.

(رمث)  الراء والميم والثاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على إصلاح شيءٍ وضمِّ بعضٍ إلى بعض. يقال رمَثْتُ الشَّيءَ: أصلحتُه. قال أبو دُواد:

وأَخٍ رَمَثْتُ دَرِيسَهُ *** ونصحتُه في الحرب نُصْحَا([2])

  والرَّمَث: خشبٌ يضمّ* بعضُه إلى بعض ويُركَب. وفي الحديث: "إنّا نركب أرماثاً لنا في البحر"، وهو جمع رَمَثٍ. قال:

تمنَّيْتُ مِن حُبِّي بُثَينةَ أننا *** على رمَثٍ في البحر ليس لنا وَفْرُ([3])

  والرِّمْث: مَرعىً من مراعي الإبل، وذلك لانضمام بعضِه إلى بعض. يقال إبلٌ رَمِثة ورَمَاثَى، إذا أكلت الرِّمْث فمرِضَتْ عنه. والرَّمَثُ أيضاً: بقيّة اللبن في الضَّرع، لأن ذلك متجمِّع.

(رمج)  الراء والميم والجيم ليس أصلاً، وفيه ما يُقبَل ويُعتَمد عليه([4])، لكنَّهم يقولون: رَمَّجَ الأثَر بالتُّراب([5])؛ ورمَّج السُّطور: أفسَدَها.

(رمح)  الراء والميم والحاء كلمةٌ واحدة، ثم يُصرَّف منها. فالكلمة الرُّمْح، وهو معروفٌ، والجمع رِماح وأرْماح. والسِّماك الرّامح: نَجمٌ، وسُمِّي بكوكبٍ يقْدُمه كأنَّه رُمْحه. فأمَّا قولهم: رَمَحَتْه الدَّابَّةُ، فمن هذا أيضاً لأنّ ضَرْبها إيّاهُ برِجلها كرمح الرَّامحِ برُمْحه. ومنه رَمَحَ الجُندبُ، إذا ضَرب الحصَى بيده. والرَّمَّاح: الذي يتَّخذ الرِّماح، وحِرفته الرِّماحة. والرَّامح: الطاعن بالرُّمْح. والرامح: الحامل له. ويقال للبُهْمَى إذا امتنَعتْ على الرّاعية: قد أخذَتْ رماحَها. كما قال:

أيَّامَ لم تأخُذْ إليَّ سِلاحَها ***إبِلي لِجلّتها ولا أبكارِها

  (رمخ)  الراء والميم والخاء ليس بشيء. ويقال: إنَّ الرِّمْخ شجر([6]).

(رمد)  الراء والميم والدال ثلاثة أصول: أحدُها مرضٌ من الأمراض، والآخَر لونٌ من الألوان، والثالث جنسٌ من السَّعْي.

فالأول: الرَّمَد رَمَدُ العين، يقال رَمِدَ يَرْمَدُ رَمَداً، وهو رَمِد وأَرْمَدُ. ومنه الرَّمْد، وهو الهلاك، بسكون الميم. كما قال:

* كأصْرَامِ عادٍ حينَ جَلَّلَها الرَّمْدُ([7]) *

ويقال رمَدْنا القومَ نرمُِدهم، إذا أتينا عليهم.

والثاني: الرَّماد، وهو معروف، فإذا كان أرقَّ ما يكون فهو رِمْدِدٌ. وهو يسمَّى للونه. يقال رَمَّدَتِ الناقةُ ترميداً، إذا تَركَتْ عند النِّتاج لبناً قليلاً. وإنّما يقال ذلك للونٍ يعتري ضرعَها. والأرمد: كلُّ شيءٍ أغْبَرَ فيه كُدْرَة، وهو من الرَّماد، ومنه قيل لضَربٍ من البعوض رُمْدٌ. وقال أبو وجزة وذكَرَ صائداً:

يبيت جارتُهُ الأفعى وسامِرُه *** رُمْدٌ به عاذرٌ منهن كالجَرَب([8])

  والأَرمِداء، على وزن أفعلاء: الرَّماد. والمرمَّد من الشواء: الذي يُمَلُّ في الجمر. وفي المثل: "شَوَى أخُوك حتَّى إذا أنضَجَ رَمَّد([9])". فأمَّا قولهم: عام الرَّمادةِ، فقال قومٌ: كان مَحْلاً نزَل بالنّاس له رَمْد، وهو الهلاك. وقال آخرون: سمِّي بذلك لأنَّ الأرضَ صارت من المَحْل كالرَّماد([10]). وقال أبو حاتم: ماءٌ رَمِدٌ، إذا كان آجناً متغيِّراً.

والأصل الثالث: الارْمِدَادُ: شِدّة العَدْو. ويقال ارْمَدَّ الظَّليمُ: أسرَعَ.

(رمز)  الراء والميم والزاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حركةٍ واضطراب. يقال كتيبة رَمَّازة: تموج من نواحِيها. ويقال ضربه فما ارمَأَزَّ، أي ما تحرَّك. وارتَمَز أيضاً: تحرَّك.

ويقولون: إِنّ الرَّاموز: البحر. وأراه في شعر هذَيل.

(رمس)  الراء والميم والسين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تغطيةٍ وسَتْر. فالرَّمْس: التراب.

والرِّياح الروامسُ: التي تُثير الترابَ فتدفِن الآثار. ويقال رَمَسْتُ على فلانٍ الخبرَ؛ إذا كتَمْتَه إِيَّاه. ورَمَست الرَّجُل وأرمستُه: دفنتُه.

(رمش)  الراء والميم والشين ليس من مَحض اللُّغة، ولا ممّا جاء في صحيح أشعارِهم. على أنَّهم يقولون: الرَّمَش تَفَتُّلٌ في الأشفار، وحُمْرةٌ في الجفون. وربّما قالوا رَمَشَهُ بالحجَر: رماه. وذُكر عن الشيباني: رَمَشَتِ الغنم تَرْمُِش، إذا رعَتْ يسيراً. ويقال: الرَّمَش: بياضٌ يكون في أظفار الأحداث. وحكى اللِّحياني: أرضٌ رَمْشاء: جدبة([11]).

(رمص)  الراء والميم والصاد أُصَيل يدلُّ* على إلقاءِ قَذَىً. يقولون رَمَصَتِ العين، إِذا أخرجت ما يخرُج منها عند الرّمَد. وقال ابن السِّكِّيت: يقال قبَحَ اللهُ أُمّاً رمَصَت به، أي ولدَتْه. وهذا إذا صحَّ فهو على ما ذكرناه من أنَّه مشبّه بقذىً يُرمَى به. ويقال رَمَصَتِ الدّجاجةُ: ذَرَقت.

وفي الباب كلامٌ آخَرُ يدلُّ على صلاحٍ وخير. يقولون: رَمَصْت بينهم، أي أصلَحْت. وربما قالوا: رَمَص الله مُصِيبتَه يَرْمُصها رَمْصاً، إذا جَبَرها.

(رمض)  الراء والميم والضاد أصلٌ مطَّرِدٌ يدلُّ على حِدّةٍ في شيء مِن حرٍّ وغيره. فالرَّمَض: حَرُّ الحجارةِ من شِدّة حَرّ الشمس. وأرضٌ رَمِضَةٌ: حارّة الحجارة. وذكر قومٌ أن رمَضانَ اشتقاقُه من شِدّة الحر؛ لأنَّهم لمَّا نقلوا اسمَ الشُّهور عن اللغة القديمة سَمَّوْها بالأزمنة، فوافق رمضانُ أيّامَ رَمَضِ الحرّ. ويجمع على رَمضانات وأرمِضاءَ. ومن الباب أرمضَهُ الأمرُ ورَمِضَ للأمْرِ.

ورَمِض أيضاً، إذا أحرقَتْه الرَّمْضاء. ويقال رَمَضْتُ اللّحمَ على الرَّضْفِ، إذا أنضجْتَه. ومن الباب سِكِّين رَمِيض. وكلُّ حادٍّ رَمِيضٌ. وقد رَمَضْتُه أنا. ورَمِضَتِ الغنمُ، إذا رعَتْ في شدّة الحَرّ فقرِحت أكبادُها. ويقال: فلانٌ يترمَّضُ الظِّباءَ، إذا تبعها وساقَها حَتَّى تَفَسَّخَ قوائمُها من الرَّمْضاء ثمَّ يأخُذُها. ويقال ارتمَضَ بَطْنُه: فسَدَ، كأنَّ ثَمَّ داءً يُحْرِقُه. فأمّا قولُ القائل: أتيتُ فلاناً فلم أُصِبْه([12]) فرمَّضْتُ ترميضاً، وذلك أن ينتظرَه. وممكنٌ أن يكون شاذّاً عن الأصل. ويمكن أن يكون الميم مبدلةً من باء، كأنّه ربّضت، من رَبَض.

(رمط)  الراء والميم والطاء ليس أصلاً، لكنَّهم يسمُّون ما اجتمع من العُرْفُطِ وغيرِه من شجر العِضاهِ رَمْطاً. وربّما قالوا رَمَطت الرّجلَ، إذا عِبْته رَمْطاً. وفيه نظر.

(رمع)  الراء والميم والعين أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وحركةٍ. فالرَّمَّاعةُ من الإنسان: الذي يضطرب من الصبيِّ على يافُوخِه. والرَّمَعَانُ: الاضطِراب. ويقال رَمَعَ أَنْفُ الرّجُل يَرمَع رمَعاناً، إذا تحرَّك من غضبٍ. ومن الباب قَبَحَ الله أمّاً رَمَعَتْ به، أي ولدَتْه. ومن ذلك اليَرْمَع: حجارةٌ بِيضٌ رِقاقٌ تلمَع في الشمس. ومن الباب إن صحّ، الرامِع، وهو الذي يطأطِئُ رأسَه ثم يرفعه. ويقال الرُّماع تغيُّر الوَجْه([13]) والباب كلُّه واحد. ويقولون: المُرَمِّعَة المَهْلكة([14]).

(رمغ)  الراء والميم والغين لا أصلَ لـه، إلا بعض ما يأتي به ابنُ دريدٍ، من رَمَغْتُ الشيءَ، إذا عَركتَه بيدك، كالأديمِ وغيرِه.

(رمق)  الراء والميم والقاف أصلٌ يدلُّ على ضَعفٍ وقِلّة. ويقال ترمَّقَ الرَّجلُ الماءَ وغيرَه، إذا حَسَا حُسْوةً [بَعد أُخرى([15])]. وهو مُرَمَّق العَيش، أي ضيِّقه. وما عَيْشُه إلا رَِماقٌ، يُراد به ما يُمْسِك الرَّمَق. والرَّمَق: باقي النَّفْسِ أو النَّفَس. قال:

وما الناسُ إلا في رَِماقٍ وصالح *** وما العيشُ إلا خِلفَةٌ ودُرُورُ

  ويقولون: "أضرعَتِ المِعْزَى فرمِّقْ رمِّقْ"، أي اشربْ لبنَها قليلاً قليلاً؛ لأنّ المِعزَى تُنْزِلُ قبل نِتاجها بأيّام. والتَّرميق([16]): عملٌ يفعلُه الرجل لا يُحسِنُه. ويقال حبلٌ أرماقٌ، إذا كان ضعيفاً. وقد ارمَاقَّ ارمِيقاقاً.

(رمك)  الراء والميم والكاف أصلان: أحدهما لونٌ من الألوان، والثاني لُبْثٌ بمكان. فالأول الرُّمْكة من ألوان الإبل، وهو أشدُّ كدْرةً من الوُرْقة. ويقال جملٌ أرمَكُ. ومنه اشتقاق الرَّامَِك. والرَّمَكة: الأُنثى من البراذين. والأصل الآخر: رَمَكَ بالمكان، وهو رامك.

(رمل)  الراء والميم واللام أصلٌ يدلُّ على رِقّةٍ في شيءٍ يتضامُّ بعضُه إلى بعض. يقال رَمَلت الحصير، وأرملتُ، *إذا سَخَّفْتَ نَسْجَه. قال:

* كأنَّ نَسْجَ العنكبوتِ المُرْمَلِ([17]) *

ثم يشبَّه بذلك، [فالرَّمَل]: القليل الضَّعيف من المطر، وجمعه أرمال. ومن الذي يقرب من هذا الباب الرَّمْل، وهو رَقيق. ومنه ترمَّل القَتيلُ بدمِهِ، إذا تلطخ؛ وهو قياسُ ما ذكَرْناه. ومن الباب الرَّمَل: الهَرْوَلة، وذلك أنه كالعَدْو أو المشْي الذي لا حصافةَ فيه. فأمّا المُرْمِلَ فهو الذي لا زادَ معه، سمِّي بذلك لأحدِ شيئين، إما رِقّةِ حاله، وإمّا للُصوقِه بالرّمل من فَقْره. والأرمَلُ مثلُ المُرمِل. قال جرير:

هَذِي الأراملُ قد قضَّيْتَ حاجتَها *** فمَنْ لحاجةِ هذا الأرمَلِ الذّكَرِ([18])

ــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "الأرض"، وتصحيح هذه الكلمة والتكملة التي قبلها من المجمل.

([2]) البيت في اللسان (رمث) بدون نسبة.

([3]) البيت لأبي صخر الهذلي، من قصيدة في بقية أشعار الهذليين 93 وأمالي القالي (1: 148). وبعض أبياتها في اللسان (رمث).

([4]) في الأصل: "وبعمل عليه".

([5]) لم يرد هذا المعنى في اللسان والقاموس. ولم يأت شيء من المادة في الجمهرة.

([6]) الذي في اللسان والقاموس أن "الرمخ": الشجر المجتمع.

([7]) البيت لأبي وجزة السعدي، كما في اللسان (رمد 168). وصدره:

* صببت عليكم حاصبي فتركتكم *

([8]) انظر اللسان (رمد) والحيوان (4: 216/ 5: 405).

([9]) يضرب مثلاً للرجل يعود بالفساد على ما كان أصلحه.

([10]) وقيل سمي به لأنهم  لما أجدبوا صارت ألوانهم كلون الرماد.

([11]) في القاموس: "وأرض رمشاء: ربشاء، أو جدبة، كأنه ضد". وذلك لأن الربشاء بالباء: الكثيرة العشب. وقد اقتصر في اللسان على أنها الكثيرة العشب، قال: "وسنة ربشاء ورمشاء. وبرشاء: كثيرة العشب".

([12]) في الأصل: "فلم تصبه".

([13]) في اللسان: "والرماع: داء في البطن يصفر منه الوجه". وفي القاموس: "وجع يعترض في ظهر الساقي حتى يمنعه من السقي... واصفرار وتغير في وجه المرأة من داء يصيب بظرها".

([14]) المهلكة، بتثليث اللام: المفازة. والمرمعة، لم ترد في اللسان. وفي القاموس: "والمرمعة كمحدثة: المفازة".

([15]) التكملة من اللسان.

([16]) في الأصل: "والرميق"، صوابه من اللسان والقاموس.

([17]) البيت في اللسان (رمل، غزل). مع نسبته في (غزل) إلى العجاج. انظر ديوانه 47. وأنشده في المخصص (17: 17) وذكر أنه إنما جر "المرمل" على الجوار. وذلك لأن المرمل من صفة النسج، فكان حقه النصب، لكن كذا روي بفتح الميم.

([18]) ليس في ديوان جرير. وروايته في اللسان (رمل): "كل الأرامل".

 

 

ـ (باب الراء والنون وما يثلثهما)

(رني)  الراء والنون والحرف المعتلّ أصلٌ واحد، يدلُّ على النّظَر: يقال رنا يرنُو، إذا نظَرَ، رُنُوّاً. والرَّنَا: الشيء الذي تَرْنُو إليه، مقصور. وظلَّ فلانٌ رانياً، إذا مدّ بصرَه إلى الشيء. ويقال أرْنانِي حُسْنُ ما رأيت، أي أعجَبَني. وفُسِّر قولُ ابنِ أحمرَ على هذا:

مَدَّت عليه المُلْكَُ أطنابَها *** كأس رَنَوْناةٌ وطِِرفٌ طِِِمِرّْ([1])

  ويقال إنه لم يسمعْ إلا منه، وكأنه الكأس التي يرنُو لها مَن رآها إعجاباً منه بها. ويقال فلان رَنُوُّ فلانةَ، إذا كان يُديم النظرَ إليها. واليَُرَنَّأ: الحِنّاء، يجوز أن يكون من الباب، ويجوز أن يقال هو شاذّ. ومما شذّ عن الباب الرُّنَاء: الصَّوت.

(رنب)  الراء والنون والباء كلمةٌ واحدةٌ لا يشتقّ منها ولا يقاس عليها، لكن يشبَّه بها. فالأرنب معروف، ثم شبهت به أرنَبَة الأنْف، وأرنبة الرَّمل، وهي حِقْفٌ منه منحنٍ. يقولون كِساءٌ مؤرنَب، للذي([2]) خُلِط غَزْله بوبَر الأرانب. وأرض مُؤَرنِبةٌ: كثيرة الأرانب. والأرنَب: ضربٌ من النَّبات.

(رنح)  الراء والنون والحاء أصلٌ يدلُّ على تمايلٍ. يقال ترنَّحَ، إذا تمايَل كما يترنَّحُ السكران. ويقال رُنِّحَ فلانٌ، إذا اعتراه وَهْن في عظامِه، فهو مرنَّح. قال الطرِمَّاح:

وناصِرُكَ الأدنَى عليه ظَعينةٌ *** تَميدُ إذا استعبَرْتَ مَيْدَ المرنَّحِ([3])

  (رنخ)  الراء والنون والخاء ليس أصلاً، إلا أَن يكون شيءٌ من باب الإبدال يُحمل على الباب الذي قَبْلَه، فيدلُّ على فتورٍ وضعف. يقولون: الرانخ: الفاتر الضَّعيف. يقال رَنَخَ، إذا ضَعُف. وربما قالوا رنَّخْتُ الرجلَ ترنيخاً، إذا ذَلَّلْتَه، فهو مرنَّخ.

(رند)  الراء والنون والدال أُصَيلٌ يدلُّ على جنسٍ من النَّبت. يقولون: الرَّنْد: شجرٌ طيِّب من شجر البادية.

وحدَّثَنا عليُّ بن إبراهيم، عن علي بن عبد العزيز، عن أبي عُبيدٍ عن الأصمعيّ قال: ربما سمَّوْا عُود الطِّيب رَنْداً. يعني الذي يُتبخَّر به. قال: وأنْكَر أن يكون الرّنْد الآس. وقال الخليل: الرَّنْد ضرب من الشجر، يقال هو الآس. وأنشد:

* على فَنَنٍ غَضِّ النّباتِ من الرَّنْدِ([4]) *

فأما قول الجعديّ:

أَرِجَاتٍ يَقْضَمْنَ مِن قُضُبِ الرَّنْـ *** ـدِ بثَغْرٍ عَذْبٍ كشَوْك السَّيَالِ([5])

  فإنه يدلُّ على أنَّ الرَّنْد [ليس([6])] بالآسِ.

(رنف)  الراء والنون والفاء أُصَيلٌ واحدٌ يدلُّ على ناحيةٍ من شيءٍ. فالرَّانِفة: ناحية الألْية. وقال الخليل: الرَّانفة جُلَيدةُ طرَفِ الرَّوْثة. وهي أيضاً طرَفُ غُضروف الأُذن. والرانفة: ألْيَة اليَد([7]). وقال أبو حاتم: رانفة الكَبد: مارقَّ منها. وذُكر عن اللِّحياني أنّ روانفَ الآكام رُؤوسها. فأما الرَّنْفُ فيقال هو بَهرامَج البَرّ. وليس بشيء.

(رنق)  الراء والنون والقاف أَصلٌ واحدٌ يدلُّ على اضطرابِ شيءٍ متغيّر له صفْوُهُ* إن كان صافياً. من ذلك الرَِّنَْقُ، وهو الماء الكدِر؛ يقال رَنِقَ الماء يَرْنَقُ رَنَقاً. ورَنَّق النومُ في عينه، إذا خالطها. والتَُّرْنُوق([8]): الطِّين الباقي في مَسِيل الماء. والذي قلناه من الاضطراب فأصله قولهم رَنَّق الطائر: خفَق بجناحه ولم يطِرْ.

(رنع)  الراء والنون والعين كلمةٌ واحدة صحيحة، وهي المَرْنَعة لأَِصْواتٍ تكون لَعِباً ولَهواً. قاله الفرّاء. وقال أبو حاتم: رنَعَ الحَرْث، إذا احتبَس الماءُ عنه فضَمَُر. وفيه نظر.

(رنم)  الراء والنون والميم أُصَيلٌ صحيح في الأصوات. يقال ترنَّمَ، إذا رجَّع صوتَه. وترنمَ الطائر في هديره. وترنّمتِ القوسُ، شُبّه صوتُها عند الإنباض عنها بالترنُّم. قال الشماخ:

إذا أنْبَضَ الرَّامُونَ عنها ترنَّمَتْ *** ترنُّم ثَكْلَى أوجعَتْها الجنائزُ([9])

ـــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "مدت عليك"، صوابه من اللسان (طمر، رنا). وفي اللسان تفصيل في إعرابه. ومن الأبيات التي قبله: إن امرأ القيس على عهده *** في إرث ما كان أبوه حجر

 ([2]) في الأصل: "يقول كساء مؤرنب الذي".

([3]) ديوان الطرماح 71 واللسان (رمح).

([4]) البيت لعبد الله بن الدمينة في ديوانه 29 والحماسة (2: 101). وصدره:

* أأن هتفت ورقاء في رونق الضحى *

([5]) السيال، كسحاب: شجر سبط الأغصان عليه شوك أبيض أصوله أمثال ثنايا العذارى.

([6]) التكملة من المجمل.

([7]) ألية اليد، هي اللحمة التي في أصل الإبهام.

([8]) الترنوق، بفتح التاء وتضم، وكذينك الترنوقاء بالضم.

([9]) البيت في ديوان الشماخ 49 واللسان (جنز).

 

 

ـ (باب الراءِ والهاءِ وما يثلثهما)

(رهو)  الراء والهاء والحرف المعتل أصلان، يدلُّ أحدُهما على دَعَةٍ وخَفْضٍ وسكون، والآخرُ على مكانٍ قد ينخفض ويرتفع.

فالأوّل الرَّهْو: البحر الساكن. ويقولون: عيشٌ راهٍ، أي ساكن. ويقولون: أَرْهِ على نفسك، أي ارفُقْ بها. قال ابن الأعرابيِّ: رَها في السَّير يرهُو، إذا رفَق. ومن الباب الفرس المِرْهاءُ([1]) في السَّير، وهو مِثل المِرْخاء. ويكون ذلك سرعةً في سكونٍ من غير قلق.

وأما المكان الذي ذكرناه فالرَّهْو: المنخفِض من الأرض، ويقال المرتفِع. واحتج قائل القول الثاني بهذا البيت:

* يظلُّ النِّساء المرضِعاتُ برهْوَةٍ([2]) *

قال: وذلك أنَّهنّ خوائفُ فيطلُبْن المواضعَ المرتفِعة. وبِقول الآخَر:

فجلّى كما جلَّى على رأْسِ رهوةٍ *** من الطَّير أقْنَى ينفُضُ الطَّلَّ أزرقُ([3])

  وحكى الخَليل: الرَّهْوة: مستنقَعْ الماء، فأمّا حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، حين سُئل عن غَطَفان فقال: "رَهْوَةٌ تَنْبُِعُ ماءً"، فإنه أراد الجبلَ العالي. ضرب ذلك لهم مثلاً([4]). وقد جاءَ عنه صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال: "أكَمَةٌ خَشْناء تنفِي النَّاسَ عنها". قال القُتَيبيّ: الرَّهوة تكون المرتفِعَ من الأرض، وتكون المنخفضَ. قال: وهو حرفٌ من الأضداد. فأمّا الرَّهاء فهي المَفازة المستوية قَلَّما تخلو من سَراب.

ومما شذّ عن البابين الرَّهْو: ضربٌ من الطّير. والرَّهو: نعت سَوءٍ للمرأة. وجاءت الخيل رهْواً، أي متتابعة.

(رهأ)  الراء والهاء والهمزة لا تكون إلاّ بدَخيل([5])، وهي الرَّهْيأَة، وذلك يدلُّ على قلَّة اعتدالٍ في الشيء. فالرَّهْيأة: أن يكون أحد عِدْلي الحِمل أثْقَل من الآخَر. رَهْيَأْتَ حِمْلك؛ ورهيَأْتَ أمرك، إذا لم تقوِّمْه. والرَّهيأة: العجْز والتّوانِي. ويقال ترهْيأَ في أمرِه، إذا همَّ به ثُمَّ أمسَكَ عنه. ومنه الرَّهيأة: أنْ تَغرورِقَ العينانِ. وتَرَهْيَأت السّحابةُ، إِذا تمخَّضَتْ للمطر.

(رهب)  الراء والهاء والباء أصلان: أحدهما يدلُّ على خوفٍ، والآخَر على دِقّة وخِفَّة.

فالأوَّل الرَّهْبة: تقول رهِبْت الشيءَ رُهْباً ورَهَباً ورَهْبَة. والترهُّب: التعبُّد. ومن الباب الإِرهاب، وهو قَدْع الإِبل من الحوض وذِيادُها.

والأصل الآخر: الرَّهْب: الناقة المهزولة. والرِّهاب: الرِّقاق من النِّصال؛ واحدها رَهْبٌ. والرَّهاب: عظمٌ في الصَّدر مشرفٌ على البَطن مثلُ اللِّسان.

(رهج)  الراء والهاء والجيم أُصَيلٌ يدلُّ على إِثارة غبارٍ وشبهِه. فالرَّهَج: الغُبار.

(رهد)  الراء والهاء والدال أُصَيلٌ يدل على نَعْمةٍ، وهي الرَّهادة. ويقال هي رَهيدة([6])، أي رَخْصة. فأمَّا ابن دريد فقد ذكر ما يقارب هذا القياس، قال: يقال* رَهَدْتُ الشّيءَ رَهْداً، إذا سحَقْتَه سَحْقاً شديداً([7]). قال: والرَّهيدة: بُرٌّ يُدقُّ ويصَبُّ عليه اللَّبَن.

(رهز)  الراء والهاء والزاء كلمة تدلُّ على الرّهْز، وهو التحرُّك.

(رهس)  الراء والهاء والسين أصلان: أحدهما الامتلاء والكثرة، والآخَر الوطء.

فالأول قولهم: ارتهَسَ الوادي: امتلأ. وارتهَسَ الجرادُ: ركِب بعضُه بعضاً.

والأصل الآخر: الرَّهْس: الوطء. ومنه الرجُل الرَّهْوَس([8]): الأكول.

(رهش)  الراء والهاء والشين أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وتحرُّك. فالارتهاش: أن تصطدم يدُ الدابة في مَشْيِه فتعقِر رواهِشَه، وهي عصَب باطن الذِّراع. قال الخليل: والارتهاش ضربٌ من الطَّعْن في عَرْض. قال:

أبا خالدٍ لولا انتظارِيَ نصرَكُمْ *** أخذْتُ سِناني فارتهشْتُ به عَرْضا([9])

 قال: وارتهاشُه: تحريك يدَيه. ومن الباب رجل رُهْشُوشٌ: حَيٌّ([10]) كريم كأَنه يهتزّ ويرتاح للكرم والخير. ومن الباب المرتَهِشة، وهي القوس التي إذا رُمِيَ عنها اهتزَّتْ فضرب وترُها أبْهَرَها. والرَّهيس: التي يُصيب وترُها طائفَها. ومن الباب ناقةٌ رُهشوشٌ: غزيرة.

(رهص)  الراء والهاء والصاد أصلٌ يدلُّ على ضَغْط وعصر وثَباتٍ. فالرَّهْص، فيما رواه الخليل: شِدّة العَصْر. والرَّهَص: أن يُصيب حجرٌ حافراً أو مَنْسِماً فيدوَى باطِنُه. يقال رَهَصه الحجر يرهَصُه، من الرَّهصَة. ودابَّةٌ رهيص: مرهوصة. والرَّواهص من الحجارة: التي ترهَصُ الدوابَّ إذا وطِئَتْها، واحدتها راهصة. قال الأعشى:

فعَضَّ حَديد الأرْضِ إن كنتَ ساخطاً *** بفيك وأحجارَ الكُلابِ الرَّوَاهصا([11])

  وكان "الأسد الرَّهيص" من فُرْسان العرب([12]). والمَرْهَص: موضع الرَّهْصة. وقال:

* على جبالٍ ترهَص المَرَاهصا([13]) *

والرِّهْص: أَسفلُ عِرْقٍ في الحائط. ويَرْهَصُ([14]) الحائط بما يقيمه.

والمَرَاهص: المراتب، يقال مَرهَصةٌ ومراهص، كقولك مرتَبة ومراتب.

  ويقال: كيف مرهَصَةُ فلانٍ عند الملك، أي منزلتُه. قال:

رمى بِكَ في أُخراهُم تَركُكَ العُلَى *** وفُضِّلَ أقوامٌ عليك مَرَاهِصا([15])

  (رهط)  الراء والهاء والطاء أصلٌ يدلُّ على تجمُّعٍ في النّاسِ وغيرِهم. فالرَّهط: العِصابة من ثلاثةٍ إلى عَشرة. قال الخليل: ما دون السَّبعة إلى الثلاثةِ نفرٌ. وتخفيف الرَّهط أحسن من تثقيله([16]). قال والترهيط: دَهْوَرةُ اللُّقْمَةِ وجَمْعُها([17]). قال:

* يا أيُّها الآكلُ ذو التَّرهِيط([18]) *

والرَّاهطاء: جُحْرٌ من جِحْرة اليَربوع بين النّافقاء والقاصعاء، يَخْبَأُ فيه أولادَه. وقال: والرِّهاط: أديمٌ يُقطَع كقَدْر ما بين الحُجْزة إلى الرُّكْبة، ثم يُشقَّق كأمثال الشُّرُك، تلبَسه الجارية. قال:

بِضربٍ تَسْقُطُ الهاماتُ منه *** وطعنٍ مثلِ تعْطيط الرِّهاطِ([19])

  والواحد رَهْطٌ([20]). وَقال:

متى ما أَشَأْ غَيْرَ زَهْوِ المُلُو *** كِ أجْعَلْكَ رَهْطاً على حُيَّضِ([21])

  قال الخليل: والرِّهاط واحدٌ، والجمع أرهطة. قال: ويجوز في العشيرة أن تقول هؤلاء رَهْطك وأرْهُطُك، كلُّ ذلك جميعٌ، وهم رجال عشيرتك. وقال:

يا بُؤْسَ للحربِ التي *** وضعَتْ أراهِط فاستراحُوا([22])

أي أراحتْهم من الدُّنيا بالقَتْل. ويقال لِراهِطاء اليَربوع رُهَطَةٌ أيضاً.

(رهق)  الراء والهاء والقاف أصلان متقاربان: فأحدهما غِشيان الشّيءِ الشيءَ، والآخر العَجلة والتأخير([23]).

فأمَّا الأوّل فقولُهم: رَهِقَه الأمرُ: غَشِيَه. والرَّهُوق من النُّوق: الجوادُ الوَسَاعُ التي تَرْهَقُك إِذا مددتَها، أي تغشاك لسَعَة خَطْوها. قال الله جلّ ثناؤه: {وَلاَ يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلاَ ذِلَّةٌ} [يونس 26]. والمرَاهِق: الغلام الذي دَانَى الحُلُم. ورجلٌ مُرَهَّق: تنزل به* الضِّيفَانُ. وأرهق القومُ الصّلاةَ: أخَّروها حتى يدنُوَ وقتُ الصّلاةِ الأُخرى. والرَّهَق: العَجَلة والظُّلم. قال الله تعالى: {فَلاَ يَخَافُ بَخْساً وَلاَ رَهَقاً([24])}[الجن 13]. والرَّهَق: عجلةٌ في كذب وعَيب. قال:

* سليم جنب الرّهَقا([25]) *

(رهك)  الراء والهاء والكاف أصل يدل على استرخاء. فالرَّهْوَك([26]): السَّمين من الجِداء والظِّباء([27]). والتَّرَهْوُك: التحرُّك في رَخاوة. ويقولون: رهَكْت الشَّيءَ، إذا سَحَقْتَه.

(رهل)  الراء والهاء واللام كلمةٌ تدلُّ على استرخاء. فالرَّهَل: الاسترخاء من سِمَن. يقال فرسٌ رهِلُ الصَّدْر.

أنشدنا أبو الحسن القَطَّان، قال أنشدنا علي بن عبد العزيز، عن أبي عبيدٍ، عن الفرّاء:

فتىً قُدَّ قَدَّ السّيفِ لا متآزِفٌ *** ولا رَهِلٌ لَبَّاتُهُ وبَآدِلُه([28])

  (رهم)  الراء والهاء والميم يدلُّ على خِصْبٍ ونَدىً. فالرِّهْمَة: المَطْرة الصَّغيرةُ القَطْر؛ والجمعُ رِهَمٌ ورِهام. وروضة مَرْهُومَةٌ. وأَرْهَمَتِ السّماء: أتت بالرِّهام. ونزلنا بفلانٍ فكُنّا في أرهَمِ جانِبَيه، أي أخصبهما.

(رهن)  الراء والهاء والنون أصلٌ يدل على ثباتِ شيءٍ يُمسَك بحقٍّ أو غيره. من ذلك الرَّهْن: الشيءُ يُرْهَن. تقول رهَنْت الشيءَ رهْناً؛ ولا يقال أرهَنْتُ. والشيء الرَّاهن: الثابت الدائم. ورَهَن لك الشيءُ: أقام. وأرهنْتُه لك: أقمتُه. وقال أبو زيد: أرْهَنْتُ في السِّلعة إرهاناً: غالَيْتُ فيها. وَهو من الغَلاء خاصَّة. قال:

* عِيدِيَّةً أُرْهِنَتْ فيها الدَّنانيرُ([29]) *

وعبارة أبي عُبيدٍ في هذا عبارة شاذّة. لكنّ ابن السكّيت وغيره قالوا: أُرْهِنَتْ أُسْلِفَتْ. وهذا هو الصَّحيح. قالوا كلُّهُم: أرهَنْتُ ولَدي إرهاناً: أخْطَرْتُهُمْ([30]). فأمّا تسميتهم المهزُولَ من الناس [و] الإبلِ راهناً، فهو من الباب؛ لأنَّهم جعلوه كأنّه من هُزاله يثبُت مكانَه لا يتحرَّك. قال:

إمَّا تَرَيْ جِسْمِيَ خَلاًّ قد رَهَنْ *** هَزْلاً وما مجدُ الرِّجال في السِّمَنْ([31])

  يقال منه رَهَنَ رُهوناً.

ــــــــــــــــــ

([1]) بدلها في القاموس: "المرهاة". واقتصر في اللسان على "مره" من أرهى.

([2]) البيت في اللسان (رهو) بدون نسبة. وهو لبشر بن أبي خازم، من قصيدة في المفضليات.

2: 129-133). وعجزه: * تفزع من خوف الجبان قلوبها *

([3]) البيت لذي الرمة في ديوانه 400 واللسان (رها، قنا). ورواية الديوان واللسان: "نظرت كما جلى".

([4]) وفسر "رهوة" في الحديث أيضاً بأنه جبل معين.

([5]) كذا. ولعل في الكلام بعده سقطا.

([6]) في الأصل: "رهدة"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس.

([7]) بعده في الجمهرة (2: 259): "زعموا مثل الرهك سواء".

([8]) الرهوس، كجرول. ذكر في القاموس ولم يذكر في اللسان.

([9]) البيت في المخصص (6: 67) واللسان (رهش).

([10]) في الأصل: "حتى"، صوابه في اللسان

([11]) ديوان الأعشى 110 واللسان (رهص).

([12]) اسمه جبار بن عمرو بن عميرة، شاعر جاهلي. انظر الاشتقاق 231.

([13]) في الأصل: "الرواهصا".

([14]) في المجمل واللسان: "ورهصت".

([15]) البيت للأعشى في ديوانه 109 واللسان (رهص).

([16]) أي من أن يقال "رهط" بفتح الهاء.

([17]) الدهورة: التكبير. وفي الأصل: "هورة اللقمة"، صوابه من اللسان.

([18]) البيت في اللسان (رهط).

([19]) أنشده في اللسان (رهط، عطط). ونسبه في الموضع الأخير إلى المتنخل الهذلي. وقصيدة المتنخل في القسم الثاني من مجموعة أشعار الهذليين ص 89 ونسخة الشنقيطي من الهذليين 48. وروايته فيهما: * بضرب في الجماجم ذي فروغ *

([20]) في الأصل: "رهطة"، صوابه من اللسان والقاموس.

([21]) البيت لأبي المثلم الهذلي، كما في اللسان (رهط). وقصيدته في شرح السكري للهذليين 51.

([22]) البيت أول أبيات لسعد بن مالك بن ضبيعة. انظر الحماسة (1: 192).

([23]) في الأصل: "في التأخير".

([24]) من الآية 13 في سورة الجن.

([25]) لم أهتد إلى مرجع لتحقيق هذا.

([26]) ذكرت في القاموس ولم تذكر في اللسان.

([27]) بعد هذا الكلمة في الأصل: "والترهوك السمين"، وهي عبارة مقحمة أخذت مما بعدها وما قبلها.

([28]) البيت للعجير السلولي، أو زينب أخت يزيد بن الطثرية، كما في اللسان (أزف، بأدل، رهل).

([29]) صدره كما في اللسان (رهن): * يطوي ابن سلمى بها من راكب بعدا *

أو: *ظلت تجوب بها البلدان ناجية *

([30]) أي جعلت لهم خطراً يستبقون إليه.

([31]) البيتان في اللسان (رهن)، وقد سبق أولهما في (خل 156) من هذا الجزء.

 

 


ـ (باب الراء والواو وما يثلثهما)

(روي)  الراء والواو والياء أصلٌ واحد، ثمّ يشتق منه. فالأصل ما كان خِلافَ العَطَش، ثم يصرَّف في الكلام لحامِلِ ما يُرْوَى منه.

فالأصل رَوِيتُ من الماء رِيّاً. وقال الأصمعي: رَوَيْت على أهلي أَرْوِي رَيّاً. وهو راوٍ من قومٍ رُواةٍ، وهم الذين يأتونهم بالماء.

فالأصل هذا، ثمّ شبِّه به الذي يأتي القومَ بِعْلمٍ أو خَبَرٍ فيرويه، كأنَّه أتاهم برِيِّهم من ذلك.

([روب])  . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .([1])

أعِرْني رُؤبة فرسِك. ويقال: فلانٌ لا يقوم برُوبة أهله، أي بما أسنَدُوه إليه من حاجاتهم، كأنه شبِّه ذلك باللَّبن. وقال ابنُ الأعرابيّ: رُوبَة الرجل: عَقْله. قال بعضهم وهو يحدِّثني: وأنا إذْ ذاكَ غلامٌ ليست لي رُوبة. فأمّا الهمزة التي في رُؤْبة فهي تجيء في بابِه.

(روث)  الراء والواو والثاء كلمتان متباينتان جِداً. فالرَّوْثة: طرف الأرنَبة. والواحدة من رَوْث الدّوَابّ.

(روج)  الراء والواو والجيم ليس أصلاً. على أنّ الخليل ذكر: روَّجْتُ الدّراهِمَ، وفلانٌ مُروِّج. ورَاجَ الشيءُ يروجُ، إذا عُجِّل به. وكلٌّ قد قيل، والله أعلَمُ بصحّته، إلاّ أني أراه كلَّه دخيلا.

(روح)  الراء والواو والحاء أصلٌ كبير مطّرد، يدلُّ على سَعَةٍ وفُسْحَةٍ واطّراد. وأصل [ذلك] كلِّه الرِّيح. وأصل الياء في الريح الواو، وإنّما قلبت ياءً لكسرة ما قبلها. فالرُّوح رُوح الإِنسان، وإنّما هو مشتق من الرِّيح، وكذلك الباب كلّه. والرَّوْح: نسيم الرِّيح. ويقال أراحَ الإنسانُ، إذا تنفَّسَ. وهو في شعر امرئ القيس([2]). ويقال أرْوَحَ الماءُ وغيرُه: تغيَّرتْ* رائحته.

والرُّوح: جَبْرَئِيل([3]) عليه السلام. قال الله جلَّ ثناؤُه: {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ اْلأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ} [الشعراء 193- 194]. والرَّواح: العشِيُّ؛ وسمِّي بذلك لرَوحِ الرِّيح، فإنَّها في الأغلب تَهُبّ بعد الزّوال. وراحوا في ذلك الوقتِ، وذلك من لَدُنْ زوالِ الشّمس إلى الليل. وأرحْنَا إبلَنا: ردَدْناها ذلك الوقتَ. فأما قولُ الأعشى:

ما تَعِيفُ اليَوْمَ في الطّيرِ الرَّوَحْ *** مِن غُراب البينِ أو تيسٍ بَرَحْ([4])

  فقال قومٌ: هي المتفرِّقة. وقال آخرون: هي الرّائحةُ إلى أوكارها. والمُرَاوَحَةُ في العمَلَيْن: أنَ يعْمل هذا مرةً و[هذا] مَرَّة. والأرْوَح: الذي في صُدور قدميه انْبساط. يقال رَوِحَ يَرْوَحُ رَوحاً. وقَصْعةٌ رَوْحاء: قريبة القَعر. ويقال الأرْوَح من النّاس: الذي يتباعد صُدورُ قدمَيه ويتدانى عَقِباه؛ وهو بَيِّن الرَّوَح. ويقال: فلانٌ يَرَاحُ للمعروف، إذا أخذَتْه لـه أرْيَحِيّة. وقد رِيحَ الغَدير: أصابته الرِّيح. وأرَاحَ القومُ: دخلوا في الرِّيح. ويقال للميِّت إذا قَضى: قد أراحَ. ويقال أرَاحَ الرّجُل، إذا رجعت إليه نَفْسُه بعد الإعياء. وَأَرْوَحَ الصَّيدُ، إذا وجَدَ رِيحَ الإنسيّ. ويقال: أتانا وما في وجهه رائِحةُ دمٍ([5]). ويقال أَرَحْتُ على الرّجُل حَقَّهُ، إذا ردَدْتَه إليه. وأفعل ذلك في سَراحٍ ورَواحٍ، أي في سهولة. والمَرَاح: حيث تأوِي الماشيةُ باللَّيل. والدُّهْن المروَّح: المطيَّب. وقد تَروَّحَ الشّجر، ورَاح يَرَاح، معناهما أن يَتَفَطَّر بالورق([6]). قال:

* رَاحَ العِضاهُ بهمْ والعِرقُ مَدخُول([7]) *

أبو زيد: أروَحَنِي الصَّيدُ إرواحاً، إذا وجَدَ رِيحك. وأرْوَحْتُ من فلانٍ طِيباً. وكان الكسائيّ يقول: "لم يُرِحْ رائحةَ الجنّة" من أَرَحْت. ويجوز أن يقال "لم يَرَح" من رَاحَ يَرَاحُ، إذا وجَدَ الرِّيح([8]). ويقال خرجُوا برِيَاح من العشي وبرَوَاحٍ وإرْواح([9]). قال أبو زيد: راحَت الإِبل تَرَاح، وارحْتُها أنا، مِن قوله جلُّ جلالُه: {حِينَ تُرِيحُونَ} [النحل 6]. ورَاحَ الفَرَسُ يَرَاحُ راحةً، إِذا تحصَّنَ. والمَرْوَحة: الموضع تخترق فيه الرِّيح. قيل: إنّه لعمر بن الخطاب وقيل بل تمثّلَ به([10]):

كأَنَّ راكبَها غُصْنٌ بِمَرْوَحَةٍ *** إذا تَدَلَّتْ به أو شاربٌ ثَمِلُ([11])

  والرَّيِّح: ذو الرَّوْحِ؛ يقال يومٌ رَيِّح: طيّب. ويوم رَاحٌ: ذو رِيح شَديدة. قالوا: بُنِيَ على قولهم كَبْشٌ صافٌ كثير الصُّوف. وأمَّا قولُ أبي كبيرٍ([12]):

وماءٍ وردتُ على زَُوْرةٍ *** كمَشْيِ السَّبَنْتَى يَرَاحُ الشَّفِيفَا([13])

  فذلك وِجْدانُه الرَّوْح. وسُمِّيت الترويحة في شهر [رمضان] لاستراحة القومِ بعد كلِّ أربع ركَعات. والرَّاحُ: جماعةُ راحة الكفّ. قال عبيد:

دانٍ مسِفٍّ فُويقَ الأرضِ هَيْدَبُه *** يكادُ يدفَعُه مَن قام بالرَّاحِ([14])

  الرَّاح: الخمر. قال الأعشى:

وقد أشْرَبُ الرَّاح قد تعلميـ *** ـنَ يومَ المُقَام ويوم الظَّعَنْ([15])

  وتقول: نَزَلَتْ بفُلانٍ بَلِيَّةٌ فارتاح الله، جلَّ وعزّ، له برحمةٍ فأنقَذَه منها. قال العجّاج:

فارتاحَ ربِّي وأرادَ رحمتي *** ونِعمَتِي أتَمَّها فَتَمَّتِ([16])

  قال: وتفسير ارتاح: نَظَر إليَّ ورَحِمَنِي. وقال الأعشى في الأريحيّ:

أريحِيُّ صَلْتٌ يظَلُّ لـه القَوْ *** مُ رُكوداً قِيامَهُمْ للهِلالِ([17])

  قال الخليل: يقال لكلِّ شيءٍ واسعٍ أََرْيَحُ، ومَحْمِلٌ أَرْيَح. وقال بعضُهم: مَحْمِلٌ أَرْوَحُ. ولو كان كذلك لكان ذمَّهُ؛ لأنَّ الرَّوَح الانبطاح، وهو عيب في المَحْمِل. قال الخليل: الأريحيُّ مأخوذٌ مِن رَاحَ يَرَاح، كَما يقال للصَّلْت أَصْلَتِيٌّ.

(رود)  الراء والواو والدال معظمُ بابِه [يدلُّ] على مجيءٍ وذَهابٍ من انطلاقٍ في جهة واحدة. تقول: راودْتُه على أن يَفعل كذا، إِذا أردْتَه على فعله. والرَّوْد: فِعلُ الرَّائد. يقال بعثْنا رائداً يرُودُ الكلأَ، أي ينظُر* ويَطْلُب.والرِّياد: اختلافُ الإبل في المرعَى مُقْبلةً ومدبرة. رادَتْ تَرُودُ رِياداً. والمَرَاد: الموضعُ الذي ترُودُ فيه الرَّاعية. ورادَت المرأةُ تَرودُ، إذا اختلفَتْ إلى بيوت جاراتها. والرَّادَة: السَّهلة من الرِّياح، لأنها تَرُودُ لا تَهُبُّ بِشدّة. ورائِدُ العَين: عُوَّارها الذي يَرُود فيها. وقال بعضهم: الإرادة أصلها الواو، وحجته أنَّك تقول راوَدْته على كذا. والرَّائد: العُود الذي تُدار به الرَّحَى. فأمّا قول القائل في صفة فرسٍ:

* جَوَادَ المَحَثَّة والمُرْوَدِ([18]) *

فهو من أَروَدْت في السَّير إرواداً ومُرْوَداً. ويقال مَرْوَداً أيضاً. وذلك من الرِّفْق في السَّير. ويقال "رَادَ وِسادُه"، إذا لم يستقرَّ، كأنّه يجيء ويَذهب([19]). ومن الباب الإرواد في الفعل: أن يكون رُوَيداً. وراودتُه على أنْ يفعل كذا، إذا أردْتَه على فعلِه. ومن الباب جاريةٌ رُودٌ([20]): شابّة. وتكبير رويدٍ رُودٌ. قال:

* كأنَّها مِثْلُ مَنْ يَمشِي على رُودِ([21]) *

والمِرْود: المِيل.

(روز)  الراء والواو والزاء كلمةٌ واحدة، وهي تدلُّ على اختبار وتجريب. يقال رُزْت الشّيءَ أَرُوزُه، إذا جرَّبْتَه.

(روض)  الراء والواو والضاد أصلانِ متقاربانِ في القياس، أحدهما يدلُّ على اتّساعٍ، والآخَرُ على تلْيِينٍ وتسهيل.

فالأولُ قولهم استراض المكانُ: اتّسَعَ. قال: ومنه قولهم: "افعل كذا ما دامَ النَّفَسُ مستَرِيضاً"، أي متَّسعاً. قال:

أَرَجَزاً تُرِيدُ أم قَرِيضَا *** كلاهُما أُجِيدُ مُستَرِيضا([22])

ومن الباب الرَّوضة. ويقال أرَاضَ الوادِي واستراضَ، إذا استَنْقَعَ فيه الماء. وكذلك أراضَ الحوضُ. ويقال للماء المستنقِع المنبسِط رَوْضَة. قال:

* ورَوْضَةٍ سَقَيْتُ منها نِضْوِي([23]) *

ومن الباب أتانا بإناءٍ يُرِيضُ كذا [وكذا([24])]. وقد أراضَهم، إذا أرواهم. وأما الأصل الآخَر: فقولهم رُضْتُ النّاقَة أرُوضُها رياضةً.

(روع)  الراء والواو والعين أصلٌ واحد يدلُّ على فزَع أو مُستَقَرِّ فزَع. من ذلك الرَّوْع. يقال رَوَّعت فُلاناً ورُعْتُه: أفزَعْتُه. والأرْوَع من الرجال: ذو الجِسم والجَهَارَة، كأنَّه مِن ذلك يَرُوع مَن يراه. والرَّوْعاء([25]) من الإبل: الحديدة الفؤاد، كأنَّها ترتاعُ من الشيءِ. وهي من النِّساء التي تَرُوع الناسَ، كالرّجُل الأرْوَع.

وأمَّا المعنى الذي أومَأْنا إليه في مستَقَرِّ الروع فهو الرُّوع. يقال وقَعَ ذلك في رُوعِي. وفي الحديث: "إنَّ رُوحَ القُدُسِ نَفَثَ في رُوعي: إنّ نفساً لن تَموتَ حتَّى تستكمِلَ رِزْقها. فاتَّقُوا الله وأَجْمِلوا في الطّلَب".

(روغ)  الراء والواو والغين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مَيْل وقلّة استقرار. يقال راغَ الثّعلبُ وغيرُه يَرُوغُ. وطريقٌ رائغٌ: مائل. وراغَ فلانٌ إلى كذا. إذا مالَ سِرّاً إليه. وتقول: هو يُدِيرُني عن أمري وأَنا أُريغه. قال:

يُدِيرُونَنِي عن سالِمٍ وأُرِيغُهُ *** وجلدةُ بَيْنِ العَينِ والأنْفِ سالمُ([26])

  ويقال رَوَّغْت اللُّقْمةَ بالسَّمن أروِّغُها ترويغاً، إذا دَسَمْتَها. وهو إذا فعل ذلك أَدارَها في السَّمْن إِدارة.

ومن البابَ: راوغ فلانٌ فلاناً، إذا صارعه؛ لأنَّ كلَّ واحدٍ منهما يُرِيغ الآخَر، أي يُديرُه. ويقال: هذه رِواغة بني فلان ورِياغتهم: حيث يصْطَرِعُون.

(روق)  الراء والواو والقاف أصلان، يدلُّ أحدُهما على تقدُّمِ شيءٍ، والآخَرُ على حُسْنٍ وجمال.

فالأوَّل الرَّوْق والرُِّواق: مُقدَّم البَيت. هذا هو الأصل. ثمّ يحمل عليه كلُّ شيءٍ فيه أدنى تقدُّم. والرَّوْق: قَرن الثَّور. ومَضَى رَوْقٌ من اللَّيل، أي طائفة منه، وهي المتقدِّمة. ومنه رَوْق الإنسان شبابُه؛ لأنه متقدِّمُ عُمره. ثم يستعار الرَّوْق للجِسم فيقال*: "أَلقَى عليه أوراقَه". والقياس في ذلك واحدٌ. فأمّا قولُ  الأعشَى:

ذاتِ غَرْبٍ تَرمِي المقدَّمَ بالرِّدْ *** فِ إذا ما تتابع الأرواقُ([27])

  ففيه ثلاثةُ أقوال:

الأوّل أنّه أراد أرواقَ اللَّيل، لا يمضي رَوْقٌ من الليل إلا يَتبَعُه رَوْق .

والقول الثاني: أنَّ الأَرْواق الأجساد إِذا تدافعَتْ في السَّير.

والثالث: أنَّ الأرواق القُرون، إنَّما أراد تزاحُمَ البقَرِ والظِّباء من الحَرِّ في الكِناس. [فمن قال هذا القولَ جعَلَ تمامَ المعنَى في البيت الذي بعده، وهو قوله([28])]:

[في مَقيلِ الكِناس([29])] إذْ وَقَدَ الحَرُّ إذا الظِّلُّ أحرزَتْه السّاقُ كأنّه قال: تتابَعَ الأرواقُ في مَقِيلها في الكِناس.

ومن الباب الرَّوَق، وهي أن تَطُول الثّنايا العُليا السُّفلَى.

ومنه فيما يُشْبه المثَل: "أكَلَ فلانٌ رَوْقه"، إذا طال عُمره حتى تحاتَّتْ أسنانُه. ويقال في الجسم: ألقى أرْواقَه على الشَّيء، إذا حَرَصَ عليه. ويقال رَوَّقَ اللَّيلُ، إِذا مَدَّ رِواقَ ظُلْمته. ويقال ألْقَى أرْوِقَتَه.

ومن الباب: ألقى فلانٌ أرواقه، إذا اشتدَّ عَدْوُه؛ لأنّه يتدافَع ويتقدَّم بجسمه. قال:

* أَلْقَيْتُ ليلَةَ خَبْتِ الرَّهْط أرْوَاقِي([30]) *

ويقال: ألْقَت السَّحابة أرواقَها، وذلك إذا ألحَّتْ بمطرها وثبتت. والرُِّوَاقُ: بيتٌ كالفُسطاط، يُحمَل على سِطاعٍ واحدٍ في وسَطِه، والجميع أرْوِقَة. وَرُِواق البيت: ما بين يدَيْه.

والأصل الآخرُ: قولهم: راقَني الشَّيءُ يرُوقني، إذا أعجبَنِي. وهؤلاء شبابٌ رُوقَة([31]). ومن الباب: روَّقت الشّرابَ: صفّيْتُه، وذلك حُسْنُه. والرَّاوُوق: المِصْفاة.

(رول)  الراء والواو واللام أصلٌ يدلُّ على لَطْخ شيءٍ بشيء. يقالَ روَّلْتُ الخُبْزَ بالسَّمن، مثل روَّغْت. والرُّوَال: بُزَاق الدّابَّة. يقال رَوَّلَ [في] مِخْلاَتِه([32]). وقريبٌ من هذا الباب رَوَّلَ الفَرسُ: أدْلَى.

(روم)  الراء والواو والميم أصلٌ يدلُّ على طلبِ الشيء. ويقال رُمْتُ الشّيءَ أَرُومُه رَوْماً. والمَرَام: المَطْلب. قال ابنُ الأعرابيّ: يقال رَوَّمتُ فلاناً وبفُلانٍ، إِذا جعلته يَرومُ [الشّيءَ([33])] ويطلبه.

(روه([34]))  الراء والواو والهاء ليس بشيء، على أن بعضهم يقول الرَّوه مصدر رَاه يروه روْهاً. قال: هي لغة يمانية. يقولون: راهَ الماءُ على وجه الأرض: اضطرب. وفي ذلك نظرٌ.

(رون)  الراء والواو والنون يدلُّ على شِدّة حَرٍّ أو صوتٍ. يقولون: يوم أرْوَنانٌ وليلةٌ أرْوَنانة، أي شديدة الحَرِّ والغَمّ. قال القُتَيبيّ: والأرْوَنانُ: الصّوت الشديد. قال الكميت:

بها حاضرٌ من غير جِنٍّ يَرُوعُه *** ولا أنسٍ ذُو أرْوَنَانٍ وذُو زَجَلْ([35])

ـــــــــــــــــ

([1]) جاءت هذه المادة مختلطة بما قبلها، مبتورة الأول. وإليك أول المادة من المجمل إلى أن تتصل بأول هذا الكلام: "راب اللبن يروب وهو رائب. وقوم روبى: خثراء الأنفس. وقد رابت نفسه تروب. والرؤبة بالهمز: خشبة يرأب بها القعب أي يشد. والروبة غير مهموزة: خميرة تلقى في اللبن ليروب. وروبة الليل: طائفة منه. أبو زيد: روبة الفرس: ماؤه في جمامه يقال....".

([2]) يعني قوله، في ديوانه 15 واللسان (3: 288):

لها منخر كوجار السباع *** فمنه تريح إذا تنبهر

([3]) فيه أربع عشرة لغة، ذكرها صاحب القاموس.

([4]) ديوان الأعشى 159 واللسان (3: 291) والحيوان (3: 442).

([5]) في اللسان: "وما في وجهه رائحة دم، من الفرق. وما في وجهه رائحة دم، أي شيء".

([6]) التفطر: التشقق والتصدع. في الأصل: "ينفطر الورق"، تحريف.

([7]) للراعي كما في اللسان (3: 294). وصدره: * وخالف المجد أقوام لهم ورق *

([8]) وفيه لغة ثالثة "لم يرح" بكسر الراء، من راح يريح.

([9]) كتب في اللسان والقاموس بهمزة فوق الألف. وفي المجمل بكسرة تحت الألف كما أثبت.

([10]) كذا، ولعل موضع هذا البيت التالي. وفي المجمل: "ويقال إن عمر رحمه الله ركب ناقة فمشت به مشياً عنيفاً فقال".

([11]) البيت في اللسان (3: 282).

([12]) الصواب أنه لصخر الغي. انظر شرح السكري للهذليين 47 ومخطوطة الشنقيطي 58.

([13]) البيت في اللسان (روح) بدون نسبة، وفي (زور) بنسبته إلى صخر الغي، وكذا عجزه مع هذه النسبة في (شفف).

([14]) من قصيدة لعبيد بن الأبرص في مختارات ابن الشجري 100-101. ولعبيد في ديوانه قصيدة حائية على هذا الوزن والروي ليس منها هذا البيت. لكنه منسوب أيضاً إليه في اللسان (هدب، شفف). والحق أنه لأوس بن حجر من قصيدة في ديوانه 4. وقبل البيت:

يا من لبرق أبيت الليل أرقبه *** في عارض كبياض الصبح لماح

([15]) ديوان الأعشى 14.

([16]) ديوان العجاج 6، ونسب في اللسان (3: 287) إلى رؤبة.

([17]) البيت من أول قصيدة للأعشى في ديوانه ص10.

([18]) نسب في اللسان (رود 71) إلى امرئ القيس. وصدره:

* وأعددت للحرب وثابة *

([19]) من شواهده قول عبد الله بن عنمة الضبي في المفضليات (2: 181):

تقول له لما رأت خمع رجله *** أهذا رئيس القوم راد وسادها

([20]) أصلها الهمز "رؤد". ويقال أيضاً "رؤدة" بالهاء، ورأد ورأدة، كلها بمعنى.

([21]) البيت للجموح الظفري، وكذا جاءت الرواية في الأصل والمجمل. والمعروف في روايته:

تكاد لا تثلم البطحاء وطأتها *** كأنها ثمل يمشي على رود

([22]) لحميد الأرقط كما في اللسان (روض) والمخصص (10: 132). وفي الأصل والمجمل والمخصص: "أجد"، والوجه ما أثبت من اللسان وأمالي ثعلب وأما "كلاهما" فقد جاء في المخصص فقط "كليهما" على اللغة المشهورة؛ إذ أنها مفعول مضاف إلى ضمير. وفي سائر المصادر "كلاهما" وهي لغة لبعضهم. وفي همع الهوامع (1: 41) عند الكلام على كلا وكلتا: "وبعضهم يجريهما معهما –أي مع الظاهر والضمير- بالألف مطلقاً".

([23]) البيت في المخصص (9: 135). ورواه في اللسان (9: 24): "وروضة سقيت منها نضوتي". والنضوة مؤنثة "النضو" بالكسر، وهو البعير المهزول.

([24]) هذه من المجمل.

([25]) في الأصل: "والرعاء"، صوابه في المجمل واللسان والقاموس.

([26]) البيت في اللسان (روغ)، والأمالي (1: 15) بدون نسبة. وهو لعبد الله بن عمر بن الخطاب وكان يحب ولده سالم بن عبد الله، وكان الناس يلومونه في ذلك فيقول هذا البيت. المعارف لابن قتيبة 80 واللسان (15: 191).

([27]) ديوان الأعشى 142.

([28]) التكملة من المجمل.

([29]) التكملة من المجمل وديوان الأعشى.

([30]) لنأبط شرا، من القصيدة الأولى من المفضليات، وصدره في المفضليات واللسان:

* نجوت منها نجائي من بجيلة إذ *

([31]) روقة يقال للمذكر والمؤنث، والمفرد والمثنى والجموع.

([32]) في المجمل: "ترول في مخلاته".

([33]) التكملة من المجمل واللسان.

([34]) كذا ورد ترتيب هذه المادة، وموضعها بعد تاليها.

([35]) البيت في اللسان (رون) والحيوان (5: 404).

 

 

ـ (باب الراء والياء وما يثلثهما)

(ريب)  الراء والياء والباء أُصَيلٌ يدلُّ على شكٍّ، أو شكٍّ وخوف، فالرَّيْب: الشّكّ. قال الله جلّ ثناؤه: {الم. ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ} [البقرة 1- 2]، أَي لا شَكَّ. ثم قال الشاعر:

فقالوا تَرَكْنَا القومَ قد حَصَِرُوا بهِ *** فلا ريْبَ أن قد كان ثَمَّ لَحِيمُ([1])

  والرَّيب: ما رابَكَ مِن أمرٍ. تقول: رابَنِي هذا الأمرُ، إذا أدخَلَ عليك شَكّاً وخَوفا. وأرابَ الرّجلُ: صارَ ذا رِيبةٍ. وقد رابَنِي أمْرُه. ورَيْب الدّهر: صُروفه؛ والقياس واحد. قال:

أَمِنَ المَنُونِ وَرَيْبِهِ تَتَوَجَّعُ *** والدّهرُ ليس بمُعْتِبٍ مَن يجزعُ([2])

فأمّا قولُ القائل:

قضَيْنَا مِن تِهامةَ كلَّ ريبٍ *** ومَكَّةَ ثُمّ أَجْمَمْنَا السُّيوفا([3])

  فيقال: إنّ الرَّيب الحاجة. وهذا ليس ببعيدٍ؛ لأنَّ طالبَ الحاجة شاكٌّ، على ما به من خوف الفَوْت.

(ريث)  الراء والياء والثاء أصلٌ واحد، يدلُّ على البُطء، وهو الرَّيثُ: خِلاف العَجَل. قال لبيد:

إنَّ تَقْوَى ربِّنا خيرُ نَفَلْ *** وبإِذْنِ اللهِ رَيْثِي وعَجَلْ([4])

  تقول منه راثَ يَرِيث. واستَرَثْتُ فلاناً* استبطأتُه. وربّما قالوا:  استَرْيَث، وليس بالمستعمَل. ويقال رجلٌ رَيِّثٌ، أي بطيء.

(ريح)  الراء والياء والحاء. قد مضى مُعظَم الكلام فيها في الراء والواو والحاء، لأنَّ الأصل ذاك، والأصل فيما نذكر آنفاً الواو أيضاً، غير أنَّا نكتب كلماتٍ لِلَّفْظ. فالرِّيح معروفة، وقد مرَّ اشتقاقها. والرَّيحان معروف. والرَّيْحان: الرِّزْق. وفي الحديث: "إِنَّ الولدَ مِنْ رَيْحان الله". والرِّيح: الغَلَبة والقُوّة، في قوله تعالى: {فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} [الأنفال 46]. وقال الشّاعر:

أتَنْظُرَانِ قليلاً ريْثَ غفلَتِهمْ *** أم تعْدُوان فإنَّ الرِّيح لِلْعادِي([5])

  وأصل ذلك كلِّه الواو، وقد مَضَى.

(ريخ)  الراء والياء والخاء كلمةٌ واحدةٌ فيها نظر. يقال رَاخَ يَريخ ريْخاً، إذا ذلَّ وانكسَر. والترييخ: وَهْيُ الشيء. وضربوا فلاناً حتى ريَّخوه. وراخَ الرجلُ يَريخ رَيخا، إذا حَار. وراخَ البعيرُ، إذا أَعْيا.

(ريد)  الراء والياء والدال كلمتان: الريْد: أنْف الجبَل. والرِّيد: التِّرب.

(رير)  الراء والياء والراء كلمةٌ واحدةٌ لا يقاس عليها ولا يفرّع منها. فالرِّير: المُخّ الفاسد، وهو الرّيْرُ والرَّار. وأرَارَ اللهُ مُخَّ هذه النّاقةِ، أي تركه رِيراً.

وحدّثَني عليُّ بن إبراهيمَ قال: سألتُ ثعلباً عن قول القائل:

* أرَارَ الله مُخَّك في السُّلامَى *

فقلت: أكذا هو، أم: أراني الله مُخَّك في السُّلامى؟ وأيُّهما أجود وأحبُّ إليك؟ فقال: كلاهما واحد. ومعنى أرَارَ أرَقَّ. والسُّلامَى: عظام الرِّجْل.

(ريس)  الراء والياء والسين كلمتانِ متفاوتٌ ما بينَهما. فالرِّياس: قائم السَّيف([6]). [قال]:

إلى بَطَلَينِ يعثران كِلاهما *** يُدِير رياس السَّيفِ والسيفُ نادرُ

  وقال آخر:

* ومِرْفَقٍ كرِيَاسِ السَّيْفِ إذ شَسَفَا([7]) *

والكلمة الأخرى: الرَّيْسُ والرَّيَسَان: التَّبختُر. قال:

* أتاهُمْ بينَ أرحُلِهمْ يَرِيسُ([8]) *

(ريش)  الراء والياء والشين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على حُسْن الحال، وما يكتسب([9]) الإنسانُ من خَيْر. فالرِّيش: الخير. والرِّياش: المال. ورِشْت فلاناً أَرِيشُه رَيشاً، إذا قُمْتَ بمصلحةِ حالِه. وهو قوله:

فرِشْني بخيرٍ طالَمَا قد بَريْتنِي *** وخَيْرُ المَوْالي مَن يَرِيش ولا يَبْرِي([10])

  وكان بعضُهم يذهب إلى أنّ الرائش الذي في الحديث في "الرّاشِي والمرتَشِي والرّائش([11])"، أنّه الذي يسعى بين الرَّاشي والمرتَشِي. وإنما سُمِّي رائشاً للذي ذكَرْناه. يقال رِشْتُ فلاناً: أنلتُه خيراً. وهذا أصحُّ القولين بقوله:

* فرِشْني بخيرٍ طالَمَا قد بريتَنِي *

وقال آخر:

فرِيشِي منكمُ وهوايَ فيكمْ *** وإن كانت زيارتُكُمْ لِماما

  وقال أيضاً:

سأشكُرُ إن ردَدْتَ إليَّ رِيشي *** وأثْبَتَّ القوادمَ في جَناحِي

  ومن الباب رِيشُ الطائر. ويقال منه رِشْت السهمَ أَرِيشَه رَيْشاً. وارتاش فلانٌ، إذا حسُنَتْ حالُه. وذكَرُوا أَنَّ الأرْيَشَ الكثيرُ شَعْر الأذُنين خاصّةً.

فهذا أصل الباب. ثم اشتُقّ منه، فقيل للرُّمح الخَوّار: رَاشٌ. وإنما سمِّيَ بذلك لأنه شُبِّه في ضَعْفِه بالرِّيش. ومنه ناقةٌ راشةُ الظَّهر، أي ضعيفة.

(ريط)  الراء والياء والطاء كلمةٌ واحدة، وهي الرَّيطة، وهي كلُّ مُلاءةٍ لم تَكُ لِفْقين؛ والجمع رَيْط ورِياط.

وحدثني أبي عن أبي نصْرٍ ابن أخْت اللَّيث بن إدريس، عن ابن السكّيت قال: يقال لكلِّ ثوبٍ رقيقٍ ليِّنٍ: رَيْطة.

(ريع)  الراء والياء والعين أصلان: أحدهما الارتفاع والعلُوّ، والآخَر الرُّجوع.

فالأوَّل الرِّيع، وهو الارتفاع من الأرض. ويقال بل الرِّيع جمعٌ، والواحدة رِيعة، والجمع رياعٌ. قال ذو الرمة:

* طراقُ الخوافِي مُشْرِفاً فوقَ رِيعةٍ([12]) *

ومن الباب الرِّيع: الطريق. قال الله تعالى: {أَتَبْنُونَ بكلِّ رِيعٍ آيةً تَعْبَثُونَ}* [الشعراء 128]. فقالوا: أراد الطريق. وقالوا: المرتفع من الأرض.

ومن الباب الرَّيْع، وهو النَّماء والزيادة. ويقال إنّ رَيْع الدُّروع: فضول أكمامها وأَراعَت الإبلُ: نمَتْ وكثُر أولادُها ورَاعت الحِنطةُ: زَكَت. ويقولون إنّ ريع البِئر ما ارتفع من حَواليها. ورَيْعانُ كلِّ شيء: أفضلُه وأوّلُه.

وأما الأصل الآخر فالرَّيع: الرُّجوع إلى الشيء. وفي الحديث: "أن رجلاً سأل الحسنَ عن القَيء للصائم، فقال: هل راعَ مِنه شيءٌ" أراد: رجع. وقال:

طَمِعْتَ بليلَى أن تَريعَ وإنما *** تُقطِّع أعناقَ الرِّجال المطامعُ([13])

  (ريف)  الراء والياء والفاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على خِصْب. يقال أرَافَتِ الأرضُ. وأرْيَفْنا، إذا صِرْنا إلى الرِّيف. ويقال أرضٌ رَيِّفَةٌ، من الرِّيف. ورافت الماشيةُ: رعت الرِّيف.

(ريق)  الراء والياء والقاف، وقد يدخل فيه ما كان من ذوات الواو أيضاً، وهو أصلٌ واحد يدلُّ على تردُّد شيءٍ مائعٍ، كالماء وغيرِه، ثم يشتقّ من ذلك. فالتريُّق: تردُّد الماءِ على وجه الأرض. ويقال: راقَ السّرابُ فوقَ الأرض رَيْقا.

ومن الباب رِيق الإنسانِ وغيرِه. والاستعارة من هذه الكلمة، يقولون رَيِّقُ كلِّ شيءٍ: أوّله وأفضلُه. وهذا ريِّق الشراب، وريِّق المطر: أوّله. ومنه قول طرفة:

* وأَعْجَلَ ثَيِّبَهُ رَيِّقِي([14]) *

وقد يخفّف ذلك فيقال رَيْق. وينشد بيتُ البعيث كذا:

مدَحْنا لها رَيْقَ الشّباب فعارضَتْ *** جَناب الصِّبا في كاتِمِ السِّرِّ أَعْجَمَا([15])

  وحكى ابنُ دريد([16]): أكلت خبزاً رَيْقاً: بغير أُدْم. وهو من الكلمة، أي إنه هو الذي خالط ريقي الأوّل. والماء الرائِق: أن يشرب على الرِّيق غداةً بلا ثُفْل. قال: ولا يقال ذلك إلاّ للماء. ومن الباب الرائق: الفارغ؛ وهو منه، كأنَّه على الرِّيق بَعْدُ. وحكى اللِّحيانيّ: هو يَرِيق بنفسه رُيوقاً، أي يَجُود بها، وهذا من الكلمة الأولى؛ لأنَّ نَفَسه عند ذلك يتردَّد في صدره.

(ريم)  الراء والياء والميم كلماتٌ متفاوتة الأصول، حتى لا يكاد يجتمع منها ثِنتانِ واشتقاقٌ واحد. فالرَّيْم: الدَّرَج([17]). يقال اسْمُكْ في الرَّيْم، أي اصْعَد الدَّرَج([18]): والرَّيْم: العظم الذي يَبقَى بعد قِسمة الجَزُور. والرَّيْم: القَبْر. والرَّيْم: السّاعة من النّهار. ويقال رِيمَ بالرّجُل، إذا قُطِع به. قال:

* ورِيمَ بالسَّاقي الذي كان مَعِي([19]) *

قال ابن السكّيت: رَيَّمَ بالمكان: أقام به. ورَيَّمَتِ السَّحابة وأغْضَنَت، إذا دامت فلم تُقْلِع. ولا أرِيمُ أفعل كذا، أي لا أبرَح. والرَّيْم: الزِّيادة؛ يقال: لي عليك رَيْمُ كذا، أي زيادة.

(رين)  الراء والياء والنون أصلٌ يدلُّ على غِطاء وسَتْر. فالرَّيْن: الغِطاء على الشيء. وقد رِينَ عليه، كأنّه غُشِي عليه. ومن هذا حديث عمر: "أَلاَ إِن الأُسَيفِعَ أُسَيْفِعَ جُهَيْنَة، رضِيَ مِن دِينه بأن يقال سَبَقَ الحاجّ، [فادّانَ مُعْرِضاً([20])]، فأصبَحَ قد رِينَ به" يريد أنّه مات. وران النُّعاسُ يَرِين. ورانَت الخْمرُ عَلَى قلبه: غَلَبَتْ. ومن الباب: رانَتْ نفسي تَرِين، أي غَثَتْ. ومنه أرَانَ القومُ فهم مُرِينُونَ، إذا هَلَكت مواشِيهم. وهو من القياس؛ لأنَّ مواشيهم، إذا هلكت فقد رِينَ بها.

(ريه)  الراء والياء والهاء كلمةٌ من باب الإبدال. يقال تَرَيَّه السَّحابُ، إذا تَرَيَّع. وإنّما الأصل بالواو: تروَّهَ وقد مضى.

ــــــــــــــــ

([1]) لساعدة بن جؤية في ديوانه 232 واللسان (حصر، لحم). حصروا به، بفتح الصاد: أحاطوا به. وروى السكري: "حصروا به" بكسر الصاد، أي ضاقوا به.

([2]) لأبي ذؤيب الهذلي، وهو مطلع أول قصيدة له في ديوانه. المفضليات (2: 221).

([3]) لكعب بن مالك الأنصاري، في اللسان (ريب)، وقصيدته في السيرة 870 جوتنجن.

([4]) مفتح قصيدة له في ديوانه 11 طبع 1881.

([5]) يروى لتأبط شراً، وللسليك بن السلكة، ولأعشى فهم. انظر اللسان (3: 283).

([6]) هو مسهل المهموز "رئاس"، وهو في سائر المعاجم في مادة (رأس). وفي اللسان (7: 397) نص ابن سيده على الشك في الكلمة، أهي يائية الأصل، أم مخففة من المهموز.

([7]) لابن مقبل في اللسان (رأس، شسف). وصدره: * ثم اضطغنت سلاحي عند مغرضها *

([8]) لأبي زبيد الطائي، في اللسان (ريس). وصدره فيه:

* فلما أن رآهم قد تدانوا *     وصدره في الجمهرة (2: 340):

* قصاقصة أبو شبلين ورد *

([9]) في الأصل: "يكتسي".

([10]) نسب في اللسان (ريش) إلى عمير بن حباب، وفي تاج العروس إلى سويد الأنصاري؛ وهو الصواب كما في البيان 4: 66. وفي الأصل: "وشر الموالي"، تحريف.

([11]) أول الحديث: "لعن الله...".

([12]) عجزه كما في ديوانه 400 واللسان (ربع 499). * ندى ليله في ريشه يترقرق *

([13]) البيت للبعيث كما في اللسان (ريع 498). وأنشده في المجمل.

([14]) ثيبه: ما يثوب عنه ويرجع. وفي الأصل: "ثنية"، صوابه في الديوان 16، وصدره:

* فساورته فاستلبت الخشيب *

([15]) ورد البيت بنسبته إلى البعيث في (ورق 425) وجاء في (ريق 429) منسوباً إلى لبيد خطأ، وليس في ديوانه.

([16]) في الجمهرة (2: 411).

([17]) في اللسان والقاموس: "الدرجة". قال ابن منظور: "والريم: الدرجة والدكان. يمانية".

([18]) في اللسان (سمك): "ويقال اسمك في الريم، أي اصعد في الدرجة".

([19]) البيت في المجمل واللسان (ريم).

([20]) أي استدان معرضاً عن الأداء. وهذه التكملة من اللسان.

 

 

ـ (باب الراء والهمزة وما يثلثهما)

(رأد)  الراء والهمزة والدال أُصَيلٌ يدلُّ على اضطرابٍ وحركة. يقال امرأة رَأْدةٌ* ورُؤْد، وهي السَّريعة الشَّباب لا تَبْقَى قَمِيئَة. وهو الذي ذكرناه في الحركة. والرَّأْد والرُّؤْد: أصل اللّحْي. ورأْد الضُّحى: ارتفاعه. يقال تَرَأَّدَ([1]) الضُّحى وتراءَدَ. وترأّدت الحيّة: اهتَزّت في انسيابها. وكان الخليل يقول: الرِّئْد: مهموز: التِّرْب.

(رأس)  الراء والهمزة والسين أصلٌ يدل على تجمُّعٍ وارتفاع.

فالرَّأْس رأسُ الإنسانِ وغيرِه. والرأس: الجماعة الضخمة في قول ابن كُلثوم:

بِرأسٍ من بني جُشَمِ بنِ بكرٍ *** نَدُقُّ به السُّهولَةَ والحُزُونا([2])

  والأَرْأَسُ: الرّجُل العظيم الرأْس. ويقال بعيرٌ رَؤُوسٌ([3])، إِذا لم يَبْقَ لـه طِرْقٌ إلاّ في رأسه. وشاة رأْساءُ، إذا اسودَّ رأسُها. والرَّئيس: الذي قد ضُرِب [رأسُه]. ويقال سحابةٌ رائِسة، وهي التي تَقْدُم السَّحابَ. ويقال أنت على رئاس أمرك. والعامّة تقول: على رَأْس أمرك.

(رأف)  الراء والهمزة والفاء كلمةٌ واحدة تدلُّ على رِقّة ورحمة، وهي الرّأفة. يقال رَؤُفَ يَرْؤُف رأْفةً ورآفة، على فَعْلةٍ وفَعَالة. قال الله جلّ وعلا:{وَلاَ تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ} [النور 2]، وقرئت: {رَآفَةٌ([4])}، ورجل رؤوف على فَعُول، ورَؤُف [على] فَعُل. قال في رؤوف:

* هو الرَّحمنُ كان بنا رؤُوفا *([5])

وقال في الرؤف:

يرى لِلمسلمينَ عليه حقّاً *** كفِعل الوالدِ الرَّؤُفِ الرّحيمِ([6])

  (رأل)  الراء والهمزة واللام كلمةٌ واحدة تدلُّ على فِراخ النعام، وهي الرَّأْل، والجمع رئَال، والأنثى رألَةٌ. واسْتَرْأل النّبات، إذا طال وصار كأعناق الرِّئال. وذات الرِّئال: روضة. والرِّئال: كواكب([7]).

(رأم)  الراء والهمزة والميم أصلٌ يدل على مُضامَّةٍ وقُرْب وعَطْفٍ. يقال لكل مَن أحبَّ شيئاً وأَلِفَه: قد رَئِمَه. وأصلُه مِن قولهم: رَأَم الجُرْحُ رئْماناً([8])، إذا انضمّ فُوه للبُرْء. وقال الشَّيباني: رأَمْت شَعْبَ القَدَح، إذا أصلحتَه. وأنشد:

وقتْلي بحقْفٍ من أُوارةَ جُدِّعتْ *** صَدَعْنَ قُلوباً لم تُرأَّمْ شُعوبُها([9])

  والرُّؤمة: الغِراء الذي يُلزَق به الشَّيء. والرَّأْم: بَوٌّ أو ولدٌ تعطف عليه غير أمِّه. وقد رئِمت النّاقةُ رِئْمَاناً. وأرأمْناها، عطفْناها على رَأْمٍ. والناقة رؤومٌ ورائمة([10]).

(رأي)  الراء والهمزة والياء أصلٌ يدلُّ على نظرٍ وإبصارٍ بعينٍ أو بصيرة. فالرَّأي: ما يراه الإنسانُ في الأمر، وجمعه الآراء. رأَى فلانٌ الشيءَ وراءهُ، وهو مقلوبٌ. والرِّئْيُ: ما رأت العينُ مِن حالٍ حسنة. والعرب تقول: رَيْتُهُ في معنى رأيْته وتراءَى القوم، إذا رأى بعضهم بعضاً. وراءى فلانٌ يُرائي. وفَعَل ذلك رِئاءَ النّاس، وهو أن يَفعلَ شيئاً ليراه النّاس. والرُّوَاء: حُسن المنْظَر. والمِرآة معروفة. والتَّرْئيَة وإن شئتَ ليَّنتَ الهمزة فقلت التَّرِيّة: ما تراه الحائضُ من صُفْرةٍ بعد دمِ حيضٍ، أو أن ترى شيئاً من أمارات الحيض قبلُ. والرُّؤْيا معروفة، والجمع رُؤىً.

(رأب)  الراء والهمزة والباء أصلٌ واحد يدلُّ على ضمٍّ وجَمع. تقول: رأبت الأمورَ المتفرِّقة؛ إذا أنت جمعتَها برِفْقِك، كما يرأبَ الشَّعَّابُ صَدْعَ الجَفْنة. وتلك  الخشبةُ التي يُشعَب بها رُؤْبة.

ـــــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: "رداء، وفي المجمل: "راد"، صوابهما ما أثبت.

([2]) البيت من معلقة عمرو بن كلثوم.

([3]) على وزن صبور، كما في القاموس. ويقال أيضاً في معناه: مرأس ومرآس، كمعظم ومصباح.

([4]) هي قراءة ابن جريج، ورويت عن عاصم وابن كثير. تفسير أبي حيان (6: 429).

([5]) لكعب بن مالك الأنصاري، في اللسان (رأف). وصدره: * نطيع نبينا ونطيع ربا *

([6]) لجرير في ديوانه 507 واللسان (رأف). وكلمة "عليه" ساقطة من الأصل. وهكذا جاءت الرواية في اللسان. وصوابه بالخطاب:

ترى للمسلمين عليك حقا *** كفعل الوالد الرؤف الرحيم

 ([7]) انظر الأزمنة والأمكنة للمرزوقي (2: 383).

([8]) في الأصل: "رئما"، صوابه من المجمل واللسان، ويقال "رأما" أيضاً.

([9]) البيت في اللسان (رأم) وأمالي ثعلب 575.

([10]) ورائم أيضاً يطرح التاء.

 

 


ـ (باب الراء والباء وما يثلثهما)

(ربت)  الراء والباء والتاء ليس أصلاً، لكنَّه من باب الإبدال يقال ربَّتَه تَرْبيتاً، إذا ربَّبَه. قال:

والقَبْرُ صِهْرٌ صالحٌ زِمِّيتُ *** ليس لمن ضُمِّنَه تَرْبيتُ([1])

  (ربث)  الراء والباء والثاء أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على اختلاطٍ واحتباسٍ. تقول ربّثْْتُ فلاناً أرَبِّثُه عن الأمر، إذا حبَستَه عنه. والرَّبِيثة: الأمر يَحبِسك. وفي الحديث: "إذا كان يوم الجمعة بعثَ إبليسُ جنودَهُ إلى النَّاس فأخَذُوا عليهم بالرّبائث". يريد ذكَّروهم الحاجاتِ* التي تربِّثهم. ويقال اربَثَّ القومُ، إذا اختلطوا. قال:

* رَمَيناهمُ حتَّى إذا اربَثَّ جَمعُهمْ([2]) *

(ربج)  الراء والباء والجيم كلمةٌ واحدة، إن صحَّتْ؛ تدلُّ على التحيُّر. قال الخليل: التَّربُّج: التَّحيُّر. قال:

* أتيْتُ أَبَا لَيْلَى وَلَمْ أَتَرَبَّجِ([3]) *

ويقال، وهو قريبٌ من ذلك، إن الرَّباجَة الفَدَامة.

(ربح)  الراء والباء والحاء أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على شَِفٍّ في مبايعة([4]). من ذلك رَبِح فلانٌ في بَيعِه يَرْبَح، إذا استشَفَّ. وتجارةٌ رابحة: يُربَح فيها. يقال رِبْح ورَبَح، كما يقال مِثْلٌ ومَثَل. فأمَّا قول الأعشى:

* مِثْلَ ما مُدَّ نِصاحاتُ الربَحْ([5]) *

فقال قوم النِّصاحات الخَيوط، وهي الأَرْوِيَةُ([6]). والرَّبَح: الخَيل والإِبلُ تُجلَب للبيع والتربُّح. فأمَّا قولُه:

* قَرَوْا أضْيافَهُمْ رَبَحاً بِبُحٍّ([7]) *

فقال ابنُ دريد: ومما شذّ عن الباب الرُّبَّاح، يقال إنّه القِرْد([8]).

(ربخ)  الراء والباء والخاء أُصَيْلٌ يدلُّ على فترةٍ واسترخاء. قالوا: مَشَى حَتَّى تربّخ، أي استرخَى. ويقولون للكثير اللَّحم: الرَّبِيخ. ويقال إن الرَّبُوخ: المرأةُ يُغْشَى عليها عند البِضاع.

(ربد)  الراء والباء والدال أصلان: أحدهما لونٌ من الألوان، والآخر الإقامة.

فالأوَّل الرُّبْدة، وهو لونٌ يخالط سوادَه كُدرةٌ غير حَسَنة. والنّعامةُ رَبْداء. ويقال للرَّجُل إذا غَضِب حتى يتغيَّرَ لونُه ويَكْلَفَ: قد تَرَبَّد.وشاةٌ رَبْداء، وهي سوداء ُ منقطَّةٌ بحمرةٍ وبياض. والأَرْبَد: ضربٌ من الحيات خبيثٌ، له رُبْدَةٌ في لونه. وربَّدَتِ الشَّاةُ، وذلك إذا أضرعَتْ، فترى في ضَرْعها لُمَعَ سوادٍ وبياض. ومن الباب قولُهم: السّماء متربِّدة، أي متغيِّمة. فأما رُبَْد السَّيف فهو فِرِنْدُ دِيباجتِه، وهي هُذَليَّة. قال:

وصَارِمٌ أُخْلِصَتْ خَشِيبَتُهُ *** أبْيَضُ مَهْوٌ في متنهِ رُبَدُ([9])

  ويمكن ردُّه إلى الأصل الذي ذكرناه. فيقال([10]):

وأمَّا الأصلُ الآخَر فالمِرْبَد: موقِف الإبل؛ واشتقاقه مِن رَبَدَ، أي أقام. قال ابنُ الأعرابي: رَبَدَه، إذا حبسه. والمِرْبَد: البَيْدَر أيضاً. وناسٌ يقولون: إنَّ المِرْبَد الخشبة أو العصا تُوضَع في باب الحَظيرة تعترض صُدورَ الإِبل فتمنعها من  الخروج. كذا رُوِيَتْ عن أبي زيد. وأحسِبُ هذا غلطاً، وإِنما المِرْبَد مَحبِس النَّعَم. والخشبة هي عصا المِرْبَد. ألا ترى أنَّ الشَّاعرَ أضافَها إلى المِرْبَد، فقال سُوَيد بن كُراع:

عَوَاصِيَ إِلاّ ما جعَلْتُ وراءَها *** عَصَا مِرْبَدٍ تَغْشَى نُحُوراً وأذرُعا([11])

  (ربذ)  الراء والباء والذال أصلٌ يدلُّ على خِفّةٍ في شيءٍ. من ذلك الرَّبَذُ، وهو خِفَّة القَوائم. والخفيفُ القوائِمِ رَبِذٌ. ومن الباب الرِّبْذَة، وهي صوفةٌ يُهْنَأ بها البعير. ويقال إِنّ خِرقة الحائض تسمَّى رِبْذَة. وقال بعضُهم: الرِّبْذة الخِرقة التي يَجلُو بها الصائغ الحَلْي. فأمَّا الرَّبذُ فالعُهون التي تعلَّق في أعناق الإبل، الواحدة رَبَذَة. والقياس في كُلّه واحد. وهو يرجع إلى ما ذكرناه من الخِفَّة.

ومما يقرُب من هذا قولُهم: إنّ فلاناً لَذُو رَبِذَاتٍ، أي هو كثير السَّقَط في الكلام. ولا يكونُ ذلك إلا مِن خفَّةٍ وقلَّة تثبُّت.

(ربس)  الراء والباء والسين أصلٌ واحد ذكره ابن دريد؛ قال([12]): أصل الرَّبْس الضَّرْب باليدين. يقال أصل الرَّبْس الضَّرب؛ يقال ربَسَه بيديه. قال: ويقولون: داهيةٌ رَبْساء. أي شديدة. وهي على الأصل الذي ذكرناه وكأنها تَخْبِط الناسَ بيديها.

وذكر غيرُه، وهو قريبٌ من الذي أصَّلَه، أنّ الارتباسَ الاكتنازَ في اللحم وغيرِه؛ يقال كبشٌ ربيسٌ* أي مكتنز.

ومما شذَّ عن ذلك قولُهم: اربسَّ اربِساساً، إذا ذهب في الأرض.

(ربص)  الراء والباء والصاد أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الانتظار. من ذلك التربُّص. يقال تربَّصْت به. وحكى السجِستانيّ: لي بالبصرة رُبْصة، ولي في متاعي رُبْصة، أي لي فيه تربُّص.

(ربض)  الراء والباء والضاد أصلٌ يدلُّ على سكونٍ واستقرار.

من ذلك رَبَضَتِ الشاة وغيرها تَرْبِض رَبْضا. والرَّبيض: الجماعةُ من الغَنم الرَّابضة ورَبَض البطنِ: ما ولِيَ الأرضَ من البعيرِ وغيره حين يَرْبِضُ. والرَّبَض: ما حَولَ المدينة؛ ومسكن كلِّ قومٍ رَبَض. والرِّبْضة: مَقتل كلِّ قومٍ قُتلوا في بُقْعَةٍ واحدة.

فأمّا قولُهم قِرْبَةٌ([13]) رَبوضٌ، للواسعة، فمن الباب، كأنّها تُمْلأُ فتَرْبِضُ، أو تُروِي فتُرْبِض. فأما الرَّبوض فهي الدَّوْحة والشجرةُ العظيمة، وسميت بذلك لأنه يُؤوَى إليها ويُرْبَض تحتها. قال ذو الرمة:

* تَجَوَّفَ كُلَّ أرطاةٍ ربوضٍ([14]) *

والأرباض: حِبال الرَّحْل؛ لأنّها يشد بها فيسكن. ومأوى الغنم: رَبَضها؛ لأنّها تربض [فيه]. وقال قوم: أرْبَضَتِ الشمس، إذا اشتدَّ حَرُّها، حتى تُرْبِض الشاةَ والظبي. ورَبْضُ الرّجُل ورُبْضُه([15]): امرأته؛ والقياس مطّرد، لأنها سَكَنُه. والدّليل على صحة هذا القياس أنَّهم يُسَمُّون المسكن كله رَبضاً. وقال الشاعر:

جاء الشِّتاءُ ولَمَّا أتَّخِذْ رَبَضاً *** يا ويحَ كَفِّيَ من حَفْرِ القَرامِيصِ([16])

  فأما الرُّوَيْبِضَة، الذي جاء في الحديث: "وتنطِق الرُّوَيْبِضَة" فهو الرجُل التافِه الحقير. وسمِّي بذلك لأنه يَربِض بالأرض؛ لقلّته وحقارته، لا يُؤبه له.

(ربط)  الراء والباء والطاء أصلٌ واحدٌ يدلُّ على شدٍّ وثَبات. من ذلك رَبَطت الشيء أربِطه ربْطاً؛ والذي يشدُّ به رِباط.

ومن الباب الرِّباط: ملازمة ثَغْرِ العدوّ، كأنهم قد رُبِطوا هناك فثَبَتوا به ولازَموه. ورجل رابطُ الجأش، أي شديد القَلْب والنَّفْس. قال لبيد:

رابطُ الجأشِ عَلَى فَرْجِهِمُِ *** أعطِفُ الجَوْن بمَرْبُوع مِتلّ([17])

وقال ابن أحمر:

أربَط جأشاً عن ذرى قومِهِ *** إِذا قَلَّصَتْ عما تُوَارِي الأُزُرْ

  ويقال ارتبطتُ الفَرسَ للرِّباط. ويقال إنّ الرِّباط من الخَيل الخَمْس من الدوابِّ فما فوقَها. ولآلِ فُلانٍ رِباطٌ من الخيل، كما يقال تِلاد([18])، وهو أصل ما يكون عندَه من خَيل. قالت ليلى الأخيليّة:

قومٌ رِباطُ الخَيْلِ وَسْطَ بُيوتِهمْ *** وأسِنّةٌ زُرْقٌ يُخَلْنَ نُجومَا

  ويقال: قطع الظَّبْيُ رِباطَه، أي حِبالَتَه. وذكر عن الشَّيبانيّ: ماءٌ مترابِط، أي دائمٌ لا يَبرح. قالوا: والرَّبيط: لقب الغَوْث بن مُرّ([19]). فأمّا قولُهم للتّمر رَبِيطٌ، فيقال إنه الذي يَيْبَس فيصبُّ عليه الماء. ولعل هذا من الدَّخيل، وقيل إنه بالدال، الرَّبيد، وليس هو بأصل.

(ربع)  الراء والباء والعين أصولٌ ثلاثة، أحدها جزءٌ من أربعة أشياء، والآخر الإقامة، والثالث الإشالة والرَّفْع.

فمَّا الأوَّل فالرُّبْع من الشيء. يقال رَبَعْتُ القومَ أرْبَِعهم، إذا أخَذْتَ رُبْعَ أموالِهم ورَبَعتُهْم أربَُِعهم([20])، إذا كنت لهم رابعاً. والمِرْباع من هذا، وهو شيءٌ كان يأخذه الرئيس، وهو رُبع المَغْنَم. قال عبد الله([21]) بن عَنمة الضّبّي:

لك المِرْباع منها والصفايا *** وحُكمك والنَّشيطة والفضولُ([22])

  وفي الحديث: "لَمْ أجْعَلْك تَرْبَُِع"، أي تأخذ المِرْباع. فأما قول لبيد:

* أعطِفُ الجَوْنَ بمربُوعٍ مِتَلّ([23]) *

قولان: أحدهما أنه أراد الرُّمح وهو الذي ليس بطويل ولا قصير، كما يقال رجل رَبْعَة من الرِّجال. ومَن قال هذا القولَ ذهب إلى أنّ الباء بمعنى مع، كأنه قال: أعطف الجونَ - وهو فرسه- ومعي مربوعٌ مِتَلٌّ. وقياس الرَّبْعَة* من الباب الثاني. والقولُ الثاني أنّه أراد عِناناً على أربع قُوىً. وهذا أظهرُ الوجهين. ومن الباب رَبَاعِيَاتُ الأسنان ما دون الثَّنايا. والرِّبع في الحمَّى والوِرْدِ ما يكون في اليوم الرابع، وهو أن تَرِد يوماً وتَرعى يومَين ثم تردَ اليومَ الرابع. ويقال: رَبَعت عليه الحُمّى وأرْبَعت. والأربِعاء على أفعِلاء؛ من الأيّام. وقد ذُكر الأرْبَعاء بفتح الباء([24]). ومن الباب الرَّبيع، وهو زمانٌ من أربعة أزمنة والمَرْبَعُ: مَنزِل القَوم في ذلك الزمان. والرُّبَع: الفصيل يُنتَج في الربيع. وناقةٌ مُرْبِع، إذا نُتِجت في الربيع؛ فإن كان ذلك عادتَها فهي مِرباع. ومن الباب أرْبَعَ الرّجُل، إذا وُلد له في الشباب، وولده رِبْعيُّون.

والأصل الآخر: الإقامة، يقال رَبَعَ يَرْبَع. والرَّبْع: مَحَلَّة القوم. ومن الباب: القومُ على رَبِعَاتهم، أي على أمورهم الأُوَل، كأنه الأمرُ الذي أقامُوا عليه قديماً إلى الأبد. ويقولون: "ارْبَع على ظَلْعك" أي تمكَّثْ وانتظِرْ. ويقال: غَيْثٌ مُرْبِعٌ مُرْتِع. فالمُرْبِع: الذي يَحبِس مَن أصابَه في مَرْبَعِه عن الارتيادِ والنُّجْعة. والمُرْتِع: الذي يُنْبِتُ ما تَرتَعُ فيه الإبل.

والأصل الثالث: رَبَعْتُ الحجر، إِذا أشَلْتَه([25]). ومنه الحديث: "أنَّه مَرّ بقوم يَربَعُون حَجَراً"، و"يرتبعون". والحجر نفسه رَبِيعةٌ. والمِرْبَعة: العصا التي تُحمَل بها الأحمال حتَّى تُوضَعَ على ظُهور الدوابّ. وأنشد:

أيْنَ الشِّظاظانِ وأيْنَ المِرْبَعة *** وأيْنَ وَسْقُ النّاقةِ المطَبَّعَهْ([26])

  الشِّظاظان: العودان اللذان يُجعَلان في عُرَى الجُوالِق. والمطبَّعة: المُثْقَلة.

والوَسْق: الحِمْل. ويقال الرَّبيعة: البَيضة من السِّلاح. ويقال رابَعَنِي فلانٌ، إذا حمل معك الحِمْل بالمِرْبَعة.

ومما شذّ عن الأصول الرَّبْعَة، وهي المسافة بين أثافِي القِدر.

(ربغ)  الراء والباء والغين كلمة واحدة إِنْ صحّت. يقولون ربيعٌ رابغ، أي خَصيب؛ حُكِيَتْ عن أبي زيد. وحُكي عن ابن دُريد([27]): الرَّبْغ التراب المُدَقَّق([28]).

(ربق)  الراء والباء والقاف أصلٌ واحد، وهو شيءٌ يدور بشيء. كالقِلادة في العنق، ثم يتفرَّع. فالرِّبْقة: الخيط في العنُق. وفي كلامهم: "ربَّدَتِ([29]) الضَّأن فربِّق رَبّق": إِذا أضرَعَ الشاءُ فهيِّئ الرِّبَق لأولادها، فإنها تُنزِل لبنَها عند الوِلادة([30]). والرَّبيقة: البَهيمة المربوقة في الرِّبْقة. وجاء في الحديث: "لكمُ الوفاءُ بالعَهد مالم تأكلوا الرِّباق"، وهو جمع رِبق، وهو الحَبْل، وأراد العهد. شبّه ما لزِم الأعناقَ بالرِّبْق الذي يجعل في أعناق البَهْم. ويقال: رَبَقْتُ فلاناً في هذا

الأمر، إِذا أوقعتَه فيه([31]) حتّى ارتَبَق. وأمُّ الرُّبَيْق: الداهية، كأنّها تدور بالناس حتّى يرتبِقوا فيها.

(ربك)  الراء والباء والكاف كلمةٌ تدلُّ على خَلْطٍ واختلاط. فالرَّبْك: إصلاح الثريد وخلطه. ويقال له حين يُفعل به ذلك الرَّبيكة. ويقال ارتبك في الأمر، إذا لم يكد يتخلص منه.

(ربل)  الراء والباء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على تجمُّع وكثرةٍ في انضمام. يقال رَبَل القومُ يَرْبُلون. والرّبيلة: السِّمَن. قال الشاعر([32]):

ولم يَكُ مثلوجَ الفؤادِ مُهبَّجاً *** أضاعَ الشَّبابَ في الرَّبيلةِ والخَفْضِ

  ومن الباب الرَّبَْلَة: باطن الفخذ، والجمع الرَّبَلات. وامرأةٌ مُتَرَبِّلة([33]): كثيرة اللحم؛ وقد تربَّلتْ. والاسم الرَّبَالة.

وممّا يقارب هذا البابَ الرَّبْل، وهو ضروبٌ من الشجر، إذا بَرَدَ الزّمانُ عليها وأدبَرَ الصيف، تفَطَّرَتْ بورقٍ أخضرَ مِن غير مطر. يقال تربَّلت الأرض. ومِن الذي يقارب هذا: الرِّئبال، وهو الأسد؛ سمِّي بذلك لتجمُّع خلقه.

(ربن)  الراء والباء والنون إن* جُعِلت النونُ فيه أصليّةً فكلمةٌ واحدة، وهي الرُّبَّان. يقال أخَذْتُ الشّيء برُبَّانِهِ، أي بجميعه. وقال آخَرون: رُبّان كُلِّ شيءٍ: حِدْثانُه. وقال ابنُ أحمر:

وإنّما العَيْش برُبّانِهِ *** وأنتَ من أفْنَانِه مُعْتَصِرْ([34])

  يريد برُبّانِه: بجِدَّتِه وطَراءَته.

(ربي/أ)  الراء والباء والحرف المعتل وكذلك المهموز منه يدلُّ على أصلٍ واحد، وهو الزِّيادة والنَّماء والعُلُوّ. تقول مِن ذلك: ربا الشّيءُ يربُو، إذا زاد. وربَا الرّابيةَ يَربُوها، إذا علاها. ورَبَا: أصابه الرَّبْو؛ والرَّبْو: علُوُّ النفَسِ. قال:

حَتَّى عَلاَ رأسَ يَفاعٍ فَرَبَا([35]) *** رفَّهَ عن أنفاسِها وما ربَا

  أي رَبَاها وما أصابه الرَّبو.

والرَّبوة والرُّبْوة ([36]): المكانُ المرتفع. ويقال أرْبَت الحنطة: زَكَتْ، وهي تُرْبِي. والرِّبْوة بمعنى الرَّبْوة أيضاً. ويقال ربَّيْتُهُ وتربَّيْتُه، إذا غذَوْته. وهذا مِمّا([37]) يكون على معنيين: أحدهما مِن الذي ذكرناه، لأنّه إذا رُبِّي نَما وزكا وزاد. والمعنى الآخر مِن ربّيْته من التَّربيب. ويجوز [أن يكون أصل] إحدى الباءات ياءً. والوجهان جيِّدان.

والرِّبا في المال والمعاملة معروف، وتثنيته رِبَوَان ورِبَيَان([38]). والأُرْبِيَّة من هذا الباب، يقال هو في أُرْبِيَّة قَومِه، إذا كان في عالي نسبِه من أهل بيته. ولا تكون الأُرْبِيّة في غيرهم. وأنشد:

وإني وَسْطَ ثعلبَةَ بنِ غَنْمٍ *** إلى أُرْبِيَّةٍ نبتَتْ فُروعا([39])

  والأُرْبِيَّتَانِ: لَحمتان عند أصول الفخذِ من باطن. وسُمِّيتا بذلك لعُلُوّهما على ما دونهما.

وأما المهموز فالمربَأ والمَرْبَأة من الأرض، وهو المكان العالي يقف عليه عَينُ القَوم. ومَربأة البازِي: المكانُ يقف عليه. قال امرؤ القيس:

وقد أغتدِي ومعي القَانِصانِ *** وكلٌّ بمَرْبَأةٍ مُقْتَفِرْ([40])

  وأنا أربأ بك عن هذا الأمر، أي أرتفِع([41]) بك عنه. وذكر ابن دريد: لفُلانٍ على فُلانٍ رَبَاء، ممدود، أي طَوْلٌ([42]). قال أبو زيد: رَابَأْتُ الأمرَ مُرابأةً، أي حَذِرْتُه واتَّقَيْتُه. وهو من الباب، كأنّه يرقُبه. قال ابن السِّكِّيت: ما ربأتُ رَبْأََ فُلانٍ، أي ما علِمتُ به. كأنّه يقول: ما رقَبته. ومنه: فعل فِعلاً ما ربأتُ به، أي ما ظننتُه.

والله أعلم بالصواب.

ـــــــــــــــــــ

([1]) أنشدهما في اللسان (ربت، رمت)، وقبله في (زمت):

* سميتها إذ ولدت "تموت" *

([2]) البيت لأبي ذؤيب في ديوانه 85 والمجمل واللسان ربث، رصع، نهي). وعجزه:

* وصار الرصيع نهية للحمائل *

([3]) أنشد في اللسان (ربج) لأبي الأسود العجلي:

وقلت لجاري من حنيفة سر بنا *** نبادر أبا ليلى ولم أتربج

    والبيت بدون نسبة في المخصص (12: 128)، وعجزه في المجمل كما هنا.

([4]) الشف، بالكسر قد يفتح: الفضل والربح والزيادة.

([5]) صدره كما في ديوان الأعشى 163 واللسان (نصح، ربح):

* فترى الشرب نشاوى كلهم *

لكن في اللسان: "فترى القوم" وهي رواية المخصص (4: 101).

([6]) الأروية: جمع رواء، ككساء، وهو حبل يشد به المتاع على البعير.

([7]) لخفاف بن ندبة كما سبق في حواشي (بح1: 174). وعجزه:

* يعيش بفضلهن الحي سمر *

([8]) الذي في الجمهرة (1: 220): "والرباح ولد القرد والجمع ربابيح".

([9]) لصخر الغي الهذلي كما في اللسان (مها، ربد). وسيعيده في (مها). وقصيدته في شرح السكري للهذليين (12) ومخطوطة الشنقيطي 55. وقبل البيت:

إني سينهى عني وعيدهم *** ببض رهاب ومجنأ أجد

([10]) كذا وردت هذه الكلمة. والظن أنها مقحمة.

([11]) البيت بدون نسبة في اللسان (ربد). وورد في أبيات منسوبة إلى سويد بن كراع. البيان (2: 12) برواية: "جعلت أمامها".

([12]) الجمهرة (1: 255).

([13]) قربة، بالباء، كما في الأصل والمجمل والتفسير بعدها يؤيدها. وفي اللسان (9: 11): "وقرية ربوض" عظيمة مجتمعة. وفي الحديث أن قوماً من بني إسرائيل باتوا بقرية ربوض... وقربة ربوض واسعة". فجعل الوصف للقرية والقربة.

([14]) ديوان ذي الرمة 432 واللسان (ربض). وتمامه:

* من الدهنا تفرغت الحبالا *     وقبله:

وفي الأظعان مثل مها رماح *** علته الشمس فادرع الضلالا

([15]) يقال بالفتح والتحريك، وبضم وبضمتين.

([16]) البيت في اللسان (ربض، قرمص)

([17]) ديوان لبيد 14 طبع 1881 واللسان (تلل). وقد سبق في (تل 339).

([18]) التلاد: القديم. وفي الأصل: "بلاد"، صوابه من المجمل واللسان.

([19]) في القاموس (ربط): "لقب الغوث بن مر بن طابخة؛ لأن أمه كانت لا يعيش لها ولد فنذرت لئن عاش لتربطن برأسه صوفة ولتجعلنه ربيط الكعبة".

([20]) يقال فيها بضم ياء المضارع، وفتحها وكسرها.

([21]) في الأصل: "عبيد الله"، تحريف. انظر المفضليات (2: 178).

([22]) البيت من أبيات ثمانية رواها أبو تمام في الحماسة (1: 420).

([23]) صدره كما سبق في (ربط):  * رابط الجأش على فرجهم *

([24]) وبضمها أيضاً؛ فهن ثلاث لغات.

([25]) يقال أشلت الحجر، وشلت به، وشاولته.

([26]) رواية اللسان (شظظ، ربع، جلفع): "الناقة الجلفعة". وفي مادة (طبع): "المطبعة" كما هنا.

([27]) الجمهرة (1: 267).

([28]) وكذا في الجمهرة. وفي المجمل: "الدقيق".

([29]) يقال أيضاً "رمدت" بالميم، كما في اللسان (رمد، ربق).

([30]) في المجمل "يقول: إذا أضرعت فهيئ الربق لأولادها؛ فإنها تلد عن قريب".

([31]) في الأصل: "أوقفه فيه"، صوابه من المجمل واللسان.

([32]) هو أبو خراش الهذلي، كما في اللسان (ربل). وقصيدته في نسخة الشنقيطي من الهذليين 75، وحماسة أبي تمام (1: 326).

([33]) في الأصل: "مربلة"، والسياق يأباها، وصوابها من المجمل واللسان.

([34]) في اللسان (ربب): "مفتقر" وقال. "ويروى معتصر". وقد ورد بهذه الرواية في اللسان (عصر). ولم ينشده في (ربن). وسيعيده ابن فارس في (عصر).

([35]) كلمة "حتى" ليست في الأصل، وإثباتها من المجمل.

([36]) اقتصر في المجمل على لغة الفتح، وهنا ضبط في النسخة في هذا الموضع بالفتح ثم الضم. ويقال أيضاً "ربوة" بالكسر، كما سيأتي، فالكلمة مثلثة.

([37]) في الأصل: "ما".

([38]) في اللسان: "وأصله من الواو، وإنما ثني بالياء للإمالة السائغة فيه من أجل الكسرة".

([39]) البيت في المجمل واللسان (ربا).

([40]) ديوان امرئ القيس 10. والمقتفر: المتتبع الآثار.

([41]) في الأصل: "أرفع".

([42]) في الجمهرة (3: 203): "أي طول وعلو". والطول، بالفتح، كما ضبط بالأصل: الفضل. وضبط في المجمل بالضم، وليس بشيء. وزاد في المجمل بعده: "وهو مردود".

 

 

ـ (باب الراء والتاء وما يثلثهما)

(رتج)  الراء والتاء والجيم أصلٌ واحد، وهو يدلُّ على إغلاقٍ وضِيق. من ذلك أُرْتِجَ على فُلان في منطقه، وذلك إذا انغلق عليه الكلامُ. وهو من أرتَجْتُ البابَ، أي أغلقتُه. يقال رَتِجَ الرّجل في منقطه رَتَجاً. والرِّتاج: البابُ الغُلُق([1])، كذا قال الخليل. وروي في الحديث: "مَن جَعَل مالَهُ في رِتَاج الكعبة"، قالوا: هو البابُ، ولم يُرِد البابَ بعينه، لكنّه أراد أنّه جعل مالَه هَدْياً للكعبة، يريد النَّذْر. [قال([2])]:

إذا أحْلَفُوني في عُليّةَ أُجْنِحَتْ *** يَميني إلى شَطْر الرِّتاجِ المضبَّبِ([3])

  قال الأصمعيّ: أرْتَجَتِ النّاقة، إذا أَغلقت رحمَها على الماء. وأرْتَجَت الدّجاجة، إذا امتلأ بطنُها بيضاً. ويقال إنّ المَرَاتج الطُّرقُ الضيِّقة. والرَّتائج: الصخور المتراصِفة([4]).

(رتخ)  الراء والتاء والخاء ليس بشيء. على أنَّهم يقولون: رَتخَ العجينُ رَتْخاً، إذا رَقَّ. وكذلك الطِّين.

(رتع)  الراء والتاء والعين كلمةٌ واحدة؛ وهي تدلُّ على الاتِّساع في المأكل. تقول: رَتَعَ يَرْتَع، إذا أكل ما شاء، ولا يكون ذلك إلاّ في الخِصب. والمراتِع: مواضع الرَّتْعَة، وهذه المنزلة يستقرُّ فيها الإنسان([5]).

(رتب)  ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ... ([6]).

ومن هذا الباب قولهم: أَمْر تُرْتَبٌ؛ كأنه تُفْعَل، من رَتَبَ إذا دامَ. والرَّتَب: الشدّة والنَّصَب. قال ذو الرُّمَّة:

* ما في عيشه رَتَبُ([7]) *

والرَّتَب: ما أشْرَف من الأرض كالدَّرَج. تقول: رَتَبَةٌ ورَتَبٌ، كقولك دَرَجة ودَرَج. فأمّا قولهم في الرَّتَب، إنّه ما بين السَّبَّابة والوسطى، فمسموع، إلاّ أنّه وما أشبهه ليس من مَحْض اللغة.

ــــــــــــــــــ

([1]) الغلق بضمتين، كما في اللسان: والقاموس: "المغلق، وباللفظ الأخير وردت في المجمل. وضبطت في الأصل بفتحتين خطأ. قال في اللسان: "وباب غلق: مغلق، وهو فعل بمعنى مفعول، مثل قارورة وباب فتح، أي واسع ضخم؛ وجذع قطل".

([2]) هذه من المجمل.

([3]) أجنحت: أمليت. وفي الأصل: "أحجنت" صوابه في المجمل واللسان (رتج).

([4]) زاد في المجمل: "الواحدة رتاجة". وقد أورد في اللسان "الرتاجة" وفسرها بأنها "كل شعب ضيق كأنما أغلق من ضيقه". وفي القاموس: "والرتائج: الصخور، جمع رتاجة".

([5]) كذا وردت هذه المادة. وفي الكلام بعدها سقط بلا ريب. وقد أورد في المجمل مواد كثيرة بين هذه المادة وتاليتها، هي (رتق، رتك، رتل، رتم، رتو/أ).

([6]) أول هذه المادة ساقط من الأصل. وأولها في المجمل: "رتب إذا استقر ودام. وأمر ترتب: دائم ثابت".

([7]) البيت بتمامه كما في الديوان 17 واللسان (رتب):

تقيظ الرمل حتى هر خلفته *** تروح البرد ما في عيشه رتب

 

ـ (باب الراء والثاء وما يثلثهما)

(رثد) الراء والثاء والدال أصلٌ واحدٌ يدلُّ على نَضْدٍ وجَمع. يقال منه رَثَدْتُ المتاعَ، إذا نَضَدْتَ بعضَه على بعض. والمتاعُ المنضود رَثَد. وبذلك سُمِّي الرجل مَرْثداً. ومتاع رثِيدٌ ومرثود. وهو قوله:‏

فتَذَكَّرَا ثَقَلاً رثِيداً بَعْدَما *** ألقتْ ذُكاءُ يمينَها في كافِرِ(1)‏

وحكَى الكسائيُّ: أرثَدَ الرّجُل بالأرض كذا، أي أقامَ، ويقال: إنَّ المَرْثَدَ الكريمُ من الرِّجال(2). فأمّا قولُ القائل: إنَّ الرّثَد ضَعَفة الناس فذلك بمعنى التَّشبيه، كأنَّهم شُبِّهوا بالمتاع الذي يُنضَد بعضُه فوق بعض. يقولون: تركْنا على الماء رَثَداً ما يُطِيقون تَحَمُّلاً(3). والرَّثَد(4) أيضاً: ما يتلبّد من الثَّرى. يقال: احتفر القومُ حتَّى أرثَدُوا، أي بلغوا ذلك.‏

(رثع) الراء والثاء والعين أصلٌ صحيحٌ يدلُّ على جَشَعٍ وطَمَع. كذا قال الخليل: إنّ الرّثَع الطَّمَع والحِرْص. قال الكسائيّ: رجلٌ راثِع، وهو الذي يرضَى من العطيّة بالطَّفيف ويُخادِنُ أخدانَ السَّوء. يقال رثِع رثَعاً.‏

(رثم) الراء والثاء والميم أُصَيْلٌ يدلُّ على لَطْخ شيءٍ بشيء. يقال: رثَمَت المرأة أنْفَها بالطِّيب: طَلَتْه. قال:‏

* شَمّاءَ مارِنُها بالمِسك مَرثُومُ(5) *‏

ومن هذا الباب: رُثِم أنفُه، وذلك إذا ضُرِب حتَّى يسيل دمُه. ومن الباب الرَّثَم: بياضٌ في جَحْفلة الفَرَس العُلْيا. وهي الرُّثْمَة. وهو القياس؛ كأن الجحفلة قد رُثِمَت ببياض.‏

(رثن) الراء والثاء والنون ليس بشيءٍ. وربما قالوا: أرضٌ مرثونةٌ. الرَّثَان، وهو ممّا زَعَموا: شِبْه الرَّذَاذ.‏

(رثي) الراء والثاء والحرف المعتل أُصَيْلٌ على رِقّة وإشفاق. يقال رثَيْتُ لفُلان: رقَقْتُ. ومن الباب قولُهم رَثَى الميِّت بشعرٍ. ومن العرب من يقول: رَثَأْت. وليس بالأصل, ومن الباب الرَّثْيَة: وجعٌ في المَفاصل.‏

فأمّا المهموز فهو أيضاً أُصَيْلٌ يدلُّ على اختلاطٍ. يقال أَرْثَأَ اللَّبَن: خَثُر. والاسم الرّثيئة. قالوا في أمثالهم: "إِنَّ الرَّثِيئة مما يُطفِئُ الغَضَبَ". قال أبو زيد: يقال ارْتَثَأَ عليهم أمْرُهُم: اختَلطَ. ومنه الرثيئة. ويقال: ارتَثَأَ في رأيه، أي خَلَط. وهم يَرْثَؤُون رَثْأً. ويقال الرَّثِيئة أن يخلط اللبن الحامض بالحُلْو(6).‏

والله أعلم بالصواب.‏

ــــــــــــــ

(1) البيت لثعلبة بن صعير المازني، من قصيدة في المفضليات (1: 126- 129). وأنشده في اللسان (رثد) بهذه الرواية أيضاً. وفي المفضليات: "فتذكرت".‏

(2) في القاموس: "وكمسكن: الرجل الكريم". ولم تذكر في اللسان.‏

(3) وكذا في اللسان. لكن في المجمل: "لا يطيقون محملاً".‏

(4) في الأصل: "وارثد". ولم أجد هذه الكلمة بهذا المعنى في غير المقاييس.‏

(5) البيت لذي الرمة في ديوانه 572 واللسان (رثم). وصدره:‏

* تثني النقاب على عرنين أرنبة *‏

(6) في الأصل: "الخلة"، صوابه من المجمل.‏

 

 

ـ (باب الراء والجيم وما يثلثهما)

(رجح)  الراء والجيم والحاء أصلٌ واحدٌ، يدلُّ على رَزَانةٍ وزِيادة. يقال: رَجحَ الشيء، وهو راجِح، إذا رَزَن، وهو من الرُّجْحان، فأمّا الأُرْجُوحة فقد ذُكِرَتْ في مكانها([1]). ويقال أرجَحْتُ، إذا أَعْطَيتَ راجحاً. وفي الحديث: "زنْ وَأرجح". وتقول: ناوَأْنَا قَوْماً فرجَحْناهم، أي كُنَّا أرزَنَ منهم. وقومٌ مَراجيحُ في الحِلْم؛ الواحد مِرجاحٌ. ويقال: إنّ الأراجِيح الإبلُ؛ لاهتزازها في رَتَكانِها إذا مَشَتْ. وهو من الباب؛ لأنها تترجّح وتترجّح أحمالُها. وذكر بعضُهم أنّ الرَّجَاحَ المرأةُ العظيمة العَجُز. وأنشد:

* ومِن هَوَايَ الرُّجُح الأثَائثُ([2]) *

(رجز)  الراء والجيم والزاء أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ. من ذلك الرَّجَزُ: داءٌ يصيبُ الإبلَ في أعجازِها، فإذا ثارت النّاقةُ ارتعشَتْ فَخِذاها.

ومن هذا اشتقاق الرَّجَزِ من الشِّعر؛ لأنه مقطوع مضطرب([3]). والرِّجازة: كِساءٌ يُجْعَل فيه أحجارٌ [تعلّق([4])] بأحد جانِبَي الهَودج إذا مالَ؛ وهو يَضطَرِبُ. والرِّجَازة أيضاً: صوفٌ يعلّق على الهَودج يُزَيَّن به. فأما الرِّجْز الذي هو العذاب، والذي هو الصَّنَم، في قوله جلّ ثناؤه: {والرِّجْزَ فاهْجُرْ} [المدثر 5]، فذاك من باب الإبدال؛ لأن أصلَه السّينُ؛ وقد ذُكِر.

(رجس)  الراء والجيم والسين أصلٌ يدلُّ* على اختلاطٍ. يقال هُمْ في مَرْجُوسَةٍ مِن أمرِهم، أي اختِلاط. والرَّجْس: صوت الرَّعد، وذلك أنه يتردَّد. وكذلك هَدِيرُ البعيرِ رَجْسٌ. وسَحابٌ رَجّاسٌ، وبعيرٌ رَجّاس. وحكى ابنُ الأعرابيِّ: هذا رَاجِسٌ حَسَنٌ، أي راعِدٌ حَسن. ومن الباب الرِّجْس: القَذَر؛ لأنّه لَطْخٌ وخَلْط.

(رجع)  الراء والجيم والعين أصلٌ كبيرٌ مطّرد مُنْقاس، يدلُّ على رَدّ وتَكرار. تقول: رَجَع يرجع رُجوعاً، إذا عادَ. ورَاجَعَ الرّجُل امرأتَه، وهي الرَّجْعَة والرِّجْعَةُ. والرُّجْعَى: الرجوع. والرَّاجعة: الناقة تُباع ويُشتَرى بثمنها مِثلُها، والثانية هي الراجعة. وقد ارتُجِعَتْ. وفي الحديثُ: "أنّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم رأى في إبلِ الصَّدقةِ ناقةً كَوْماءَ، فسَأل عنها فقال المُصَدِّق: إنِّي ارتَجعتُها بإِبلٍ". والاسمُ مِن ذلك الرِّجْعة. قال:

جُرْدٌ جِلادٌ مُعَطَّفَات على الـْ *** أوْرَقِ لا رِجْعَةٌ ولا جَلَبُ([5])

  وتقول: أعطيتُه كذا ثمَّ ارتجعتُه أيضاً صحيح بمعناه. قال الشاعر([6]):

نُفِضَتْ بك الأحلاسُ نَفْضَ إقامةٍ *** واستَرْجَعَتْ نُزّاعَها الأمصارُ

  وامرأةٌ راجع: ماتَ زوجُها فرجَعت إلى أهلها. والترجيع في الصوت: تردِيدُه. والرَّجْع: رَجْع الدّابةِ يدَيْها في السَّير. والمرجوع: ما يُرجَع إِليه من الشيء. والمرجوع، جواب الرِّسالة. قال حُمَيد:

ولو أنَّ رَبْعاً رَدَّ رَجْعاً لسائلٍ *** أشار إِليَّ الرَّبْعُ أو لَتَكَلما([7])

  وأرْجَعَ الرَّجلُ يده في كِنانته، ليأخُذ سهماً. وهو قولُ الهُذَليّ([8]):

* فَعَيَّثَ في الكِنانة يُرْجِعُ([9]) *

والرّجاع: رُجوع الطَّير بعد قِطاعِها. والرَّجيع: الجِرَّة؛ لأنه يُرَدَّد مضْغُها. قال الأعشى:

وفلاةٍ كأنّها ظَهرُ تُرْسٍ  *** ليس إلا الرَّجِيعَ فيها عَلاَقُ([10])

  والرَّجِيع من الدوابّ: ما رجَعْتَه من سفرٍ إلى سَفَر. وأَرجَعَتِ الإبلُ، إذا كانت مَهَازِيلَ فسَمِنَتْ وحَسُنَتْ حالُها، وذلك رُجوعُها إلى حالِها الأولَى. فأمّا الرَّجْع [فـ] الغيثُ، وهو المطرُ في قوله جلّ وعزّ: {وَالسَّماءِ ذَاتِ الرَّجْعِ} [الطارق 11]، وذلك أنها تَغِيث وتصُبّ ثم تَرجِع فتَغِيث. وقال:

وجاءت سِلْتمٌ لا رَجْعَ فيها *** ولا صَدْعٌ فتَحْتلِبَ الرِّعاءُ([11])

  (رجف)  الراء والجيم والفاء أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ. يقال رجَفَتِ الأرْضُ والقَلبُ. والبَحْرُ رَجّافٌ لاضطرابه. وأَرْجَفَ الناسُ في الشيءِ، إذا خاضوا فيه واضطَرَبُوا.

(رجل)  الراء والجيم واللام مُعظم بابِه يدلُّ على العُضو الذي هو رِجْلُ كلِّ ذي رِجْل. ويكون بعد ذاك كلماتٌ تشِذُّ عنه. فمعظم الباب الرِّجل: رِجْلُ الإِنسانِ وغيره. والرَّجْل: الرَّجّالة. وإنما سُمُّوا رَجْلاً لأنهم يمشون على أرجُلِهم، والرُّجَّال والرَُّجَالَى: الرِّجَال. والرَّجْلانُ: الراجِل، والجماعة رَجْلى. قال:

عَليَّ إذا لاقَيْتُ لَيْلَى بخَلْوَةٍ *** زِيارَةُ بيتِ الله رَجْلاَنَ حافيا([12])

  رَجَلْتُ الشَّاةَ: عَلَّقْتُها برجلها. ويقال: كان ذاك على رِجْلِ فُلانٍ، أي في زمانِه. والأرجَل من الدوابِّ: الذي ابيضَّ أحَدُ رِجْليه مع سوادِ سائرِ قوائمه؛ وهو يُكْرَه([13]). والأرجَلُ: العظيم الرِّجْل. ورجلٌ رَجِيلٌ وذُو رُجْلَةٍ، أي قويٌّ على المَشْي. ورَجِلْتُ أَرْجَل رَجَلاً. وترَجَّلْتُ في البئر([14])، إِذا نزَلْتَ فيها من غير أن تُدَلَّى. وارتَجَلَ الفَرَسُ ارتجالاً، إِذا خَلَط العَنَق بالهَمْلَجةِ([15]). وأرْجَلْتُ الفصيلَ: تركْتُه يمشِي مع أمِّه، يرضَع متى شاء. ويقال راجِلٌ بَيِّن الرُّجْلَة.

وارتَجَلْتُ الرَّجلَ: أَخذْت برِجْله. قال الخليل: رِجْل القَوس: سِيَتُها العُليا ورِجْلُ الطائر: ضربٌ من المِيسم. ورِجْلُ الغُرابِ: ضَربٌ من صَرِّ أخْلاف النُّوق. وحَرَّةٌ رَجْلاء: يصعُب المشْيُ فيها. وهذا كلُّه يرجِع إلى الباب الذي ذكرناه.

ومما شذّ عن ذاك([16]) الرّجُل: الواحد من الرِّجال، وربما قالوا للمرأة الرَّجُلَة([17]). ومما شذّ * عن الأصل أيضاً الرِّجْلة، هي التي يقال لها البَقْلة الحَمْقاء. قالوا: وإنما سُمِّيت الحمقاءَ لأنها لا تنبُت إِلا في مَسيلِ ماء. وقال قومٌ: بل الرِّجَل([18]) مَسايِلُ الماء، واحدتها رِجْلَة.

فأما قولهم: تَرجّل النهار، إذا ارتفع، فهو من الباب الأوَّل، كأنه استعارة، أي إنه قام على رِجْله. وكذلك رَجَّلْت الشَّعْرَ، هو من هذا، كأنه قُوِّي. والمِرْجَلُ مشتقٌّ من هذا أيضاً؛ لأنه إِذا نُصِب فكأنه أقيم على رِجْلٍ.

ومما شذ عن هذه الأصول ما رواه الأُمَويّ، قال: إذا ولدتِ الغَنَم بعضُها بعد بعض قالوا: ولَّدْتُها الرُّجَيْلاَء([19]).

(رجم)  الراء والجيم والميم أصلٌ واحدٌ يرجِع إلى وجهٍ واحد، وهي [الرَّمْي بـ] الحجارة، ثم يستعار ذلك. من ذلك الرِّجام، وهي الحجارة. يقال رُجم فلانٌ، إذا ضُرِب بالحجارة. وقال أبو عُبيدة وغيرُه: الرِّجام: حجَرٌ يشَدُّ في طرف الحَبْل، ثم يدَلَّّى في البئر، فَتُخَضْخَضُ الحمأةُ حتى تَثُور ثم يُسْتَقى ذلك الماء فتُسْتَنْقَى البِئر([20]). والرُّجْمَة: القبر، ويقال هي الحجارة التي تجمع على القَبر ليُسَنم. وفي الحديث: "لا تُرَجِّمُوا قَبْري"، أي لا تجعلوا عليه الحجارةَ، دَعُوه مستوِياً. وقال بعضُهم: الرّجام حجرٌ يشَدُّ بطَرَف عَرْقُوَةِ الدّلو، ليكون أسرَعَ لانحدارها.

والذي يستعار من هذا قولُهم: رَجَمْتُ فلاناً بالكلام ، إذا شَتَمْتَه. وذُكِر في تفسير ما حكاه عزّ وجلّ في قصة إبراهيم عليه السلام: { لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ} [مريم 46] أي لأشتُمنَّك؛ وكأنه إذا شتَمه فقد رجَمَه بالكلام، أي ضرَبَه به، كما يُرجَم الإنسان بالحجارة. وقال قوم: لأرجُمَنَّك: لأقتُلنّك . والمعنى قريبٌ من الأول.

(رجن)  الراء والجيم والنون أصلان: أحدهما المُقَام، والآخر الاختلاط.

فالأول قولهم: رَجَنَ بالمكان رُجُوناً: أقام. والرَّاجِن: الآلِف من الطَّير وغيره.

والثاني قولهم ارْتَجَنَ أمْرُهم: اختلَط. وهو من قولهم ارْتَجَنَتِ الزّبدة، إذا فسَدتْ في المَخْض.

  (رجي)  الراء والجيم والحرف المعتلّ أصلان متباينان، يدلُّ أحدُهما على الأمَل، والآخَر على ناحية الشيء.

فالأول الرَّجاءُ، وهو الأمل. يقال رجَوت الأمْرَ أرجُوه رجاءً. ثم يُتَّسع في ذلك، فربما عُبِّر عن الخوف بالرَّجاء. قال الله تعالى: {مَالَكُمْ لاَ تَرْجُونَ ِللهِ وَقَاراً} [نوح 13]، أي لا تخافون لـه عَظَمَةً. وناسٌ يقولون: ما أرجو، أي ما أبالي. وفسَّروا الآية على هذا، وذكروا قول القائل:

إذا لَسَعَته النحلُ لم يَرْجُ لَسْعَها *** وخالَفَها في بيت نُوبٍ عَوَامِلِ([21])

  قالوا: معناه لم يكترِثْ. ويقال للفرَس إذا دنا نِتاجها: قد أرْجَتْ تُرْجِي إرجاءً.

وأمَّا الآخَر فالرَّجَا، مقصور: النَّاحية من البئر؛ وكل ناحيةٍ رَجاً. قال الله جلّ جلاله: {وَالمَلَكُ عَلى أَرْجَائِهَا} [الحاقة 17]. والتثنيةُ الرَّجَوَانِ. قال:

فلا يُرْمَى بيَ الرَّجَوَانِ إنِّي *** أقَلُّ الناس مَن يُغني غَنائِي([22])

  وأما المهموز فإِنّه يدلُّ على التأخير. يقال أرجأْتُ الشيءَ: أخّرته. قال الله جلّ ثناؤُه: {تُرْجِي مَنْ تَشَاءُ مِنْهُنَّ} [الأحزاب 51]؛ ومنه سمِّيت المُرْجئة.

قال الشيبانيّ: أَرْجَأَتْ([23]).

(رجب)  الراء والجيم والباء أصلٌ يدلُّ على دَعْم شيءٍ بشيءٍ وتقويتِه. من ذلك الترجِيب، وهو أن تُدْعَم الشجرةُ إذا كثُر حملُها، لئلا تنكسِر أغصانُها. ومن ذلك حديثُ الأنصاريّ([24]): "أنا جُذَيْلُها المُحَكَّك، وعُذَيْقُها المرجَّب([25])" يريد أن يُعوَّل على رأيه كما تعوِّلُ النَّخلةُ على الرُّجْبة التي عُمِدَتْ بها.

ومن هذا الباب: رجَّبْتُ الشيء، أي عظّمته. كأنك جعلته عُمدةً تعمِده لأمرك، يقال إنّه لمُرَجَّب. والذي حكاه الشيبانيُّ يقرُب من هذا؛ قال: الرَّجْبُ: الهَيْبَة. يقال رَجَبْتُ الأمر، إذا هِبْتَه. وأصل هذا ما ذكرناه من التعظيم، والتّعظيم يرجع* إلى ما ذكرناه من السّيد المعظّم، كأنه المعتمد والمعوَّل. والكلام يتفرَّع بعضُه من بعضٍ كما قد شرحناه. ومن الباب رَجَبٌ، لأنَّهم كانوا يعظِّمونه؛ وقد عظَّمَتْه الشّريعة أيضاً. فإذا ضمُّوا إليه شعبانَ قالوا رجَبانِ.

ومن الذي شذَّ عن الباب الأرْجاب: الأمْعاء. ويقال: إنّه لا واحدَ لها من لفظها. فأما الرّواجب فمفاصل الأصابع، ويقال: بل الراجبة ما بين البُرْجُمتين من السُّلامَى بين المَفْصِلَين.

(رجد)  الراء والجيم والدال ذكرت فيه كلمةٌ. قالوا: الإرجاد: الإرعاد.

ــــــــــــــــــــ

([1]) كذا في الأصل. ولعل كلمة "ذكرت" محرفة.

([2]) البيت لرؤبة. ديوانه 29 واللسان (أثث، وعث، رجح). وقد سبق إنشاده في (أث).

([3]) في المجمل: "وذكر ناس أن الخليل كان ينكر أن يكون شعراً". وانظر تحقيق هذا الرأي في اللسان (رجز).

([4]) التكملة من المجمل.

([5]) البيت للكميت يصف الأثافي. انظر الهاشميات 56 واللسان (رجع 476).

([6]) هو مسلم بن الوليد . ديوانه 238 والبيان (3: 141، 260).

([7]) في الأصل: "لت كلما" تحريف. وفي ديوانه المخطوط بتحقيق العلامة الميمني: "أو لتفهما".

([8]) هو أبو ذؤيب الهذلي. ديوانه 9 والمفضليات (2: 225) واللسان (رجع 487).

([9]) انظر (عيث). والبيت بتمامه كما في المراجع المتقدمة:

فبدا لـه أقراب هذا رائغا *** عجلا فعيث في الكنانة يرجع

([10]) ديوان الأعشى 141 واللسان (رجع، علق). وسيعيده في (علق).

([11]) السلتم، كزبرج: الداهية والسنة الصعبة. وفي الأصل: "سليم" صواب إنشاده من اللسان (رجع، سلتم). وفي الأصل أيضاً: "فينجر الرعاء"، وأثبت ما في اللسان.

([12]) أنشده في اللسان (رجل 284) بدون نسبة أيضاً برواية: "أن ازدار بيت الله".

([13]) في اللسان: "ويكره إلا أن يكون به وضح غيره".

([14]) يقال أيضاً: "ترجل البئر". انظر القاموس واللسان (رجل 288).

([15]) في الأصل: "بالهمجلة" تحريف. والهملجة: السير في سرعة وبخترة.

([16]) في الأصل: "وبعد ذاك".

([17]) من شواهده قوله:  خرقوا جيب فتاتهم *** لم يبالوا حرمة الرجله

([18]) الرجل، كعنب، كما نص في القاموس. وقيدت بأنها مسايل الماء من الحرة إلى السهل.

([19]) انظر اللسان (رجل 287).

([20]) في الأصل: "فتستقي البئر"، صوابه في المجمل واللسان.

([21]) البيت لأبي ذؤيب الهذلي في ديوانه 143 واللسان (عسل). وصواب روايته: "عواسل" كما في اللسان والديوان. وأنشد في المجمل صدره فقط. ويروى: "وحالفها" بالحاء المهملة.

([22]) في اللسان (رجا 24): "من يغني مكاني".

([23]) كذا وردت هذه العبارة، وحقها أن توضع بعد قوله "ترجي إرجاء" س3 من هذه الصفحة. وفي المجمل: "ويقال للناقة أو الفرس إذا دنا نتاجها قد أرجت إرجاء. قال الشيباني: "هو أرجأت".

([24]) هو الحباب بن المنذر، انظر اللسان والإصابة 1547.

([25]) في الأصل: "المجرب"، تحريف.

 

 


ـ (باب الراء والحاء وما يثلثهما)

(رحض)  الراء والحاء والضاد أصلٌ يدلُّ على غَسْل الشيء. يقال رحَضْتُ الثَّوبَ، إذا غسَلْتَه. قال:

مَهَامِهُ أَشْباهٌ كأنَّ سَرابَها *** مُلاءٌ بأيدي الغاسِلات رحيضُ([1])

  ويقال للمغْتَسَل([2]) المِرحاض. فأما عَرَقُ الحمَّى فإِنَّه يسمّى الرُّحَضاء؛ وهو ذاك القياس، كأنّها رحضَتِ الجسمَ، أي غَسَلْتَه.

(رحق)  الراء والحاء والقاف كلمةٌ واحدة. وهي الرَّحيق: اسمٌ من أسماء الخمر، ويقال هي أفضَلُها.

(رحل)  الراء والحاء واللام أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مُضيٍّ في سفَر. يقال: رَحَل يَرْحَل رِحْلَة. وجملٌ رحِيل: ذو رُِحْلة([3])، إذا كان قويّاً على الرِّحلة، والرِّحلة: الارتحال. فأمّا الرَّحْل في قولك: هذا رَحْلُ الرّجلِ، لِمَنزِلهِ ومأواهُ، فهو من هذا، لأنّ ذلك إنّما يقال في السَّفَر لأسبابه التي  إذا سافر كانت معه، يرتحل بها وإليها عند النزول. هذا هو الأصل، ثمَّ قيل لمأوَى الرّجل في حَضَرِه هو رحْلُه. فأمّا قولهم لِما ابيَضَّ ظَهْرُه من الدوابّ: أرحَلُ، فهو من هذا أيضاً؛ لأنّه يُشبَّه بالدابة التي على ظهرها رِحالة. والرِّحالة: السَّرج. ويقال في الاستعارة إن فلاناً يَرْحَلُ فُلاناً بما يكره([4]). والمُرَحَّل. ضَربٌ من برود اليمن؛ وتكون عليه صُوَرُ الرِّحال. ويقال أرْحَلَت الإبلُ: سَمِنَت بعد هُزالٍ فأطاقَت الرِّحْلة. والرِّحال: الطّنَافس الحِيرِيّة. قال:

* نَشَرَتْ عليه بُرودَها ورِحالَها([5]) *

والرَّاحلة: المَرْكَب من الإبل، ذكراً كان أو أنثى. ويقال رَاحَلَ فلانٌ فلاناً إذا عاوَنَه على رِحْلته. ورَحَّله، إذا أظْعَنَه مِن مكانه. وأرْحَلَه: أعطاه راحِلة. ورجل مُرْحِل: كثير الرّواحِل. ويقولون في القَذْف: "يا ابنَ مُلْقَى أرحُلِ الرُّكْبان"، يشيرون به إلى أمْرٍ قبيح.

(رحم)  الراء والحاء والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على الرّقّة والعطف والرأفة. يقال من ذلك رَحِمَه يَرْحَمُه، إذا رَقَّ لـه وتعطَّفَ عليه. والرُّحُْم والمَرْحَمَة والرَّحَْمة بمعنىً. والرَّحِم: عَلاقة القرابة، ثم سمِّيت رَحِمُ الأنثى رَحِماً من هذا، لأنّ منها ما يكون ما يُرْحَمُ وَيُرَقّ لـه مِن ولد. ويقال شاةٌ رَحُومٌ([6])، إذا اشتكَتْ رحِمَها بعد النِّتاج؛ وقد رَحُمَتْ رَحَامَة، ورُحِمَت رَحْما([7]). وقال الأصمعيّ: كان أبو عمرو بن العلاء يُنشد بيتَ زُهير:

ومَن ضرِيبته التّقوَى ويَعصِمُه *** مِن سيِّئ العَثَرات اللهُ والرُّحُمُ([8])

  قال: ولم أسمَعْ هذا الحرفَ إلاّ في هذا البيت. وكان يقرأ: {وَأَقْرَبَ رُحُماً([9])} [الكهف 81]، وكأن أبا عمروٍ ذهب إلى أنّ الرُّحُمَ الرَّحْمة. ويقال إنّ مكّة كانت تسمَّى أمَّ رُِحْم([10]).

(رحي)  الراء والحاء والحرف المعتلُّ أصلٌ واحد، وهي الرَّحَى الدائرة. ثم يتفرّع منها ما يقاربُها في المعنى. من ذلك رَحَى الحرب، وهي حَوْمَتُها. والرَّحى: رَحَى السَّحاب، وهو مُسْتَدَارُهُ. ورَحَى القوم: سيِّدهم. وسمي بذلك لأنَّ مَدارَهم عليه. والرَّحَى: سَعْدانة البعير([11])؛ لأنّها مستديرة. قال:

* رَحَى حَيزُومِها كرَحَى الطَّحينِ([12]) *

قال الخليل: الرَّحَى والرَّحيانِ. و*ثلاثُ أَرْحٍ([13]). والأرحاء، الكثيرة. والأَرْحِيَة كأنه جمع الجمع. والأرحاء: الأضراس. وهذا على التشبيه، أي كأنها تطحَن الطّعام. ويقال على التشبيه أيضاً للقِطعة من الأرض الناشِزَة على ما حولَها مثل النَّجَفة رَحىً([14]). وناسٌ من أهل اللُّغة يقولون: رحىً ورحَوَان قالوا: والعرب تقول رحَتِ الحيَّة تَرْحُو، إِذا استدارت.

(رحب)  الراء والحاء والباء أصلٌ واحدٌ مطّرد، يدلُّ على السَّعَة. من ذلك الرُّحْب. ومكانٌ رَحْبٌ. وقولهم في الدعاء: مَرْحَباً: أَتيتَ سَعةً. والرُّحْبَى: أعرض الأضلاع في الصَّدر. والرَّحِيب: الأكُول؛ وذلك [لسَعةِ] جوفِه. ويقال رَحُبَت الدّارُ، وأَرْحَبَت. وفي كتاب الخليل: قال نصر بنُ سيَّار: "أَرَحُبَكُمُ الدُّخولُ في طاعة الكِرمانيّ([15])"، أي أَوَسِعَكُمْ؟ قال: وهي كلمةٌ شاذّة على فَعُل مجاوِزاً([16]). والرَّحْبة: الأرضُ المِحلالُ المِئْناث([17]). ويقال للخيل: "أَرْحِبِي" أي توسَّعي.

ـــــــــــــــــ

([1]) البيت للعديل بن الفرخ العجلي من أبيات ثلاثة في حماسة ابن الشجري 199، والأغاني (20: 18)، والكامل 287، والشعراء لابن قتيبة. وقبله:

أخوف بالحجاج حتى كأنما *** يحرك عظم في الفؤاد مهيض

ودون يد الحجاح من أن تنالني *** بساط لأيدي الناعجات عريض

    وفي الأصل: "بأيدي الغانيات"، صوابه من المصادر المتقدمة.

([2]) في الأصل: "للمفتل"، صوابه في المجمل.

([3]) الرحلة بالضم والكسر: القوة على السير.

([4]) زاد في المجمل: "إذا آذاه". وفي اللسان: "أي يركبه".

([5]) البيت للأعشى في ديوانه 23 واللسان (رحل 295). وصدره: *ومصاب غادية كأن تجارها*

([6]) ويقال كذلك للمرأة والناقة والعنز.

([7]) وكذينك: رحمت رحما، كتعبت تعبا.

([8]) ديوان زهير 162 واللسان (رحم 123).

([9]) انظر اللسان (رحم 132).

([10]) نص في اللسان والقاموس ومعجم البلدان أنها بضم الراء. لكن في المجمل: "أم رحم وأم رحم" بكسر الراء أولاً وضمها ثانياً.

([11]) سعدانة البعير: كركرته.

([12]) للشماخ. وصدره كما في ديوانه 92 واللسان (رحا): *فنعم المعترى ركدت إليه*

([13]) الرحى مؤنثة. وفي الأصل والمجمل: "وثلاثة أرح"، صوابه ما أثبت.

([14]) النجفة، بالتحريك: أرض مستديرة مشرفة.

([15]) تكلم صاحب اللسان في تعدية هذا الفعل مع كونه على (فعل) وهو وزن من أوزان اللزوم، ثم ذكر أن الأزهري قال إن نصراً ليس بحجة.

([16]) مجاوزاً، أي متعدياً. وعبارته هنا مطابقة لعبارة المجمل.

([17]) في الأصل: "المناث"، صوابه في المجمل واللسان. وفي اللسان: "وأرض مئناث وأنيثة: سهلة منبتة خليقة بالنبات ليست بغليظة".

 

 


ـ (باب الراء والخاء وما يثلثهما)

(رخص)  الراء والخاء والصاد أصلٌ يدلُّ على لِينٍ وخلافِ شِدّة. من ذلك اللّحْمُ الرَّخْص، هو الناعم. ومن ذلك الرُّخْص: خِلاف الغَلاء. والرُّخْصَة في الأمر: خَلاف التَّشْديد. وفي الحديث: "إنَّ الله جلّ ثناؤه يحبُّ أن يؤخذ برُخَصِهِ كما يحبُّ أن تُؤتَى عزائِمهُ".

(رخف)  الراء والخاء والفاء أُصَيلٌ يدلُّ على رَخاوةٍ ولِين. فيقال: إن الرَّخْفَة: الزُّبدة الرَّقيقة. ويقال أرْخَفْتُ العَجين، إذا كثَّرْتَ ماءَه حتَّى يَستَرخِيَ. ويقال منه رَخَف يَرْخُف. ويقولون صار الماءُ رُخْفةً، أي طينا رقيقاً. والرَّخْفة: حجارةٌ خِفافٌ جُوفٌ.

(رخل)  الراء والخاء واللام كلمةٌ واحدة، وهي الرّخل([1]): الأنثى من أولاد الضَّأنِ، والذّكرُ حَمَلٌ، ويجمع الرخل رخالا.

(رخم)  الراء والخاء والميم أصلٌ يدلُّ على رقّةٍ وإشْفاق. يقال ألقى فلانٌ على فلانٍ رَخْمَتَه، وذلك إذا أظهَرَ إِشفاقاً عليه ورقَّة له. ومن ذلك الكلام الرَّخيم، هو الرقيق. قال امرؤ القيس:

رَخِيمُ الكلامِ قَطِيع القِيا *** مِ تفتَرُّ عن ذي غُروبٍ خَصِر([2])

  والرَّخَمة: الطائر الذي يقال لـه الأنوق، يقال سمِّي بذلك لرَخْمتِه على بَيضَتِه، يقال إنّه لم يُرَ له بيضٌ قطّ. وهو الذي أراده الكميت بقوله:

وذات اسمَيْنِ والألوانُ شَتَّى *** تُحمَّقُ وهي بَيِّنة الحَويلِ([3])

ومن هذا الباب قول أهل العربية: "الترخيم"، وذلك إسقاط شيءٍ من آخر الاسم في النِّداء، كقولهم: يا مالك، يا مالِ؛ ويا حارث، ويا حارِ. كأنّ الاسمَ لما ألقي منه ذلك رَقّ. قال زُهير:

يا حارِ لا أُرْمَيَنْ منكم بداهيةٍ *** لم يَلْقَهَا سُوقَةٌ قبلي ولا مَلِكُ([4])

ومما شذّ عن هذا الأصل قولُهم: شاةٌ رَخْماء، وهي التي ابيضَّ رأسها.

(رخو)  الراء والخاء والحرف المعتلّ أصلٌ يدلُّ على لِينٍ وسخافةِ عقل. من ذلك شيءٌ رِخْوٌ بكسر الراء. قال الخليل: رَُخْوٌ أيضاً([5])، لغتانِ.

يقال منه رَخِيَ يَرْخَى، ورَخُوَ، إذا صار رَُِخْواً. ويقال: أرخَتِ الناقة، إذا استَرخَى صَلاَها. وفرسٌ رِخْو، إذا كانت سهلة مسترسلة، في قول أبي ذؤيب:

* فهي رِخْوٌ تمزَعُ([6]) *

ويقال استرخى به الأمرُ واسترخت به حالُه، إذا وقع في حالٍ حسنةٍ غير شديدة. وتراخَى عن الأمر، إذا قعد عنه وأبطأ. ومن الباب الرُّخاء، وهي الريح الليِّنة. قال الله تعالى: {فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاءً حَيْثُ أَصَابَ} [ص 36]. والإرخاء مِن رَكْضِ الخيل* ليس بالحُضْر المُلْهَب([7]). يقال فرسٌ مِرْخاءٌ من خَيل مَرَاخٍ، وهو عَدْوٌ فوق التَّقْرِيب([8]). قال أبو عبيدٍ: الإِرخاء أن يخلّى الفرسُ وشَهوتَه في العَدْوِ، غير متعبٍ لـه. وهذه أُرْخِيّة، لِما أرْخَيْتَ مِن شيءٍ.

(رخد)  الراء والخاء والدال كلمة واحدة ليس لها قياس. ويقال: الرِّخْوَدّ: الليِّن العِظام.

ـــــــــــــ

([1]) الرخل، بالكسر وككتف.

([2]) كلمة "ذي" ليست في الأصل، وإثباتها من الديوان 58 وفيه: * فتور القيام قطيع الكلام *

([3]) في الحيوان (7: 18، 22) واللسان (حول): "وهي كيسة الحيل". وقد سبقت روايته في (حول) برواية: "بينة الحويل".

([4]) ديوان زهير 180. وهو يعني الحارث بن ورقاء الصيداوي، وكان قد استاق إبل زهير وراعيه يساراً.

([5]) الضبط بضم الراء عن المجمل. على أن الكلمة مثلثة، تقال أيضاً بفتح الراء.

([6]) البيت بتمامه كما في ديوانه 16 والمفضليات (2: 227) واللسان (رخا):

تغدو به خوصاء تقطع جريها *** حلق الرحالة فهي رخو تمزع

([7]) في الأصل: "المهلب"، صوابه في المجمل.

([8]) في الأصل: "القريب". والتقريب: ضرب من العدو.

 

 


ـ (باب الراء والدال وما يثلثهما)

(ردس)  الراء والدال والسين أُصَيلٌ يدلُّ على ضربِ شيءٍ بشيء. يقال ردَسْتُ الأرض بالصّخرةِ وغيرها، إذا ضربْتَها بها. والمِرْدَاس: صَخْرة عظيمة، مِفْعال من رَدَسْت. قال الأصمعيُّ: ما أدرِي أين رَدَس؟ أي ذَهب. والقياسُ واحدٌ، لأنَّ الذاهبَ يقال له: ذَهَب في الأرض، وضَرَب في الأرض.

(ردك)  الراء والدال والكاف ليس أصلاً، لكنهم يقولون: خَلْقٌ مُرَوْدَكٌ؛ أي سمين. قال:

* قامت تُرِيك خَلْقَهَا المُرَوْدَكا *

(ردع)  الراء والدال والعين أصلٌ واحدٌ يدلُّ على مَنْع وصَرْع. يقال ردَعْتُه عن هذا الأمرِ فارتدَع. ويقال للصَّريع: الرَّدِيع. حكاه ابنُ الأعرابيّ([1]).

والمرتدع من السِّهام: الذي [إذا] أصاب الهدف انفضَخَ عُودُه. والمُرْتدع: المتَلَطِّخ بالشيء. قال ابنُ مقبِل:

* يَجْرِي بديباجَتَيْه الرَّشْحُ مُرتَدِعُ([2]) *

فالمرتدِع المتلطِّخ؛ ويقال إنّه من الرَّدْع، والرَّدْع: الدم. قال بعضُ أهل اللُّغة. ومنه يقال للقتيل: "رَكِبَ رَدْعَه". والأصل في هذا كلِّه ما ذكرناه أن الرَّدْع الصَّرْع، وإذا صُرِع ارتَدَع بدمِه إن كان هناك دَم. قال ابن الأعرابيّ: ركِبَ رَدْعَه، إذا خَرَّ لِوَجهِهِ. ومن الباب الرُّدَاع وهو وجع الجسم أجْمَع، وهذا صحيحٌ لأن السقيم صريع. قال:

فواحَزَنِي وعاوَدَني ردَاعِي *** وكان فِراقُ لُبْنَى كالخِدَاع([3])

  (ردغ)  الراء والدال والغين أُصَيلٌ يدلُّ على استرخاء واضطراب. من ذلك الرَّدَْغُ: الماء والطين. ومنه الرَّديغ، وهو الأحمق، والأحمق مضطرِب الرأي.

ومما شذّ عن ذلك المَرَادِغ: ما بَين الْعنق والتَّرقُوة.

(ردف)  الراء والدال والفاء أصلٌ واحدٌ مطّرد، يدلُّ على اتبِّاع الشيء. فالتَّرادف: التتابع. والرَّدِيف: الذي يُرادِفُك. وسُمِّيت العجيزَةُ رِدْفاً من ذلك. ويقال: نَزَلَ بهم أمرٌ فرَدِفَ لهم أعظَمُ منه، أي تبِع الأوَّلَ ما كان أعظَمَ منه. والرِّدَاف: مَوضع مَرْكَب الرِّدف. وهذا بِرذَونٌ لا يُرادِفُ، أي لا يَحمِل رَدِيفا. وأردافُ النُّجوم: تَوَالِيها. ويقال أتينا فلاناً فارتدفْناهُ ارْتِدافاً، أي أخذناه أَخْذاً. والرَّدِيف: النجم الذي يَنُوء مِن المشرق  إذا انغمَسَ رقِيبُه في المغرب: وأرداف الملوك في الجاهلية: الذين كانوا يَخْلُفُون الملوك. والرِّدْفانِ: الليل والنهار. وفي شعر لبيدٍ "الرِّدْف([4])"، وهو مَلاّح السَّفينة. وهذا أمرٌ ليس له رِدْف، أي ليست له تَبِعة. قال الأصمعيّ: تعاونوا عليه وترادَفُوا وتَرَافَدوا، بمعنىً. ويقال رَادَف الجرادُ؛ والمُرادفة: ركوب الذكرِ الأُنثى. قال أبو حاتم: الرّديف: الذي يجيء بقِدْحه بعد أن فاز مِن الأيسار واحد أو اثنانِ، ويسألُهم أن يدخلوا قِدْحَه في قِدَاحِهم. قال الأصمعيّ: الرُّدَافَى، هم الحُداة، لأنَّهم إِذا أعيا أحدُهم خَلَفَه الآخر. قال الرَّاعي:

وَخُودٌ مِن اللائي يُسَمَّعْنَ بالضُّحى *** قريضَ الرُّدَافَى بالغِناءِ المُهَوِّدِ([5])

  والرَّوَافد: رواكِيب النَّخل.

(ردم)  الراء والدال والميم أصلٌ واحدٌ يدلُّ على سَدّ ثُلْمة. يقال رَدَمْت البابَ والثُّلْمة. والرَّدْم: مصدرٌ، والرَّدْم اسم([6]). والثوب المُرَدَّم هو الخَلَق المُرَقَّع. فأما قوله:

*هل غادَرَ الشُّعراءُ مِن مُتَرَدَّمِ *** أم هل عَرَفْتَ الدارَ بعد توهُّمِ([7])

على رواية من رواه كذا، فإِنّه فيما يقال الكلام يُلْصَق بعضُه ببعض.

ومن الباب: أردَمَتْ عليه الحُمَّى: دامت وأَطبَقَتْ، يقال وِرْدٌ مُرْدِمٌ، وسَحاب مُرْدِم.

(ردن)  الراء والدال والنون هذا بابٌ متفاوتُ الكَلِم لا تكاد تلتقي منه كلمتانِ في قياسٍ واحد، فكتبناه على ما به، ولم نَعْرِضْ لاشتقاق أصلِه ولا قياسِه. فالرُّدْن: مقدَّم الكُمّ. يقال أرْدَنْتُ القَميصَ جعلْتُ له رُدْناً.، والجمع أَرْدَان. قال:

وعَمْرةُ مِن سَرَوَاتِ النِّسا *** ءِ ينفَحُ بالمسك أردانُها([8])

ويقولون إن الرَّدَن الخزُّ، في قول الأعشى:

فأفنيتُها وتعَلَّلْتُها *** على صَحصَحٍ ككِساءِ الرَّدَن([9])

  والرُّمْح الرُّدينيّ، منسوبٌ إلى امرأة كانت تسمَّى رُدَيْنَةَ. ويقال للبعير إذا خالطَتْ حمرتَه صُفرةٌ: هو أحمرُ رادِنيٌّ، والناقة رادِنِيَّة. ويقولون إنَّ المِرْدَن المِغزل الذي يُغزَل به الرَّدَن، وليس هذا ببعيدٍ، ويقال إن الرَّادِن الزَّعفران. وينشد:

* وأخذَتْ من رادِنٍ وكُرْكُمِ([10]) *

وحُكي عن الفرّاء: رَدِن جِلدُه رَدَنا، أي تقبَّض. والأردُنّ: النُّعاس الشديد. قال:

* قَدْ أَخَذَتْني نَعْسَةٌ أُرْدُنُّ([11]) *

ولم يسمع من أُرْدُنّ فِعْل. قال قطرب: الرَّدَن: الغِرس الذي يخرج مع الولد من بطن أمِّه، وتقول العرب: هذا مِدْرَع الرَّدَن. قال: الرَّدْن: النَّضْد. تقول: رَدَنْتُ المتاع. قال: والرَّدْن: صوتُ وَقْعِ السلاحِ بعضِه على بعض.

(رده)  الراء والدال والهاء أُصَيلٌ يدل على هَزْمٍ في صَخرةٍ أو غيرها. قالوا: الرَّدْهَة: قَلْتٌ في الصَّفا يجتمع فيه ماء السماء؛ والجمع رِدَاه. فأما الذي حُكِي عن الخليل فمخالفٌ لما ذكَرْناه؛ قال: الرَّدَه([12]): شِبهُ آكامٍ خشنةٍ كثيرة الحجارة، الواحدة رَدْهَةٌ. قال وهي تِلال القِفاف. قال رُؤبة:

* مِن بَعْد أَنْضاد التلال الرُّدَّهِ([13]) *

(ردي)  الراء والدال والياء([14]) أصلٌ واحدٌ يدلُّ على رَمْيٍ أو تَرَامٍ وما أشبه ذلك. يقال ردَيْتُه بالحجارة أَردِيه: رميتُه. والحجر مِرْداةٌ. والرَّدْي ثلاثة مواضع ترجع إلى قياس [ما] قد ذكرناه. فالأول رَدَى الحجرَ. والثاني رَدَى الفرسُ: أسرع. وَرَدَتِ الجارية، إذا رفعَتْ إحدى رجلَيها وقفزت بواحدة، وهو الثالث. وكلُّ ذلك يرجِع إلى الترامِي. والرَّدَيَان: عدْوُ الحمار بين آرِيِّه ومُتمعَّكِه. ومن الباب الرَّدَى، وهو الهَلاك؛ يقال رَدِيَ يَرْدَى، إذا هلَك. وأرْدَاه الله: أهلَكَه. والتَّردِّي: التَّهَوُّر في المَهْوَى. يقال رَدِيَ في البئر كما يقال تَرَدَّى. قالها أبو زيد. ويقال: ما أدري أين رَدَى، أي أين ذَهَب. وهو من الباب، معناه ما أدرِي أين رَمَى بنفسِه. ومن الباب الرَّدَاةُ: الصخرة، وجمعها الرَّدَى. قال:

* فَحْل مَخَاضٍ كالرِّدَى المنقَضِّ([15]) *

وإذا قالوا للناقة مِرْداةٌ، فإنما شبّهوها بالصَّخرة. ويقال رادَيتُ عن القوم، إذا رَامَيْتَ عنهم. فأما قول طُفَيل:

يُرَادَى على فَأْسِ اللِّجام كأنما *** يُرادَى على مِرْقَاةِ جِذْعٍ مشذَّبِ([16])

  فليس هذا من الباب؛ لأنَّ هذا مقلوبٌ. ومعناه يُراوَد. وقد ذكر في موضعه. ومما شذّ عن الباب الرِّداء الذي يُلبَس، ما أدري مِمّ اشتقاقُه، وفي أيِّ شيءٍ قياسُه. يقال فلانٌ حسَنُ الرِّدْية، من لُبْس الرداء. ومما شذّ أيضاً قولُهم: أردَى على الخمسين، إذا زاد عليها.

فأما المهموز فكلمتانِ متباينتان جِدّاً. يقال أَردأْتُ: أَفسدْتُ. ورَدُؤَ الشيءُ فهو ردِيءٌ. والكلمة الأخرى أردأت، إذا أَعَنْتَ. وفلان رِدْءُ فلانٍ، أي مُعِينه. قال الله جلّ جلالُه* في قصة موسى: {فَأَرْسِلْهُ معِيَ رِدْءاً يُصَدِّقُني} [القصص 34].

(ردج)  الراء والدال والجيم ليس بشيء. على أنَّهم يقولون إنّ الرَّدَج ما يُلقيه [المُهْر([17])] من بطنه ساعةَ يُولَد. وينشدون:

لها رَدَجٌ في بيتها تستعدُّه *** إذا جاءها يوماً من الدّهر خاطبُ([18])

  (ردح)  الراء والدال والحاء أصَّل فيه ابنُ دُريدٍ أصلاً. قال: أصله تراكُمُ الشيءِ بعضِه على بعض. ثم قال: كتيبة رَدَاحٌ: كثيرة الفُرسان. وقال أيضاً: يقال أصل الرَّدَاحِ الشجرة العظيمة الواسعة. ومن الباب فلانٌ رَدَاحٌ أي مخصِب. ومن الباب الرَّدَاحُ: المرأة الثَّقيلة الأوراك. ومنه ردَحْتُ البيت وأَرْدَحْتُه، من الرُّدْحة، وهو قطعةٌ تُدخَل فيه، أو زيادةٌ تزاد في عَُمَُده. وأنشد الأصمعي:

* بَيْتَ حُتُوفٍ أُرْدِحَتْ حَمَائِرُه([19])*

قال ابن دريد([20]): رَدَحْت البيتَ، إذا ألقيتَ عليه الطِّين.

(ردخ)  الراء والدال والخاء ليس بشيء. على أنَّهم حكَوْا عن الخليل أن الرَّدْخ: الشَّدْخ.

(ردب([21]))  الراء والدال والباء ليس بشيءٍ. ويقولون للقِرْمِيدة الإِردَبة. والإردَبُّ: مكيالٌ لأهل مِصرَ ضخمٌ.

ـــــــــــــــــ

([1]) زاد في المجمل: "ويقال هو بالغين".

([2]) سبق إنشاده في (دبج). وصدره كما في اللسان (دبج، رشح، ردع):

* يخدي بها بازل فتل مرافقه *

([3]) لقيس بن ذريح، كما في اللسان (ردع).

([4]) يعني قول لبيد في ديوان 66 طبع 1880 واللسان (ردف 16):

فالتام طائقها القديم فأصبحت *** ما إن يقوم درأها ردفان

([5]) البيت في صفة ناقة. انظر اللسان (وخد، ردف، هود).

([6]) الاسم والمصدر سواء، كما في اللسان والقاموس.

([7]) البيت مطلع معلقة عنترة.

([8]) لقيس بن الخطيم الأنصاري في ديوانه 8 واللسان (ردن).

([9]) ديوان الأعشى 16. ويروى: " تعاللتها" و:" كرداء الردن".

([10]) للأغلب العجلي، كما في اللسان (ردن).

([11]) لأباق الدبيري، كما في اللسان (ردن).

([12]) في اللسان: "بفتح الراء والدال. هذا قول أهل اللغة. قال ابن سيده: والصحيح أنه اسم للجمع".

([13]) ديوان رؤبة 167 واللسان (رده). والذي في الديوان:

تعدل أنضاد القفاف الرده *** عنها وأثباج الرمال الوره

 وقد أشير في حواشي اللسان إلى رواية التكملة: "يعدل أَنضاد القفاف".

([14]) في الأصل: "رود، الراء والواو والدال"، تحريف.

([15]) البيت في اللسان (ردي 33).

([16]) ديوان طفيل 11 واللسان (ردي 34).

([17]) التكملة من المجمل.

([18]) البيت لجرير كما في اللسان (ردج).

([19]) من رجز لحميد الأرقط، كما في اللسان (حمر). وقد سبق إنشاده في (حمر). وأنشده في اللسان (ردح) أيضاً. وقبله: * أعد للبيت الذي يسامره *

([20]) الجمهرة (2: 121). ونصها: "والردح من قولهم ردحت البيت بالطين أردحه ردحاً وأردحته إرداحاً، لغتان فصيحتان، إذا كاثفت عليه الطين".

([21]) الترتيب الصحيح لهذه المادة أَن تكون بعد مادة (ردي)، لكن هكذا وضعت في المجمل والمقاييس. ويبدو أنه قد انساق مع ترتيب المجمل.

 

 

ـ (باب الراء والذال وما يثلثهما)

(رذم)  الراء والذال والميم أُصَيلٌ يدلُّ على سَيَلانِ شيءٍ. يقال حَفْنَة رَذُمٌ، إذا سالَتْ دَسَماً. وعَظْمٌ رَذُوم، كأنّه من سِمَنه يسيل دَسَماً. قال:‏

* وفي كفِّها كِسْرٌ أَبحّ رَذُومُ([1]) *‏

(رذا)  الراء والذال والحرف المعتل يدلُّ على ضعفٍ وهزال. فالرّذِية: الناقة المهزولة من السَّير، والجمع رَذَايا. قال أبو دُواد:‏

رَذَايا كالبَلاَيا أو *** كعِيدانٍ من القَضْبِ([2])

يقال منه: أرذَيْتُها.‏

(رذل)  الراء والذال واللام قريبٌ من الذي قبله. فالرَّذْل: الدُّون مِن كلِّ شيء، وكذلك الرُّذَال.‏

انقضى الثُّلاثي من الراء.‏

ـــــــــــــــــــ

([1]) في الأصل: " وفي يدها"، صوابه مما سبق في مادة (بح) حيث الكلام على البيت.‏

([2]) القضب، بالفتح: شجر تتخذ منه القسي، ويقال إنه جنس من النبع. وقد أنشد البيت في السان (قضب) وفسره.‏

 

 

ـ (باب الراء وما بعدها مما هو أكثر من ثلاثة أحرف)

وهذا شيء يقِلُّ في كتاب الراء، والذي جاء منه فمنحوتٌ أو مزيدٌ فيه. من ذلك (رَعْبَلْتُ) اللّحمَ رعْبَلةً؛ إذا قطَّعتَه، قال:

* ترى الملوكَ حولَه مُرَعْبَلَهْ([1]) *

فهذا ممَّا زِيدت فيه الباء، وأصله من رَعَل، وقد مضى. يقال لما يُقْطَع من أُذُن الشَّاة ويترك معلَّقاً ينوسُ كأنه زَنمَةٌ [رَعْلَة]. فالرَّعْبَلَة من هذا.

ومن ذلك (الرَّهْبَلة): مَشْيٌ بِثِقَلٍ. وهذا منحوتٌ من رَهَل ورَبَل، وهو التجمُّع والاسترخاء، فكأنها مِشْيَةٌ بتثاقُل.

ومن ذلك (المرجَحِنُّ)، وهو المائل، فالنون فيه زائدة، لأنّه من رَجَح. وليس أكثَر من هذا في الباب. والله أعلم بالصواب.

تم الجزء الثاني من مقاييس اللغة بتقسيم محققه ويليه الجزء الثالث وأوله "كتاب الزاء"

ـــــــــــــــــــــ

([1]) ويروى أيضاً "مغربله" كما في اللسان (رعبل، غربل) والمخصص (6: 114). وفي اللسان (غربل) والأغاني (13: 140-141).

أحيا أباه هاشم بن حرمله

يوم الهباءات ويوم اليعمله

ترى الملوك حولـه مغربله

ورمحه للوالدات مثكله

يقتل ذا الذنب ومن لا ذنب لـه ***

مراجع التحقيق والضبط

يضاف إلى المراجع المثبتة في نهاية الجزء الأول:‏

أمالي الزجاجي. طبع السعادة 1324 القاهرة.‏

أمالي ابن الشجري. طبع 1349 حيدر أباد.‏

البيان والتبيين، تحقيق عبد السلام هارون. طبع لجنة التأليف 1369.‏

ديوان تميم بن مقبل. مديرية إحياء التراث بدمشق 1381.‏

ديوان الحادرة. نسخة الشنقيطي رقم 34 أدب ش بدار الكتب المصرية.‏

ديوان حميد بن ثور. مخطوط بتحقيق العلامة الميمني معد للطبع بدار الكتب المصرية.‏

ديوان زهير بشرح الشنتمري. طبع النعساني 1347 القاهرة.‏

ديوان طفيل بن عوف. طبع 1927م لندن.‏

ديوان عبد الله بن الدمينة. طبع المنار 1337 القاهرة.‏

ديوان عروة بن حزام. مخطوط برقم 70 ش بدار الكتب المصرية.‏

رسائل الجاحظ. طبع الساسي 1324 القاهرة.‏

شرح الشافية للرضي. طبع مطبعة حجازي 1358 القاهرة.‏

الشعر والشعراء لابن قتيبة. طبع دار إحياء الكتب العربية 1366.‏

الفهرست لابن النديم. طبع الرحمانية بالقاهرة.‏

لامية العرب للشنفرى. طبع الجوائب 1300 تركيا.‏

المجمل لابن فارس. مخطوط برقم 382 لغة بدار الكتب المصرية.‏

محاضرات الأدباء للراغب. طبع الشرقية 1326 القاهرة.‏

مختارات ابن الشجري. طبع المطبعة العامرة 1306 القاهرة.‏

معاهد التنصيص للعباسي. طبع البهية 1316 القاهرة.‏

منتهى الطلب لابن ميمون. مخطوط برقم 53 ش بدار الكتب المصرية.‏

المؤتلف والمختلف للآمدي. طبع القدسي 1354 القاهرة.‏

نهاية الأرب للنويري. طبع دار الكتب المصرية 1342.‏

همع الهوامع للسيوطي. طبع السعادة 1327 القاهرة.‏

وقعة صفين لنصر بن مزاحم. طبع دار إحياء الكتب العربية 1365.‏ 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق